• عدد المراجعات :
  • 436
  • 4/25/2011
  • تاريخ :

تدمير ليبيا من أجل إعادة إعمارها

الثورة الليبيية

حول مستقبل ليبيا أصدر الرؤساء الثلاثة، الأميركي والفرنسي والإنكليزي، بياناً مشتركا تضمّن خارطة الطريق التي ينبغي اعتمادها لتحقيق السلام والمستقبل الأفضل لليبيين، وعلى الرغم من الكلمات المنمّقة والأماني العذبة والعواطف الإنسانية التي طغت على البيان، فقد كان واضحاً تماماً أنهم قرّروا وضع ليبيا على الطريق التي وضع عليها العراق، ومن قبله يوغوسلافيا، على أن تقوم قوات القذافي النظامية بتدمير ليبيا بدلاً من قيام قواتهم البرية بهذه المهمة، وعلى أن تبدأ عمليات إعادة الإعمار الكبرى، طويلة المدى، بعد أن يتحقّق ذلك.

لقد جاء في بيان الرؤساء الثلاثة، أنّ الطريق إلى السلام كما يرونه يبشّر بأمل جديد للشعب الليبي. بمستقبل يخلو من القذافي، ويحفظ وحدة ليبيا وسيادتها، ويعيد إحياء اقتصادها ويحقق رخاءها. ويبدأ الطريق بسحب النظام الليبي لقواته من المدن وإعادتها إلى ثكناتها. وبأنه طالما استمرّ القذافي في السلطة فإنه يتوجب على قوات الأطلسي مواصلة عملياتها لتوفير الحماية للشعب وزيادة الضغط على النظام. وبذلك يمكن البدء بعملية حقيقية للتحول من الدكتاتورية إلى عملية دستورية شمولية.

لقد جاء في بيان الرؤساء الثلاثة، أنّ الطريق إلى السلام كما يرونه يبشّر بأمل جديد للشعب الليبي. بمستقبل يخلو من القذافي، ويحفظ وحدة ليبيا وسيادتها، ويعيد إحياء اقتصادها ويحقق رخاءها. ويبدأ الطريق بسحب النظام الليبي لقواته من المدن وإعادتها إلى ثكناتها.

 ولكي يتمّ الشروع بعملية التحول هذه لا بدّ من رحيل القذافي بلا رجعة "آجلاً وليس عاجلاً". وعندها تتوجب مساعدة الشعب الليبي في إعادة بناء ما دمّره القذافي: ترميم البيوت والمستشفيات وإعادة المرافق والخدمات الأساسية، وبناء المؤسسات، وتعزيز أسس مجتمع مزدهر ومنفتح.

 في يوغوسلافيا التي أزيلت من الوجود، وكذلك في العراق المدمّر، انطلقت فرق الشركات الربوية عابرة القوميات والقارات في سباق محموم للاستيلاء على ممتلكات البلدين. إنها شركات المال الحرام والأعمال الشائنة غير المشروعة، التي تقف خلفها أقوى حكومات العالم، والتي تنطلق في أعقاب الجنود وهم يمهّدون لها الطريق بتدمير المجتمعات البشرية التي تشكل عائقاً يحول دون وصولها إلى أهدافها الوضيعة. إنهم ينطلقون للاستيلاء على ممتلكات الشعوب الأخرى عنوة واقتداراً، وعندما تنهض الشعوب لمقاومتهم دفاعاً عن وجودها يلصقون بها تهمة الإرهاب، أو تهمة اضطهاد أقلياتها، أو تهمة الوضاعة المتأصلة والعداء للحضارة.. الخ.

 في العام 1999 وبّخ رئيس الحكومة الإنكليزية توني بلير حكومة بلغراد الجديدة لفشلها في برنامج "الإصلاح الاقتصادي"، أي برنامج "إعادة الإعمار"، الذي وضعته حكومات البلدان الثريّة المتحضرة بعد تدمير يوغوسلافيا بالقنابل. إنّه البرنامج الذي عنى تطبيقه تسهيل التهام الشركات الربوية لبلدان الاتحاد اليوغوسلافي السابق. لكنّ بلير لم يوبّخ الحكومة الصربية على جرائمها ضدّ الإنسانية في إقليم كوسوفو وغيره.

