معرفة فواصل القرآن صوتیاً نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

معرفة فواصل القرآن صوتیاً - نسخه متنی

محمدحسین الصغیر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

معرفة فواصل القرآن صوتياً

د. محمد حسين الصغير

من أجل تمييز الفاصلة، ومعرفتها صوتياً، علينا تتبع فواصل الآيات بالدقة والضبط، فيتنقلها في القرآن عبر مسيرتها الإيقاعية.

قال إبراهيم بن عمر الجعبري (ت: 732 ه‍):

'لمعرفة الفواصل طريقان: توقيفي وقياسي. أما التوقيفي: فما ثبت أنه (ص) وقف عليهدائماً، تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائماً، تحققنا أنه ليس بفاصلة...

وأما القياسي فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب، ولا محذور في ذلك، لأنه لازيادة فيه ولا نقصان، والوقف على كل كلمة جائز، ووصل القرآن كله جائز، فاحتاج القياس إلى طريق تعرّفه، فنقول: فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر، وقافية البيت في الشعر،وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحد والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة، والقرينة، وقافية الأرجوزة بخلاف قافية القصيدة'.

ومنهنا كان التنقل في فواصل القرآن، إذ لا يلتزم فيها الوقوف عند حرف معين في مواضع من السور، ويلتزمه في مواضع أخر، ويجمع بين الالتزام وعدمه في بعض السور، لأن الانتقال منالوقوف على حرف إلى الوقوف على حرف آخر، أو صيغة تعبيرية أخرى في فواصل القرآن، أمر مطرد وشائع، ونماذجه هائلة، كما أن الالتزام شائع أيضاً، والجمع بينهما واردٌ كذلك،ومن هنا تبرز ثلاثة ملامح على سبيل المثال:

الأول: جمع القرآن بين 'تحشرون' و 'العقاب' وهما مختلفان في حرف الفاصلة والزنة في قوله تعالى:

(واعلموا أنَّ اللهَ يحولُبينَ المرءِ وقلبهِ وأنَّهُ إليه تُحشرون، واتَّقٌوا فتنةً لا تُصيبنَّ الّذينَ ظَلَموا مِنكُم خآصةً واعلموا أنَّ اللهَ شديدُ العِقاب).

الثاني: الوقوف عند حرفمعين لا يتغير في الفاصلة كما في سور عدّة، ونماذج متعددة، فمن أمثلته عادة جملة من السور القصار، كالقدر، والعصر، والفيل، والليل، والكوثر، والاخلاص، والناس، وجملة منالسور الوسطى كالأعلى والقمر، وفيها جميعاً مراعاة للمنهج الصوتي، والبعد الإيقاعي، ويتجلى النغم الصوتي المتميز بأبهى صوره، وأروع مظاهره في سورة القمر، إذ تختتمفيها الفاصلة بصوت الراء مردداً بين طرف اللسان وأول اللهاة مما يلي الأسنان.

الثالث: الوقوف عند حرف معين للفاصلة في بعض السور، والانتقال منه للوقوف عند حرف آخرللفاصلة في بعضها الآخر، وأمثلته متوافرة في جملة من سور القرآن، كالنبأ، والمرسلات، والنازعات، والتكوير، والانفطار، والمطففين، وانظر إلى قوله تعالى في سورة 'عبس'وهي تواكب صوت الهاء في فواصل عدة آيات، ثم تنتقل إلى الراء الملحقة بالتاء القصيرة بعدها في آيات أخر:

(يَومَ يَفرُّ المَرءُ مِن أخيهِ، وأُمهُ وأبيهِ، وصاحِبتِهِوبَنيهِ، لِكُلِ امرىء مِنهُم يَومئذٍ شأنٌ يُغنيهِ، وُجُوهٌ يومئذٍ مّسفرةٌ، ضاحِكةٌ مستبشرةٌ، وَوُجوهٌ يومئذٍ عليها غَبرةٌ، تَرهَقُها قَترةٌ، أُولئكَ هُمُالكَفَرةُ الفَجَرةُ).

