هل فی القرآن لفظة غریبة؟ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

هل فی القرآن لفظة غریبة؟ - نسخه متنی

محمد هادی معرفة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

القول بالصرفة في الإعجاز ورأي السيد المرتضى

محمد هادي معرفة


هناك قول في وجه الإعجاز، لعله يخالف رأي الجمهور، هو: أنالآية والمعجزة في القرآن إنما هي لجهة صرف الناس عن معارضته، صرفهم الله تعالى أن يأتوا بحديث مثله، وأمسك بعزيمتهم دون القيام بمقابلته. ولولا ذلك لاستطاعوا الإتيانبسورة مثله. وهذا التثبيط في نفسه إعجاز خارق للعادة، وآية دالة على صدق نبوته (ص) وهذا المذهب ـ فضلاً عن مخالفته لآراء جمهور العلماء ـ فإنه خطير في نفسه، قد يوجب طعناًفي الدين والتشنيع بمعجزة سيد المرسلين (ص) أن لا آية في جوهر القرآن ولا معجزة في ذاته، وإنما هو لأمر خارج هو الجبر وسلب الاختيار، وهو ينافي الاختيار الذي هو غايةالتشريع والتكليف. وغير ذلك من التوالي الفاسدة.

ـ مذهب الشريف المرتضى:

المعروف من مذهب الشريف المرتضى (المتوفي سنة 436) في الإعجاز هو القول بالصرفة، نسبه إليهكل من كتب في هذا الشأن، قولاً واحداً. وكذا شيخه أبو عبدالله المفيد (المتوفي سنة 413) في أحد قوليه. وتلميذه أبو جعفر الطوسي (المتوفي سنة 460) في كتابه (تمهيد الأصول) الذيوضعه شرحاً على القسم النظري من رسالة (جمل العلم والعمل) تصنيف المرتضى. لكنه رجع عنه في كتابه (الاقتصاد بتحقيق مباني الاعتقاد) كتبه متأخراً، واعتذر عن تأييده للسيد فيشرح الجمل باحتشام رأي شيخه عند شرح كلامه.

قال: كنت نصرت في شرح الجمل (تمهيد الأصول) القول بالصرفة، على ما كان يذهب إليه المرتضى (ره) حيث شرحت كتابه فلم يحسن خلافمذهبه.

وأما تلميذه الآخر، أبو الصلاح تقي الدين الحلبي (المتوفي سنة 447) فقد سار على منهج الأستاذ وارتضاه وجعله الأوجه من وجوه إعجاز القرآن. واستدل بما يكون تلخيصاًلدلائل السيد، ولم يزد عليه.

ويبدو من كلام السيد ـ فيما نقل عنه الشيخ في التمهيد ـ أنه أرد المعنى الوسط من التفاسير المتقدمة عن صاحب الطراز. وهو: أن العرب سلبواالعلوم التي يحتاج إليها في معارضة مثل القرآن، فخامةً وضخامةً، في وجازة اللفظة وظرافته، في سمو معناه ورفعته ... من أين كانت العرب تأتي بمثل معانيه، حتى ولو فرض قدرتهاعلى صياغة مثل لفظه ولو يسيراً؟!

ومعنى السلب: عدم المنح، على ما سبق في تفسير الآية الكريمة: (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) التوبة/ 127، وكذا قولهتعالى: (ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض) الأعراف/ 146، أي أنهم لفرط جهلهم وصمودهم في رفض الحق، حرموا من فيضه تعالى فلم يحظوا ببركات رحمته: (فلما زاغوا أزاغ اللهقلوبهم) الصف/ 5، وذلك هو الخذلان والحرمان المقيت.

قال الطبرسي: سلب قدرتهم على التكذيب، بمعنى توفير الدلائل والبراهين القاطعة بحيث لا تدع مجالاً للشك فضلاً عنالرد وإمكان التكذيب، (ذلك الكتاب لا ريب فيه) البقرة/ 2.

فقد توفرت المعاني الضخمة، وازدحمت المعارف الجليلة، بين أحضان القرآن الكريم، بما بهر العقول وطار بالألباب... الأمر الذي سلب قدرة المعارضة عن أي معارض متى رامها، ولم يدع مجالاً للتفكير في مقابلته لأي صنديد عنيد، ما دام هذا الكتاب العزيز قد شمخ بأنفه على كل مستكبر جبار عارضطريقه إلى الإمام!!

فلعل الشريف المرتضى أراد هذا المعنى، وأن اللفظ مهما جلّ نظمه وعزّ سبكه، فإنه لا يبلغ مرتبة المعنى في جلاله وكبريائه، والتحدي إنما وقع بهذاالأهم الأشمل، قال: ((فإن قال: الصرف عماذا وقع؟ قلنا: عن أن يأتوا بكلام يساوي أو يقارب القرآن في فصاحته وطريقة نظمه، بأن سلب كل من رام المعارضة، العلوم التي تتأتى بهامن ذلك. فإن العلوم التي بها يتمكن من ذلك ضرورة من فعله تعالى بمجرى العادة ... )).

