حوارات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حوارات - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



لقاء و حوار مع سماحة آية الله الهاشمي الرفسنجاني


(1) : سماحة آية الله الهاشمي! نشكركم في بدء هذا اللقاء على ما
خصصتموه لنا من وقتكم وكما تعلمون أنّ مؤتمر الحجّ العظيم يُقام في كلّ عام
على أبهى صورة بحضور حشد غفير من مسلمي العالم. نرجو أن تبيّنوا لنا كم مرّة
تشرّفتم إلى حجّ بيت الله الحرام، ومتى كان أوّل سفر لكم إلى تلك
الديار؟

الشيخ الهاشمي:
تشرّفت بحجّ بيت الله الحرام أربع مرّات حتّى الآن; مرّتان قبل الثورة،
ومرّتان بعد انتصار الثورة. كنت في السفر الأوّل شابّاً صغيراً حينما عزم
والدي ووالدتي على الذهاب إلى مكّة. وبما أنني كنت أدرس العلوم الدينية وأعرف
شيئاً من اللغة العربية، وكان بإمكاني أن أكون لهما عوناً، فقد اصطحباني
معهما. وكان ذلك الحجّ نيابة عن شخص متوفّى من أقاربنا. وصادف سفرنا حينذاك
في فصل الصيف وكان الجوّ حارّاً، والمستلزمات الضرورية لدى القوافل قليلة
جدّاً. وكان السفر يتّصف بالمشقّة الشديدة; إذ لم يكن هناك ماء وطعام بالقدر
الكافي، ولم يكن النقل يجري على النحو المطلوب. وخلاصة القول هي أنّ
شؤون الحجّ كانت تدار إدارة ضعيفة. وكان المطوّفون يؤذون الحجّاج
كثيراً.

وفي المرّة الثانية ذهبت أيضاً
على نحو مشابه لتلك الصورة، غير أنّ سفري في هذه المرّة كان برفقة بعض طلبة
العلوم الدينية المتوائمين فكرياً، فكُنا أكثر ارتياحاً من هذا الجانب. بيد
أنّ الوضع لم يختلف عمّا كان عليه في السابق.

وعلى العموم فإنّ السفر إلى مكّة
لم يكن قبل الثورة أمراً سهلاً.

(2) : كم كان عمركم في الحجّ الأوّل؟

الشيخ الهاشمي:
أظنّ أنّ ذلك كان في عام 1952 أو عام 1953 وكان سنّي فيه أقلّ من عشرين
سنة.

(3) : ما هو شعوركم في أوّل مرّة وقد وقع فيها بصركم على بيت
الله الحرام؟

الشيخ
الهاشمي:
لقد انتابني شعور غامر; فالإنسان في سنّ الشباب يتّصف عادةً بالشوق
والاندفاع، وكنت طوال سفري أُفكِّر في كل لحظة وأتمنّى أن أرى الحرم والكعبة،
وبعد رجوعي إلى إيران كنت كلّما أتوجّه نحو القبلة للصلاة أشعر وكأنني داخل
الحرم، وبقي هذا الشعور يساورني على نحو قوي. كان الحجّ في تلك الأيّام من
الأماني التي قلّما تُنال.

وبعد انتصار الثورة ذهبت مرّة
واحدة لأداء الحج الواجب، وكان آخر سفر لي في العام الماضي لأداء
العمرة.

(4) : بما أنّكم تشرّفتم بزيارة مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة
قبل وبعد الانتصار الباهر للثورة
الإسلامية، ما هي التغييرات التي شاهدتموها في إقامة شعائر
الحج؟

الشيخ الهاشمي:
في تلك الأيام أيضاً كان الحجّاج يتّصفون بحالات روحية ومعنوية طيبة، فهذه
المشاعر لا تختص بحالة الحجّاج في الوقت الحاضر. غير أن هذا السفر كان له
انعكاسات أكثر في بناء الذات وتهذيب النفس بسبب المصاعب التي كانت تتخلّله.
كُنّا في تلك المرحلة نعيش في أجواء التقية، وكُنّا على استعداد لتحمّل أيّ
لون من ألوان الرياضة الروحية.

كانت العربية السعودية تعاني
حينذاك من أزمة شديدة في المياه ، وكُنّا مضطرين لشراء الماء حتّى
لأغراض الغسل!

كانت القوافل تعاني صعوبة في
توفير الطعام; إذ كان توفير الطعام في تلك الأجواء الحارة موكولا إلى الحجّاج
أنفسهم، أمّا في الوقت الحاضر فقد أُخذ بنظر الاعتبار توفير مستلزمات رفاهية
خاصّة للزوّار. ويوجد في كل قافلة شخص أو عدّة أشخاص كمرشدين روحيين ينهضون
بمهمّة تعليم وإرشاد الحجّاج، وتوجد هناك أيضاً برامج ثقافية وإعلامية من
قبيل توزيع النشرات باللغة الفارسية للحجّاج الايرانيين.

وبعبارة أخرى: أن وضع الحج حالياً
لا يمكن مقارنته بما كان عليه قبل الثورة. في تلك الأيّام كان أكثر الحجّاج
يتوجّهون إلى الحج وهم يحملون مشاعر الغربة، حتّى كان يُتخيَّل بأن التقشّف
والرياضة الروحية كانت جزءاً من مناسك الحجّ!

أمّا من حيث العلاقات الاجتماعية
والدينية والسياسية فلم تكن الحالة المطلوبة هي الحالة السائدة في حج ما قبل
الثورة. لكن الحج اتخذ طابعاً سياسياً في مقطع تاريخي تزامن مع جهاد الشعب
الجزائري مثلاً. كان الجزائريون والفلسطينيون ناشطين في الحج ، وكانوا
يجمعون التبرّعات للمجاهدين ويوزّعون البيانات في
الحرم، وكُنّا نشاهد الجزائريين والفلسطينيين يلقون الخطابات الثورية هنا
وهناك، وكان الكلام الذي نسمعه هناك بمثابة شيء جديد متحف لنا. وكُنت أرى في
ذلك الحين أنّ الحج مقرون بالسياسة. وكان يترآى لي أنّ المملكة العربية
السعودية لا تمانع من قيام مجاهدي البلدان الاُخرى بنشاط إعلامي سياسي على
أراضيها. لقد اتّخذت تلك الشعائر السياسية في الوقت الحاضر طابعاً أكثر رسمية
وصارت تُعقد على شكل «مراسم البراءة» وما شاكلها.

كان يحصل أحياناً أننا نتباحث مع
علماء السنّة، وكانت أكثر النقاشات وتبادل الآراء يدور حول محور المسائل
الكلامية وكذلك المسائل السياسية في إطار جهاد الشعبين الفلسطيني والجزائري،
على اعتبار أنّهما كانتا تمثّلان القضيّتين الأساسيّتين في العالم الإسلامي
آنذاك.

والحقيقة هي أنني لم يكن لدي في
السفرين الأوّلَيْن استعداد كاف في مجال المباحث السياسية
والحكومية.

(5) : سماحة الشيخ الهاشمي! بما أن عام 1378هـ . ش
[وفقاً للتقويم الهجري الشمسي
المتخذ في إيران كتقويم رسمي للبلاد] قد أُعلن من قبل قائد الثورة باسم عام الإمام الخميني (قدّس
سرّه)، يرجى من سماحتكم أن تسلّطوا الأضواء على الرؤى العامّة لسماحة الإمام
الخميني ونظرته إلى مختلف أبعاد الحجّ.