 والحال أن قاذفات القنابل الثقيلة، الأميركية والإنكليزية، التي ألقت أطنان القنابل ضد المدن اليوغوسلافية، كان هدفها الوحيد تحقيق الفصل بين المجتمع المنكوب وممتلكاته التي سوف يتم الاستيلاء عليها من قبل الشركات الربوية بعد "خصخصة" جميع الأصول المملوكة من قبل الدولة والمجتمع.

 لقد كانت يوغوسلافيا آخر كتلة اقتصادية كبيرة في الجنوب الأوسط من أوروبا، وكانت لا تزال خارج دائرة هيمنة الشركات التي تعمل انطلاقاً من الغرب الأطلسي، حيث الإدارة الذاتية لقطاعات الإنتاج كانت ما تزال هي السائدة في الأقاليم اليوغوسلافية.

والحال أن قاذفات القنابل الثقيلة، الأميركية والإنكليزية، التي ألقت أطنان القنابل ضد المدن اليوغوسلافية، كان هدفها الوحيد تحقيق الفصل بين المجتمع المنكوب وممتلكاته التي سوف يتم الاستيلاء عليها من قبل الشركات الربوية بعد "خصخصة" جميع الأصول المملوكة من قبل الدولة والمجتمع.

 لقد شملت الملكية العامة في يوغوسلافيا صناعة البترول والمناجم والسيارات والتبغ، حيث 75 بالمئة من مثل هذه الصناعات كانت قطاعاً عاماً، أو قطاعاً مملوكاً اجتماعياً. وحسب قانون "الخصخصة" الجديد، الصادر في بلغراد عام 1997، أي بعد اجتياح يوغوسلافيا، حدّدت حكومة بلغراد للعمال نسبة 60 بالمئة من الأسهم، فجنّ جنون الأميركيين والبريطانيين، وجرى اعتقال الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش باعتباره "مجرم حرب"، وجيء بحكومة طيّعة تقبل بأن تبيع للشركات الربوية والمستثمرين اللصوص الأجانب 70 بالمئة من القطاع الاقتصادي المملوك من قبل الدولة والمجتمع، وأن تبقي للعمال فقط نسبة 15 بالمئة من الأسهم، ومثلها للدولة.

 في تلك العمليات الحربية الضخمة، التي قام بها الأميركيون وحلفاؤهم عام 1999 ضدّ يوغوسلافيا، استهدف القصف العنيف الشركات المملوكة من قبل الدولة والمجتمع أكثر مما استهدف القوات العسكرية اليوغوسلافية، فقد دمّروا 14 دبابة يوغوسلافية فقط، لكنهم قصفوا 372 منشأة صناعية تحوّل عمالها إلى عاطلين عن العمل، أما المصانع الأجنبية ومصانع القطاع الخاص، فلم تتعرض إطلاقاً لأي قصف أو أي أذى.

 لقد كانت الغنيمة الأعظم للغزاة في يوغوسلافيا هي ثروات إقليم كوسوفو: احتياطات الفحم في أوروبا حيث الكميات الهائلة من الفحم الحجري والرصاص والزنك والذهب والفضة والبترول. أما جوهرة الغنائم فكانت مجمع مناجم تريبتشيا الذي كانت قيمته عام 1997 في حدود خمسة مليارات دولار، وقد استولى على هذا المجمع 2900 من جنود حلف الأطلسي، وطردوا عماله ومديريه بقنابل الغاز وبالرصاص المطاطي.

