• عدد المراجعات :
  • 640
  • 10/3/2011
  • تاريخ :

الرؤية الإسلامية الشاملة

الرؤية الإسلامية الشاملة

تلعب العقيدة الصحيحة دورا مهما في حياة الإنسان يتجلى في أمرين :

الأول : تحديد نظرة صحيحة للكون والحياة والإنسان وبلورة موقف صحيح بشان ذلك .

 الثاني : إرساء قواعد التفكير السليم وتنقية الذهن والإحساس والعواطف مما يعلق بها من شوائب تحرف مسيرها عن الخط الصحيح أو تقلل من كفأتها في الميدان العملي وتغذية الحاجة إلى الإشباع الفكري والروحي الصحيح لدى الإنسان فمن الواضح ان غربة الإنسان عن الحقيقة في الميدان العقائدي تجعله أسيرا للإحساس بالفراغ والحاجة إلى الإشباع فيتجه لمعالجة ذلك الإحساس وهذه الحاجة بكل ما يصادفه من تصورات وأفكار وآراء فيكون عرضة للوقوع في الانحراف الذي لا تقف سلبيته عند حدود ضياع الحقيقة العقائدية وإنما تصل إلى ما قد يكون اخطر من ذلك ، وهو ربط الذهن والإحساس بجملة من الأغلال والشوائب التي تقيد حركة الإنسان أو تحرفها أو تقلل من كفأتها ففي الشرك مثلا يرتبط الذهن والإحساس والتصور الإنساني بفكرة زائفة تنأى بالإنسان عن الاستقامة في كل ما يتصوره ويفكر فيه ويخطط له وباختصار ان الفكرة الزائفة إذا ثبتت في الذهن الإنساني قادته إلى الزيف في كل شي ولذا نجد القرآن الكريم يربط دائما بين التفكير غير السوي وبين العقيدة الفاسدة قال تعالى : ( والدار الاخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ) (الأعراف : 169) ( ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) (يس : 62) .

( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) (الحج : 46) ( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ) (الأعراف : 185) .

وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تستنكر على المشركين أو المنحرفين غربتهم عن التفكير السوي والمنطق السليم مع سلامة الجهاز الحسي والعقلي لديهم .

من هنا فان العقيدة الصحيحة تلعب دورا مهما في تقويم الفكر الإنساني وتنشيطه في مجالات الحياة المختلفة التي لا تخضع لتأثير مباشر منها فضلا عن تلك التي تخضع لتأثيرها المباشر والتي يتضاعف الدور الايجابي للعقيدة فيها .

إن فكرة ( العالمية الإسلامية ) تمثل ابرز الأفكار الاجتماعية والسياسية التي تخضع لتأثير مباشر ومركز من قبل العقيدة الإسلامية وهي بلا شك من الأفكار الإسلامية القليلة التي تختص بهذه الصفة بشكل يجعلنا نعتقد جازمين بان موقع هذه الفكرة ان لم يكن في قمة الهرم الفكري للإسلام ( أصول الدين ) فلن يكون في قاعدته التشريعية وبنائه التحتي ( الشريعة ) ذلك ان اقتران أصول الدين الخمسة بها ( التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد ) بشكل يختل الاعتقاد الديني بهذه الأصول من دونها كما سنرى هذا الاقتران لا يسمح لنا بإنزال فكرة العالمية الإسلامية من مستوى الفكرة العقائدية إلى مستوى الفكرة التشريعية والصحيح انها فكرة تتشكل في أحشاء المعتقد الإسلامي وبين تلافيفه لتلقي ضؤها المستمد من نور هذا المعتقد على مجالات التشريع الإسلامي المختلفة فتصبغه بطابعها الايجابي الخلاق وسنجد ان فاعلية هذه الفكرة وشموليتها في المجال التشريعي مدينان لتغلغلها العميق في المجال العقائدي ، هذا التغلغل الذي نلمسه في مجموعة من الأبعاد ، ومنها البعدان الآتيان :

1ـ وحدة الإله الخالق .

2ـ وحدة المنشأ الإنساني .

وحدة الإله الخالق :

العالمية نسيج يتغلغل في عمق الإسلام وتتشابك خيوطه بإحكام ويتحرك بفاعلية من خلال كل ثنايا الإسلام وأفكاره فهي ليست فكرة عائمة ولا أطروحة عابرة ولا دعوة عاطفية ولا شعارا يقف على هامش الحياة الإسلامية بدايتها بداية الإسلام نفسه ، وهي قمة هرمه الفكري المتمثل بعقيدة التوحيد التي لم ولن تعرف البشرية ما يناظرها روعة وبهاء .

