حقوق الانسان وتطوّر - حقوق الانسان بین الاعلامین الاسلامی و العالمی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقوق الانسان بین الاعلامین الاسلامی و العالمی - نسخه متنی

محمد علی تسخیری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





حقوق الانسان بين الاعلانين الاسلامي والعالمي 14 - 24



حقوق الانسان بين الاعلانين الاسلامي والعالمي




حقوق الانسان وتطوّر


مفهـومها



لكي نتجنّب الابهام في الحديث، لا بدّ أن تتّضح تعاريف كلّ مصطلح نطرحه، وهذا المعنى يتعمّق أكثر عندما نتحدّث بلغة قانونية، وبتأكيد أكثر عندما نريد له أن يطبّق على المستوى العالمي.




العلاقة بين المسألتين الفلسفيّة والاجتماعيّة:




والغريب حقّاً لمن يستعرض مفاهيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان أنـّه يجد استعمالاً لكثير من المصطلحات دون توضيح لحقيقة القصد فيها.



فما هو الحق؟ ومن هو الانسان الذي نتحدّث عنه؟



وما هي الحيثيّة الذاتيّة للانسان؟



وما المقصود بالعائلة الانسانيّة، والاُخوّة، والتساوي، والعلاقات الودّية، والروح الانسانيّة، وأمثال ذلك؟



ويتجلّى لنا الابهام أكثر عندما نلاحظ أنّ هذا الاعلان العالمي اُريد له أن يطرح بمنآى عن المسألة العقائديّة، أو فلنعبّر عنها بالمسألة الفلسفيّة أي موضوع تحديد الموقف من الكون والحياة والانسان.



وذلك تأثّراً بالاتجاه الرأسمالي الذي يطرح أفكاره الاجتماعية بعيداً عن المسألة الفلسفيّة، مدّعياً أن لا علاقة بينهما، في حين أننا نعتقد بكل تأكيد أنّ العلاقة بينهما منطقيّة.



إنّ الايديولوجيّة مهما كانت، تستمد جذورها من الواقع، فلا يعرف الانسان ماينبغي أن يكون، إلاّ بعد أن يعرف ما هو كائن وما هي متطلّبات الواقع.



ويتأكّد هذا المعنى عندما نتصوّر الانسان ـ مثلاً ـ يعتقد باُلوهيّة الباري جلّ وعلا، وبأنـّه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وهو الاسلام ينظّم كل جوانب الحياة، مثل هذا الانسان لا يمتلك بعد هذا التصوّر إلاّ خيارين لاثالث لهما: فإمّا أن يتبع الايديولوجية الاسلامية ويصبغ كل سلوكه بها أو يكفر بتصوّره الماضي ويجحد به بعد أن تستيقنه نفسه.



نعم إذا امتلك الانسان تصوّراً مادّياً عن العالم فستكون أمامه إيديولوجيات بديلة وآلهة مختلفة، كلٌّ يجرّه إلى سبيله) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُل هَلْ يَسْتَويانِ مَثَلاً( [1] بل سوف لن يكون أمامه أي مبرر للاتجاه الى إيديولوجية معيّنة [2].



يقول الشهيد المطهري(قدس سره): إنّ الايديولوجية تقوم بشكل أساس على نوعيّة التصوّر عن العالم.. إنّ الايديولوجية هي من نوع الحكمة العملية، والتصوّر هو من نوع الحكمة النظرية، وكل نحو من الحكمة العملية مبني على نوع خاص من الحكمة النظرية [3].



ويقول الاستاذ الشهيد الصدر(قدس سره): إنّ المسألة الاجتماعيّة للحياة تتصل بواقع الحياة، ولا تتبلور في شكل صحيح إلاّ إذا اُقيمت على قاعدة مركزية تشرح الحياة وواقعها وحدودها، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة فهو ينطوي على خداع وتضليل أو على عجلة وقلّة أناة، حين تجمّد المسألة الواقعيّة للحياة وتدرس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها [4].



وعندما نراجع نصّ الاعلان العالمي لحقوق الانسان نجده يتناسى هذه المسألة تماماً رغم أنّه يتحدّث عن المصطلحات التي أشرنا إليها.



