• عدد المراجعات :
  • 1307
  • 1/30/2012
  • تاريخ :

المرأة في التجربة الحياتية

تفوق المرأة

إن الإسلام لم يمنع الاختلاط بين الرجال والنساء، إلاّ في الدائرة التي تؤدي إلى الانحراف الأخلاقي.

إذا كان العنصر الأنثوي يختزن في داخله بعض الضعف، انطلاقاً من الجانب العاطفي الأكثر بروزاً في مشاعرها، أو الجانب الجسدي الذي لا يستطيع تحمل المهمات الشاقة أو حمل الأثقال كما هو الرجل، فإن ذلك لا يمنع من تحويل هذا الضعف إلى قوة، بتربية الفكر بالمعرفة، وتقوية العقل بالممارسة، وإضعاف العاطفة بالوعي القائم على مواجهة الأمور بطريقة موضوعية، من خلال منهج تربوي عملي متوازن، وتدريب الجسم على اكتساب القوة بدرجة معقولة، فقد رأينا في الواقع الكثير من النساء اللاتي يملكن صلابة الإرادة وقوة الموقف ووعي الواقع أكثر من الكثيرين من الرجال الذين أهملوا إمكانات القوة في شخصياتهم، ما يعني أن نقاط الضعف في التركيبة الإنسانية ليست من الأمور الذاتية المرتبطة بالتكوين الإنساني الذي لا يقبل التغيير، بل هي من الأمور الطبيعية القابلة للتكيف والتطور من خلال الجهد الإنساني في الدائرة الإيجابية أو السلبية.

وإذا كان البعض يرى أنّ الحجاب وما يستتبعه من قيود والتزامات عملية، لا يسمح بالحركة القوية المتوازنة للمرأة، لأنه يمنعها من الاختلاط بالرجل، والاندماج في المجتمعات العامة، ما يؤثر تأثيراً سلبياً على حركتها في المشاركة في صنع الحضارة الإنسانية في مواقعه المتنوعة؛ إذا كان البعض يطرح القضية في هذا الاتجاه، فإننا لا نجد ذلك مانعاً من القيام بالدور الملائم لإمكاناتها والتزاماتها، فهناك الدائرة النسائية الواسعة التي تحتاج إلى عناصر نسائية مثقفة واعية متحركة، من أجل القيام بمهمة التوعية والتثقيف والتعبئة الروحية، والنشاط السياسي والاجتماعي، انطلاقاً من حاجة المرأة إلى ذلك في القيام بواجباتها ومسؤوليتها الإسلامية في حركة الحياة، لأن إهمال هذا الجانب من المرأة، من خلال إهمالها لدور الداعية إلى الله، المتحركة في اتجاه خط التغيير، وإبعادها عن ذلك، وابتعاد الرجل عن القيام بهذا الدور كنتيجة للحواجز الشرعية المانعة من انفتاح الرجل على المرأة، لا بدَّ من أن يؤدي إلى مجتمع نسائي متخلِّف من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية، منحرف من الناحية الدينية على مستوى الالتزام والانضباط في طريق الله.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الإسلام لم يمنع الاختلاط بين الرجال والنساء، إلاّ في الدائرة التي تؤدي إلى الانحراف الأخلاقي، أما الاختلاط المتوازن الذي يضع الحدود الأخلاقية في نطاق متوازن، فإنه لا يبتعد عن الإباحة الشرعية على أساس التربية الإسلامية التي تعمل على تأكيد الالتزام الإسلامي في شخصية كلّ من الرجال والنساء. ولعل كثيراً من التجارب التي عاشتها المسيرة الإسلامية في الماضي والحاضر، تدلّ على أن قضية الانضباط في الحدود الشرعية ليست أمراً بعيداً عن الواقعية فيما هي التجربة الإنسانية الحية.. وإذا كان البعض يقدّم بعضاً من الوقائع السلبية في الدائرة الأخلاقية ناتجة من مسألة الاختلاط، فيما تمثّله من انحرافات عن الخطوط الشرعية، فإنا لا نجد في ذلك مشكلة كبيرة في ما نعالجه، لأن سقوط التجربة في بعض المواقع ليس بدعاً من لأمور في أيّ دائرة أخلاقية العامة في المجتمع، إذ إنَّ طبيعة الضعف الإنساني قد تفرض الانحراف بفعل الغفلة من الاحتراس من السقوط، حتى في الدائرة الذاتية الفردية في دائرة الرجل أو المرأة، فقد لا تخلو أيةّ حالة إنسانية من ذلك كله، ما يستدعي العمل على تأكيد الضوابط في النطاق الاجتماعي والفردي من دون حاجة إلى إلغاء أيّ تجربة في نطاق المسؤولية في أيِّ جانبٍ من جوانب الحياة العامة والخاصة، لأنها لا تنفصل في بعض مفرداتها عن احتمال الانحراف بدرجة وبأخرى.

