حول الشیعة و المرجعیه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حول الشیعة و المرجعیه - نسخه متنی

محمد علی تسخیری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



المجمع العالمي لأهل البيت ( ع )نظرات حـول المرجعيـةالشيخ محمد علي التسخيري


المقدمة


تمرّ الامة الاسلامية عموماً وأتباع أهل البيت خصوصاً بفترة من أحرج فتراتها السياسية، إذا نظرنا إلى الهجمة الشرسة للاستكبار وأذنابه ضد الاسلام والمسلمين وأتباع أهل البيت((عليهم السلام)) في جميع أنحاء العالم.


فلقد تحالفت جميع القوى للنيل من الاسلام والقضاء عليه، لما يمتاز به من عمق شمولي يستوعب جميع مناحي الحياة، ويمتدّ على جميع مساحة التاريخ.


وكان للقيادة الدينية المتمثلة بالمرجعية دورها المتميز على امتداد تاريخ الاسلام في إرساء قواعده الرسالية وتثبيت شوكته، والتصدّي لأعدائه بالمواقف الجهادية المشهودة، أو بالقلم الثاقب ودحض الشبهات التي يثيرها الاعداء لتقليل أهمية الدور الريادي للرسالة وطمس معالمها السامية.


ومن البديهي أنه لا يمكن للامة الاسلامية أن تمارس دورها العلمي والفكري والحضاري والريادي من دون قيادة واعية مرتبطة بالعروة الوثقى ومتمسكة بحبل الله المتين الذي حدّده الرسول((صلى الله عليه وآله)) بقوله: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً.


والمرجعية الرشيدة هي الامتداد الحقيقي للعترة الطاهرة، وهي الحاملة لأعباء الدور الخطير للرسالة المحمدية الأصيلة. وتتمثل المرجعية بالفقيه الجامع للشرائط، والذي يستطيع بعلمه وحكمته وحنكته ووعيه ممارسة مهامّه الريادية لتحقيق الاهداف الرسالية ومصالح الامة.


ومن هنا، كان لزاماً على الامة أن تدرك حقيقة دور المرجعية والضوابط الشرعية والعقلائية في التصدّي لها، وأن تعي طبيعة هذه المسؤولية، وتتفاعل معها، وتنضوي تحت لوائها.


ومن هذا المنطلق، وجد المجمع العالمي لأهل البيت((عليهم السلام)) أن مهمة التوعية هذه هي من صلب مهماته وفي طليعتها، ولهذا وجد لزاماً عليه أن يكون في مقدمة الذين يُدلون بالقول الفصل والرأي السديد في هذا الأمر الحساس والقضية الاساسية.


وقد كان لهذه المبادرة مفردات ومقدمات، حيث نشرت مجلة رسالة الثقلين الناطقة باسم المجمع بعض المقالات في هذا المجال على صفحاتها بقلم الأمين العام سماحة العلاّمة الشيخ التسخيري تضمّنت بياناً للاُسس والضوابط الشرعية والعقلائية لتعيين المرجعية وطبيعة مهامها الرسالية في المرحلة الراهنة.


كما ونُشرت لسماحته مقالات علمية في مجلة التوحيد تحت عنوان: اسس المرجعية الدينية والمقترحات الحديثة حولها. وقد وجدنا أن اكتمال مفردة من مفردات هذه المبادرة يمكن أن يتحقق بإصدار هذا الكتيب ليكون خطوة في طريق توعية الامة وإرشادها باتجاه المرجعية الصالحة والمقام الراشد لها، والله الموفق للصواب والهادي إلى سبل الرشاد.


المعاونية الثقافيةللمجمع العالمي لأهل البيت(ع)


نظرات حول المرجعيّة


تقوم فكرة المرجعيّة لدى الشيعة على اُسس متعدّدة أهمّها مسألة الاجتهاد والتقليد باعتبارهما مبدأين أصيلين في عمليّة فهم الحكم الإسلامي والعمل به، ويعبّر الإسلام من خلالهما عن مرونته وواقعيّته، فلا يمكن لكلّ أحد أن يستنبط الحكم الإسلامي، خصوصاً مع ملاحظة الفارق الزمني الطويل بيننا وبين عصر النّصوص، الأمر الّذي يتطلّب تخصّصاً لبعض النّاس في فهم الشّريعة والاجتهاد فيها، ثمّ تُعرض النتائج على الآخرين ليعملوا بها. وهو مضمون الآية الشريفة: )وَما كَانَ المُؤمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقّهوا في الدّينِ وَلِيُنْذِروا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُون(( [1] ).


ولكي يُسدَّ الطريق على المتطفّلين على الاجتهاد فقد وُضعت له اُسس وقواعد تضبطه وتضمن إلى حدّ كبير قربه من الواقع.


ولأنّ المجتهدين قد يختلفون في عمليّة الاستنباط، وليس لأي رأي مهما سما أن يمنع من الرأي الآخر ( إذا كان هذا الأخير منسجماً مع القواعد المطروحة) فقد تُرك باب الاجتهاد مفتوحاً.


ومن الخطأ أن نتصوّر أنّ النصوص القرآنيّة النّاهية عن الاختلاف تنظر إلى جانب الاختلاف الطبيعي في الاستنباط الصّحيح من النّصوص، وإنّما تنظر إلى التنازع في المواقف العمليّة. وقد عمل المسلمون بهذين المبدأين لقرون ممتدّة، إلاّ أن الكثير من العلماء وتبعاً لاستدلالات عقلائيّة وتحوّطاً للأحكام الشرعيّة طرحوا فكرة اشتراط الأعلميّة في من يجوز تقليده، وذلك في خصوص موارد الاختلاف في الفتوى.


وقد كان لهذه الفكرة الدور الكبير في السّوق نحو قيام المرجعية كظاهرة طبيعية على امتداد المسيرة.


كما لا ننسى أن بعض العلماء كانوا يمتلكون من العظمة والسّعة الحدّ الذي جعلهم مرجعاً لكلّ الاُمّة، لا بل كادت شخصيّتهم العلميّة الضخمة تسدّ أبواب الاجتهاد كلّها، وذلك كما يقال بالنسبة لشخصيّة المرحوم الشيخ الطوسي((رحمه الله)).


كما يمكن أن نعتبر حالة التشرذم والاستضعاف التي كان الشيعة يعيشونها خلال قرون ـ وخصوصاً في العصور الأخيرة ـ وشوقهم لقيادة دينيّة تجمع شملهم وتوحّد كلمتهم وتدافع عن حقوقهم، من أهمّ العوامل في تركيز دور المرجعيّة في حياة الشيعة وخصوصاً في العصور الأخيرة.


وقد قامت المرجعيّة بأدوار ضخمة في المجالات العلميّة والاجتماعيّة والسياسيّة ولا يمكن أن ينكرها أحد.


ومما ساعد على هذه الأمور قيام المرجعيّة بدور ولائي مستمدّ من النّصوص التي تقرّر موضوع اشتراط الفقه في شخص وليّ الأمر الأمر الّذي منح المرجعيّة القدرة على توحيد المواقف السياسيّة أحياناً، وتنظيم عمليّة جباية الخمس والزّكاة وباقي الضرائب والوجوه الشرعيّة، وتنظيم الحوزات العلميّة، والقيام بالخدمات الاجتماعيّة الكبرى، والاحتفاظ بالشخصيّة المستقلّة للعالم الشيعي.


ومنذ حدوث التطوّرات والتعقيدات الاجتماعيّة، ونشوء الكثير من القضايا المستجدّة، وتعقّد الكثير من المواقف السياسيّة والاجتماعيّة، ونفوذ الكثير من العناصر المعادية، اتّجهت المرجعيّة نحو تقوية جهازها وتوسيع معلوماتها وتنظيم أساليبها العلميّة والعمليّة لمواجهة الموقف الجديد.


وقد شهد العالَم الشّيعي تحوّلات جيّدة في هذا المضمار في الحوزات الشيعيّة الكبرى في النجف وقم ومشهد، لا مجال لنا هنا لاستعراضها.


ولم تعد الدّراسات تقتصر على الأبواب التقليديّة كالصلاة والطّهارة، وإنّما راحت تتناول شيئاً فشيئاً بعض الأبواب الأكثر اجتماعيّة، واُلـّفت الرسائل في المسائل المستحدثَة، إلاّ أنـّها ـ والحقّ يقال ـ لم تتقدّم التقدّم المطلوب.


ومن المسائل التي شغلت بال الحوزات العلميّة والجماهير المؤمنة معاً في كثير من الفترات مسألة انتخاب المرجع الأعلى، خصوصاً بعد ازدياد عدد المجتهدين، وتعدّد المدارس، واشتداد حسّاسية الصراع مع قوى الكفر والاستكبار العالمي وتطوّر أساليبه في المواجهة والعداء.


وهذا ما يتجلّى بشكل أوضح عندما يتوالى فقدان العالم الإسلامي لشخصيّات مرجعيّة في فترة زمنيّة قصيرة، وهو ما حدث في يومنا هذا، حيث فقدت الاُمّة الشخصيّات التالية على التّرتيب التالي:


آية الله العظمى الشهيد السيّد محمد باقر الصدر.


آية الله العظمى السيّد عبدالله الشيرازي.


