کتاب علی (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کتاب علی (ع) - نسخه متنی

مصطفی قیصر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





كتـابُ عَلـيّ ((عليه السلام))والتدوين المبكّر للسنّة النبويّة الشريفةويليهبحث موجز عن الجفر ومصحف فاطمة((عليها السلام))



دراسة بقلم مصطفى قصـير العـاملي قسم العقائد في المجمع العالمي لأهل البيت((عليهم السلام))1415 هـ . قهوية الكتاب:



الكتاب:كتاب علي(ع)المؤلف:الشيخ مصطفى قصير العامليالناشر:المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت(ع)المطبعة: اميرالتاريخ: 1415هـ . ق



تمهيد



الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على من بُعث رحمةً للعالمين، محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، الأئمة الميامين.قال تعالى في محكم كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(( [1] ). وقال: )يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردّوه الى اللّه والرسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ واحسن تأويلا(( [2] ).



قال أمير المؤمنين(عليه السلام): فالرّادّ الى اللّه الآخذ بمحكم كتابه، والرادّ إلى الرسول الآخذ بسنته الجامعة غير المفرّقة( [3] ).يَعتبِر المسلمون ـ كل المسلمين ـ أنّ السنة النبوية الشريفة هي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الاسلامية ومعارفها بعد القرآن الكريم، ومما يؤكد أهميّة السنة النبوية ومكانتها، كونها تفسر الغامض من آيات الكتاب العزيز وتفصّل المجمل منه، فضلاً عن كونها طريقاً لتبليغ الأحكام وبيان معارف الدين.



هذا مما لا ريب فيه ولا يناقش فيه أحد من المسلمين أصلاً.



غير أن الوسائل التي انتقلت عبرها السنة النبوية الشريفة، ومرّت من خلالها حتى وصلت إلينا، أدّت إلى وقوع جدل بين المسلمين حول سلامة تلك الوسائل والطرق على نحو يمكن الاطمئنان بأن هذا الواصل إلينا هو سنة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو أنها تعرّضت أثناء انتقالها من جيل إلى جيل، ومن طبقة إلى طبقة، لعقبات ومشاكل أدّت إلى هبوط ميزان الاعتبار بالنسبة للكثير من مفرداتها، مما يفتح الباب أمام دراسة تلك الطرق وتمحيصها.



ومما لا شك فيه أنها قد تعرضت في بعض المنعطفات إلى حالة من الدسّ والتزوير والتحريف والتشويه، تارة عن قصد، وأخرى عن غير قصد.



والبحث في هذه المسألة أخذ جانباً كبيراً من اهتمام العلماء والمحدثين، وثارت بينهم نزاعات عظيمة حول ذلك، فاندفع البعض منهم إلى اغلاق البحث تماماً بسبب حرصهم الشديد على تصحيح الواقع التاريخي للمسلمين، وابعاد التهمة عن أصحابهم ومحدثيهم ومصنفيهم، وبسبب إحساسهم بخطورة الاستجابة للتشكيكات المطروحة حول سلامة الموجود والمدوّن فيما بأيدينا من الكتب والمجاميع الحديثية، اعتقاداً منهم بأن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى فقدان الوسيلة إلى سنة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وبالتالي التخلّي عن هذا المصدر الأساس من مصادر الشريعة الاسلامية. لأجل ذلك أغلقوا باب النقاش والبحث في هذا الموضوع، ومنعوا من التعرّض لدراسة الطرق والوسائط، ووضعوا خطاً أحمر يضفي هالة من الحرمة والقداسة على الصحابة الكرام، بالمعنى الواسع جداً للصحابي( [4] )، وصرحوا بأنهم حملة السنة النبويّة والواسطة بيننا وبين الرسول(صلى الله عليه وآله)، وأن التعرض لهم والتشكيك بعدالة أحد منهم أو بصحة ما نقلوا يؤدي إلى اسقاط السنّة النبويّة الشريفة، ولما كان ذلك يجرّهم إلى كارثة كبرى ـ حسب زعمهم ـ فلا بدّ من غضّ النظر عن ذلك، والتسليم بسلامة الطرق، وعدالة الصحابة جميعاً، بل اتهام من يطعن بعدالة أحد منهم بأنه يريد هدم الدين والقضاء على الشريعة.



والحقيقة أن هذا النوع من الباحثين نظر إلى الأمور بمنظار ضيق، وفاته أنّ غض النظر عن دراسة وتقييم الطرق التي انتقلت عبرها السنة النبويّة الشريفة، يشكّل خطراً أكبر على الشريعة الاسلاميّة، إذ أنه يكرّس واقعاً مرّاً، ويضفي الشرعية ـ بلا دليل ولا برهان ـ على كل ما يحتمل أنه مدسوس في كتب الحديث، وعلى كل ما كذب على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، أو حرّف من أحاديثه بالزيادة أو بالاسقاط أو بالتغيير والتبديل، مما كان يحصل تارةً عن عمد خدمة لبعض المصالح الدنيويّة والمآرب السياسيّة، وأخرى عن غير عمد نتيجة لتقادم العهد وعدم التدوين.



فلماذا ندسّ رؤوسنا في التراب، ونتغاضى عن المشكلات الحقيقية التي عانى منها المسلمون في الحفاظ على الشريعة الغرّاء، لماذا نصرّ على تعديل وتوثيق من صرّح معاصروه بفسقه وانحرافه، لماذا نكابر والرسول(صلى الله عليه وآله) نفسه يصرح بكثرة الكذّابة عليه( [5] ).



وعلى أي حال فان المشكلة ـ كما ذكرنا ـ نشأت من ضيق النظر والاقتصار على ملاحظة الأمور من زاوية واحدة، والمسألة ليست كما يتصور هؤلاء، وذلك لما يلي:



1 ـ إن تسرية الجرح والتعديل إلى جميع رواة السنة الشريفة، بما فيهم الصحابة الكرام، لن يؤدّي إلى انسداد باب العلم بالسنة ـ كما يدعى ـ ، إذ أن الكثير من الصحابة الأجلاء العدول الذين أحرزت وثاقتهم قد نقلوا لنا من الروايات المتضمنة للأحكام ما يطمأن إليه، وجرح البعض ليس هدماً للسنة وانما هو تنقيةٌ لها من الشوائب الغريبة عنها.



2 ـ ان معرفة السنّة الصحيحة الثابتة النقيّة الخالية عن الأحاديث المشكوكة يهدف إلى التمسك بالدين، والاعتصام بالسنّة الحقيقية دون الأوهام والافتراءات والشبهات، وهذا هو الاسلوب العلمي الصحيح في تشييد الدين وترسيخ أركانه، وما أبعده عن الهدم.



3 ـ ان هؤلاء يدافعون عن أمور ظنيّة ـ في أحسن حالاتها ـ ، ويهملون سنّة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) القطعيّة التي دوّنت في عصره وبأمره واملائه، بل ينكرونها دون مبرّر معقول.



والمؤسف أن مصنّفيهم ومحدثيهم لا يتعرض لشيء من ذلك ولو على نحو الاحتمال، ولا يخفى ما يكمن وراء ذلك من دوافع سياسية.



فانّ الثابت عندنا بشكل قاطع لا يقبل الشك أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)ترك سنّة مكتوبة فيها كل ما يحتاج إليه الناس، وأن الخلفاء منعوا تدوين السنة النبويّة الشريفة في القرن الأول الهجري( [6] )، وأمروا بمحو ما كان كُتب منها، بل منعوا الرواية إلا في دائرة ضيقة وحدود معيّنة، حتّى تقادم العهد، ومضى الرعيل الأول من المسلمين الذين صحبوا النبيّ(صلى الله عليه وآله) وسمعوا منه، بل مضى تقريباً جل من قارب عهده(صلى الله عليه وآله) ممّن كانوا على صلة وثيقة وتماس مباشر بالصحابة الكرام. وبدأ المسلمون بالإهتمام بالحديث ففكّروا بجمع المتناثر منه وتدوينه في مطلع القرن الثاني كما يقولون، عندما أمر عمر بن عبدالعزيز بذلك( [7] )، على أن التدوين لم يأخذ الطابع الجدّي إلاّ على رأس المئتين كما نصّ عليه ابن حجر والحافظ الذهبي واعترف به إبن تيميّة( [8] ). ولقد تعرضت السنّة الشريفة خلال تلك الحقبة لهزّات عنيفة، لا يؤمن معها بقاؤها على نقائها وسلامتها، بل الأدلّة متظافرة على أن تلك الفترة شهدت نشاطاً واسعاً للوضاعين والكذابين خاصة خلال الفترة الأولى من قيام الدّولة الأموية( [9] ). وقد روي عن ابن عباس أنه قال: إنا كنا مدّة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول اللّه، ابتدرته أبصارنا وأصغينا بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف( [10] ).



وقد كنّى(رضي الله عنه) بركوب الصعبة والذلول عن الخلط بين الكذب والصحيح في حديثهم.



إنّ قلة الإقبال على الكتابة عند العرب قبل الاسلام، وعدم إدراك قيمة التدوين من قبل الكثير من المسلمين، لم يمنع العديد من الصحابة الكرام أن يقيّدوا بعض ما سمعوه من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من حديث وتشير بعض النصوص إلى أنه(صلى الله عليه وآله) قد أذن بذلك، بل حث عليه، حتى أن الكثير من الصحابة الكرام نسبت لهم صحائف كانوا دوّنوها على عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، إلاّ أن التدوين لم يصبح ظاهرة عامة، فتركت كارثة المنع من التدوين في القرن الأول الهجري والأمر بمحو واحراق ما كتب من الحديث النبوي الشريف أسوء الأثر على السنة النبوية الشريفة، فقد اتيحت الفرصة لمن يريد العبث بها، مستفيداً من عوامل عدّة، منها تقادم العهد وتفرق الصحابة والنسيان وتوسع البلاد الاسلامية، كل هذا جعل من دراسة الحديث النبوي الشريف والتثبت منه عملية شاقة تتطلب خبرة واسعة وجهوداً كبيرة.



ويبدو أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قد أدرك بعلمه الواسع وحكمته ونظره الثاقب وتدبيره المسدّد بالوحي، أنّ الشريعة الاسلامية لكي يضمن لها البقاء والاستمرار والسلامة تحتاج إلى ثلاثة دعائم:



الاُولى: القرآن الكريم الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، وكتاب اللّه الذي فيه الهدى، ومعجزة الرسول(صلى الله عليه وآله) الخالدة. فركز(صلى الله عليه وآله)إهتمامه على نشره وحث المسلمين على حفظه والعناية به والتمسك بمعارفه واحكامه، وأمر كتّاب الوحي بتدوينه ونشر صحائفه ليحفظ من التحريف والتغيير، وقد تأتّى له ذلك، ولم يرحل عن هذه الدنيا حتى كان مجموعاً مدوّنا عند عدد لا يستهان به من المسلمين( [11] ).



الثانية: العترة النبوية الطاهرة من أهل البيت(عليهم السلام) الذين ربّاهم الرسول(صلى الله عليه وآله) تربية خاصة، وأهّلهم لتحمل أعباء الرسالة من بعده، فكانوا المطهّرين من الذنوب، المنزهين عن المعاصي، والأوعية النقية لاحتواء الشريعة ومعارف الدين، وقد جعلهم(صلى الله عليه وآله) مرجعاً للأمة وولاةً لأمرها، وحراساً على الدين، وأمانا من الضلال والعمى، وأوصى باتباعهم والالتزام بهم والتمسك بعروتهم الوثقى جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم، فقال:



إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض( [12] ).



الدعامة الثالثة: سنّة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) المسدّدة بالوحي والمؤيدة بالتنزيل وقد أشرنا في صدر البحث لاثنتين من الآيات الآمرة باتباع الرسول(صلى الله عليه وآله) من دون فرق بين حياته وما بعد وفاته:



)وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم(( [13] ).



)من يطع الرسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً(( [14] ).



ولم يكن المسلمون الذين عايشوا الرسول(صلى الله عليه وآله) على مستوى واحد في قدراتهم الفكرية وفي عمق إيمانهم وفي امكاناتهم التي تؤهلهم لحمل ثقل الرسالة ودرك جميع غاياتها وأسرارها، فكان الرسول(صلى الله عليه وآله) يلقي على الناس من المعارف ما يتناسب مع طاقاتهم الذهنية، ويبيّن لهم من أحكام الدين وتكاليفه ما يحتاجونه في ابتلاءاتهم اليوميّة.



إلاّ أن الرسالة المحمّدية باعتبارها الرسالة الخاتمة لا بدّ لها أن تحوي من الاحكام والمعارف ما يفي بحاجات كل العصور والأجيال وما يناسب كل العقول والأذهان، فمن هنا تبرز أهميّة الدعامة الثانية باعتبارها المؤهلة لأداء هذا الدور، وتحمل هذه المسؤولية وليس ذلك ناشئاً من عجز الرسول(صلى الله عليه وآله) عن تبليغ الرسالة أو تقصيره ـ والعياذ باللّه ـ بل من جهة خصوصيات الزمان والمكان واختلاف الناس، والمستجدات التي تستدعي البيان عند وقت الحاجة، وايصال ما يخص الأزمنة المتأخرة لأهلها سالماً، فضلاً عن مهمّة حفظ الأحكام الثابتة من الضياع وحراستها من تلاعب الأهواء واختلاف الأذواق، فان التبليغ بنفسه لا يفي بمثل هذه المهمة، ومن أجل كل ذلك كانت الامامة ـ بهذا المعنى الواسع ـ من ضرورات الرسالة.



وقد عمل الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ بعد مهمّة الاعداد والتأهيل ـ على تعريف الأئمة الذين أعدّهم لتحمل الأمانة بكل ما تحويه الرسالة الخاتمة من معارف وأحكام، ورسم لهم كل ما يحتاجونه في طريق قيادة الأمة وولاية أمرها، فكانوا بذلك الثقل الثاني.



الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يكن ضنيناً بشيء من أحكام الشريعة ولا معارف الدين، وهو المبعوث لتبليغها لا لكتمانها، إلاّ أن عامة الناس الذين آمنوا به وصدّقوه لم يكونوا يملكون القلوب والأوعية التي تؤهلهم لتحمل كل أسرار الرسالة ودقائق معارفها، وليس ذلك انقاصاً من شأنهم وتوهيناً لهم، ونحن جميعاً نعرف أن المعارف الإلهية وعظيم أسرارها إذا ألقيت على عوام الناس، لم يدركوها وربما تركت آثاراً سلبيةً بل ربما أدت إلى انحرافهم عن جادة الصواب.



ولأجل هذا نرى أساتذة الفلسفة والعرفان يوصون تلامذتهم بالحرص على كتمان علومهم عن عامة الناس وعدم إلقائها إلى من لا يتحملها، مع أنها من العلوم والمعارف التي يتوصل إليها الانسان بعقله وفكره، فكيف بما هو فوق عقول البشر وادراكهم.



أضف إلى ذلك أنّ الناس لا يحفظون كل ما يسمعون، ولا يستوعبون كل ما يحفظون، والشواهد على ذلك كثيرة جداً، فبعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) اضطربت آراء المسلمين في أبسط الأمور وأيسرها، فقد اختلفوا في عدد تكبيرات صلاة الميت ولم يحفظوا سنة رسول اللّه فيها حتى جمعهم الخليفة على عدد، رغم أنهم صلوا معه مئات وربما آلاف المرات( [15] ).



وأمثال ذلك مما لا يخفى على من ألقى نظرة على كتب الفقه والحديث والسيرة.



فعمد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذي تربّى في حجره وصنع على عينه، بعد أن عرف فيه القدرة الكافية والمؤهلات المناسبة، فأخذ يزقه العلم زقاً ويلقنه المعارف يوماً بيوم حتى صار مستودع علمه والأمين على ما علّمه اللّه تعالى من العلوم والمعارف. وفي هذا يقول(عليه السلام):



علمني رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)ألف باب من العلم يفتح لي كل باب ألف باب( [16] ).



ويقول الرسول(صلى الله عليه وآله) فيما تواتر عنه:



أنا مدينة العلم وعليّ بابها( [17] )، وفي بعض الروايات: فمن أراد المدينة فليأت الباب، وفي بعضها: فمن اراد العلم فليأتها من قبل بابها.



ويقول أمير المؤمنين(عليهما السلام):



ولقد كنت أتبعه ] يعني رسول الله(صلى الله عليه وآله) [إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة( [18] ).



ولم يكتف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بذلك بل كان يأمر علياً(عليهما السلام) أن يكتب كل ما يملي عليه فقال(عليه السلام) مرة لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله):



يا نبيّ اللّه، أتخاف عليّ النسيان؟ قال: لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت اللّه لك أن يحفظك ولا ينسيك، ولكن اكتب لشركائك، قال: قلت: ومن شركائي يا نبيّ اللّه؟ قال: الأئمة من ولدك...( [19] ).



وكان من جملة ما أملاه عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكتب بخطه صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم، وهذه الصحيفة اشتهر أمرها عند الشيعة وتحدث عنها أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وقد حوت كل ما يحتاج إليه الناس من الأحكام حتى قيام الساعة، وبقيت سنداً قطعياً دوّن باشراف من الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله) وحفظ عند أمناء الأمة وحفظة الدين أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، من ضمن ودائع النبوة ودلائل الإمامة.



