• عدد المراجعات :
  • 4047
  • 9/26/2011
  • تاريخ :

كن كالنحلة

کن کنحلة

يقول أمير المؤمنين"عليه السلام":«المؤمن كالنحلة ، إن أكلت أكلت طيِّباً، وإن وضعت وضعت طيِّباً ، وإن وقعت على عود لم تكسره»[1]" تشبيه رائع، ووصف جميل، يشخّصه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الإنسان المؤمن الذي اهتدى بهدي الرِّسالة ، وتشبّع بأدب النبوّة ، وانتظم في سرب السائرين إلى الله سبحانه .

إنّه يشبّه المؤمن في الناس، كالنحلة في الأحياء ، فيما يأخذ ويعطي ويترك من أثر في الوجود .

والتشبيه النبوي هذا يدعونا إلى العودة إلى كتاب الله للأطلال على عالم النحل، ووصفه في القرآن، لنضم هدياً إلى هدي، وبياناً إلى بيان فتتفاعل المعاني، وتكتمل الصورة ، وتثرى الإيحاءات ، ويتعمّق الوعي وتتفتّح الآفاق ، ويتقارب العالمان، عالم المؤمن وعالم النحل في الأخذ والعطاء والضبط والنظام ، وفي الحركة والنشاط ، قال تعالى :

(وأوحى ربّكَ إلى النّحلِ أن اتّخذي من الجبالِ بيوتاً ومن الشّجرِ وممّا يعرشون * ثمّ كلي من كلّ الثمراتِ فاسلكي سبل ربّكِ ذللاً يخرجُ من بطونِها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاء للناس إنّ في ذلكَ لآيةً لقوم يَتفكّرون). ( النحل / 68 ـ 69 )

فحياة النحل في هذه الآية حركة ونشاط دؤوب ونظام وانتقال من طيب، إلى طيب ومن أثر نافع إلى أثر نافع .

وفي تطبيقات وصف الأمير (عليه السلام) نجد التشبيه البياني الرائع، نجد الدلالات الجامعة في حياة الإنسان المؤمن مشبهة بحياة النحل، انّه يصف المؤمن فيما يأخذ ويعطي .. كما هو وصف النحل في القرآن، لا يظلم أحداً حين يأكل ويستهلك ، فهولا يأكل إلاّ الحلال الطّيب ، لا يسرق، ولا يتناول محرماً .

فالمؤمن كالنحلة في طعامها وغذائها ، تتناول رحيق الأزهار، وسكّر الثمار .

وتعطي العسل شفاءً وغذاءً للناس، وتسلك سبل ربّها ذللاً، لا تحيد عن نظام الفطرة والتكوين منقادة غير متصعبة .. فهو في الوصف والبيان خير وبركة ، يرجو الناس عطاءه ، وما يصدر عنه ، كما يرجون عطاء النحلة ، فلا يخشى أحد من النحلة إن تفرزسمّاً ، كما تقيئ الحيّة سُمّها في الحليب حين تلغ فيه ، ولا يترقّبون منها ذلك، بل ينتظرون منها العسل النقي ، طعاماً وشفاء ، متعة للحس والنفس.. وكذا يكون المؤمن بالله تعالى، خيراً يرتجى، وإحساناً ينتظر، فلا يتوقّع منه الشرّ والعدوان، كما لايتوقّع من النحلة أن تضع سمّاً، أو تفرز مرارة الحنظل .

وفي وصف الأمير (عليه السلام) كان (المؤمن كالنحلة: إن وقف على عود نخر لم يكسره)، لم يكن عنصر هدم ولا تخريب .

خفيف الكلفة، سهل المؤونة، لا يثقل على أحد، ولا يعبث بعالم الطبيعة والأحياء .. فالناس منه في راحة، ولهم فيه رجاء وأمل ، وهو كما أنّه مأمول الخير، فإنه مأمون الشر والأذى .. فشتّان بين وصف النحل والجرذ .

فالنحلة إن وقفت على عود نخر لم تكسره، والجرذ إن حلّ في بيت أو بناء مشيّد بحث وواصل الحفر والتخريب فيه حتّى يهدِّمه على ساكنيه .

ويتحدّث القرآن عن التخريب والمخرِّبين الذين يهدِّمون بناءهم بأيديهم ..بفعلهم، وسوء تفكيرهم وتدبيرهم، ويدعوهم إلى الاعتبار والتفكّر في عمل هذا الإنسان المخرِّب الهدّام الذي يهدِّم بناءه وبيته وأهدافه .. إنّ القرآن يتّخذ يهود بني النضير مثلاً للهدم والتخريب، وسوء التصرّف والتدبير، قال تعالى :

(... وظنّواانّهم مانعتهم حُصونهم منَ اللهِ فأتاهُم الله مِن حيث لم يحتسبوا وقذفَ في قلوبهم الرُّعب يُخرِبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبِرُوا يا أولي الأبصار ). ( الحشر / 2 )

تلك صورة من أعماق التأريخ يلتقطها القرآن ، ويسجّلها مثلاً وعبرة لأجيال المؤمنين، لئلاّ يخطئوا الحساب فيخربوا بيوتهم بأيديهم ، ويهدِّموا بناءهم ووجودهم الفكري والسياسي ، كما فعلت تلك المجموعة من اليهود في ذلك الموقف ..