تأمل هذه العبارة وأمعن النظر فيها، تجدها صريحة ـ تقريباً ـ في إرادة القدرة العلمية،التي هي حكمة إلهية يهبها لمن يشاء من عباده، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. فهؤلاء حرموها مغبة لجاجهم وعنادهم مع الحق.

وهكذا فهم الأستاذ الرافعي تفسيرمذهب السيد في الصرفة، قال: وقال المرتضى من الشيعة: بل معنى الصرفة أن اله سلبهم العلوم ... التي يحتاج إليها في المعارضة ليجيؤوا بمثل القرآن ... فكأنه يقول: أنهم بلغاءيقدرون على مثل النظم والأسلوب، ولا يستطيعون ما وراء ذلك مما لبسته ألفاظ القرآن من المعاني، إذ لم يكونوا أهل علم ولا كان العلم في زمنهم.

ومن قبل قال التفتازاني: أوبسلب العلوم التي لابد منها في الإتيان بمثل القرآن، بمعنى أنها لم تكن حاصلة لهم .. أو بمعنى أنها كانت حاصلة فأزالها الله. قال: وهذا (سلب العلوم) هو المختار عند المرتضى...

قلت: ظاهر قول المرتضى هو الشق الأول من المعنيين: (أنها لم تكن حاصلة لهم).

وللأستاذ توفيق الفكيكي البغدادي محاولة مشكورة بشأن الدفاع عن موقف السيد في مذهبالصرفة. إذ استبعد أن يأخذ مثل الشريف المرتضى وهو علم الهدى موضعاً يبتعد عن موضع الشيعة الإمامية وإجماع محققيهم وهو رأسهم وسيدهم، وكذا شيخه أبو عبدالله المفيد الذيهو أستاذ الكل ومفخر المتكلمين.

قال: إن أقوال أئمة الإمامية المعتمدة المعتبرة، لا تختلف عن كلام أهل التحقيق من أساطين العلم وزعماء البيان في حقيقة الإعجاز، حتىلقد اشتهر قولهم: ((القول بالصدفة كالقول بالصرفة)) في الامتناع. كما نبّه عليه العلامة الحجة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء. قال: فنسبة القول بالصرفة ـ بمعناها الباطلـ إلى العلامة الجليل (المفيد) وإلى تلميذه (الشريف المرتضى) لا يحتملها النظر الصحيح بعد كون هذا الاحتمال مخالفاً لعقيدة الشيعة الإمامية ولأصول مبانيها.

قال: والذينحتمله بل ونعتقده أن الشيخ المفيد معروف بقوة الجدل والتمرس بفنون المناظرة، وكان كسقراط يلقي على تلاميذه مسائل دقيقة ويناقشهم فيها لاختبار عقولهم، ولا سيما شبهاتالمعتزلة كآراء النظّام وأصحابه القائلين بالصرفة، وهي إحدى المسائل التي ناظر بها أقطاب المعتزلة، فلعله وقع في نفوس البعض أنه يقول بها، وهو اشتباه لا يستند إلىتحقيق.

وهكذا احتمل بشأن الشريف المرتضى ـ العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني ـ أنه كان معروفاً بقوة الجدل والتحول في حوار المناظرين إلى هنا وهناك، فلم يعلم كونهاعقيدة له ونظرية ثابتاً عليها ...

وبعد ... فالإيفاء بأمانة البحث يستدعي نقل كلام المرتضى بكامله، حسبما وصل إلينا عن طريق تلميذه الأكبر الطوسي وغيره من الأقطاب:

قال السيد ـ في كتابه (الجمل) في باب ما يجب اعتقاده في النبوة ـ : ((وقد دلّ الله تعالى على صدق رسوله محمد (ص) بالقرآن، لأن ظهوره معلوم ضرورة، وتحديه العرب والعجم معلومأيضاً ضرورة، وارتفاع معارضته أيضاً بقريب من الضرورة، فإن ذلك التعذر معلوم بأدنى نظر، لأنه لولا التعذر لعورض، فأما أن يكون القرآن من فعله تعالى على سبيل التصديق له،فيكون هو العَلَم الدال على النبوة، وقد بينا في كتاب (الصرف) الصحيح من ذلك وبسطناه)).

وقد أوضح السيد جانباً من مذهبه، في أجوبة المسائل الرسيّة، عندما تعرض لسؤالالقائل: أنكم تقولون أن وجه الإعجاز هو الصرفة، والعلم به مفتقر إلى معرفة مراتب الفصاحة لكي يعرف الناظر عدم الفرق البائن بين المعجز والممكن ... الأمر الذي يقتضي توقفإثبات النبوة على معرفة العربية المتعذرة على عامة المكلفين، فيلزم على ذلك إبطال النبوة، لا سمح الله ..

