• عدد المراجعات :
  • 2295
  • 2/8/2011
  • تاريخ :

الإمامة في القرآن  - الشواهد التاريخية

الورد

عندما نعود إلى مسار الحوادث التاريخية ونُطلّ على الواقع من منظور علم اجتماع المسلمين، نجده يحكي هذه المحصلة وينطق بها (عدم الاستعداد لتقبل خلافة أمير المؤمنين) لذلك نجد عمر يصرح بأنهم لم يختاروا عليا للخلافة "حيطة على الإسلام" كما يقول، لأن القوم لا ينقادون إليه ولا يقبلونه 1.

وفي موقع آخر يدخل عمر بن الخطاب في حوار مع عبدالله بن عباس، فيذكر له عمر أن قريشا (امتنعت عن الإمام عليّ) لأنها كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة (الإمامة) لهذا البيت من بني هاشم، ولم تطق أن ترى هذه الخصلة فيهم، فردّ عليه ابن عبّاس بجواب ينم عن كمال النضج، واستدل بآيات من القرآن محكمة في هذا المجال 2.

لقد كانت هذه الحالة انعكاسا لواقع يعيشه المجتمع الإسلامي، ويعبر عنها بأشكال مختلفة، فالقرآن عبر عنها بأسلوبه، وعبر عنها عمر بطريقته، كما عبر عنها بعضهم بما ذهبوا إليه من أن عليا عليه السلام وترهم في كبرائهم، حيث قتل كثيرا من رؤوسهم في الحروب الإسلامية، فضمرت له العرب ذلك بما تنطوي عليه نفسيتهم من أخذٍ بالثأر، ولم تنس من قتل من آبائهم وإخوانهم، ثم (ردّت عليه) في طبيعة موقفها الرافض لخلافته، إذ لم تره مناسبا لها.

وبهذا الكلام تمسّك جماعة من أهل السنة ليصطنعوا منه ذريعة في موقفهم فهم وإن سلموا له بمقام الفضيلة والأرجحية على غيره، إلا أنهم ذهبوا للقول بأن له أعداءً كثراً (وهذا ما منع عنه الخلافة).

نتبين مما مر أن هناك ضربا من ضروب القلق كان سائدا منذ زمن النبي يخشى حالة التمرد على هذا الأمر (إمامة علي وأهل البيت وخلافتهم).

وربما كان السر وراء أسلوب القرآن في ذكره هذه الآيات من خلال القرائن والدلائل يتمثل في أن أي إنسان سويّ خالٍ من الغرض، يستطيع أن يفهم المراد. ويبدو أن القرآن لم يُرِدْ أن يعبر عن مراده بصيغة تسمح لأُولئك الذي يبغون التمرد على القرآن، أن يكتسب تمردهم صيغة التمرد المباشر في مقابل القرآن والإسلام.

لقد جاء هذا الأسلوب القرآني وكأنه يريد أن يقول: على تلك الجماعة التي سوف تتمرد في كل حال، أن لا يكتسب تمردها صيغة الرد المباشر على القرآن بصراحة سافرة، وإنما لها - على اقل تقدير - أن تصطنع ذريعة لموقفها، وتسدل عليه ستارا.

هذا التقدير هو الذي يعلل لنا مجيء آية التطهير وسط تلك الآيات، ولكن بمقدور أي إنسان عاقل متدبر أن يفهم أن آية التطهير هي شيء آخر - يختلف عن السياق الذي تقع فيه بقية الآيات -.

الشيء نفسه يقال بالنسبة لآية: (اليوم أكملت لكم دينكم)، والكلام نفسه ينطبق على آية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك).

 

 

آية (إنما وليكم الله)

ثم آيات أخرى تثير الفكر وتدفع الإنسان لكي يفهم أن هناك أمرا ما. وعندما يستعين الإنسان بالنقول المتواترة يثبت لديه ذلك الأمر.

من هذه الآيات، قوله تعالى: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ3?. تنطوي الآية على تعبير عجيب، ذلك أن إعطاء الزكاة في حال الركوع لا يعبر عن ممارسة عامة تذكر كأصل كلي، وإنما يفيد السياق أن الآية تشير إلى واقعة معينة 4

القرآن هنا لم يصرّح (بالواقعة واسم صاحبه) خشية التمرّد المشار إليه آنفا، ذلك أن التمرد في مواجهة التصريح لو وقع، سينظر إليه من قبل الصديق والعدوّ، على أنه تمرد ضدّ القرآن، وهو في الوقت نفسه استخدم الكناية وعبر عن المراد بصيغة يفهم من خلالها أي إنسان لا يشوبه الغرض أن وراء الآية أمرا يشير إلى قضية بعينها.

فقوله تعالى: ?وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ? لا يعبر عن وضع عادي، وإنما يُشير إلى واقعة استثنائية حدثت. والسؤال عندئذ: ما هي هذه الواقعة؟ نجد في هذا المجال أن كلمة الشيعة والسنة اجتمعت على أن الآية نزلت بشأن علي بن أبي طالب5.

 

كلام العرفاء

ثم آيات خرى يقود التدبر العميق فيها إلى اتضاح الفكرة، هناك كلام ذكره العرفاء منذ القديم، وهو موجود عند الشيعة أنفسهم، وقد أجاد العرفاء في بيانه. هم يقولون إن الإمامة والولاية هي باطن الشريعة.