آية الله العظمى الإمام السيّد الخميني.


آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي.


آية الله العظمى السيّد الخوئي.


آية الله العظمى السيّد السبزواري.


آية الله العظمى السيّد الگلبايگاني.


آية الله العظمى الشيخ الأراكي.


رحمهم اللّه تعالى جميعاً وأسكنهم الفسيح من جنّته.


وهذه الفواجع أحدثت توتّراً شديداً وقلقاً مستمرّاً ناتجاً من تعدّد الولاءات وكثرة الادّعاءات وغموض الحقيقة، وأثارت الشّبهات حول الأساليب التقليديّة لانتخاب المرجع، والعلاقة بين المرجعيّة وولاية الأمر ومفهوم الأعلميّة، وهل يُقتصر على الصورة التقليديّة له والتي يُعبّر عنها بالقدرة الأكثر على الاستنباط في الأمور المعروفة؟ أو أنـّها تحمل معها عناصر أخرى كسعة الاطّلاع على القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة العالميّة، والقدرة الأكبر على تنقيح المواضيع الّتي يراد معرفة أحكامها، بما يسمح للأعلم أن يكون أقرب من غيره في معرفة الموقف الإسلامي من القضيّة، خصوصاً إذا لاحظنا التّرابط الوثيق بين مواقف الإسلام وأحكامه ومفاهيمه في كلّ المشاكل الحياتيّة الإنسانيّة؟


كل هذه التساؤلات طُرحت على صعيد البحث لا العلمي فقط، وإنّما على الصعيد الثقافي العام، وحقّ لها أن تُطرح على كلا الصعيدين وإن اختلفت لغة الطّرح بينهما.


ولسنا نستطيع أن نبتعد عن هذه المشكلة أو ندفن رؤوسنا في الرّمال تاركين الاُمور تتّخذ بنفسها مجراها الطبيعي، فعلينا إذاً أن نقول كلمة في هذه المسألة الخطيرة راجين أن ينظر الجميع إليها بعين الإخلاص في قول الحقيقة.


إنّنا نعتقد أنّ الأساليب القديمة الّتي تمّ التعامل بها في مجال انتخاب المرجعيّة العامّة، حيث اُوكلت الاُمور إلى نوعيّة الظروف وقدرة التّبليغ بالإضافة إلى المقام الذّاتي الّذي يملكه المرجع، هذه الأساليب إن كانت ناجعةً في العصور الماضية عصور التشرذم والاستضعاف فهي اليوم تكاد تنقلب على أهدافها في عصر الطلائعيّة الشيعيّة لكلّ العالم الإسلامي، عصر الكلمة الشيعيّة الاُولى في قبال كلّ الطّواغيت وكلّ القوى الاستكباريّة.


إذاً لا نستطيع أن نترك الاُمور على عواهنها خصوصاً مع ملاحظة العداء الاستكباري المخطّط لضرب الثّورة الإسلاميّة، وتركيز الأعداء على المرجعيّة، ومحاولة النفوذ من خلالها.


إنّنا بحاجة لاُسلوب جديد منسجم مع القواعد الشرعيّة لانتخاب المرجعيّة، هذا بالإضافة إلى أنـّنا بحاجة تامّة للتأكيد على الدور الأساس للمرجعيّة، وتخليصها ممّا اُضيف إليها.


فالمرجعيّة مرجعيّة في الفتوى، عليها أن تقوم بعرض الوقائع على النّصوص والمنابع الإسلاميّة، واستنباط الموقف الإسلامي عبر عمليّة اجتهاديّة تحمل كلّ عناصر الاجتهاد المطلوبة.


وإذا اُريد لها أن تكون مرجعيّة عامّة لكلّ قطّاعات الاُمّة وواعية لكلّ القضايا الفقهيّة وكلّ ما له دخل في تنقيح الموقف الصّحيح من اُمور اجتماعيّة وسياسيّة وحقوقيّة وغيرها، كان المفروض بها أن تستعين بلجنة فتوائيّة مشكّلة من كبار العلماء بالإضافة لكبار المتخصّصين بمختلف القضايا الّتي يُراد منها معرفة الموقف الإسلامي الأصيل.


وربّما كان من غير الممكن بمكان أن نتصوّر أن الاجتهاد الفردي المنعزل يستطيع أن يلمّ بكلّ القضايا اليوم، وربّما أمكن القول هنا إنّ قيام دار للإفتاء تضمّ النّخبة من علماء الشّريعة هو الحلّ الأمثل لهذه المشكلة، خصوصاً إذا رأينا أنّ كلّ الأدلّة المذكورة للتقليد ـ والمعروف منها هو بناء العقلاء ـ تنسجم تمام الانسجام مع هذا الطّرح.


أمّا المسألة القياديّة في الاُمّة فلا بدّ أن تترك بشكل واضح إلى وليّ الأمر الفعلي القائم بتنظيم شؤون المسلمين.. ولا معنى لتصوّر قيادتين فعليّتين في الاُمّة الواحدة والطائفة الواحدة، فضلاً عن تصوّر أنّ كلّ فقيه ولي مطلقاً على كلّ النّفوس والأعراض والأموال في أيّة نقطة من العالم! وإن النظريّة السياسيّة الإسلاميّة، والواقع وكلّ بناء العقلاء ومجمل النّصوص الآتية في الولاية تأبى ذلك.


إنّنا من هنا نُعلنها حقيقة مرّةً وربّما ضاقت بها بعض النّفوس، ونؤكّد على أنّ الاُسلوب التّقليدي في انتخاب المرجعيّة لم يعد اُسلوباً نافعاً، بل يحمل معه نقاط ضعف كبرى يمكن أن ينفذ من خلالها العدو، ويسري معه الوهن في الجسم العام. كما نؤكّد أنّ الولاية لا تتعدّد مطلقاً بمقتضى كلّ الملاكات المطروحة.


وحينئذ فعلى الواعين من أبناء هذه الاُمّة أن يعملوا على تركيز هاتين الحقيقتين المهمّتين، حتى نضمن قدسيّة المرجعيّة ودورها الفاعل، وحتّى لا نشهد بعد هذا ضياع الكثير من مصالح الاُمّة ووقوعها تحت رحمة النظرات الفرديّة والنّزعات الروحيّة المائلة إلى الإفراط أو التفريط.* * *


اسس المرجعية الدينيةوالمقترحـات الحديثـة حولها


يمكن القول ان مصطلح المرجعية مأخوذ من بعض الروايات التي أرجعت الناس الى الفقهاء، من قبيل ما جاء في التوقيع الشريف من قوله((عليه السلام)): أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة احاديثنا( [2] ).


إلا أن هذه الظاهرة المهمة في حياة مدرسة أهل البيت، لم تكن تملك ـ باستمرار ـ الأبعاد القيادية كلها، ومنذ عصر الغيبة.


صحيح أنّ الأمة ـ بمقتضى توجيهات ائمة اهل البيت((عليهم السلام)) ـ كانت تدرك أنّ القيادة الحقيقة متوافرة في هذه الفئة، باعتبارها الأقرب إلى القيادة المعصومة علماً وسلوكاً، وباعتبار ما جاء من روايات تؤكّد على اشتراط الفقه في القاضي واشتراط العلم في الامام، وانّ الفقيه هو الحصن لهذه الاُمّة وما إلى ذلك. صحيح انّ بعض علماء مدرسة اهل البيت((عليهم السلام)) استطاعوا بقدرتهم العلمية الضخمة ان يمسكوا بزمام الفتوى في مجمل كيان مدرسة اهل البيت((عليهم السلام)) من قبيل الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشهيد الاول، وإنّ عظمة الشيخ الطوسي((رحمه الله)) أدّت إلى سدّ أبواب الاجتهاد لعشرات السنين ـ كما يقال ـ إلاّ انّ ذلك كان يتبع القدرات الشخصية لامثال هؤلاء العظماء، لا إلى وجود مبدأ مقرّر في الحياة الشيعية يصل إليه هؤلاء وغيرهم بشكل طبيعي.


وحدة الولاية وتعددها


هذا من جهة المرجعية الفتوائية، فاذا أضفنا إلى ذلك النقاط الأخرى التي تمتعت بها المرجعية وهي مسألة (الولاية)، أدركنا بوضوح أكثر عدم وجود هذه الصفات بشكل مستمر وعلى مرّ العصور.


وواضح انّ (ولاية الأمر) لا تبعيض فيها بين النفوس والاعراض والاموال، ولا بين منطقة ومنطقة من العالم. فالدولة الاسلامية واحدة، والقانون واحد، ووليّ الامر هو وليّ الأمر على الجميع، هذا طبعاً إذا رفضنا النظرات التجزيئية التي ولّدتها عصور التمزّق في الخلافة، الأمر الذي ترك آثاره حتى على نظر الفقهاء إلى النظام السياسي الاسلامي.


إذا نظرنا للموضوع بهذه الروح وتصفّحنا تاريخ اهل البيت((عليهم السلام)) أدركنا حقيقتين أساسيتين:


الاولى ـ لزوم وحدة الوليّ وعدم تعدّده، وهي حقيقة يؤدّي إليها النظر في كل أدلّة الولاية، وملاحظة عدم وجود نصّ عام أو إطلاق فيها يجعل الولاية لكلّ فقيه، وهو ما أثبتناه في البحث السابق، بل هو واضح تماماً، إذا أدركنا لوازمه، ومنها ان نتصوّر مئات القيادات والرؤوس (المتساوية في الصلاحية) للدولة الاسلامية. وهذا أمر لا يقبله منطق سليم، فضلاً عن انّه مما أكّدت الروايات الاسلامية رفضه( [3] ).