وسنعود إن شاء الله تعالى إلى هذا الموضوع في محلّه الخاص.



وعلى أيّ حال فينبغي أن نعرف أولاً ما هو الحق؟ وما هو الانسان؟ حتى نسير بشكل منطقي لمعرفة ما حدث من تطوّر في مجال حقوق الانسان.




الحقّ:




وعندما نعود إلى جذور هذا المصطلح نجده يعني الثبوت الذي لا يقبل التغيير حين الاستعمال على الاقل.



فالله تعالى هو الحق، ولا يمكن تصوّر التغيير فيه جلّ وعلا، والخبر المطابق للواقع حق حين الاخبار، ولا معنى لتصوّر التغيير في الحقيقة هذه رغم ادّعاءات (النسبيين) الواهية، وهذا معنى واقعي لا معنى للاعتبار الذهني أو التشريعي فيه. ولكن على هذا الغرار انتُزع مفهوم اعتباري وثبوت اعتباري واُطلق عليه هذا اللفظ، واستعمل في مجال العلاقات الاجتماعية والسلوك الفردي كحقّ الحريّة.



فالحقوق الاجتماعيّة على هذا لابدّ وأن تتوفر على عنصرين:



الاوّل: نشوؤها من حالة واقعيّة (تركيب تكويني، مصلحة واقعيّة).



الثاني: توافق واعتبار شرعي أو عرفي لها كي تنتظم الحياة الاجتماعية.



وربّما أمكن أن يقال: إنّ العنصر الاوّل بنفسه كاف في ثبوت الحقّ، إلاّ أنّ الانعكاس الاجتماعي يتطلّب بطبيعة الحال العنصر الثاني. فالحقّ إذن حاجة ثابتة بشكل طبيعي وأكّدها وحوّلها الاعتبار إلى حالة قانونيّة.




الانسان:




أمّا الانسان فإننا لا نستطيع أن ننظر إليه كموجود مادي بحت تصوغه الطبيعة وتشكّله البيئة الاجتماعيّة بكل ما فيه. فكل ما يتضمّنه المعنى الانساني إنْ هو إلاّ الانعكاسات الاجتماعية كما يقول دوركهايم أو الصياغة العقدية كما يؤكّدها فرويد أو المحصول الاجتماعي الاقتصادي كما يصوره ماركس أو الوجودات الذهنية كما ينقل عن باركلي أو ما الى ذلك من تصوّرات مادية.



إنّ مثل هذا الموجود لا يمكن الحديث عن حقوقه، وهل هناك مجال للحديث عن حقوق الحديد والخشب والماء؟!



إذن علينا قبل كل شيء أن نتصوّر الانسان موجوداً متميّزاً عن غيره من الاشياء يتمتّع بمخزون خاص ودوافع ذاتيّة معينة تتطلّب بذاتها وفي حدّ نفسها مسيرة وظروفاً معينة، وتنشد مراحل تكاملية على أساس من مخطّط مسبق، وحينئذ يمكن تصوّر بعض (الثبوتات) = (الحقوق) لمثل هذا الموجود.



وبتعبير مختصر علينا أن نؤمن بنظرية (الفطرة الانسانيّة) أولاً، ثمّ نتحدّث عن حقوق الانسان، والعدالة، والحرية، والكرامة، والتساوي والروح الانسانيّة وأمثال ذلك.



وإلاّ فما معنى الحديث عن هذه المفاهيم إذا لم نؤمن بالفطرة بمعناها الاسلامي السامي الشامل للادراكات البديهيّة، والتوجيهات العملية الخلقية، والدوافع التكاملية؟



فيجب إذن أن يكون هناك خط فطري وإطار خاص بالانسان إذا تجاوزه لم يعد إنساناً، حتى تكون هناك تربية، وحتى يصدق التعبير المعروف (اغتراب الانسان عن ذاته [5].



