• عدد المراجعات :
  • 1122
  • 10/11/2011
  • تاريخ :

الفن الاسلامي ومنزلته الدينيه والمعنويه

الفن الاسلامي ومنزلته الدينيه والمعنويه

لا نستطيع التحدّث عن الجمال دون أن نُعطيَه مساحة ليشمل الفنَّ الإسلامي ومنزلته الدينية والمعنوية، وبما أنّ الدين الإسلامي دين يشمل جميع أبعاد الحياة فلابدّ أنه مثلما جاء بشريعة أن يأتيَ بفنّ خاصّ بها، فالشريعة لها ارتباط بالعمل، فيما يرتبط الفن الاسلامي بالاصول والبرامج والاساليب الخاصه بتصميم الاشياء.

إنّ كلاًّ من الشريعة والفن يعودان إلي القرآن والسنّة النبوية، وإنْ كان كل واحد منهما له أسلوبه وطريقته الخاصة به، فالشريعة تستند علي أساس الأبعاد الفقهية للوحي، والمعني اللفظي الظاهري للقرآن والسنّة، بينما يستند الفن الإسلامي علي حقيقة هذين المصدرين. بعبارة أخري، إنّ الشريعة مستمدّة من الجنبة الظاهرية للمصدرين (القرآن والسنّة)، في حين يستند الفن الإسلامي علي البُعد الباطني لهما.

إنّ الفن المقدّس في الإسلام أيضاً كبقية الأديان الكبيرة (المسيحية والبوذية) له علاقة بقلب الدين وروحه، وحتي نفهم ما هي المسيحية يجب أن ندخل كنيسة (شارتر) لنري كيف أُحيطت بالرسوم والنقوش الجميلة والمقدّسة التي تأسرُ الناظر.

ولا يوجد أوضح من المعبد الذهبي مثالاً لذلك في الديانة البوذية في اليابان.

ذات يوم سأل الغربي (تيتوس بوركهارد) نفسه – وهو أكثر الغربيين معرفة بالفن الإسلامي ومنزلته المعنوية – عن الإسلام، فأجاب: (اذهب إلي مسجد ابن طولون في القاهرة وانظر إليه)، وهو أيضاً يستطيع بهذا الكلام أن يشير إلي الآثار المعمارية الإسلامية الأخري، كمسجد (أمزكوتيا) في قرطبة، ومسجد القيروان في تونس، والمسجد الأقصي في القدس، ومسجد الشاه في أصفهان، ومسجد السلطان أحمد في إسطنبول.

في الحقيقة، إنّ الفن الإسلامي أفضل أداة لمعرفة قلب الإسلام لدي الغربيين المختصين بالفن، والسؤال هنا: كيف تؤدي مثل هذه الأشياء المادية (البورق والجص والطابوق) هذا النوع من الدور في حكايتها عن الحضارة والأشياء المعنوية؟ ويكفي جواباً علي ذلك أن نرجع إلي القول المعروف لـ(هرمتيك)، إذ قال:

(إنّ أحطَّ الأشياء تمثّل وتعبّر عن أسمي الأشياء).

وعلي ذلك، إنّ فنون النحت والرسم والموسيقي، ورغم أنها تمثّل أدني وأسفل مراتب الحقيقة، لكنها تعبر عن أسمي وأرفع حقيقة (الساحة اللاهوتية). والفن الإسلامي ليس عنواناً هامشياً، بل هو مركز تجليات الإسلام، بحيث لا تقتصر أهميته علي صنع حياة المسلمين فقط، بل هو نافذة يتمُّ من خلالها إدراك وفهمُ أبعاد الإسلام، ليس لمن يسعي وراء الظاهر لإشباع إحساسه ووجدانه، بل لأولئك الذين ينشدون واقع الإسلام وحقيقته.

إنّ الفن لم يكن شيئاً منفصلاً عن حياة الناس، ولم يكن نشاطاً خاصاً في المجتمع الإسلامي، بل كان المجتمع يتمتع بكافة النشاطات من الشعر والموسيقي والخياطة والطبخ وغير ذلك، يقول (أي كي كوماراسوامي) المتخصص الهندي الكبير – في القرن العشرين – في ما يرتبط بعلوم ما بعد الطبيعة والفن القديم: (في المجتمع الحديث يختصُّ بالفن فردٌ معيّن، بينما يمتاز كل فرد بفنّ خاصّ في المجتمع القديم).

إنّ هذه النظرية تنطبق تماماً علي المجتمع الإسلامي الذي لا فرقُ فيه بين الفنون الدينية، وغير الدينية، فكل شيء يصبّ في الإطار الروحي للإسلام. نعم إنّ لكل حضارة سلسلةَ مراتب فنية خاصة بها تتشكل علي أساس البناء الديني الظاهري لتلك الحضارة. علي سبيل المثال، إنّ الرسم أفضل أنواع الفن في الغرب، وهذا ناشئ من محورية الصورة المقدسة في المسيحية، علي العكس مما هو في الإسلام واليهودية اللذين منَعا أيَّ نوع من أنواع التصوير والرسم والتجسيم لله عزّوجلّ.

