• عدد المراجعات :
  • 2481
  • 2/26/2011
  • تاريخ :

بماذا تثبت الإمامة أو الخلافة للأشخاص؟

الورد

وبعبارة أخرى: كيف يصبح الخليفة خليفة، أو الإمام إماماً، وما هي الطريقة الصحيحة في تنصيب الإمام أو الخليفة حسب الشريعة الإسلامية؟

 

هنا ثلاث نظريات في الجواب عن هذا السؤال، وهي كما يلي:

 

أ ـ نظرية أهل السنة والمعتزلة: تصح الخلافة أو الإمامة للأشخاص عن طريق الشورى، وهي الطريقة الأساسية عندهم، حسب ادعائهم كما ذكر ذلك النووي في شرحه على "صحيح مسلم": "أنّ المسلمين أجمعوا على أنّ الخليفة إذا حضرته مقدِّمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه فإن تركه فقد اقتدى بالنبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في هذا وإلا فقد اقتدى بأبي بكر وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر بالستة وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة ووجوبه بالشرع لا بالعقل إلخ.."(1).

وفي "فلك النجاة" نقلاً من كتاب "حجة الله البالغة" لولي الله الدهلوي: "تنعقد الخلافة بوجوه: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء، وأمراء الأجناد ممن يكون له رأي ونصيحة للمسلمين (كما انعقدت خلافة أبي بكر)، وبأن يوصي الخليفة الناس به (كما انعقدت خلافة عمر)، أو تجعل (شورى) بين قوم (كما كان عند انعقاد خلافة عثمان، بل علي أيضاً"(2).

ب ـ نظرية الزيدية: تثبت عندهم الخلافة أو الإمامة بعد الإمام علي والحسنين (عليهم السلام) مع الدعوة إليها، بالشروط الأربعة عشر(3)، كما أشار إلى ذلك صاحب "عدة الأكياس في شرح معاني الأساس" في عدة مواضع، منها ما يلي: "من دعا الناس إلى نصرته والجهاد معه وهو جامعاً لشروط الإمامة صار إماماً تجب طاعته"(4).

وجاء في موضع آخر من الكتاب نفسه ما يلي: "...ثم الإمام بعده [أي أميرالمؤمنين علي (عليه السلام)] الحسن والحسين بالنص، ثم هي [أي الخلافة أو الإمامة] بينهم [أي ذرية أهل البيت (عليهم السلام)] شـورى فمن خرج من أولادهما [أي الحسن والحسين (عليهما السلام)] جامعاً لشروط الإمامة فهو إمام"(5).

جـ ـ نظرية الشيعة الإمامية: تثبت عندهم الإمامة أو الخلافة بالاختيار من الله تعالى، كما أشار إلى ذلك الشيخ المفيد (رحمه الله) في "أوائل المقالات"، حيث قال: "واتفقت الإمامية على أنّ الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنصّ على عينه والتوقيف"(6).

هذه هي النظريات المشهورة في هذا الموضوع.

وهنا سؤال يوجّه إلى أهل النظرية الأولى مفاده: أنتم وجميع المسلمين مجمعون على أنّ المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) رجل منصور لا يُهزم، وأنّه يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وهذا المضمون ورد في روايات كثيرة جداً، بحيث لا يشك فيه أحد من المسلمين، وعندكم أنّ الإمامة أو الخلافة تصح بالشورى، ونحن اليوم نرى المسلمين في أشدِّ الحاجة لرجل يُنقذهم من غطرسة أمريكا والصهاينة، فلماذا لا تجتمعون و تتشاورن وتختارون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) لكي يُنقذ المسلمين وجميع المظلومين في العالم؟!

فأيَّ شيء تنتظرون والحلُّ بين أيديكم واختيار الإمام موكول إليكم؟!

هل تنتظرون أن يختار الله رجلاً لهذا الأمر؟!

هذه عقيدة الإمامية؛ إذ أنّهم أهل القول بلزوم اختيار الإمام أو الخليفة من قبل الله عزّ وجل، وأمّا أنتم فتقولون بالشورى في هذا الأمر وتستقبحون بشدّة قول الإمامية في هذا المجال.. فلماذا هذا السكوت والحلُّ موكول إليكم؟!

إنّ سكوتكم هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّكم في قرارة أنفسكم تعلمون أنّ هذا الأمر ـ وهو تعيين وتنصيب المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) كخليفة ـ لا يكون إلا باختيار من الله عزّ وجلّ، فكيف تقولون أنّ الإمامة أو الخلافة تصح بالشورى؟!

