• عدد المراجعات :
  • 409
  • 1/23/2011
  • تاريخ :

الحكم العربي... حقائق وأوهام 

العالم العربي

كشفت لنا تجربة الثورة التونسية أن أنظمة الحكم الأوتوقراطي في عالمنا العربي لا تعوِّل كثيرا على جيوشها وإنما على الأجهزة والقوى الأمنية الخاصة، فالعدو الأخطر عليها وعلى ما تؤمن هي ليس العدو الخارجي وإنما العدو الداخلي، أي الشعب وهذا العدو لا يمكن درء مخاطره والتغلب عليه إلا بأجهزة وقوى أمنية خاصة، لا ريب في ولائها لرأس نظام الحكم وحاشيته، التي تتخذ من عائلة الحاكم والعائلات الشريكة لها والمتحالفة معها مركزا لها.

كشفت لنا تجربة الثورة التونسية أن أنظمة الحكم الأوتوقراطي في عالمنا العربي لا تعوِّل كثيرا على جيوشها وإنما على الأجهزة والقوى الأمنية الخاصة، فالعدو الأخطر عليها وعلى ما تؤمن هي ليس العدو الخارجي وإنما العدو الداخلي،

وهذه الفئة الضيقة من أهل الحكم والسلطة لا تفهم الحكم والسلطة إلا على أنهما طريق إلى الثراء وإلى مزيد من الثراء الشخصي والعائلي، فالوطن ليس سوى مزرعة أو بقرة حلوب وكل "أو معظم" الثمار أو الحليب يجب أن يتحول إلى أرصدة شخصية "وعائلية" من القطع النادر والذهب في المصارف الخارجية والغربية.

والغاية عندهم تبرر الوسيلة، فثراؤهم الشخصي والعائلي يمكن أن يأتي ولو من طريق السرقة والنهب للمال العام ولأموال خاصة أو من طريق الخصخصة أو من طريق تنمية العجز في موازنة الدولة ومضاعفة حجم ديونها أو من طريق غسل الأموال القذرة والاتجار بما يحظر القانون الاتجار به أو من طريق قبض الرشاوى من الشركات الأجنبية ومن القطاع الخاص في الوطن.

وهم ينتظمون ويتكتلون ويتحدون بما يجعل تمييزهم من المافيا والعصابات من الصعوبة بمكان، وهم ينشئون ويطورون أجهزة وقوى أمنية خاصة بهم بعضها علني وبعضها سري، بعضها ينشط ويعمل في الأوقات العادية وبعضها كالقرش الأبيض المخبأ ليوم أسود، فإن مجرمين متضلعين من الجريمة بأنواعها يتصلون مباشرة بالكبار من أهل الحكم ويتوفرون بأمر منهم على تنظيم صغار المجرمين، ليرتكبوا جرائم السلب والنهب والقتل والحرق والتخريب للممتلكات العامة والخاصة عندما تقضي مصالحهم بارتكابها؛ وهم "أي صغار المجرمين هؤلاء" لا يعلمون أن بينهم وبين أولئك الكبار همزة وصل هي تلك الفئة الضئيلة من المجرمين العتاة.

لا تقيموا وزنا لكل ما ترونه من هيئات ومؤسسات رسمية للحكم، كالبرلمان بتسمياته المختلفة، فهي لا تعدو كونها زينة وزركشة تتزين بها وتتزركش هيئات وقوى وأدوات الحكم الفعلي الحقيقي.

وهذا ليس قولي وإنما قول تجربة الثورة التونسية نفسها، فـ"الحكومات الشرعية الدستورية.." ظهرت في الشوارع على حقيقتها العارية، إذ ارتكبت ما ارتكبت من جرائم وأعمال إرهاب وتخريب وسرقة ونهب وحرق وقتل..

لا تقيموا وزنا لكل ما ترونه من هيئات ومؤسسات رسمية للحكم، كالبرلمان بتسمياته المختلفة، فهي لا تعدو كونها زينة وزركشة تتزين بها وتتزركش هيئات وقوى وأدوات الحكم الفعلي الحقيقي. وهذا ليس قولي وإنما قول تجربة الثورة التونسية نفسها، فـ"الحكومات الشرعية الدستورية.." ظهرت في الشوارع على حقيقتها العارية، إذ ارتكبت ما ارتكبت من جرائم وأعمال إرهاب وتخريب وسرقة ونهب وحرق وقتل..

في الثورة التونسية وبفضلها رأينا الحاكم العربي على حقيقته، فهو رجل يميل إلى التنعم والتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها، يحب الفنادق الفخمة والسيجار والأقلام والساعات الثمينة، فكيف له أن يقاوم الرشاوى ما عظم منها وما صغر أو أن يقف ضد دجاجة الفساد وهي تبيض له ذهبا؟!

إنهم وما أكثرهم محبون لكل ما تستكرهه الفضيلة يسعون إليه بأقدامهم ورؤوسهم. إنهم مع كل مصلحة عامة تتسع لمصالحهم الشخصية والعائلية والفئوية، فإن كانت غير ذلك أو بدت مضرة بمصالحهم، فإنهم لن يكترثوا لها وقد يناصبوها العداء; ومحبون للمال, جمعا وكنزا واستثمارا وإنفاقا,.. ولا يربأون بأنفسهم عن الأخذ بمبدأ الغاية تبرر وتسوغ الوسيلة, فالحاكم العربي له حق معلوم في أموال غيره, وفي المال العام, ويحق له "مع أفراد عائلته" أن يستثمر ماله كما يستثمر أباطرة المال في بلده أموالهم.