فأجاب بأن هذه الشبهة إنما خطرت ببال مَن تصفح كتبي وقرأكلامي في نصرة القول بالصرفة، واعتمادي في نصرتها على أن أحداً لا يفرق بين مواضع من القرآن وبين أفصح كلام للعرب في الفصاحة ... فإن كان يفرق ما بين أفصح كلامهم وأدونه،فمحال أن يفرق بين المتقاربين ..

والناظر إذا علم أن القرآن قد تُحدّي به ولم تقع المعارضة لتعذرها على العرب، فليس ذلك إلا أن يكون القرآن قد خرق العادة، إما بفصاحتهأو بصرف القوم عن معارضته، وأي الأمرين كان فقد صحت المعجزة وثبتت النبوة، وبعد ذلك لا حاجة إلى معرفة الوجه على سبيل التفصيل ..

ثم قال: ولكن مَن ليس من أهل العلمبالفصاحة ومراتبها من أعجمي أو عامي، متمكن من العلم بفصل فصيح الكلام عن غيره، ومرتبته في الفصاحة، بمراجعة أهل الصناعة والسؤال منهم، فيعلم من ذلك ما تدعوه الحاجة إلىعلمه، وإن لم يكن هو من أهل الصناعة ... وبذلك جاز أن يعلم عدم الفرق البائن بين أفصح كلام للعرب وبين بعض قصار المفصل في الفصاحة، وحينئذ يعلم أن جهة إعجازه هي الصرفة لافرط فصاحته، فليس إلا الصرف ..

وإليك من كلام الشيخ في شرح مذهب السيد، أورده في شرح الجمل ... قال:

((والذي اختاره (ره) في كتبه أن جهة إعجازه الصرفة، وهي أن اللهتعالى سلب العرب العلوم التي كانت تتأتى منهم بها الفصاحة التي هي مثل القرآن متى راموا المعارضة، ولو لم يسلبوها لكان ذلك ممكناً، وبه قال النظام ونصره أبو إسحاقالنصيبيني ...

قال: واستدل على صحة مذهبه في الصرفة بأن قال: لو كانت فصاحة القرآن خارقة للعادة لوجب أن يكون بينه وبين أفصح كلام العرب التفاوت الشديد الذي يكون بينالممكن والمعجز، فكان لا يشتبه فصل ما بينه وبين ما يضاف إليه من أفصح كلام العرب، كما لا يشتبه الحال بين كلامين فصيحين وإن لم كن بينهما ما بين الممكن والمعجز، ألا ترىأن أحدنا يفصل بين شعر الطبقة العليا من الشعراء وبين شعر المحدثين بأول نظر ولا يحتاج في معرف ذلك الفصل إلى الرجوع إلى مَن تناهى في العلم بالفصاحة، وقد علمنا أنه ليسبين هذين الشعرين ما بين المعتاد والخارق للعادة. فإذا ثبت ذلك وكنا لا نفرق بين بعض مع التفاوت العظيم، لوقف ما دونه أيضاً عليهم، وقد علمنا خلاف ذلك. فأما مَن ينكر الفرقبين قصار سور المفصل وبين افصح شعر العرب وابرع كلامهم، ولا يظهر لنا التفاوت بين الكلامين الظهور الذي قدمناه، فلم حصل لنا الفرق القليل ولم يحصل الكثير؟ ولم ارتفعاللبس مع التفاوت ولم يرتفع التفاوت؟

فإن قيل: الرق بين أفصح كلام العرب وبين القرآن موقوف على متقدمي الفصحاء الذين تحدوا به!

قلنا: لو وقف ذلك عليهم، فأما مَنينكر الفرق بين أشعار الجاهلية والمحدثين، فإن أشار بذلك إلى عوام الناس والأعاجم منهم ومَن لا يعرف الفصاحة أصلاً ولا خيرها، فلا ينكر. وإن أشار إلى العلماء والألباءالذين عرفوا الفصاحة وتدربوا بها، فإن ذلك لا يخفى عليهم.

فإن قال: الصرف عماذا وقع؟

قلنا: الصرف وقع عن أن يكون يأتوا بكلام يساوي أو يقارب القرآن في فصاحتهوطريقة نظمه بأن سلب كل من رام المعارضة العلوم التي تتأتى بها من ذلك، فإن العلوم التي بها يتمكن من ذلك ضرورة من فعله تعالى بمجرى العادة، وعلى هذا لو عارضوه بشعر منظوملم يكونوا معارضين، والذي يدل على ذلك أنه (ع) طلق وأرسله فوجب أن يكون إنما أطلق تعويلاً على ما تعارفوه في تحدي بعضهم بعضاً، فإنهم اعتادوا ذلك بالفصاحة وطريقة النظمولهذا لم يتحدّ الخطيب الشاعر ولا الشاعر الخطيب، بل لم يكونوا يرتضون في معارضة الشعر إلا بالمساواة في عروضه وقافيته وحركة القافية المطلوبين. ولو شكّ القوم في مرادهولا تفهموه، فلما لم يستفهموه دلّ على أنهم فهموا غرضه.