وقد لا يراد الملحظ الصوتي مجرداً عند الابعاد الأخرى في فواصل الآيات، فقد يجتمع في الفاصلة الغرض الفني بجنب الغرض الديني، فتودي الفاصلةغرضين في عمل مزدوج، فمن أبرز الصور الاجتماعية الهادفة في سورة البلد: آيات العقبة، وتفصيلات يوم القيامة، في تجاوز مظاهر الغل والقيد، ومراحل الفقر والجوع ليتم تجاوزالعقبة الحقيقية في القيامة، ولا يتم ذلك إلا بتجاوز عقبات الظلم الاجتماعي وتخطي مخلفات العهد الجاهلي، واقتحام القيم التي عطلت الحياة الإنسانية عن مسيرتها في التحرروالانطلاق، وهي قيم قاتلة، وأعراف بالية نشأت عن الطغيان المتسلط، والتفاوت الطبقي المقيت، فالرق ضارب بأطنابه، والاستئثار شكل مجاعة بشرية جماعية، والقطيعة فيالأرحام أنهكت الأيتام، والغنى اللامشروع فجّر سيلاً من الأوضار الاجتماعية تشكل رعيلاً سادراً من الأرامل والأيامى والمساكين، ممن ألصقهم الفقر بالتراب، أو لصقوا همبه من الفقر والضر والفاقة، فأحال ألوانهم كلونه، فهم يلتحفون التراب ويفترشونه، ولا يجدون غيره، حتى عادوا جزءاً منه، وعاد هو جزءاً من كيانهم، فمن التراب وعلى الترابوإلى التراب.

هذا المناخ المزري عقبات متراكمة، من فوقها عقبات متراكمة، وإزالة هذه العقبات تدريجياً هو الطريق إلى قفز تلك العقبة الكبرى وتجاوزها، في حياة قولهتعالى: (فَلا أقتَحَمَ العقبةَ، وما أدراكَ ما العقبةُ، فَكُّ رقبةٍ، أو إطعامٌ في يومٍ ذي مَسغَبَة، يَتيماً ذا مقربةٍ، أو مسكيناً ذا متربةٍ).

ما هذا الإيقاعالمجلجل؟ وما هذه النبرات الصوتية الرتيبة؟ وما هذا النسق المتوازن؟ العقبة، رقبة، مسغبة، مقربة، متربة، أصداء صوتية متلاحقة، في زنة متقاربة، زادها السكت رنةًوتأثيراً ولطف تناغم، وسط شدة هائلة مرعبة، وخيفة من حدث نازل متوقع، فالاقتحام في مصاعبه ومكابدته، والعقبة في حراجتها والتوائها ومخاطرها، يتعانقان في موضع واحد،يوحي بالرهبة والفزع.

وإرادة التأنيب والتعنيف مع الحض والترجيح والتحبيب، في صيغة النفي وتقريره، والاستفهام وتهويله، حافز وأي حافز على معالجة هذه المخاوفالاجتماعية السائدة، ودرء هذه المشاكل العالقة في المجتمعات المتخلفة: السغب، اليتم، المسكنة، إنها آفات متطاولة تنخر في بنية الجسم الإنساني فتهدمه، واقتحامها بحزميتركها وراء الإنسان مسافات مترامية، وذلك ما يهيء السبيل إلى تجاوز العقبة المترقبة الوقوع، في كل معانيها البيانية: حقيقية كانت أو مجازية.