لذا فهو يُعقِّـب بقـوله : (فاعتبروا يا أولي الأبصار) إنّه يوجِّه الخطاب لأصحاب العقول الواعية للتجربة التأريخية، والعقول النيِّرة للرؤية والتشخيص لتعتبر بهذا الحدث التأريخي فلا تكرّر الخطأ"[2] .

أهمية قوة البنيةالتحتية:

لهذا بقدر ما تكون التربية إسلامية سيكون لدينا إنتاج إسلامي ، وهذا لايتحقق إلا عندما يكون العمل في هذا الإنسان منذ الصغر فـ(التعليم في الصغر كالنقش على الحجر)، و(من شب على شيء شاب عليه)، ولاشك أن للوالدين الدور الكبير والأبرز في توجيه سلوك الطفل وتحديد معالم مستقبله وتكوين شخصيته، كما للمعلم والمدرسة دور هو الآخر في تكوين تلك الشخصية ونموها.

ومن الواضح أن الطفل ينقل اتجاهه نحو مصدر السلطة الأبوي إلى الكبارالآخرين.

فتلميذات المدرسة ينظرون ـ ضمناً ـ إلى مركز المعلمة كشبيه بمركز الأم ، والى حد ما ينظرون إلى شخصها كشبيهة بشخصية الأم ، فلا مندوحة أن تصبح المعلمة بديلة للأم.

وقد اعتقد بعض علماء النفس، أن نظرة الإنسان إلى المجتمع تتحدد أيام الطفولة، من خلال نظرته إلى الوالدين، إذ إن المجتمع سيصبح أبوي الإنسان فيما بعد ، من هنا بحث بعض علماء الاجتماع في نظم الأسرة كمنبع للنظم الاجتماعية.

وأساس ذلك هي عملية نقل النظرة، التي عالجها كثير من البحوث النفسية والاجتماعية، والتي قال عنها كهلر (Kohler): "إنه لا يقل أهمية في أي عمر كان ، بشرط أن يكون نقلاً صامتاً لا يشعر به صاحبه، ويعود السبب ـ فيعملية النقل هذه ـ إلى أن الطفل إذا تعود على نوع خاص من النظرة، سواء كانتنظرة حب أو كره، احترام أو ازدراء، فسوف تبقى عنده ذات النظرة، حتى بالنسبة إلىغير صاحبها الأول، لأن من الصعب عليه ترك عادته واستبدالها بنظرة أخرى"، لقد توصل ديكارت الفيلسوف الألماني، إلى ذات الملاحظة، حينما قال عن نفسه: "أنا أنساق من تلقاء نفسي ودون وعي مني إلى تيار آرائي القديمة. وأحاذر أن أصحو من غفوتي هذه خشية أن أجد اليقظة الشاقة التي تعقب هذه الرحلة الهادئة"[3].

لذا فإن الذي يعيننا ويعين أبناء أمتنا الإسلامية على الاستقامة وعدم الانحراف عن الجادة ، هو أن نتلقّى التربية الإسلامية منذ الطفولة ، وفي هذا المجال تلعب البيئة المحيطة بالطفل دوراً أساسياً في ترسيخ الاستقامة في نفوس شبابنا.

وفي حديثنا عن الاستقامة أقف قليلاً مع وصايا لسماحة آية الله العظمى السيدمحمد تقي المدرسي (دام ظله) في كتابه (المرأة بين مهام الحياة ومسؤوليات الرسالة) في كيفية تحقيق هذه الاستقامة حيث يقول:

"إن القرآن الكريم يقول بشأن الاستقامة التي سبقت الإشارة إليها ، والتي اعتبرناها العامل الرئيسي في مقاومة التحديات المضارية: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَتَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }. (فصلت/30)، ثم يقول بعد ذلك: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ الْسَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } (فصلت/34)

وهاتان الآيتان تبيّنان لنا إن الاستقامة لا تتحصل إلاّ من خلال التربية الصالحة".

ثم يضيف سماحته موجهاً كلامه إلى العوامل البيئية المؤثرة في الإنسان من صغره وفي تكوين شخصيته:

"أنا هنا أوجه حديثي إلى الآباء والأمهات، والى العاملين في المؤسسات التربوية والتعليمية ، فأقول: إن هذا الجيل الذي نحن جزء منه قد يكون عاجزاً عن تحقيق أهداف الأمة ، فهو جيل الكوارث والمصائب ، جيل احتلال الأراضي المقدّسة عام 48 و67 و73 و82 ، فهو الجيل الذي تلقّى الصفعات.

فيا من تتولّون مسؤولية تربية الجيل القادم انتم مسئولون عن تنشئة جيل التصدّي والتحدّي ، جيل يكون قادراً على أداء مسؤولياته بالكامل".

اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي

القسم العربي : تبيان

المصادر:

[1] عيون الحكم 312:6.

[2] من كتاب (لا تكن هداما) ضمن المجموعة الفكرية التربوية (دروس إسلامية) - بتصرف-.

[3] رينيه ديكارت ص41.


تنمية القابليات في باطن الإنسان

القابليات الروحية لدى الإنسان

التربية البدنية من وجهة نظر الإسلام

مناقشة نظرية نسبية الأخلاق

تربية اليتيم وموقف التعاليم الاسلامية

تربية الاستعداد العقلي

تربية العقل و تدبر العاقبة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)