على أنهم لو لم يفهموا من غرضه أن النظم مراعى لعارضوه بالشعر، فإن في شعرهم ما هو مثل فصاحة كثير من القرآن،واختصاص القرآن بنظم مخالف لسائر النظوم معلوم ضرورة، لأن كل من سمع الشعر والخطب والسجع وجميع أقسام كلام العرب علم أن القرآن يختص بأسلوب ونظم ليس لشيء من الكلام.

وأما الذي يدل على أنه لولا الصرف لعارضوه، فهو: أنه إذا ثبت أن في فصيح كلامهم ما يقارب كثيراً من القرآن، والنظم لا يصح فيه التزايد والتفاضل، بدلالة أنه يشتركالشاعران في نظم واحد لا يزيد أحدهما على صاحبه وإن تباينت فصاحتهما.

وإذا لم يدخل النظم تفاضل لم يبق إلا أن يقال: الفضل في السبق إليه، وذلك يقتضي أن يكون من سبق إلىابتداء الشعر أتى بمعجز، وكذلك كل مَن سبق إلى عروض من أعاريضه أو وزن من أوزانه أن يكون ذلك معجزاً منه، وذلك باطل، وليس يتعذر نظم مخصوص بمجرى العادة على مَن يتمكن مننظوم غيره ولا يحتاج في ذلك إلى زيادة علم، كما نقول في الفصاحة. ألا ترى أن كل من قدر من الشعراء على وزن الطويل يقدر على البسيط وغيره، ولو كان على سبيل الاحتذاء، وإن خلاكلامه من فصاحة. فعلم بذلك أن النظم لا يقع فيه تفاضل.

فإن قيل: قولكم هذا يخرج القرآن من كونه معجزاً على الحقيقة، لأن على هذا المذهب، المعجز هو الصرف، وذلك خلافإجماع المسلمين!

قلنا: هذه مسألة خلاف لا يجوز أن يدّعى فيها الإجماع، على أن معنى قولنا معجز في العرف بخلاف ما هو في اللغة، والمراد بذلك في العرف ما له حظّ فيالدلالة على صدق مَن ظهر على يده، والقرآن بهذه الصفة عند مَن قال بالصرفة، فجاز أن يوصف بأنه معجز. وإنما ينكر العوام أن يقال: القرآن ليس بمعجز متى أُريد به أنه غير دالعلى النبوة وأن العباد يقدرون عليه، فأما أنه معجز بمعنى أنه خارق للعادة بنفسه أو بما يستند إليه فهو موقوف على العلماء المبرزين والمتكلمين المحققين.

على أنه يلزممن جعل جهة إعجاز القرآن الفصاحة، الشناعة، لأنهم يقولون: إن كل مَن قدر على نظم الكلام من العجم والعرب يقدرون على مثل القرآن، وإنما ليست لهم علوم مثل فصاحته. ويلزم مَنقال: إن الله تعالى أحدث القرآن قبل كل شيء أن يقال: ليس عندي بمعجز، لأن إحداثه لم يطابق الدعوى وإنما نزول الملك به هو المعجز، فما شنعت به من قول العامة شناعة عليك!

فإن قيل: لو كان المعجز هو الصرف لما خفي ذلك على فصحاء العرب، لأنهم إذا كانوا يتأتى منهم قبل التحدي ما تعذر بعده وعنده روم المعارضة، والحال في أنهم صرفوا عنها ظاهرةجلية، فلا يبقى بعد هذا شك في النبوة، وكيف لم ينقادوا لها؟

قلنا: لابد أن يعلموا تعذر ما كان متأتياً منهم، لكن يجوز أن ينسبوه إلى الاتفاق أو إلى السحر، على ما كانوايرمونه به. واعتقادهم في السحر معروف، وكذلك في الكهانة، ولو سلموا من ذلك لجاز أن ينسبوا ذلك إلى الله تعالى فعله لا للتصديق بل لمحنة العباد أو للجد أو البختة أو إقبالالدوائر، كما يعتقد ذلك كثير من الناس، ويجوز أن يدخل عليهم الشبهة في ذلك. على أنهم يلزمهم مثل ما ألزموناه بأن يقال: إن كانت العرب تعلم أن القرآن خرق العادة بفصاحة فأيّشبهة بقيت عليهم فلم ينقادوا له؟ فأي جواب أجابوا به فهو جوابنا بعينه.

فإن قيل: إذ كان الصرف هو المعجز فلم لم يجعل القرآن من أركّ الكلام وأقلّه فصاحة ليكون أبهر فيباب الإعجاز؟

قلنا: لو فعل كذلك لكان جائزاً لكن المصلحة معتبرة في ذلك، فلا يمتنع أنها اقتضت أن يكون القرآن على ما هو عليه من الفصاحة، فلأجل ذلك لم ينقص منه، ولايلزم في باب المعجزات أن يفعل بفعل كلما كان أبهر وأظهر، وإنما يفعل ما يقتضيه المصلحة بعد أن يكون دلالة الإعجاز قائمة فيه.