الثانية ـ انّ مثل هذه الخصائص لم تكن متجلّية في أيّ شخص باعتباره مرجعاً في الفتوى ووليّاً عاماً للمسلمين أو الشيعة بالخصوص، له حقّ التصرّف في الأموال وغيرها.


بل انّنا نجد الفقهاء ـ حتّى أواخر القرن الخامس الهجري ـ يحارون في أمر التصرّف في سهم الامام((عليه السلام)) من الخمس، ثمّ تحوّل الرأي عن ذلك بعد وضوح انّ الخمس لم يكن لشخص الامام بل لمنصبه، باعتباره راعياً للامّة ومطبّقاً للشريعة. ومع ذلك، وجدنا الأمر متردّداً بين الدفع الشخصي المباشر لهذه الضرائب المالية أو اللجوء إلى خصوص الفقهاء، كما رأى العلامة المجلسي((رحمه الله)) حتى كان الشيخ الانصاري الاعظم((رضي الله عنه)) الذي يقول: فلو طلب الفقيه الزكاة والخمس من المكلّف، فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعاً، نعم لو ثبت شرعاً اشتراط صحّة ادائها بدفعه إلى الفقيه مطلقاً، أو بعد المطالبة وأفتى بذلك الفقيه وجب اتباعه...( [4] ).


وهكذا نجد صاحب الحدائق يردّ على نظرية العلاّمة المجلسي فيقول: انّا لم نقف له على دليل( [5] ).


وعلى أيّ حال، فاننا نتصوّر انّ (المرجعية) تُعدّ ظاهرة متقدّمة وناجعة، طرحت نفسها بحقّ في التاريخ الشيعي، وتطوّرت بمرور الأيام وتعقّد العلاقات ونموّ الحاجة إلى قيادة علمائية جامعة للشتات، وموحِّدة للصفوف، إن على صعيد الفتوى أو على صعيد القيادة، وهذا تاريخها الناصع يوضّح لنا بما لا يقبل الشكّ انّها ـ وعلى الرغم من بعض الضعف في نظامها ـ كانت رأس الحربة في محاربة البدع والانحرافات، لا بل في محاربة الاستعمار والاستبداد، على الرغم من أنّها لم تكن تملك سلطة رسمية، إلاّ في بعض العصور، كالمحقّق الثاني في عصر الدولة الصفوية، والمرحوم كاشف الغطاء في عصر الدولة القاجاريّة. بل ربما كانت محاربة في كلّ مكان، وانّما كانت تعتمد فقط على النفوذ المعنوي والعلمي الذي تملكه بين الجماهير المؤمنة.


الاسس التي قامت عليها المرجعية


انّها مجموعة من أسس فقهية، وأخرى نابعة من طبيعة الوضع الاجتماعي وتعقيده وشدّة الضغط المعادي، والحاجة الى الوحدة في المواجهة.


اما الاسس الفقهية فيمكن ان نحصرها فيما يلي:


1 ـ أدلّة التقليد، بما فيها مسألة اشتراط الاعلمية.


2 ـ أدلّة ولاية الفقيه.


ولسنا بحاجة إلى توضيح الاسس الطبيعية والاجتماعية التي تطلّبت هذه الحالة فهي واضحة.


وقد تعاظمت هذه الاسس حتى بلغت بالمرجعية إلى حدّ القيادة الفعلية العملية السائدة، وهناك طُرحت في البين تساؤلات كثيرة:


منها: في مجال كيفية انتخاب المرجع، وهل تُترك على عواهنها؟ باعتبار انّ اللـه تعالى أعلم حيـث يجعل رسالتـه، وهـي عبارة منقولة عن المرحوم الامام الاصفهاني، أو انّ من الطبيعي ان توضع صيغة عمليّة معقولة في البين، خاصةً بعد ملاحظة التآمر الكبير على مدرسة اهل البيت((عليهم السلام)) والتخطيط المعادي الذي يسعى لضربها وإجهاضها.


ومنها: في مجال إمكانية تعدّد المراجع، أي تعدّد المواقف القيادية من جهة، والمواقف السلوكيّة الشرعية من جهة أخرى، لا بين منطقتين متباعدتين فقط، بل وحتّى في مدينة واحدة، كالنجف الاشرف وقم المقدسة وغيرهما.


ومنها: مسألة ضرورة الاستعانة بشورى فقهاء، أو إمكان تفرد الفقيه في الفتوى مع وجود الاختلاف في الاذواق، وتشعّب شؤون الحياة وتعقّد العلاقات الاجتماعية، وإمكان تسرّب عناصر الضغط المصلحية أحياناً إلى مناصب مهمّة تترك أثرها على مسيرة الأمّة.


كلّ هذه التساؤلات كانت تُطرح، إلاّ أنها كانت تختفي تماماً بملاحظة الآثار الايجابية الكبرى التي تتركها المرجعيّة في الحياة من جهة، وعدم تحوّل هذه التساؤلات إلى مشاكل حقيقية، باعتبار ما كان عليه الوضع الشيعي من تشرذم وتفرّق وضعف لا يشعر معه الانسان العادي بحرج كبير في تعدّد الفتاوى والمرجعيات والقرارات، من جهة اخرى.


أضف إلى ذلك، أنّ العداء الاستكباري والتحامل، لم يكن بلغ إلى حدّ التحرّك إلى الداخل الشيعي بشكل قويّ، باعتبار عدم ادراكه ـ كما يبدو ـ لعمق هذا النفوذ المعنوي.


المرجعية بعد انتصار الثورة الاسلامية


وبعد نجاح الثورة الاسلامية الكبرى في إيران بقيادة المرجع الاسلامي العظيم الامام الخميني((رضي الله عنه))، هذه الثورة التي قلبت الموازين العالمية رأساً على عقب، وعطّلت الكومبيوتر السياسي الغربي، وبعثت من الرميم حسّاً إسلامياً ضخمـاً فـي الجماهير الاسلامية في كلّ مكان بلزوم العودة إلى الذات، وصياغة الحياة القرآنية من جديد.


بعد هذا الانتصار الكبير، طرحت المرجعية الدينية نفسها من جديد في الساحة، كأقوى ما تكون، واشتدّ التآمر على كلّ الوجود المرجعي بشكل قويّ أيضاً، لم يسبق له مثيل، إلاّ أن الذي كان يُبقي تلك التساؤلات في مستوى عدم الأهميّة أمور:


1 ـ انّ القيادة الفعلية للأمّة كانت بيد المرجعية نفسها.


2 ـ انشغال القيادة بلملمة الامور وصياغة أركان الدولة ودفع خطط الاعداء.


3 ـ وعي المرجعية الاخرى لضرورة دعم الثورة الاسلامية بكلّ قوّة.


4 ـ التأييد الجماهيري القاطع للقيادة الثورية الاسلامية. إلى الحدّ الذي لم يكن ليسمح لأيّ خلاف ان يترك أثره على الساحة، حتّى انّه عندما اختلف أحد المتصدّين للامور المرجعية مع الثورة، وراح يعارض مسيرتها، رفضته الجماهير الاسلامية نفسها وتخلّت عنه، وهكذا مرّت هذه الفترة بسلام.


إلاّ أن الذي بعث التساؤلات من جديد هو رحيل الامام الخميني القائد المثالي العظيم((رضي الله عنه))، وانتقال القيادة إلى تلميذ مخلص من تلامذته، وفقيه كبير واع لكلّ مشاكل الخطّ ومعالم الطريق، إلاّ انّه لم يكن في مقام أحد المراجع المعروفين. ثم تتابعت الأحداث بوفاة مراجع الأمّة، كالامام الخوئي والامام الكلبايكاني وغيرهم، الأمر الذي بعث التساؤلات الماضية من جديد.


ومما جعل الاجابة عن تلك التساؤلات أمراً محتّماً، جملةُ ظواهر جديدة منها:


الاولى ـ ارتفاع العداء الكافر، ومحاولات التسلّل إلى حصن المرجعية الحصين، حتّى عادت إذاعات الكفر تتدخّل في هذا الموضوع المقدّس. بل وراح بعض العملاء من الحكّام يضغطون لتحقيق مآربهم.


الثانية ـ طرح مرشحين للمرجعية يعرف الواعون من الأمّة سوابق بعضهم وعدم صلاحيتهم لذلك، ومدى خطورتهم على مستقبل الصحوة الاسلامية وعلاقات الامّة بالقيادة نفسها.


الثالثة ـ التفسيرات الجديدة لموضوع الأعلمية الدخيلة في صياغتها المرجعية، باعتبارها أوسع مما تصوّره فقهاؤنا (رحمهم الله) من القدرة الأكبر على الاستنباط، وخصوصاً في بعض الابواب الفقهية، إلى حدّ جعلها جزءاً من الأعلمية يُضاف إليها جزءٌ آخر مهمّ هو القدرة على استيعاب الحوادث الزمانية والمكانية، ومصلحة الأمّة الاسلامية، ومعرفة الترابط بين الهيكلية الاسلامية كلّها، بما فيها من أحكام للحياة ومفاهيم تصوّرية،تترك آثارها على صعيد العمل، ونظريات تميزها عن النظريات الأخرى، كالاشتراكية والرأسمالية، وغير ذلك من عناصر لها أثرها الكبير في عملية الاستنباط.


