• عدد المراجعات :
  • 574
  • 5/8/2011
  • تاريخ :

باكستان وبن لادن، كيف تعرض الغرب للخداع؟

 الغرب و بن لادن

على مدى سنوات، لطالما تذمر مسؤولون في الاستخبارات الأميركية من أن باكستان تخوض «لعبة مزدوجة»، فهي تتعاون مع بعض العناصر الغربية في جهود مكافحة الإرهاب، بينما تمتنع في الوقت نفسه عن اتخاذ تدابير حاسمة ضد حركة الجهاد، فالمعطيات التاريخية تساهم في تفسير الأسباب التي تدفع إلى خوض تلك اللعبة.

على مدى سنوات، لطالما تذمر مسؤولون في الاستخبارات الأميركية من أن باكستان تخوض «لعبة مزدوجة»، فهي تتعاون مع بعض العناصر الغربية في جهود مكافحة الإرهاب، بينما تمتنع في الوقت نفسه عن اتخاذ تدابير حاسمة ضد حركة الجهاد، فالمعطيات التاريخية تساهم في تفسير الأسباب التي تدفع إلى خوض تلك اللعبة.

في شهر ديسمبر من عام 1979، عند نهاية اجتماع قررت فيه باكستان خوض حرب سرية، تدعمها الولايات المتحدة وتمولها المملكة العربية السعودية، فكانت ستنتهي بدمارها على يد الاتحاد السوفياتي، إذ تلفظ الدكتاتور العسكري الذي كان يحكم باكستان بمقولة على مسامع أبرز جواسيسه، فقال الجنرال محمد ضياء الحق للجنرال أختر عبدالرحمن خان، المدير العام لمديرية الاستخبارات الداخلية: 'يجب أن تُطبَخ الأمور في أفغانستان على حرارة مناسبة'.

 منذ اعتداءات 11 سبتمبر، كانت الاستخبارات الباكستانية تسعى إلى إبقاء الجهاد محصوراً داخل أفغانستان وباكستان، فدعمت حلفاء لها كانت قد أنشأتهم في السنوات التي تلت ذلك الاجتماع، تزامناً مع انضمامها إلى الحرب على الإرهاب بقيادة الغرب، فكانت تلك الخطوة السبب في حصولها على مليارات الدولارات على شكل مساعدات ودعم عسكري.

 غير أن مقتل أسامة بن لادن قد يشير إلى وصول الأمور إلى حدها الأقصى، مما قد يؤدي إلى تدمير علاقة باكستان بالغرب ووقوع سلسلة من الأحداث غير المتوقعة.

 بغض النظر عمّا إذا كان بن لادن يختبئ في ملجأ وفرته له الاستخبارات الباكستانية أو نجح في إعاقة جهود مكافحة الإرهاب غير الفاعلة، يبقى التحدي الذي يواجهه صانعو السياسة الغربيون هائلاً، فقد اتضح أن الاستخبارات الباكستانية ليست مستعدة ولا قادرة على التحرك ضد "المجاهدين الناشطين" على أراضيها. صحيح أن الشرطة وأجهزة الاستخبارات في دول جنوب آسيا التي تفتقر إلى التمويل والتدريب تُعتبر غير كفؤة، لكن يصعب أن نتخيل أن جواسيس باكستان لم يحققوا بهوية الجهة التي كانت تبني منزلاً محصناً بقيمة مليون دولار على بعد بضع مئات الأميال من الأكاديمية العسكرية الباكستانية في كاكول؛ وهي هدف محتمل للمجاهدين الباكستانيين الذين أعلنوا مسؤوليتهم عن قتل آلاف الجنود، فقد صرح جيران بن لادن بأن المنزل كان مراقباً بالكاميرات، وأن أحداً ما كان يستطيع الدخول إليه، وأن النفايات كانت تُحرَق، وبالتالي، لابد من أن تلفت هذه الأحداث نظر الجميع، وحتى أسوأ الجواسيس على الإطلاق.