ثم يقال: هلا جعل الله تعالى القرآن أفصحمما هو عليه بغايات لا تشتبه الحال فيه على مَن سمعه ولا يتمكن من جحده، فما أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه.

وليس لأحد أن يقول: ليس وراء هذه الفصاحة زيادة لأنهاالغاية في المقدور، وذلك أن هذا باطل لأن الغايات التي منتهى الكلام الفصيح إليها غير محصورة ولا متناهية، ولو انحصرت لوجب أن يسلب الله العرب في الأصل العلم بالفصاحةويجعلهم في أدون الرتبة منها ليبين مزية القرآن وتزول الشبهة.

ثم يقال لهم: لِمَ لم يجبه الله تعالى إلى ما التمسوه منه من المعجزات من إحياء عبدالمطلب ونقل جبالتهامة عن موضعها أو يفجر لهم الأرض ينبوعاً أو يسقط السماء عليهم كسفاً وغير ذلك من الآيات التي طلبوها؟ فكلما أجابوا به بمثله نجيب.

فإن قيل: إذا لم يخرق القرآنالعادة بفصاحته فلم شهد له بالفصاحة متقدموا العرب كالوليد بن المغيرة وانقياده له، ولم أجاب دعوته كثير من الشعراء كالنابغة الجعدي ولبيد بن ربيعة وكعب بن زهير والأعشىالكبير، لأنه يقال: إنه توجه ليسلم فمنعه أبو جهل وخدعه وقال: إنه يُحرّم عليكم الأطيبين الزنا وشرب الخمر، وصدّه عن ذلك، فلولا أنه بهرهم فصاحته وإلا لم ينقادوا له.

قلنا: جميع ما شهد به الفصحاء من فصاحة القرآن فواقع موقعه، لأن مَن قال بالصرفة لا ينكر مزية القرآن على غيره بالفصاحة والبلاغة، وإنما يقول: هذه المزية ليست مما تخرقالعادة ويبلغ حدّ الإعجاز، فليس في طرب الفصحاء وشهادتهم بفصاحة القرآن وفرط براعته ما يوجب بطلان القول بالصرفة، وأما دخولهم في الإسلام فلأمر بهرهم وأعجزهم، وأي شيءأبلغ في ذلك من تعذر المعارضة متى راموها مع تسهل الكلام الفصيح عليهم إذا لم يعارضوا. فأما معارضة مسيلمة فمن أدلّ دليل على القول بالصرفة لأنه لو لم يكن صحيحاً لعارضالفصحاء كما عارض وأوردوا مثل ما أورده ... ))).

وبعد ذلك أخذ في الرد على سائر الوجوه التي قيل في وجه الإعجاز، قال: ((وأما مَن قال: إن القرآن نظمه وتأليفه مستحيلان كخلقالجواهر والألوان)) فقوله باطل لأن الحروف كلها من مقدورنا والكلام يتركب من الحروف التي يقدر عليها كل متكلم. فأما التأليف فإطلاقه مجاز في القرآن لأن حقيقته فيالأجسام، وإنما يراد في القرآن حدوث بعضه في أثر بعض، فإن أُريد ذلك فذلك إنما يتعذر لفقد العلم بالفصاحة وكيفية إيقاع الحروف، لا أن ذلك مستحيل، كما أن الشعر يتعذر علىالمفحم لعدم علمه بذلك، لا أنه مستحيل منه من حيث القدرة. ومتى أريد باستحالة ذل ما يرجع إلى فقد العلم فذلك خطأ في العبارة دون المعنى.

فأما مَن قال: جهة إعجاز القرآنالنظم دون الفصاحة، فقد بينا أن ذلك لا يقع فيه التفاضل، وفي ذلك كفاية، لأن السبق إلى ذلك لابد أن يقع فيه مشاركة بمجرى العادة.

وأما مَن جعل جهة إعجازه ما تضمنه منالإخبار عن الغيوب، فذلك لا يشك أنه معجز لكن ليس هو الذي قصد به التحدي وجعل العَلَم المعجز، لأن كثيراً من القرآن خال من الإخبار بالغيب، والتحدي وقع بسورة غير معينة ...

وأما مَن جعل وجه إعجازه انتفاء الاختلاف عنه فإنما يمكن أن يجعل ذلك من فضائل القرآن ومزاياه، وأما أن يجعل ذلك وجه الإعجاز فلا، لأن الناس يتفاوتون في انتفاءالاختلاف والتناقض عن كلامهم، فلا يمتنع أن ينتفي ذلك كله عن كلام المتيقظ المتحفظ، فمن أين أن ذلك خارق للعادة، وقوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيهاختلافاً كثيراً) النساء/ 82، فإنما يعلم به أنه لو كان من جهة غيره لوجد فيه اختلاف كثير بعد العلم بصحة القرآن وكونه صادراً من جهته، فأما قبل ذلك فلا.

وهكذا تعرضالقطب الراوندي لحديث الصرفة ـ على ما ذهب إليه المرتضى ـ واستوفى البحث فيه على أسلوبه الكلامي الجدلي.