وهكذا برزت من جديد مشاكل (الأعلمية) و(الانتخاب الاصلح) و(المرجعية الرشيدة) وغير ذلك.


مقترحات حول مستقبل المرجعية


قبل كلّ شيء نجد انفسنا بحاجة إلى التأكيد من جديد، على انّ الحالة الشعبية العامّة لا تتحمّل مطلقاً قيادتين فعليّتين ووليّين فعليّين كما مرّ، وأكّدنا ذلك من ذي قبل. فينبغي على المخلصين لمصالح الامة ومستقبل الثورة الاسلامية والكيان الإمامي ان يدركوا ذلك ويعملوا ما أمكنهم على تحقيق أحد أمرين:


الاول ـ توحيد المرجعية والقيادة إذا أريد للمرجعية ان تحتفظ بما تملكه اليوم من خصائص.


الثاني ـ ان تعود المرجعية إلى وظيفتها الحقيقية في المجال الافتائي، مع السعي لتوحيد الموقف الافتائي العام، من خلال انضمام باقي المجتهدين إلى حوزة المرجع الاعلى، المنتخب بطريقة واقعية تُبعد الامّة عن الوقوع في الهلكات، وعدم الافتاء العامّ للناس ليتوحّد الموقف الافتائي. أو أن نطرح فكرة (شورى الافتاء) من أول الامر، وهي فكرة منسجمة تمام الانسجام، مع كلّ الادلّة التي تطرح التقليد كنظام شرعي مقبول.


مسألة الأعلمية


من الطبيعي ـ أولاً ـ ان تُناقش الفكرة التي تحتفظ بالاعلمية نفسها، ولكن تناقش في مفهومها، ولها الحقّ في هذا النقاش بملاحظة عدم ورود تعريف خاصّ لها من الشريعة. بل عدم وجود مفهوم واضح عن الاعلمية لدى العلماء الذين سبقوا الشيخ الانصاري((رحمه الله)) المتوفى عام 1281هـ .


فهي ـ اذن ـ مسألة عرفيّة عقلائية في مفهومها بلا ريب، وبالرجوع الى ادلّتها نجدها ـ أيضاً ـ تعتمد غاية ما تعتمد على البناء العقلائي، حيث ذكر انّ الشريعة أوكلت الأمر إلى هذا البناء والسيرة العقلائية وصدّقتها.


وسنرى فيما بعد انّ السيرة لا تنسجم مع هذه الفكرة بالشكل المطروح، بل اننا نعتقد جازمين بأنّ الشريعة لا يمكن ان تترك هذا الامر الخطير الذي يلازم حياة كلّ فرد ـ وفي جميع سلوكيّاته ـ إلى مسألة بناء العقلاء، وخصوصاً في جوٍّ تسود فيه سيرة مخالفة لدى عموم المسلمين بالرجوع إلى أيّ من المجتهدين المطّلعين دونما ملاحظة لمسألة الاعلمية، وهذا ما سيبدو في القسم التالي من هذه الدراسة ان شاء الله تعالى.


خاتمة المطاف


هذه بعض الآراء التي يمكن ان تُطرح فـي مجال المرجعية، دفعتنا لطرحها الغيرة على القضيّة الاسلامية لا غيـر، ومن هنا فمن الطبيعي ان تكون محلاًّ للأخذ والردّ والمناقشة من قبـل العلماء والمحقّقين، عسى ان نصل في النهاية إلى الحلّ الامثل واللـه تعالـى ولـيّ التوفيق.


الاجتهاد والتقليد ومعرفة التشريع


انّ الاجتهاد، اذا فسّرناه بعملية استفراغ الوسع لاستنباط الاحكام الشرعية أو الوظائف العملية (شرعية أو عقلية) من أدلّتها التفصيلية، أو انّه عملية إرجاع الفروع إلى الاصول المعتمدة شرعاً، أو ما يقرب من هذه المعاني، دونما نظر إلى الاجتهاد بمعنى العمل بالآراء الظنيّة غير المعتبرة، إذا فسّرناه بذلك فإنا لا نجدنا بحاجة الى الحديث مفصّلاً عن لزومه ـ باستمرار ـ بعد وضوح قيام الشريعة بوضعه انسجاماً مع خلودها.


والاجتهاد واجب كفائيّ ـ بلا ريب ـ حفاظاً على أحكام الاسلام من الاندراس والضياع، حيث حثّت الشريعة علـى تحصيـل العلـوم الشرعيـة، قال تعالـى: )فولا نفـر مـن كـلّ فرقـة منهـم طائفـة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون(( [6] ).


والآية واضحة في الوجوب الكفائي للاجتهاد، دون العيني منه ـ وهو ما نسب إلى علماء حلب ـ بالاضافة إلى ما في الواجب العيني من عسر عظيم، وكذلك قيام السيرة في الرجوع إلى فتوى الاصحاب والرواة.


أمّا التقليد فجوازه لغير المجتهدين يكاد يكون بديهة، حتى عبّر صاحب كفاية الاصول انّها حالة فطرية جبلّية( [7] ). وقد قامت عليه السيرة العقلائية. وهذه هي حالة المجتمعات في صدر الاسلام، مما يحقّق الامضاء الشرعي لهذه الحالة، وهناك أدلّة من النصوص القرآنية والنبوية على ذلك.


عدم جواز رجوع المجتهد إلى رأي غيره


وإذا حصل الباحث على رتبة الاجتهاد، لم يجز له الرجوع إلى غيره، وذلك لما أفاده الشيخ الانصاري((رضي الله عنه)) في رسالته الموضوعة في الاجتهاد والتقليد، من دعوى الاتفاق على عدم الجواز، لانصراف الاطلاقات الدالّة على جواز التقليد عمّن له ملكة الاجتهاد واختصاصها بمن لا يتمكن من تحصيلها.


وقد فصّل المحقق القمي صاحب القوانين، بين القادر على إعمال الملكة وغير القادر، فأجاز للثاني ان يقلّد غيره فقال: ودليل المانع (للمجتهد من التقليد مطلقاً) وجوب العمل بظنّه إذا كان له طريق إليه إجماعاً، خرج العامي بالدليل وبقي الباقي، وفيه منع الاجماع فيما نحن فيه، ومنع التمكّن من الظن مع ضيق الوقت، فظهر انّ الاقوى الجواز مع التضييق، واختصاص الحكم به( [8] ). ويقول السيد الخوئي((رضي الله عنه)) معلّقاً على كلام المرحوم الشيخ الانصاري((رضي الله عنه)): وما أفاده ((قدس سره)) هو الصحيح، وذلك لأنّ الاحكام الواقعية قد تنجزّت على من له ملكة الاجتهاد بالعلم الاجمالي، أو بقيام الحجج والامارات عليها في محلّها، وهو يتمكن من تحصيلها بتلك الطرق، اذاً لا بدّ له من الخروج من عهدة التكاليف المتنجّزة في حقّه، ولا يكفي في ذلك ان يقلّد الغير، إذ لا يترتب عليه الجزم بالامتثال( [9] ).


والظاهر انّ بناء العقلاء في مجال رجوع الجاهل إلى العالم يشمل حالة المجتهد الذي يمنعه مانع من الاستنباط، كضيق الوقت وغيره. ويتجلّى هذا بشكل أكثر وضوحاً فيما لو افترضنا وجود مساحة كبرى لم يستطع استنباطها بعد.


اعتبار الاعلمية في المُقلَّد


والمراد بالأعلمية هو ان يكون صاحبها أقوى ملكة من غيره في مجالات الاستنباط( [10] )، وليس المعيار كثرة الاستنباط أو قلّته، وربما توسّع البعض في هذه المَلَكَة فجعلها تعني القدرة على استنباط المدقق الاسلامي من كلّ القضايا الحياتية، وهذا الشرط هو المشهور بين علماء الشيعة وخصوصاً في العصور الاخيرة( [11] ). وهو مذهب أحمد وابن سريج والقفّال من أصحاب الشافعي وجماعة من الاصوليين، وقد اختاره الغزالي( [12] )، كما نُقل عن محمد بن الحسن( [13] )، وقد ذهب جماعة من علماء الامامية ممن تأخّر عن الشهيد الثاني الى عدم الاشتراط( [14] ). وليس لنا في هذا المجال إلاّ الاشارة إلى بعض الأدلّة الواردة في المقام، ويترك البحث المفصل إلى محلّه.


وقد استدلّ لعدم اشتراط الرجوع إلى الاعلم حتى في حالة العلم بالخلاف بينه وبين غيره، بوجوه:


منها: التمسّك باطلاق الأدلّة الواردة في جواز الرجوع إلى الفقيه، كاطلاق آيات النفر والسؤال والكتمان والروايات، بل قد يقال; انّ الغالب فيمن كان الناس يرجعون إليهم عدم الأعلمية مع العلم باختلاف الفتاوى، بل شكّل هذا سيرة عامة عبر القرون، منذ صدر الاسلام لدى المسلمين جميعاً، وليس هناك نهي عن هذه السيرة التي يمكن ان تعتبر دليلاً مستقلاًّ. وتشهد مشهورة ابن خديجة على جواز الرجوع إلى من يعلم شيئاً من قضاياهم((عليهم السلام))( [15] ). وروايات الإرجاع كثيرة رغم اختلافهم في الاعلمية.