وكان هناك عدد آخر من الصحائف والمدوّنات التي أملاها رسول الله(صلى الله عليه وآله) على علي(عليه السلام) وخطها بيمينه نستعرضها في نهاية البحث إن شاء اللّه.



وهذا أهم ما يميّز مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) التي نتمسك بها، حيث أنها تعتمد في تلقي الأحكام الشرعية والمعارف الدينية على الدعائم الثلاثة المتقدمة، وقد منّ اللّه علينا بهذه النعمة الكبيرة التي نتمنّى ونحب أن تعم جميع المسلمين وأن ينعموا بها ويتفيّئوا ظلالها ويتذوقوا حلاوتها.



وأخيراً.. أليس من الجدير بنا ـ نحن المسلمين ـ إذا كنا طلاب حق أن نبحث عن سنّة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) التي انتقلت عبر الوسائل المأمونة والمضمونة، الخالية عن الشوائب، النقية عن الغرائب، فنشد الرحال إليها ونعض عليها بالنواجذ والاسنان؟! )فماذا بعد الحق إلاّ الضلال(( [20] ).* * *



الصحيفة الجامعة أو كتاب عليّ ((عليه السلام))



يعتبر الشيعة أنّ التدوين الرسمي للحديث النبوي بدأ برعاية رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) نفسه، وأنه(صلى الله عليه وآله) أملى على علي بن أبي طالب(عليه السلام) صحيفة كبيرة حوت من الأحكام ما يفي بجميع حاجات الناس حتّى قيام الساعة، وأنّ هذه الصحيفة أوّل كتاب جامع مانع للسنة النبويّة الشريفة فيما يتعلق بالحلال والحرام.



هذه الحقيقة قد تشكل مفاجأة بالنسبة للأذهان المشبعة بما كان يسعى لتكريسه جمع كبير من المحدّثين والباحثين والكتّاب، الذين خُدعوا ـ وللأسف ـ بروايات يبدو أنها صنعت على طبق أهواء السلاطين، ضمن مخطط سياسي كبير استهدف إبعاد أهل البيت(عليهم السلام)عن مراكز القيادة، وصرف الأنظار عنهم، والحيلولة دون التفاف الناس حولهم.



ومفردات هذا المخطط الخطير كثيرة جداً لا يسع المقام لاستعراضها، وما تعرّض له أهل البيت(عليهم السلام)، وذوو القربى من بني هاشم عامة والعلويين خاصة، وأشياعهم وأتباعهم منذ قيام دولة بني أميّة، وعلى امتداد دولة بني العباس، والذين جاؤوا من بعدهم، من المصائب والمآسي المؤلمة، كلها تدخل ضمن هذا المخطط المأساوي الخطير.



ونحن هنا سنتعرض بالبحث والتدقيق لهذه الحقيقة التي تعني فيما تعنيه أن على المسلمين جميعاً ـ غير الشيعة الإمامية ـ أن يعيدوا النظر في مدوّناتهم الحديثيّة، وأن يقارنوها بما ورد عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، الذين حفظوا سنّة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من بعده، ونشروا منها ما مكّنتهم الظروف من نشره.



هذه الحقيقة تعني فيما تعنيه أيضاً أنّ علينا أن لا نتعامل مع أقوال أئمة أهل البيت(عليهم السلام) على أنها آراء شخصية كبقية آراء واجتهادات العلماء، وانّما علينا أن ننظر إليها على أنها أقوال تحكي سنة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وتنقلها لنا بألفاظها أو بمعانيها من دون تغيير ولا تبديل.



نحن نطرح هذه الحقيقة مع أدلتها لذوي الانصاف والنظر المتجرد عن الخلفيات والعصبيّات، والأذهان التي تحمل روح البحث والتدقيق، والعقول المنفتحة التي تطلب الحق ولا تريد سوى الحق.



كتاب علي ((عليه السلام)) في النصوص:



من يتصفح مصادر الحديث عند الشيعة الاماميّة يجد الكثير من الأحاديث المرويّة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) قد صرّحت بأنها مستقاة من كتاب علي(عليه السلام) وقد أحصيت المئات من الموارد التي يقول فيها الامام(عليه السلام):



وجدنا في كتاب علي(عليه السلام) قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كذا.



أو: في كتاب علي(عليه السلام) كذا، أو كذا في كتاب علي(عليه السلام).



أو: .. هكذا في كتاب علي(عليه السلام).



أو: .. وذلك في كتاب علي(عليه السلام) وامثال ذلك.



وفي بعض الروايات تصريح أكثر حيث تقول:



ان في كتاب علي(عليه السلام) الذي أملاه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)... أو الذي هو املاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)... وأمثال ذلك.



والملاحظ أن أغلب الروايات التي تصرح بذكر كتاب علي(عليه السلام) قد رويت عن الإمام جعفر الصادق وعن أبيه الامام محمد الباقر(عليهما السلام)، ويقلّ ذلك عن غيرهما من أئمة بيت العصمة والطهارة، ولنا وقفة مع هذه الملاحظة في موضع آخر من هذا البحث ان شاء اللّه، والذي يهمنا هنا هو أن الظاهر من مجموع هذه النصوص أنّ مسألة وجود كتاب لعلي(عليه السلام) يتداوله الأئمة كانت معروفة في أوساط أصحابهم، ولأجل هذا لا تجد في تلك الروايات من يستفسر منهم بعد ذكره من قبل الامام(عليه السلام)عن ماهية هذا الكتاب وعن مكان وجوده إلاّ فيما شذّ وندر، ومن المسلّم عند الجميع أنه لم يكن منتشراً عند أتباع الأئمة(عليهم السلام)وشيعتهم، وانما هو من مختصّاتهم ومن العلوم التي استأثروا بها وتوارثوها، وأظهروا منها ما يحتاجه الناس، كلما سنحت الفرصة وسئلوا عن حكم من الأحكام.



هذا النوع من النصوص ينتشر في كتب الحديث عند الشيعة وفي جميع الأبواب، وقد أحصى عدداً كبيراً منها العلامة المحقق آية اللّه الشيخ علي الأحمدي( [21] ).



وهناك العديد من النصوص الأخرى التي تحدثت عن كتاب علي(عليه السلام) في سياق الحديث عن ودائع النبوة التي يتوارثها أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وتشكل تراثاً مختصاً بالامامة ووثيقة حيّة تحفظ السنة النبوية والمعارف الإلهية، ومرجعاً للأمة ومنقذاً لها من الحيرة والضلال.



فمن هذه النصوص:



1 ـ ما روي عن أبي بصير في حديث عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: يا أبا محمد، وإنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟! قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) واملائه من فلق فيه، وخطّ عليّ بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش.. الحديث( [22] ).



2 ـ وعنه أيضا عن أبي عبداللّه(عليه السلام)، قال: سمعته يقول ـ وذكر ابن شبرمة( [23] ) في فتياه ـ فقال: أين هو من الجامعة، أملى ] املاء خ [ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخطه ] بخط خ [ عليّ(عليه السلام) بيده، فيها جميع الحلال والحرام، حتى أرش الخدش فيه( [24] ).



3 ـ وعن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبداللّه(عليه السلام) بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علماً، قال له: فالجامعة؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج( [25] )، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضيّة إلاّ وهي فيها حتى أرش الخدش( [26] )..



4 ـ وعن بكر بن كرب الصيرفيّ قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس ] أحد خ [ ، وان الناس ليحتاجون إلينا، وان عندنا كتاباً إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط عليّ(عليه السلام)، صحيفة فيهاكل حلال وحرام( [27] ).



5 ـ وفي رواية أخرى عنه قال: كنا عند أبي عبداللّه(عليه السلام) فسمعناه يقول: أما واللّه عندنا ما لا نحتاج إلى الناس، والناس ليحتاجون إلينا، إن عندنا لصحيفة سبعون ذراعاً بخط علي واملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله).. فيها من كل حلال وحرام( [28] ).



6 ـ وعن فضيل بن يسار قال: قال لي أبو جعفر(عليه السلام): يا فضيل، عندنا كتاب عليّ سبعون ذراعاً ما على الأرض شيء يُحتاج إليه إلاّ وهو فيه حتّى أرش الخدش، ثم خطه بيده على ابهامه( [29] ).



7 ـ وعن مروان قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: عندنا كتاب عليّ(عليه السلام) سبعون ذراعاً( [30] ).



8 ـ وعن عنبسة العابد قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: إن في كتاب( [31] )الذي هو املاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخطه عليّ بيده إن كان في شيء شوم ففي اللسان( [32] ).



9 ـ وعنه أيضاً قال: سمعت جعفر بن محمد(عليه السلام) ـ وذكرت عنده الصلاة ـ فقال: إن في كتاب علي الذي هو املاء رسول اللّه أن اللّه تبارك وتعالى لا يعذب على كثرة الصلاة والصيام ولكن يزده جزاءً ] أجراً [( [33] ).



10 ـ وعن عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه(عليه السلام)، قال: سمعته يقول: ان عندنا جلداً سبعون ذراعاً أملى رسول اللّه وخطه عليّ بيده، وان فيه جميع ما يحتاجون إليه حتى أرش الخدش( [34] ).



11 ـ وفي رواية أخرى عنه أنه قال: وان عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً وأملاها رسول اللّه وخطها عليّ بيده، وأن فيها لجميع ما يُحتاج إليه حتى أرش الخدش( [35] ).



12 ـ وفي رواية أخرى عنه قال: سمعته يقول: .. فيها خط عليّ واملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من فلق فيه، ما من شيء يُحتاج إليه الاّ وهو فيه حتى أرش الخدش( [36] ).



13 ـ وعن عبداللّه بن ميمون القداّح عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: في كتاب عليّ كل شيء يُحتاج إليه حتى أرش الخدش( [37] )...



14 ـ وعن حمّاد قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: ما خلق اللّه حلالاً ولا حراماً إلاّ وله حدّ كحدّ الدور، وانّ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ولانّ عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعاً، وما خلق اللّه حلالاً ولا حراماً إلاّ فيها، فما كان من الطريق فهو من الطريق، وما كان من الدور فهو من الدور، حتى أرش الخدش وما سواها والجلدة ونصف الجلدة( [38] ).



15 ـ عن أبي الجارود عن أبي جعفر(عليهما السلام) قال: إن الحسين(عليه السلام) لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصيّة ظاهرة ووصيّة باطنة، وكان علي بن الحسين مبطوناً لا يرون إلاّ أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار ذلك إلينا، فقلت: فما في ذلك؟ فقال: فيه واللّه جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلى أن تفنى الدنيا( [39] ).



16 ـ عن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول:ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة، إنّ الجامعة لم تدع لأحد كلاماً، فيها علم الحلال والحرام، إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدهم من الحق إلاّ بعداً، وانّ دين اللّه لا يصاب بالقياس( [40] ).



17 ـ عن محمد بن حكيم عن أبي الحسن ] الكاظم [ (عليه السلام)، قال: إنما هلك من كان قبلكم بالقياس إن اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له جميع دينه في حلاله وحرامه، فجاءكم مما تحتاجون إليه في حياته، وتستغيثون به وبأهل بيته بعد موته، وانها صحيفة ] مصحف خ [ عند أهل بيته حتى أن فيه لأرش خدش الكف ] ارش الخدش خ [( [41] )...



18 ـ عن علي بن الحسين ] أبي حمزة البطائني [ عن أبي عبداللّه(عليه السلام)، قال: إن عبداللّه بن الحسن يزعم أنه ليس عنده من العلم إلاّ ما عند الناس، فقال:صدق واللّه عبداللّه بن الحسن، ما عنده من العلم إلاّ ما عند الناس، ولكن عندنا واللّه الجامعة فيها الحلال والحرام( [42] )...



19 ـ عن أبي مريم ] الأنصاري [ قال: قال لي أبو جعفر(عليه السلام): عندنا الجامعة، وهي سبعون ذراعاً فيها كل شيء حتى أرش الخدش، املاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط علي(عليه السلام)( [43] )...



20 ـ عن علي بن سعيد قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: أما قوله في الجفر، إنما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب، فيه كتبٌ، وعلم ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة من حلال وحرام، إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)وخطّ عليّ(عليه السلام)( [44] ).



21 ـ عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: إن عندنا لصحيفة سبعون ذراعاً إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط عليّ(عليه السلام)بيده، ما من حلال ولا حرام إلاّ وهو فيها حتى أرش الخدش( [45] ).



22 ـ وفي رواية اخرى عنه قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: ان عندنا لصحيفة يقال لها الجامعة ما من حلال وحرام الاّ وهو فيها حتى أرش الخدش( [46] ).



23 ـ عن حمران بن أعين عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: أشار إلى بيت كبير وقال: يا حمران، إن في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً بخط عليّ واملاء رسول اللّه، ولو ولّينا الناس لحكمنا بينهم بما أنزل اللّه، لم نَعْدُ ما في هذه الصحيفة( [47] ).



24 ـ عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): إنّ عندنا صحيفة من كتب عليّ طولها سبعون ذراعاً، فنحن نتبع ما فيها لا نعدوها. قال: وسألته عن ميراث العلم ما بلغ؟ أجوامع هو من العلم أم فيه تفسير كل شيء من هذه الأمور التي تتكلم فيه الناس مثل الطلاق والفرائض؟ فقال: إنّ علياً(عليه السلام) كتب العلم كلّه، القضاء والفرايض، فلو ظهر أمرنا لم يكن شيء إلاّ فيه سنّة نمضيها( [48] ).



25 ـ عن ابن العباس عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: واللّه، انّ عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش، املاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وكتبه عليّ بيده صلوات اللّه عليه( [49] ).



26 ـ عن منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: إن عندنا صحيفة فيها ما يحتاج إليه حتى أنّ فيها أرش الخدش( [50] ).



27 ـ وعنه عن عبداللّه بن أبي يعفور قال: قال أبو عبداللّه(عليه السلام): إن عندي ] عندنا خ [ صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها ما يحتاج إليه حتى أنّ فيها أرش الخدش( [51] ).



28 ـ عن عبدالرحمن بن عبداللّه عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: سمعته يقول: ان في البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً ما خلق اللّه من حلال ولا حرام إلاّ فيها حتى أرش الخدش( [52] ).



29 ـ عن محمد بن عبدالملك قال: كنا عند أبي عبداللّه(عليه السلام) نحواً من ستين رجلاً، قال: فسمعته يقول: عندنا واللّه صحيفة طولها سبعون ذراعاً ما خلق اللّه من حلال وحرام إلا وهو فيها حتى أنّ فيها أرش الخدش( [53] ).



30 ـ عن عبداللّه بن أيوب عن أبيه قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام)يقول: ما ترك عليّ شيعةً وهم يحتاجون إلى أحد في الحلال والحرام، حتى أنا وجدنا في كتابه أرش الخدش، قال: ثم قال: أما إنك إن رأيت كتابه لعلمت أنه من كتب الأولين( [54] ).



نكتفي بنقل هذا المقدار، وهناك طائفة أخرى من الروايات لمن رام الاستقصاء.



على أنّ الروايات التي أشرنا إليها سابقاً، وأنها تضمنت حكاية الأئمة(عليهم السلام) لبعض مضامين كتاب عليّ(عليه السلام) أو اسناد حكم إليه، وقلنا أنّ عددها بالعشرات بل بالمئات، كلّها تؤيّد وتعضد وجود هذا الكتاب عند الإمام الصادق(عليه السلام) وغيره من أئمة أهل البيت(عليهم السلام). واذا تواتر ذلك عنهم فلا يبقى مجال للشك في وجود السنّة النبويّة الشريفة المدوّنة باشراف مباشر من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) واملائه، وأنها محفوظة عندهم مصونة عن التحريف والتزوير.



وعصمة الامام(عليه السلام) الثابتة بالأدلّة القطعية تكفينا في إثبات ذلك، بل ليس لأحد ممن ينكر عصمتهم(عليهم السلام) أن يشكك في ذلك أيضاً بعد أنْ أجمع القاصي والدّاني والعدو والموالي على وثاقتهم وأنهم كانوا أورع أهل زمانهم واعلمهم. خاصة بالنسبة للامام الصادق(عليه السلام) الذي شدّت إليه الرحال، واجتمع عليه طلاب العلم، وتتلمذ عليه أشهر أئمة المذاهب، وشهد بفضله أهل العلم أجمع.



شهادات حسيّة:



قد وردت نصوص عديدة تدل على مشاهدة بعض أصحاب الأئمة لكتاب علي(عليه السلام)، أو لبعض أجزائه، وهي شهادات حسّيّة، نورد ما تيسر منها:



1 ـ عن أبي بصير قال: أخرج إليّ ابو جعفر(عليه السلام) صحيفة فيها الحلال والحرام والفرائض، قلت: ما هذه؟ قال: هذه املاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)وخطه عليّ بيده. قال: فقلت: فما تبلى؟! قال: فما يبليها؟! قلت: وما تدرس؟! قال: وما يدرسها؟! قال: هي الجامعة أو من الجامعة( [55] ).



