بین یدیک، سیدی أبا تراب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بین یدیک، سیدی أبا تراب - نسخه متنی

محسن الاسدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




بين يديك سيّدي أبا تراب



يا من كنتَ مصباحاً يتلألأ بل مشكاةً فيها
مصباحٌ ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنّها كوكبٌ
درّي .


ها هي بين يديك
المباركتين ، مجلّة ميقات الحجّ في عامها السابع وفي عدد خاصّ جاء
تيمّناً بذكرى مولدك المبارك ، وإطلالةً على عامك هذا (عام الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام)) الذي تشرّف بإعلانه قائد الثورة
الإسلامية الإمام الخامنئي حفظه الله .


لهذا راحت
مجلّتنا تعلن عن مشاركتها ، فجاءت ببضاعتها المزجاة هذه رمزَ ولاء وشكر
وحبّ ووفاء..


وتمشّياً مع
اختصاصها ارتأينا أن تدور مضامينها حول ما أفردناه وأسميناه بالمرحلة الأولى
من حياتك المباركة; التي قضيتها في الحجاز ـ إلاّ إذا اقتضت الضرورة تجاوزها
ـ بما انطوت عليه من صناعة ربّانية نبويّة صاغت لك مناقب وفضائل وصفات، تركت
بصماتها على شخصيتك الفريدة ، وارتسمت معالمها وآثارها على سيرتك المفعمة بأحداث عظام
وأمور جسام ومواقف عظيمة ومبادرات كريمة...


ومع أنّي واكبتُ
جميع أعداد المجلّة هذه محرّراً . . وسعيداً بها ، إلاّ أنّ
تلك السعادة لم تغمر قلبي ولم أذق شربةً أنقع لغليلي من هذا العدد ـ على
بساطته ـ الذي يعيش ذكراك ويتفيّأ
ظلالك . . .


* * *


بدءاً
نقول : لعلّ الحكمة ـ سيّدي ـ في إعلان هذا العام عاماً خاصاً ، هي
تجميع للجهود المحبّة والمتفانية فيك ، وتذكيرٌ للغافلين ، وفرصةٌ
للمناوئين . . . وإلاّ فإنّ من يقصد وجه الله تعالى الذي
أحببتَه وآمنتَ به وآثرتَه وسكنتَ إليه ، وأفنيتَ عمرك الشريف فيه
مؤمناً مجاهداً . . . حتّى قضيتَ نحبك في سبيله ، وفاضت
روحك إليه ، مضرّجاً بدمك في محراب عبادته ، في بيت من بيوت الله
تعالى ، في مسجد الكوفة ، وقد انطلق صوتك ، ودوّى صداه عالياً
في جنبات المسجد وفي سمائه . . فُزتُ وربِّ الكعبة ، فزتُ
وربِّ الكعبة . .


نعم ، إنّ
من يقصد ذلك الوجه الكريم ويرجو لقاءه بقلب سليم ويأمل أجره وفضله ويخشى
حسابه ويخاف عقابه ، يجب أن تبقى ذكراك ماثلةً أمامه ، حيّةً في
سيرته ، فاعلةً في حياته ، شجرةً خضراء ينعم بظلالها الوارفة ويشمّ
عطرها ويستنشق عبيرها ، ويرتشف من معينها قيماً جميلةً ومعاني عظيمة
ومفاهيم جليلة ، وأن يقرأك إنساناً وإيماناً وتقوًى وزهداً وجهاداً
وعلماً وأدباً وفكراً . .


إذن ، أن
يبقى كلّ منا يعيشك دائماً قدوةً صالحةً واُسوةً حسنةً ، وهو الذي يجب
أن نعوّد أنفسنا عليه ونتبنّاه في حياتنا الدينية والاجتماعية بكلّ
مفاصلها . لا ذكرى فقط تمرّ مرور
الكرام . .


ولعلّ الحكمة في
أن يكون مولدك في جوف الكعبة; القبلة ، لتكون قبلةً للأنام، للمؤمنين
رعاةً كانوا أو رعيةً مهما بعدت بهم البقاع ونأى بهم الزمن ، يستقبلونك
مبادئ وقيماً ومثلا عليا كلّما توجّهوا إليها في فرض أو مستحبٍّ أو
دعاء . .