يعتبر الإسلام اكبر العقائد التوحيدية على الإطلاق لأنه استطاع ان يعالج كل قضايا العقيدة ومفرداتها من دون ان تعاني قاعدة التوحيد لديه من ضعف أو غموض أو حرج بل يمكننا ان نجد في كل واحدة من تلك المفردات مظهرا كاملا لتوحيد خالص نقي بشكل تحولت معه مفاهيم الإسلام ونظمه إلى مظاهر متعددة تشع على الحياة الإسلامية بهذا التوحيد في كافة مجالاتها ، اذ يمكن للمسلم ان يعيش التوحيد حقيقة متجسدة في كل جوانب حياته ، وهذا ما عبر عنه التوحيدي الأكبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله : ( ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله ومعه وفيه وبعده ) .

وتعتبر العالمية مظهرا طبيعيا للتوحيد تستمد كمالها من كمال التوحيد الإسلامي لان موجودية الإله الحق متقومة بوحدانيته ، ولا معنى للإلوهية ان لم تتصف بالوحدانية التي تعني عالمية الربوبية والإلوهية لان انحصار الربوبية بجز من الوجود ناشئ عن عجز مدعي الربوبية وفقره أو وجود شريك له يهيمن على الجزء الاخر ومن هنا فللوحدانية مدلولان متلازمان في العقيدة الإسلامية :

الأول : مدلول الهي وهو الغنى المطلق للإله .

الثاني : مدلول إنساني وهو العالمية .

ان الله تعالى في الرؤية الإسلامية ليس خاصا بقبيلة من دون اخرى ولا بجنس بشري من دون آخر كما تصور اليهودية الحاضرة الهها ، ولم يمنح أبوة لأحد من البشر على نحو يكون لذلك الفرد نسب متصل بالإله يعلو على نسب الآخرين كما تعتقد المسيحية الموجودة حاليا وانما هو رب العالمين ، وهو خالق كل شي ، وليس كمثله شي ، لا يحده زمان ولا مكان ، وهو المطلق في كل شي ومن كماله ان ربوبيته شملت البشرية بكل أجيالها الحاضرة والماضية والقادمة من دون انحياز لجنس على جنس ولا محاباة لأمة على حساب امة ، والجميع في ساحة قدسه كأسنان المشط .

لقد كرر القرآن الكريم توصيف الله سبحانه وتعالى ب( رب العالمين ) أكثر من 40 مرة وب( لا اله إلا هو ) أو ( لا اله الا الله ) أو ( لا اله إلا أنا ) أو ( اله واحد) اكثر من 60 مرة وب( رب العرش ) 5 مرات وب( رب المشارق والمغارب ) أو ( رب المشرق والمغرب ) أو( رب المشرقين ورب المغربين ) 5 مرات وب( رب السماوات والأرض ) 14 مرة و ( برب الناس ) مرة واحدة وب( اله الناس ) مرة واحدة وب( رب كل شي ) مرة واحدة كما استنكر على المشركين شركهم بصيغة ( االه مع الله ) 5 مرات وبصيغة ( من اله مع الله ) مرتين اما سورة الإخلاص فقد جاءت تلخيصا رائعا لعقيدة التوحيد ( قل هو الله احد] الله الصمد] لم يلد ولم يولد] ولم يكن له كفوا احد ) .

ولو تمعنا في هذه الصيغ التي يستعملها القرآن الكريم للتعبير عن التوحيد وأبرزها صيغة رب العالمين لوجدنا انها تعزز مفهوما واسعا وعميقا للعالمية يتجاوز في حدوده الإنسان ويضم بين دفتيه الكون كله ، فالقرآن لا يتحدث عن توحيد نسبي خاص بالإنسان وإنما يركز على توحيد مطلق يشمل الوجود ( العالمين ) بأسره ليصهره مع بعضه في وحدة متجانسة تتلف فيها الاشكال ( انسان ، حيوان ، نبات ، جماد ) وتتكامل عندها الأدوار وينعكس هذا الاتساع في النظرة التوحيدية للوجود في الطرف المقصود بالتوحيد وهو الإنسان الذي سيبدو وسط عوالم الجماد والنبات والحيوان المترامية الأطراف جرما صغيرا لا يكاد البصر يناله ، فضلا عن ان ينال أجناسه وقومياته وقبائله ، فيزول شعوره العنصري تبعا لضعف شعوره بذاته تحت وطاءة الإحساس بالغرق في عالم التكوين اللامتناهي في عظمته واتساعه .

وهذه أرقى صورة يمكن التقاطها للإنسان وهو في حالة شعورية عالمية خالصة من شوائب الشعور العنصري وهي من انجازات التوحيد الديني حيث لا يمكن للإنسان مهما ترقى في فكره ان ينجز صورة عالمية تتجاوز حدود الإنسان نفسه لانه لا يمكن الربط بين الإنسان وباقي الوجود على محور واحد الا في التصور الديني التوحيدي .

اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي

القسم العربي - تبيان


مقارنة بين صنع الله وصنع البشر لتوضيح معنى المعرفة الفطرية(2)

 مقارنة بين صنع الله وصنع البشر لتوضيح معنى المعرفة الفطرية(3)

الماركسية واللاأخلاق

نشأة العرفان و التصوف عند المسلمين

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)