• عدد المراجعات :
  • 3821
  • 3/10/2012
  • تاريخ :

البديع في فصل الربيع

العقعق التايواني الأزرق

إن الذين قَضَوْا يَوْمَ شَمِّ النَّسيم البهيج المَرِح على بِساط الربيع، يَجْتَلُون جمال الطبيعة المتَبَرِّجَة في الزَّهْر والنهر، ويستَوْعِبون أسرار الحياة المنبثَّة في السماء والأرض، يَسرُّهم أن يقرؤوا تعبير الشِّعر عمَّا شهدوه من جَمال النيل، وأحسوه من فتنة وادِيه، ولم يستطيعوا الهُتافَ به ولا التعبيرَ عنه.

 أمَّا الشُّعورُ النَّفْسِيّ الذي يُدْرِكُ الشاعرُ الأصيلُ في جَوٍّ مُعَيَّن، ومنظرٍ محدود، وزهرة خاصة، فيصل به بين النفس والطبيعة، وبين الفِكر والصورة، وبين الفَن والواقع.

للربيع في الشعر أرخم الأوتار، وأعذب الألحان من موسيقى الشاعر؛ لأن الشتاء عَناءٌ طويل وهَمٌّ ثقيل: ظلام متكاثف يحجب السماء، ومطَر واكف يغمر الأرض، وبَرْد قارس يهرأ الأجساد، وغَمام متراكم يَسُدُّ الأُفُق، فلا ترى شعاعة شمس ولا خَفْقة طائر، وثلجٌ متراكب يطمر الثرى فلا تَجِدُ عُشْبَةً في مَرْج، ولا زهرةً في حديقة، والناس في حنينٍ دائم إلى الربيع ؛ لأنه هو حياة بعد موت، وابتهاج بعد كآبَة، وشيوع الدفء في النسيم، ودبيب الحياة في الشجر، وعودة العُصفور المهاجر إلى عُشه، وخرير الجدول الجامد بعد صمته، فإذا أقبل الربيع مَتَّعَهم بما حُرِموه طويلاً من جَلْوة الطبيعة في الأفق المشرق، والروض البهيج، والجو المعطَّر، والطير الصادِحَة، والضواحي الأنيقة، والغابات الوريفة، والمنتزهات اللاعبة، والربيع الأوربي على الجملة تغيير في النفس وتجديد في الحياة، والتغير والتجَدُّد يُلْهِمان القرائحَ الخلاقة شعرًا يمتزج فيه الوجدان بالوجود، ويتصل به الخيال بالحقيقة.

ولقد نظرتُ في شِعرنا القديم والجديد فلم أرَ شاعرًا قبل شوقي ولا بعده خَصَّ الربيع بقصيدتَيْنِ من مُحْكَم الشِّعر وجَيِّده، إحداهما طويلةٌ مستقِلَّة، أَهْداها إلى الكاتب القَصصي (هول كين)، والأُخْرى قصيدة تابعة جعلها صدْرًا لقصيدته التي نَظَمَهَا في المهرجان الذي أُقيم لتكريمه، يقول في الأولى:

آذَارُ   أَقْبَلَ   قُمْ   بِنَا   يَا    صَاحِ حَيِّ   الرَّبِيعَ    حَدِيقَةَ    الأَرْوَاحِ
وَاجْمَعْ نَدَامَى الظَّرْفِ تَحْتَ لِوَائِهِ      وَانْشُرْ   بِسَاحَتِهِ   بِسَاطَ    الرَّاحِ
صَفْوٌ أُتِيحَ  فَخُذْ  لِنَفْسِكَ  قِسْطَهَا   فَالصَّفْوُ لَيْسَ عَلَى  الْمَدَى  بِمُتَاحِ
وَاجْلِسْ بِضَاحِكَةِ الرِّيَاضِ مُصَفِّقًا         لِتَجَاوُبِ     الأَوْتَارِ      والأَقْدَاحِ

                 إلى أن يقول:

