• عدد المراجعات :
  • 952
  • 9/27/2010
  • تاريخ :

نقد التاريخ عند الإمام الصادق (عليه السلام)

 الامام الصادق(ع)

النصوص الأدبية هي تراث منسوب إلى ذويه يتقبله الناس جيلاً بعد جيل دون أن يحاولوا التصرف فيه أو تغييره، لأنه أدب باق له خصائصه الذاتية، ومن هذه الشاكلة شعر الشاعر الإنجليزي شكسبير الذي طاول الدهر، وهو محتفظ بجميع خصائصه.

أما التاريخ، فهو وإن كان بدوره علماً منقولاً، إلا أنه لا يكتسب حصانة التراث الأدبي، ولا بد للمؤرخ الناقد من إخضاعه للعقل والمنطق لمعرفة وجه الحق ووجه الزيف فيه، ومن ذلك مثلاً تاريخ موقعة واترلو(1) وما كتب عنها من وجهات النظر المختلفة.

وقبل أكثر من اثني عشر قرناً أمر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بتحكيم العقل في تناول القضايا التاريخية ومعرفة حظها من الصحة أو الزيف، وهو في هذا يطبق المناهج التي يطبقها المؤرخ الناقد في عصرنا الحالي.

وقبل أكثر من اثني عشر قرناً أمر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بتحكيم العقل في تناول القضايا التاريخية ومعرفة حظها من الصحة أو الزيف، وهو في هذا يطبق المناهج التي يطبقها المؤرخ الناقد في عصرنا الحالي.

ومما قاله المؤرخ اليوناني هيرودوت في مقدمة كتاب له (إن كل ما لا يقبله العقل لا يلقى منه قبولاً) ومع ذلك أورد هيرودوت في تاريخه أساطير لا يقبلها العقل.

وفي التاريخ الإسلامي يعتبر الإمام الصادق (عليه السلام) أول من نظر في الروايات والتاريخ بعين النقد والتمحيص، فكان بذلك قدوة وإماماً ومرشداً لإمام المؤرخين ابن جرير الطبري الذي آل على نفسه ألا يسجل إلا الرواية الثابتة وإلا ما يقبله العقل، وأن يهمل الأساطير والأسمار وما إليها.

وقبل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كان علم التاريخ في المشرق خليطاً من الأحداث التاريخية الصحيحة والأساطير، وبهذا الوضع تناقلته الألسنة جيلاً بعد جيل، ومعروف أن الفترة السابقة على الإسلام انعدمت فيها الكتب المدونة في ما خلا ما سجل من نقوش حجرية في حضر موت وبلاد الشام وبابل وأرض فارس، وتناولت بالسرد وقائع وأحداثاً تاريخية، وإن كانت هذه النقوش دونت بلغات مهجورة.

وكان تاريخ الإمام الصادق (عليه السلام) خليطاً من أخبار الأمم وأساطيرها، وكان النصف الأول من القرن الثاني الهجري أشبه بفصل الربيع للتأليف والكتابة، فظهرت طائفة كبيرة من الكتب والمؤلفات التي تتناول جوانب العلم والأدب المختلفة، وإن لم يصلنا من كتب هذا العصر إلا القليل، وقد عرفنا أخبار هذه الكتب من كتاب نفيس عنوانه (الفهرست) وضعه الوراق ابن النديم، فدلنا عليها وعلى أسماء مؤلفيها وموضوعاتها، ومنها كتب السير والتاريخ.

وكان ديدن الإمام الصادق (عليه السلام) في الحكم على كتب التاريخ وفي التشجيع على كتابتها، اجتناب الأكاذيب والأساطير التي يرفضها العقل السليم.

ويقول شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد إن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) كان أول ناقد للتاريخ، وأول من وضع هذا الاسم لهذا العلم،

ويقول شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد إن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) كان أول ناقد للتاريخ، وأول من وضع هذا الاسم لهذا العلم، فلم تكن للعرب كتب منثورة تحمل اسم التاريخ، وكانت الأحداث التاريخية تسجل في قصائد الشعراء المنظومة لأغراض شتى، وليس من أهدافها المتوخاة تسجيل أحداث التاريخ، إذ أن وقائع التاريخ كانت ترد في القصائد عرضاً. وبعد مجيء الإسلام، بدأ تسجيل أحداث التاريخ ووقائعه، وكان يطلق عليها اسم كتب السير أو السيرة أو الرواية.