2 ـ وعنه أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كنت عنده فدعا بالجامعة فنظر فيها أبو جعفر(عليه السلام) فاذا فيها المرأة تموت وتترك زوجها ليس لها وارث غيره، قال: فله المال كلّه( [56] ).



3 ـ وعن أبي بصير المرادي قال: سألت أبا عبداللّه(عليه السلام) عن شيء من الفرائض، فقال لي: ألا أخرج لك كتاب عليّ(عليه السلام)؟ فقلت: كتاب عليّ(عليه السلام) لم يدرس؟! فقال: إن كتاب عليّ(عليه السلام) لا يدرس، فأخرجه، فاذا كتاب جليل، واذا فيه: رجل مات وترك عمه وخاله، فقال: للعم الثلثان وللخال الثلث( [57] ).



4 ـ عن معتب ] مولى ابي عبداللّه [ قال: أخرج إلينا أبو عبداللّه(عليه السلام)صحيفة عتيقة من صحف عليّ(عليه السلام) فاذا فيها ما نقول إذا جلسنا لنتشهد( [58] ).



5 ـ عن عبدالملك بن أعين قال: أراني ابو جعفر(عليه السلام) بعض كتب عليّ، ثم قال لي: لأي شيء كتبت هذه الكتب؟ قلت: ما أبين الرأي فيها. قال: هات، قلت: علم أن قائمكم يقوم يوماً فأحبّ أن يعمل بما فيها، قال: صدقت( [59] ).



6 ـ وعنه أيضاً قال: دعا أبو جعفر(عليه السلام) بكتاب عليّ، فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً، فاذا فيه: ان النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا هو توفي عنها شيء، فقال: أبو جعفر(عليه السلام): هذا واللّه خط عليّ بيده واملاء رسول اللّه( [60] ).



7 ـ عن محمد بن مسلم قال: أقرأني أبو جعفر(عليه السلام) صحيفة كتاب الفرائض التي هي املاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخطّ عليّ(عليه السلام) بيده، فاذا فيها أنّ السهام لا تعول( [61] ).



8 ـ وعنه أيضاً قال: أقرأني أبو جعفر(عليه السلام) صحيفة كتاب الفرائض، التي هي املاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخط عليّ(عليه السلام) بيده، فوجدت فيها: رجل ترك ابنته وأمه، للإبنة النصف ثلاثة أسهم، وللأم السدس سهم، يقسم المال على اربعة أسهم( [62] )...



9 ـ وعنه أيضاً قال: أقرأني أبو جعفر(عليه السلام) شيئاً من كتاب عليّ(عليه السلام)فاذا فيه: أنهاكم عن الجرّي والزقير والمارماهي والطافي والطحال... الحديث( [63] ).



10 ـ وعنه أيضاً قال: أقرأني أبو جعفر(عليه السلام) صحيفة الفرائض التي هي املاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخطّ عليّ(عليه السلام) بيده، فقرأت فيها: امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها، فللزوج النصف ثلاثة أسهم، وللأم الثلث سهمان، وللأب السدس سهم( [64] ).



11 ـ عن عذافر الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر(عليه السلام)، فجعل يسأله وكان أبو جعفر(عليه السلام) له مكرماً، فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر(عليه السلام): يا بنيّ قم فاخرج كتاب علي، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً، وفتحه ] ففتحه خ [ وجعل ينظر حتى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر] (عليه السلام) [ : هذا خط عليّ(عليه السلام) واملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله). وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمد، إذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً،فواللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل(عليه السلام)( [65] ).



12 ـ عن زرارة قال: أمر أبو جعفر(عليه السلام) أبا عبداللّه(عليه السلام) فأقرأني صحيفة الفرائض، فرأيت جلّ ما فيها على أربعة أسهم( [66] ).



13 ـ وعنه أيضاً قال: أراني أبو عبداللّه(عليه السلام) صحيفة الفرائض فاذا فيها: لا ينقص الأبوان من السدسين شيئاً( [67] ).



14 ـ وعنه أيضاً قال: أراني أبو عبداللّه(عليه السلام) صحيفة الفرائض، فاذا فيها: لا ينقص الجد من السدس شيئاً، ورأيت سهم الجد فيها مثبتاً( [68] ).



قال الحر العاملي: يستفاد من أحاديث كثيرة أنّ زرارة قرأ صحيفة الفرائض بخط عليّ(عليه السلام)، وأنهم كانوا يرجعون إليه لأجل ذلك( [69] ).



ويظهر أنّ صحيفة الفرائض هذه كانت جزءاً من كتاب عليّ(عليه السلام)الذي نتحدث عنه، كما هو صريح بعض النصوص المتقدمة حيث نسب أحكام الفرائض إلى كتاب علي(عليه السلام)، وهو الأنسب لما وصفت به النصوص ذلك الكتاب أو الصحيفة بأن فيه كل حلال وحرام وما يحتاج الناس إليه وأمثال ذلك مما ظاهره الشمولية، بل قولهم(عليهم السلام) حتّى الأرش في الخدش يقتضي الاستيعاب لكل الأحكام ومنها الفرائض. ويشهد لذلك أيضاً تسميتها بالجامعة.



وقد عدّ بعض الباحثين صحيفة الفرائض كتاباً مستقلاً عندما تعرض لكتب علي(عليه السلام)، ومهما يكن فمرادنا إثبات كونهم(عليهم السلام) قد ورثوا علوم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وسنّته المدوّنة بخط عليّ(عليه السلام) وباملاء مباشر منه(صلى الله عليه وآله)، سواء كانت قد دوّنت بصحيفة واحدة وكتاب واحد أو بأكثر من ذلك.



الأئمة ((عليهم السلام)) لا يحدثون إلاّ عن رسول اللّه ((صلى الله عليه وآله)) :



عقيدتنا في أئمة أهل البيت(عليهم السلام) أنهم معصومون، وهذه العقيدة مستقاة من الكتاب الكريم والسنّة القطعيّة ـ كما هو مبحوث في بابه ـ ، وقد أمر الرسول(صلى الله عليه وآله) باتباعهم والاقتداء بهم والتمسك بعروتهم والأخذ عنهم، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم، فقرنهم به، كما يدل عليه حديث الثقلين المتواتر عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه قال:



اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض( [70] ).



وهذا يعني أنّ ما يبينونه للناس من الأحكام والمعارف الدينية هي أحكام الشريعة الاسلامية التي جاء بها الرسول(صلى الله عليه وآله) ونزل بها الوحي المبين، سواء أسندوا ذلك إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أم لم يسندوه، وسواء استدلوا عليه بآيات من الكتاب الكريم أم لا، وهذا الأمر هو الذي دعانا ـ نحن الشيعة ـ لتوسيع دائرة السنة لتشمل قول الأئمة المعصومين من أهل البيت(عليهم السلام) وأفعالهم وتقريراتهم فضلاً عن سنة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، رغم أننا نعتقد أنهم(عليهم السلام) لم يأتوا بجديد في الشريعة الإسلامية، وانما هم الأمناء عليها، وما يصدر عنهم فهو بيان لشريعة جدهم(صلى الله عليه وآله). فهذه التوسعة للسنّة هي في الحقيقة توسعة للطرق الموصلة إلى سنة الرسول(صلى الله عليه وآله).



والجدير بالملاحظة والاهتمام أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لم يتتلمذوا على أحد من الناس ولم يأخذوا العلم عن أحد منهم، بل أخذوا عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) علومهم التي كانوا يتوارثونها إمام عن إمام.



ومن راجع سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله) ومحل علي بن أبي طالب(عليه السلام) منه، قطع بما لا يقبل الشك أن هذا الرجل كان أشد الناس لصوقاً به، واكثرهم قرباً منه وأخصهم عنده. يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) في ذلك:



ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالاقتداء به( [71] ).



وأخرج ابن سعد عن علي أنه قيل له: مالك اكثر أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) حديثاً؟ قال: إني كنت إذا سألته أنبأني واذا سكتّ ابتدأني( [72] ).



وروى أبو رافع أن علياً(عليه السلام) كانت له من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ساعة من الليل بعد العتمة لم تكن لأحد غيره( [73] ).



وروي عن علي(عليه السلام) في هذا المعنى أنه قال: كان لي من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) مدخلان، مدخل بالليل ومدخل بالنهار، وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلّي تنحنح لي( [74] )، (تعبيراً عن الاذن).



وروي عنه ايضاً قوله: كانت لي من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ساعة من السحر آتية فيها، فكنت إذا أتيت استأذنت، فان وجدته يصلي سبّح، فقلت: أدخل؟( [75] ).



وعن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحداً بمنزلة علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ان كان يبعث إليه في جوف الليل فيستخلي به حتى يصبح، هكذا عنده إلى أن فارق الدنيا( [76] ).



وانه لمن فضول القول أن نتعرض لمكانة علي(صلى الله عليه وآله) من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وما اختص به من المنزلة عنده، ولا شك أن هذه العلاقة لم تكن محض علاقة عاطفية، وهذا القرب لم يكن قرباً قلبياً فحسب، بل كان(صلى الله عليه وآله) يدنيه ليلقي إليه ما عنده من علوم ومعارف وأحكام وأخلاق، فقد وجد فيه ضالته، ولمس منه ما لم يلمس من غيره مما جعله يختاره ليكون وعاءاً لما جاء به الوحي ومستودعاً لما عنده من أسرار.



وهكذا كان أئمة أهل البيت(عليهم السلام) الذين ورثوا ما ورثه علي بن أبي طالب(عليه السلام) فكان كل واحد منهم عيبة علم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وموضع سره، لم يكن بينهم وبينه واسطة إلاّ منهم. فهم ينهلون من معين الوحي الصافي، بالاضافة إلى ما آتاهم اللّه سبحانه وتعالى من صفاء الروح وطهارة النفس، مما جعلهم يحلّقون في عالم العرفان والملكوت والإلهام الذي به صاروا حجة اللّه على العالمين، وأئمة الهدى والعروة الوثقى.



ولقد كان الشيعة في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث ابان اشتداد المحنة على أئمتهم عندما يشتبه على بعضهم أمر النص بسبب الكتمان والتقية يلجأون إلى تمييز الامام والتعرف عليه من خلال العلوم التي يحملونها، كما حصل بعد وفاة الامام الصادق(عليه السلام)، حيث اجتمع بعض الناس على عبداللّه بن جعفر وتوهموا أنه صاحب الأمر بعد أبيه، لكن سرعان ما اكتشفوا خواءه وجهله في كثير من الأمور، وذلك من خلال الأسئلة التي كانت توجه إليه والمسائل التي تطرح عليه.



وقصة هشام بن سالم مع مؤمن الطاق محمد بن النعمان خير شاهد على ذلك( [77] ).



ولقد كان صغيرهم فقيهاً عالماً ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، وكم مرّة حاول حكام بني العباس أن يعجزوهم فأعدوا المجالس لهم وحشدوا لها أبرز فقهائهم وقضاتهم، فخاب سعيهم وضاعت أحلامهم أمام خزّان علم النبوة وحملة أسرار الوحي الرسالي.



فهذا جواد أهل البيت محمد بن علي(عليه السلام) وهو ابن سبع سنين يناظر يحيى بن أكثم في مجلس المأمون فيحيّره ويعجزه حتى بان في وجهه الانقطاع والتلجلج والفشل( [78] ).



انهم أهل بيت زقّوا العلم زقّا، ولقد غاب عن كثير ممن جهلهم، ولم يتشرف بمعرفتهم، ولم يرزق ولايتهم، غاب عنهم أن هؤلاء ورثة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وأنهم أهل بيت لا يتلقّون علومهم بالطرق التي يعرفها الناس، والتي اعتادوا عليها.



أردنا من كل هذا أن نبيّن أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) باعتبار عصمتهم وباعتبار علومهم ومعارفهم التي لا تنضب، قول كل واحد منهم بنفسه حجّة وسنّة، ولا يحتاج إلى اسناد يسلسله لنا عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، لكنهم مع ذلك صرحوا في اكثر من موقع وفي اكثر من حادثة، أنهم لا يفتون الناس بآرائهم، وانما هو علم يتوارثونه كابراً عن كابر.



ففي الرواية عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال: يا جابر إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وورقهم( [79] ).



وأصرح من ذلك ما روي عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه كان يقول: حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وحديث رسول الله قول اللّه عزوجل( [80] ).



وقريب من ذلك ما رواه جابر قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إذا حدثتني بحديث فاسنده لي، فقال: حدثني أبي عن جدي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)عن جبرئيل عن اللّه عزوجل. وكل ما أحدثك بهذا الاسناد. وقال: يا جابر، لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها( [81] ).



هذا الاسناد هو الذي قال عنه أحمد بن حنبل حينما أسند الإمام الرضا(عليه السلام) حديثه به في نيسابور لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرئ من جنته( [82] ) وذكر أنه قرأه بالفعل على مصروع فأفاق( [83] ).



ولا نجد غيرهم(عليهم السلام) يتجرأ أن يدّعي سعة العلم وشموليته، بينما أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول على منبر الكوفة سلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض( [84] ).



ويروى عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر(عليه السلام) فقال له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين(عليه السلام): سلوني عما شئتم،فلا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأتكم به قال: إنه ليس أحد عنده علم شيء إلا خرج من عند أمير المؤمنين(عليه السلام)، فليذهب الناس حيث شاؤوا، فواللّه ليس الأمر إلا من ههنا، وأشار بيده إلى بيته( [85] ).



وروي أن أبا جعفر(عليه السلام) قال لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا أهل البيت( [86] ).



وفي رواية أخرى عنه(عليه السلام): فليذهب الحكم يميناً وشمالاً، فواللّه لا يؤخذ العلم إلاّ من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل(عليه السلام)( [87] ).



لكنهم(عليهم السلام) عاشوا في أقوامهم غرباء، لم تعرف منزلتهم، ولم يرع حقهم، فعوضاً عن الاقبال عليهم والتماس ما عندهم والاهتداء بهم تراهم يسبّون على المنابر ويقصون عن مراتبهم التي رتّبهم اللّه فيها، ويسامون أنواع القتل والتنكيل والسجن والتعذيب، هكذا كان دأب حكام الجور معهم ومع أتباعهم وأشياعهم.



ومن أبرز الشواهد التي نقلها التاريخ والتي تدل على أن علومهم(عليهم السلام)لدنيّة غير مستقاة من أحد من الناس، ما حصل مع الامام الهادي علي ابن محمد(عليه السلام)، بعد وفاة أبيه الجواد وكان يومئذ صبياً لم يتجاوز سبع سنين من العمر، فأمر المتوكل العباسي أن يختار له معلماً من أهل المدينة معروفاً بالعلم والأدب، منحرفاً عن أهل البيت(عليهم السلام)، معادياً لهم، فأشاروا عليه برجل يعرف (بالجنيدي) كان ظاهر النصب والعداوة لهم(عليهم السلام)، مقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، فأوكل إليه أمر تأديبه وتعليمه، ومنع الرافضة من الدخول عليه.



فكان الجنيدي يلازم أبا الحسن الهادي(عليه السلام) في القصر نهاراً، ويغلق الباب ليلاً ويأخذ المفاتيح، ومكث مدة على ذلك، حتى سئل عنه فقال: واللّه تعالى لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأ اللّه وانه حافظ القرآن من أوله إلى آخره، يعلم تأويله وتنزيله، واني واللّه لأذكر له الحرف في الأدب وأظن أني بالغت فيه، ثم انه يملي عليّ فيه أبواباً أستفيده منه، فيظن الناس أني أعلمه وأنا واللّه أتعلم منه.



ثم قال: هذا صبي صغير، نشأ بالمدينة بين الجدران السود، فمن أين علم هذا العلم الكثير؟! يا سبحان اللّه ما أعجب هذا؟!( [88] )..



نعم هكذا كان أهل البيت(عليهم السلام)، وهكذا عاشوا تحت ظل الارهاب والجور الذي طالما مارسه السلاطين ضدهم، محاولين عزلهم، وابعاد الناس عنهم، وتشويه صورهم، وتحت ظل ذلك الارهاب، واستجابة لرغبات سلاطين الجور أعرض الناس عنهم وولوا وجوههم شطر أهل القياس وعلماء البلاط، وطال الزمن واستمر هذا الحال لقرون متمادية حتى محيت من ذاكرة الأمة آثارهم، ومن مدونات أهل الحديث علومهم وأخبارهم.



وان تعجب فتعجّب ممن جاء بعد الإمام الصادق(عليه السلام) أو قارب عصره، ودوّنوا المجاميع الحديثية التي وصفوها بالصحاح والمسانيد، ولم يرووا له إلاّ النزر اليسير، وهو الذي أحصي الرواة عنه من الثقات فكانوا ما يقرب من أربعة آلاف( [89] )، بينما تجدهم يروون عن الخوارج والمرجئة وامثالهم.* * *



الكتب والصحائف الأخرى



علمنا مما تقدم أنّ كتاب علي(عليه السلام) الكبير والمهم هو الذي كان يشكل مصدراً مهماً من مصادر السنة يحتوي كل حلال وحرام، وقد اطلق عليه في أخبارهم إسم الصحيفة والجامعة أو الصحيفة الجامعة، وتقدم الوجه في هذه التسمية، وقد أطبقت النصوص على أن طول هذه الصحيفة سبعون ذراعاً، وأن عرضها في عرض الأديم، وهذا يعني أنه ربما بلغ ذراعين. ووصفت بأنها مثل فخذ البعير الضخم (الفالج) وأنها بحجم فخذ الرجل مطوياً، وكل ذلك يدلّ على ضخامة حجم الكتاب.