ومنها: ان هذا الامر متعسّر جداً اذا توسّعنا في تفسير الأعلم، فجعلناه يشمل الأعلم بكلّ التصوّرات الاسلامية والاحكام وموضوعاتها في كلّ القضايا الحياتية.


وقد اثبتت العصور عسر هذا الامر، ولذا انتقلت الحوزات الى الأصلح تقريباً.


ومنها: بناء العقلاء على الرجوع للعالم وعدم اشتراطهم الأعلمية.


ومنها: تطابق الصحابة وإجماعهم على ذلك.


وقد نوقش في هذه الادلة:


أما الاول: فلأنّ محلّ الكلام هو ما لو علم بالمخالفة بين العالم والأعلم، فروايات الارجاع مثلاً ـ كما يقول الشيخ الانصاري ـ محمولة على صورة عدم العلم بالاختلاف بل اعتقاد الاتفاق( [16] ). ونحن لا نعلم أنّ الرجوع كان في هذه الصورة لتكون الروايات نصّاً في ذلك، فلا يبقى إلاّ الاطلاق، والاطلاق لا يشمل المتعارضين، لأنّ شموله لهما يستلزم الجمع بين الضدّين أو النقيضين. ولا مجال للقول بالتخيير، باعتبار انّ رفع اليد عن اطلاق الدليليـن المتعارضين أولى من رفع اليد عن أصليهما، وذلك انّ الدليلين هنـا ـ كما يقـول السيـد الخوئـي((رضي الله عنه)) ـ ليس لهما نصّ ظاهر، بل دلالتهما بالظهور والاطلاق، فلا مناص من الحكم بتساقطهما، بعد ان لم يمكن الجمع العرفي بينهما.


وقد نوقشت الأدلّة الباقيـة بإنكارها.


الاستدلال لوجوب الرجوع الى الأعلم


وقد استدلّ لوجوب الرجوع إلى الأعلم بأدلة منها:


الدليل الاول: انّ مشروعية التقليد انّما تمّ إثباتها بالكتاب والسنّة أو بالسيرة. أما المطلقات الشرعية فهي لا تشمل المتعارضين (وهو موردنا، اذ نتحدث في حالة ما اذا علمنا بالتنافي بين فتوى العالم وفتوى الاعلم).


وأمّا السيرة العقلائية فهي تجري على الرجوع الى الأعلم عند العلم بالمخالفة، وهي ممضاة، وإذا سقطت فتوى غير الاعلم عن الحجية تعين الرجوع إلى الاعلم، بعد ان علمنا بعدم وجوب الاحتياط، لأنّه غير ميسور.


وأما السيرة العقلائية فهي تجري على الرجوع الى الاعلم، إلاّ عند العلم بالمخالفة، وهذه السيرة ممضاة، وقد اعتمد المرحوم السيد الخوئي هذا الوجه وحده على الظاهر.


وربما يناقش في هذا الاستدلال بما سنذكره عند طرح مسألة التبعيض، من أنـّه يمكن تصوّر شمول الاطلاقات للفتويين المتعارضتين. على انّنا لا نعلم بوجود سيرة عقلائية ممضاة في هذا المجال، بعد أن وجدنا العقلاء يرجعون إلى المتخصّصين، خصوصاً المتقاربين منهم، مع علمهم إجمالاً بوجود تخالف بينهم وبين من هم اشد منهم تخصصاً، لاعتبارات منها موضوع التسهيل من جهة والاحتمال العقلائي بمطابقة الواقع، وان كانوا يرجحون ذلك .


وبتعبير آخر، ليس هناك علم بالالزام العقلائي بالرجوع إلى الأعلم مع كون الطرف الآخر حائزاً للشروط المطلوبة( [17] ). ونحن نتحدث في مجال تشريعي، علم فيه أنّ الاجتهاد هو طريق شرعي مقبول، وهو متوافر في كليهما حسب الفرض، فلا معنى لتشبيه المورد بمجالات التردّد الفردي بين المتخصّصين في الامور الخطيرة، كما نراه عادة في كتابات العلماء. على انّنا لا نعلم بالامضاء الشرعي، وخصوصاً إذا لاحظنا هذه السيرة المتشرّعية العامة في الرجوع إلى الصحابة أيٍّ منهم، أو الرجوع الى العلماء من أتباع الأئمة((عليهم السلام))، دونما نكير ودونما منع معتبر من مثل هذه الظاهرة المتّسعة في عرض الزمان وطوله( [18] )، بل كان الأئمة((عليهم السلام)) يُرجِعون إلى العلماء دونما اشتراط للأعلمية ( [19] ).


على ان مسألة العسر تبدو صحتها يوما بعد يوم، خصوصا مع افتراض سعة المساحة الاسلامية وتكاثر العلماء الى حد كبير، والاسلام ينظر للامور بنظرته العامة الشاملة. وذلك يتضح بالخصوص اذا لاحظنا التصوير الذي نقلناه عن صاحب العروة حول الاعلمية. أو جعلناها تشمل كل المواقف الاسلامية من الحياة.


ومن المناسب ان ننقل ما ذكره العلاّمة الكبير الشيخ محمد حسن النجفي في هذا الصدد، إذ يقول: إنّما الكلام في نواب الغيبة، بالنسبة إلى المرافعة إلى المفضول منهم وتقليده، مع العلم بالخلاف وعدمه، والظاهر الجواز لإطلاق أدلة النصب المقتضي حجّية الجميع على جميع الناس، وللسيرة المستمرة في الافتاء والاستفتاء منهم، مع تفاوتهم في الفضيلة ودعوى الرجحان بظنّ الأفضل يدفعها. مع إمكان منعها في كثير من الافراد المنجبر نظر المفضول فيها في زمانه بالموافقة للافضل في الازمنة السابقة وبغيرها انّه لا دليل عقلاً ونقلاً في وجوب العمل بهذا الرجحان في خصوص المسألة، إذ لعل الرجحان في أصل شرعيّة الرجوع إلى المفضول، وان كان الظن في خصوص المسالة بفتوى الفاضل أقوى نحو شهادة العدلين.


ومع فرض عدم المانع في تقليد المفضول ـ عقلاً ـ فاطلاق أدلّة النصب بحاله، ونفوذ حكمه في خصوص الواقعة يستلزم حجيّة ظنه في كليهما، وانّه من الحق والقسط والعدل وما أنزل الله، فيجوز الرجوع إليه تقليداً أيضاً.


بل لعلّ تأهلّ المفضول وكونه منصوباً يجري على قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل، من القطعيّات، التي لا ينبغي الوسوسة فيها، خصوصاً بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصب الجميع الموصوفين بالوصف المزبور، لا الأفضل منهم، وإلاّ وجب القول: انظروا إلى الأفضل منكم لا رجل منكم كما هو واضح بأدنى تأمّل.


ومن ذلك يُعلم، انّ نصوص الترجيح أجنبية عمّا نحن فيه من المرافعة ابتداءً أو التقليد لذلك مع العلم بالخلاف وعدمه، ومن الغريب اعتماد الاصحاب عليها في إثبات هذا المطلب، حتى انّ بعضاً منهم جعل مقتضاها ذلك، مع العلم بالخلاف الذي عن جماعة دعوى الاجماع على تقديمه حينئذ لا مطلقاً، فجنح إلى التفصيل في المسألة بذلك.


وأغرب من ذلك الاستناد إلى الاجماع المحكي عن المرتضى في ظاهر الذريعة، والمحقق الثاني في صريح حواشي الجهاد من الشرائع، على وجوب الترافع ابتداءً إلى الأفضل وتقليده، بل ربما ظهر من بعضهم انّ المفضول لا ولاية له أصلاً مع وجود الأفضل ضرورة عدم إجماع نافع في أمثال هذه المسائل، بل لعلّه العكس، فإنّ الأئمة((عليهم السلام)) مع وجودهم كانوا يأمرون الناس بالرجوع الى أصحابهم، من زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وغيرهم، وجعل رسول الله((صلى الله عليه وآله)) القضاء في بعض أصحابه مع حضور أمير المؤمنين((عليه السلام)) الذي هو أقضاهم. قال في الدروس: لو حضر الامام في بقعة وتحُوكِمَ إليه فله ردّ الحكم إلى غيره إجماعاً.


على انّه لم نتحقّق الاجماع عن المحقق الثاني، وإجماع المرتضى مبنيّ على مسألة تقليد المفضول الإمامة العظمى مع وجود الأفضل.


وأخيراً يقول: فيجوز حينئذ نصبه والترافع إليه وتقليده مع العلم بالخلاف وعدمه( [20] ).


ويقول المرحوم الحر العاملي وهو أخباري في معرض ردّه على الاصوليين: انّه أي القول بالتقليد يستلزم وجوب معرفة المقلِّد، بأن الذي يقلده مجتهدٌ مطلق ولا سبيل له إلى ذلك كما لا يخفى، فيلزم تكليفه بما لا يطيق، وكذلك تكليفه بمعرفة الأعلم بين المجتهدين مع التعدد( [21] ).