إن ورود هذه الآيات فينسق صوتي متجانس، وصيغة إصلاحية هادفة، يضفي على الفاصلة القرآنية، جمالها المعهود، وحسها الإيقاعي الهادر، دون تطلع إلى تعبير مماثل أو مغاير، فهي تمتلك النفس، وتأخذبالإحساس في نظام رتيب؛ فالحرية أولاً، والعطاء المغني ثانياً، بدءاً بالأرحام، وعطفاً على الآخرين، وفيها أخذ بملحظ القرابة والرحم، وحث على تقديم ذوي القربى منالمعوزين على الأباعد في فك القيود، وعتق الرقاب، والاطعام بإحسان.

ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات:

الملحظ الصوتي في فواصل الآيات القرآنية قائم على عدةظواهر، نرصد منها أربع ظواهر:

الأولى: وتتمثل بزيادة حرف ما في الفاصلة وعناية للبعد الصوتي، وعناية بنسق البيان في سر اعتداله، ليؤثر في النفس تأثيره الحسّاس،فتشرئبّ الأعناق، وتتطلع الأفئدة حين يتواصل النغم بالنغم، ويتلاحم الإيقاع بالإيقاع، وأبرز مظاهر هذه الظاهرة ألف الاطلاق إن صح التعبير بالنسبة للقرآن، فقد ألحقتالألف في جملة من الآيات بأواخر بعض كلماتها، وكان حقها الفتح مطلقاً، دون مدّ الفتحة حتى تكون ألفاً، وانظر معي في سورة واحدة، إلى كل من قوله تعالى، وكأن ذلك معنيٌ بحدذاته ومقصود إليه لا ريب.

وقال تعالى: (وتَظُنُّونَ باللهِ الظُنونا).

وقال تعالى: (فأضَلُّونا السَّبيلا).

وقال تعالى: (وأطَعنا الرَّسُولا).

يبدو أن إلحاقهذه الألف في 'الظنون' 'السبيل' 'الرسول' يشكل تلقائياً ظاهرة صوتية تدعو إلى التأمل، وإلا فما يضير الفتح لولا الملحظ الصوتي 'لأن فواصل هذه السورة منقلبة عن تنوين فيالوقف، فزيد على النون ألف لتساوي المقاطع، وتناسب نهايات الفواصل'.

وما يقال هنا يقال فيما ورد بسورة القارعة في زيادة هاء السكت وإلحاقها في 'هي' لتوافق الفاصلةالأولى الثانية في قوله تعالى: (وَمَآ أدراكَ ما هِية، نَارٌ حامِيةٌ).

وهيا إلى سورة الحاقة وانظر إلى هاء 'السكت' في إضافتها وإنارتها في جملة من آياتها، فتقف خاشعاًمبهوراً، تمتلك هزة من الأعماق وأنت مأخوذ بهذا الوضع الموسيقي الحزين، المنبعث من أقصى الصدر وأواخر الحلق، فتتقطع الأنفاس، وتتهجد العواطف، واجمة، متفكرة، متطلعة،فتصافح المناخ النفسي المتفائل حيناً، والمتشائم حيناً آخر، وأنت فيما بينهما بحالة متأرجحة بين اليأس والرجاء، والأمل والفزع، والخشية والتوقع، فسبحان الله العظيمحيث يقول:

(يَومئذٍ تعُرَضَونَ لا تَخفَى مِنكُم خافيةٌ، فأمّا مَن أُوتيَ كتابَهُ بِيَمينهِ فَيقولُ هآؤُم اقرءُوا كِتَابيه، إنّي ظَنَنتُ أنّي مُلاقَ حِسابيه،فَهُو في عِيشةٍ راضيةٍ، في جنَّةٍ عاليةٍ، قُطُوفُها دانيةٌ، كُلُوا واشربوا هنيئاً بِمآ أسلَفتُم في الأيامِ الخاليةِ، وأمّا مَن أُوتيَ كِتابَهُ بشماله فَيَقولُياليتَني لَم أُوتَ كِتابيَه، وَلَم أَدرِ ما حِسابيَه، ياليتَها كانتِ القاضيةَ، مآ أَغنى عَني مَاليه، هَلَكَ عَني سُلطانيَه).