بغض النظر عمّا إذا كان بن لادن يختبئ في ملجأ وفرته له الاستخبارات الباكستانية أو نجح في إعاقة جهود مكافحة الإرهاب غير الفاعلة، يبقى التحدي الذي يواجهه صانعو السياسة الغربيون هائلاً،

 في السنة الماضية، حين نقلت قناة 'سي.إن.إن' أن بن لادن يعيش على الأرجح في باكستان- كان ذلك أحدث تقرير ضمن سلسلة تقارير مماثلة- أصرت وزارة الخارجية الباكستانية على أن تلك الادعاءات 'لا أساس لها من الصحة' وأنها انتشرت لإيذاء باكستان. في عام 2009، ذهب الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري إلى حد ادعاء أن بن لادن مات.

 على مدى سنوات، لطالما تذمر مسؤولون في الاستخبارات الأميركية من أن باكستان تخوض 'لعبة مزدوجة'، فهي تتعاون مع بعض العناصر الغربية في جهود مكافحة الإرهاب، بينما تمتنع في الوقت نفسه عن اتخاذ تدابير حاسمة ضد حركة الجهاد، فالمعطيات التاريخية تساهم في تفسير الأسباب التي تدفع إلى خوض تلك اللعبة.

 بعد موت الجنرال ضياء الحق في ظروف غامضة، عام 1988، طوّرت باكستان ما سماه حسين حقاني، السفير الباكستاني الراهن في الولايات المتحدة، بـ'الحكم العسكري بوسائل أخرى'. لقد أثبت الباحث حسن عسكري رضوي أن النظام الجديد يتمحور حول مجموعة من قادة الجيش الذي أصبح أبرز مؤسسة نافذة في الدولة.

 لقد أدت الاستخبارات الباكستانية دوراً محورياً في إرساء هذا الوضع، فمنذ الاستقلال في عام 1948، اضطلعت أجهزة باكستان السرية بدور مهم وغير مألوف، بينما كانت البلاد تواجه خصماً يتفوق عليها تاريخياً، وفي عامي 1947 و1948، أوشك المتمردون القبليون المدعومون من ضباط الجيش الباكستاني على السيطرة على كامل كشمير، وفي عام 1965، جرت محاولات لإنشاء نسخة أكثر تنظيماً عن تلك المؤسسة، عبر اللجوء إلى تشكيلات عسكرية باكستانية.

 كان الخبراء الاستراتيجيون في الاستخبارات الباكستانية يأملون أن تؤدي هذه الحملة- التي وصفها أول رئيس وزراء هندي، جواهر لال نهرو، بعبارة 'الحرب غير الرسمية'- إلى تعميق الانقسامات الدينية والعرقية، ما قد يؤدي إلى تفكك خصمهم العظيم.

 كذلك، سعت باكستان إلى إضعاف الحس القومي العرقي لدى قبيلة البشتون، وقد كانت أفغانستان تطالب بالمنطقة في شمالها الغربي. ثم جنّدت الإسلاميين الذين نفاهم النظام القومي العلماني برئاسة الجنرال الأفغاني محمد داود خان. وفي شهر يوليو من عام 1975، أقدمت على تمويل محاولة انقلاب ضد داود خان على يد قلب الدين حكمتيار، الزعيم المستقبلي للمجاهدين.

 كانت معظم مبادئ هذه العقيدة تُدرَّس في المدارس العسكرية الأميركية، إذ تعلم الضباط الباكستانيون دروساً مهمة عن حرب العصابات، لكن يشير الأستاذ ستيفن كوهن إلى أن الولايات المتحدة سعت من جهتها إلى تجنب حروب مماثلة، بينما تعلمت باكستان تلك الدروس 'بهدف إطلاق حرب شعبية ضد الهند'.

