• عدد المراجعات :
  • 5571
  • 1/31/2012
  • تاريخ :

الإمام علي(عليه السلام) و حله مسائل حسابية معقدة

الامام علي(ع)

 

من الأدلة الاُخرى على عبقرية الإمام علي(عليه السلام) ، هي حله لمسائل حسابية معقدة بسرعة ودقة ... ولا عجب في ذلك فهو الذي يقول على ملأ من الناس : « سلوني قبل أن تفقدوني» [1] . وفي هذا المقام يقول عباس محمود العقاد عن الإمام(عليه السلام) : وفي أخباره ، مما يدل على علمه بأدوات الفقه كعلمه بنصوصه وأحكامه . ومن هذه الأدوات علم الحساب الذي كانت معرفته به أكثر من معرفة فقيه يتصرف في معضلة المواريث ، لأنه كان سريع الفطنة إلى حيله التي كانت تعدّ في ذلك الزمن ألغازاً تكدّ في حلها العقول [2] . وسنذكر بعض المسائل المشهورة التي قام بحلها ، مما يدل على تضلعه بعلم الحساب آنذاك .

ومن هذه المسائل المسألة المنبرية والمسألة الدينارية وقصة الأرغفة وغيرها .

المسألة المنبرية :

وخلاصة هذه المسألة [3] أن الإمام عليّاً(عليه السلام) سُئل وهو على المنبر عن ميّت ترك بنتين وأبوين وزوجة ، فأجاب من فوره : صار ثمنها تسعا . وسميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية لأنه أفتى بها وهو على منبر الكوفة .

والفريضة هنا (أي المال الذي تركه الميت) هي أربعة وعشرون ، للزوجة ثمنها (أي ثلاثة) وللأبوين ثلثها (أي ثمانية) وللبنتين الثلثان (أي ستة عشر) . فضاق المال عن السهام (أي نقص المال عن الحصص المفروضة) ، لأن الثلث والثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ الثمن . فإذا جمعنا الثلاثة والثمانية وأنقصناها من المال لكان الباقي ثلاثة عشر للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة . ويبدو أن ثمة حلين لهذه المسألة . وهي إما استخدام العول أو عدم استخدامه . (والعول هنا كما جاء في مختار الصحاح . عالت الفريضة ، ارتفعت وهو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض) [4] .

فالعول هو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم . لهذا فإن النقص هنا هو ثلاثة فيدخل على الجميع فيزاد على الأربعة والعشرين ثلاثة تصير سبعة وعشرين للزوجة منها ثلاثة وللأبوين ثمانية وللبنتين ستة عشر . والثلاثة هي تسع السبع والعشرين ، فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا . وإما من نفى العول قال أن النقص يدخل على البنتين [5] .

المسألة الدينارية :

يقال: إن امرأة جاءت إلى الإمام ، وشكت إليه أن أخاها مات عن ستمائة دينار ، ولم يقسم لها من ميراثه غير دينار واحد . فقال لها : لعله ترك زوجة وابنتين وأماً واثني عشر أخا وأنت ؟ فكان كما قال . وهنا تتجلى قوة علمه وحدسه فبمجرد أن علم بحصتها فقد استنتج عدد أفراد العائلة ، وليس فقط ذلك، بل العلاقة فيما بينهم وجنسهم وحصة كل منهم . حيث أن هذه المرأة كانت تتوقع أن أخاها قد ظلمها لذا طلبت الإنصاف وأخذ حقها . لذلك قال لها خلّف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة ( أي ثلثي الستمائة هو أربعمائة) . وخلّف أُماً لها السدس ، مائة (أي سدسي الستمائة هو مائة) ، وخلّف زوجة لها الثمن ، خمسة وسبعون (أي ثمن الستمائة هو خمسة وسبعون) . وخلّف معك اثني عشر أخاً لكلِّ أخ ديناران ولكِ دينار قالت نعم . فلذلك سُميت هذه المسألة بالدينارية [6] . ولذلك لو جمعنا هذه الحصص لكان مجموعها ستمائة وهو المبلغ الأصلي .

قصة الأرغفة :

جلس رجلان يتغذيان ، مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا الغذاء ، بين أيديهما مر بهما رجل ، فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم ، فتنازعا بينهما وارتفعا إلى الإمام علي(عليه السلام) فقصّا عليه قصتهما ، فحكم لصاحب الثلاثة أرغفة درهماً واحداً ، ولصاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم ، لأن الأرغفة الثمانية أربعة وعشرون ثلثاً ، لصاحب الثلاثة أرغفة منها تسعة أثلاث (لأن له ثلاثة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع تسعة أثلاث) ، أكل منها ثمانية (لأن هناك أربعة وعشرين ثلثاً أكلها الثلاثة بالتساوي فكل واحد منهما أكل ثمانية) وأكل الضيف واحداً منها ، ولصاحب الخمسة أرغفة منها خمسة عشر ثلثاً (لأن له خمسة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع خمسة عشر ثلثا) أكل منها ثمانية وأكل الضيف سبعة [7] . أي أن كلاًّ من الثلاثة أكل ثمانية أثلاث . فالأول أعطى للضيف ثلثا واحدا والثاني أعطاه سبعة أثلاث (والمجموع ثمانية أثلاث) . وبما أن الضيف قد دفع لهم ثمانية دراهم ، أي قيمة كل ثلث هو درهم واحد، وأنه قد أكل ثلثا واحدا من الشخص الأول، لذا تكون حصة هذا الشخص درهما واحدا . وكذلك أكل من الثاني سبعة أثلاث لذا تكون حصته سبعة دراهم .