لذاك قبلة من صلّى
لخالقه
غدا ومقصد من للحجّ يأتيه


حقّاً لتبقى بل
ليبقى عليٌّ شاخصاً أمامنا بكلّ ما يحمله من قيم السماء ومبادئ الدين
الحنيف ، وبكلّ ما يتحلّى به من إيمان ثابت وإسلام وثيق ، وجهاد
مرير وتضحيات جسام ، ومن علم غزير وأدب جميل وسيرة عطرة حسنة ،
تمنّاها كلّ مَن حولك والذين جاءوا من بعدهم . . فعصت عليهم
جميعاً ، ولم تجد غيرك إناءً صالحاً ، وبوتقةً تصهرها ، فتنتج
عليّاً إسلاماً يتحرّك وقرآناً ناطقاً ، وإيماناً حيّاً يجسِّد كلّ
معاني السماء .


* * *


لقد كنت ـ سيّدي
ـ بين محرابي الولادة والشهادة محراباً لا يدانيك أحدٌ أبداً ، وكيف لا
تكون كذلك وأنت أكثرهم جهاداً أمضاهم عزيمةً وأشدّهم توثّباً حتّى قال فيك
تلميذُك حبرُ الاُمّة عبدالله بن عبّاس : ما رأيتُ محراباً
مثله؟!


كنت جريئاً على
الموت مقتحماً لميادينه ، لا تخشى ولا تهاب أحداً بالغاً ما بلغ من
القوّة والشجاعة والاقدام ، بل لا تجد هيبة هولاء الأبطال من قلبك
شيئاً .


فقد نزل عمرو بن
ودّ المعروف بقوّته وصلابته وصولته وبأنّه يعدل ألف فارس ، وقد لفّه
الحديد من هامته إلى أخمص قدمه ، ينادي بصوت مخيف هل من مبارز؟ أين
جنتكم التي زعمتم أنّكم داخلوها إن قتلتم؟ . . ولا مجيب إلاّ صوتك
«أنا له يا رسول الله» فوثبتَ إليه ، وصوت رسول الله(صلى الله
عليه وآله)يلاحقك : «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه» فإذا هو
مجدّل بين يديك بضربة تعدل عبادة الثقلين ، ولا ذت الأحزاب
بالفرار .


وأنت في عبادتك
الأواب المتبتّل الواله بربّه ، الذي عبد الله كأنّه يراه ، وأنت
القائل : أفأعبد ما لا أرى1؟


وأنت القلب
الطاهر المطمئن الذي لا يخفق إلاّ بحبّ الله وحبّ
رسوله . . .


وأنت القِمّة
السامقة في تسليمك وانقيادك إلى الله سبحانه وتعالى ، فكنت الإيمان
كلّه ، وكنت الغاية في الإخلاص والغاية في
الصدق .


وأنت في فصاحتك
الخطيب الأوّل الغنيّ ببدائع الخطابة وألوان البيان وضروب الحكمة وفنون
الكلام .


وأنت الذي
اتسمتَ بالثراء والفرادة في إيمانك وفي صدقك وعدلك وورعك وفي علمك وعبقريتك
وحصافتك وفي زهدك وقناعتك وفي نهجك وطريقتك ، فخصائصك ما أعظمها وأخلاقك
وما أسماها وفضائلك ما أكثرها!


وهذه كتب
التأريخ والحديث عند الفريقين . . وقد ملئت بخصالك ومناقبك وفضائلك
وآثارك وجهودك ومواقفك ولم يذكر فيها لغيرك ما ذكر
لك .


يقول أحمد بن
حنبل وإسماعيل القاضي وأحمد بن شعيب بن علي النسائي وأبو علي
النيسابوري : «لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي
في فضائل علي بن أبي طالب(عليه
السلام)» .


وليس هذا
فحسب ، بل كان الأوحد في صفاته وفضائله . دلّني على فضيلة لم يكن
عليّ فيها الأشهر ولم يكن المتفرِّد بها دون غيره سواء أكانوا في زمنه أو
الأزمان المتعاقبة الاُخرى!


* * *


وهكذا أنت ـ
سيّدي ـ في عطائك الذي كاد أن يبلغ حدّ الاسطورة ، أثريت به تراثنا
الديني والأخلاقي والإنساني . . . وما أحوجنا إلى تراثك
الخالد خاصة في عالمنا الصاخب المليء بمختلف الأفكار والأمواج
والأعاصير . . .


