• عدد المراجعات :
  • 1571
  • 2/26/2011
  • تاريخ :

المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) بإجماع المسلمين سيكون من علماء هذه الأُمَّة

المهدي المنتظر (عجّ)

 والسؤال هنا هو:

هل هو ـ أي المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) ـ سيكون عالماً مجتهداً، كبقية علماء المسلمين، بحيث لا يجوز للعلماء المجتهدين تقليده، والأخذ برأيه في المسائل الفرعية الفقهية، أم أنّه ـ أي المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) ـ سيكون عالماً معصوماً، قوله كقول الرسول (صلّى الله عليه وآله)، يجب على العالم والجاهل والمجتهد والمقلِّد أن يطيعوه في جميع المجالات؟

إنَّ الواضح من الروايات المجمع عليها أنّه واجب الطاعة على الجميع بلا استثناء، وفي جميع الأمور، السياسية منها والعقائدية والفقهية وغيرها، ولو لم يكن الأمر كذلك لما استطاع الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، فهو إذا أراد ـ مثلاً ـ أن يُحرِّم بعض الأمور الفقهية التي اجتهد فيها المجتهدون وأباحوها، فإن حرَّمها الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) ولم يقبل قوله المجتهدون، وأصرَّ كلُّ واحد منهم على ما أفتى به حسب علمه واجتهاده، فلن يتحقَّق ـ مع هذه الحالة ـ العدل الموعود به على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله).

إذًا لا بدّ لجميع المسلمين أن يستثنوا الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) من أنّه عالم مجتهد كبقية علماء الأُمَّة، ويجب عليهم جميعاً ـ شيعةً وسنّةً ـ القول بأنّ لديه ميزة خاصّة، تلزم بها طاعته بشكل مطلق في جميع الأمور كبيرها وصغيرها، وهذه هي العصمة التي لا يوجد القول بها للمهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) إلاَّ في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومن هنا يلزم جميع المسلمين الرجوع إلى هذه العقيدة المنسجمة مع كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبشارته.

 

وأذكر هنا قصة ترتبط بهذه المسألة:

لـمَّا عرف بعض زملائنا من مُبَلِّغي الزيدية ومُرشديهم إيماننا بالعقيدة الإمامية، ضجُّوا علينا ضجّة كبيرة، ووتَّروا الأوضاع علينا بصورة غير طبيعيَّة، وفي تلك الظروف بدأ بعضهم يقول على المنابر: إنّ الجعفرية أخطر من الوهابية.

فقلتُ لهم: لا يجوز لكم ذلك.. وإذا كنتم أتباعًا لعلماء الزيدية فأنا على يقين من أنّهم لا يقولون بهذا المقال، ولا يرضونه أبداً، وقد عاشرتُ كبارهم سنين، فلم أسمع منهم مثل هذه المجازفات.

ولكنّ أولئك المجموعة من المبلِّغين والمرشدين لم يعتنوا بكلامي، وأصرُّوا على القول بأنّ كبارهم وعلماءهم لهم نفس النظرة والعقيدة بالنسبة إلى الجعفرية.

فاتَّفقنا ـ أنا وثلاثة من كبارهم ـ على أن نذهب إلى صنعاء، ونسأل علماء الزيدية هناك بهذا السؤال، وهو: هل الجعفرية أخطر من الوهابية على الزيدية أم لا؟

واتّفقنا على ألَّا يقوم أحد بفعل أي مقدِّمات تجعل الجواب في صالحه، فصمّمنا على أن نبدأ بالعلَّامة السيد حمود عباس المؤيد نائب مفتي الجمهورية اليمنية، ولـمَّا وصلنا إلى جامع النهرين، وهو جامعه الذي يستقرُّ فيه، وجدناه جالسًا في المحراب، وبجواره السيد محمّد المنصور(1)، فتقدّم أحد الإخوان المبلِّغين، وبدأ يتكلَّم مع فضيلة العلامة المؤيد حفظه الله تعالى، ويقول له: الجعفرية بدأت تهاجم الناس في عقائدهم، وهناك مؤسَّسات كبيرة تدعمهم لنشر الكتب، أخذ يتكلَّم بهذا الكلام، وينقض بذلك اتِّفاقنا، ولـمَّا سكت، قال لي السيد المؤيد حفظه الله تعالى: ما تقول يا ولدي، وقبل أن أتكلَّم تكلَّم ذلك الشخص، وقال: يقول: المعصومون اثنا عشر، فقال السيد المؤيد حفظه الله تعالى: ما فيه معصومين إلَّا الخمسة ـ وهو يهزُّ رأسه يميناً وشمالاً ويُكرِّر ويقول ـ: ما فيه معصومين إلا الخمسة.. يقصد أهل الكساء، وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم صلوات الله. وكان بجانبه السيد محمد المنصور هو الآخر أخذ يُكرِّر نفس العبارة ويقول: ما فيه معصومين إلاّ الخمسة.. وأضاف السيد محمّد المنصورحفظه الله تعالى: والإمام الخميني عظيم عظيم..

