علوم الطبيعه فى نهج البلاغه

ما جستير فى الفيزياء مدير اعمال فى كليه العلوم بجامعه دمشق

اكرم بالامام على عليه السلام علما من اعلام الامه، و بطلا من ابطال جهادها، و خليفه من خيره راشديها. فلقد كان "ع" للمسلمين اماما يهتدون به، و قدوه يسيرون على نهجه، و نبراسا يستضيئون بنور علمه.

اما بالنسبه لنا، فهو ليس فقط اماما نقتدى به، و قدوه نقتفى اثره، و نبراسا نستنير بفكره، و انما هو ذوب، ينساب فى دمائنا، و مصباح يتاجج فى قلوبنا... يمنحنا النور و الايمان من داخلنا... من داخل عقولنا و ذواتنا، و من عميق قلوبنا و نفوسنا. فهو جزء لا يتجزا من كياننا و احاسيسنا.

و يكفى هذا الامام العظيم شرفا و رفعه، انه كان "ربيب الرسول"، فهو الانسان الوحيد الذى نشا فى اكناف النبوه، و تربى فى احضان الرساله، يغذوه النبى "ص" بافكاره و ينفحه بمبادئه، مثلما يغذوه الطعام و يرشفه الماء و الشراب.

و رغم قوه شخصيه النبى "ص"، و امتداد فتره ملازمه الامام له، الا ان الامام "ع" لم يكن صوره منطبقه عنه، و لا كان امتدادا تبعيا لشخصيته، بل كان الامام "ع" نسيج وحده، و شخصيه قائمه بذاته.

فنحن حين نقرا نماذج من كلام النبى "ص" فى موضوع ما، ثم نقرا نماذج من كلام على "ع"، نجد ان عليا "ع" بعد ان استوعب ما استمده من النبى "ص" قد زاد على ذلك الكثير من ذاته و فكره، مما يميط اللثام عن قوه ذاتيته، و تفرد شخصيته، و ان الله سبحانه قد اختصه بالكثير من العلوم. و ذلك مصداق قول النبى "ص": اوتيت جوامع الكلم، و اوتى على جوامع العلم .

و رغم ان الامام على "ع" هو ادنى سويه من النبى "ص"، لانه قبس من

لالائه، و نفحه من جلاله و كماله، الا اننا نراه يذيع علينا من موفور علمه و عميق فهمه، ما لم يلقه علينا النبى "ص" من قبله.. فكان الامام على "ع" بالنسبه لعلم النبى "ص" كالنبع الذى يستمد مادته من مخزون النبى "ص" ثم يفيض به ماء فراتا لذه للشاربين... او انه بالنسبه لنور النبى "ص" كزجاجه المصباح التى استمدت نور المصابح و خزنته ثم اصدرته اشعه و ضاءه للعالمين. و ليس ثمه تصوير اصدق لذلك من قوله تعالى فى آيه النور: الله نور السموات و الارض، مثل نوره كمشكاه فيها مصباح، المصباح فى زجاجه، الزجاجه كانها كوكب درى.

[
سوره النور- 36.]

فالمشكاه هى نفس النبى "ص" التى ملكت القابليه التامه لاحتواء النور الالهى، الذى اشرق فيها بصوره مصباح يشع بالنور. "المصباح فى زجاجه": اى ان هذا النور الذى حواه النبى "ص" قد اودعه فى على فاستقر فى الزجاجه الحافظه. "الزجاجه كانها كوكب درى": ثم فاض النور من تلك الزجاجه الوضاءه على الناس، فكان الامام "ع" كالكوكب الدرى الذى يشع نوره على العالمين.

و فى تشبيه آخر للنبى "ص" قال: انا مدينه العلم و على بابها، فمن اراد المدينه فليات الباب .

[
فتح الملك العلى بصحه حديث باب مدينه العلم العلى، تاليف: الامام المحدث احمد بن محمد الصديق المغربى.]

فهذا تمثيل رائع لمكانه الامام على "ع" فى العلم، و انه بلغ قصب السبق فى كافه العلوم الدينيه و غير الدينيه.

و ليس بغريب بعد هذا ان يتصدى الامام على "ع" الى القول:

سلونى قبل ان تفقدونى، فانى بطرق السماء اعلم منى بطرق الارض.. .

[
نهج البلاغه- الخطبه- 231.]

يالها من كلمات موجزه، ولكنها تضم من الحقيقه جوهرا ساميا و مخزونا طاميا. فهى تبين عدا عن سعه علوم الامام "ع"، ان علومه هذه ليست هى علوم دينيه و اجتماعيه فحسب، يقدر ماهى علوم طبيعيه و كونيه، تمتد لتشمل عوالم الطبيعه و

معارج السماء. فكل ذلك من معجزات الله تعالى التى دعا الدين الى معرفتها و كشف اسرارها:

قل انظروا ماذا فى السموات و الارض

[
سوره يونس- 101.]