وما يتمتع به من سلطان على رعيته لا أهمية له إذا لم يُتَرجَم بمزيد من الثراء له ولعائلته, ولو استعان على قضاء حوائجه بالكتمان، وبما يشبهه من وسائل وطرائق, فسؤال "من أين لك هذا؟" يجب أن يظل مفتقرا إلى مبررات وحيثيات طرحه عليه; وتوصلا إلى ذلك لا بد له من أن يتخذ التقية مبدأ له "ولعائلته" في سعيه إلى الثراء وإلى مزيد من الثراء.

إنه محب للرغد من العيش يأكل من طيبات ما رزقه الشعب أبناؤه يدرسون ويتعلمون في خارج الوطن الذي يحب فإذا مرض فلا علاج يتلقاه إلا في خارج الوطن، الذي في خارجه أيضا وخشية أن يأتي يوم أسود يخبئ جل ما يملك من قرش أبيض.

وهو محب للعظمة المطلقة يرينا ويري العالم أفقا له يسع كل شيء ولا يسعه شيء، فهو ليس بحاكم فحسب. إنه المفكر المبدع الذي يرى رأيا سديدا رصينا في كل شيء والذي ينبغي لكل مجالسيه ومستمعيه أن يشهدوا أن لا عبقريا إلا هو ولو سعى في إظهار عبقريته في قول من قبيل "إن الفرق بين المرأة والرجل يكمن في كون المرأة تحيض والرجل لا يحيض"!

لا تسألوه عن الحق والحقيقة، فالحق هو كل ما يراه حقا والحقيقة هي ما يفكر فيه الآن. ولا تسألوه عن شرعيته في الحكم، فهو ما أن اغتصب السلطة حتى منحه الشعب شرعية البقاء فيها وممارستها إلى الأبد، فإذا أقصاه الموت عنها حق لورثته "من أبنائه الذكور" أن يرثوا عنه حتى الدولة.

أنظروا إليه; لكن ليس من خلال عينه هو أي من خلال الإعلام، فهو في المرآة الإعلامية الخادم لشعبه المتفاني في خدمته، يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب يصلي معنا وكما نصلي يتحدث كما نتحدث وفي اللهجة التي نحب يشبهنا في عاداتنا وتقاليدنا.. ولولا موكبه وحراسه وما تقتضيه حراسته من إجراءات وتدابير لقلنا إنه منا ومثلنا.

أجل إنه يظل خادما للرعية ما ظلت كالغنم يسوقها الراعي إلى مرعاه، فهي لا تملك حق تغييره أما هو فلديه كل الحق في أن يغيرها بما يبقيها في صلح دائم مع مصالحه; وأما هذا المرعى فيسمى تجميلا الوطن الذي لا يعدله وطن جمالا وعظمة!.

وفي هذا العالم السفلي، نرى أيضا صنَّاعا للرأي العام، ليس من آلة تستخدم في صناعتهم سوى آلة الترهيب "على أنواعه" والترغيب "الذي يبدأ بثلاثين من الفضة". أما القلم، الذي به علم الله الإنسان ما لم يعلم، فلا شيء يشبهه لجهة ما يخرج منه من فكر ورأي سوى أحمر الشفاه, يزين به الكاتب شفاه الحاكم وولي النعمة.

وفي هذا العالم السفلي، نرى أيضا صنَّاعا للرأي العام، ليس من آلة تستخدم في صناعتهم سوى آلة الترهيب "على أنواعه" والترغيب "الذي يبدأ بثلاثين من الفضة". أما القلم، الذي به علم الله الإنسان ما لم يعلم، فلا شيء يشبهه لجهة ما يخرج منه من فكر ورأي سوى أحمر الشفاه, يزين به الكاتب شفاه الحاكم وولي النعمة.

حملة تلك الأقلام إنما هم الجيش الإعلامي الذي يغزو ويفتح عقول وقلوب العامة من الناس، مصورا العلاقة بين الحاكم والمحكوم تصويرا فيه من الاستهزاء بالعقول والاستخفاف بالحقائق ما يشدد الحاجة لدى كل الحريصين على قيام إعلام حر إلى تعرية هذه العلاقة وإظهارها على حقيقتها الموضوعية، فإن صورة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في بلادنا، على ما تراها أبصارنا وبصائرنا في مرآة الدستور والنصوص القانونية والإعلام والصحافة والشعر والأغاني والكتب المدرسية والخطاب السياسي والديني الرسمي.. لا تشبه ولو قليلا أصلها الواقعي فواقع العلاقة وصورتها في تنافر مستمر ومتزايد.

في الصورة الإعلامية، يرى الحاكم نفسه، ونراه غصبا عنا، حاكما "أو قائدا" ليس كمثله حاكم، فهو الفضيلة التي فيه وبه تحققت واكتملت وخلصت، وهو بدر البدور والأجمل والأكفأ والذي لم تلد مثله النساء بعد.

جواد البشيتي

مصدر: العالم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)