الشيخ الهاشمي:
للإمام الخميني أقوال معروفة بشأن الحج. وقد وصف الحج بـ «المؤتمر
العبادي ـ السياسي» . هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بما أنَّ سماحته كان يحمل
نزعة تعبّدية ويميل إلى العرفان والسلوك، فهو كان يعير أهمّية كبيرة للأبعاد
المعنوية لهذه الفريضة، ولا ينبغي أن يتوهّم أحد بأنّه كان يعطي الغلبة للمسائل السياسية
في الحج. وأنا إنّما أطرح هذا الادّعاء بناءً على ما كنت أستوحيه من كلامه
قبل الثورة. فأنا أتذكّر بأننا حينما كُنّا نتحدّث عن الحج في مجالسه آنذاك،
ما كان يرضى لنا بأن نعطي الحج نشاطاً سياسياً واسعاً بحيث يطغى على المسائل
العبادية.

ولا زال يحضرني أنّ سماحته كان
يؤكّد على هذا الحديث، وهو أن الحاج يصبح بعد الطواف وكأنّه قد وُلِد من
جديد. إذاً أقلّ ما ينبغي استحصاله من الحج هو أن يتطهّر الحاج ممّا لحق به
من دنس في الماضي، وعند العودة إلى وطنه يبدأ حياته من جديد بتلك الطهارة
التي ولدته عليها أُمُّه.

أمّا بالنسبة إلى الأُفق السياسي
في الحج فينبغي القول: إنّ الإمام الخميني قد أحيا هذا الجانب الذي كان
متروكاً. وممّا يسترعي الانتباه هو أن هذا البُعد قد دخل في فلسفة الحج كحكم
ديني وليس بالضرورة كنظرية سياسية. والحج الحقيقي كان مقروناً بالسياسة منذ
بدايته، غير أن هذا الجانب قد أُهمل منذ مدّة مديدة، وبقي البُعد السياسي
للحج يجري على نحو غير رسمي ، ويقتصر مجاله على عدد محدود من القوى
الثورية والجماعات المجاهدة. بيد أن هذا النوع من النظرة إلى الحج لم تكن
شائعة بين عموم الناس. ولم يكن اتخاذ الحج كأرضية للعمل السياسي أمراً
مقبولاً لدى الحكومات. وما كانت الحكومات ترجو من الحجاج الذين تبعثهم لزيارة
بيت الله سوى الاكتفاء بالمسائل العبادية للحج.

وأنا أظنّ أن هذا التغيير الذي
حصل في نظرة الحكومات إلى فلسفة الحج كان من ابتكار الإمام الخميني، ولكن كان
له وجود سابق لدى الأحزاب والتيارات والحركات السياسية التي كانت تستفيد من
الحج لأهدافها بسبب ما فيه من حشد جماهيري غفير.

ولمّا كان الإمام الخميني إلى
جانب قيادته، مرجعاً للتقليد، فقد نفذ كلامه ـ ولحسن الحظ ـ
في أعماق قلوب أبناء شعبنا والكثير من أبناء الشعوب الأخرى، وأدّى إلى أن
تصطبغ شعائر الحج بصبغة جديدة وذات طابع رسمي. ولكن من المؤسف أن هذا المكسب
العظيم تلوّث بمسائل مثيرة للاختلاف والنزاع والتخاصم وغيرها من المشاكل
والحوادث الأخرى التي خلقت معوّقات في طريق تكامله.

وأعتقد لو أننا أرسينا أسس حركة
البراءة هذه وفقاً لرؤية واقعية وبالتنسيق مع الحكومة السعودية وبعض الدول
المؤثِّرة بحيث يحظى طرح المسائل السياسية للعالم الإسلامي وللقضايا
الإسلامية الدولية في الحج بقبول رسمي ولا يجابه معارضة من بقية الدول
الإسلامية، فسيكون لها تأثير بنّاء إلى حدٍّ بعيد.

(6) : لا شكّ في أن مؤتمر الحج يشكّل أهم تجمّع إسلامي، وتشارك
في هذا الملتقى الإسلامي الواسع تيّارات شتّى من تيارات الثقافة الإسلامية
وشخصيات يحملون رؤى مختلفة. فما هي في رأي سماحتكم الفوائد المهمّة التي يمكن
جنيها من شعائر الحج، خاصة في المجال الثقافي؟

الشيخ الهاشمي:
إنني اعتبر المعطيات السياسية لهذا السفر الديني مهمّة إضافة إلى ما فيه من
فوائد ثقافية. وعلى كل حال فإنّ المناخ الذي يوفّره حضور الحجّاج هناك يختلف
عن الأجواء الفكرية والثقافية الاُخرى; فالشخص الذي يتوجّه إلى بيت الله
الحرام لأداء مناسك الحج ينطلق من داره إلى هناك بنوع من الاستعداد والتأهّب
لاستلهام الحقائق الثقافية والمسائل العرفانية والحياة المعنوية التي سيلقاها
هناك. والجو الثقافي الذي يعيشه الحجّاج هناك يختلف عن الأجواء الثقافية
الموجودة في ملتقيات أخرى كالملتقيات الشعرية، أو المسابقات الرياضية أو
المؤتمرات السياسية والاقتصادية وما شاكل ذلك. فالحج
يسوده مناخ خاص، والمستمعون فيه مستمعون أجلاّء. ولو أنّ البعض هناك يقلّلون
من حدّة العصبيات القومية والمذهبية ويتحلّون بدل ذلك بروح متحرّرة; لأصبح
ذلك المكان موضعاً للبحث الجاد في سبيل اختيار الأفضل، ولتسنّى لبلدان العالم
الإسلامي أن ترسل إلى هناك مفكِّرين يحملون رؤًى فكرية متباينة، لكي يطرحوا
هناك الشؤون الثقافية والاجتماعية لبلدانهم في أجواء ودية وحرّة وبعيداً عن
التعصّب والمطبّات التي تعترض سبيل التفكير، امتثالاً لأمر {وجادلهم بالتي هي أحسن} واتخاذ الخطوات الجادّة لبلوغ وضع أفضل من خلال الحوارات البنّاءة
المشفوعة بالتدبير السليم.

تعلمون أنّ العالم الإسلامي يعيش
مشاكل كثيرة، ابتداءً من اندونيسيا وجزيرة تيمور، وإلى المغرب، والصحراء
الغربية، والجزائر، وايران، والعراق، وأفغانستان، وتركيا، وافريقيا، وأكثر
بلدان آسيا الوسطى والقوقاز، بل لا يوجد لدينا أساساً مكان خال من
المشاكل.

وحتّى في البلدان الغربية كأمريكا
واُوربا حيث يعيش المسلمون كأقلّية، يلاحظ أن المسلمين يواجهون هناك مشاكل من
نوع خاص. وحينما تؤخذ بنظر الاعتبار فرصة فريدة من نوعها اسمها الحج ـ وهي
فرصة تُتاح سنوياً بشكل تلقائي وبدون حاجة للدعاية والإعلان، وإذا أخذنا بنظر
الاعتبار العمرة أيضاً تكون القضية أشدّ حساسية ـ فمعنى ذلك أننا نستطيع أن
نقيم على الدوام تجمّعاً عالمياً ضخماً يتجدّد حُضّارُه باستمرار، بيد أن
موضوعاته يمكن تكرارها، ثمّ تدوّن نتيجة المناقشات وتطبع سنوياً ككتاب يوزّع
في كلّ مكان. ويجب أن تتولّى العربية السعودية هذا العمل بصفتها الدولة
المتولّية للحج.