فقلت للسيِّد المؤيد حفظه الله تعالى: لماذا الخمسة فقط؟

فقال: لأنّه توجد آية من القرآن الكريم تذكر ذلك، أي عصمة الخمسة أهل الكساء ـ يقصد آية التطهير ـ فقلت له: سيدنا هناك روايات كثيرة تبيّن استمرار العصمة في أهل البيت (عليهم السلام)، مثل حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث الأمان، وحديث "لا تقدموهم فتهلكوا..."، وحديث "رزقوا علمي وفهمي..." وغيرها.. ألا يدلّ مجموع هذه الروايات على استمرار العصمة في أشخاص آخرين من أهل البيت (عليهم السلام) بعد أصحاب الكساء (عليهم السلام)؟

فقال: تلك رواياتٌ، ونحن نريد لإثبات ذلك المُدَّعى آية من القرآن مثل آية التطهير، فتحيَّرتُ في هذا الأمر، وأحسست بالحرج، وقلت في نفسي: من أين آتي له بآية مثل آية التطهير وتكون في غير أصحاب الكساء من أهل البيت (عليهم السلام)؟

فخطر في بالي أن أسأله هذا السؤال وهو: هل المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) معصوم؟

فلما سألته قال: المهدي؟! قلت: نعم.

فإذا بوجهه يتغيَّر لونه إلى الحُمرة.. ثمّ قال: المهديُّ معصوم.

لم أكد أصدق ما سمعتُ منه، وذلك لشدّة إنكاره عليّ القول بعصمة غير الخمسة أهل الكساء (عليهم السلام)، ولكنّه كان رجلاً من أهل التقوى، ومن هذه حاله فلا يستنكف أن يعترف بالحقيقة حتّى لو كانت خلاف قوله ونظره.. وقلت له حين ذاك: سيدنا إذاً ما هو دليلك على عصمة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) في حين أنّه لم يُذكَر في آية التطهير؟

فقال: الروايات؛ إذ كيف يمكن لإنسان أن يملأ الأرض قسطًا وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً وهو ليس معصومًا؟

فقلت له: سيِّدي دليلنا على عصمة الأئمة الاثني عشر هي الروايات أيضًا، والتي ذكرتُ آنفاً، فكيف يكون أهل البيت (عليهم السلام) الثقل الثاني بعد القرآن وقُرَنَآءه، وسـفينة نوح، وأمان أهل الأرض و.. ولا يكونون معصومين؟

لم يجب السيد المؤيد حفظه الله تعالى، واختار السكوت، ثمّ قال: هيّا نذهب إلى البيت ونتكلّم هناك.

ولـمَّا وصلنا إلى البيت أكرمنا، وقدّم لنا بعض المأكولات، فلمَّا جلسنا قليلاً سألته ذلك السؤال الذي سافرنا من أجله، وقلت له: هؤلاء الإخوان يقولون في المساجد: إنّ الجعفرية أخطر من الوهابية.. فما رأيكم في قولهم هذا؟

فقال: لا؛ هذا غير صحيح، الجعفرية إخواننا، ونحن نحبهم، وأنا أفتخر أنّي أوّل من دافع عن الجعفرية في اليمن، فقد دافعت عنهم في الاجتماع الذي عقده الشيخ عبد المجيد الزنداني(2)، واستضاف فيه كبار علماء اليمن وطلب منّا في ذلك الاجتماع الإفتاء بكفر الجعفرية، حيث قال: إنّ خطر الجعفرية مقبل على اليمن، وهم لديهم قرآن آخر غير هذا القرآن ـ قال السيد المؤيد حفظه الله تعالى ـ فقلت له ـ أي للزنداني ـ: من أخبرك بهذا؟ قال: أحد المؤمنين أخبرني أنّه رأى ذلك القرآن بنفسه. قال السيد المؤيد حفظه الله تعالى: لا بدّ أن نرى هذا القرآن بأنفسنا؛ لنفتي عن يقين. فارتبك الزنداني وظهر منه تلعثُمٌ في المقال وتأتأةٌ وتلكُّؤ.