قال ـ فيما ذكر من وجوه إعجاز القرآن ـ :

((فأول ما ذكر منتلك الوجه، ما اختاره المرتضى، وهو أن وجه الإعجاز في القرآن أن الله سبحاه صرف العرب عن معارضته، وسلبهم العلم بكيفية نظمه وفصاحته، وقد كانوا ـ لولا هذا الصرف ـ قادرينعلى المعارضة متمكنين منها)).

قال: استدل المرتضى (ره) على أنه تعالى صرفهم عن المعارضة، وأن العدول عنها كان لهذا، لا لأن فصاحة القرآن خرقت عادتهم ... بأن الفصل بينالشيئين إذا كثر لم تقف المعرفة بحالهما على ذوي القرائح الذكية دون من لم يساوهم، بل يغني ظهور أمريهما عن الروية بينهما، وهذا كما لا يحتاج إلى الفرق بين الخزّ والصوفإلى أحذق البزازين، وإنما يحتاج إلى التأمل، الشديد، المتقارب الذي يشكل مثله، ونحن نعلم أنا على مبلغ علمنا بالفصاحة، نفرق بين شعر امرئ القيس وشعر غيره من المحدثين،ولا نحتاج في هذا الفرق إلى الرجوع إلى مَن هو الغاية في علم الفصاحة، بل نستغني معه عن الفكرة، وليس بين الفاضل والمفضول من أشعار هؤلاء وكلام هؤلاء قدر ما بين الممكنوالمعجز، والمعتاد والخارج عن العادة ... وإذا استقر هذا، وكان الفرق بين سور المفصل وبين أفصح قصائد العرب غير ظاهر لنا ـ الظهور الذي ذكرناه ـ ولعله إن كان ثَمَّ فرق فهومما يقف عليه غيرنا، ولا يبلغه علمنا، فقد دلّ على أن القوم صرفوا عن المعارضة، وأخذوا على غير طريقها.

وقد عقد (القطب) باباً في الصرفة، وأخذ في تقريرها وردّالاعتراضات الواردة عليها. والظاهر أنه أخذها من كلام السيد في كتابه أو من تقرير بعض تلاميذه كالشيخ والحلبي وغيرهما ...

ومن ثم فإن ما يذكره هنا يعدّ من أجلّ معتمدالسيد في اختياره لمذهب الصرفة، فيجدر نقل كلامه بتمامه:

قال: وتقرير ذلك في الصرفة هو أنه لو كانت فصاحة القرآن فقط خارقة، لوجب أن يكون بينه وبين أفصح كلام العربالتفاوت الشديد الذي يكون بين الممكن والمعجز، وكان لا يشتبه فصل بينه وبين ما يضاف غليه من أفصح كلام العرب، كما لا يشتبه الحال بين كلامين فصيحين، وإن لم يكن بينهما مابين الممكن والمعجز. ألا ترى أن الفرق بين شعر الطبقة العليا من الشعراء، وبين شعر المحدثين يُدرك بأول نظر، ولا نحتاج ي معرفة ذلك الفصل إلى الرجوع إلى مَن تناهى فيالعلم والفصاحة، وقد علمنا أنه ليس بين هذين الشعرين ما بين المعتاد والخارق للعادة. فإذا ثبت ذلك، وكنّا لا نفرق بين بعض قصار السور وبين أفصح شعر العرب، ولا يظهر لناالتفاوت بين الكلامين، الظهور الذي قدمناه، فلِمَ حصل الفرق القليل، ولم يحصل الكثير؟! ولِمَ ارتفع اللبس مع التقارب ولم يرتفع مع التفاوت؟! ..

قال: والاعتراضات علىذلك كثيرة، منها:

قولم: أن الفرق بين أفصح كلام العرب وبين القرآن موقوف على متقدمي الفصحاء الذين تحدوا به.

والجواب: أن ذلك لو وقف عليهم مع التفاوت العظيم، لوقفما دونه أيضاً عليهم، وقد علمنا خلافه.

فأما مَن ينكر الفرق بين أشعار الجاهلية والمحدثين، فإن أشار بذلك إلى عوامّ الناس والأعاجم فلا ينكر ذلك، وإن أشار إلى الذينعرفوا الفصاحة، فإنه لا يخفى عليهم.

فإن قالوا: الصرف عماذا وقع؟

قلنا: الصرف وقع أن يأتوا بكلام يساوي أو يقارب القرآن في فصاحته، وطريقة نظمه، بأن سُلب كل مَنرام المعارضة التي يتأتى بها ذلك. فإن العلوم التي يتمكن بها من ذلك ضرورية من فعل الله تعالى بمجرى العادة، وعلى هذا لو عارضوه بشعر منظوم، لم يكونوا معارضين.