يقول صاحب كتاب ولاية الفقيه: وللقائل بعدم الاعتبار (للأعلمية) ان يستدل باستقرار السيرة في زمان النبيّ((صلى الله عليه وآله)) والأئمة((عليهم السلام)) على الرجوع والإرجاع إلى آحاد الصحابة من غير لحاظ الأعلمية مع وضوح اختلافهم في الفضيلة( [22] ).


ويقول الفاضل التوني((رحمه الله)) المتوفى سنة 1021هـ في الوافية: التقليد، وهو قبول قول من يجوز عليه الخطأ( [23] ) من غير حجّة ولا دليل، ويعتبر في المفتي الذي يستفتي منه ـ بعد الشرائط المذكورة ـ على النحو المذكور وان يكون مؤمناً ثقة ولم يتعرض مطلقاً لشرط الاعلمية( [24] ).


ويقول العلاّمة في القواعد: ولو كان أحدهم أفضل تَعيَّن الترافع اليه حال الغيبة، وأما حال ظهور الامام((عليه السلام)) فالاقرب جواز العدول... وهكذا حكم التقليد.


الدليل الثاني: مما استدلّوا به على وجوب الرجوع إلى الأعلم دليل الاجماع، وهذا الاستدلال باطل على أيّ نحو فسّرنا الاجماع، فسواء أردنا به اتفاق الآراء، أو أردنا به الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم، فإنه هنا غير تام، بعد وضوح عدم اتفاق الآراء فيه، بل ربّما يدّعى الاتفاق على عدمه في بعض العصور وكذلك وضوح عدم كشفه عن رأي المعصوم( [25] ).


الدليل الثالث: بعض الروايات:


منها: مقبولة عمر بن حنظلة( [26] )، الدالّة على تقديم حكم الأفقه، ولكنّها واردة في مقام القضاء لا الفتوى.


ومنها: ما جاء في عهد الامام علي((عليه السلام)) لمالك الأشتر: اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك( [27] ) وهي أيضاً في باب القضاء.


ومنها: ما في كتاب الاختصاص من قوله] (صلى الله عليه وآله) [ : إنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها، فمن دعا الناس الى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة( [28] ).


ولكنها مرسلة، بالاضافة إلى انّها تتحدث عن مجال الولاية والحكومة.


ومنها، ما جاء عن الامام محمد بن علي الجواد((عليه السلام)) من قوله لعمّه: يا عم، أنّه لعظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه، فيقول لك: لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأمّة من هو أعلم منك؟( [29] ). وهي مرسلة، لا يحتجّ بها، بالاضافة إلى تركيزها على عدم علم المفتي.


والدليل الرابع، انّ فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع فلا مناص من الأخذ بها. وأجاب عنها السيد الخوئي((رضي الله عنه)) بأنّ الأقربية إن أريد منها انّ فتواه بالفعل أقرب فهذا لا نسلّمه، وإن أريد انّ من شأن فتاواه أن تكون أقرب قلنا إنّ الأقربية الطبيعية لم تجعل ملاكاً للتقليد ولا لوجوبه.


الدليل الخامس، هو الرجوع إلى الأصل العقلي في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير ـ بين الأعلم وغيره ـ ولكن بعد أن تمّ لدينا الدليل الاجتهادي (السيرة)، فإنّه ليس هناك مجال للرجوع إلى الأصل العقلي في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير، باعتبار ما له من رتبة متأخرة. والغريب أنّ البعض من العلماء رجعوا إليه مباشرةً وقبل مناقشة أي من الأدلة الاجتهادية المدّعاة، على انّ في كون إنتاج هذا الأصل هو التعيين ـ للأعلم مثلاً ـ كلاماً لا مجال للتفصيل فيه( [30] ).


حكم التبعيض والتلفيق


ونقصد بالتلفيق عدم التقيّد بفتوى مجتهد واحد، والرجوع في مقام العمل إلى فتوى أكثر من واحد، سواء كان ذلك في العمل المركّب الارتباطي، أو في الاعمال المستقلة بعضها عن الآخر.


وقد عرّفه الألباني بأنـّه: هو الاتيان بكيفية لا يقول بها مجتهد وذلك بأن يلفّق في قضية واحدة بين قولين أو أكثر يتولّد منها حقيقة مركبّة لا يقول بها أحد، كمن توضّأ فمسح بعض شعر رأسه مقلّداً للامام الشافعي، وبعد الوضوء مسّ أجنبية مقلّداً للامام أبي حنيفة، فإنّ وضوءه على هذه الهيئة حقيقة مركبّة، لم يقل بها كلّ من الامامين( [31] ). ومن الواضح انّه يتحدّث عن عمل واحد في هذا المثال دون ان يكون التلفيق في الاجزاء الارتباطية، وإنّما قلّد فرداً في جزء الوضوء، وآخر في عدم ناقضيّة مس الأجنبية، ومن الطبيعي أنّ القائل بجواز التلفيق في عمل مركّب ارتباطي يقول به ـ من باب الأولى ـ في أعمال مستقلّة.


وقد عبّر عن عملية التلفيق هذه في كتب الفقه الإمامي بالتبعيض، وهو ما أرجّحه باعتبار ما في مصطلح التلفيق من إيحاءات سلبية.


يقول المرحوم اليزدي في العروة الوثقى: إنّ مقتضى جواز التلفيق، جواز اتّباع الرخص، حتّى ولو كان ذلك عن قصد فما الداعي الذي دعا بعض العلماء إلى رفضه؟


أمّا ما يمكن أن يذكر من دواعي الرفض فهو:


أولاً ـ أنّ فتح هذا الباب يؤدّي إلى التحلّل، فالانسان ميّال لتخفيف أعبـاء التكاليـف، فإذا ما تتبّـع الرخـص، فقد صفـة المؤمـن الملتزم.


ثانياً ـ أنـّه يؤدي إلى التحايل على المشرّع، وفتح منافذ لتطبيق الحرام بالتركيب بين ترخيصين مثلاً.


ثالثاً ـ أنـّه يؤدي إلى مخالفة حكم الحاكم الشرعي.


رابعاً ـ أنـّه يؤدي إلى المضرّة والمفسدة.


خامساً ـ أنـّه يؤدي إجمالاً إلى حالة مقطوع بفسادها وحرمتها.


والذي أعتقده بأنّ هذه الدوافع المذكورة توجد بنحو الاجمال في بعض الحالات، الأمر الذي دفع العلماء إلى تحريم أصل هذا التتبّع من باب سد تحريم مقدّمة الحرام، بل إنّ بعض هذه الدواعي والموانع يشكّل دليلاً ـ لو تحقّق ـ على ردّ كل الموارد، وهو ما ذكره في الداعي الثالث، حيث يتشكّل علم إجمالي يمنع من العمل بأطرافه.


والحقّ هو أنـّنا لا نستطيع أن نغلق باباً ينسجم مع القواعد الشرعية ـ لم تمّت ـ لمجرد أنه أمر يسهل فيه التحايل، أو قد يؤدّي إلى المفسدة أو مخالفة الحكم الشرعي، إلاّ إذا غلبت هذه الامور عليه وبشكل استثنائي.


والحقيقة هي أنـّه يقلُّ من يتتبّع الرخص شخصياً، وبقصد التلهّي. ودعنا من حكايات الشعراء وقصص القاصين، فالباب بنفسه مفتوح.


انفتاح باب التبعيض والاستفادة من الرخص


وما يمكـن أن يذكـر هنا مـن فوائـد لانفتاحه يمكن تصويره بمـا يلي:


اولاً ـ ليس لنا أن نغلق باباً للتسهيل تفتحه القواعد، فلماذا نمنع فرداً يستطيع الاستفادة من رخصة؟ أي معترف بشرعيته إجمالاً، وربّما كانت هناك حالات تؤثّر فيها هذه الرخصة أثراً كبيراً كما في أمور الزواج والطلاق مثلاً.


ثانياً ـ قد يتطلّب التخطيط لبرنامج إسلامي موحّد لتنظيم شؤون جانب حياتي اللجوء إلى فتوى معيّنة ـ ولا نصرّ على كونها ترخيصية ـ تنسجم مع المصلحة العامة وتشكّل مع غيرها مجموعة متكاملة، وهو ما يسمّى أحياناً بالدافع الذاتي في انتقاء الفتوى، وهذا ما يمكن ان يُطرح مثلاً في مسألة توحيد أوائل الشهور القمرية، أو مسألة عدم الاعتبار بطلاق الغضبان وغيرها.


ثالثاً ـ ربما يجدُ الباحث المسلم، لكي يكتشف مذهباً حياتياً كالمذهب الاقتصادي الاسلامي، أو المذهب الاجتماعي، فتاوى منسجمة بعضها مع الآخر لدى مفتين متعدّدين، لكنّها تشكّل وجهاً واحداً لخطٍّ عام، فإنّه يستطيع ان يطرح ذلك الخطّ كصورة اجتهادية عن المذهب المذكور.