وعليه: فالانسان الذي يمكن أن نتصوّر له حقوقاً هو الموجود الذي يمتلك بطبيعته عناصر فطرية تولد معه وتبقى معه، وهي تتطلّب ـ في الواقع ـ مسيرة معيّنة إذا خرج عنها خرج عن (الصفة الانسانيّة) )وَلا تَكونوا كَالّذينَ نَسوا اللهَ فأنْساهُمْ أنْفُسَهُمْ اُولئِكَ هُمُ الفاسِقون( [6] )اُولئِكَ كَالانْعامِ بَلْ هُمْ أضَلّ( [7].



وإذا عومل معاملة تخالف فطرته كانت تلك الممارسة ممارسة لا إنسانيّة.



وبهذا نجد فرعون حين استضعف قومه وأفقدهم حقوقهم يقع موقع النقد الانساني )فاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فأطاعُوهُ إنّهُمْ كانوا قَوْماً فاسِقين( [8].



إذن يجب أن يكون له وزنه الطبيعي وبالتالي حقوقه الطبيعية، وأي استخفاف بها يعد ممارسة لا إنسانيّة.



هذا هو الانسان كما نعرفه، ولا يمكن لايّ لائحة أو إعلان منطقي أن يتحدث عن حقوقه إن لم يقبل هذا التعريف.




حقوق لا يعرفها الفكر المادي مطلقاً:




على ضوء ما تقدّم نعرف أنّ حقوق الانسان هي الحالات الطبيعيّة التي يحتاجها الانسان بطبيعته وفطرته لكي يطوي مسير تكامله الفطري.



وعلى هذا الاساس نعتقد أنّ حقوق الانسان تتجاوز كلّ ما قيل وطرح من حقوق إلى اُمور اُخرى نستطيع أن نعبّر عنها بـ (حقّ التعبّد والتديّن وحق الرعاية الخلقية، بل وحق الوصول الى الدين القيّم، وأمثال ذلك).



وهذا الحق هو مبنى البحث الديني المهم في مجال الحاجة الى الانبياء، وأنّ الدين لطف بالانسان، وأنّ الله تعالى هو منبع اللطف والرحمة، مما يؤدّي للقول بوجوب بعثة الانبياء وجوباً لطفياً. ولن نطيل الحديث في هذا المجال بل نتركه الى مظانّه.



ولكن من المناسب التعرض الى بعض الحالات الطبيعية التي يحتاجها الانسان بطبيعته لكي يطوي مسيرته التكاملية، ويمكن ان نلخصها بالحاجات المادية، والحاجات العقلية، والحاجات الاخلاقية، والحاجات التشريعية الحضارية:




أ ـ الحاجات المادية:




وتشمل الاحتياجات الطبيعية للتغذية والامن واللباس والتأمين الصحي والمأوى وكل ما يبقي الانسان فرداً نشطاً حياً في المجتمع، كما تتضمن كل ما يتطلبه الانسان من إشباع للحاجات الجنسية والميول التناسلية ورعاية الطفولة والاُمومة وامثال ذلك مما يبقي النسل البشري حياً فعالاً.




ب ـ الحاجات العقلية المعنوية:




وتتضمن الحاجة الى الحرية الفكرية والتنمية العقلية والتأمّل الحر في الكون، وتنمية الحس الفلسفي، وتقوية المنطق في تصور الاشياء، كل ذلك حاجة انسانية أصيلة لا يمكن ان تنكر.




ج ـ الحاجات الاخلاقية:




وهي اتجاهات وميول طبيعية في الوجود الانساني تتطلب اشباعات مناسبة، فالحاجة الى التربية الواقعية، وتوفير الجو المناسب لنمو الحس الجمالي والاخلاقي ونفي كل ما لا ينسجم والصفاء الفطري وتوفير جو الرحمة والعطف، وبالتالي توفير كل ما هو انساني انما يعبر عن حاجة فطرية أصيلة، ومن هذه النزعات الاخلاقية بلا ريب نزعته نحو التدين تجاه خالقه الوحيد.




د ـ الحاجة التشريعية الحضارية:




تعني حاجة الانسان لتشكيل المجتمع وما يتطلبه هذا التشكيل من تشريع عملي مؤقت أو حضاري مستمر، وبالتالي حاجته للوصول الى أدق السبل لتحقيق النزعة الفطرية نحو السعادة، وهذا يتطلب إشباع حاجته التشريعية بأفضل السبل.