فأنت تلاحظ الفواصل: كتابيه،حسابيه، كتابيه، حسابيه، ماليه، سلطانيه، قد أزيدت فيها هاء السكت رعاية لفواصل الآيات المختومة بالتاء القصيرة والتي اقتضى السياق نطقها هاءً للتوافق:

وما زلناعند الهاء، فتطلع إليها، وهي ضمير ملصق بالفواصل، غير زائد بل أصلي الورود، وقد حقق بذلك وقعه في النفس، وجرسه في الأذن وقوته في امتلاك المشاعر، قال تعالى:

(يَوَدُّالمُجرِمُ لو يَفتدِي مِن عَذَابِ يومئذٍ بِبَنيهِ، وصاحِبَتهِ وأخَيهِ، وَفَصيلَتهِ الّتي تُؤيهِ، وَمَن في الأرضِ جميعاً ثُمَّ يُنجيهِ).

فلا زيادة في هذه الهاء،وهي ضمير في الفواصل كلها، وقد حققت صوتياً مناخ الانتباه، ورصد مواضع الاصغاء من النفس الإنسانية.

الثانية: وتتمثل بحذف حرف ما رعاية للبعد الصوتي، وعناية بالنسقالقرآني كما في قوله تعالى:

(والفَجرِ، وليالٍ عشرٍ، والشَّفعِ والوترِ، والّيلِ إذا يَسرِ).

فقد حذفت الياء من يسري موافقة للفاصلة فيما يبدو مثله قوله تعالى:(فأمَّا الإنسانَ إذا ما ابتَلاهُ رَبُّهُ فأكرَمَهُ ونعَّمَهُ فَيَقولُ ربي أكرمنِ، وأمّا إذا ما ابتلاهُ فَقَدرَ عليه رِزقَهُ فيَقُولُ ربّي أهانَنِ).

فالياء من'اكرمن' و 'أهانن' قد حذفت رعاية لهذا الملحظ، ولما في النون من الغنة عند الوقوف عليها فيما يبدو، ويظهر أن هذا الأمر مطرد في جملة من آيات القرآن الكريم في الفواصل ما فيقوله تعالى: (لَكُم دِينُكُم وليَ دين).

الثالثة: وتتمثل في تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، زيادة في العناية بتركيب السياق، وتناسق الألفاظ، وترتيبالفواصل، كما في قوله تعالى: (فأوجَسَ في نفسهِ خيفةً مُّوسى). فتأخر الفاعل وحقه التقديم، وعليه يحمل تقديم هارون على موسى في قوله تعالى:

(فأُلقِيَ السّحرةُ سُجَداًقالوا ءَامَنّا بربِ هارونَ وموسى). فإن هارون وزير لموسى، وأهمية موسى سابقة له، وقدم هارون عليه رعاية لفواصل آيات السورة، إذا انتظمت على الألف والألف المقصورة فيأغلبها، والله العالم.

الرابعة: اشار الزركشي (ت: 794ه‍) انه قد كثر في القرآن الكريم ختم كلمة المقطع من الفاصلة بحروف المد واللين وإلحاق النون، وحكمته وجود التمكن منالتطريب.

وحكى سيبويه (ت: 180ه‍) عن العرب أنهم إذا ما ترنموا فإنهم يلحقون الألف والواو والياء، ما ينون، وما لا ينون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت.

وورود النون بعد حروفالمدّ متواكبة في القرآن حتى عاد ذلك سراً صوتياً متجلياً في جزء كبير من فواصل آيات سوره، ونشير على سبيل النموذج الصوتي لكل حرف من حروف المدّ تليه النون بمثال واحد.