مَلَكَ  النَّبَاتُ   فَكُلُّ   أَرْضٍ   دَارُهُ  

 َلْقَاهُ       بِالأَعْرَاسِ       وَالأَفْرَاحِ

مَنْشُورَةً    أَعْلامُهُ     مِنْ     أَحْمَرٍ   قَانٍ   وَأَبْيَضَ   فِي   الرُّبَى    لَمَّاحِ
لَبِسَتْ  لِمَقْدَمِهِ   الْخَمَائِلُ   وَشْيَهَا   وَمَرِحْنَ   فِي   كَتِفٍ   لَهُ   وَجَنَاحِ
الوَرْدُ  فِي  سُرَرِ   الْغُصُونِ   مُفَتَّحٌ   مُتَقَابِلٌ     يُثْنِي     عَلَى      الفَتَّاحِ
ضَاحِي الْمَوَاكِبِ فِي الرِّيَاضِ مُمَيَّزٌ   دُونَ   الزُّهُورِ   بِشَوْكَةٍ    وَسِلاحِ
مَرَّ    النَّسِيمُ     بِصَفْحَتَيْهِ     مُقَبِّلاً  مَرَّ  الشِّفَاهِ   عَلَى   خُدُودِ   مِلاحِ
هَتَكَ  الرَّدَى  مِنْ   حُسْنِهِ   وَبَهَائِهِ  بِاللَّيْلِ  مَا  نَسَجَتْ   يَدُ   الإِصْبَاحِ
 يُنْبِيكَ    مَصْرَعُهُ،    وَكُلٌّ    زِائِلٌ       أَنَّ    الْحَيَاةَ     كَغَدْوَةٍ     وَرَوَاحِ
 وَيَقَائِقُ   النَّسْرَيْنِ    فِي   أَغْصَانِهَا كَالدُّرِّ  رُكِّبَ  فِي  صُدُورِ   رِمَاحِ
وَاليَاسَمِينُ        لِطِيفُهُ        وَنَقِيُّهُ  كَسَرِيرَةِ      الْمُتَنَزِّهِ      الْمِسْمَاحِ
 مُتَأَلِّقٌ    خِلَلَ     الْغُصُونِ     كَأَنَّه      فِي  بُلْجَةِ  الإِصْبَاحِ  ضَوْءُ   صَبَاحِ

                

الربيع

مَرْحَبًا    بِالرَّبِيعِ   

مَرْحَبًا    بِالرَّبِيعِ    فِي     رَيْعَانِهِ   وَبِأَنْوَارِهِ       وَطِيبِ        زَمَانِهْ
زُفَّتِ  الأَرْضُ  فِي  مَوَاكِبِ  آزَا    رَ  وَشَبَّ  الزَّمَانُ  فِي  مِهْرَجَانِهْ
 نَزَلَ السَّهْلَ ضَاحِكَ الْبِشْرِ يَمْشِي فِيهِ   مَشْيَ   الأَمِيرِ   فِي   بُسْتَانِهْ
عَادَ    حَلْيًا    بِرَاحَتَيْهِ     وَوَشْيًا     طُولَ   أَنْهَارِهِ،   وَعُرْضَ   جِنَانِهْ
 لَفَّ  فِي   طَيْلَسَانِهِ   طُرَرَ   الأَرْ  ضِ  فَطَابَ  الأَدِيمُ  مِنْ  طَيْلَسَانِهْ
سَاحِر    فِتْنَةِ     العُيُونِ     مُبِينُ  فَصَّلَ  الْمَاءَ  فِي   الرُّبَا   بِجُمَانِهْ
عَبْقَرِيُّ الْخَيَالُ، زَادَ  عَلَى  الطَّيْـ  ـفِ،   وَأَرْبِى   عَلَيْهِ   فِي   أَلْوَانِهْ
صِبْغَةُ   اللهِ؛   أَيْنَ   مِنْهَا   رَفَائِيـ    ـل،   ومِنْقَاشُهُ    وَسِحْرُ    بَنَانِهْ؟
رَنَّمَ   الرَّوْضَ   جَدْوَلاً   وَنَسِيمًا    وَتَلا   طَيْرَ   أَيْكِهِ   غُصْنُ    بَانِهْ
وَشَدَتْ فِي الرُّبَا الرَّيَاحِينُ هَمْسَا كتَغَنِّي   الطَّرُوبِ   فِي   وِجْدَانِهْ
كُلُّ   رَيْحَانَةٍ   بِلَحْنٍ؛    كَعُرْسٍ    أُلِّفَتْ     لِلْغِنَاءِ     شَتَّى     قِيَانِهْ
نِعَمٌ فِي  السَّمَاءِ  وَالأَرْضِ  شَتَّى   مِنْ  مَعَانِي  الرَّبِيعِ،   أَوْ   أَلْحَانِهْ
 

هكذا رحّب شوقي، أمير الشعراء، بالربيع، ولطالما كان الربيع هو الموسم الذي ينتظره الجميع، ليس الشعراء فقط بل كل من يتوق الى صفاء الربيع بعد موسم طويل من الصقيع. ومَن منا لا يحبّ الربيع ولا ينتظر قدومه؟

 القصيدتان على أيِّ اعتبار مشاركة جميلة من الشعر العربي للشعر العالمي في تمجيد ذلك السر، الذي يَبُثُّه الله كل عام في الربيع، فيُعيد الحياة، ويرجع الشباب، ويُجَدد الأمل، ويَنْشُر الجمال، وينشأ عنه في الدنيا هذا البَعْث العجيب.


النوروز في الادب العربي

 النوروز أو رأس السنة الإيرانية

الدروس التي يمكن ان نتعلمها من الربيع

ماهي فلسفة السينات السبع؟

يوم الطبيعة و التنزه

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)