والفن الإسلامي المقدّس ليس في الصور والرسوم، وإنما أفضل أنواع الفن في الإسلام هو المرتبط بكلمة الله، كما في المسيحية، ولكنّ هذه الكلمة في الإسلام لا تعني ما تعنيه في المسيحية. الكلمة في الإسلام تتعلق بالقرآن الكريم، إنما هو الكتاب المعروف، وعلي هذا إنّ فنّ الخط في القرآن وكتابته وتلاوته بصوت ولحن جميل، تُعدُّ علي رأس الفنون الإسلامية ذات المنزلة الرفيعة والدرجة العليا.

ويأتي فن المعمارية بعد ذلك في الأهمية، وخاصة في بناء المساجد وإعمارها، وغير ذلك، وتأتي أهمية الخياطة بعد ذلك سواء المختصة منها بالرجال أو النساء، لأنّ أقرب شيء إلي الإنسان بعد بدنِه لباسُه، ويقوم فنّ الخياطة عند المسلمين علي أساس التعاليم القرآنية، بحيث يتميز اللباس الإسلامي بأنه لباس حياء كما أمر القرآن، ويقوم علي الفطرة الإلهية والحيثية القدسية لهذا العالم القائمة علي تكامل الرجل والمرأة، ثم تصل النوبة إلي ما يسمّي بـ(فنون أدوات المنزل)، أو كما يعبرون بالفنون المهاراتية، والتي من جملتها صناعة السجاد والأقمشة والحاجات المنزلية، وتؤثّر تلك الفنون علي النفس والروح أكثر من الرسوم والصور التي تعلّق علي جدران القصور والمتاحف.

وأما الفن الآخر، فهو الفن المرتبط بالكتاب الذي يشمل النقوش المعروفة بـ(مينياتور)، وقد كان هذا الفن يتعلق بالمتون العلمية كالأدب والتاريخ، وصار في ما بعد علماً مهاراتياً تختص به إيران، وصل إلي كماله ما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلاديين.

وقد أفضي الـ(مينياتور) الإيراني وبمرور الزمن إلي مدارس النقوش العثمانية والمغولية.

وتُعَدّ بعض النحوت والنقوش الإيرانية من الآثار العالمية العظيمة، وعموماً إنّ الرسوم الإسلامية تتمتع بمنزلة عالية لدي الغرب، إلّا أن فن الرسم لم يجد تلك المنزلة في الفنون الإسلامية، مثلما وجدها في الغرب، وهذا لا يعني أنّ جميع أنواع الرسوم قد حرّمت ومنعت في الإسلام، نعم حرّم تصوير الله والنبيّ (ص) وتجسيمهما.

وعلاوةً علي ذلك، إنّ الإسلام يمنع أولئك الذين يسعَون إلي محاكاة الخالق في رسم الطبيعة، وهم لا يستطيعون منح الحياة والروح لها، وهذا السبب الذي أدي إلي عدم وجود أيّ أثر للنصب والمجسَّمات في الإسلام، إلّا في بعض تماثل الأُسود، وبقية الحيوانات في الحدائق والبساتين.

إنّ الورَع الإسلامي لا يقبل أيَّ تصوير يمكن أن يحلَّ محلَّ الأصنام، ويؤثر سلباً علي القوة التخيلية للمسلمين، وهذا هو السبب الذي يجعلك لا تجد تصويراً أو رسوماً في المساجد والأماكن العبادية، وكذلك، فإن القرآن الكريم، وكتب الأحاديث الشريفة لم تضمَّ أيّ تصوير أو رسم.

إنّ لجميع الفنون الإسلامية أهميةً عظيمة في فهمِ جوهر الإسلام، وهي الوسيلة لإيصال رسالة هذا الدين إلي العالم، ونحن، حتي ندرك الإسلام، لابدّ أن نخرج عن دائرة المَشاهد اليومية للحروب ونزيف الدماء والسِّجالات والجدالات التلفزيونية، وننظر إلي دائرة أوسع، وهي الفنون الإسلامية، والنقوش الموجودة علي المساجد، ومشاهدة البساتين وأطراف المدن، والخطوط الإسلامية، وإلي الأشعار التي تتضمن الحبَّ الإلهي المنقوش علي جميع الخَلق.

اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي

القسم العربي - تبيان


تاريخ التعقل من وجهة نظر المسلمين

نقص العقل أم نقص الثقافة ؟

وصية الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لهشام بن الحكم حول العقل

الجمال و العقل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)