 باختصار: إن ما حدث في يوغوسلافيا كان عملية سلب ونهب عملاقة، ولم تكن عملية إعادة إعمار أشلائها سوى عملية إعادة إنتاج ما يستحق السلب والنهب مرة أخرى، يقوم فيها المجتمع المحلي بدور الخادم المأجور، أما جميع ما قيل عن أسباب الأحداث اليوغوسلافية، خلاف ذلك، فهو إما مختلق لا أساس له، وإما ثانوي جداً جرى تضخيمه إلى المستوى الكافي الذي يبرّر شنّ الحرب.

 وفي العراق أيضاً، انطلقت في العام 2003 فرق الشركات الربوية، خلف الجنود المحتلين، المدجّجين بالسلاح الحضاري الديمقراطي، ومنذ اللحظات الأولى للاجتياح بدأ الانقضاض على أصول الدولة العراقية والتهامها. لقد أمسكت الآلة العسكرية الأميركية بالعراق لشلّ مقاومته، بينما انطلقت فرق الشركات الربوية وجيوش المغامرين والمرتزقة المأجورين في عمليات نهب ممتلكات العراق من الغالي والرخيص، والثقيل والخفيف.

وفي العراق أيضاً، انطلقت في العام 2003 فرق الشركات الربوية، خلف الجنود المحتلين، المدجّجين بالسلاح الحضاري الديمقراطي، ومنذ اللحظات الأولى للاجتياح بدأ الانقضاض على أصول الدولة العراقية والتهامها.

 غير أن ما حدث في العراق كان تطلع الأميركيين إلى الانفراد بالفريسة والتهامها لوحدهم، بوساطة شركاتهم التي يملك بعضها وأهمها حكام واشنطن بالذات، فكانت تلك غلطة وبخّهم عليها "عقلاء" الولايات المتحدة، حيث الاحتلال الأميركي للعراق يحتاج إلى إمكانيات الأوروبيين المادية والسياسية، خلافاً لما توهمه بوش وتشيني ورامسفيلد وبقية الفريق الحاكم، وعندما اصطدموا بتصاعد المقاومة العراقية كانوا قد التهموا أصول الدولة، وفككوا أجهزتها، لكنهم وجدوا أنفسهم معلقين في الفراغ، فما التهموه لم يتجاوز على ضخامته "المقبّلات" الفاتحة للشهية. وكان عليهم إما الانسحاب وإما المتابعة التي تعني السيطرة على المجتمع، وتعني نجاحهم في افتعال حرب طائفية وعرقية على الطريقة اليوغوسلافية، وتعني تشكيل حكومة وقوات محلية تابعة، وتعني ضمان استمرار الإنتاج في حقول النفط..الخ، وهذا جميعه بدا صعباً للغاية من دون مساعدة الأوروبيين الدهاة، الذين استبعدوا منذ البداية بطريقة مهينة.

اليوم تتكرّر الحكاية ذاتها في ليبيا. إنهم يريدون تدميرها من أجل إعادة بنائها، وهم يعوّلون على قوات القذافي النظامية في مساعدتهم، وذلك في نطاق بعض الاختلافات والتعديلات غير الجوهرية، التي تأخذ بعين الاعتبار دروس التجربتين اليوغوسلافية والعراقية،

 اليوم تتكرّر الحكاية ذاتها في ليبيا. إنهم يريدون تدميرها من أجل إعادة بنائها، وهم يعوّلون على قوات القذافي النظامية في مساعدتهم، وذلك في نطاق بعض الاختلافات والتعديلات غير الجوهرية، التي تأخذ بعين الاعتبار دروس التجربتين اليوغوسلافية والعراقية، وتأخذ بعين الاعتبار أيضاً ما طرأ على الوضع الدولي من تغيّرات أساسية في موازين القوى، حيث لم يعد ممكناً أبداً تجاهل الدول الصاعدة ومجموعة الدول العشرين، كذلك لم يعد ممكناً أبداً تجاهل حالة النهوض الشامل التي بدأتها الأمة العربية جمعاء.

*نصر شمالي

مصدر: العالم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)