من حسن الحظّ أن علاقاتنا حالياً
مع المملكة العربية السعودية تسير نحو التحسّن، والوقت مؤات حالياً
لنطرح أفكارنا عليهم، ونتوصّل إلى تنسيق في هذا المجال. ويجب أن تشارك مصر
أيضاً في القرارات التي تتخذ بصفتها بلداً فيه جامعة دينية ومفكّرون كثيرون.
ولابدّ من أن تكون هناك نواة ثابتة تُؤخذ بنظر الاعتبار عند بحث المسائل
وإعلان نتائجها النهائية. ولو تحقّقت هذه الغاية لاتخذت حصيلة العمل طابعاً
مركزياً يتّسم باستعداد نفسي فريد لا نظير له في أيّ مكان من العالم ولا حتى
في منظمة الأمم المتّحدة.

تعلمون أنّ الاُمم المتّحدة يوجد
فيها مندوبون رسميون من جميع البلدان ولهم مهام معيّنة. في حين أن مركز مؤتمر
الحجّ يعقد إلى جوار منطقة مقدّسة سواء في المدينة أم في مكّة وهو غني بخصائص
وطاقات هائلة وفّرها الباري تعالى للعالم الإسلامي. فلو أننا تحرّكنا قليلاً
وتمكّنا من استغلال تلك الطاقات، واستفدنا من تلك البقعة بما يتناسب
ومتطلّبات العصر، لوجد كلام الإمام الخميني الذي اعتبر فيه الحج مؤتمراً
مهمّاً ودائماً طريقه إلى حيّز التطبيق.

(7) : أنتم على بيّنة من أن لأعمال ومناسك الحج أسراراً ورموزاً
كثيرة، نذكر على سبيل المثال أن شعائر الطواف أو السعي بين الصفا والمروة أو
الوقوف بعرفات لها معان يستشعرها المرء بكلّ جلاء، وبما أنّ سماحتكم على
معرفة بمختلف الأديان وشتّى الأفكار، نرجو أن تبيّنوا لنا الأسرار والرموز
التي تستوحونها من شعائر الحج، وما هي الدروس التي نستقيها
منها؟

الشيخ الهاشمي:
سأجعل سفري الأوّل للحج أساساً للإجابة عن سؤالكم هذا، ومع أنَّ ذلك السفر
مضت عليه مدّة طويلة، بيد أن حلاوته لا زالت عالقة في ذهني. فالحاج يعتريه شعور جديد
منذ اللحظة التي يتحرّك فيها من داره بقصد زيارة بيت الله. وعندما يكون في
الطريق ينهمك بقراءة أذكار معيّنة. وعندما يركب الطائرة ويلبّي يعلن التزامه
بعهده مع الله طوال الطريق وعلى جميع الأحوال، ويقطع عهداً على نفسه بأن يكون
عبداً مخلصاً لله. وتبقى هذه الحالة مهيمنة على الإنسان منذ البداية وإلى حين
انتهاء مناسك الحج، وتقترن بحالات من الشدّة والضعف.

وأنا شخصياً شعرتُ منذ لحظة
ارتدائي لثياب الإحرام بأنني دخلت عالماً جديداً مختلفاً عمّا سَبَقه. فخلع
الثياب السابقة، والاكتفاء ـ بعد الاغتسال ـ بستر البدن بثوبي الإحرام يخلق
لدينا شعوراً بالانقطاع عن جميع الوشائج غير الإلهية، وأننا قد فوّضنا أنفسنا
إلى الله وأننا عبيد حقيقيون له. ومن المحتمل أنّ هذا الشعور وهذا الشغف يحصل
للآخرين أيضاً.

في المرّة الاُولى التي سرتُ فيها
نحو الحرم الطاهر لم أكن واثقاً هل خطواتي ستساعدني على المسير ريثما أصل
إليه أم لا؟ تصوّر اللحظات التي أدخل فيها بيت الله ويقع فيها بصري على ذلك
البناء! تُعَدُّ حالات عرفانية وثمينة جدّاً، ولكنّها في الوقت ذاته لا دوام
لها، ومن الممكن أن تتكرّر غير أنّها لا تحمل سمتها الروحية الأولى. شعرت في
اللحظة التي دخلتُ فيها من الباب الأخير ، ووقع بصري على ذلك البناء
الحجري بأنني لا أودّ أن أغمض عيني أو أُحوّل عنه بصري إلى مشهد آخر. وكنت لا
أرى قدمي إلاّ بصعوبة بالغة.

عندمايطوف الحاج حول
بيت الله أوّل مرّة، يرى الحجر الأسود، ويشاهد مقام
إبراهيم ، وهذه المشاهد تسمو كلّها في تلك اللحظة بروح
الإنسان.

وهكذا الحال أيضاً في المرّة
الأولى التي يرى فيها الحاج الصفا والمروة ومنى وعرفات; إذ تتسارع فيها
دقّات قلبه. وأنا لا أرى ـ من الوجهة المعنوية ـ فارقاً بين هذه الأماكن.
وأعتقد بأنَّ هذه المشاعر تبلغ ذروتها عندما يقع البصرُ على الكعبة ويكمن
سرُّ ذلك كلّه في الشعور بالارتباط الوثيق مع الله، واستشعار العبودية بين
يديه. في ذلك الموقف تمرّ المشاعر أمام عين الإنسان ، ومتى ما بلغت نقطة
معيّنة تعتريه عندها مشاعر جيّاشة ويواصل مسيرته; وهذا أشبه ما يكون برسم خط
تصاعدي وتنازلي على ورقة .

إنّ زائر بيت الله الحرام يستلهم
المعاني من رمال صحراء منى وحتّى من أبواب الحرم ومن المرايا والشمعدانات،
ومن كلّ واحدة من تلك المفردات، توحي إليه بشعور معيّن. وأنا أتحدّث هنا عن
تجربتي الشخصية فحسب، ولا أدري إن كان الآخرون أيضاً تراودهم هذه المشاعر
نفسها، خاصة في بداية الدخول إلى ذلك المكان المقدّس، أم لا؟ لا يُستبعد أن
كلّ شخص تبلغ مشاعره الدينية وعشقه الإلهي ذروته في نقطة معيّنة بما يتناسب
مع حالته وطبيعته.

وأقول في ضوء ما مرّ ذكره: إنني
لستُ بصدد إثبات أن نكتة جديدة قد انكشفت لي في منى وعرفات والكعبة وما إلى
ذلك، كلاّ، ولكن كانت هناك حالة عرفانية دائمة ولكنّها عرضة للصعود والهبوط;
ومثل ذلك كمثل إنسان يرتقي تلاًّ ضمن سلسلة تلال; ثمّ ينحدر منه، فالمسير
متواصل ولكن الحالات متغيّرة.