وهذا ما فعله المرحوم الشهيد الصدر ـ وهو من كبار المجتهدين ـ في كتابه اقتصادنا وقال مفسّراً ذلك: إنّ اكتشاف المذهب الاقتصادي يتمّ خلال عملية اجتهاد في فهم النصوص وتنسيقها والتوفيق بين مدلولاتها في اطّراد واحد، وعرفنا انّ الاجتهاد يختلف ويتنوّع تبعاً لاختلاف المجتهدين في طريقة فهمهم للنصوص وعلاجهم للتناقضات التي قد تبدو بين بعضها والبعض الآخر، وفي القواعد والمناهج العامة للتفكير الفقهي التي يتبنّونها. كما عرفنا أيضا انّ الاجتهاد يتمتّع بصفة شرعية وطابع إسلامي ما دام يمارس وظيفته، ويرسم الصورة ويحدّد معالمها، ضمن إطار الكتاب والسنّة، ووفقاً للشروط العامّة التي لا يجوز اجتيازها.


وينتج عن ذلك كلّه ازدياد ذخيرتنا بالنسبة الى الاقتصاد الاسلامي، ووجود صور عديدة له كلها شرعي وكلّها اسلامي، ومن الممكن حينئذ أن نتخيّر في كلّ مجال أقوى العناصر التي نجدها في تلك الصورة وأقدرها على معالجة مشاكل الحياة وتحقيق الأهداف العليا للاسلام، وهذا مجال اختيار ذاتي يملك الباحث فيه حريته ورأيه.


ويضيف: أنّ ممارسة هذا المجال الذاتي ومنح الممارس حقّاً في الاختيار ضمن الاطار العام للاجتهاد في الشريعة قد يكون أحياناً شرطاً ضرورياً من الناحية الفنيّة لعملية الاكتشاف.


ثم يضيف متسائلاً: هل من الضروري أن يعكس لنا اجتهاد كلّ واحد من المجتهدين ـ بما يتضمّن من أحكام ـ مذهباً اقتصادياً متكاملاً وأسساً موحّدة منسجمة مع بناء تلك الاحكام وطبيعتها؟


ونجيب على هذا السؤال بالنفي، لأنّ الاجتهاد الذي يقوم على أساسه استنتاج تلك الاحكام معرّض للخطأ، وما دام كذلك، فمن الجائز أن يضمّ اجتهاد المجتهد عنصراً تشريعياً غريباً على واقع الاسلام... ولهذا يجب ان نفصل بين واقع التشريع الاسلامي كما جاء به النبي((صلى الله عليه وآله)) وبين الصورة الاجتهادية كما يرسمها مجتهد معيّن( [32] ).


وهكذا نقول بأنّ فتح باب التبعيض وحتى باب اتّباع الرخص ـ ولكن بشكل يبعده عن الابتذال ـ أمر مرغوب فيه.


الولاية على الخمس


الخمس من الضرائب الإسلامية الثابتة بالقرآن والسنة والإجماع. إلاّ أن هناك اختلافا في موارده بين الفقهاء. وهناك اختلاف كلي في أحد موارده بين الإمامية والمذاهب الأخرى وهو خمس المكاسب، إذ ذهبت الإمامية إلى ثبوته إجمالا، ورفضه فقهاء أهل السنة.


ولسنا هنا بصدد إثبات هذا القسم الأخير، إلاّ أننا نذكر هنا بعض الآراء في تكييفه:


فقد يقال: إنه كان ثابتاً من أول الأمر.


كما قد يقال: إنه تمّ جعله بشكل ثابت من قبلهم((عليهم السلام)) بناءً على أن لهم حق التشريع في المجال المالي، على الأقل.


وربما يقال: إنّ الأئمة أخذوا هذا الخمس باعتبار اختلاط أموال الناس بحقهم، فهو بذلك يشكّل تطبيقاً لتخميس المال الحلال المختلط بالحرام.


كما قد يقال: بأنّ إيجابه كان من باب ولاية الحاكم الشرعي، خصوصا بعد أن رأى الأئمة((عليهم السلام)) أن الأموال والحقوق المخصوصة لهم قد زويت عنهم إلى موارد اُخرى.


ولسنا هنا بصدد ترجيح أيّ قول من هذه الأقوال وإنما المهم لدينا في هذه المرحلة هو معرفة المتولي على الخمس، فمن هو؟


إنّ الظاهر من مجموع النصوص الواردة في شأن مطلق الخمس، وتلك الواردة في خصوص أرباح المكاسب: أنه ضريبة مالية يجب دفعها إلى وليّ الأمر والحاكم الشرعي. بل إنّ الأمر في هذا القسم أوضح منه في الاُمور الاُخرى، باعتبار احتمال الاستحقاق المباشر للأصناف الثلاثة من بني هاشم; بمقتضى الآية الشريفة، وإن كان الراجح فيها أيضا أن الخمس يعود إلى الإمام كله، وهو يعمل على صرفه في المصالح العامة بمقتضى سهم الإمام، وفي إصلاح أحوال الفقراء من بني هاشم حتى يستغنوا، وحينئذ يصرف الباقي في المصالح العامة أيضاً.


هذا ما يبدو من مجمل النصوص، فلنستعرض جملة منها:


1 ـ جاء في بعض الروايات تسمية الخمس بأنه: وجه الإمارة( [33] ).


وهو يدلُّ بوضوح على أنه جزء من بيت المال الواقع تحت إشراف أمير المؤمنين والولي الشرعي لهم.


2 ـ النصوص التي تنسب الخمس لله تعالى من قبيل: الوصيّة بالخمس لأن الله عزوجل قد رضي لنفسه الخمس( [34] ).


والله لقد يسّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعةً أحلاّء( [35] ).


الخمس لله والرسول وهو لنا( [36] ).


بل يمكن أن يقال: إنّ تقديم ما حقّه التأخير في الآية وإدخال اللام على لفظ الجلالة والرسول وذي القربى دون الآخرين فيه ظهور في الملكية; إلاّ أن يُقال: إن السياق يسوق تأثير اللام إلى باقي الأقسام.


3 ـ النصوص التي تنسب الخمس لهم((عليهم السلام)) من قبيل:


الخمس لله والرسول وهو لنا( [37] ).


ما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو لنا( [38] ).


لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته( [39] ).


وسئل الإمام عن تقسيم الخمس فأجاب: ذلك إلى الإمام.


وجاء هذا التعبير في تقسيم الخمس( [40] ): فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به( [41] ).


وعندما قدم أحد أصحاب الإمام((عليهم السلام)) بمال الخمس قال له: أما إنّه كلّه لنا وقد قبلت ما جئت به( [42] ).


وجاء في الرواية أيضاً إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا( [43] ).


على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة((عليها السلام)) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا( [44] ).


كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله((صلى الله عليه وآله وسلم)) فإن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقُنا( [45] ).


خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس( [46] ).


وقد سُئل((عليه السلام)): ما حق الامام في أموال الناس؟ فقال: الفيء، والأنفال، والخمس( [47] ).


وقد جاء التعبير عن الإمام((عليه السلام)) بأنه صاحب الخمس( [48] ).


4 ـ وأخبار التحليل بنفسها تدل على عودة الخمس إلى الإمام، ثم إنّه((عليه السلام)) يبيحها لشيعته، وذلك ـ كما هو ظاهر ـ بالنسبة إلى الأموال التي تنتقل إلى الفرد الشيعي وفيها حق من حقوق الإمام كالخمس، لا بالنسبة لأموال الشيعي نفسه التي يعمل فيها فيُستحق عليه الخمس.


ولكنها على أيّ حال واضحة في نسبة الخمس إلى الإمام((عليه السلام)) وأن له الولاية عليه، وبالتالي يدخل ضمن الأموال العامة التي يتمّ توزيعها وهدايتها لتحقيق التوازن العام، غاية الأمر أنّ جزءاً معيّناً منه يصرف تكريماً لبني هاشم ليتم الارتفاع بمستواهم إلى حدّ الغنى. وهو نفس ما يتم عمله بالنسبة للآخرين، حيث يعطَوْن من الزكاة حتى يستغنوا، فتتحقق نظرية الإسلام في التعادل الاقتصادي الذي لا يرضى للفرد في مستوى معيشته أن ينزل عن حد الغنى، ولا أن يرتفع إلى مستوى الإسراف ـ على تفصيل يُذكر في محلّه ـ .


أقوال العلماء في ذلك:


ويحسن هنا أن نرجع إلى أقوال العلماء لنزداد يقيناً بهذه الحقيقة:


يقول العلاّمة الكبير صاحب الجواهر ما نصه:


يجب صرفه إليه مع وجوده وحضوره((عليه السلام)) كما هو ظاهر الأكثر وصريح البعض كالفاضل في قواعده وغيره، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصته (سهم الإمام) ضرورة وجوب إيصال المال إلى أهله; أما حصَة قبيلة (الهاشميين) فالظاهر أنها كذلك أيضاً، خصوصاً خمس الغنائم، وفاقاً لما عرفت.


بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في ان الخمس جميعه للإمام((عليه السلام)) وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له((عليه السلام)) ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، وحلّلوا منه لمن أرادوا( [49] ).


