• عدد المراجعات :
  • 706
  • 5/21/2011
  • تاريخ :

الخلاف حول الاحتفال بذكرى الأنبياء وعباد اللَّه الصالحين‏

الورد

أدلّة القائلين باستحباب الاحتفال‏

يستدلّ من يرى استحباب الاحتفال بذكرهم بأنّ جلّ مناسك الحج احتفال بذكرى الأنبياء والأولياء كما سنذكر أمثلة منها فيما يأتي:

 

أ- مقام إبراهيم:

قال سبحانه وتعالى: «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ...»(البقرة/ 125).

وفي صحيح البخاري «1» ما ملخصه:

إنّ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لما كانا يبنيان البيت: جعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة.

وفي رواية بعدها:

حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ على نقل الحجارة، فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة.

                       

***

 إنّ اللَّه سبحانه أمر الناس كما هو واضح أن يتبرّكوا بموطئ قدمي إبراهيم عليه السلام في بيته الحرام ويتّخذوا منه مصلى، إحياءً لذكرى‏ إبراهيم وتخليداً، وليس فيه شي‏ء من أمر الشرك باللَّه جلّ اسمه.

 

ب- الصفا و المروة:

قال اللَّه سبحانه: «إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» (البقرة/ 158).

وروى البخاري ما ملخصه:

انّ هاجر لما تركها إبراهيم عليه السلام مع إبنها إسماعيل بمكة ونفد ماؤها وعطشت و عطش إبنها وجعل يتلوى، فانطلقت إلى جبل صفا كراهية أن تنظر إليه، فقامت عليه تنظر هل ترى أحداً، فلم ترَ أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً، فلم ترَ أحداً، فعلت ذلك سبع مرّات.

قال ابن عباس: قال النبي (ص): «فذلك سعي الناس بينهما ...» الحديث «2».

جعل اللَّه السعي بين الصفا والمروة من مناسك الحجّ، إحياءً لذكرى سعي هاجر بينهما واحتفالًا بعملها، واستحباب الهرولة في محلّ الوادي الذي سعت فيه هاجر سعي الإنسان المجهود إحياءً لذكرى هرولتها هناك.

 

ج- رمي الجمار:

روى أحمد والطيالسي في مسنديهما عن رسول اللَّه (ص) أنّه قال:

«إنّ جبرئيل ذهب بابراهيم إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثمّ أتى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثمّ أتى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ ...» «3».

هكذا جعل اللَّه إحياء ذكرى رمي إبراهيم الشيطان والاحتفال بذكره من مناسك الحج.

 

د- الفدية:

قال اللَّه سبحانه في قصة إبراهيم وإسماعيل:

 «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى‏ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» (الصافات/ 101- 107).

وكذلك جعل اللَّه احياء ذكر فداء إبراهيم إبنه إسماعيل وإرسال اللَّه الكبش فديةً له والاحتفال بها من مناسك الحج، وأمر الحجاج بالفدية في منى اقتداء بإبراهيم واحتفالًا بذكر موقفه من طاعة اللَّه.

في مقام إبراهيم انتشرت البركة من قدمي إبراهيم عليه السلام إلى موطئ قدميه، وأمر اللَّه باتّخاذه مسجداً في بيته الحرام، وجعله اللَّه إحياءً لذكره.

وفي ما يأتي نذكر انتشار البركة من آدم عليه السلام أبي البشر.

 

انتشار البركة من آدم عليه السلام والاحتفال بذكره‏

وفي بعض الأخبار أنّ اللَّه جلّ اسمه تاب على آدم عصر التاسع من ذي الحجة بعرفات، ثمّ أفاض به جبرئيل عند المغيب إلى المشعر الحرام، وبات فيه ليلة العاشر يدعو اللَّه‏ ويشكره على قبول توبته، ثمّ أفاض منه صباحاً إلى منى، وحلق فيه رأسه يوم العاشر إمارة لقبول توبته وعتقه من الذنوب، فجعل اللَّه ذلك اليوم عيداً له ولذريّته، وجعل كلّ ما فعله آدم أبد الدهر من مناسك الحج لذريته يقبل توبتهم عصر التاسع بعرفات ويذكرون اللَّه ليلًا بالمشعر الحرام ويحلقون رؤوسهم يوم العاشر بمنى، ثمّ أضيف إلى هذه المناسك ما فعله بعد ذلك إبراهيم وإسماعيل وهاجر، وتمّ بها مناسك الحج للناس.