وهناك كتب وصحائف أخرى ورد ذكرها في النصوص والآثار نتعرض لها، ونقارنها بما تقدم.



1 ـ صحيفة علي(عليه السلام)



هذه الصحيفة قد يطلق عليها أيضاً صحيفة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وكانت معلقة في ذؤابة السيف أو قرابه، وقد انتقلت من الرسول(صلى الله عليه وآله) إلى علي(عليه السلام) مع السيف فيما انتقل من السلاح والكتب التي ورثها(عليه السلام)وأورثها الأئمة من أبنائه.



وقد ذكرت هذه الصحيفة في روايات الفريقين وكتبهم، بخلاف كتاب علي(عليه السلام) المتقدم الذي اختصت بنقله كتب الشيعة ورواياتهم.



فقد ذكرها البخاري في عدة مواضع من جامعه، ومسلم وأحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي( [90] )، وتحدث عنها أغلب محدثيهم وحفاظهم. لكنهم ذكروا لها مضمونا محدّداً يظهر منه مغايرتها لكتاب عليّ(عليه السلام) (الجامعة).



وقد تعرضت لها عدة نصوص من طرقنا أيضاً:



فعن أبي عبداللّه الصادق(عليه السلام) قال: وجد في ذؤابة سيف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) صحيفة فاذا فيها مكتوب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، ان أعتى الناس على اللّه يوم القيامة من قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولّى غير مواليه فهو كافر بما أنزل اللّه تعالى على محمد(صلى الله عليه وآله)، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً لم يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً( [91] ).



وقريب منه روي عن الصادق عن أبيه(عليهما السلام)( [92] ).



وورد مختصراً عن الامام الكاظم(عليه السلام) أيضاً( [93] ).



ويظهر من روايات أهل السنة تقارب المضمون ومشابهته له، وهو: قال علي(عليه السلام): ما عندنا كتاب نقرؤه إلاّ كتاب اللّه غير هذه الصحيفة، فاخرجها فاذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الابل، وفيها: المدينة حرم ما بين عير الى ثور فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل، ومن والى قوماً بغير اذن مواليه فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل( [94] ).



وفي بعض النصوص:



إن ابراهيم حرّم مكة واني أحرّم المدينة، حرام ما بين حريتها وحماها كله لا يختلي خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلاّ لمن أشار بها، ولا تقطع منها شجرة إلاّ أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال، قال: واذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم ادناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده( [95] ).



وفي بعضها الآخر:



مكتوب فيها: لعن اللّه من ذبح لغير اللّه، ولعن اللّه من سرق منار الأرض، ولعن اللّه من لعن والده، ولعن اللّه من آوى محدثاً( [96] ).



وفي بعضها: أن فيها فرائض الصدقة أو الصدقات( [97] ).



وفي بعضها: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر( [98] ).



وفي بعضها: فيها الديات عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأن لا يقتل مسلم بكافر( [99] ).



فالظاهر أن هذه الصحيفة هي عينها ما رويت فيما تقدم عن أهل بيت العصمة لتشابه المضمون وكونها صحيفة في ذؤابة السيف، ولا يضر اختلاف ما حكي عن محتواها في الحكم باتحادها لأن كل راو نقل جانباً مما سمع، فلا تعارض بينها.



التعارض بين روايات صحيفة علي ((عليه السلام)) وكتابه:



قلنا أنه لم يرد ذكر لكتاب علي(عليه السلام) (الجامعة) في كتب الحديث عند أهل السنة، بل في هذه النصوص التي نقلنا شطراً منها تصريح بعدم وجود شيء آخر عنده(عليه السلام) خصه به رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) غير هذه الصحيفة.



فقد عبرت بأنه: ما عندنا كتاب نقرؤه إلاّ كتاب اللّه غير هذه الصحيفة.



أو: ما كتبنا عن النبي(صلى الله عليه وآله) إلاّ القرآن وما في هذه الصحيفة.



أو: من زعم أن عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب اللّه وهذه الصحيفة... فقد كذب.



أو: ما خصنا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بشيء لم يخص به الناس إلا بشيء في قراب سيفي هذا.



أو: ما عهد إلي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) شيئاً خاصة دون الناس إلا شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي.



وأمثال هذه العبائر التي تؤدي معنى واحداً مشتركاً وهو نفي ما عدا هذه الصحيفة الصغيرة، هذا الأمر يشكل معارضاً للروايات السابقة التي اختص بنقلها الشيعة، وبالتالي فهي تحتاج إلى علاج. وقد استفاد من هذه النقطة هواة الطعن والتشنيع على الشيعة وكال لهم التهم والشتائم.



قال النووي: هذا تصريح من علي(عليه السلام) بابطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم ان علياً(رضي الله عنه) أوصى إليه النبي(صلى الله عليه وآله) بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه خصّ أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم..



قال: وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفي في ابطالها قول عليّ(رضي الله عنه) هذا( [100] ).



وعلى هذا الوتر عزف شراح البخاري( [101] )، وعلى منوالهم نسج ابن كثير( [102] ) وغيره.



وقد حاول البعض حل التعارض مدعياً أن الصحيفة الجامعة التي هي كتاب علي(عليه السلام) هي نفسها هذه الصحيفة إلاّ أن الرواة لم يحفظوا ولم يرووا إلاّ النزر اليسير، أو تعمدوا ذلك لأجل التزهيد بها.



لكنا نحن لا نرضى بهذه الدعوى، ونصرّ على أن كتاب علي(عليه السلام)غير هذه الصحيفة، فكيف يمكن الاتحاد، وكتاب علي(عليه السلام) صحيفة طولها سبعون ذراعاً بعرض الاديم، إذا لفّت صارت مثل فخذ البعير أو فخذ الرجل مطوياً، بينما هذه الصحيفة يظهر أنها صغيرة جداً معلقة في ذؤابة السيف حتى كأنها بعض حمائله. فنحن لا نحتمل الاتحاد مطلقاً.



لكنّا نقول ان هذه الروايات لا تقاوم التواتر الحاصل من طرقنا على اختصاصهم(عليهم السلام) بودائع النبوة التي من جملتها كتاب علي(عليه السلام)ويكفي ما أوردناه من النصوص وما أشرنا إليه مما هو يملأ كتب الحديث عندنا ويرويه الكثير من أصحاب الأئمة(عليهم السلام). فإنا وان قبلنا ما ذكرته روايات أهل السنة حول الصحيفة المعلقة بذؤابة سيف علي(عليه السلام) إلاّ أنا لا نقبل مطلقاً ما تصدرت به من نفي ما عداها.



ومن جهة أخرى تدل رواياتهم على أن حديثاً كان يدور حول وجود شيء من العلوم النبوية اختص بها(عليه السلام) دونهم وهو الأمر الذي دعاهم للسؤال كما في بعضها.



المهم أن ما يدعيه الشيعة حول كتاب علي(عليه السلام) هو حقيقة ثابتة بالتواتر وليس أمراً مخترعاً كما يزعم النووي، ومجرّد نقل البخاري ومسلم لرواية لا يبرّر هذا الهجوم، حتى لو صحت الرواية فان التعارض قد يسقط الرواية الصحيحة عن الحجيّة إذا ما كانت مرجوحة ويوجب طرحها جانباً.



أضف إليه أن الجوامع الحديثية التي ادعوا صحتها قد حوت الكثير مما هو غير صحيح، وغير مقبول وقلنا أنهم رووا عن الخوارج والمرجئة وأهل المذاهب الفاسدة، فكيف يدعى صحة كل ما فيها، وأما تركهم لنقل الكثير مما هو صحيح بالفعل فهو من المسلّمات عندهم، والاعراض كان لأغراض لا تخفى على منصف.



واكثر من هذا يمكن أن يقال أن لحن هذه الروايات يتفق مع الاتجاه الذي كان لا يحب أن ينتشر لأهل البيت(عليهم السلام) فضيلة، وكان يسعى بكل ما أوتي من امكانات لابعادهم عن الساحة السياسية والحطّ من مكانتهم واسقاطهم عند الناس. يتفق مع الاتجاه الذي جعل سبّ عليّ(عليه السلام) سنّة تعبّد بها الناس والتزم بها الخطباء وأهل المنابر أربعين سنة حتى شبّ عليه الصغير وشاب عليه الكبير.



بل ان الأيمان المغلّظة التي تصدرت تلك الروايات تدعو بنفسها للريبة والشك ويفوح منها رائحة الوضع، وقديماً قيل: كاد المريب أن يقول خذوني.



فنحن نعرض عنها صفحاً لمخالفتها للكتاب الكريم والسنة القطعية ونتمسك بما وافقهما، عملاً بقول الرسول(صلى الله عليه وآله): اذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه وسنتي فما وافق كتاب اللّه وسنتي فخذوا به وما خالف كتاب اللّه وسنتي فلا تأخذوا به( [103] ).



نعرض عنها لنتمسك بما هو ثابت الصحة موافق للكتاب والسنة. فنأخذ بالموافق لكتاب اللّه حيث يقول:



وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والراسخون في العلم..( [104] ). وقد روي أن الراسخين في العلم هم الرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته( [105] ).



ونأخذ بما يوافق السنة النبوية القطعية التي روت لنا عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأت الباب( [106] ).



اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي...( [107] ).



مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك( [108] ).



وكيف يكون من الراسخين في العلم، والعالمين بتأويل الكتاب وتنزيله، وكيف يكون التمسك بهم عاصماً من الضلال، وكيف يكون باب مدينة علم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسفينة النجاة من ليس عنده من العلم إلاّ ما في أيدي الناس. وكيف يأمر باتباعهم والتمسك بهم ولا يعطيهم ما يحتاج إليه الناس كل الناس.



أخرج ابن أبي الحديد عن أبي جعفر النقيب: قد صحت الرواية عندنا عن اسلافنا وعن غيرهم من أرباب الحديث أن علياً(عليه السلام) لما قبض أتى ابنه أخويه حسناً وحسـيناً(عليهما السلام) فـقال لهـما أعـطياني ميراثي مـن أبي، فقالا له: قـد علمت أن أباك لم يترك صفراء ولا بيضاء، فقال: قد علمت ذلك، وليس ميراث المال أطلب، وانما أطلب ميراث العلم.



قال أبو جعفر رحمه اللّه تعالى: فروى أبان بن عثمان، عمن يرويه له ذلك عن جعفر بن محمد(عليه السلام)، قال: فدفعا إليه صحيفة لو أطلعاه على اكثر منها لهلك، فيها ذكر دولة بني العباس( [109] ).



هذه الصحيفة هي التي وصلت إلى بني العباس عن طريق أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية، وكانوا يسمونها صحيفة الدولة ولها قصة نقلها ابن أبي الحديد.



وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه قال: كنا نتحدث ـ معاشر أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ـ أن النبي(صلى الله عليه وآله) عهد إلى عليّ سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره( [110] ).



وفي رواية ثمانين عهداً( [111] ).



أفنترك كل هذا لأجل رواية روّجها أعداؤهم وحسّادهم؟!. نحن لا ندعي أن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كتم شيئاً من الرسالة، وانما هو ثقل تلك العلوم والصدور التي تعي وتتحمل، إن أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يقول:



إن ههنا لعلماً جماً (ويشير بيده إلى صدره)، لو أصبت له حَمَلة( [112] ).



فكيف برسول اللّه(صلى الله عليه وآله)!! الذي هو أفضل من علي(عليه السلام)، ومصدر علمه.



روي عن أبي عبداللّه الصادق(عليه السلام) أنه قال:



لو أجد ثلاثة رهط استودعهم العلم وهم أهل لذلك لحدّثت بما لا يحتاج فيه إلى نظر في حلال ولا حرام، وما يكون إلى يوم القيامة..( [113] ).



فليس من آداب البحث ولا من دأب العلماء أن يحكموا على غيرهم بمثل هذه الأحكام الجائرة التي صدرت عن النووي وابن كثير وأمثالهما، وكيف يصح الحكم على الشيعة باختراع الأحاديث لمجرد أنهاغير موجودة في كتبهم، أو كونها لا تتوافق مع أهوائهم. وما ذنب الشيعة إذا حرصوا على الولاء لمدرسة أهل البيت عندما ابتعد الناس عنهم، واخذوا عنهم حينما أعرض الآخرون، وحفظوا فضائلهم التي حاول طمسها ومحوها أعداؤهم.



قال معاوية لابن عباس: إنا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي(عليه السلام)، فكف لسانك. قال: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟! قال: لا، قال: أفتنهانا عن تأويله؟! قال: نعم. قال: أفنقرأه ولا نسأل؟! قال: سل عن غير أهل بيتك! قال: انه منزل علينا، أفنسأل غيرنا؟ أتنهانا أن نعبد اللّه؟! فاذاً تهلك تلك الأمة. قال: اقرؤوا ولا ترووا ما أنزل اللّه فيكم( [114] )..



فما يدريك أن أصحابك الذين تعتمد عليهم، ولا تتعدّى كتبهم ومجاميعهم، قد أهملوا تلك الأحاديث والروايات خوفاً أو طمعاً. أو لعلهم لم يجدوها عند أصحابهم لأنها ضاعت فيما ضاع من فضائلهم(عليهم السلام)تحت وطأة التهديد والوعيد لمن يجريها على لسانه.



2 ـ صحيفة الناموس:



من الصحف الأخرى التي ورد ذكرها في بعض النصوص وأنها من مختصات الامامة، صحيفة فيها أسماء الشيعة وتدعى الناموس.



فعن الرضا علي بن موسى(عليه السلام) في حديث عن علامات الامام، قال: .. وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة( [115] ).



وعن داود الرقي قال: قلت لأبي الحسن الماضي(عليه السلام): إسمي عندكم في السفط التي فيها أسماء شيعتكم؟ فقال: إي واللّه في الناموس( [116] ).



وعن حذيفة بن اسيد الغفاري قال: دخلت على علي بن الحسين بن علي(عليهم السلام) فرأيته يحمل شيئاً، فقلت ما هذا؟ قال: هذا ديوان شيعتنا( [117] )..



وعن حبابة الوالبية قالت: قلت لأبي عبداللّه(عليه السلام): إن لي ابن أخ وهو يعرف فضلكم وإني أحب أن تعلمني أمن شيعتكم؟ قال: وما اسمه؟ قالت: قلت: فلان بن فلان، قالت: فقال: يا فلانة هات الناموس، فجاءت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثم نظر فيها، فقال: نعم هو ذا اسمه واسم أبيه ههنا( [118] ).



وقريب من ذلك عدة روايات أخرى تدل على تلك الصحيفة( [119] ).



وقد ذكرت أيضاً صحيفة لأسماء أعدائهم، فيحتمل أن تكون هذه الصحيفة حاوية لأسماء الشيعة والأعداء، ويحتمل كونها صحيفة أخرى غيرها. ومهما يكن فلا بد أن تكون الصحيفة هذه كبيرة تسع العدد الهائل من الأسماء، إلاّ أن يقال بأن المذكور خصوص الخلّص من الشيعة والمتمحضون بالعداء وعلى أي حال فهو غير محال. ولعل الصحيفة الآتية هي صحيفة الأعداء بالخصوص.



3 ـ صحيفة تدعى العبيطة:



هذه الصحيفة ورد ذكرها في الرواية عن أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث قال:



.. وأيم اللّه إن عندي لصحف كثيرة، قطائع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، وان فيها لصحيفة يقال لها العبيطة، وما ورد على العرب أشد منها، وان فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة، ما لها في دين اللّه من نصيب( [120] ).



4 ـ صحيفة أخرى في ذؤابة السيف:



فقد وردت نصوص تتحدث عن صحيفة وجدت في ذؤابة سيف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) إلاّ أنها بمضمون مغاير تماماً للصحيفة المتقدمة سابقاً.



روي عن أبان بن تغلب وعن أبي بصير عن أبي عبداللّه(عليه السلام): أنه كان في ذؤابة سيف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف.



قال أبو بصير: قال أبو عبداللّه(عليه السلام): فما خرج منها إلاّ حرفان حتى الساعة( [121] ).



فالذي يبدو أنها كتبت بالرموز، أو بما يسمى بعلم الحروف، ولولا قوله(عليه السلام): فما خرج منها إلا حرفان، لأمكن القول بأن المراد من الأحرف كبريات المسائل وكلياتها التي تتفرع عليها الأحكام. والتعبير عن المسألة الكلية بالحرف وارد في كلامهم كما في النص الوارد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام): قال: ذكر عليّ(عليه السلام) أنه وجد في قائمة سيف من سيوف رسول اللّه صحيفة فيها ثلاثة أحرف: صل من قطعك، وقل الحق ولو على نفسك، وأحسن إلى من أساء إليك.. الخبر( [122] ).