سنريهم آياتنا فى الافاق و فى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق

[
سوره فصلت- 54.]

من هنا ابدا حديثى فى نهج البلاغه، ذلك الكتاب الذى لم يزده تقادم الايام الاجده و رفعه... من علوم الطبيعه و الكون.

و سوف نرى من عرضنا لبعض نماذج من نهج البلاغه فى العلوم الطبيعيه، جانبا من محيط هذا الامام العظيم، و ناحيه من مراقى هذا الطود الشامخ. و نقصد بالعلوم الطبيعيه كل العلوم التى تدرس الطبيعه و الكون كعلم الفلك و الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الجيولوجيا...

علم التوحيد يشتمل على كل العلوم

جانب كبير مما تناوله الامام على "ع" فى خطبه و توجيهاته هو العلم الالهى ، و هو ما نعبر عنه بعلم التوحيد ، الذى عرض فيه الكثير من آلاء الله، و بين المزيد من اوجه قدرته... بدءا من خلق الانسان و الملائكه و الحيوان، الى خلق السموات و النجوم و الكواكب و الشمس و القمر، الى خلق الارض و الجبال و السحب و الامطار.

ثم لم يغفل عن بيان نهايه العالم بعد انتهاء وظيفته المقرره له، و معا يعتريه عندها من تغير و اضمحلال ينتهى به الى الفناء... كل ذلك باسلوب عبقرى من البلاغه النادره و الفصاحه الفريده.

و فى هذا الحقل العقائدى سنقتصر على استجلاء المعالم العلميه المتعلقه بعلم الفلك و علم الجيولوجيا.

علم الفلك

يختص علم الفلك بدراسته النجوم و الكواكب و الاجرام انطلاقا من الروابط القائمه فيما بينها، و هو ما نعبر عنه "بالتجاذب الكونى". يصور لنا الامام على "ع" هذه العلاقه مع آيات اخرى من قدره الله فى دعاء الصباح فيقول:

يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه "دلع: اى اخرج".

و سرح قطع الليل و المظلم بغياهب تلجلجه.

و اتقن صنع الفلك الدوار فى مقادير تبرجه.

فالامام "ع" يقرر ان كل ما فى السماء من كواكب و اجرام تدور وفق نظام

الافلاك و الابراج، فهى تلتزم مداراتها ضمن ابراجها، وفق ما قدر لها من تقدير محكم و نظام دقيق. و لو اختل هذا النظام لحظه من الزمن لتهاوت النجوم على بعضها، و لتساقطت من افلاكها، و لاصابها الدمار و الاندثار. فسبحان من اقامها موطدات بلاعمد، و رفعها قائمات بلاسند.

و اليك بعض المعلومات الاساسيه حول تركيب الكون

تنتشر النجوم فى فضاء الكون بشكل جزر كبيره تدعى "المجرات" تضم كل مجره الملايين من النجوم المتوزعه بشكل افراد و مجموعات، تدور كلها حول محور وهمى مشترك هو محور المجره.

و بعد التحريات المكثفه استطاع العلماء ان يتنبووا عن وجود عدد من المجرات من رتبه 2 ضربدر 10 "به توان 9" مجره. و كل مجره منها تضم عددا من النجوم من رتبه 10 "به توان 11" نجما. و تفصل بين هذه المجرات ابعاد شاسعه، فالبعد الوسطى بين مجره و مجره من رتبه الف سنه ضوئيه "السنه الضوئيه هى المسافه التى يقطعها الضوء فى الفضاء فى سنه كامله، و هى تعادل تقريبا 10 "به توان 13 كيلومترا". و هذا البعد الوسطى يساوى تقريبا عشر امثال قطر المجره.

و تنتمى مجموعتنا الشمسيه الى مجره درب التبان . و اقرب مجره من مجرتنا هى مجره السحابه الماجلانيه الصغرى و تبعد عنا 145 الف سنه ضوئيه.

و تاخذ مجرتنا شكل قرص بيضوى رقيق نسبيا "انظر الشكل" قطره الاكبر يعادل 100,000 سنه ضوئيه، و قطره الاصغر يعادل 30,000 سنه ضوئيه.

و لهذا القرص سمك يبلغ فى المركز 15,000 سنه ضوئيه، ثم يتناقص كلما اتجهنا نحو اطراف المجره حيث تقع شمسنا و كواكبها. و تقع مجموعتنا الشمسيه على بعد 30,000 سنه ضوئيه من مركز المجره، و تدور حول محور المجره دوره واحده كل 225 مليون سنه ضوئيه بسرعه 260 كم/ ثا.