وكان من رأي الإمام الصادق (عليه السلام) أن اختلاط التاريخ بالخرافة والأسطورة يفقده أثره من حيث استمداد العبر واستخلاص الموعظة والدرس بغية اجتناب أخطاء السلف.

وهكذا أكسب التاريخ فائدة اجتماعية أخلاقية تنأى به عن مقاصد التسلية وإزجاء الوقت.

وها نحن في يومنا المعاصر نقرأ التاريخ للاستفادة بدروسه وعبره واجتناب الأخطاء التي تورط فيها السابقون.

وكان العالم النفسي النمسوي (فرويد)(2) يؤمن بأن للتاريخ فائدةً في استقاء العبرة، ولكنه كان يضيف إلى ذلك أن الغرائز البشرية تحول دون اتعاظ الإنسان بدروس التاريخ واعتباره بأحداث الماضي، لأن حب الذات والاستبداد بالرأي يورثان المرء اعتقاداً بأنه أسمى من أن يتورط في الأخطاء التي تورط فيها غيره، ومن أن يتعرض لأسباب الفشل والإخفاق التي تعرض لها سابقوه، بل إن المرء إذا استطاع التحلل من آثار هذه الغريزة، لم يتعظ بدروس التاريخ.

ولا ريب في أن الفضل يعزى إلى الإمام الصادق (عليه السلام) في وضع أساس المنهج النقدي في التاريخ الإسلامي، بدعوته العلمية إلى نقد التاريخ وتخليصه من الأساطير والأباطيل.

وقد أوضحنا في ما سبق أن الإمام الصادق (عليه السلام) تلقى العلم في مدرسة أبيه الإمام الباقر (عليه السلام)، وأحاط بكثير من ميادين العلوم، فلما انتقل من صفوف الطلاب إلى مقام المدرس، لم يكتف بما تلقاه من علوم، وانبرى يستكشف كثيراً من الحقائق العلمية بنفسه، أي أنه لم يحصر نفسه في دائرة العلوم التي أخذها عن مدرسة أبيه.

ومن هذه المعارف فرضية علمية هي أن الأرض ليست عنصراً بسيطاً، ونظرية أخرى سبق أن أشرنا إليها وهي أن الهواء بدوره ليس عنصراً بسيطاً وأن فيه جزءاً يساعد على الاحتراق ويحدث الصدأ في المعادن الصلبة. وهذه حقائق علمية توصل إليها الإمام الصادق (عليه السلام) بعقله الوقاد وذهنه الفياض، فكان أول من أذاع هذه الحقائق العلمية قبل أن تثبت بالتمحيص العلمي (أي بعد اثني عشر قرناً من عصر الصادق (عليه السلام)).

وقد رأينا في الفصول السابقة أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) كان يذهب إلى أن للإنسان علمين، علم يكتسب بالعقل، وعلم لا يستطاع اكتسابه بالعقل، وكان يقول إن لله خلائق أخرى تعيش في الكواكب والسماوات الشاهقة، وهي تسبح لله بلغة لا نعرفها(3)، ولعلها تكلمنا دون أن نعرف لسانها.

فكان الإمام يعتقد اعتقاداً جازماً بوجود كائنات أخرى في الكواكب السماوية، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا الوجود الغيبي بكيفية أخرى، إذ وضع في مقابل الإنسان، وهو موجود حي يرى ويشاهد، كائناً آخر أسماه الجن وهو لا يرى ولا يشاهد. وقد وردت آية في القرآن تدل على أن الله سيجمع الإنس والجن معاً(4).

ولكن لم يحدث قبل الإمام الصادق (عليه السلام) أن قال أحد بأن الكائنات الموجودة في العوالم الأخرى التي لا ترى، تحاول الاتصال بالبشر ولكن البشر لا يدركون كلامها، ولم يتعرض أحد لهذا الموضوع بعد عصر الإمام وإلى القرن التاسع عشر الميلادي عندما درس العالم الفرنسي (كاميل فلاماريون) هذه القضية وساق نظريات هامة بشأن اتصال الإنسان بالكائنات في الكواكب الأخرى، دون أن يحقق ذلك بالتجريب العلمي.

