• عدد المراجعات :
  • 673
  • 6/15/2011
  • تاريخ :

روح الزمان

 القرآن الکريم

هناك كلام لـ(هيجل) بعنوان روح الزمان، إنه يرى أن التكامل هو قانون هذا العالم، وان روح الزمان دائماً تأخذ بالمجتمع إلى الأمام، إن هذه الروح التي هي بمثابة روح المجتمع لأجل أن تتقدم بالمجتمع، تؤثر في الأفكار والانتخابات، أي أن روح الزمان تلهم الخلق والسجية وتجعلها هي المنتقاة بشكل ينسجم مع التكامل، وتنسخ الخلق والسجايا الأخرى التي تعود إلى ما يقتضيه الماضي كما نسخت المقتضيات الماضية وفي الواقع يعطي لروح الزمان أو روح المجتمع تلك الحالة التي يعطيها الآخرون لله، إذ يقولون: ان الله يلهم الإنسان الأخلاق الحسنة، إن هيجل يعترف بالله إلا أنه يقول: إن روح المجتمع وروح الزمان تلهم الخلق الحسن، وهناك فرقان بين ما يراه هيجل وما يراه بقية أنصار الإلهام.

الأول: إنه يرى أن الملهم روح المجتمع وروح الزمان، وهم يرون الملهم هو الله وما وراء الطبيعة.

الثاني: انهم يرون الملهم أمراً ثابتاً ومنسجماً ومطلقاً، وهو يرى الملهم أمراً متغيراً ونسبياً وتابعاً للمتغيرات الزمنية، وفي نظره أن الملهم بتغير الأزمنة يقوم بتغيير الإلهامات السابقة ونسخها.

إن هيجل يعترف بالله إلا أنه يقول: إن روح المجتمع وروح الزمان تلهم الخلق الحسن،

إن هذا الرأي من جملة الأفكار التي تركت أثراً كبيراً على أوربا وفي النتيجة على العالم، لقد زلزل أسس المعايير الثابتة، يقول أحد الأصدقاء: قمت بمهاجمة هؤلاء في أحد المؤتمرات التي أقمتها في الخارج، قلت إنكم كنتم تؤمنون بروح القدس، وكنتم تستلهمون منه، وفي يوم آخر كنتم تستلهمون من روح الزمان، ان مأساتكم بدأت من يوم اعتقادكم بروح الزمان، واعطائكم إياه الأهمية التي كنتم ترونها لروح القدس، وفي النتيجة قد أضعتم جميع الأحوال والموازين الثابتة والتفتم فقط إلى مقتضيات الزمان، وإنه يقتضي هذا الشيء أو ذاك، ما معنى روح الزمان؟ ومن الذي أثبت أن هذه الروح هي التي تقوم بدفع الأفراد إلى الأمام؟ وعندما تتغير المشاهد لابد أن يكون تغييرها هذا ناشئاً من روح الزمان.

ولكن على كل حال فإن هذه النظرية كانت سائدة بين الأوروبيين، ونحن لو اعتقدنا بهذا الكلام فينبغي لنا أن نقول بنسبية الأخلاق.

وهناك نقطة أخرى أيضاً (وان لم أرها في كتبهم إلاّ انني اتصور أن مرادهم هو هذا): إن روح الزمان كيف تعمل؟ فهل إنها تقوم بتغيير الأفكار في رأس كل قرن دفعة واحدة؟ أم إن الأفكار تتغير تدريجاً؟ ولو كان التغيير تدريجاً فهل هناك عدد معين يلهمون أولاً وبعد ذلك يستلهم الآخرون منهم؟ هل يوجد دوماً طبقة متفوقة وعالمة في المجتمع هم بحكم الأنبياء إلا أنهم لا يلهمون من قبل الله، وإنما يلهمون من قبل روح الزمان؟ وحسب مصطلحهم طبقة (الأنتلكتوئيل)، إن هؤلاء في الواقع يرون لهذه الطبقة نوعاً من الرسالة النبوية.ان أخذنا بهذا الرأي فسوف لا يكون لدينا أي أصل خلقي ثابت، لأن الاختيار سوف يكون هو المعيار، طبعاً نحن أيضاً نرتضي كون الاختيار هو المعيار وإن الاختيارات متغيرة، إلا أننا نرى أن تغيير الانتخابات من نوع تغيير المزاج.