قال السيد المؤيَّد حفظه الله تعالى: عند ذلك قمتُ من المجلس وقلت له: ما سمعنا بهذا، إذا كان لديهم قرآن آخر كما تقول فأتِ به، وخرجت من المجلس، وتبعني بقيَّة العلماء، وانفضَّت تلك الجلسة.

ثمَّ طلب السيد المؤيد حفظه الله تعالى منّا جميعاً أن نتّحد ونتعاون لنشر فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، ثمّ قال لي: يا ولدي الناس ما قبلونا ونحن متلاينون مع المخالفين، فكيف يقبلونكم؟

فقلت له: سيِّدنا أنا لا يهمّني قبول الناس وعدم قبولهم؛ لأنّي أريد أن يرتاح ضميري بما أعتقده.

ثمّ ذكر السيّد قصة وهو يخاطبني فقال: ذات مرّة ذهب أحد المرشدين إلى منطقة عشائرية وبدأ يعظهم ويذكرهم في الخطبة، وأثناء الكلام ذكر لهم قصة ذلك الرجل الذي قتل تسعة وتسعين إنسانًا، وعندما أوصل عدد القتلى إلى مئة تاب، وغفر الله له. فقام رجل من طرف المسجد في أثناء الخطبة وقال للخطيب: يا رجل! أنت الآن تكلّم بدوًا وعشائر بهذا الكلام، وهم بعد سماعهم هذه القصة سوف يقتل بعضهم بعضاً، ويؤمِّلون بعد ذلك التوبة والمغفرة.

وقد فهمتُ من هذه القصة، أنّ السيّد المؤيّد حفظه الله تعالى يريد أن يقول لي: يا ولدي بعض الحقائق يجب ألَّا تقال؛ لأنّ الناس سوف يستخدمونها في الشر، وليسوا أهلاً لها، فهذا الخطيب الذي أراد بذكر هذه القصة أن يفتح عند الناس باب الأمل في الله سبحانه ويخرجهم من القنوط، لكنّه لم يدرك الخطر، وهو أنّه بين عشائر مسلَّحة سوف تتساهل بقتل الأبرياء، وتؤمِّل التوبةَ.

فكأنّ السيد حفظه الله تعالى يريد أن يقول لي: الجعفرية حقيقة عظيمة ولكن يجب ألَّا تُقال إلاَّ في مجالس خاصّة.. هذا ما فهمتُ والله أعلم(3).

وبالفعل فأنا أعتقد الآن أنّ نصيحته تلك كانت في محلِّها؛ ولذا سكتُّ ولم أكلّمه بعدُ عن ذلك الموضوع.

وبعد ذلك اقتنع الإخوة المبلِّغون بتلك الفتوى، ولم يسألوا أحدًا من العلماء بعد السيد المؤيد حفظه الله تعالى؛ لأنّه لم يترك لهم مجالاً لذلك، ورجعنا إلى مناطقنا.

وبعد فترة من تلك الرحلة تحوَّل اثنان من أولئك المبلِّغين إلى مذهب الإماميَّة، وهدأ التَّوتُّر الذي كان سائدًا في المنطقة.

ولا عجب أن يُغيِّر السيد العلَّامة حمود عباس المؤيد حفظه الله تعالى رأيه في العصمة، ويضيف المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) إلى المعصومين الخمسة فيصير العدد ستّة، ناقضاً بذلك التراجع السريع أبنية العقيدة الزيدية بهذه السهولة؛ وذلك لأنّ مسألة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) فيها حقائق عظيمة، تكشف عن الفراغ العقائدي عند الزيدية وأهل السنة في هذه المسألة، وهذا يدلّ على أنّ تلك العقائد غير مقتبسة من الوحي الإلهي؛ لذا كانت فيها تلك الفجوات الكبيرة.

---------------------------------------------------

الهوامش:

(1) وهو من أكبر علماء الزيدية في اليمن ولا يقلّ شأنًا عن السيد حمود عباس المؤيد.

(2) والزنداني من علماء الوهابية ومؤسسيها في اليمن.

(3) ولهذا السلوك الحكيم شواهد في تاريخ علماء المسلمين، فمن ذلك ما في كتاب «المستغيثين» لابن بشكوال (ت 578 هـ) ص27: «كان عند سفيان الثوري مُخبَّآت لبني هاشم، لا يُهديها لكلِّ إنسان ضنّاً بها...».


يعتقد الشيعة والسنة

الإنتظار والصِّراع بين المستضعفين والمستكبرين

النضج الفكري من أسباب تأخر تطبيق دولة العدل الإلهي في الأرض

استيعاب النظرية الإلهية من أسباب تأخر تطبيق دولة العدل الإلهي في الأرض

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)