وكون هذه الصحيفة في ذؤابة سيف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لا يوجب القطع بالاتحاد مع الصحيفة السابقة لأنا لا نستبعد أن يكون في ذؤابة السيف صحيفتان، كما أنه من الممكن تعدد السيف. ويدلّ على التعدد ما رواه البيهقي عن عائشة أنها قالت: وجد في قائم سيف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)كتابان..( [123] ).



وأما تعدد السيف فيدل عليه ما ورد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) في الرواية السابقة: أن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كان له سيفان يقال لأحدهما ذو الفقار وللآخر العون، وكان له سيفان آخران يقال لأحدهما المخذوم وللآخر الرسوم( [124] ).



ولعل هذه الصحيفة هي نفسها التي عرضها أمير المومنين(عليه السلام) على أولاده الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية ولم يستطع محمد أن يستخرج منها شيئاً( [125] )، مما يؤيد أنها كانت قد كتبت بالرموز والاشارات. وهو غير بعيد.



5 ـ صحيفة الفرائض:



مرّ ذكرها في بعض الروايات عن زرارة ومحمد بن مسلم وأنهما رأياها عند الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام) وأنهما قرآ فيها بعض أحكام الإرث. وقد عدّها بعض المحققين صحيفة مستقلة غير الجامعة (كتاب علي(عليه السلام)). وقد تقدم أنا استقربنا كونها جزءاً من كتاب علي(عليه السلام)الموسوم بالصحيفة الجامعة، ويؤيده عدد من الأخبار حيث جعلت الفرائض من جملة محتوياته.



6 ـ كتاب الجفر:



ورد في رواية سدير الصيرفي عن أبي عبداللّه جعفر بن محمد(عليه السلام)أنه قال: إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص اللّه تقدس إسمه به محمداً والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام( [126] ).



وهذه الرواية وان لم تصرح بنسبة الكتاب إلى علي(عليه السلام) إلاّ أنه يظهر منها أنه من جملة ودائع النبوّة وميراث الامامة.



واسم الجفر في الكثير من الروايات أطلق على وعاء كالجراب فيه الكتب التي يتوارثها الأئمة(عليهم السلام) عن علي(عليه السلام)، فاطلاقه على هذا الكتاب إما على أساس الاشتراك اللفظي أو تسامحاً وسنعقد فصلاً مستقلاً للبحث في الجفر ان شاء اللّه.



إخفاء الكتب عند الخوف:



لقد حرص أئمة أهل البيت أشد الحرص على حفظ هذا الميراث العظيم، وصانوه بدقة، وأخفوه عن الحكام والسلاطين حفاظاً عليه، ولكي لا يقع بيد أعدائهم الذين يسوءهم أن يختص أهل البيت بهذا التراث العلمي الفريد.



والحقيقة.. ان الانسان ليعجب كيف تمكن الأئمة(عليهم السلام) من ابقائه في حوزتهم رغم الشدائد التي تعرضوا لها والبلاءات التي مرت عليهم، وقد وردت إشارات متفرقة في النصوص تظهر لنا بالجملة كيف كانت تحفظ تلك الودائع عند الهزاهز.



ففي رواية عن أبي الصباح ] الكناني [ قال: قلت لأبي عبداللّه(عليه السلام): بلغنا أن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام) أنت أخي وصاحبي وصفيّي ووصيّي وخالصي من أهل بيتي وخليفتي في أمتي... فقال لي أبو عبداللّه: هذا مكتوب عندي في كتاب عليّ ولكن دفنته ] دفعته خ [أمس حين كان هذا الخوف وهو حين صلب المغيرة( [127] ).



وعن المعلّى بن خنيس عن أبي عبداللّه(عليه السلام) أنه قال: ان الكتب كانت عند علي(عليه السلام) فلما سار إلى العراق استودع الكتب امّ سلمة..( [128] ).



وعن حمران عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: سألته عما يتحدث الناس أنه دُفعت إلى أم سلمة صحيفة مختومة، قال: ان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لما قبض ورث عليّ(عليه السلام) سلاحه وما هنالك، ثم صار إلى الحسن والحسين(عليهما السلام)فلما خشيا أن يُفتشا استودعا أم سلمة( [129] )..



وفي رواية عن أبي عبداللّه(عليه السلام) فلما أحسّ الحسين(عليه السلام) أنه يقتل استودعه أم سلمة( [130] ).



أسباب إخفاء الكتب:



قد يتساءل البعض: لماذا لم يظهر أمير المؤمنين والأئمة من ولده(عليهم السلام)الكتب والصحائف التي دُوّنت فيها علوم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)؟ وأي فائدة تعود على الاسلام والمسلمين من خزنها واخفائها عن أعين الناس؟



ولعلّ بعض الأعداء قد اتخذ من هذه النقطة بالذات ذريعة لاثارة جوّ من الشكوك حول وجود مثل هذه الكتب، وحول اختصاص أهل البيت بشيء من العلم غير ما في أيدي الناس.



من أجل ذلك عقدنا هذا الفصل لنبحث في الأسباب التي منعتهم(عليهم السلام) من إظهارها ونشرها واضطرتهم للحرص على ابقائها طي الكتمان إلاّ عن بعض أصحابهم المقربين. ويتضح الأمر من خلال استعراض عدة نقاط:



النقطة الأولى:



ان العلوم التي ورثها أئمة أهل البيت(عليهم السلام) والتي تتضمنها تلك الكتب والصحائف متنوعة، والذي تردّد ذكره في مجمل النصوص المتقدمة التي نقلناها وغيرها مما لم ننقله للاختصار ما يلي:



1 ـ الحلال والحرام وما يحتاج إليه الناس من أحكام الشريعة الاسلامية كالفرائض والحدود وامثالها.



2 ـ علم التفسير والتأويل ومناسبات النزول وما يتعلق بالكتاب الكريم.



3 ـ علم الحوادث ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.



4 ـ علم المنايا والرزايا والبلايا، وربما دخل هذا في سابقه.



5 ـ ديوان أسماء الملوك الذين يحكمون والدول، وربما كان هذا أيضاً ضمن الحوادث.



6 ـ ديوان أسماء الشيعة واسماء أعداء أهل البيت(عليهم السلام).



7 ـ الكتب المنزلة على الأنبياء السابقين كالتوراة والانجيل والزبور وغيرها من الألواح والصحف.



ومن الواضح أن هذه العلوم على قسمين:



الأول: ما لا بد من نشره وتبليغه إن أمكنهم ذلك.



الثاني: ما هو مختص بمنصب الامامة ولا يجب أن يعرفه كل الناس.



وواضح أن القسم الأول من قبيل أحكام الشريعة التي يحتاجها الناس ويقع الابتلاء بها، وبعض ما يتعلق بالقرآن الكريم من التفسير والتأويل. ولم يقع من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) تقصير في إظهار هذا القسم من علومهم، طبعاً عندما كان يسمح لهم بذلك ويجدون الآذان الصاغية ومن يتقبّل منهم ويقبل عليهم، إلاّ أنهم(عليهم السلام) في الكثير من الأحيان وربما في أغلب الأحيان كانوا يعيشون حالة من الحصار والضغظ الشديد، الذي يحجب الناس عنهم ولم يسمح لهم بالتمادي في بيان أحكام الشريعة الاسلامية. ولم يكن يقبل منهم كل ما يبينون ولا يؤخذ بما يفتون.



ولا يجب أن يكون ذلك باظهار نفس الكتب وأعيانها فان ما بايدينا من النصوص والروايات التي نقلها أصحاب الأئمة وشيعة أهل البيت(عليهم السلام) ـ إن صحت ـ فهي من تلك الفيوضات وبعض ما في تلك الكتب.



وأما القسم الثاني فقد ظهر منه أشياء متفرقة حدّثوا بها بين الحين والآخر، لاظهار فضلهم ومنزلتهم وإقامة الحجة على الناس، وذلك من قبيل الاخبار بما يكون وبما في الكتب والصحف الأولى عند الاحتجاج على أهل الكتاب من اليهود والنصارى وأمثال ذلك.



النقطة الثانية:



أن العلوم على مستويات، مستوىً يناسب عامة الناس كأحكام المسائل التي يبتلون بها، ومستوىً آخر لا يناسب إلاّ العلماء كالعلوم والمعارف الدقيقة والقواعد الكلية التي يستنبط منها الفروع والمسائل، ومثل هذا المستوى لا يتحمله الا الخواص.



ونحن نجد أن سيرة العلماء في كل الأزمان أن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم، ويوصي علماء الفلسفة بصون مسائلها عن عوام الناس لدقتها وامتناعها عن الأذهان والعقول التي لم تتعود العلوم الدقيقة، ومن ا لمعلوم أن طرح تلك المسائل على العوام يؤدي إلى ايقاعهم في الشبهات المستعصية وربما ساقتهم إلى الكفر والالحاد، ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها.



ولا شك أن معارف الدين تتضمن من الأمور الدقيقة والأسرار الالهية ما يعجز عن ادراكها وتحملها اكثر الناس، ولا يكلف بالخوض فيها إلاّ أهلها، الذين رزقهم اللّه وعياً خاصاً وقلوباً يمكنها استيعابها.



ولا شك أن تلك الكتب والصحائف أغلبها لم تملى على عامة الناس، وانما أمليت على أخصهم، وأقربهم من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ومن صنع على عين اللّه تعالى وربي في حجر رسوله(صلى الله عليه وآله)، فكان الوعاء القادر على تحمل ثقل الرسالة وأسرارها، فلا بد أن تكون تلك الكتب حاوية لمستويات من المعارف لا يمكن القاؤها على كل أحد، وكانت سيرتهم(عليهم السلام) على اعطاء كل شخص ما يناسبه من علومهم، ليس ضناً بها عن الآخرين وانما صوناً لها عن غير أهلها.



وهناك شواهد عديدة على ذلك:



1 ـ ما تقدم في قصة مطالبة محمد بن الحنفيّة بميراثه من علوم أبيه، فقد روي أن الحسن والحسين(عليهما السلام) دفعا إليه صحيفة لو أطلعاه على اكثر منها لهلك، فيها ذكر دولة بني العباس( [131] ).



2 ـ قول أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي يظهر منه التألم والتحسر لعدم توفر من يتحمل ما في صدره من العلوم ليلقيها إليه، يقول(عليه السلام):



إن ههنا (ويشير إلى صدره) لعلماً جمّاً، لو أصبت له حَمَلَة( [132] ).



3 ـ ما أشرنا إليه سابقاً مما روي عن الباقر(عليه السلام) أنه كان يقول:



لو أجد ثلاثة رهط استودعهم العلم وهم أهل لذلك لحدّثت بما لا يُحتاج فيه إلى نظر في حلال ولا حرام، وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة..( [133] ).



كل ذلك يدلّ على أن سبب احتفاظهم بذلك الميراث لانفسهم، هو عدم توفر المؤهلات الكافية لتحمل تمام ما فيه من دقيق المعارف.



ولعمري.. كيف لا يكون الأمر كذلك، والناس لم تتحمل منهم المقدار الذي ظهر، فصار سبباً لظلمهم ومحاصرتهم ورصدهم بالعيون وتعريضهم لشتّى البلاءات والمصائب.



النقطة الثالثة:



السيرة التي جرى عليها حكام وسلاطين الجور منذ منع الحديث عن رسول اللّه، وخاصة ما يرتبط بفضل أهل البيت(عليهم السلام) واظهار رفيع منزلتهم، هذه السيرة كانت ترتكز على قاعدة من العداء والحسد لهم(عليهم السلام)، والسعي الحثيث لاسقاطهم بين الناس، وكانت هذه الكتب وما تحويه من العلوم تشكل سنداً ووثيقة تثبت منزلتهم وعلوّ شأنهم، ولقد كان إظهار أمرها يشكل عنصر إثارة للحكام وداعياً لمصادرتها واتلافها أو اساءة الاستفادة منها، وبالتالي حرمان أهل البيت(عليهم السلام)وكافة المسلمين من هذا الكنز العظيم والأثر الباقي من رسول الله(صلى الله عليه وآله). الأمر الذي جعلهم(عليهم السلام) يحرصون كل الحرص على اخفائها وسترها وبالتالي ضمان سلامتها.



روي عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: لولا أن يقع عند غيركم كما وقع غيره لأعطيتكم كتاباً لا تحتاجون إلى أحد حتى يقوم القائم( [134] ).



وقد نقلنا فيما تقدم أنهم(عليهم السلام) كانوا يخفونها عند الخوف وتوقع المداهمة من قبل السلطات الحاكمة، وكانوا يودعونها عند أم سلمة أو فاطمة بنت الحسين ممّن لا تلتفت إليه أنظار الحكام وعيونهم.



وخلاصة القول أن اللّه سبحانه وتعالى لمّا اختار من أهل بيت نبيه(صلى الله عليه وآله) حججاً على خلقه وولاةً لأمره، أعطاهم ما يغنيهم عن البشر مما يحتاجون إلى معرفته، وأطلعهم على دقيق معارفه ولطيف حكمته، ولو ثنيت لهم الوسادة، وسلّموا زمام الأمور، وقيادة الأمة، لحكموا بما آتاهم اللّه سبحانه من العلوم والمعارف، ولكنهم(عليهم السلام) أُزيلوا عن مراتبهم التي رتّبهم اللّه فيها. ولم تعرف منزلتهم، فاضطروا لكتمان الكثير مما عندهم من العلم إذ لم يجدوا بدّاً من ذلك، لما قدّمناه وفصلناه.



وليس لأحد أن يستدلّ بجهله بالاشياء على عدمها، ولا أن ينكر ما يعجز عن ادراكه وفهمه.* * *



الجَــفْرحقيقتـه ، ومـا قيل عنـه



اقترن ذكر الجفر بالحديث عن ودائع النبوة، وقد وقع لعدد من الباحثين خلط في بيان المقصود منه، فمنهم من اعتقد أنه نفس كتاب علي(عليه السلام) الذي تحدّثنا عنه فيما سبق، وقلنا أن فيه الحلال والحرام وأنه صحيفة طولها سبعون ذراعاً باملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط علي(عليه السلام).



ومنهم من قال أنه كتاب يتضمن علم الحروف، وأنه كتب بشكل مرموز.



وزعم جماعة أن الجفر والجامعة عبارة عن العلم الاجمالي بلوح القضاء والقدر.



وادعى آخرون أن الجفر كتاب كتبه الامام جعفر الصادق(عليه السلام)لشيعته.



إلى ما هنالك من دعاوى وأوهام بعيدة كل البعد عن الواقع لم تصب وجه الصواب. وسنتعرض لجانب من هذه الأقوال التي تكشف عن الجهل والتخبّط وعدم الدقة، والاعتماد على خلفيّة معيّنة عند البحث بدلاً من التجرّد.



وفيما يلي نحاول القاء الضوء على الجفر كما ورد في الآثار والنصوص الواردة عن الأئمة الأطهار(عليهم السلام).



الجفر في اللغّة:



الجفر من أولاد الشاء ما عظم واستكرش. ومن أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر.



والجفر الجمل الصغير، والصبي إذا انتفخ لحمه وأكل وصارت له كرش.



وجفر جنباه إذا اتسعا، واستجفر صار له بطن وسعة جوف وأقبل على الأكل.



والجفير: كنانة النبل، والجعبة التي تجعل فيها السهام.



والجفرة في الأصل سعة في الأرض مستديرة( [135] ).



هل من معنىً اصطلاحي؟



أطلق الجفر في الروايات والنصوص على جلد الضأن والمعز وربما جلد الثور أو الجمل، وهذا المعنى يغاير المعنى اللغوي المتقدم، فقد يكون هناك معنىً اصطلاحي، ولا مانع من إطلاق الجفر على الجلد تجوزاً على حذف المضاف واقامة المضاف إليه مكانه فيكون المراد جلد الجفر.



وربما كان التجوز بجامع السعة المأخوذ في معنى الجفر عند أهل اللغة حيث أطلقوه على ولد الشاء إذا عظم واستكرش وكذلك الصبي وقالوا: جفر جنباه إذا اتسعا واستجفر اذا صار له بطن وسعة جوف، واطلقوه أيضاً على البئر الواسعة التي لم تطو، وغير ذلك من الاستعمالات التي يمكن أن تعدّ شواهد على استعمال الجفر في مطلق الواسع، أو الواسع الذي له جوف، وبهذا الاعتبار يصح اطلاقه على جفر أهل البيت(عليهم السلام) الذي يأتي أنه كالجراب وأنه وعاء فيه الكتب والسلاح، بل ربما يدعى عدم التجوز في مثل هذا الاطلاق.



ومهما يكن فالمراد منه في الروايات يتضح من خلال البحث الروائي الآتي.الجفر في حديث أئمة أهل البيت ((عليهم السلام)):



يستفاد من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، أنهم يتوارثون جفرين عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أحدهما أطلق عليه إسم الجفر الأبيض والآخر إسم الجفر الأحمر، والأول يحوي كتباً وصحفاً، والثاني يتضمن سلاح رسول اللّه(صلى الله عليه وآله).



وقد فسّرته النصوص بأنه عبارة عن إهابين: اهاب ماعز وإهاب كبش، وفي بعضها أنهما باصوافهما واشعارهما وفي بعضها: ينطبق أحدهما بصاحبه. وما في معنى هذه الأمور.