1_ وردت الألف مقترنة بالنون في منحنى كبير من فواصل سورة الرحمن على نحوين:

الأول: وردهما متقاطرين، وهما _أي الألف والنون _ من أصل الكلمات كما في قوله تعالى:

(الر‍ّحمنُ، عَلّمَ القرءانَ، خَلَقَ الإنسانَ، علَّمهُ البيانَ، الشَّمسُ والقَمَرُ بِحُسبان).

الثاني: وردهما متقاطرين، وهما _أي الألف والنون _ ملحقان بالكلمةعلامة للرفع ودلالة على التثنية كما في قوله تعالى: (مَرَجَ البحرينِ يلتقيانِ، بينَهُما برزخٌ لا يبغيان، فبأي آلاء رَبِّكُما تُكذّبانِ).

ويتحقق في النحوين مدّالصوت تحقيقاً للترنم.

2_ وردت الياء مقترنة بالنون في أبعاد كثيرة من فواصل الآيات القرآنية، ففيما اقتص الله من خبر نوح (ع) قال تعالى: (فإذا استويتَ أنتَ ومَن معَكَعلى الفُلكِ فَقُل الحمدُ للهِ الذي نَجّانا مِنَ القومِ الظالمين، وَقل رَّبِ أنزلني مُنزَلاً مُبارَكاً وأنتَ خَيرُ المُنزلينَ، إنَّ في ذلكَ لآياتٍ وإن كُنّالمبتلينَ، ثُمّ أنشأنا من بَعدِهِم قَرناً آخرينَ).

والطريف أن سورة المؤمنين تتعاقب فواصلها الياء والنون أو الواو والنون، شأنها في ذلك شأن جملة من سور القرآن،فكأنها جميعاً تعنى بهذا الملحظ الدقيق.

3_ وردت الواو مقترنة بالنون في أجزاء عديدة ومتنوعة من فواصل طائفة كبيرة من السور، فسورة الشعراء فيها تعاقب كبير على الياءوالنون مضافاً إليه التعاقب على الواو والنون موضع الشاهد كما في قوله تعالى:

(إنَّ هؤلاءِ لَشِرذَمةٌ قَليلونَ، وإنَّهُم لنا لغآئظونَ، وإنّا لجميعٌ حاذِرونَ،فأخرجناهُم مِّن جنّاتٍ وعُيونٍ).

إن ما أبداه الزركشي من ختم كلمة مقطع الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون، ليس بالضرورة للتمكن من التطريب، ولكنه يشكل ظاهرةبارزة في صيغ تعامل القرآن الكريم مع هذه الحروف مقترنة بالنون، وقد يخفى علينا السبب، ويغيب عنا جوهر المراد، ومع ذلك فهو ملحظ متحقق الورود.

الإيقاع الصوتي فيموسيقى الفواصل:

القرآن كلام الله فحسب، ليس من جنس النثر في صنوفه وإن اشتمل على ذروة مميزاته العليا، ولم يكن ضرباً من الشعر وإن ضم بين دفتيه أوزان الشعر جميعاً(ومَا هُوَ بقولِ شاعرٍ قليلاً مّا تُؤمنون، ولا بقولِ كاهنٍ قليلاً مّا تَذَكَّرُونَ، تَنزيلٌ من رَّبِ العالمين).

فهو ليس من سنخ ما يتقولون، ولا بنسيج مايتعارفون، ارتفع بلفظه ومعناه، وطبيعته الفنية الفريدة، عن مستوى الفن القولي عند العرب، فالمقولة بأنه شعر باطلة من عدّة وجوه:

الأول: التأكيد في القرآن نفسه بنفيصفة الشعر عنه، والتوجيه بأنه ذكر وقرآن مبين بقوله تعالى:

(وَمَا عَلَّمناهُ الشِعرَ وما يَنبغي لَهُ، إن هُوَ إلاّ ذِكرٌ وقُرءانٌ مُبين).