(8) : لاحظنا في السنوات الأخيرة حصول تغييرات كثيرة في مكّة
المكرّمة والمدينة المنوّرة. فما هو تقييم سماحتكم لها؟

الشيخ الهاشمي:
إنني أرى في هذه التغييرات شيئاً إيجابياً. وقد شاهدت مشاريعهم العمرانية في المرّة الأخيرة التي
سافرت فيها إلى المملكة العربية السعودية. وقدّم لي المهندسون والمعماريون
توضيحات وافية في هذا المضمار، واطلعت على تلك المشاريع وأهدافها. ففي ذلك
السفر ذهبت إلى أحد المراكز العلمية في جامعة أُمّ القرى، وأعتقد أنهم كانوا
قد أعدّوا لي معرضاً خاصّاً يتضمّن مشاريعهم الموضوعة قيد البحث من أجل
الارتقاء بمستوى الخدمات التي تُقدّم للزوّار، وكمثال على ذلك عرضوا دراساتهم
حول بئر زمزم منذ بداية ظهوره، وحينما يدقّق الناظر فيه يعرف حتى سبب ارتفاع
وانخفاض ماء زمزم، وما هي العوامل المؤثّرة فيه، وعرضوا أمام أنظار
المتفرّجين طروحات لتقليل شدّة الزحام فيما يخصّ رمي الجمرات والمشاكل التي
تواجه الحجّاج بسبب كثرة العدد. وكان هناك كلام حول العدد المتزايد للحجاج
سنوياً، وأن وجود مثل هذا العدد في بلد واحد يؤدّي إلى حدوث بعض المضاعفات.
ثمّ طُرحت على بساط البحث كيفية الاستفادة من أوقات السنة الأخرى حيث يقلّ
الازدحام. وبعد اطلاعي على تلك المشاريع أدركت بأنَّ الحكومة السعودية تعمل
برغبة وشعور بالمسؤولية.

ومن جملة الأعمال الباهرة التي
أنجزوها ويمكن أن يُضرب بها المثل هو توسيع الحرم والشوارع المفضية إليه.
وأنجزوا في منى مشروع نقل الماء الحلو، ومخازن ضخمة ومنشآت هائلة لتحلية مياه
البحر، وقد شجّروا أماكن كثيرة من منى وعرفات، وكانوا يفكّرون بإنشاء أبنية
بدلاً من الخيام التي كانت على الدوام سبباً للمشاكل. إلاّ أن النكتة الجديرة
بالالتفات هي أن هذه الأبنية يُستفاد منها مدّة ثلاثة أيّام فقط وتبقى سائر
أيّام السنة خالية لا يُستفاد منها. واستقر رأيهم في نهاية المطاف على أن نصب
الخيام أفضل! على أن تكون خياماً مجهّزة وكفيلة بتوفير الراحة للحجاج
والحيلولة دون حدوث مخاطر.

وقاموا بأعمال كبيرة في المدينة
المنوّرة على جوانب الحرم الشريف. وأنشأوا خارج المدينة تأسيسات للتهوية
تمتدّ إلى مسافة سبعة أو ثمانية كيلومترات تحت سطح الأرض وتنتهي بمرأب
للسيارات، وهو عمل جدير بالمشاهدة. كما وتوجد لديهم مشاريع لتوسيع جوانب
الحرم الشريف. وأعتقد أنّ خطواتهم في هذا المجال محسوبة ومنطقية في ضوء
الإنفاق السخي الذي يبذلونه في هذا المجال، وانطلاقاً من المشاريع الموضوعة
قيد التنفيذ.

(9) : تعدّ صيانة الآثار الوطنية والدينية من جملة الأمور التي
تُخصص لها استثمارات هائلة في العالم كلّه. وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة أن
تلك الآثار المذكورة قد دُمّرت أو أصبحت معرّضة للأفول بفعل زحف المشاريع
العمرانية. فما العمل الذي ينبغي القيام به ـ في رأي سماحتكم ـ من
أجل أن تتواصل مشاريع العمران إلى جانب الحفاظ على الآثار الدينية
القيّمة؟

الشيخ
الهاشمي:
لقد وضعتم اصبعكم دقيقاً على نقطة ضعف الحكومة السعودية، وقد نبهتُهُم إلى
هذا الموضوع أيضاً. عندما كُنّا في الرياض أخذونا لمشاهدة قلعة كانت قد سقطت
في أيدي آبائهم السعوديين عندما أرادوا البدء بمحاربة خصومهم. وهذه القلعة
موضوعة حالياً تحت حراسة مشدّدة وهم يحفظون حتّى بعض التفاصيل التاريخية عن
الطرق التي دخلوا منها والمعارك التي دارت فيها. وبعد الانتهاء من زيارة تلك
القلعة المثيرة كتبتُ في دفتر المذكّرات الذي وضعوه هناك: أنّ الحفاظ على مثل
هذه إجراء جدير بالثناء، ويا حبّذا لو يجري على الأماكن الأخرى في هذا
البلد.

يوجد في كل شبر من أرض المدينة
المنوّرة أثر ومَعْلَمٌ من عهد رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم)، وهناك مليارد ونصف مليارد مسلم مشدودة أبصارهم إلى هذه
الأرض ويعشقونها من أعماق قلوبهم. فالأماكن التي جلس فيها الرسول(صلى الله
عليه وآله وسلم) أوقام فيهابعمل تاريخي معيّن، وكذلك دُور
الصحابة والتابعين والأئمّة المعصومين ينبغي أن لا تُهمل وتتعرّض للتخريب على
مرّ الزمان.

ومن جهة أخرى اثرتُ هناك مبحثاً
حول ما يُستشفُّ من القرآن الكريم من وجود آثار للأنبياء السابقين في العربية
السعودية، أَلا ينبغي السعي في سبيل إحياء تلك الآثار واستخراجها من تحت
الأرض؟ ألا يجب أن يجري إعداد تعريف بها وتقديم دعوة عامّة إلى العالم
الإسلامي لزيارتها؟ ومن المؤسف أن هذه الإجراءات لم تُنفَّذ، ويُعزى أحد
أسباب ذلك إلى أننا لم تكن لدينا علاقات سليمة مع المملكة العربية السعودية.
ولو كانت لدينا في السنوات السابقة مثل هذه العلاقات الحسنة الموجودة حالياً
مع هذا البلد; لكُنّا قد استطعنا المشاركة في مشروع توسيع الحرم. ومن المؤسف
أن بعض الآثار التاريخية في هذا البلد قد مُحيت من الوجود كلياً ولا توجد
إمكانية لإعادة بنائها. ولكن يمكن بطبيعة الحال بناء أماكن مشابهة لها في
مواضع أخرى، وقد عرضت عليهم هذا الاقتراح.

وأنا أعتقد بإمكانية الحفاظ على
تلك الآثار التي تُعدُّ بمثابة هوية للعالم الإسلامي، إلى جانب مواصلة تجميل
المدن، ولكن توجد هناك في السعودية قيود في هذا المجال وذلك بسبب وجود مذهب
خاص وبسبب الرؤية التي يحملها علماؤهم. وأنا لم تسنح لي الفرصة الكافية
للتباحث مع علمائهم. وهذه واحدة من النقاط التي يجب القيام بها حيث ينبغي أن
نتباحث مع علمائهم ونثبت لهم أنّ العناية بالبقاع الشريفة لا تُعتبر شركاً أو
عبادة أوثان. ولا ريب في أنّ التباحث مع العلماء السعوديين والتوصّل إلى نقطة
مشتركة من خلال هذه المباحث يعدّ أمراً واجباً وملحّاً.

لا تواجه العربية السعودية مشكلة
مالية في هذا المجال. وحتى إذا كانت لديها، يمكنها أن تدرجها في جدول أعمال
منظمة المؤتمر الإسلامي، كي تخصص البلدان الأخرى مبالغ لغرض إحياء الآثار
التاريخية في هذا البلد على اعتبار أن هذه المسألة تخصّ العالم الإسلامي
كلّه.

وعلى كل الأحوال فأنا أظنّ تعصّب
الزعماء السعوديين أصبح أقلّ على إثر المباحثات التي أجريناها معهم، أو
لأنّهم اكتسبوا على مرّ الزمن رؤية أكثر انفتاحاً، وسنشهد في المستقبل
تطوّرات على هذا الصعيد بإذن الله.