وفي أحد النصوص أنه جلد ثور مذبوح كالجراب. وعبّر عنه أحياناً بأنه وعاء. وأنه أديم عكاظي.



والذي يفهم من المجموع أن الجفر الأحمر جرابٌ صنع من الأديم الأحمر وضع فيه سلاح رسول اللّه(صلى الله عليه وآله). والنصوص التي لم تفصل بين الجفرين وذكرت أن الجفر جلد شاة، يبدو أنها سكتت عن هذا الجفر (يعني الأحمر) ولم تتحدث عنه.



والذي نستقربه أن الموجود عند الأئمة(عليهم السلام) جراب كبير مصنوع من جلد ثور، وفي داخله جرابان أشبه بالعِدْل الذي يوضع على الدواب، أحدهما الأبيض وهو مخصص للكتب والعلوم والآخر للسلاح وما يلحق به من الراية وامثال ذلك.



هذه الصورة تجمع بين كل ما ورد من نصوص وآثار. لا يشذ منها إلا ما دلّ على أن الجفر كتابٌ وأنه كتب فيه حتى ملئت اكارعه، مما يقتضي كون الكتابة على نفس الجفر، فيحتمل أن يكون هذا جفراً آخر من ضمن الكتب، ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار ما فيه من الكتب، فيقال كتب فيه بمعنى كتب في الكتب التي فيه فنسبت إليه، كما يحتمل أن يكون الجفر قد كتب فيه على الحقيقة ومع ذلك جعلت فيه بقية الكتب الأخرى لكونه أوسع منها. فيكون الجفر جراب لحفظ الكتب وقد كتب فيه أيضاً.



ومهما يكن فالمحتوى الذي تدل عليه النصوص هو علم الأولين والآخرين أو جميع العلوم وهذه عبارة جامعة شاملة لما عُبّر عنه بالكتب الأولى أو كتب الأنبياء أو علم النبيين والوصيين، ولغير ذلك من الكتب ككتاب علـي(عليه السلام) الذي عبّر عنه بالحلال والحرام، ومصحف فاطمـة الذي قد يعبر عنـه أحياناً بعلـم ما كان وما يكون وأمثال ذلك.



والظاهر أنه يحتوي على كتب الأنبياء والأوصياء السابقين من جهة والكتب والصحائف التي أملاها رسول الله(صلى الله عليه وآله) على عليّ(عليه السلام)ومصحف فاطمة المتضمن لعلم ما يكون إلى يوم القيامة. وهذا المجموع المكوّر وضع في الجفر الأبيض. هذا خلاصة ما يستفاد من مجموع النصوص.



وليس في نصوصنا ما يدل على غير ذلك مما يصرّ عليه من كتب عن الجفر من المستشرقين وغيرهم من المؤرخين والباحثين من غير الشيعة.



دعاوى لا أصل لها:



1 ـ قال المحقق الجرجاني: الجفر والجامعة كتابان لعلي(عليه السلام) قد ذكر فيها على طريقة علم الحروف الحوادث إلى انقراض العالم( [136] ).



وقد عرفنا سابقاً أن الجامعة كتاب لعلي(عليه السلام) فيه الحلال والحرام، وليس الجفر كما ذكر وانما هو كما تقدم وعاء فيه الكتب، ولا أدري من أين جاؤوا بهذه التعريفات. أما علم الحروف، فانا ـ كما تقدم ـ لا نستبعد أن تكون بعض الصحائف قد كتبت بشكل مرموز، لكن ليس هناك دليل على أن الحوادث إلى انقراض العالم دوّنت بذلك الشكل.



2 ـ وقال ابن خلدون: وقد يستندون في حدثان الدول على الخصوص إلى كتاب الجفر ويزعمون أن فيه علم ذلك كله من طريق الآثار والنجوم لا يزيدون على ذلك ولا يعرفون أصل ذلك ولا مستنده، قال: واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي، وهو رأس الزيدية، كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص، وقد وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم عن طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء، وكان مكتوباً عند جعفر في جلد ثور صغير( [137] ).



وفي كلام ابن خلدون مواضع عديدة للنقاش:



أولها: قوله: أن فيه علم ذلك كله من طريق الآثار والنجوم، إن كان مراده من ذلك علم الحوادث الذي عند الأئمة(عليهم السلام) فهو شطط ما بعده شطط، إذ أن الأئمة(عليهم السلام) يعرفون ما يعرفون عن طريق الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو بدوره عن طريق الوحي.



ثانياً: قوله: ان كتاب الجفر كان أصله أن هارون العجلي... الخ، هذه الدعوى لم يعلم لها أصل كما صرح نفسه بعد ذلك حيث قال: وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا علم أصله، ويستبعد جداً أن يكون هارون ابن سعد العجلي قد تلقى شيئاً من تلك العلوم من الامام جعفر الصادق(عليه السلام)، وهو ليس من القائلين بامامته وانما هو من الزيديّة ومن رؤوسها كما صرّح به هو وغيره. بل لم ينقل عنه أية رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) في المجاميع الحديثية الرئيسية للشيعة. ولو سلمنا فهو غير الجفر الذي يتحدث عنه أئمة أهل البيت(عليهم السلام).



وثالثاً: قوله: وقد وقع ذلك لجعفر ونظائره... عن طريق الكرامة والكشف.. الخ، ونحن وان كنا لا نمنع أن يتحقق لهم(عليهم السلام) شيء من العلم عن طريق الكشف والكرامة التي تقع للأولياء، فانها لهم بطريق أولى كما ذكر ابن خلدون نفسه. إلاّ أن دعواه أن ما في الجفر حصل عن هذا الطريق فلا اشكال في بطلانه وعلى الأقل هو رجم بالغيب، ومبني على أساس واهي، وهو انكار اختصاصهم(عليهم السلام) بميراث ودائع النبوة التي تعني أنهم أولى بالاتباع وأحق بالامامة وهذا ما يفرّ عن الاعتراف به.



3 ـ ويقول مصطفى صادق الرافعي: انه لا يُعرف في تاريخ العالم كتاب بلغت عليه الشروح والتفاسير ما بلغ من ذلك على القرآن الكريم، حتى فسرته الروافض بالجفر، على فساد ما يزعمون وسخافة ما يقولون وعلى سوء الدعوى فيما يدعون، من علم باطنه بما وقع إليهم من ذلك الجفر واستنبط منه غيرهم اشارات من الغيب بضروب من الحساب، كهذا الذي ينسبونه إلى الحسن بن علي من أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)رأى في رؤياه ملوك بني أميّة، فساءه ذلك فأنزل اللّه عليه ما يسري عنه من قوله ليلة القدر خير من ألف شهر وهي مدة الدولة الأمويّة، فقد كانت أيامها خالصة ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر مجموعها ألف شهر سواء( [138] ).



ونحن ننقل هنا ما أورده المرحوم السيد محسن الأمين نقضاً عليه، فقال:



أولاً: ان الشيعة لم تفسر القرآن بالجفر وانما فسّرته كما يفسره علماء المسلمين، ولم يدّعوا علم باطنه بما وقع إليهم من ذلك الجفر، بل لم يدّع أحدٌ منهم أنه وقع إليه ذلك الجفر، ولا أنه رآه، نعم رووا أنه كان عند أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، فليأتنا الرافعي برجل واحد من الشيعة قال إن الجفر عنده، أو برجل منهم فسّر القرآن بالجفر إن كان من الصادقين، وهذه تفاسير الشيعة للقرآن الكريم معروفة واكثرها مطبوعة..



ثانيا: وأما قوله: واستنبط منه غيرهم اشارات من الغيب.. الخ، فهو كسابقه لا حقيقة له والحديث الذي أشار إليه بقوله كهذا الذي ينسبونه إلى الحسن.. الخ، معبراً عنه بعبارة التوهين والاستخفاف هو حديث يرويه الثقات عن النبي(صلى الله عليه وآله) في أن الآية الشريفة نزلت في مدة ملك بني أميّة، وليس ذلك مستنبطاً من الجفر، ولا بضروب من الحساب، فهذا الذي ساء الرافعي وعظم عليه: أن تكون الآية نازلة في ملك أسياده بني أميّة الأبرار الأتقياء أهل الأعمال المشهورة في الاسلام، فطفق يعبّر بعبارات الاستخفاف بقوله كهذا الذي ينسبونه..( [139] ).



3 ـ وقال حاجي خليفة: علم الجفر والجامعة: وهو عبارة عن العلم الاجمالي بلوح القضاء والقدر، المحتوي على كل ما كان وما يكون كلياً وجزئياً، والجفر عبارة عن لوح القضاء الذي هو عقل الكل، والجامعة لوح القدر الذي هو نفس الكل.



وقد ادعى طائفة أن الامام علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) وضع الحروف الثمانية والعشرين على طريقة البسط الأعظم في جلد الجفر يستخرج منها بطريقة مخصوصة وشرائط معينة وألفاظ مخصوصة ما في لوح القضاء والقدر، وهذا علم توارثه أهل البيت ومن ينتمي إليهم ويأخذ منهم، من المشايخ الكاملين. وكانوا يكتمونه عن غيرهم كل الكتمان( [140] ).



وهذا الكلام وان لم يتضمن توهيناً لأهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم، لكنه دعوى بلا دليل، فليس في ما روي عنهم(عليهم السلام) في كتب الشيعة ما يدل على شيء من ذلك، وأهل البيت أعلم بالذي فيه. وأكثر ما يثير العجب أن هؤلاء المصنفين مع اعترافهم بأنهم كانوا يكتمونه، ينصّبون أنفسهم لبيان تفاصيله وأسراره وكأنهم أعلم الناس به، فليت شعري هل كانوا(عليهم السلام) يكتمونه عن شيعتهم وأصحابهم ويلقونه إلى أعدائهم والمعرضين عنهم.



لكنّ القضيّة أن الكثير من هؤلاء لا يخرجون عن كونهم مقلده، فاذا تقوّل أحد الكتّاب مقولةً لا يعرف لها أصل، وأودعها كتابه، هرعوا للتمسك بها ونقلها على أساس أنها من المسلّمات دون أن يتعبوا أنفسهم بالرجوع إلى المصادر ومن دون تحقيق ولا تمحيص.



5 ـ وقال ابن قتيبة:



وأعجب من هذا التفسير تفسير الروافض للقرآن، وما يدّعونه من علم باطنه بما وقع إليهم من الجفر الذي ذكره هارون بن سعيد العجلي وكان رأس الزيدية فقال:










  • ألم تر أن الرافضين تفرّقوا
    فطائفة قالوا إمام ومنهمُ
    ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم
    برئت إلى الرحمن ممن تجفّرا



  • فكلّهم في جعفرِ قال منكرا
    صوائف سمته النبيّ المطهّرا
    برئت إلى الرحمن ممن تجفّرا
    برئت إلى الرحمن ممن تجفّرا





ثم قال: وهو جلد جفر ادعوا أنه كتب فيه لهم الامام كل ما يحتاجون إلى علمه وكل ما يكون إلى يوم القيامة.



ثم أورد آيات عدّة نسب إلى الشيعة تفسيرهم لها بما لا يقول به أحد منهم ولا سمعنا به من أحد غير ابن قتيبة ومن على منواله( [141] ).



وفي هذا الكلام قبل كل شيء إبطال لما ادعاه ابن خلدون من نسبة كتاب الجفر إلى هارون بن سعيد العجلي وأنه رواه عن الامام الصادق(عليه السلام)، فما نقله هنا من الشعر يدلّ على أنه يستنكر عليهم القول بامامة جعفر الصادق ويستخف بالجفر ويتبرأ منه. على أنه جعل القائلين بنبوّة جعفر الصادق(عليه السلام) من الرافضين ويعني بهم الشيعة الإمامية، مع أن أولئك ـ لو سلمنا بوجود أحد يقول بذلك ـ من الكفار بلا شك.



وأما دعواه بأن الشيعة يدّعون علم باطنه فقد تقدم الردّ عليه عند التعرض لما تبعه عليه مصطفى صادق الرافعي حرفاً بحرف.



وأما قوله أنه كتب فيه لهم الامام كل ما يحتاجون إلى علمه.. الخ فهو تقوّل على الشيعة، فلم يقل بذلك أحد منهم، وكل ما في الأمر أنهم رووا وجوده عند الامام الصادق وأنه من مواريث الأئمة التي وصلتهم من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) واين هذا مما زعم.



ولقد نقل كلام ابن قتيبة هذا عدّة من المؤلفين الذين يدّعون أنه من أهل التحقيق من دون تحقيق، أمثال عبدالسلام هارون( [142] ) ومصطفى صادق الرافعي( [143] ) وأصحاب دوائر المعارف وأمثالهم، وسبقهم إلى نقله الدميري( [144] ). وهو يعطي صورة واضحة عن مظلومية أهل البيت وأتباعهم، ومقدار التشويه في نقل صورة معتقداتهم وأقوالهم، مما يدلّ على ضرورة الرجوع الى مصادر الشيعة أنفسهم للتعرف على آرائهم ونظراتهم.



6 ـ نضيف إلى كل ما تقدم ما حوته دائرة المعارف الاسلامية من أوهام ليس لها أصل يطول سردها، فمن تلك الاوهام أن الغزالي (أبا حامد) كان أميناً على الجفر في زمانه، وأنه انتقل منه إلى ابن تومرت!!، ومنها: التشكيك في صحة استعمال كلمة الجفر بمعنى الرّق أو الجلد، وأن الامام الصادق هو مؤلف هذا الكتاب، وغير ذلك مما عوّدنا عليه المستشرقون الذين يقرؤون من هنا وهناك أموراً متفرقة ثم يربطون بينها بتحليلات ما أنزل اللّه بها من سلطان، ويدسّون ما يشاؤون بغية تشويه الحقائق( [145] ).



وخلاصة القول: أن المعتمد من النصوص عند الشيعة لا يقتضي إلاّ ما ذكرناه من كون الجفر جراباً مصنوعاً من الأديم يحتوي كتباً موروثة عن رسوله اللّه(صلى الله عليه وآله) منها ما هو باملائه وخط عليّ(عليه السلام) ومنها ما هو واصل إليه من كتب الأنبياء الماضين، إضافة إلى سلاح رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومصحف السيدة فاطمة الزهراء الذي فيه علم ما يكون إلى يوم القيامة. وكون الجفر نفسه كتاباً أمرٌ محتمل جداً إلاّ أن ما ذكره هؤلاء من الأوهام لا دليل عليها ولا برهان وهي من نسج خيالاتهم.



ولقد ذكر ابن خلدون أن يعقوب بن إسحاق الكندي منجّم الرشيد والمأمون، وضع في القرانات الكائنة في الملّة كتاباً سماه الشيعة الجفر باسم كتابهم المنسوب إلى جعفر الصادق، وذكر فيه ـ فيما يقال ـ حدثان دولة بني العباس.. قال: ولم نقف على شيء من خبر هذا الكتاب.



ثم قال: قد وقع بالمغرب جزء منسوب إلى هذا الكتاب يسمونه الجفر الصغير( [146] )..



فاذا قارنّا بين هذا الكلام والكلام السابق الذي نقلته دائرة المعارف الاسلامية في قصة انتقال الجفر إلى ابن تومرت، وسفر هذا الأخير إلى المغرب، يقوى في النفس أن تلك الأوهام نشأت من الخلط بين كتاب التنجيم هذا وبين الجفر الذي يتحدث عنه أهل البيت(عليهم السلام) لمجرّد الاتفاق بالإسم، وشتان بين الثرى والثريّا.



كتاب ابن طلحة:



ادعى الشيخ كمال الدّين أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي النصيبي المتوفى سنة (562 هـ ) أنه وقع له دائرة وخطوط واسم وحروف كانت قد أوتيت لأحد أصحابه من العبّاد وكان إذ ذاك مشغولاً في أوراده، ثم رأى في منامه ـ كما يزعم ـ أمير المؤمنين(عليه السلام) وسأله عن تلك الدائرة وأمره بالذهاب إلى محمد بن طلحة ـ المؤلف ـ ليشرح له تلك الرموز، وهكذا وصلت الدائرة وما فيها من الحروف والخطوط إليه، فألف في شرح الدائرة واستخراج أسرارها كتاباً أسماه الجفر الجامع والنور اللامع.



وبعد أن ذكر الملاحم والتواريخ التي ادعى استخراجها من تلك الدائرة على طبق علم الحروف، قال: وقد ذكرت بهذا الكتاب الناطق بالصواب جفر الامام علي بن أبي طالب، وهو ألفٌ وسبعمئة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف عند الصوفية..



ثم قال: الجفر والجامعة وهما كتابان جليلان أحدهما ذكره الامام علي على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة على ما سيأتي بيانه، والآخر أسرّه اليه رسول اللّه، وهذا العلم المكنون هو المشار إليه بقوله أنا مدينة العلم وعلي بابها وأمره بتدوينه وكتبه الامام علي حروفاً متفرقة على طريقة سفر آدم(عليه السلام) في جفر يعني في رق، وقد جعل من جلد البعير، فاشتهر بين الناس( [147] )..