وأنتم تعلمون أنّكم لو اخترتم رجلاً باعتباره المهديَّ المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) فإنّ اختياركم لن يجعل ذلك الرجل هو المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) حقيقةً؛ وذلك لأنّ المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) مؤيد بتأييدات إلهيّة كبيرة، وإن أنتم اخترتم رجلاً باعتباره المهديَّ المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف)، ولم يَحْظَ بتلك التأييدات الإلهية فسيظهر أنَّ مَن اخترتموه ليس مصداقًا لتلك الروايات؛ لذا لا بدّ لكم من الرجوع إلى قول الإمامية القائلين بأنّ اختيار المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) وتعيينه كخليفة يكون من قبل الله تعالى. وهذه هي نظرية الإسلام الصحيحة الثابتة التي لا ينقضها الزمان ولا المكان.

وأمّا نظريتكم وهي: القول بالشورى في اختيار الإمام أو الخليفة فلا بدّ أن تنتقض هنا ـ أي في تعيين الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ـ، وليس من قواعد الإسلام ما ينقضه الزمان.

ويُوجَّه هذا السؤال نفسه إلى إخواننا الزيدية أيضاً؛ بأن يُقال لهم: بما أنّكم وجميع المسلمين مجمعون على أنّ المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) لا تُهزم رايته، وترون كما نرى وضع الأُمَّة الإسلامية، وما تعانيه، وأنتم تقولون إنّ الإمامة بعد علي والحسن والحسين (عليهم السلام) تثبت للأئمة الباقين ومنهم الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف)(7) بوجود الشروط الأربعة عشر، فلماذا لا تبحثون عن رجل توجد فيه الشروط الأربعة عشر، ويكون اسمه كاسم الرسول (صلّى الله عليه وآله)، واسم أبيه كاسم أبيه!!، كما تعتقدون، وتبايعونه للإمامة لكي تُحلَّ مشكلة هذه الأُمَّة، وتسترجع مجدها وعزَّتها، فأيَّ شيء تنتظرون؟

هل تنتظرون أن يختار الله سبحانه وتعالى لهذا الأمر اختيارًا مباشرًا من عنده؟

فأين ذهبت ـ في هذا المورد ـ قاعدة الأربعة عشر شرطاً؟

أولستم تتصوَّرون أنّ الناس يحقُّ لهم اختيار الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السلام) إذا وجدت تلك الشروط الأربعة عشر في المختار، ولا تعتقدون باختيار أحد من أهل البيت (عليهم السلام) بعينه إلَّا الإمام عليًّا والحسنين (عليهم السلام)؟

فلماذا لا تختارون المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) وتخلِّصون الأُمَّة من هذه الغمَّة؟

إنّكم هنا لا بدّ أن ترجعوا إلى عقيدة الإمامية، وأنتم فعلاً تمارسونها عمليًا، وتشعرون وجميع المسلمين بضرورة اختيار المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) من قبل الله عز وجل، وعندئذ لا بدّ أن تنتقض النظريات البشرية يوماً ما، ولو كانت لها صولة وجولة في فترة من التاريخ، وتبقى القواعد الإلهية ثابتة لا تتغير، بل تزداد جلاءاً وجمالاً، كلما مرّ الزمان.

--------------------------------------------------------------------------------

 (1) شرح مسلم للنووي: (12/205).

(2) فلك النجاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي: 129.

(3) الشروط الأربعة عشر عند الزيدية، كما أوردها صاحب عدة الأكياس في شرح معاني الأساس ما يلي: 1ـ البلوغ والعقل. 2 ـ الذكورة. 3 ـ الحرية. 4 ـ المنصب [أي النسب الخاص]. 5 ـ الاجتهاد. 6 ـ الورع. 7 ـ اجتناب المهن المسترذلة. 8 ـ الأفضلية [أفضل أهل زمانه]. 9ـ الشجاعة. 10 ـ التدبير. 11 ـ القدرة على القيام بثمرة الإمامة. 12 ـ السخاء. 13ـ السلامة من المنفرات [كالجذام]. 14 ـ سلامة الحواس والأطراف.

(4) عدة الأكياس في شرح معاني الأساس للعلامة أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي القاسمي: (2/136).

(5) المصدر نفسه: (2/138).

(6) أوائل المقالات للشيخ المفيد: 40.

(7) فالزيدية لم يستثنوا الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) من تلك القاعدة العامة، كما استثنوا الإمام عليًّا والحسنين (عليهم السلام).

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)