ملاكات تشخيص الحقوق الانسانيّة:




طرحت أو ربّما تطرح في هذا المجال معايير وملاكات من قبيل: (العرف والعقلاء، القانون والدين، المصلحة والمفسدة، اللذة والالم، العواطف والعقل، مقتضيات العدالة، وما الى ذلك).



وهذه الاُمور إمّا أن تكون مصادر للحق أو تكون من الكواشف عنه، أو من اللوازم له، أو غير ذلك. وعلى أي حال، فيجب قبل تعيين الملاك لتشخيص كون هذا الامر حقّاً إنسانيّاً أو عدمه، أن نلاحظ الامرين التاليين:



أولاً: ما أشرنا إليه من معنى الحق ومعنى الانسان، ونوازعه وحاجاته الاصيلة.



ثانياً: أن نرجع الى مقياس يتوفّر لدى الانسان بغضّ النظر عن تلوّنه بالاشكال والطبائع الاجتماعيّة، وإلاّ لفقدنا صفة التعميم والشمول التي هي مقتضى طبيعة كون الحق إنسانيّاً محضاً.



فما هو إذن هذا المقياس الذي يكشف عن الحاجة الطبيعية الثابتة للموجود الانساني المتكامل على طريق الفطرة؟



إننا لا نجد أمامنا إلاّ الوجدان المتوفّر عند كل انسان بذاته، وذلك بمعناه الاعمّ من الوجدان الفكري والوجدان الاخلاقي.



بل إننا حتى لو اقتصرنا على الوجدان الاخلاقي المتوفّر في أيّ إنسان استطعنا أن نكتشف اُصول الحقوق الانسانيّة إجمالاً بلا ريب. ولا بأس بعد ذلك من حصول الاختلاف في المصاديق والتطبيقات، وسنرى أنّ الوجدان نفسه يقودنا إلى وسيلة للوثوق بصحة المصاديق هذه، مما يمنحنا الصورة التفصيليّة لهذه الحقوق. وإذا عدونا الوجدان فإننا لن نجد أمامنا معياراً لا لمعرفة الحقوق فحسب بل لايّة معرفة إنسانيّة، وحينئذ نتصوّر الانسان حبيس ذاته على الصورة التي أرادها له باركلي. إنّ الانسان بلا وجدان (بالمعنى الاعمّ) يفقد أي صبغة إنسانيّة فهو الخشب بعينه ولا حقوق للخشب.



ولكن ما هو الوجدان نفسه؟ ربما لا نستطيع أن نعرّف الوجدان، لا لخفائه بل لوضوحه، إنّه الحقيقة التي نتعامل معها ولا نستطيع أن نستدلّ عليها إلاّ بها، ومن أنكر الوجدان وحكمه فلن نقدر على إقناعه مطلقاً.



فبالوجدان نصل الى ما نقطع به من أحكام عقلية تشكّل اُسساً لمعرفتنا كلّها، وبه أيضاً نصل الى ما نؤمن به جميعاً من حسن في الافعال وقبح فيها، لتبنى عليها كل البنى الاخلاقية والاجتماعيّة.



وربّما انطلق هؤلاء الذين كتبوا الاعلان العالمي من منطلقات وجدانية فطرية دون أن يشعروا، رغم أنـّهم فصلوا قضية الحقوق عن قضية الايمان بالوجدان ومقتضياته، فالوجدان هو الذي يؤكّد حسن العدل وقبح الظلم، والوجدان هو الذي يؤكّد حق الحياة وحق الحرية وحق الكرامة الانسانية، وهو الذي يؤكّد التساوي بين الاجناس باعتبارها الانساني، وهكذا حقوق الاُمومة، والحقوق الجنسيّة، وغيرها.



أمّا كيفيّة الوصول إلى المصاديق التفصيليّة للحقوق فلا نجد لها إلاّ سبيلين:



الاوّل: الاستقراء الكامل للسلوكات الانسانيّة وطرح كلّ الطوارئ واكتشاف المشتركات رغم اختلاف الظروف، وهو مقياس ناقص، ربّما لا يمكن تحقّقه كعملية تحقيقيّة، كما ربّما لا يمكن الوصول ـ لو أمكن تطبيقه ـ إلى نتائج كثيرة.