ولا شك أن هذا الكتاب من وضع وتأليف ابن طلحة كما يعترف هو بذلك، ونسبة الدائرة والرموز إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) غير معلومة لأنها مبنيّة على رؤيا مزعومة، ولو سلّمت فأي حجيّة علمية في الرؤى المناميّة، إلاّ أن يدّعى أنها من قبيل الوحي ـ وهي كما ترى ـ .



ثم إن المؤلف(رحمه الله) يدّعي لنفسه أمراً عظيماً، وأنه استطاع تفسير الدائرة والرموز على قاعدة علم الحروف، لكنه يترقى بعد ذلك فينسب ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فيقول: وقد ذكرت بهذا الكتاب الناطق بالصواب جفر الإمام علي بن أبي طالب، فلم يخبرنا كيف صار إليه ذلك، وهل أنه رآه أيضاً في المنام أو صار إليه بضرب من الإلهام، ومهما يكن فهي كلها دعاوى لا دليل عليها ولا معوّل.



ومن أين علم(رحمه الله) أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد دوّن الجفر على طريقة سفر آدم، وكيف اطلع على سفر آدم وعرف طريقته حتى عرف أن الجفر قد دوّن على طريقته. وكيف يفسر قوله أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قد أسرّه الى عليّ(عليه السلام)، ثم بعد ذلك بقي سراً إلى أن وصل إليه، فهل هومن ورثة أمير المؤمنين(عليه السلام) حتى خصه بهذا السرّ دون غيره، كلّها أمور تثير الريّب. وتبعث على العجب.



والمؤسف أن بعض المتاجرين بالكتاب من أهل دور النشر المعاصرة، ولأهداف تجارية محضة قام بنشر هذا الكتاب في بيروت بالأفست على طبعته الحجرية القديمة، وادعى انه الجفر للامام علي بن أبي طالب(عليه السلام). مع أن في هذا الكتاب الكثير الكثير من الأمور التي تدلّ على أنه منسوب زوراً وبهتاناً إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ونحن نكتفي بما ذكرنا، وفي ذلك الكفاية.* * *



مصحف فاطمة ((عليها السلام))بين الحقيقـة والأوهـام



لا شكّ أن أهل البيت(عليهم السلام) هم ورثة علم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) والامناء عليه، فقد تواتر عنه(صلى الله عليه وآله) أنه قال: أنا مدينة العلم وعليّ بابها( [148] ) وهو كالصريح بكونه(عليه السلام) عيبة علمه ومستودع المعارف الإلهية، وقد توارثها منه الأئمة المعصومون المطهّرون من ولده. فقد كانوا يتوارثون ما في القرآن الكريم وكتب الأنبياء السابقين، من دقائق المعارف والأحكام الشرعية.ومن جملة التراث العلمي الذي كان يتوارثه أئمة أهل البيت(عليهم السلام)مصحف فاطمة الذي دوّن فيه علم ما يكون، مما سمعته الزهراء(عليها السلام)من حديث الملائكة بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله)، كما سنرى من خلال النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة، وقد كانوا(عليهم السلام) يحدّثون أصحابهم أحياناً عن تلك العلوم المدوّنة عندهم في هذا الكتاب ويبيّنون حقيقته.لقد أثار مصحف فاطمة حفيظة العديد من الكتّاب، واتخذوا منه وسيلةً للطعن والتشنيع على أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، تارةً باستغلال اسمه ـ باعتبار أنه يطلق عليه اسم مصحف ـ وجعله باباً لاتّهامهم بأنّهم لا يعترفون بالقرآن الموجود بين الدّفتين والمتداول بين المسلمين قاطبة، فيوقعون الناس في وهم بأن مصحف فاطمة المذكور هو القرآن الذي يعتقده الشيعة، وتارةً أخرى بأن الاعتقاد بمصحف فاطمة يعني الاعتقاد بنزول الوحي بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) ويرتّبون على ذلك نتائج عديدة، منها: أن الشيعة يعتقدون بنبوّة فاطمة وعلي(عليهما السلام).وفي هذا الباب نتعرّض للبحث عن حقيقة مصحف فاطمة(عليها السلام)، ونعالج الشبهات التي تثار حوله، والضجّة المفتعلة التي يطلقها هؤلاء الكتّاب الذين ينقصهم الاطّلاع الكافي والدقّة العلمية ـ إن أحسنّا الظنّ بهم ـ أو تنقصهم الأمانة والانصاف. المصحف في اللّغة:المُصحف ـ مثلّثة الميم، من اُصحف بالضّم ـ اي جعلت فيه الصُّحف( [149] )، وسمي المصحف مصحفاً لأنه اُصحف أي جُعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفّتين( [150] ).وبناءً عليه، فالمصحف ليس اسماً مختصاً بالقرآن الكريم. ويشهد لذلك ما رووه في وجه تسمية المصحف مصحفاً، فقد روى ابن أشتة في كتاب المصاحف أنه لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر: التمسوا له اسماً، فقال بعضهم: السِفر، وقال بعضهم: المُصحف فإنّ الحبشة يسمونه المصحف. قال: وكان أبو بكر أول من جمع كتاب اللّه وسمّاه المصحف( [151] ).ونحن لا نوافق على مضمون هذه الرواية لأننا نعتقد أن القرآن جمع في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)( [152] )، وكلمة المصحف من أصل عربي، فلا معنى للاتيان بها من الحبشة، لكن أوردناها لاقامة الحجة على من يقبلها.فالمصحف كل كتاب أُصحف وجمع بين دفّتين، لكن كثرة استعماله في القرآن الكريم أوجبت انصراف الأذهان إليه، وهو لا يكفي لحمل ما ورد في روايات أهل البيت(عليهم السلام) التي تتحدّث عن مصحف فاطمة على المصحف المعروف، خاصة مع وجود التقييد باضافته إليها(عليها السلام). ويؤيد ذلك استعمال كلمة المصحف بمعنى الكتاب من قبل المسلمين في القرن الأول فقد قيل في خالد بن معدان: كان علمه في مصحف له أزرار وعري( [153] ).



مصحف فاطمة في أخبار أهل البيت(عليهم السلام):1 ـ عن أبي عبيدة عن أبي عبداللّه(عليه السلام): ... إن فاطمة مكثت بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل(عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها، وكان عليّ(عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة(عليها السلام)( [154] ).2 ـ عن أبي حمزة أن أبا عبداللّه(عليه السلام) قال: مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب اللّه و إنّما هو شيء اُلقي إليها بعد موت أبيها صلوات اللّه عليهما( [155] ).3 ـ عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبداللّه(عليه السلام): .. ومصحف فاطمة أما واللّه ما أزعم أنه قرآن( [156] ).4 ـ عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: إن عندي.. ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآناً( [157] ).5 ـ عن محمد بن عبد الملك عن أبي عبداللّه(عليه السلام): ... وعندنا مصحف فاطمة(عليها السلام) أما واللّه ما هو بالقرآن( [158] )6 ـ عن علي بن سعيد عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: ... وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن( [159] ).7 ـ عن علي بن أبي حمزة عن الكاظم(عليه السلام) قال: عندي مصحف فاطمة ليس فيه شيء من القرآن( [160] )8 ـ عن أبي بصير عن أبي عبداللّه(عليه السلام) أنه قال: و إن عندنا لمصحف فاطمة(عليها السلام)، وما يدريهم ما مصحف فاطمة(عليها السلام)؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة(عليها السلام)؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، واللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد( [161] ).هذه الروايات وأمثالها تدلّ على أن مصحف فاطمة الذي يعتقد الإمامية أنه عند أئمتهم وضمن ميراثهم العلمي ليس المصحف الذي فيه القرآن الكريم، وأنه كتاب آخر يتضمّن علماً، لكن ما هو ذلك العلم؟ تشير إليه بعض الروايات عن أهل البيت(عليهم السلام) منها:1 ـ سئل الصادق(عليه السلام) عن محمد بن عبداللّه بن الحسن فقال(عليه السلام): ما من نبيّ ولا وصيّ ولا مَلِك إلاّ هو في كتاب عندي ـ يعني مصحف فاطمة ـ واللّه ما لمحمد بن عبداللّه فيه اسم( [162] ).2 ـ روي عن الوليد بن صبيح أنه قال: قال لي أبو عبداللّه(عليه السلام): يا وليد، إني نظرت في مصحف فاطمة(عليها السلام) فلم أجد لبني فلان فيه إلا كغبار النعل( [163] ).3 ـ عن فضيل بن سكرة قال: دخلت على أبي عبداللّه(عليه السلام) فقال: يا فضيل، أتدري في أي شيء كنت أنظر قُبَيْل؟ قال: قلت: لا قال: كنت أنظر في كتاب فاطمة(عليها السلام)، ليس من ملك يملك ] الأرض [ إلاّ وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً( [164] ).4 ـ عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبداللّه(عليه السلام): .. ولْيُخرِجوا مصحف فاطمة فإن فيه وصية فاطمة..( [165] ).5 ـ عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبداللّه(عليه السلام) يقول: إن اللّه تعالى لمّا قبض نبيّه(صلى الله عليه وآله)، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزوجلّ، فأرسل اللّه إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) يكتب كلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون( [166] ).يتبيّن من خلال هذه الروايات أن مصحف فاطمة(عليها السلام) ليس قرآناً، وليس بكتاب أحكام، فهو مغاير لكتاب عليّ(عليه السلام) الذي أملاه عليه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله). والذي ورد ذكره في أخبارهم(عليهم السلام) إلى جنب مصحف فاطمة، وسمّوه بالجامعة تارة والصحيفة اُخرى وكتاب علي(عليه السلام) غالباً.وليس هناك أيّ رواية توهم كونه قرآناً، فضلاً عن كونها ظاهرة في ذلك ليتمسّك بها من يفتّش عن المطاعن، وعلى فرض وجودها فإن الروايات المستفيضة الواضحة والصريحة والتي قدّمنا طائفة منها تقتضي رفع ذلك التوهّم أو الظهور لو تمّ وسُلّم. فاطمة ((عليها السلام)) محدَّثة:قد يتوقّف البعض عند قصّة مصحف فاطمة(عليها السلام)، ويرفض مسألة تكليم الملائكة للسيدة الزهراء(عليها السلام) نتيجة توهّم التلازم بين النبوّة والوحي، أو بين النبوّة وتحديث الملائكة. وعليه فإن كون الرسول(صلى الله عليه وآله)خاتم الأنبياء والرسل يقتضي عدم نزول الملائكة بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، ويجعلون هذا دليلاً على عدم صحة قصّة المصحف المذكور، وقد اعتمد على هذا النحو من الاستدلال عبداللّه القصيمي في كتابه الموسوم بـ الصراع بين الاسلام والوثنية متّهماً الشيعة الامامية بأنهم يزعمون لفاطمة وللأئمة من ولدها ما يزعمون للأنبياء والرسل( [167] ). كلّ ذلك اعتماداً على الملازمة المزعومة بين تكليم الملائكة وبين النبوّة. وهذه غفلة ما بعدها غفلة.تعال معي إلى كتاب اللّه عزّوجلّ وهو يتحدّث عمّن كلّمتهم الملائكة أو أوحى اللّه سبحانه وتعالى إليهم:1 ـ )و إذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنّ اللّهَ اصطَفاكِ وطَهّرَكِ وَاصطَفاكِ عَلى نِساءِ العالَمين..(( [168] ).2 ـ )إذ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنّ اللّه يُبَشّرُكِ بِكَلِمَة مِنْه اسْمُهُ المَسيح(( [169] ).3 ـ )فأرْسَلْنا إلَيها رُوحَنا فَتَمَثّلَ لَها بَشَراً سويّاً * قالتْ إنّي أعوذُ بالرّحْمن مِنْكَ إنْ كُنتَ تَقيّاً * قالَ إنّما أنا رَسُول رَبّكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكياً(( [170] )4 ـ )وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبراهيمَ بالبُشْرى... وَامْرَأتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبشّرْناها بِاسحاقَ وَمِنْ وَراءِ اسْحاقَ يَعْقُوب * قالَت يا وَيْلَتى أألِدُ وَأنا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلي شَيْخاً إنّ هذا لشيءٌ عَجِيب * قالُوا أتَعْجَبِينَ مِنْ أمْرِ اللّه...(( [171] )فهذه نماذج من النساء حدثنا القرآن الكريم عنهنّ ولم يكنّ نبيّات، ومع ذلك شاهدن الملائكة وحدّثْنَهم، أو اُوحي إليهنّ باُسلوب آخر غير تحديث الملائكة، ولم يستنكر ذلك أحد. ففاطمة(عليها السلام) دلّت النصوص على أنها كانت محدَّثة ولم تكن نبيّة، وكذلك تقول الشيعة الامامية بالنسبة لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) دون أن يدّعي أحدٌ منهم لهم النبوّة، إذ لا تلازم بينهما كما تقدم.ثم إن الاعتقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها لا يعدّ غلوّاً، ولا مبالغة في فضلها، فهي سلام اللّه عليها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأفضل من مريم بنت عمران ومن سارة امرأة إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهما للملائكة وتكليمهما لهم، فأيّ غلوّ في نسبة مثل ذلك لمن هي أفضل منهما؟روى البخاري عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة( [172] ).وروى مسلم عنه(صلى الله عليه وآله) أنه قال لها: يا فاطمة أما ترضَين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة( [173] ).وهي سلام اللّه عليها ممن نزلت بهم آية المباهلة والتطهير وضمّهم الرسول(صلى الله عليه وآله) بكسائه.ومن الجدير بالذكر أن الوحي له أساليب وأغراض متعدّدة، ولا تلازم بين الوحي والنبوة، و إن كان كل نبي لابدّ أن يوحى إليه، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآنية، فبالنسبة للرسول(صلى الله عليه وآله) لم يكن كل ما نزل عليه من الوحي قرآناً، فهناك الأحاديث القدسية وهناك تفسير القرآن وتأويله، والإخبار بالموضوعات الخارجية وأمثال ذلك وكلها ليست قرآناً.فاتضح أن تحديث الملائكة للزهراء سلام اللّه عليها لم يكن من الوحي النبوي ولا من الوحي القرآني. المحدَّثون عند أهل السنّة:إذا كان تحدّث الملائكة مع أهل البيت(عليهم السلام) الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً غلواً، فلنلقِ نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عند أهل السنّة، لنرى كيف يدّعى تحدّث الملائكة مع جماعة من رجالهم:1 ـ أخرج البخاري في مناقب عمر بن الخطاب ـ وبعد حديث الغار ـ عن أبي هريرة، وأخرج مسلم في فضائل عمر أيضاً عن عائشة: أن عمر بن الخطاب كان من المحدّثين.وقد حاول شرّاح البخاري أن يأولوه بأن المراد أنه من الملهمين أو من الذين يلقى فـي روعهم أو يظنون فيصيبون الحق فكأنّه حُدّث( [174] ).. وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ. ولأجل ذلك قال القرطبي: إنّه ليس المراد بالمحدَّثين المصيبين فيما يظنون، لأنه كثير في العلماء، بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصحّ إصابته، فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر( [175] ).2 ـ ممن ادّعي أن الملائكة تحدّثهم عمران بن الحصين الخزاعي المتوفى سنة 52 هـ قالوا: كانت الملائكة تسلّم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً، ثم أكرمه اللّه بردّ ذلك( [176] ).3 ـ ومنهم أبو المعالي الصالح المتوفى سنة 427هـ ، رووا أنه كلّمته الملائكة في صورة طائر( [177] ).4 ـ أبو يحيى الناقد المتوفى سنة 285هـ ، رووا أنه كلّمته الحوراء( [178] ).وأمثال هذه المرويّات في كتب السنّة غير قليل، ولم يستنكر ذلك أحد ولم يتّهم أصحابها بالغلو.ومما يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوّة ما رواه الكليني عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر ] الباقر [(عليه السلام): إن علياً كان محدَّثاً، فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة فقالوا: وما هي؟ فقلت: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: كان علي(عليه السلام) محدَّثاً، فقالوا: ما صنعت شيئاً، ألا سألته من كان يحدّثه، فرجعت إليه.. فقال لي: يحدّثه مَلَكٌ، قلت: تقول: إنـّه نبيّ؟ قال: فحرّك يده ـ هكذا( [179] ) ـ أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنه قال: وفيكم مثله( [180] )؟!وفي بصائر الدرجات هذا الخبر هكذا: عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): ألست حدثتني أنّ علياً كان محدَّثاً؟ قال: بلى. قلت: من يحدّثه؟ قال: ملك. قلت: فأقول: إنه نبيّ أو رسول؟ قال: لا. بل مثَلُه مثل صاحب سليمان ومثل صاحب موسى، ومثل ذي القرنين( [181] )، ] أما بلغك أن علياً سُئل عن ذي القرنين، فقالوا: كان نبياً؟ قال: لا، بل كان عبداً أحبّ اللّه فأحبّه وناصحَ اللّهَ فناصحه [( [182] ).ولابدّ من الاشارة إلى بعض رواياتنا التي تتحدّث عن مصحف فاطمة أنه من إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط علي(عليه السلام):1 ـ فعن علي بن سعيد عن أبي عبداللّه(عليه السلام): .. وعندنا واللّه مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب اللّه وانه لإملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)وخط علي(عليه السلام) بيده( [183] ).2 ـ عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) ... وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام اللّه اُنزل عليها إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط علي( [184] ).3 ـ عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبداللّه(عليه السلام): ... وعندنا مصحف فاطمة(عليها السلام)أما واللّه ما فيه حرف من القرآن ولكنه إملاء رسول اللّه وخط علي( [185] ).هذه الروايات الثلاث تخالف الروايات المستفيضة المتقدمة في حقيقة مصحف فاطمة، حيث ذكرت أنه إملاء رسول اللّه، والثانية منها لا تخلو من تهافت حيث جعلته كلاماً من كلام اللّه اُنزل عليها، وفي عين الحال جعلته من إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، ولو كان من إملاء الرسول(صلى الله عليه وآله)لما كان منزلاً عليها بل عليه. والحاصل أنه لابد من علاج هذه الروايات أو طرحها، والعلاج بأحد وجوه:1 ـ ربما كان ذلك من باب اشتباه الراوي أو الناسخ، حيث خلط بين الصحيفة الجامعة التي أملاها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) على عليّ(عليه السلام) وخطها بيمينه، وبين مصحف فاطمة الذي بيّنت الروايات أنه حدّث الملك به فاطمة وكتبه علي(عليه السلام)، خاصة كون الاثنين واردين معاً في نفس النصوص المذكورة.2 ـ أن يكون المراد برسول اللّه في هذهِ الأخبار الملك الذي كان يحدّث فاطمة(عليها السلام)، لا النبي(صلى الله عليه وآله) (كما احتمله المجلسي).3 ـ كما يحتمل أن يكون مصحف فاطمة(عليها السلام) متضمناً لبعض المعارف التي تلقّتها عن أبيها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بالاضافة إلى ما تقدّم من الأمور التي كان يحدّثها بها الملك، ولعلّ الرواية التي تذكر شمول المصحف المذكور لوصيّة فاطمة(عليها السلام) تقصد هذا. فيصحّ عندئذ أنه من إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بهذا الاعتبار، واللّه أعلم. 4 ـ كما يحتمل أن تكون فاطمة(عليها السلام) قد تركت مصحفين، الأول دونت فيه بخط علي(عليه السلام) ما حدّثتها الملائكة به بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله)، والآخر دونت فيه بعض العلوم التي أملاها عليها وعلى علي(عليه السلام)رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وعليه فيتعدّد الموضوع.