و لا تتوزع النجوم بانتظام داخل المجره، بل تزدحم فى بعض ارجائها على شكل سحاب يضى ء ضوءا خافتا يعرف باسم درب التبان . و تحوى مجرتنا على نجوم مضيئه، و على مجموعات مثل مجموعتنا الشمسيه، يتوقع العلماء ان يصل عددها الى 1500 مليون شمس، و لاغلبيه هذه الشموس كواكب تدور حولها. و قد يكون لبعض هذه الكواكب ظروف مشابهه لظروف ارضننا، مما يجعل احتمال وجود حياه بشريه او غير بشريه فيها ممكنا.

و رغم ان نجوم المجره لا تسير بنفس السرعه الزاويه، الا انه رغم عددها الهائل لا يصطدم منها نجم باخر. و لهذا الاعجاز الذى يفوق التصور اقسم الله سبحانه بالنجوم و بمواقعها فى السماء بقوله: فلا، اقسم بمواقع النجوم، و انه

لقسم لو تعلمون عظيم.

[
سوره الواقعه- 56.]

و تبعد النجوم التى يراها الناظر من الكره الارضيه عن ابعادا متفاوته جدا، فاقرب نجم من المجموعه الشمسيه هو "الفا سنتاورى" و يبعد عن الشمس حوالى 3 و 4 سنه ضوئيه. بينما ابعد جرم عند اطراف الكون امكن رصده باضخم تلسكوب يبعد 2 ضربدر 10 "به توان 9" سنه ضوئيه، و بعض هذه النجوم قد اندثر من مكانه ولكن نوره لا يزال يرد نحو الارض.

و ان الناظر من الارض باتجاه درب التبان يرى كثافه كبيره من النجوم هى نجوم مجرتنا، بينما اذا نظرنا فى الاتجاه المقابل من السماء فاننا ننظر الى خارج المجره و نرى بذلك عددا قليلا من النجوم، اغلبها من نجوم المجرات الاخرى.

و فى تصورى ان كل المجرات و النجوم التى تكلمنا عنها هى ضمن السماء الاولى التى قال عنها سبحانه "و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح .

[
سوره الملك- 5.]

نظريه تمدد الكون

لقد اثبت العلم الحديث ان كل ما فى الكون من نجوم و مجرات تتباعد عن بعضها باستمرار بسرعه فائقه، و يزداد بذلك حجم الكون او يتمدد. و تختلف سرعه التمدد هذه من مجره الى اخرى، و كلما تباعدت المجرات عن بعضها زادت سرعتها. فقد شوهد مثلا ان المجرات القريبه من مجرتنا تتباعد بسرعه تقدر بحوالى بضعه ملايين من الكيلومترات فى الساعه، فى حين تتباعد المجرات التى على مسافات اكبر بسرعات تزيد على 200 مليون كيلومتر فى الساعه.

و تصل سرعه تباعد المجرات الواقعه على اضعاف هذه المسافات من مجرتنا الى سرعه الضوء نفسه. و تمثل هذه المجرات حدود الكون المرئى . اما فيما وراء تلك الحدود من المسافات، فان سرعه تباعد المجرات عنا تزيد على سرعه الضوء، و بذلك فان الاضواء المنبعثه منها لا يمكن لها ان تصل الى الارض بحال من الاحوال، لان سرعه تمدد المجره و هى تبتعد عنا اكبر من سرعه ضوئها المتجه نحونا. و عليه فلا يمكننا ان نرى تلك المجرات او نعرف شيئا عنها، فنقول انها واقعه فى الكون غير المرئى .

ان مساله اتساع الكون هى اعظم نتيجه تمخضت عنها نظريه النسبيه المشهوره، و ليس هذا بالخيال. فقد حقق ايضا بالمشاهده و الرصد، و لم يعد الى الجدال فيه من سبيل، مصداقا لقول الله تعالى و السماء بنيناها بايد و انا لموسعون

[
سوره الذاريات- 51.]

فهذه الايه تنص على ان الله يوسع الكون باستمرار بدون توقف، و ان بناء السماء و تسييرها يحتاج الى قوى هائله هى قوه الله تعالى وحده.

الابراج

اما عن الابراج، فنحن نعلم ان الارض تدور حول محور مائل يمر من مركزها. فاذا مررنا من مركز الارض مستويا عموديا على محورها نحصل على المستوى الاستوائى، الذى يحدد على سطح الارض خط الاستواء المعروف. و لهذا المستوى الاستوائى شان كبير. فاذا مددنا هذا المستوى الى ارجاء الكون، وجدنا انه يقع فى هذا المستوى مجموعات كبيره من النجوم التابعه لمجرتنا، فاذا نظرنا من الارض وفق هذا المستوى نجد عده تجمعات للنجوم عددها 12 نسميها