والمراد من ذلك أن الذي يبلغ الأصل، هو الذي يتجاوز القشور ويعبرها إلى اللباب، والإمامة والولاية في الإسلام، هما - في الأساس- من المسائل اللبية الجوهرية. ومعنى ذلك أن الإنسان الذي يتمثّل العمق، هو الذي يدرك الإمامة ويفهم الولاية، وقد دُعي الآخرون لبلوغ هذا العمق، فمنهم من يصل ومنه من لا يصل 6.

والآن نتجه صوب آيات آخرى، وهدفنا أن نتعرف طبيعة الاستدلال الذي تمارسه الشيعة، وأن ندرك منطقهم في الإمامة.

 

الامامة،الشيخ مرتضى مطهري، المترجم:جواد علي كسّار

-------------------------------------------------------

الهوامش:

 

1- ليس أدل على ما يذكره المؤلف في المتن من العودة إلى النص التاريخي للواقعة، حيث تشير إلى أن حوارا جرى عن الخلافة وحق الإمام علي فيها، إذ ذكر ابن عباس أن النبي أوصى لعلي بها، فرد عليه عمر بنص قوله: لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمره ذرو من قول، لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام. ولا وربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم شرح نهج البلاغة،ج3، ص97.(المترجم)

2- يبدو لمن يراجع التاريخ أن عمر كان كثيرا ما يحاور ابن عباس فيما جرى وما آلت إليه الأمور، وما يمكن أن تصير إليه قضية الخلافة.وفي واحدة من هذه الحوارات - وهي التي يعينها المؤلف- سأل عمر بن عباس: يابن عباس، أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. رد عمر: لكني أدري. قال ابن عباس: ماهو يا أمير المؤمنين؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة، فتجحفوا الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت وأصابت.فقال ابن عباس: أيليط أمير المؤمنين عني غصة فتسمع؟ قال: قل ما تشاء. قال ابن عباس: أما قول أمير المؤمنين إن قريشا كرهت، فإن الله تعالى قال لقوم:ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم: فأما قولك إنا كنا نجحف، فلو جحفنا بالخلافة لجحفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال الله في حقهوإنك لعلى خلق عظيم، قال له: واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين.وأما قولك إن قريشا اختارت، فإن الله تعالى يقول:وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت.فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس، أبت قلوبكم إلا بغضا لقريش لايزول، وحقدا عليها لا يحول. فقال ابن عباس: مهلا يا أمير المؤمنين، لاتنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فإن قلوبهم من قلب رسول اللهصلى الله عليه وآله الذي طهره الله وزكاه، وهم أهل البيت الذين قال الله لهمإنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وأما قولك حقدا، فكيف لا يحقد من غصب شيئهُ ويراه في يد غيره" وذلك إلى آخر الحوار بينهما الذي ذكره من المؤرخين الطبري وابن الأثير وصاحب شرح نهج البلاغة. ينظر مثلا: الكامل في التاريخ ج3،ص62، وشرح نهج البلاغة، ج3،ص106(المترجم)

3-المائدة/55

4- قال الفخر الرازي في تفسيره: روى عكرمة عن ابن عباس أنها في علي. كما روي عن عبدالله بن سلام، قال: لما نزلت هذه الآية قال" يارسول الله، أنا رأيت عليا تصدق بخاتمة على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه.وروي عن أبي ذر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه آله يوما صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء، فقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وما أعطاني أحد شيئا، وعليّ كان راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمني وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم، فرأى النبي صلى الله عليه وآله ذلك، فقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: رب أشرح لي صدري ويسر لي أمري إلى قوله وأشركه في أمري فأنزلت قرآنا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به أزري.قال أبو ذر: فو الله ما أتم رسول الله عليه وآله هذه الكلمة حتى نزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد أقرأ:إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنو الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ينظر: التفسير الكبير، الفخر الرازي، ج12،ص 26 (المترجم)

5- نقرأ في الدر المنثور في ظلال الآية الكريمة:"أخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن عمار بن ياسر، قال " وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبي صلى الله عليه وآله هذه الآية: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله على أصحابه ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاده".ينظر: الدر المنثور، السيوطي، ج2، ص 293(المترجم)

6- جاءت إشارة المؤلف هذه إلى أن الإمامة والولاية هي باطن الشريعة، بشكل عابر وغامض من دون توضيح وتفصيل، وسبب ذلك يعود إلى أن المتن في أصله هو محاضرة وليس بحثا مكتوبا. وعليه يمكن مراجعة المراد من هذه الفكرة في بحوث تجمع بين السهولة والعمق منها على سبيل المثال:

- مسألة الولاية، ارتباط النبوة والولاية، كتاب الشيعة، السيد محمد حسين الطباطبائي، الترجمة العربية، ص 204 فما بعد.

- رسالة الولاية، السيد محمد حسين الطباطبائي، بالعربية.

- الولاء والولاية، الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري، ترجمة جعفر صادق الخليلي، مؤسسة البعثة (المترجم)


الإمامة في رؤية الأئمة الأطهار- حديثان عن الإمام الصادق

الإمامة في القرآن - اليوم أكملت لكم دينكم

الإمامة في رؤية الأئمة الأطهار -رواية عن الإمام الصادق

الإمامة في القرآن - الوضع الخاصّ للآيات التي ترتبط بأهل البيت

آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمامة - رأي الشيعة

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)