وإنّ الإحاطة
بكلّ ما قدّمته في حياتك المباركة أمر صعب ، كما أنّ محاولة التعمّق فيه
وسبر أغواره هو الآخر أمر عسير فالرجل مهما اُوتي من القدرة والاستعداد
والصبر فإنّه يتخصّص بفنٍّ واحد أو فنّين ، إلاّ أنت ـ سيّدي ـ فقد جمعت
مناقب كثيرة ، وفنوناً وعبقريات هي الاُخرى
متعدّدة .


ما فرّق الله شيئاً في
خليقته من الفضائل
إلاّ عندك اجتمعا


لقد اصطنعتك
السماءُ وأفاضت عليك خصائص وفضائل خلقت منك إنساناً ربّانياً في كلّ ما
حملتَه واتسمّتَ به . وأقحمتك عالَماً آخر غير ما ألفوه فتحيّرت عقولهم
وأذهلت نفوسهم ، فراحوا يتنازعون أمرهم فيك; تعدّدت آراؤهم وتنوّعت فيك
اجتهاداتهم ، وتقاطعت فيك مواقفهم ، ولما أدحضتهم حجّتُك وألجمت
ألسنتهم وخيّبت أدلّتهم وكشفت افتراءاتهم . . لم تطاوعهم أنفسهم
المقيتة على الرضوخ
للحق والانصياع للعدل فأبت إلاّ نفوراً واستكباراً . وركن شانئوك ومن
نصبوا لك العداء إلى سيوفهم فلعلّ آمالهم وأطماعهم تتحقّق ، فما اشتبكت
الأسنّة على أحد كما اشتبكت عليك ، ولا اختلفت الألسن والأقلام في أحد
كما اختلفت فيك . . فَظَلمك قومٌ وأنصفك آخرون ، وختاماً
تركوك وحيداً ـ وإن كنت حقّاً الوحيد بينهم بنعم ظلّت حسرةً عليهم ـ إلاّ
أنّهم لم يتركوك حبّاً لغيرك وتفضيلا له عليك ، وهم يعرفون أن ليس هناك
من يدانيك إيماناً وعلماً وفضلا . . . بل تركوك; لأنّهم لم
يتحمّلوا صدقك ولم يطيقوا عدلك . . خافوك على دنياهم وخفتهم على
آخرتك .


* * *


إنّ تاريخك
لحافل وإن حياتك لصالحة وإنّ ميراثك لعظيم وإنّك لفي مقام كريم . .
استوقفت هيبتك الجميع ، وبهرتهم صفاتك وأذهلتهم فضائلك حتّى لم يجدوا
شيئاً منها في بشر سواك . . فكانوا طوائف
ثلاث :


* فطائفة منهم أحبّتك حتّى ذابت فيك ، وأنت
القائل : «لو أحبّني جبل لتهافت» وذلك هو الفوز
العظيم .


* وأخرى أحبّتك حتّى العبادة ، فيما بغى عليك قومٌ
آخرون حسداً لما آتاك الله من فضله ، وكلاهما من أصحاب النار
هم فيها خالدون .


حقّاً ما
قلتَه : «هلك فيَّ اثنان ، محبٌّ غال ومبغضٌ
قال»!


يقول الدكتور
الجميلي :


«الرجل الذي هلك
في حبّه نفرٌ كثيرٌ ، وهو ذات الرجل الذي أهلكت عداوته نفراً كثيراً،
فإنّ من الذين غالوا في حبّه هلكى، ومن الذين قلوه ونفسوا عليه
هلكى أيضاً; لأنّ حبّه جديربالتفاني فيه، وقلاه أجدر
على أن يسحت أعداءَه ومبغضيه»2.


* * *


لقد راح ـ سيّدي
ـ قوم عاصروك وآخرون جاءوا من بعدهم ينتهلون من علمك ويتعلّمون من حلمك
ويقلّدون شجاعتك . . إلاّ أنّهم ـ وإن تمنّوا ـ لا يكونون مثلك
أبداً . . وأنّى لهم وخصالك صنعتها يد الغيب ، وسمات شخصيتك
أفردتها لك السماء ، ومناقبك صاغتها مبادئ الدين
الحنيف تحت ظِلال النبوّة المباركة . . كما راحت اُمّتنا واُممٌ
أُخرى ، من ديانات أُخر ومذاهب شتّى بمفكِّريها وعلمائها واُدبائها
وشعرائها . . يقفون أمام تراثك مبهورين وإزاء عبقريتك
متحيّرين . . وقد عرفوا ذلك كلّه ، إلاّ أنّهم أبوا إلاّ أن
يقولوا فيك شيئاً . فراحت أفكارهم وأقلامهم ومع سموّها لا تستطيع كشف
إلاّ ما ظهر من عظمتك ولا تذكر إلاّ ما بان من شخصيتك ، وهو غني ثريّ
عظيم . . أمّا ما خفي فالله ورسوله أعلم
به .