يدلّعليه أنه (ص) أطلق التحدي وأرسله، فوجب أن يكون إنما أطلق تعويلاً على ما تعارفوه في تحدي بعضهم بعضاً، فإنهم اعتادوا ذلك بالفصاحة وطريقة النظم، ولهذا لم يتحد الخطيبالشاعر، ولا الشاعر الخطيب، ولو شكوا في مراده لاستفهموه، فلما لم يستفهموه دلّ على أنهم فهموا غرضه، ولو لم يفهموه لعارضوه بالشعر الذي له فصاحة كثيرة من القرآن،واختصاص القرآن بنظم مخالف لسائر النظم يعلم ضرورة.

ثم عاد إلى الاستدلال، قائلاً: والذي يدل على أنه لولا الصرف لعارضوه، هو أنه إذا ثبت في فصيح كلامهم ما يقاربكثيراً من القرآن، والنظم لا يصح فيه التزايد والتفاضل، بدلالة أنه يشترك الشاعران في نظم واحد. لا يزيد أحدهما على صاحبه، وإن تباينت فصاحتهما.

وإذا لم يدخل النظمتفاضل، لم يبق إلا أن يقال: الفضل في السبق إليه، وذلك يقتضي أن يكون مَن سبق إلى ابتداء الشعر ووزن من أوزانه أتى بمعجز، وذلك باطل. ولا يتعذر نظم مخصوص بمجرى العادة علىمَن يتمكن من نظوم غيره، ولا يحتاج في ذلك إلى زيادة علم كما يقول في الفصاحة. فمن قدر على البسيط يقدر على الطويل وغيره، ولو كان على سبيل الاحتذاء، وإن خلا كلامه منفصاحة. فعلم بذلك أن النظم لا يقع فيه تفاضل.

ثم أورد الاعتراضات على ذلك من وجوه:

أحدها: أنهم قالوا: يخرج قولكم هذا القرآن من كونه معجزاً على ذلك، لأن على هذاالمذهب، المعجز هو الصرف، وذلك خلاف إجماع المسلمين.

الجواب: أن هذه مسألة خلاف، لا يجوز أن يدعى فيها الإجماع. على أن معنى قولنا ((معجز)) في العرب بخلاف ما في اللغة،والمراد به في العرف: ما له حظّ في الدلالة على صدق من ظهر على يده.

والقرآن بهذه الصفة عند مَن قال بالصرفة، فجاز أن يوصف بأنه معجز. وإنما ينكر العوام أن يقال: القرآنليس بمعجز، متى أريد به أنه غير دال على النبوة، وأن العباد يقدرون عليه. وأما أنه معجز بمعنى أنه خارق للعادة بنفسه، وبما يسند إليه، فموقوف على العلماء المبرزين.

على أنه يلزم من جعل جهة إعجاز القرآن الفصاحة، الشناعة، لأنهم يقولون: إن مَن قدر على الكلام من العرب والعجم يقدرون على مثل القرآن، وإنما ليست له علوم بمثل فصاحته.

الثاني: إذا كان الصرف هو المعجز، فلم لم يجعل القرآن من أركّ الكلام وأقلّه فصاحة، ليكون أبهر في باب الإعجاز؟!

الجواب: لو فعل ذلك لجاز، لكن المصلحة معتبرة في ذلك،فلا يمتنع أنها اقتضت أن يكون القرآن على ما هو عليه من الفصاحة، فلأجل ذلك لم ينقص منه شي.

ولا يلزم في باب المعجزات أن يفعل ما هو أبهر وأظهر، وإنما يفعل ما تقتضيهالمصلحة، بعد أن تكون دلالة الإعجاز قائمة فيه.

ثم يقال: هلاّ جعل القرآن أفصح مما هو عليه؟ فما قالوا فهو جوابنا عنه، وليس لأحد أن يقول: ليس وراء هذه الفصاحة زيادة،لأن الغايات التي ينتهي إليها الكلام الفصيح غير متناهية.

ثالثها: لو كان المعجز الصرف لما خفي ذلك على فصحاء العرب، لأنهم إذا كانوا يتأتى منهم فعل التحدي، ما تعذربعده وعند رَومِ المعارضة، فالحال في أنهم صرفوا عنها ظاهرة، فكيف لم ينقادوا؟

والجواب: لابدّ أن يعلموا تعذر ما كان متأتياً منهم، لكنهم يجوز أن ينسبوه إلىالاتفاقات، أو إلى السحر، أو العناد، ويجوز أن يدخل عليهم الشبهة.

على أنهم يلزمهم مثل ما ألزمونا، بأن يقال: إن العرب إذا علموا أن القرآن خرق العادة بفصاحته، فأيشبهة بقيت عليهم؟ ولِمَ لم ينقادوا؟ فجوابهم جوابنا.

رابعها: إذا لم يخرق القرآن العادة بفصاحته، فلِمَ شهد له بالفصاحة متقدمو العرب ... ؟

والجواب: جميع ما شهد بهالفصحاء من بلاغة القرآن فواقع موقعه، لأن مَن قال بالصرفة لا ينكر مزية القرآن على غيره بفصاحته، وإنما يقول: تلك المزية ليست مما يخرق العادة وتبلغ حد الإعجاز ... وأمادخولهم في الإسلام فلأمر بهرهم وأعجزهم وأي شيء أبلغ من الصرفة في ذلك؟!