(10) : نظراً إلى أنكم تتحدّثون عن الحج وأعماله باندفاع وحماس
فائق، وحينما تتحدّثون يبدو التأثر واضحاً عليكم، سؤالنا في هذا المجال هو:
في أي أعمال الحج يبلغ الحج ذروة عظمته في رأيكم؟

الشيخ الهاشمي:
تجربتي الخاصّة كما أشرت سابقاً هي أنني انتابني شعور خاص عند ارتداء ثوبي
الإحرام، وبقي هذا الشعور يرتفع حيناً وينخفض حيناً آخر. وفي الكعبة وعرفات
ومنى تبرز مثل هذه الحالة أيضاً; خاصة في منى. كان المبيت في ذلك المكان
مرهقاً جدّاً في العام الذي ذهبتُ فيه، ونتيجة لذلك الإرهاق تتسامى روح
الإنسان، غير أن الذروة النهائية وقمّة هذا المنحنى الافتراضي تكون عند رؤية
الكعبة. وهذه تجربتي الذاتية. ولعل تجربة الآخرين تكون على نحو
آخر.

(11) : كانت إحدى رؤى الإمام الخميني للحج هي إيجاد الوحدة
الإسلامية وإزالة أسباب التوتّر، فكيف تقيّمون نجاح سماحته في هذا
الميدان؟

الشيخ الهاشمي:
عندما ذهبنا إلى مكّة قبل انتصار الثورة كُنّا قلقين حول كيفية أداء الأدعية
والأعمال الخاصّة بالشيعة، وكانت تساورنا هواجس حول جواز أو عدم جواز المشاركة في صلاة
الجماعة للسُنّة.

ومن دواعي السرور أن سماحة الإمام
الخميني قد اقتلع هذه الهواجس من نفوسنا بسلاح الفتوى، وذلك بقوله : عندما
تذهبون إلى هناك نحّوا النزعات المذهبية جانباً وشاركوا في صلاة جماعتهم
وتصرّفوا مثلهم كي لا تكونوا مدعاة للفرقة. . . فجعل الحجّ أطيب
طعماً عبر ما أبداه من تسهيلات في هذا المجال .

وأرى لزاماً علينا هنا أن نعرب عن
تقديرنا لآراء الإمام(رحمه الله)، ومن بعده للمراجع الآخرين الذين قدّموا
فتاوى بالترخيص والتخفيف. ونحن لا نواجه في الوقت الحاضر مشكلة في هذا
الجانب. وشباب اليوم أقل معرفة بالهواجس المثيرة للاضطراب التي كان يعاني
منها حجّاج الأمس.

(12) : كيف تقيّمون دور فتوى سماحة الإمام بشأن تعامل الإيرانيين
مع سائر الحجّاج؟

الشيخ الهاشمي:
كان لها تأثير فاعل في تخفيف حدّة الفرقة والاختلافات. وأدرك جميع الناس
بأنَّ الاتحاد وتآلف القلوب ينطوي على قيمة أكبر من الجمود على ظواهر بعض
مناسكنا. وهناك طبعاً من يذهب إلى القول بأننا يجب أن نعطي الأصالة لهذا
الجانب في حين أن الأمر ليس كذلك.

(13) : لاحظنا في السنوات الأخيرة أن العلاقات الايرانية السعودية
شهدت تطوّراً باهراً، وأخذت تسير نحو التحسّن، وكان لسيادتكم دور أساسي في
ذلك. نرجو أن تبيّنوا لنا كيفية بلورة هذا التطوّر ومدى
ضرورته؟

الشيخ الهاشمي:
قررت منذ أن أصبحت مسؤولاً تنفيذياً أن أتعامل مع المملكة العربية السعودية
من باب الصداقة. وكان واضحاً لديَّ بأنّنا لو كانت لنا علاقات طيبة مع السعودية وكانت
هناك ثقة متبادلة بيننا، لكانت الأمور تسير على نحو أفضل فيما يخص قضايا
النفط، والحرب، والتطوّرات السياسية في المنطقة والنشاطات الدينية والتعليمية
التي نمارسها في العالم .

بدأت نشاطي في هذا الاتجاه منذ
مؤتمر قمّة البلدان الإسلامية الذي عقد في السنغال. حيث كان الأمير عبدالله
هناك، وتقرّر أن يجري لقاء بيننا. كان من المقرّر في البداية أن يأتي هو إلى
الجناح الذي كنتُ أنا فيه من قاعة المؤتمر. ولكن اتّضح لاحقاً بأنّه كان
يتوقّعني أن أذهب أنا إليه! وذهبت أنا إليه وكان دافعي إلى ذلك سبب واحد وهو
شعوري بأنّ هذا التنازل سيساعد على تحسين العلاقات. ووجهت هناك دعوة إلى
الملك «فهد» لزيارة ايران، ولكنّهم قالوا: بأنّه يعاني من مشاكل صحّية في
رجله وركبته ويتعذّر عليه السير.

وعلى العموم فقد كنت طوال عهد
مسؤوليتي مهتّماً بحلّ المسائل العالقة بين ايران والسعودية. ولكن كانت هناك
معوّقات ظاهرية من قبيل «مراسم البراءة»، وأخرى خفية تتمثّل في العراقيل التي
كانت تضعها أمريكا والآخرون على هذا الطريق.

إلاّ أنَّ الرسائل والزيارات
المتبادلة كانت متواصلة ممّا أدّى إلى زوال حالة التنافر وإلى ترطيب أجواء
العلاقات. وبلغ هذا النجاح ذروته في إسلام آباد في باكستان وفي آخر اجتماع
لرؤساء بلدان المؤتمر الإسلامي، حيث كنّا قد اتّفقنا أنا والأمير عبدالله
مسبقاً على عقد لقاء بيننا. ولكن كان من المتوقّع أن يأتي هو إليَّ هذه
المرّة في ضوء ما حصل في اللقاء السابق حيث كنتُ أنا الذي ذهبت إليه في
السنغال. ووصلني الخبر بأنَّ الأمير عبدالله ينتظركم! فقلت: نحن ننتظر أن
يأتي هو.

ومع ذلك نهضتُ من مكاني وذهبتُ
إلى قرب غرفته، وفجأةً خرج هو من غرفته وقال: أريد المجيء إلى غرفتك! قلتُ:
لا فرق في ذلك، ها أنا ذا قد جئت الآن! هذه أيضاً غرفتنا. ولكنّه لم يوافق.
ويبدو أن المعتمدين الذين كانوا ينقلون الرسائل الشفويّة بين غرفتينا قد
أخطأوا وألغوا الموعد الأوّل الذي كان من المقرّر أن يأتي فيه الأمير عبدالله
إلى غرفتي. وقد يكون لذلك العمل سبب آخر.