وفي عام 1920 حاول العالم الإيطالي (ماركوني)(5) إخضاع هذه النظرية للتجريب العلمي، فأعلن في لقاء له بضباط البحرية الإيطالية عقد بإشراف الميجر البحري (كنت ميلو) أنه يتلقى من على باخرته إشارات رموزاً أثيرية، ولا يشك في أنها مرسلة من كائنات ذكية فنانة تريد الاتصال بالكائنات على الكرة الأرضية.

ولكن ماركوني لم يستطع التوسع في تجربته المحدودة لأن المراقب الحديثة لم تكن قد اخترعت بعد، كالمرقب الأثيري ومرصد (بالومر) الأمريكي الضخم الذي سعة قطره خمسة أمتار ويستطاع بفضله رصد الشهب التي تبعد عن الأرض بألفي مليون سنة ضوئية، كما أن المنظار الفلكي الضوئي لم يكن قادراً في ذلك الوقت (عام 1920) على رصد الكواكب خارج المجموعة الشمسية.

وقد تبين بعد ذلك أن مرصد (بالومر) نفسه، برغم ضخامته وحساسيته، عاجز عن رصد تحركات الكائنات الموجودة في الكواكب الأخرى وأصواتها، على الرغم من أن هذا المرصد الضخم قد رصد شهباً تبعد عن الأرض بألفي مليون سنة ضوئية، وصورها كنقطة بيضاء دون أن يوفق إلة تحديد حجمها وأهميتها(6).

----------------------------------------------------------------

الهوامش:

1 - واترلو Waterloo في بلجيكا، هزم عندها نابليون الأول في حربه مع الإنكليز وحلفائهم سنة 1815م.

2 - فرويد: سيجموند Freud طبيب نمساوي أسس مدرسة (التحليل النفساني) ويعطي في بحوثه دوراً هاماً بل أهم الأدوار للعامل الجنسي في النفس الإنسانية ـولد 1856م وتوفي 1939م.

3 - هذا صريح نص القرآن الكريم في قوله تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) ـ الإسراء.

4 - في المعجم أن الجن هو ستر الشيء عن الحاسة، وكل شيء ستر عنك فقد جن عليك وجن عليه، وأجنه ستره. أما الآيات التي تشير إلى الجن والإنس فكثيرة منها ما جاء في سورة الأنعام، الآية 128: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم عن الإنس)، ومنها ما جاء في سورة الأعراف، الآية 38: (قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس).

5 – ماركوني (Marconui 1874ـ 1937م) فيزيائي إيطالي وله في اختراع اللاسلكي دور هام.

6 - بدئ العمل في صنع عدسة منظار مرصد بالومر في سنة 1936 ولم يتم إلا في سنة 1941. وقد احتاج الأمر إلى انتقاء صخور من نوع خاص تم صهرها تحت درجة حرارة وصلت إلى 1200 درجة. واقتضت أصول الصناعة تبريد هذه المادة المنصهرة بصورة تدريجية للتأكد من صفائها التام، فلا تظهر فيها أي علامات أو نقط أو خطوط، واستعين بجهاز تكثيف

خاص للمحافظة على انتظام درجة الحرارة بحيث يتم إنقاصها درجة واحدة في كل يوم. وقد استغرقت عملية التبريد هذه ثلاث سنين ومائة وخمسة أيام. وبعدها شرع في صقل العدسة وتشذيبها باستخدام مقياس دقيق إلى درجة مائة ألف مليمتر. وانتهى العمل في المرصد في وقت كانت الولايات المتحدة قد دخلت فيه الحرب العالمية الثانية، فانتفه به انتفاعاً كبيراً في الأغراض الحربية، وكان هو المرصد الوحيد من نوعه في العالم. ومع أن كثيراً من الدول الصناعية صنع أنواعاً شتى من الأجهزة الحساسة للكشف والرصد والبحث، فإن مرصد بالومر الأمريكي بنظارته الضوئية الفريدة ما زال المرصد الوحيد من نوعه في العالم.


من أعاظم الذنوب!

سؤال النصراني من الامام جعفر الصادق(ع) عن تعداد عظام الانسان(1)

مواجهة الإمام الصادق ( عليه السلام ) للأفكارِ المُنحرِفة

مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع رؤساء المعتزلة

الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع هشام بن الحكم

أمالي الإمام الصادق ( عليه السلام )

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)