مسألة التي ولدت لستة أشهر :

روي أن عمر أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها فقال له الإمام علي(عليه السلام) : إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك إن اللّه تعالى يقول : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ويقول جلّ تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين (أي أربعة وعشرين شهرا) وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا ، فالحمل فيها ستة أشهر ، فخلّى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم لذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا [8] .

قصة الزُبية :

يقال: إنه رُفع للإمام علي(عليه السلام) وهو باليمن زُبية (وهي حفرة تحفر للأسد سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال) حفرت للأسد فوقع فيها ، فوقف على شفير الزبية رجل فزلت قدمه فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثالث وتعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد . فقضى (الإمام) أن الأول فريسة الأسد وعلى أهله ثلث الدية للثاني ، وعلى أهل الثاني ثلثا الدية للثالث ، وعلى أهل الثالث الدية الكاملة للرابع . فبلغ ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)فقال : لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء اللّه عزوجل فوق عرشه .

ورويت هذه الحادثة بصور اُخرى وهي أن الزبية لما وقع فيها الأسد أصبح الناس ينظرون إليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية فسقط فيها رجل وتعلق بالذي يليه وتعلق الآخر بالآخر حتى وقع فيها أربعة فقتلهم الأسد . فأمرهم أميرالمؤمنين(عليه السلام) أن يجمعوا ديّة تامة من القبائل الذين شهدوا الزبية ونصف دية وثلث دية وربع دية ، فأعطى أهل الأول ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة ، وأعطى أهل الثاني ثلث الدية من أجل أنه هلك فوقه اثنان وأعطى أهل الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد ، وأعطى أهل الرابع الديّة تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد فأخبروا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فقال : هو كما قضى .

والظاهر أنهما واقعتان، ففي الرواية الاُولى أن الأول زلّت قدمه فوقع ولم يرمه أحد ، وفي الرواية الثانية أن المجتمعين تزاحموا وتدافعوا فيكون سقوط الأول بسببهم ولذلك اختلف الحكم فيها [943] .

ثلاثة رجال يختصمون :

عن شرح بديعة بن المقري أنه جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ثلاثة رجال يختصمون في سبعة عشر بعيراً . أولهم يدعي نصفها وثانيهم ثلثها ، وثالثهم تُسعها . فاحتاروا في قسمتها ، لأن في ذلك سيكون كسراً (أي جزء من بعير) . فقال(عليه السلام) : أترضون أن أضع بعيراً مني فوقها وأقسّمها بينكم ، قالوا : نعم ، فوضع(عليه السلام) بعيراً بين الجمال ، فصارت ثمانية عشر ، فأعطى الأول نصفها وهو تسعة ، وأعطى الثاني ثلثها وهو ستة ، وأعطى الثالث تسعها وهو اثنان وبقي بعير له [10] .

الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) :

وردت تعبيرات تخص الحساب ، كالأعداد والكسور وغيرها في الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) ، سنذكر بعضاً منها : فقد جاء ذكر الألف في شعر له [11] ، حيث يقول :

عليك بإخوان الصفاء ، فإنهم***عماد إذا استنجدتهم وظهور

وليس كثيراً ألف خل وصاحب***وإن عدوا واحدا لكثير

كما ذكر العدد سبعين ألفا في شعر له أيضا [12] :

لأصبحن العاصي ابن العاصي***سبعين ألفا عاقدي النواصي

مجنبين الخيل بالقلاص***مستحلقين حلق ألدلاص

وفي حسبة العمر يقول [13] ، وقد ذكر العدد ستين والنصف والثلث :

إذا عاش الفتى ستين عاما***فنصف العمر تمحقه الليالي

ونصف النصف يذهب ليس يدري***لغفلته يمينا من شمال

وثلث النصف آمال وحرص***وشغل بالمكاسب والعيال

فحب المرء طول العمر جهل***وقسمته على هذا المنال

 

 

اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي

القسم العرب - تبيان

 

المصادر:

[1] محسن الأمين ، أعيان الشيعة ، مصدر سابق : 33 .

[2] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .

[3] محسن الأمين (1983) «أعيان الشيعة» المجلد الأول ، دار التعارف ، بيروت : 242 .

[4] محمد بن أبي بكر الرازي (1984) «مختار الصحاح» مؤسسة علوم القرآن ، دمشق : 463 .

[5] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .

[6] محسن الأمين «أعيان الشيعة» ، دار التعارف : 343 .

[7] المصدر السابق : 343 .

[8] المصدر السابق : 343 .

[9] المصدر السابق : 411 .

[10] حسين علي الشفائي (1990) «الحق المبين في قضاء أميرالمؤمنين» دار كرم ، دمشق : 115 .

[11] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 28 .

[12] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 37 .

[13] عبدالعزيز سيد الأهل (1980) «من الشعر المنسوب إلى الإمام الوصي علي بن أبي طالب»، ط 2، دار صادر ، لبنان : 111 .


علي عليه السلام مثال في الزهد 

علي في حرب أحد 

الإمام علي موسوعة المعارف الإسلامية

تفضيل الإمام علي ( عليه السلام ) على من سواه

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)