وعلى أي حال فهذا لا يضرّ بمقصودنا، وهو نفي التهمة التي يتمسّك بها المخالفون، حيث صرّحت جميع الأخبار ـ بما فيها هذه الثلاثة المتقدمة ـ بنفي القرآنية عن مصحف فاطمة.في نهاية المطاف نذكّر أن المصحف المذكور بقي عند أئمة أهل البيت(عليهم السلام)يتوارثونه مع بقيّة الكتب المتضمنة لعلوم الأنبياء والرسل الماضين، ومع صحيفة الأحكام الجامعة التي أملاها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)على علي(عليه السلام)، وقد تحدثنا فيما مضى عن هذه الصحيفة بشكل مفصل. وقد كان هذا الميراث العلمي يشكل أحد علائم الإمامة الكبرى.المهمّ هو الاشارة إلى أن مصحف فاطمة كبقية الصحف والكتب لم تنتقل إلى غيرهم(عليهم السلام)، ولم تصل إلى شيعتهم، وليس هناك أي واقع لما يدّعيه افتراءً بعض الكتّاب من كون هذا المصحف متداولاً في بعض مناطق الشيعة، لا في بلاد الحجاز ولا في غيرها، والمؤسف أن أصحاب هذه الأقلام يطلقون العنان لأقلامهم دون تدبّر ولا تثبّت، ويأخذون معلوماتهم من العوام، ويصدقون كل مقولة للطعن والتشنيع، فيثبتونها في كتبهم لتصبح بعد ذلك مصادر يعتمد عليها المأجورون والساعون وراء تفريق المسلمين وزرع الفتن بينهم. نسأله تعالى أن يعصمنا من الزلل وأن يغفر لنا هفوات الفكر واللسان وأن يحفظ المسلمين من كيد الشياطين وأهل الفتن.* * *



مصادر البحث



1 ـ القرآن الكريم.



2 ـ الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (911 هـ )، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم، منشورات الرضي وبيدار وعزيزي، قم، (1367 هـ . ش).



3 ـ احقاق الحق وازهاق الباطل، نور اللّه الحسيني المرعشي (1019هـ )، تعليق: شهاب الدين النجفي المرعشي، مكتبة آية اللّـه العظمى المرعشي، قم، (الطبعة الاولى 1376 ـ 1413هـ ).



4 ـ الاختصاص، محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد (413هـ )، تحقيق علي اكبر غفاري، مؤسسة النشر الاسلامي، قم.



5 ـ الارشاد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد (413هـ )، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، قم، (1413هـ ).



6 ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، أبو العباس شهاب الدين أحمد القسطلاني، دار الفكر عن ط . بولاق، بيروت، (1304هـ ).



7 ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460هـ )، تحقيق السيد حسن الخرسان، دار الكتب الاسلامية، طهران، (1390هـ ).



8 - أصول الحديث، الدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت (1409هـ ).



9 ـ أضواء على السنة المحمدية، محمود ابو ريّة، الطبعة الخامسة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.



10 ـ اعجاز القرآن والبلاغة النبويّة، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت.



11 ـ أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين (1371هـ )، تحقيق حسن الأمين، دار التعارف، بيروت.



12 ـ الأمالي، محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد (413هـ )، تحقيق: حسين الاستاذ ولي وعلي اكبر غفاري، مؤسسة النشر الاسلامي، قم، (1412هـ ).



13 ـ الأمالي أو المجالس، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، (381هـ )، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، (1410هـ ).



14 ـ أمالي الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460هـ )، المكتبة الأهلية، بغداد، (1384هـ ).



15 ـ الامام الصادق والمذاهب الأربعة، أسد حيدر، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1392هـ ).



16 ـ الامام الهادي(عليه السلام) من المهد إلى اللحد، محمد كاظم القزويني، (1415هـ )، مركز نشر آثار الشيعة، قم، الطبعة الأولى (1413هـ ).



17 ـ بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي (1111هـ )، دار الكتب الاسلامية، طهران، ط . أولى.



18 ـ البداية والنهاية، ابو الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي (474هـ )، مكتبة المعارف، بيروت (1966م).



19 ـ بصائر الدرجات في فضائل آل محمد، أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار (290هـ ) تحقيق: ميرزا محسن التبريزي، مكتبة المرعشي النجفي، قم، (1404هـ ).



20 ـ تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدين الواسطي الزبيدي، دار الفكر، بيروت.



21 ـ تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463هـ )، دار الكتاب العربي، بيروت.



22 ـ تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي (911هـ )، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، دار المعرفة، بيروت.



23 ـ تأويل مختلف الحديث، عبداللّه بن مسلم بن قتيبة (276هـ )، دار الجيل، بيروت (1393هـ ).



24 ـ تدوين السنة النبوية، السيد محمد رضا الجلالي، مكتب الاعلام الاسلامي، قم (1414هـ ).



25 ـ تذكرة الحفاظ، ابو عبداللّه شمس الدين محمد الذهبي (748هـ )، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت.



26 ـ تلخيص المستدك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، الذهبي، على هامش المستدرك، دار المعرفة، بيروت.



27 ـ تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460هـ )، تحقيق السيد حسن الخرسان، دار الكتب الاسلامية، طهران، (1365 هـ ، ش).



28 ـ الجامع الصحيح (سنن الترمـذي)، أبـو عيسى محمد بن عيسى بن سـورة (279هـ )، تحقيـق: أحمد محمد شاكر، دار الفكـر، بيروت.



29 ـ الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، السيوطي (911 هـ )، مصطفى البابي الحلبي، مصر، القاهرة، (1358هـ ).



30 ـ الجفر الجامع والنور اللامع، محمد بن طلحة النصيبي الشافعي (562 هـ )، المكتبة الحديثة، بيروت.



31 ـ جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (321هـ )، تحقيق: د. رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت (ط . الأولى 1987م).



32 ـ الحديث والمحدثون، محمد ابو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.



33 ـ حقائق هامة حول القرآن الكريم، جعفر مرتضى العاملي، مؤسسة النشر الاسلامي، قم (1410هـ ).



34 ـ حياة الامام علي الهادي(عليه السلام)، باقر شريف القرشي، دار الكتاب الاسلامي، قم (1408هـ ).



35 ـ حياة الحيوان الكبرى، كمال الدين الدميري (808 هـ )، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر.



36 ـ الحياة السياسية للامام الرضا(عليه السلام)، جعفر مرتضى العاملي، مؤسسة النشر الاسلامي، قم (1403هـ ).



37 ـ الحيوان، ابو عثمان الجاحظ (255هـ )، تحقيق عبدالسلام هارون، المجمع العلمي العربي الاسلامي، بيروت (1388هـ ).



38 ـ الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي (573 هـ )، مؤسسة الامام المهدي(عج)، قم، (1409هـ ).



39 ـ الخصال، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (381هـ ) مؤسسة النشر الاسلامي، قم (1403هـ ).



40 ـ خلاصة عبقات الأنوار في امامة الأئمة الأطهار، السيد علي الميلاني، مؤسسة البعثة، طهران (1405هـ ).



41 ـ دائرة المعارف الاسلامية، جماعة من المستشرقين، يصدرها باللغة العربية: أحمد الشنتناوي، ابراهيم زكي خورشيد، عبدالحميد يونس، دار المعرفة، بيروت.



42 ـ رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي الكوفي الاسدي (450هـ )، مؤسسة النشر الاسلامي، قم (1413هـ ).



43 ـ سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني (275هـ )، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار احياء التراث العربي، بيروت (1395هـ ).



44 ـ السنن الكبرى، احمد بن الحسين بن علي البيهقي (458هـ )، دار الفكر، بيروت.



45 ـ سنن النسائي، أحمد بن شعيب النسائي الشافعي (303هـ )، دار احياء التراث العربي، بيروت.



46 ـ سير اعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ )، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت (ط . سابعة 1410هـ ).



47 ـ شرح المواقف، الشريف علي بن محمد الجرجاني (812 هـ )، مطبعة السعادة، مصر (1325هـ ).



48 ـ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي (655 هـ )، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم، دار احياء التراث العربي، بيروت (1385هـ ).



49 ـ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، اسماعيل بن حمّاد الجوهـري، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت.



50 ـ صحيح البخاري، محمد بن اسماعيل البخاري (256هـ )، دار الفكر، بيروت (1401هـ ).



51 ـ صحيح مسلم بشرح النووي، مسلم بن الحجاج القشيري (676 هـ )، دار الكتاب العربي، بيروت (1407هـ ).



52 ـ صفة الصفوة، أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي (597 هـ ) تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الفكر، بيروت (1413هـ ).



53 ـ الصواعق المحرقة، احمد بن حجر الهيثمي (974 هـ )، المطبعة الميمنية، مصر (1312هـ ).



54 ـ الطبقات الكبرى، محمد بن سعد بن منيع البصري (230هـ )، دار بيروت، بيروت.



55 ـ عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، محمود بن أحمد العيني (855 هـ )، دار الفكر، بيروت.



56 ـ العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ )، تحقيق: د. مهدي المخزومي و د. ابراهيم السامرائي مؤسسة الهجرة، ايران (1409هـ ).



57 ـ الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، عبدالحسين الأميني النجفي، دار الكتب الاسلامية، طهران (ط . ثانية 1366هـ ).



58 ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ )، تحقيق: عبدالعزيز بن عبداللّه بن باز، دار المعرفة، بيروت.



59 ـ فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، أحمد بن محمد الحسني المغربي (1380هـ )، المكتبة الحيدرية، النجف (1388هـ ).



60 ـ الفصول المائة في حياة أبي الأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، السيد أصغر ناظم زاده القمي، انتشارات أهل البيت(عليهم السلام)، قم (1411هـ ).



61 ـ فيض القدير، شرح الجامع الصغير، محمد بن عبدالرؤوف المناوي، دار الفكر، بيروت.



62 ـ القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، دار الفكر، بيروت (1403هـ ).



63 ـ قرب الاسناد، عبداللّه بن جعفر الحميري (القرن الثالث)، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، قم (1413هـ ).



64 ـ الكافي، محمد بن يعقوب الكليني (329هـ )، دار الكتب الاسلامية، طهران (1363هـ . ش).



65 ـ كشف الظنون عن اسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة (1067هـ )، دار احياء التراث العربي، بيروت.



66 ـ كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (381هـ )، مؤسسة النشر الاسلامي، قم (1390هـ ).



67 ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علي المتقي الهندي (975 هـ ) تحقيق: صفوة السقا وبكري حيّاتي، مؤسسة الرسالة، بيروت (1413هـ ).



68 ـ لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي، نشر أدب الحوزة، قم (1405هـ ).



69 ـ مجلة رسالة الثقلين، المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)، قم (1414هـ ).



70 ـ مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي (1085هـ )، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، المكتبة الرضوية، طهران (1395هـ ).



71 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي (807 هـ )، دار الكتب العلمية، بيروت (1408هـ ).



72 ـ المراجعات، عبدالحسين شرف الدين (1377هـ )، تحقيق: حسين الراضي، المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)، قم.



73 ـ مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل الشيباني (241هـ )، دار صادر، بيروت، مصورة عن الميمنيّة بمصر.



74 ـ مسند أبي يعلى الموصلي، أحمد بن علي الموصلي (307هـ )، تحقيق: حسين سليم اسد، دار الثقافة العربية، دمشق (1412هـ ).



75 ـ المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة الكوفي (235هـ )، تحقيق: سعيد محمد اللّحام، دار الفكر، بيروت (1409هـ ).



76 ـ معالم المدرستين، السيد مرتضى العسكري، مؤسسة البعثة، طهران (1413هـ ).



77 ـ معاني الأخبار، محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (381هـ )، مؤسسة النشر الاسلامي، قم (1379هـ ).



78 ـ المعجم الصغير، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (360هـ )، دار الفكر، بيروت (1918م).



79 ـ المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (360هـ )، دار احياء التراث العربي، بيروت (ط . ثانية).



80 ـ المقدمة (العبر وديوان المبتدأ والخبر)، عبدالرحمن بن محمد بن خلدون (808 هـ )، انتشارات استقلال، طهران (1410هـ ).



81 ـ مكاتيب الرسول(ص)، علي الأحمدي، نشر يس، الطبعة الثالثة، قم (1363هـ . ش).



82 ـ ملحقات احقاق الحق، شهاب الدين المرعشي النجفي، مكتبة السيد المرعشي، قم (1408هـ ).



83 ـ مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي بن شهراشوب، تحقيق يوسف البقاعي، دار الأضواء، بيروت (1412هـ ).



84 ـ المنتظم في تاريخ الأمم، عبدالرحمن بن علي بن الجوزي (597 هـ )، تحقيق: محمود مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية بيروت (1412هـ ).



85 ـ من لا يحضره الفقيه، محمد بن علي بن بابويه القمي الصدوق (381هـ )، دار الكتب الاسلامية، طهران.



86 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (606 هـ )، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسسة اسماعيليان، قم (1367هـ . ش).



87 ـ نهج البلاغة (مجموعة خطب أمير المؤمنين(عليه السلام))، الشريف الرضي.



88 ـ وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي (1104هـ )، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، قم (1413هـ ).



89 ـ ينابيع المودة، سليمان بن ابراهيم القندوزي (1294هـ )، المكتبة الحيدرية، النجف (1384هـ ).* * *



(محتويات الكتاب)الموضوع الصفحةــــــــــــ ــــــــــتمهيد 5الصحيفة الجامعة أو كتاب علي(ع) 21



كتاب علي(ع) في النصوص 22



شهادات حسيّة 34



الأئمة((عليهم السلام)) لا يحدثون إلاّ عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) 39الكتب والصحائف الأخرى 51



صحيفة علي(ع) 51



التعارض بين روايات صحيفة علي(ع) وكتابه 55



صحيفة الناموس 63



صحيفة تدعى العبيطة 65



صحيفة أخرى في ذؤابة السيف 65



صحيفة الفرائض 67



كتاب الجفر 68



إخفاء الكتب عند الخوف 69



أسباب إخفاء الكتب 70الجَفْر حقيقته، وما قيل عنه 79



الجفر في اللّغة 82



هل من معنىً اصطلاحي؟ 82



الجفر في حديث أئمة أهل البيت((عليهم السلام)) 83



دعاوى لا أصل لها 86



كتاب ابن طلحة 95مصحف فاطمة((عليها السلام)) بين الحقيقة والأوهام 99



المصحف في اللّغة 102



مصحف فاطمة((عليها السلام)) في أخبار أهل البيت((عليهم السلام)) 104



فاطمة ((عليها السلام)) محدَّثة 108



المحدَّثون عند أهل السنّة 111مصادر البحث 119محتويات الكتاب 131



* * *



/ 3