• عدد المراجعات :
  • 1982
  • 11/22/2010
  • تاريخ :

القضاء والقَدَر العينيَّان الكليَّان

الورد

إن وجودالسُّنن الإلهية السائدة على الكون والمجتمع الإنساني وعلى أفراده ممّا لا يُنكر، كما أنَّ تأثير هذه السنن في السعادة والشقاء أمر قاطع لا يتخلف. وعلى ذلك فالسُّنن الإلهية الواردة في الكتاب والسُّنّة، أو الّتي كشف عنها الإنسان عبر ممارساته وتجاربه، كلها من تقديره وقضائه سبحانه. والإنسان تجاه هذه النواميس والسنن السائدة حُرّ مختار، فعلى أيّة واحدة منها طبَّق حياته يرى نتيجة عمله، وإليك المثال:

إنَّ التقدير الإلهي على أُمة يعيش أكثرها في الفقر والحرمان، وقليل منها بالغنى والرفاه عن طريق الظلم والتعدّي على حقوق الآخرين، هو أن لا ترى الطائفة المُرَفّهة الراحة ولا الهناء بل لا تعيش إلا حياة القلق والاضطراب خوفاً من ثورة الكادحين وحذراً من بطشة المحرومين.

بينما تقديره تعالى على أُمة تعيش آلام المحرومين وآمال الكادحين وتهيّئ لهم الحياة اللائقة بهم وتقلل من غلواء الطبقات المرفهة لصالح الفقراء، وتأخذ منهم حقوقهم الّتي جعلها الله لهم (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالَْمحْرُومِ)، هو أن يعيشوا عيشة الثبات والاستقرار والرُّقي والتقدم والتحرك والبناء.

وهذان التقديران واضحان محسوسان يستوي فيهما جميع أُمم العالم وليس هناك عامل خارج عن إطار اختيار الأُمّة وإرادتها، يجبرها على اختيار أحدهما، فالأُمّة إمّا أن تتبع العقل والحكمة، أو تتبع الغرور والشهوة. وكل تصل إلى النتيجة الّتي تترتب على عملها، والكل بقضاء الله تعالى فإنه هو الّذي أودع في الكون هذه السنن وجعل الناس أحراراً في اختيار سلوك أحد الطريقين.

فإذا كان ما مرّ من المثال راجعاً إلى سُنَّة إلهيَّة في حق المجتمع فهناك سنن راجعة إلى كل فرد من أفراد المجتمع مثلاً:الشاب الّذي يبدأ حياته بإمكاناته الحرة وأعصابه المتماسكة، وذكائه المعتدل، فإما أنْ يصرف تلك المواهب في سبيل تحصيل العلوم والفنون والكسب والتجارة، فمصيره وتقديره هو الحياة السعيدة الرغيدة.

وإمَّا أنْ يسيء الاستفادة من رصيده المادي والمعنوي ويصرفه في الشهوات واللذات الزائلة، فتقديره هو الحياة الشقيّة المظلمة.

والتقديران كلاهما من الله تعالى والشاب حر في اختيار أحد الطريقين والنتيجة الّتي تعود إليه، بقضاء الله وقدره. كما أنَّ له أن يرجع أثناء الطريق فيختار بنفسه تقديراً آخر ويغيّر مصيره، وهذا أيضاً يكون من تقدير الله عزّ وجلَّ فإنه هو الّذي خلقنا وخيّرنا وأقدرنا على الرجوع وفتح لنا باب التوبة.

 

وإليك مثالاً ثالثاً: المريض الّذي يقع طريح الفراش أمامه تقديران:

1- إما أنّ يرجع إلى الأطباء الخبراء ويعمل بالوصفة الّتي تعطى له، فعندئذ يكون البُرء والشفاء حليفه.

2- أو يهمل نفسه ولا يشاور الطبيب أو لا يتناول الدواء فاستمرار المرض والداء حليفه.

والتقديران كلاهما من الله تعالى والمريض حُرّ في اختيار سلوك أي الطريقين شاء. وأنت إذا نظرت إلى الكون والمجتمع والحياة الإنسانية تقدر على تمييز عشرات من هذه السنن السائدة، وتعرف أنها كلها من تقاديره سبحانه. والإنسان حرّ في اختيار واحد منها.ولأجل ذلك نرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "خمسة لا يستجاب لهم: أحدهم مرّ بحائط مائل وهو يُقبل إليه، ولم يسرع المشي حتى سقط عليه".

والسر في عدم استجابة دعائه واضح، لأن تقديره سبحانه وقضاءه على الإنسان الّذي لا يقوم من تحت ذلك الجدار المائل هو الموت وبذلك تقف على مغزى ما روي عن علي أمير المؤمنين عندما عدل من حائط مائل إلى حائط آخر، فقيل له يا أمير المؤمنين: أتفرّ من قضاء الله؟ فقال عليه السَّلام:أفرّ من قضاء الله إلى قدره عز وجل، يعني أنَّ ذلك باختياري فإن شئت بقيت في هذا القضاء وإنْ شئت مضيت إلى قدر آخر. فإن بقيت أُقْتل بقضاء الله، وإنْ عدلت أبقى بتقدير منه سبحانه، ولكل تقدير مصير، فأيهما فعلت فقد اخترت ذلك المصير.

ثم إنَّ في القرآن الكريم آيات كثيرة بصدد بيان السنن الإلهية السائدة على المجتمع الإنساني الّتي تَعُدّ الكل من تقديره وقضائه سبحانه، والمجتمع محكوم بنتائج هذه السنن حكماً قطعياً وقضاءً باتّاً، ولكن له الاختيار في سلوك أي طريق شاء.

*الإلهيات، آية الله جعفر السبحاني، مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج2، ص183-196


القضاء والقدر في الكتاب والسنة   (1)

العدل الإلهي ( 4 )

العدل الإلهي ( 3 )

العدل الإلهي ( 2 )

العدل الإلهي ( 1 )

العلاقة بين القضاء والقدر، وإختيار الإنسان

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)