دور الأمومة:

وقد يثير البعض مسألة الأمومة كمسألةٍ مهمةٍ أساسيةٍ فيما هو الدور الإسلامي البارز للمرأة، بل ربما يكون هو الدور الإنساني الأبرز لها من خلال الالتزامات الطبيعية التي تفرضها أوضاعه المعقَّدة، من الحمل والإرضاع والتربية... فقد نستوحي من هذه المسألة تأكيد أصالة الدور الإنساني للمرأة في شخصية الأم في حياتها، إضافةً إلى شخصية الزوجة في ذلك الدور. ويلجأ البعض إلى تأكيد الحديث عن الموانع التي تمنع المرأة من ممارسة أيّ دور آخر في النطاق الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، ما يعني أنّ على المرأة أن تقوم بالاختيار بين دورها كزوجة وأمّ لا بدَّ من أن ترعى زوجها وأولادها، وبين دورها كعاملة في الحقول العامة لا بد لها من أن ترعى الأمة كلها بنشاطها العام، فلا مجال لإيجاد حالة من التوازن بين الدورين، فلا بد من أن يطغى جانب على جانب، بحيث قد يلغيه في بعض الظروف العامة.

إنّ تأكيد مهمة المرأة في دور ربّة البيت، كتأكيد مهمة الرجل في دور "رب البيت"، وهو دورٌ لا يلغي ضرورة التحرك في الخطِّ الإنساني الممتد في واقع الإنسانية، على هدى انفتاح الإسلام على كل قضاياه الكبيرة والصغيرة في استقامة الطريق في خطِّ الأهداف، وفي الوقوف في وجه الانحراف.

ولكننا نتصوَّر أنَّ الأمومة في مسؤولياتها ومشاكلها هي كالأبوّة في بعض هذه المسؤوليات والمشاكل، وإن اختلفت عنها في الطبيعة، فيما هو الحمل والإرضاع والتربية للأولاد والخدمة لهم وللزوج في البعد الواقعي العملي للمسألة، وهو ما لا يعيشه الأب أو الزوج ولا يستغرق فيه. غير أن المسؤولية الشرعية التي يحمّلها الإسلام للزوج وللأب في الإنفاق على البيت الزوجي ورعاية الزوجة والأولاد، تأخذ أكثر وقته، وتستهلك الكثير من طاقته. فالمسألة في هذه الدائرة العائلية متقاربة في ضغوطها ومشاكلها وحجم المسؤولية التي يتحمّلها الرجل في هذا المجال، لا تقلّ عن حجم المسؤولية التي تتحملها المرأة...

غير أن ذلك لا يمنع الرجل من أن يملك بعض حرية الحركة في ممارسة شخصيته كإنسان، وكمسلم، فيما تفرضه عليه إنسانيته من نشاطات عامة وخاصة على مستوى الثقافة والاجتماع والسياسة، في ما يحتاجه المجتمع الإنساني من حوله، أو في ما يفرضه إسلامه من دعوةٍ وجهادٍ وتقويةٍ وتنميةٍ في حركة الإسلام كرسالة، أو في واقع المسلمين كمجتمع أو كأمة، ولذلك لا بدَّ له من رعاية ذلك في عمله تبعاً للإمكانات التي يملكها من وقت أو جهد، لأنّ الإنسان لا يتجمد في دوره كزوج أو كأب، بل إن الزوجية أو الأبوة تمثّلان عنوانين من عناوين العلاقات الإنسانية التي أراد الله لها أن تحرّك الحياة في حلقات متصلة، في الوقت الذي يفرض الإسلام عليه الخضوع للخطوط الكبرى التي تحكم كل العناوين الإنسانية في حركة الإنسان.