كان الخبراء الاستراتيجيون في الاستخبارات الباكستانية يأملون أن تؤدي هذه الحملة- التي وصفها أول رئيس وزراء هندي، جواهر لال نهرو، بعبارة 'الحرب غير الرسمية'- إلى تعميق الانقسامات الدينية والعرقية، ما قد يؤدي إلى تفكك خصمهم العظيم.

 بالتالي، كانت باكستان المكان الأمثل لمساعدة حركة الجهاد المناهضة للشيوعية في أفغانستان، وسرعان ما تحولت الجماعات التي أنتجتها لمحاربة تلك الحملة إلى أطراف حليفة، لكن غداة اعتداءات 11 سبتمبر، اضطرت إلى تغيير مسارها: يروي الرئيس السابق مشرف، في مذكراته، أنه تلقى تعليمات بضرورة أن تصطف باكستان إلى جانب الولايات المتحدة أو تجازف بالتعرض للقصف والدمار والعودة إلى ما يشبه العصر الحجري.

 ما الذي يريده الجيش الباكستاني الآن إذن؟ عام 2008، حين تولى الجنرال برويز كياني، رئيس هيئة أركان الجيش، مسؤولية ما اعتُبر انقلاباً على يد جنرالات باكستان ضد قادتهم، استلم مهمة إعادة ترميم المكانة السياسية للمؤسسة العسكرية، مما يعني إعادة فرض النظام. أدت جهوده في هذا الإطار إلى نشوء صراع بين باكستان والأهداف الجيوسياسية الأميركية.

 أولاً، سعى الجنرال كياني إلى بث النفوذ في أفغانستان، على أمل أن تتصرف 'إمارة أفغانستان الإسلامية'، كما تسمي نفسها 'طالبان'، كحليف في وجه المجاهدين الناشطين ضد باكستان، وكانت الاستخبارات الباكستانية تأمل أن تقوم شخصيات من أمثال قائد المجاهدين الأفغاني جلال الدين حقاني بالتخلي عن تحالف المجاهدين الباكستانيين، الذي حمل اسم مجموعة 'تحريك طالبان' في باكستان، مقابل الوصول إلى السلطة، لكن كانت شبكة حقاني الأكثر صرامة من بين خصوم الغرب في أفغانستان، ويرتبط زعيم حركة 'تحريك طالبان'، محمد إلياس كشميري، الذي تخشى باكستان مواجهته، بتنظيم 'القاعدة'. في السنة الماضية، أكد الدبلوماسي الكندي السابق كريس ألكسندر أن جميع المؤشرات تدل على انهيار وحدات القتال التابعة للإمارة الإسلامية في حال غياب الدعم العسكري الباكستاني.

 ثانياً، اتخذ الجنرال كياني موقفاً متشدداً من خصم باكستان التقليدي، الهند، وتمثّل ذلك الموقف بالتنازل للمجاهدين المحليين على أمل أن يعيدوا التركيز على الجهات الخارجية، وفي عام 2008، قيل إن الولايات المتحدة واجهت الجيش الباكستاني بأدلة تثبت أن الاستخبارات الباكستانية كانت متورطة في الهجوم الذي استهدف البعثة الدبلوماسية الهندية في كابول، وانطلاقاً من شهادة المجاهد الباكستاني الأميركي ديفيد هيدلي، أصبح من المعروف الآن أن الاستخبارات الباكستانية قامت، في وقت لاحق من تلك السنة، بتسهيل المجزرة التي وقعت في مومباي ووفرت التدريب والدعم للمنفذين.

 لايزال أهم منفذي المجازر ينعمون بحريتهم، وأبرزهم القائد العام ساجد مير والمهندس العسكري محمد مزمل بهات، حتى إن المحققين الباكستانيين لم يسموهما قبل نشر أقاويل هيدلي علناً، لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت جماعة 'عسكر طيبة' المعادية للهند تطرح تهديداً على الغرب.