وعلى كل حال، حينما وصلت الاُمور
إلى هذا الحدّ، جاء هو إلى غرفتي وتحدّثنا هناك حول جميع القضايا بشكل صريح.
وكان أحد الموضوعات الأساسية التي تحدّثنا حولها هو أن يعقد المؤتمر القادم
لزعماء البلدان الإسلامية في طهران. والعجيب في ذلك هو أن البيان الذي صدر في
جدّة قبل ذلك اللقاء بيوم واحد كان قد عيّن مكاناً آخر لعقد المؤتمر القادم.
فطرحت المسألة على الأمير عبدالله في ذلك اللقاء وطلبت توضيحاً لذلك الموقف.
وكان وزير خارجيتهم موجوداً واستطعنا حلّ المسألة هناك. وكانت تلك هي الثمرة
الأولى لذلك اللقاء. وبعد ذلك حلَّ موعد الغداء وكُنّا في حينها ضيوفاً على
السيّد نواز شريف رئيس وزراء پاكستان آنذاك، وفي تلك الأثناء ركب ولي العهد
السعودي في سيارتي وخرجنا وسط أجواء مثيرة مدهشة، وشاهد عدد كبير من الأشخاص
هذا الحدث النادر. فأنتم تعلمون بأنّ للشخصيات حماية وموكب شرف وكوكبة
ومرافقين. إلاّ أنّه تركها كلّها وركب في سيارتي ، وكان عمله هذا خلافاً
للأعراف السائدة، وجاء كثمرة لذلك الاجتماع الودّي والصريح. وهو موقف لم يبق
خافياً على من شاهدوه.

ومنذ ذلك الحين لاحظت أن الكثير
من المسائل التي كانت عالقة بيننا قد حُلَّت. وقرّر ولي العهد السعودي بعد
ذلك أن يدعم مؤتمر طهران، وجاء إلى طهران ، وأُتحيت لنا
الفرصة للتحدّث مع بعضنا أكثر. وساعد سفري إلى المملكة العربية السعودية وسفر
السيد الخاتمي إليها على إكمال هذا الشوط إلى حدٍّ بعيد.

(14) : ما هي في رأي سماحتكم التأثيرات التي تتمخّض عن توسيع
العلاقات الايرانية السعودية، على الصعيد الدولي، خاصة فيما يتعلّق
بالاستفادة من الحج إلى أقصى حدّ ممكن؟

الشيخ الهاشمي:
تقييمي لهذا الجانب هو أنّ تحسين العلاقات بين ايران والسعودية يُعتبر ضرورة;
لأنّ تعاون هذين البلدين يُعتبر أهم قاعدة لتقوية مواقف العالم الإسلامي على
الصعيد السياسي والاقتصادي والأبعاد الأخرى. والواقع هو أن أصدقاءنا وأصدقاء
السعودية مُختلفون في وجهات نظرهم، وتقليص الهوّة الفاصلة بيننا وبين
السعودية ستكون له معطيات إيجابية في الأوساط والمؤتمرات الدولية، وأحد تلك
المعطيات يتعلّق بقضية النفط. فقد لاحظنا أن جشع مستهلكي النفط وكيفية عرضه
وطلبه في الأسواق العالمية أدّى إلى هبوط قيمته إلى أقلّ من عشرة دولارات
للبرميل الواحد. وهذا غبن فاحش للدول المنتجة للنفط خاصة للدول الإسلامية
المطلّة على حوض الخليج الفارسي; لأنّ قوام وجودها مرتبط بهذه المادّة
الحيوية. وقد أدّى تحسين العلاقات بين طهران والرياض إلى حلّ الكثير من
المشاكل، وإلى تقليل حدّة التوتّر في الخليج الفارسي.

قضية العراق مهمّة جدّاً بالنسبة
لنا، ولو أننا تعاونّا لسكنت بؤرة التوتّر هذه في المنطقة.

أمّا القضية الأساسية التي لم
نتناولها على نحو جاد حتّى الآن فهي القضية الفلسطينية; إذ يوجد اختلاف طفيف
في وجهات النظر في هذا المجال. ولو كان بيننا تعاون جاد بشأن القضية
الأفغانية لما شاهدنا الوضع القائم حالياً. وأعتقد أن تعاوننا بنّاء في
الكثير من قضايا العالم الإسلامي. ونأمل بتحقيق بعض النجاحات تدريجياً من
خلال البحث وإقناع بعضنا الآخر. وقد تحدّثت مع ولي العهد السعودي حول هذه
الموضوعات في الاجتماعات الخاصّة الودّية التي عقدناها. والأوضاع تسير نحو
الأفضل تدريجياً.

(15) : من المؤسف أن ايران والسعودية لم تكن بينهما في السنوات
الأخيرة علاقات على صعيد الأوساط العلمية والدينية والمذهبية، وقد لحقتنا
بسبب ذلك خسائر كبيرة. فما هو رأيكم في ذلك؟ وما مدى الأهمّية التي تعيرونها
لإيجاد هذه العلاقة؟ وما هو اقتراحكم في هذا الصدد؟

الشيخ الهاشمي:
الأمر كما تقولون. ففي الوقت الحاضر لم يحصل تقارب خاصّ مع المملكة العربية
السعودية على النطاق العلمي; سواء على صعيد الطاقات العلمية الجامعية أم على
صعيد علماء الدين، بنفس المستوى الذي حصل فيه تقارب على مستوى العلاقات بين
رجال الدولة والشخصيات السياسية. وأنا أعتقد بوجوب وضع برنامج يتيح لعلماء
كلا البلدين لقاء بعضهما الآخر والتحاور بعيداً عن التعصّب من أجل تقريب
وجهات نظرهم. فعلماء الدين في كل من ايران والسعودية كان لهم دور مؤثّر في
بلدهم، وهناك ضرورة محسوسة للتقارب بينهما. إن دعامة العلاقات السياسية
والاقتصادية الموجودة بيننا وبين السعودية هو التعاون الديني، ويبدو موسم
الحج فرصة مناسبة لتحقيق هذه الغاية. وعلى علماء الدين الذين يذهبون من ايران
إلى الحجّ في كل عام أن يتّخذوا الإعدادات الكفيلة بإقامة علاقات مع العلماء
العرب ودعوتهم للسفر إلى ايران وزيارة مدن كمشهد وقم ومشاهدة
حوزاتنا وجامعاتنا. فأنا لازلت استشعر في نفسي تأثير زياراتي للجامعات
والمراكز العلمية في المملكة العربية السعودية، حتّى إنّ هذا الشعور يزداد
لديّ أحياناً.

(16) : منذ سنوات وهناك كلام يدور هنا وهناك حول جعل مسؤولية نقل
الحجّاج إلى الديار المقدّسة بعهدة القطاع الخاصّ بعد أن كان هذا الأمر بيد
الدولة (منظمة الحجّ والزيارة) ألَن يكون في تطبيق هذه الفكرة ـ نظراً للظروف
الخاصّة للمملكة العربية السعودية ـ ضرر لنا، إضافة إلى الأضرار التي لحقتنا
من جرّاء تبني القطاع الخاصّ سفر الزوار إلى سوريا؟

الشيخ الهاشمي:
لست على اطّلاع بمدى اثارة هذه المسائل. والكيفية التي يُدار فيها الحج إلى
الآن مرضية لنا وللحجّاج وللمملكة العربية السعودية; حيث كانوا يقولون لنا في
السعودية: بأنّ حجَّ ايران أكثر نظماً من حج جميع العالم الإسلامي ،
ويُعزى هذا النظم إلى أنّ الدولة هي التي تتولّى إدارة شؤون الحجّ. ونحن لا
ننظر إلى هذه القضية بمنظار اقتصادي، إضافة إلى أننا نراعي جميع الجوانب في
القضية الاقتصادية; فنحن لا نتقشّف في الإنفاق إلى الحدّ الذي يحول دون رفاه
الحجّاج ورضاهم، ولا ننفق إلى حدّ الإسراف. الخلل الوحيد البارز للعيان هو
أنّ بعض الأشخاص سجّلوا أسماءهم للحجّ مبكّراً، وبعض آخر من الناس لا
يستطيعون الذهاب إلى الحج في السنة التي تتوفّر لهم فيها الاستطاعة. ويجب
علينا العمل لحلّ هذه المعضلة.