الثاني: الدين باعتبار الوجدان دليلاً على اُسسه التصوّرية من خلال القدرة العقلية التي تقود الانسان الى اكتشاف سرّ هذا النظام الكوني الرائع والوجود المطلق الكامل الذي خلق هذا الكون. هذا الوجود الغني بذاته والعليم الحيّ اللطيف وهو بمقتضى لطفه يرسل أنبياءه بالدين ليوضّحوا للبشريّة الصورة التفصيليّة لحقوقها الفردية والاجتماعية ويكشفوا المنهج الافضل للسير على طريق التكامل.



فإمّا الايمان بالدين، أو الاكتفاء بتلك الصورة الاجمالية الناقصة التي هي بدورها وليدة الايمان بنظرية الفطرة الانسانية، فإذا أنكرها أحد لم يكن من المنطقي له أن يتحدّث عن حق وخلق إنساني، كما مرّ بنا سابقاً.




اللمحات الانسانيّة الحقوقيّة عبر التاريخ:




ويمكننا أن نجزم بحق بأن الوجدان الانساني أولاً، ثمّ العامل الديني الواسع الابعاد في التأثير التاريخي ثانياً، تركا أثرهما على مسيرة الحقوق الانسانيّة وحتى على مستوى الاساطير.



يقول العلاّمة الجعفري في كتابه القيم بهذا الصدد:



من البديهي أنّ هدف إصلاح العلاقات الانسانيّة... يشكّل احتراماً عملياً لبيان مواد الحقوق العالمية للانسان في ذهن الافراد المتقدمين فكرياً باستمرار.. وعلى هذا الاساس نشاهد بعض العبارات والمواد المختلفة باعتبارها أخلاقاً أو حقوقاً أو عناصر ثقافية بين الشعوب والاقوام المختلفة [9].



ويقول جورج ساباين: و بشكل عام فإن اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد قالوا بأن حقوق الطبيعة خالدة وغير متغيرة، في حين أن أوضاع الانسان وأحواله متغيرة، فإذا استطعنا اكتشاف هذا القانون الثابت وغير المتغير وحققنا الانسجام بينه وبين الحياة الانسانية، فإن الحياة البشرية سوف تصبح إلى حد ما منطقية وعقلانية، وسوف تقلّ الشرور والمفاسد، فمرتبة الكمال الانساني هي أن تتبع القانون الطبيعي الثابت. و يمكن تلخيص هدف هذه الفلسفة في الجملة التالية: البحث عن الثبات بين المتغيرات، والوحدة بين المتنوعات [10].



وإذا ما تتبعنا آراء الفلاسفة والمؤرّخين والشعراء عبر التاريخ لمحنا الكثير من العبارات المعبّرة عن هذا التأثير الوجداني العميم.



هذا هو سيسرون الفيلسوف (43 ـ 106م) يؤكد على أن الحقوق لاتقوم على أساس التصور والظن، بل إن العدالة الطبيعية الثابتة واللازمة تقوم على أساس من الوجدان الانساني [11].



وهنا نذكر بأن مؤرّخي الحقوق وتطوّرها يعبرون المرحلة الاسلامية في خطوة طويلة حتى يبلغوا القرن الثامن عشر، حيث صدر الاعلان الفرنسي العالمي لحقوق الانسان في 28 أوغست 1789م والذي عاد جزءاً من الدستور الفرنسي في 3 سبتمبر 1791م، غافلين أو متغافلين عن أن الاسلام بإشراقه على العالم قدّم أروع لائحة تفصيلية لحقوق الانسان من خلال تعليمات القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، و هو ما شكل لحد الان أساساً قانونياً لكل أنماط الممارسات الانسانية للمسلمين عبر التاريخ. أما الاعلان الاسلامي الذي صدر موخّراً فما هو إلاّ محاولة جيّدة لكتابة هذه الحقوق المعلنة بالشكل المتعارف اليوم.