الثاني: الردّ فيالقرآن على دعوى القول بأن النبي شاعر، وأن القرآن منه في ثلاثة مواطن:

1_ الملحظ الافترائي الموجه إليه، والمعبر عن حيرة المشركين:

(بَل قالوا أضغاثُ أحلامٍ بلافتراهُ بَل هُوَ شاعِرٌ فليأتنا بآيةٍ كَمَا أُرسل الأوّلونَ).

2_ التعصب الأعمى للآلهة المزعومة دون وعي، وبكل إصرار بافتعال الادعاء الكاذب:

(ويَقولونَ أئنّالتاركُوا آلهتنا لشاعرٍ مجنُونٍ).

3_ التربص بالنبي (ص) وتوقع الموت له، بزعمهم أن سيموت شعره المفترض معه!!

(أم يَقولونَ شاعِرٌ نَتَربَّصُ بهِ رَيبَ المَنُونِ).

الثالث: إن العرب لو اعتقدوا أن القرآن شعر لأسرعوا إلى معارضته من قبل شعرائهم، فالشعر ديوان العرب، وقصائدهم معلقة بالكعبة تعبيراً عن اعتدادهم بالشعر، واعتزازهمبالشعراء، وهم أئمة البيان ورجال الفصاحة، ولكنها مغالطة واضحة 'ولو كان ذلك لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد، وأهلهيتقاربون فيه، أو يضربون فيه بسهم'.

الرابع: إن الشعر إنما يقصد إليه بذاته فينظم مع إرادة ذلك، ولا يتفق اتفاقاً أن يقول أحدهم كلاماً فيأتي موزوناً، فالشعر 'إنماينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء دون ما يستوي فيه العامي والجاهل والعالم بالشعر واللسان وتصرفه، وما يتفق من كلواحد، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعراً، وإلا لكان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتزن بوزن الشعر وينتظم بانتظامه'.

سقنا هذا فيحيثية تنزيه القرآن عن سمة الشعر وصفته، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعراً موزوناً، وما يدريك فلعل القرآن يريد أن يقول للعرب: إن هذا الشعر الذي تتفاخرون به، نحن نحيطكمعلماً بأوزانه على سبيل الأمثلة لتعتبروا بسوقها سياق القرآن في صدقه وأمانته، ولا غرابة أن يكون القرآن يريد أن ينحو الشاعر بشعره منحى الحق والصرامة والفضيلة والصدق،ومع هذا وذاك فما ورد من الموزون فيه جارٍ على سنن العرب في كلامها، إذ قد يتفق الموزون ضمن المنثور، بلا إرادة للموزون، ولا تغيير للمنظوم. فقد حكى الزركشي (ت: 794ه‍) أنإعرابياً سمع قارئاً يقرأ: (يأيُّها النَّاسُ اتّقوا رَبَّكُم إنَ زلزلَةَ الساعةِ شيءٌ عظيمٌ).

فقال كسرت، إنما قال:

يا أيها الناس اتقوا ربكم زلزلة الساعة شيءعظيم

فقيل له: هذا القرآن، وليس الشعر.

فاعتقده لأول مرة شعراً فحذف 'أن' ليستقيم الوزن فيما عنده. ولو قلنا بالإيقاع الصوتي، وفسرنا الورود البياني لهذا المظهرالموزون بمجانسة الأصوات وقارنّا عن كثب بمناسبة الصوت للصوت، وملاءمة النطق بالحروف، ومتابعة الأذن للموسيقى، والسمع للنبر والتنغيم، زيادة على ما تقدم لكنا قدأحسنّا التعليل فيما يبدو، أو توصلنا في الأقل إلى بعض الوجوه المحتملة، أو الفوائد الصوتية المترتبة على هذا المعلم الواضح، والله أعلم.

وقد يقال بأن هذا المعلمإنما ينطبق على أجزاء من الآيات لا الفاصلة وحدها، فيقال حينئذ بأن وجود الفاصلة في هذه الأجزاء من الآيات هو الذي جعل جملة هذا الكلام موزوناً، فبدونها ينفرط نظام هذاالسلك، وينحل عقد هذا الابرام لهذا نسبنا أن يكون الحديث عن هذا الملحظ ضمن هذا البحث.