في السابق لم يكن من الممكن لنا
التفاهم مع الحكومة السعودية. غير أن إمكانية هذا التفاهم أصبحت متوفّرة
لدينا في الوقت الحاضر. وعلينا أن نسعى للوصول إلى مرحلة إرسال الحاجّ إلى
مكّة في السنة التي يرغب فيها. وعلى العموم فنحن ـ وكما
أشرتم ـ لا نحمل ذكرى طيّبة عن تجربة خصخصة السفر إلى سوريا.

(17) : من جملة المكتسبات الكبرى التي تمخّضت عن زيارتكم إلى
الحرمين الشريفين هي أنّكم وفقتم للدخول إلى داخل الكعبة وضريح
الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). نرجو أن تبيّنوا لنا ما
هو الشعور الذي راودكم أثناء دخولكم إلى تلك الأماكن؟ واشرحوا لنا الوضع في
داخل هذين المكانين المقدّسين. فرؤية هذه الأماكن سعادة كبرى قلّما ينالها
شخص.

الشيخ الهاشمي:
الحقيقة هي أنّ الله تعالى مَنَّ عليَّ بهذا التوفيق نتيجة لكثرة الدعاء.
فحينما دخلت ضريح الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقدت صوابي، ولم ألتفت إلى
المسائل والدقائق التي يلتفتُ إليها السائح عادةً. وفقدت نقوش الباب والجدران
وشكل الضريح والستائر والسقف وأمثال ذلك أهمّيتها عندي. ولهذا السبب لم يبق
شيء منها عالقاً في بالي ، وكلّ من سألني عن شيء بهذا الخصوص بعد سفري
ذاك، لم يكن لديّ جواب أُقدّمه له. وهذه الحالة تختصّ طبعاً بمن يسافر إلى
تلك الأماكن للمرّة الأُولى. أمّا في المرّات اللاحقة فالقضية تصبح عادية
تقريباً. ويعود سبب ذلك إلى أن المرء يشعر في الزيارة الأولى وكأن أمنية
بعيدة المنال كان قد أقنع نفسه بتصويرها في ذهنه عمراً طويلاً، قد تحقّقت
أمام عينيه. ولكن هذه الحالة تصبح عادية في المرّات اللاحقة.

وعندما دخلتُ إلى الكعبة، كنتُ
بصدد أداء الأعمال والمناسك الواردة في هذاالخصوص، إذ من المستحب
الصلاة في عدّة نقاط من ذلك المكان المقدّس. وقمتُ
بأداء ذلك العمل. وقد شعرتُ في ذلك الموقف بسكينة خاصّة. وبعد الانتهاء من
الصلاة، أخذت أتأمّل الآفاق المعنوية الموجودة في ذلك المكان. فقد كان الجلال المعنوي
هناك خليقاً عندي بالنظر والمشاهدة.

وقد راودني شعور مشابه لهذا
الشعور في ضريح الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ; إذ كان
هناك مرقدالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى هناك منه بيت
السيّدة الزهراء(عليها السلام) أو قبر تلك السيدة الكريمة. وإن كانت الكتابات
غير قابلة للقراءة بسبب ظلمة المكان.

وعند دخول
البقيع انتابتناحالة من نسيان الذات أيضاً، وقادتنا أقدامنا لا إرادياً
نحو أقرب مسافة إلى قبور الأئمّة المعصومين، وجلسنا هناك على
الأرض.

(18) : منذ سنوات والبقيع باق على حالته هذه. وأنتم تعلمون أنّ
هذا المكان يؤلم قلب كلّ مسلم بسبب هذا الوضع الذي يظهر فيه أمام أعين
الزوّار. فهل تحدّثتم مع المسؤولين السعوديين حول إعادة بناء البقيع، وإذا
كان ردّهم إيجابياً فما الذي قالوه في هذا المجال؟

الشيخ الهاشمي:
نعم تحدّثت مع الكثير من المسؤولين هناك. وقلت لهم: إنّكم تصرّفتم وفقاً
لعقيدة علماء يحملون أصولاً غير منطقية، وعقيدتهم غير مقبولة لدينا، وتركتم
هذه المقبرة على حالها هذا. وهذا الوضع يؤلم الملايين من الشيعة المحبّين
لأهل البيت الذين يأتون إلى هنا من أقصى بقاع العالم ويشاهدون هذا المشهد.
فما الذي تجنونه من هذا الألم؟ إنّ هذا يمنع وحدة العالم الإسلامي ويتسبّب في
إيذاء قلوب المسلمين. وأضفتُ قائلاً: لدينا اطروحة معتدلة في هذا الخصوص. وهي
أن تأذنوا لنا برصف ساحة مقبرة البقيع بحجر ايراني ونبني حائطاً حول قبور
الأئمّة، ونبني ظلاًّ للزوّار على مسافة معقولة من المقابر.

ولم يقدّم لنا المسؤولون ردّاً
سلبياً، وإنّما أوكلوا الأمر إلى موافقة العلماء. وكنتُ راغباً في التحدّث مع
كبار العلماء في السعودية حول هذا الموضوع.

وفي مكّة تحدّثت مع متولّي الحرم
وإمام الجمعة وكان شخصاً متنوّراً إلى حدٍّ بعيد، ووجدته شخصاً يقبل التفاهم.
ولكن أُعلِن وجوب استحصال رأي العلماء الأصليين من أهل الفتوى مثل «ابن باز»
في هذا المجال. وقد وضعوا مقابلته ضمن جدول أعمالي، إلاّ أنّ تلك المقابلة لم
تتمّ.

ويبدو أنّهم لم يأخذوا انطباعاً
حسناً عن الفكرة التي قدّمناها حول إصلاح ظاهر مقبرة البقيع، ولم يحصل لقاء
حتّى مع العلماء الآخرين، وبقيت القضية معلّقة. ومعنى هذا أنّها تحتاج إلى
فرصة أخرى.

وتحدّثت معهم أيضاً حول مقبرة
«أُحد». فهذا المكان الذي يعتبر مزاراً للشهداء، لا يبدو مشهده لطيفاً. وبعد
رؤيتي لذلك المكان قُلتُ للمسؤولين المعنيين: إنّكم لم تتصرّفوا مع المزارات
الأخرى على هذا النحو. فما ضرَّ لو أوجدتم هنا أجواءً يمكن
تحمّلها؟

(19) : أثناء وجودكم في المدينة المنوّرة ومشاركتكم في صلاة
الجمعة، أورد خطيب الجمعة في صلاته بعض المطالب المهينة، وقد واجه ردّ فعل من
قبل سماحتكم. ونحن نرغب في سماع أصل القضية من لسانكم ـ إن رأيتم
مصلحة في ذلك ـ لتدوّن في التاريخ، وليطّلع عليها قرّاء مجلّة «ميقات
الحجّ».

الشيخ الهاشمي:
نعم، لقد كانت تلك القضية مريرة، إلاّ أنّ خاتمتها كانت طيّبة. فقد وصلنا في
ذلك اليوم إلى صلاة الجمعة ونحن في حالة تعب مفرط من جرّاء السفر، ولم يكن
لدينا غرض سوى الإسهام في التقارب والوحدة. وجلسنا كما هو المعتاد لسماع
الخطب; غير أن خطيب الجمعة تكلّم في أثناء خطبته بكلام غير صحيح. وكان يجلس
إلى جانبي أحد الوزراء في الحكومة السعودية، وكان يرافقني عادة، فقلت له:
«نظراً للكلام الذي قاله هذا الشخص، فنحن لا يمكننا الصلاة
خلفه».