وإلاّ فإن الايات التالية مثلاً هي إعلان قانوني تاريخي لحقوق إنسانية ثابتة:



)وَلَقَدْ كَرّمْنا بَني آدَم( [12].



)يا أيـُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَر وَاُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عَنْدَ اللهِ أتْقاكُم( [13].



)مَنْ قَتَلَ نَفْساً فَكأنـّما قَتَلَ النّاسَ جَميعاً وَمَنْ أحْياها فكأنـّما أحْيا النّاسَ جَميعاً( [14].



وغير ذلك، من النصوص الشريفة الواردة عن الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته الطاهرين مما ترك أثره في مجال الفكر الاسلامي صوراً رائعة [15].



إلاّ أننا إذا أردنا أن ندرس سير الفكر الحقوقي المتأخر فإن الاعلان الفرنسي ـ رغم استفادته من الاعلان الحقوقي الانجليزي الصادر في نفس العام، وإعلان الاستقلال لثلاث عشرة مستعمرة أميركية الصادر قبله بثلاثة عشر عاماً ـ قد استطاع أن يقدّم لائحة متقدّمة جدّاً في هذا المضمار، حيث طرح في مادته الاُولى حق الحرية والمساواة، وفي الثانية حق الحرية والملكية، والامن والدفاع ضدالظلم، وفي الثالثة منح الشعب حقوقه في الحاكمية، وفي الرابعة أكّد على الحرية الشخصية غير المعتدية على حريات الاخرين، وفي الخامسة منح القانون حق منع الضرر، وفي السادسة أكّد حق الاشتراك في صياغة القانون لكل الافراد، وفي السابعة أكّد المساواة أمام القانون وحيازة الوظائف، وفي الثامنة قرّر أن لا عقوبة دونما قانون، وفي التاسعة أكّد فكرة: المتّهم بريء حتى تثبت إدانته، وفي العاشرة طرح حرّية العقيدة، وفي الحادية عشرة قرّر حرية البيان، وفي الثانية عشرة قرّر فكرة ضمان الحقوق بتشكيل قوة مسلحة، وفي الثالثة عشرة أجاز أخذ الضرائب لتأمين هذا التشكيل، وفي الرابعة عشرة أعطى للناس حق الاشراف على الضرائب، وفي الخامسة عشرة أعطى المجتمع حق الاشراف على الموظفين، وفي السادسة عشرة اعتبر المجتمعات التي لاتقبل حقوق الانسان وانفصال القوى الحاكمة عن بعضها مجتمعات لا دستور لها، وأخيراً قرّر في المادة السابعة عشرة عدم جواز سلب الملكية إلاّ للمصلحة العامة.



وهكذا جاء هذا الاعلان المهم ليشكل قانوناً تقتبسه الدول الاُخرى شيئاً فشيئاً.



واستمرّت التحولات حتى تمّت الموافقة في الامم المتحدة على الاعلان العالمي لحقوق الانسان في 10 ديسمبر 1948م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ وقّع عليها 48 عضواً، وامتنعت عن التصويت الاقطار الشيوعية (روسيا، روسيا البيضاء، اوكرانيا، جيكوسلوفاكيا، يوغسلافيا وبولندة) وإفريقيا الجنوبية والسعودية. وطبعاً كانت الدوافع لدى هذه الاقطار مختلفة.






[1] الزمر: 29 .



[2] نحو الدستور الاسلامي للكاتب: 15.



[3] الوحي والنبوّة للاستاذ الشهيد المطهري.



[4] فلسفتنا: 18 ـ 19.



[5] في الطريق الى الله للكاتب: 19.



[6] الحشر: 19.



[7] الاعراف: 179.



[8] الزخرف: 54 .



[9] الحقوق الانسانيّة العالميّة: 16.



[10] جورج ساباين، تاريخ الفلسفة السياسية 1 : 77 .



[11] جورج دل وكيو، في تاريخ فلسفة الحقوق: 67 .



[12] الاسراء: 70 .



[13] الحجرات: 13.



[14] المائدة: 32 .



[15] تراجع في هذا الصدد رسالة الحقوق للامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام حيث اشتملت على كل الحقوق المتبادلة.



/ 4