ومهما يكن من أمر، فإن ورود ما ورد من هذا القبيل في القرآن ينظر فيه إلى غرضهالفني مضافاً إلى الغرض التشريعي، وهما به متعانقان.

إننا بين يدي مخزون ثر في هذا الرصد، ننظره وكأننا نلمسه، ونتحسسه وكأننا نحيا به، فحينما نستمع خاشعين إلى صيغةموزونة منتظمة بقوله تعالى: (إنّا أعطيناكَ الكَوثَر). فإننا نتعامل مع وقع خاص يذكرنا بالعطاء غير المحدود للنبي الكريم، وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى: (هَيهاتَهَيهاتَ لِمَا تُوعَدونَ). تصك أسماعنا بلغة الوعيد، فنخشع القلوب، وتتحسس الأفئدة.

وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى (وَذُلِلَت قُطوفُها تذليلا). نستبشر منالأعماق بهذا المناخ الهادي، ونستشعر هذا النعيم السرمدي بإيقاع يأخذ بمجامع القلوب، يشد إليه المشاعر.

وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى: (تَبَّت يَدآ أبيلَهَبٍ). يقرع أسماعنا هذا المصير الشديد العاتي، فيستظهره السامع دون جهد، ويجري مجرى الأمثال في إفادة عبرتها وحجتها. وحينما نستمع حالمين إلى قوله تعالى: (ومِنَالَّيلِ فَسَبحهُ وأدبارَ السُّجود). فإننا نستشعر هذا الأمر بقلوبنا قبل الأسماع، هادئاً ناعماً متناسقاً، وهو يدعو إلى تسبيح الله وتقديسه آناء الليل وأطراف النهار.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (نَصرٌ مِنَ اللهِ وفَتحٌ قريبٌ). فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي، بإعلان النصر لنبيه، والفتح أمام زحفه، فتعم البشائر، وتتعالىالبهجة.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (لن تَنالوا البِرَّ حتّى تُنفقوا مِمّا تُحبُّونَ). فالصوت الرفيق هذا يمس الاسماع مساً رفيقاً حيناً، ويوقظ الضمائر من غفلتهاحيناً آخر، وهو يستدر كرم المخائل، ويوجه مسيرة التعاطف، ويسدد مراصد الانفاق، والمسلم الحقيقي يسعى إلى البر الواقعي فأين موطنه؟ إنه الانفاق مما يحب، والعطاء ممايحدب عليه، والفضل بأعز الأشياء لديه، وبذلك ينال البر الذي ما فوقه برٌ.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (أرَءَيتَ الّذي يُكذّبُ بالدين، فذلكَ الذي يَدُعُّ اليتيمَ).وتمد الفتحة لتكون ألف إطلاق، وتصبح في غير القرآن (اليتيما) فإنك تقف عند بحر الخفيف من الشعر، وهو من الأوزان الراقصة، تقف عند صرخة مدوّية، وجلجلة متأججة تقارن بينالتكذيب بيوم القيامة، وبين دعّ اليتيم في معاملته بخشونة، وصده بجفاف وغلظة.

هذه النماذج الخيرة التي تبركنا بإيرادها، والتي تنبه من الغفوة والغفلة، وتدفع إلىالاعتبار والعظة، وتزيد من البصيرة والتدبر، قد أضفى عليها الملحظ الصوتي موسيقاه الخاصة، فعاد القول بصوتيتها من جملة أسرارها الجمالية، والتأكيد على تناغمهاالإيقاعي من أبرز ملامحها الفنية.

هذه ميزة ناصعة من مزايا فواصل الآيات باعتبار العبارات..

المصدر : الصوت اللغوي في القرآن


/ 1