فقال الوزير: «وأنا أيضاً لا أرى
تبريراً لهذا العمل».

كنتُ في شكّ هل ذلك الخطيب قد
انتبه أصلاً إلى مجيئي أم لا؟ لأنّ المسجد كان يغصُّ بالحاضرين، وكانوا قد
حجزوا لنا مكاناً من قبل. فنهضنا وذهبنا إلى غرفة مخصّصة لنا من غرف الحرم،
وصلّينا مع الايرانيين والعرب الذين جاءوا معنا إلى الغرفة. ولم أنطق بعد ذلك
بكلمة واحدة حول ذلك الموضوع. إلى أن جاءني عالم من العلماء المتولّين لشؤون
الحرم وقال لي: «هذا هو دأبه، وهو يتحدّث كما يشاء من غير أن يأخذ سياسة
الدولة بنظر الاعتبار، فلا تضمروها في قلبكم، وكونوا على ثقة بأننا لن نترك
هذا العمل بلا جواب، ونحن نشعر كأننا نحنُ أُهِنّا أيضاً. والإساءة إلى الضيف
جرم قبيح في عاداتنا».

وبعد ذهابنا إلى الفندق اتصل بي
الأمير عبدالله هاتفياً وأعرب عن كامل أسفه، واعتبر كلام خطيب الجمعة تصرّفاً
فردياً صريحاً وإهانة للمسؤولين السعوديين. وقد حاولت التخفيف من شدّة غضب
ولي العهد السعودي، فقلت:

«نحن ندرك حالات علماء الدين أكثر
منكم، ونعلم أنّه تقع من بعضهم أمثال هذه الاُمور». فأكّد لي مرّة أخرى
بأنّكم ستشاهدون لاحقاً بأننا لا نتحمّل توجيه إهانة لضيوفنا، أو تصرّفاً
مخالفاً لسياستنا. والحقيقة أنّهم وفوا بعهدهم، مع أننا لم نطلب منهم متابعة
القضية.

(20) : نرجو أن تبيّنوا لنا شيئاً من الذكريات المثيرة والمسائل
المهمّة التي وقعت لكم في سفركم إلى المملكة العربية
السعودية.

الشيخ الهاشمي:
كان سفري إلى العربية السعودية طويلاً وكانت جميع مراحله مثيرة. فقد عَنتْ لي أثناء
زيارتي لمنى وعرفات اطروحات عرضتها عليهم، وكان بعضها موضع قبول لديهم. وكان
السفر إلى منطقة «أصحاب الحجر» في العُلى سفراً جميلاً عندي; حيث كان ذلك
المكان موضع وقوع بعض قصص القرآن، وكنت راغباً في مشاهدة ذلك المكان عن كثب.
فالبيوت التي كانت منحوتة في الجبال، والمكان الذي خرجت منه ناقة صالح، وبقاء
المكان على تلك الهيئة ليكون عبرة للآخرين كانت خليقة بالمشاهدة. وقد سمعت أن
المكان المذكور قد ازدهر وكثرت زيارة الناس له بعد زيارتنا لتلك المنطقة
وإذاعة خبر تلك الزيارة.

كنتُ أطّلع طوال سفري على
المشاريع الاقتصادية في السعودية وأوضاع الجامعات هناك. والحقُّ أقول: إنّ
لدى السعوديين جامعات جيّدة وقد أحرزوا تقدّماً مشهوداً. وقد زرتُ مستشفياتهم
المجهّزة وحرسهم الوطني وهو أشبه ما يكون بحرس الثورة الإسلامية لدينا،
ويضطلع هناك بمهمّة الأمن والمخابرات. وتعاملوا مع الاستيضاحات المتعلّقة
بتلك الأجهزة الأمنية برؤية منفتحة تَنُمُّ عن مستوى صداقتنا وثقتهم بنا.
وتحدّث قائد ذلك الحرس الوطني وهو نجل الأمير عبدالله خلال اجتماع أُقيم في
قاعة واسعة وضمّ كبار القادة وحضرناه نحن أيضاً، وقال أثناء حديثه: «قال لي
أبي أن أجيب عن جميع أسئلتكم». وقد حاولت أن أتجنّب طرح الأسئلة التي كانت
الإجابة عنها أمام ذلك الحضور تنطوي على محذور بالنسبة لهم، وتركت ذلك الأمر
إلى اجتماعات أكثر خصوصية.

توصّلت من خلال تجوالي في مناطق
«جبيل» الصناعية إلى نتيجة، وهي أنّهم قد أحرزوا تقدّماً في مجال الصناعة،
وهم في وضع أفضل منّا فيما يتعلّق بالصناعات
البتروكيماوية.

وتفقّدت قوّاتهم البحرية في ساحل
الخليج الفارسي، وقال قائد القوّة الجوية هناك: «لقد أمروني أن لا أترك
أسئلتكم بلا جواب، يمكنكم أن تسألوني عن كل ما تشاءُون».

وبما أنني لديَّ إلمام بالمسائل
العسكرية وأعرف التفاصيل الجزئية المتعلّقة بقاعدتنا في بندر عبّاس، فقد أخذت
أطرح عليهم في القاعدة السعودية أسئلة فنّية، وكان القائد المذكور يجيب عن
أسئلتي. وعلى كلّ الأحوال فقد وجد هناك جوّ من الثقة بيننا.

بعد ذلك أخذونا إلى الطائف
وشاهدنا هناك أشياء جديرة بالمشاهدة. وقد رأينا تقريباً جميع الأشياء التي
كنّا نرغب بمشاهدتها في المملكة العربية السعودية من غير أن يبخلوا علينا
بشيء من ذلك. وإذا لم نكن قد حصلنا في بعض الحالات على المعلومات، فذلك يُعزى
إلى ضيق وقتنا.

وذهبنا أيضاً لرؤية جامعة النفط
في الظهران، ورأينا الأوضاع هناك جيّدة، وكان لديهم مركز بحوث ومختبرات
متطوّرة.

(21) : أشكركم على هذه التوضيحات. ما هو المقترح الذي تقدّمونه
لمسؤولي الحج ولعموم أبناء الشعب للاستفادة من الحج بشكل
أفضل؟

الشيخ الهاشمي:
أعتقد أن المسؤولين عن إقامة شعائر الحج بما لديهم من إحاطة وخبرة، وبما
يحملونه من أفكار وطروحات في هذا يعلمون أفضل منّي ما الذي يجب عمله، وأنا لا
أعرف أكثر منهم. وأؤكّد فقط على توفير أجواء يتسنّى لنا فيها عقد لقاءات بين
العلماء في أيّام الحجّ كي نتمكّن من إتمام المباحث غير التامّة. وهذا الأمر
يتوقّف إلى حدٍّ ما على طبيعة تعاملنا وجهودنا.

(22) : سنكون لكم شاكرين لو عرضتم لنا رأيكم بشأن مجلّة «ميقات
الحجّ».

الشيخ الهاشمي:
هذه المجلّة تعجبني. وعندما تصلني كلّ مرّة أنظر إلى عناوينها، وإذا أثار
انتباهي فيها موضوع أقرأه. وإصدار هذه المجلّة عمل
إيجابي.

/ 6