إن المزاج له حالة من الاعتدال وحالات من الانحراف، وللمجتمع أيضاً رقي وانحطاط، ولا يمكن جعل كل المتغيرات الحاصلة في المجتمع على حساب التكامل إن التعاليم القرآنية أيضاً تقوم على هذا الأساس، فإن قوماً يصلون إلى مرحلة من الرقي ثم ينحرفون، وهذا الانحراف يؤدي إلى هلاكهم

إن المزاج له حالة من الاعتدال وحالات من الانحراف، وللمجتمع أيضاً رقي وانحطاط، ولا يمكن جعل كل المتغيرات الحاصلة في المجتمع على حساب التكامل إن التعاليم القرآنية أيضاً تقوم على هذا الأساس، فإن قوماً يصلون إلى مرحلة من الرقي ثم ينحرفون، وهذا الانحراف ـ الذي يعبر عنه القرآن بالانحراف الخلقي ـ يؤدي إلى هلاكهم، إن التاريخ يوضح أيضاً أن المجتمعات تمر بمتغيرات، وفي هذه المتغيرات كما يحصل للمجتمع ترق، يحصل أحياناً انحطاط، وهذا الانحطاط يكون سبباً لسقوطه.

أجل ربما أمكن قبول أن العالم بمجموعه يسير نحو هذا التكامل، ولكن هذا يختلف عن اعتقادنا بأن كل مجتمع متكامل، فإن الخيارات المتعلقة بالمجتمعات أمر مستقل فلو أخذنا مثلاً كل ألف سنة فمن الممكن (وليس 100%) أن يقال: إن البشرية بمجموعها قد تقدمت بعد ألف سنة، وأما لو أراد الإنسان القول: إن هذا التقدم تحقق من جميع الجهات فإن هذا أمر مشكل.

 

كلام سارتر

إنهم يرون: ان المجتمع ينمو بشكل تلقائي، كما تنمو النبتة، ولأجل أن يتخذ نموه مرحلة الفعلية تتغير اختياراته، وإن هذه الاختيارات تنسجم دائماً مع التكامل. إن ارتضى أحد هذه النظرية فستكون الأخلاق نسبية (100%) إن سارتر الذي يقيس كل شيء على أساس محور الاختيار الشخصي، يقول: لا يوجد أي معيار لكون الفعل خلقياً خارج الإنسان، إلا أنه يقول: كل شخص ينتخب عملاً ما، فمعنى اختياره هوأن هذا العمل الذي اخترته أنا جيد وحسن، وبديهي أنه لا يوجد أحد ينتخب شيئاً على أنه قبيح وسيئ وإنما يختاره بوصفه حسناً، ويضيف أن الإنسان في الواقع عندما يختار لنفسه عملاً فإنه يعطي له قيمة، وعلى هذا يكون قد انتخب هذا العمل نفسه للآخرين.

إن هذا هو الكلام نفسه الذي نقوله نحن، من أن الإنسان بقيامه بعمل ما يقدم على ترويج ذلك العمل، فإن فعل خيراً قام بترويج الخير، وإن فعل شراً فقد روج الشر، إن العمل الذي يختاره الإنسان مع أنه جزئي إلا أنه يضفي عليه طابع الكلية في الوقت نفسه، فمثلاً ان اختيار طريق للنجاح عمل جزئي، أي شخصي وفردي، إذ يرتبط شخص معين في زمان ومكان معينين، ولكن هنا في الواقع كلية أيضاً، فإنكم عندما تختارون عملاً فمعنى ذلك ان هذا العمل بشكل كلي حسن للجميع، حسب قوله: ان معيار كون الفعل خلقياً هو أخلاق الفرد الفاعل، فإذن تكون الأخلاق أمراً نسبياً، لا تنشأ من انتخاب الفرد (ولا شأن لنا الآن في كون هذا الكلام باطلاً من أساسه)، إن معيار كون فعل ما خلقياً في هذه النظرية هو انتخاب الفرد ، فإذن عندي أن يكون الشيء الذي انتخبته خلقياً، وأنت حيث انتخبت فعلاً آخر يكون عندك الفعل الخلقي شيئاً آخر، وقد يتغير الفعلان في وقت آخر أيضاً.

إلا أننا إذا تجاوزنا هذه النظرية والتفتنا إلى سائر النظريات التي قمنا بنقلها سابقاً، يمكننا القول بعدم نسبية الأخلاق، فإن الأخلاق بذلك المعنى الذي عرفناها به تكون مطلقة، ولكن لا مانع من القول بأن الفعل الخلقي نسبي.


الهدوء النفسي

النزاع بين الميول النفسانية والوجدان الأخلاقي

القواعد والأسس المعنوية والنفسية للتوبة الحقيقية

المعلم وتلاميذه

التغذية السليمة في القران

القران وتربية الإنسان عقليا

تربية العقل و تدبر العاقبة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)