 فقد أثبت بعض الخبراء، من أمثال ستيفن تانكل، أن البنية التحتية للجماعة دعمت العمليات الجهادية في أوروبا وأفغانستان، وحتى العراق، وصرّح زعيمها، حافظ محمد سعيد، المطلوب بسبب ضلوعه في اعتداءات مومباي، أمام حشد من المصلين في مدينة لاهور، يوم الاثنين، بأن بن لادن كان 'شخصاً عظيماً ساهم في صحوة العالم الإسلامي'.

 لا عجب إذن في أن الاستخبارات الباكستانية كانت تعيق جهود وكالة الاستخبارات المركزية للقضاء على حركة 'عسكر طيبة'، الأمر الذي أدى إلى الصدام الأخير بسبب قضية رايموند ديفيس، وهو مسؤول في الاستخبارات الأميركية كان قد اعتُقل في وقت سابق من هذه السنة في باكستان.

فقد أثبت بعض الخبراء، من أمثال ستيفن تانكل، أن البنية التحتية للجماعة دعمت العمليات الجهادية في أوروبا وأفغانستان، وحتى العراق، وصرّح زعيمها، حافظ محمد سعيد، المطلوب بسبب ضلوعه في اعتداءات مومباي، أمام حشد من المصلين في مدينة لاهور، يوم الاثنين، بأن بن لادن كان 'شخصاً عظيماً ساهم في صحوة العالم الإسلامي'.

 أخيراً، سعى الجنرال كياني إلى ردم الهوة القائمة بين الجيش الباكستاني والحلفاء المجاهدين مثل جماعات 'عسكر طيبة'، و'جيش محمد'، و'عسكر جنجوي'؛ وهي إحدى الجماعات المتبقية من السنوات الأخيرة في عهد الرئيس مشرّف.

 كان قرار مشرّف بكبح المجاهدين بمنزلة رد على الضغوط المتصاعدة من داخل صفوف الجيش، وكان وزير الداخلية في عهد مشرف، محيي الدين حيدر، إحدى الشخصيات العسكرية البارزة التي أدركت أن رعاية باكستان للمجاهدين أحبطت المستثمرين وكلفت الاقتصاد مبالغ باهظة، مع أنها خطوة تكتيكية مفيدة.

 وفي حين شن مشرف حملة قمعية ضد المجاهدين، وتحديداً عبر تجديد العمليات في جامو وكشمير، فشل في التوصل إلى إجماع مؤسساتي حول هذه الأفكار، ومع انقراض إرثه، أثبت عجزه عن تخطي الماضي بشكل جذري.

 يوجد جميع خلفاء بن لادن المحتملين- أي المجاهد المصري المخضرم أيمن الظواهري، والمحارب أبو يحيى الليبي المنتمي إلى 'القاعدة'، والعبقري في تنظيم العمليات سيف العدل- في باكستان. لقد أوضح الجنرال كياني أنه لا ينوي نقل القوات العسكرية إلى شمال وزيرستان، إذ تقوم معسكرات محمد كشميري بتدريب المجاهدين لاستهداف الغرب، ولم يُبدِ أي نية لمطاردة 'القاعدة' أيضاً.

 طوال عقود، لطالما سعت الحكومات الغربية إلى رشوة باكستان لكسب تحالفها الاستراتيجي، وقد أوضح الجنرال كياني أن باكستان ترى الأمور من منظار مختلف جداً؛ وبحسب رأيه، لقد أدت حرب الغرب على الإرهاب إلى إغراق بلده في أزمة تهدد وجوده، ويريد الجيش الخروج من تلك الأزمة... إنه خيار لا يمكن أن يتحمل كلفته الغرب ولا المواطنون الباكستانيون ولا أبرز ضحايا المجاهدين.

 تقل الخيارات الجيدة المطروحة في هذه الفترة، إذ تواجه باكستان والغرب مرحلة جديدة وبالغة الخطورة في علاقتهما... قد يكون مقتل بن لادن نهاية إحدى مراحل الحرب على الإرهاب، لكن من المستبعد أن يشكّل بداية للسلام.

*صحيفة ديلي تليغراف

مصدر: العالم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)