وصدق رسول
الله(صلى الله عليه وآله) إذ قال : «يا عليّ ما عرفك
إلاّ الله وأنا وما عرفني إلاّ الله وأنت» .


حقّاً ـ سيّدي ـ
إنّك نعمة كبرى أنعمتها علينا السماء ، إنّك كنز عظيم غفلنا عنه ،
وينبوع لا ينضب جهلنا قدره ، وصورة مضيئة للإسلام والإنسانية بكلّ
معانيها الجميلة ، لم نعطها حقّها . .


لقد أكبرنا ـ
سيّدي ـ الإسلام الذي تجسّد فيك ، وفضائلك الرائعة ومناقبك الجميلة
ومواقفك الشجاعة والجريئة . . التي باتت رصيد كلّ خير وعطاء ،
وثورة وإباء ، وعدل ورحمة ، وغدوت حياة لأولي
الألباب . .


إنّ اسمك ـ
سيّدي ـ شفاء للنفوس ، وذكراك ضياءٌ للعقول ، وهدى للقلوب ،
وحافز للثورة والثوّار مهما كانت صولة الباطل مريرة وقسوته
شديدة . .


إنّ كلّ ما
حولنا يستضيء بنورك ويستهدي بهداك ، وكلّ ما عندنا مدين لمبادئك
وقيمك ، التي هي قيم السماء ، فذكراك لا يحدّها حدّ ولا يختصرها
زمن . وكيف يكون ذلك وعليّ بين الولادة والشهادة تجده شمساً مضيئةً لا
يحجبها شيء ، وقمراً منيراً لا يحبسه سحاب؟!


وتجده إيماناً
لا يشوبه شكّ ولا يعتريه ريب ، وكيف يخالط إيمانه ذلك وهو القائل :
«لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» .


وتجده عِلماً لا
جهل معه ولا نقص يعتريه ، أليس هو القائل : «سلوني قبل أن تفقدوني»
ولم يقلها غيره؟


كلّ ذلك وغيره
بفضل النبوّة التي راحت تشرق عليه منذ نعومة أظفاره ، وبنعمة
الرسالة التي
احتضنته فأسبغت عليه حللها ، وببركة ما أودعه
رسول الله(صلى الله عليه وآله) في صدر هذا الفتى حتّى
يضحى امتداداً طبيعياً للرسالة والنبوّة يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبل
السلام . .


لقد كان رسول
الله(صلى الله عليه وآله) يعلمه مبادئ السماء ويبثّه علمه
ويغذّيه أخلاقه طيلة طفولته وصباه ، فتخلّق بأخلاقه(صلى الله
عليه وآله) التي قالت عنها السماء : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق
عَظِيم} واتصف بجميع صفاته وتحلّى بجميع
شمائله ، كما راح يستقي منه علماً جمّاً ممّا جعله بلا ريب ولا شكّ
أفضل أصحابه(صلى الله عليه وآله)وأعلمهم وأفقههم وأورعهم
وأزهدهم وأشجعهم وأكثرهم عطاءً للإسلام
ومبادئه . .


فصاغ لنا
تاريخاً مليئاً بالخير والعطاء وحاضراً مشرقاً بالحبّ ومستقبلا زاهراً
بالأمل ، فسيرته المباركة الحافلة بمناقبها وفضائلها وما فيها من أحداث
مريرة ووقائع عظام ، ومواقف جليلة ، والبعيدة عن كلّ وسائل اللهو
والزيغ والانحراف . . المطبوعة بالاستقامة والتقوى . .
خير دليل على عظمته . . بل كانت ولا زالت آيةً للحقّ والعدل
والإنسانية والصدق والإخلاص والصلابة والثبات والشجاعة
والفداء .


فقد قضى عمره
الشريف كلّه في طاعة الله وعبادته راجياً رضاه محارباً لأعدائه هادفاً تثبيت
أركان دين الله بكلّ ما عنده من قدرة وشجاعة .


يقول فيه رسول
الله(صلى الله عليه وآله) : «لولا أن يقول فيك الغالون
من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم; لقلت فيك قولا لا تمرُّ بملإ من
الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون
به» .


/ 3