وعلى هذا الأساس، لا بدّ من العمل في الدائرة العامة من أجل حماية الواقع كله من كل الاهتزازات والثغرات والأوضاع السلبية التي تنحرف به عن الخط المستقيم الذي يريده الله للإنسان في حركته الفاعلة في الحياة، وهذا ما يفرض عليه أن يعطي جهده للرسالة في ما تحتاج إليه من جهدٍ فكري وعملي للوصول إلى الأهداف، الأمر الذي يدفعه إلى أن يجعل لوقته مساحة احتياطية للعمل العام في نطاق العمل الخاص في مفرداته المتصلة بحاجات الرسالة، أو نطاق العمل العام في تطلّعاته الواسعة إلى الآفاق الرحبة.

وهكذا نواجه المسألة في شخصية المرأة ـ الزوجة، أو المرأة ـ الأم، فإن ذلك لا يلغي شخصيتها كإنسان لا بدَّ من أن تضيف إلى الإنسانية شيئاً من عطائها الثقافي والاجتماعي والسياسي في المجالات التي تستطيع أن تحرّكها في هذه الاتجاهات، ولا يجمّد حركتها كمسلمة يحتاجها الإسلام في دعوته وجهاده وحركته العملية من أجل التغيير، ما يفرض عليها أن تحتفظ للإنسانية في عنوانها العام، وللإسلام في حركته الشاملة، ببعض من وقتها وجهدها خارج نطاق مسؤوليتها كزوجة وأم، وربما كانت نشاطاتها في الحقل العام تؤكد حيوية المعنى الإنساني والإسلامي في نشاطاتها في حقل الزوجية والأمومة.

إنّ تأكيد مهمة المرأة في دور ربّة البيت، كتأكيد مهمة الرجل في دور "رب البيت"، وهو دورٌ لا يلغي ضرورة التحرك في الخطِّ الإنساني الممتد في واقع الإنسانية، على هدى انفتاح الإسلام على كل قضاياه الكبيرة والصغيرة في استقامة الطريق في خطِّ الأهداف، وفي الوقوف في وجه الانحراف.

وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة التي تحمّل المؤمنات مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تحمّل المؤمنين ذلك. وتتصاعد القضية في ايحاءاتها الاجتماعية، لتؤكّد الاندماج الإنساني الإسلامي في الولاية، بحيث يكون بعضهم أولياء بعض في العمل والنصرة والتأييد والتعاون في كل المجالات المشتركة، وذلك هو قوله تعالى:

{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم * وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدنٍ ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} (التوبة:71-72).

دور المرأة في تكامل المجتمع:

إنها صورة المجتمع المؤمن المتكامل في وقوف المؤمنين والمؤمنات معاً في علاقة الولاية المنفتحة على المسؤولية في مواجهة الانحراف الاجتماعي والسياسي والعقيدي المتمثل في إهمال المعروف وتشجيع المنكر، ليتحركوا جميعاً في وحدة إيمانية شاملة في إعادة الحياة إلى خطِّ المعروف وإبعادها عن خطِّ المنكر، وذلك بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله ورسوله في كل شيء مما تتضمنه رسالة الله في حركة العقيدة في مفاهيمها، وامتداد الشرعية في أحكامها، وذلك هو وحده الذي يمنحهم رحمة الله، ويدخلهم جنته الخالدة في نعيمها، ويرفعهم إلى الدرجة الكبرى التي تتقدّم على ذلك كله، وهي رضوان الله الذي هو غاية كل مؤمن ومؤمنة في كل وجوده في الحياة.

ونجد، بإزاء هذه الصورة المشرقة المتحركة في آفاق رحمة الله ورضوانه، صورة أخرى، وهي صورة المنافقين والمنافقات، في الواقع السلبي المنحرف الذي يمثله المجتمع القائم على الارتباط العضوي بين المنافقين والمنافقات، بحيث يتصل بعضهم ببعض، ويقوّي بعضهم بعضاً، في إبعاد الحياة عن المعروف، وتقريبها من خط المنكر، وفي منعها من الانفتاح على العطاء، وفي الابتعاد عن الله الذي يهملهم نتيجة نسيانهم له، وذلك هو قوله تعالى:

{المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} (التوبة:67-68).