إلى هنا يتحد كلام القطب مع كلام الشيخ في تأييد مذهب الصرفة، ويتعرض القطب لسائر الوجوه التيقيل بها في باب الإعجاز، وأخذ يناقشها .. وأخيراً يعرج إلى القول بالصرفة ثانياً ويأخذ في تأييده بما ليس في كلام الشيخ.

قال: ثم لنذكر وجهاً آخر للصرفة، وهو أن الأمرلو كان بخلافه، وكان تعذر المعارضة المبتغاة والعدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة، وتجاوزه له في الجزالة، لوجب أن يقع منهم معارضة على كل حال، لأنالعرب الذين خوطبوا بالتحدي والتقريع، ووجهوا بالتعنيف والتبكيت، كانوا إذا أضافوا فصاحة القرآن إلى فصاحتهم، وقاسوا بكلامهم كلامه، علموا أن المزية بينهما إنما تظهرلهم دون غيرهم ممن نقص عن طبقتهم ونزل عن درجتهم دون الناس جميعاً ممن لا يعرف الفصاحة ولا يأنس بالعربية، وكان ما عليه دون المعرفة لفصيح الكلام من أهل زماننا ممن خفيالفرق عليهم بين مواضع من القرآن وبين فقرات العرب البديعة كَلِمَهم الغريبة، فأيّ شيء أقعد بهم عن أن يعتمدوا إلى بعض أشعارهم الفصيحة، وألفاظهم المنثورة، فيقابلوه،ويدعوا أنه مماثل لفصاحته أو أزيد عليها، لا سيما وأكثر مَن يذهب إلى هذه الطريقة يدعي أن التحدي وقع بالفصاحة دون النظم وغيره من المعاني المدعاة في هذا الموضع.

قال:فسواء حصلت المعارضة بمنظوم الكلام أو بمنثوره، فمن هذا الذي كان يكون الحَكَم في هذه الدعوى، وجماعة الفصحاء أو جمهورهم كانوا حرب رسول الله (ص) ومن أهل الخلاف عليه، لاسيما في بدو الأمر وقبل أوان استقرار الحجة وظهور الدعوة؟

ولا نعمد إلا على أن هذه الدعوى لو حصلت، لردها بالتكذيب مَن كان في حرب النبي (ص) من الفصحاء، لكن كان اللبسيحصل والشبهة تقع لكل مَن ليس من أهل المعرفة. وكان لطوائف الناس من الفرس والروم والترك ومَن ماثلهم ممن لا حظّ لهم في العربية ما يتأكد الشبهة وتعظم المحنة ويخفى وجهالحق، عند تعارض الأقوال وتقابل الدعوى في وقوع المعارضة موقعها، لأن الناظر إذا رأى جلّ أصحاب الفصاحة يدعي وقوع المعارضة، وقوماً ينكرونها، كان أحسن حاله أن يشك فيالقولين، فأي شيء يبقى من المعجز بعد هذا، والإعجاز لا يتم إلا بالقطع على تعذر المعارضة، والتعذر لا يحصل إلا بعد العلم بأن المعارضة لم تقع، مع توفر الدواعي وقوةالأسباب!

قال: وليس يحجز العرب عما ذكرناه ورع ولا حياء، لأنا وجدناهم لم يرعوا عن السبّ والهجاء ولم يستحيوا من القذف والافتراء، وليس في ذلك ما يكون حجة ولا شبهة، بلهو كاشف عن شدة عداوتهم، وأن الحيرة قد بلغت بهم إلى استحسان القبيح الذي يكون نفوسهم تأباه، وأحرجهم ضيق الخناق إلى أن أحضر أحدهم أخبار رستم واسفنديار، وجعل يقصّ بهاويوهم الناس أنه قد عارض، وأن المطلوب بالتحدي هو القصص والأخبار، وليس يبلغ الأمر بهم إلى هذا، وهم متمكنون مما ترفع الشبهة، فعدلوا عنه مختارين.

وليس يمكن لأحد أنيدعي أن ذلك مما لم يهتد إليه العرب، وأنه لو اتفق خطوره ببالهم لفعلوه، غير أنه لم يتفق. لأنهم كانوا من الفطنة والكياسة على ما لا يخفى عليهم معه أنفذ الأمرين مع صدقالحاجة وفوتها، والحاجة تفتق الجبل!

هب أنهم لم يتفطنوا ذلك بالبديهة، كيف لم يقعوا عليه مع التفكر، لأن العرب إن لم يكونوا نظارين، فلم يكونوا في غفلة مخامرة فيالعقول، ولا يجوز أن يذهب العرب جلهم عما لا يذهب عنه العامة، وقد كانوا يستعملن في حروبهم من الإرتجاز ما لو جعلوا مكانه معارضة القرآن كان أنفع لهم .. انتهى، مع شيء منالتلخيص.

*المصدر : التمهيد في علوم القران

/ 1