إذاً فإنّ أعمال الحج كلّها تبرك بتلك الأزمنة والأمكنة التي حلّ بها عباد اللَّه الصالحون أولئك، وكلها احتفال بذكرهم أبد الدهر.

وفي ما يأتي نضرب مثالًا لانتشار الشؤم إلى المكان من المكين.

 

انتشار الشؤم إلى المكان من المكين‏

روى مسلم أنّ رسول اللَّه (ص) عام تبوك نزل بالناس الحجر عند بيوت ثمود، فاستسقى الناس من الآبار التي كان‏ يشرب منها ثمود، فعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم، فأمرهم رسول اللَّه (ص) فاهرقوا القدور وعلفوا العجين الابل، ثمّ ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، قال: «إنّي أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم» «4».

وفي لفظ مسلم:  «ولا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الّا أن تكونوا باكين، حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم» ثمّ زجر وأسرع حتى خلفها.

وفي لفظ البخاري:

ثمّ قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي.

وفي رواية أُخرى بمسند أحمد:

وتقنع بردائه وهو على الرحل «5».

 

منشأ الشؤم والبركة في المكان‏

من أين نشأ شؤم بلاد ثمود وآبار ثمود وانتشر إليها؟ عدا أنّه نشأ من قوم ثمود وانتشر منهم إلى بلادهم وآبارهم وبقي فيها إلى عصر خاتم الأنبياء وإلى ما شاء اللَّه، ومن أين نشأ فضل بئر ناقة صالح؟ عدا ما كان من شرب ناقة صالح منها وانتشر الفضل منها إلى البئر وبقي فيها إلى عصر خاتم الأنبياء وإلى ما شاء اللَّه.

وليست ناقة صالح وبئرها بأكرم على اللَّه من إسماعيل وبئره زمزم، بل كذلك جعل اللَّه البركة في زمزم من بركة إسماعيل أبد الدهر.

وكذلك شأن انتشار البركة مما يفيضه اللَّه على عباده الصالحين في أزمنة خاصّة مثل بركة يوم الجمعة.

بركة يوم الجمعة

في صحيح مسلم:

 «أنّ اللَّه خلق آدم يوم الجمعة وأدخله الجنّة يوم‏ الجمعة ...» «6».

هذا وغيره ممّا أفاضه اللَّه على عباده الصالحين في يوم الجمعة خلد البركة في يوم الجمعة أبد الدهر.

 

البركة في شهر رمضان‏

وكذلك الشأن في بركة شهر رمضان، فقد قال سبحانه:

 «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ» (البقرة/ 185).

وقال سبحانه:

 «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ...» (القدر/ 1- 3).

إذاً فقد انتشرت البركة من ليلة القدر التي أنزل فيه القرآن على خاتم أنبياء اللَّه إلى جميع أزمنة شهر رمضان، وتخلّدت البركة في ذلك الشهر من تلك الليلة إلى أبد الدهر.

بعد انتهائنا من الإشارة إلى رجحان الاحتفال بذكرى أصفياء اللَّه، نؤكّد أنّنا نقصد من الاحتفال بذكر أصفياء اللَّه- مثلًا-: قراءة سيرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الصحيحة غير المنحرفة في ليلة ميلاده، وإطعام الطعام في سبيل اللَّه وإهداء ثوابه لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، مع الاجتناب من القيام بأعمال ابتدعها بعض المتصوّفة.

---------------------------------------------------

الهوامش:

(1) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب يزفون النسلان في المشي‏ء 2: 158 و 159.

(2) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب يزفون النسلان في المشي، 2: 158؛ وراجع معجم البلدان، مادة زمزم، بذكر تاريخ اسماعيل من تاريخ الطبري وابن الأثير.

(3) مسند أحمد 1: 306؛ وقريب منه في 127؛ ومسند الطيالسي، ح 2697؛ وراجع مادة الكعبة من معجم البلدان وتاريخ ابراهيم واسماعيل من تاريخ الطبري وابن الأثير.

(4) أورده مسلم باختصار في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ...، الحديث 40؛ واللفظ لمسند أحمد 2: 117؛ صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب نزول النبي (ص) الحجر.

 (5) مسند أحمد 2: 66.

 (6) صحيح مسلم: كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة، ح 17 و 18.


أعلام الاُمة وزيارة قبر النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)

زيارة القبور في الكتاب والسنّة

زيارة القبور في السنّة النبوية

هل هناك من علاقة بين عقائد الشيعة الإمامية وعقائد الغلاة ؟

أساس الإسلام حب أهل البيت عليهم السلام

 

 

 

 

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)