إنه المجتمع الذي تتكامل فيه عناصر الانحراف لتبتعد به عن الله، والذي يتحوَّل فيه النفاق في الرجال والنساء إلى وضع شاذّ يعرِّض أصحابه لنار الجحيم، حيث يتساوى المنافقون والكفار في استحقاقهم لغضب الله.

وهكذا نجد كيف يتحدث القرآن عن الرجال والنساء معاً في حياتهم الحركية بعيداً عن الأبوَّة والأمومة والزوجية، في الدائرة الإيجابية والسلبية، من دون أن يجعل للرجال دوراً أكبر أو أخطر من دور النساء، أو يعزل أياً منهما عن مسؤوليته في واقع الحياة في خط الاستقامة أو الانحراف، ما يعني أن الأدوار العامة في حياة الرجال والنساء، لا تغيب عن مسؤوليتهما الإنسانية في غمرة انشغالهما بالأدوار الخاصة فيما هي الأمومة والأبوّة والزوجية، بل ربما كان الدور العام هو الذي يمنح الدور الخاص مضمونه الإنساني أو الرسالي فيما يترك من تأثيراته الإيجابية على فكر الإنسان وروحه، فيمتد إلى واقعه العملي بكلِّ قوة وإيمان.

المرأة "لا الجنس"

إنَّ هناك مشكلةً معقَّدةً في ذهنية الكثيرين من الناس من إسلاميين وغيرهم، وهي أنهم ينظرون إلى المرأة كما لو كانت كائناً جنسياً ينفتح على الحياة من موقع الانفعال الجنسي في طبيعته الغريزية، وفي نتائجه التناسلية، وبذلك تختصر حياتها في هذه الدائرة، على مستوى الالتزامات الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية والنوازع الذاتية، فلا مجال عندهم لأيِّ تصور ينطلق بالمرأة نحو الأبعاد الإنسانية الواسعة كإنسان يملك طاقات فاعلة فيما يمكن أن تمنح الحياة فكراً وحركةً وانطلاقاً في عملية الإبداع، بل ربما تجد البعض يسخر من هذه الفكرة ويعتبرها نوعاً من أنواع المزاح، أو التفكير الخيالي الذي لا يملك أيّ إمكانات واقعية في الحياة.

ولكنهم لا ينظرون إلى الرجل هذه النظرة، في الوقت الذي لا نجد فرقاً بين الرجل والمرأة فيما هي الوظيفة الإنسانية في العامل الجنسي، أي لجهة إشباع حركة الجسد الغريزية، أو لجهة التوالد والتناسل في استمرار النوع البشري، مع اختلاف الخصائص في ذلك بينهما تبعاً للدور الذي يتميّز فيه التكوين الجسدي في أحدهما عن الآخر.

ولكن ذلك لا يوجب أيَّ اختلاف في المسائل الأخلاقية فيما هي عفَّة الرجل والمرأة في الالتزامات الشرعية في المسألة الجنسية، وفيما هي طبيعة الحدود المفروضة في علاقتهما الإنسانية، وفي الإمكانات الفكرية والروحية والعملية.

إن التفكير الإسلامي ينظر إلى إنسانية المرأة والرجل بمنظارٍ واحدٍ في مسألة التكوين، وفي مسألة المسؤولية، ويدعوهما معاً إلى صنع حركة الحضارة الإسلامية في حياة الناس... ويحمّلهما معاً مسؤولية الانحراف والاستقامة بالمستوى نفسه، ويوزّع بينهما الأدوار والمهمات فيما يميّز به دوراً عن دور، على أساس عملية التكامل الإنساني الذي يضيف فيه كل فريق من الذكر والأنثى شيئاً من خصائصه إلى الفريق الآخر، لتتَّحد الخصائص الإنسانية على مستوى النتائج في تكامل الأدوار والمسؤوليات.

سماحة السيد محمد حسين فضل الله


المرأة.. نظير الرجل

من يحدد النشاط السياسي المشروع للمرأة؟

من يجسر على محاربة المرأة وأضطهادها؟

المرأة حين تفوق الرجال

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)