ويقول الإمام الخميني((رحمه الله)):


وبالجملة: فمن تدبّر في مُفاد الآية والروايات ظهر له أن الخمس بجميع سهامه من بيت المال، والوالي ولي التصرّف فيه، ونظره متّبع بحسب المصالح العامة للمسلمين، وعليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرر ارتزاقهم منه حسب ما يرى( [50] ).


واذا كان الفقهاء أحيانا قد أفتوا بالدفع المباشر إلى بني هاشم فهم ينظرون حتما إلى مرحلة ما قبل قيام الحكومة الإسلامية، ولذا جاءت لديهم الفتاوى التالية:


فالسيد صاحب العروة الوثقى:


يجيز دفع سهم السادات مباشرة، وإن كان يحتاط استحباباً بالدفع إلى المجتهد. ويوجب دفع سهم الإمام إلى المجتهد الجامع للشرائط.


أما السيد الإمام الحكيم((قدس سره)) فيرى: أن الأحوط وجوبا دفع سهم السادة إلى الحاكم الشرعي، وإن كان قد أصدر إذناً عاما بذلك.


أما سهم الإمام فالأحوط وجوباً لديه مراجعة المرجع العام المطلّع على الجهات العامة في ذلك.


أما السيد الإمام الخميني((قدس سره)) فيؤكد على أن سهم السادات يجب أن يصرف بإذن المجتهد، وكذلك سهم الإمام.


أما السيد الإمام الخوئي((قدس سره)): يجيز استقلال المالك بدفع سهم السادات، مع وجود احتياط استحبابي للدفع إلى الحاكم الشرعي.


أما سهم الإمام((عليه السلام)) فالأحوط اللزومي لديه مراجعة المرجع الأعلم المطّلع على الجهات العامة في ذلك.


ويقول سماحة آية الله العظمى الكلبايكاني((قدس سره)) ما نصه:


بالنسبة للسهم المبارك للإمام((عليه السلام)) فيجب في هذا الموضوع أن تراجع أدلة ولاية الفقيه في عصر الغيبة بشكل مفصّل ودقيق. وما يستفاد منها ـ إجمالا ـ بمناسبة الحكم والموضوع، وأن الاُمور العامة في عصر الغيبة لم تهمل وتترك بلا تنظيم، وأن الأحكام أيضاً ـ ما عدا تلك المشروطة بمباشرة الإمام((عليه السلام)) الشخصية أو نائبه الخاص ـ لم تعطّل. ما يستفاد منها هو: أن ولاية الفقيه ثابتة على كل تلك الاُمور التي يجب أن يتولاّها الحاكم والوالي للأمر، وأن السهم المبارك للإمام((عليه السلام)) من الاُمور المالية الإسلامية التي تُرك أمرُها إلى (من بيده الأمر) كما كان الحال كذلك في عصر الرسول الأكرم((صلى الله عليه وآله وسلم)) وسيدنا أمير المؤمنين((عليه السلام)) حيث كانت هذه الشؤون المالية الإسلامية تُدار من قِبلهما، وكذلك نجد سائر الأئمة((عليهم السلام)) يتدخلون في مثل هذه الموارد حيث ترتفع الموانع من تدخّلهم، وتراجعهم الشيعة في ذلك.


وكما يقتضيـه طبـع الحكـم وأصـل التشريع، فإنّ القائم والمتولّي على الاُمور التالية مثل جبايتها وتقسيمها يجب أن يكون ولي الأمر، أما جواز استقلال من عليه الحق في التصرف فهو يحتاج إلى دليل.


وعليه فإنّ هذه الولاية على أمر السهم المبارك للإمام((عليه السلام)) تقبل الاستظهار من أدلة الحكومة وادّعاء شموله لذلك قويّ وقريب( [51] ).


ملاحظة مهمة:


وينبغي أن نركّز هنا على أن الحديث هو عن رجوع الخمس إلى منصب الإمامة لا شخص الإمام، وأن الحديث النظري يركّز على منصب القيادة الإسلامية والإمارة وولاية الأمر.


إذ الحديث عن حق الإمام الشامل للفيء والأنفال والخمس، فهو حديث عن أموال الدولة وملكيتها العامة، ولذلك تنتقل بشكل طبيعي من إمام إلى آخر ولا تدخل في تركته الشخصية بلا ريب.


وقد روى الصدوق بإسناده عن أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث((عليه السلام)): إنا نُؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر((عليه السلام)) عندنا. فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي((عليه السلام)) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيه( [52] ).


وهنا ننتقل إلى المرحلة التالية من البحث، وهي تعيين ولي الأمر، فمن هو؟ وهل يمكن أن يكون متعدّداً؟


لا ريب في أنه الإمام المعصوم((عليه السلام)) حال وجوده. ولكن ما هو الموقف في عصر الغيبة؟


والجواب عن هذا يختلف على ضوء المباني.


فإن قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة أمر مسلّم به، لا ينكره إلاّ مكابر.


كما أن قيام فقيه أو مجلس من الفقهاء بإدارتها أمر مسلّم به، ولكن مبنى تشكيلها يختلف: فتارة يكون المبنى هو ولاية الفقيه، واُخرى يكون المبنى هو نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي نظام الحسبة، وعلى كلا الحالين تارة نقول بدور ما للشعب أو للخبراء أو لأهل الحل والعقد بانتخاب الحاكم، واُخرى لا نعطي دوراً لذلك.


ثم إنّه على ضوء نظام ولاية الفقيه، تارةً نقول بأنّ الأدلّة تمنح الفقهاء الواجدين للشرائط على مستوى واحد ولاية فعلية مطلقة على كل شؤون المسلمين، واُخرى نقول بأنها تعلن أهليتهم لذلك، ويبقى عليهم أن يجتمعوا لينتخبوا أحدهم، أو يحصل أحدهم على شعبية واسعة تؤهّله ليتحرّك نحو القيادة الفعلية.


وكذلك بالنسبة لنظام الحسبة مع القول بالانتخابات، يأتي البحث في إمكان انتخاب ولي لكل منطقة أو لكل ناحية من نواحي الحياة في عرض واحد أولا؟


وحينئذ فالنتائج قد تختلف من حالة إلى اُخرى.


ولسنا هنا بصدد الاستدلال التفصيلي على كل مبنىً من هذه المباني، إلاّ أننا نشير إلى أن التأمل في الأدلّة يؤكّد لنا: أن إدارة شؤون الحكومة الإسلامية تحتاج إلى ولاية يملكها الحاكم الشرعي، ليستطيع إدارة البلاد، وملء منطقة الفراغ القانوني، وإصدار الأوامر التي تخالف الحالات الأوليّة المباحة مثلاً، وإلاّ فلن تستقيم الاُمور، وهو أمر لا يرضاه الشارع قطعاً.


ولا يمكننا أن نتصور ولايات فعلية متعددة على منطقة واحدة، بل إن النصوص الإسلامية ترفض قيام حكومتين أو تواجد إمامين، وطبيعة الحال تقتضي ذلك، وذلك رعاية لوحدة القانون ووحدة المعايير ووحدة الاُمة.


وقد جاء في الروايات رفض فكرة تعدد الأئمة في آن واحد، كما في صحيحة الحسين بن أبي العلا: قلت لأبي عبدالله: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: لا. إلاّ وأحدهما صامت( [53] ).


وهناك روايات اُخرى معتبرة بهذا المضمون.


وإذا عدنا إلى أدلة ولاية الفقيه فلا نجد الدلالة الكافية على تعميم مبدأ الولاية الفعلية إلى كل فقيه جامع للشرائط.


فالدليل العقلي الذي يركّز على مسألة دوران الأمر بين تعيين الفقيه والتخيير بينه وبين غيره ـ وحتى لو غضضنا النظر عن ما يورد عليه من قبيل أن الترديد هنا قد يتصوّر بين المتباينات ـ لا يقتضي أكثر من تعيين فرد فقيه له الولاية والقدرة على تصريف شؤون المجتمع.


أما الأدلّة النقلية فهي كذلك كما سيبدو من استعراضها:


فروايات: اللهم ارحم خلفائي المستفيضة سنداً إنما يثبت بها وجود خلافة ما لهذا الصنف من البشر، أما شمولها لجميع العلماء، وإطلاقها لما يشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية فغير تام، خصوصاً إذا علمنا أنها ليست بهذا الصدد، ولا يتحمل لسانها لسان النصب العام للعلماء.


ويتوضح عدم إمكان استفادة هذا المعنى الواسع من الروايات، إذا لاحظنا وجود قدر متيقن عرفي لها يركّز على نوع من الخلافة كالخلافة العلمية، بل وحتى لو استفدنا عموم الخلافة لمطلق الشؤون فإنّ هناك قدراً متيقناً يركّز على الفرد الخليفة في كل عصر، بل يمكن أن يقال إن هذا القدر المتيقن هو في الواقع أمر مركوز عرفاً وشرعاً، من خلال تعاليم وحدة الإله في الكون، ووحدة الإمامة، ووحدة الاُمة بقوانينها ومعاييرها.


ولو تم هذا ـ وهو في رأينا تام ـ لأمكن القول بأنه يمنح النصوص المطلقة بنفسها ظهوراً في خصوص المورد المرتكز، فكيف ونحن نرفض وجود الإطلاق من أصله؟


وهذا الإشكال يرد على روايات: العلماء ورثة الانبياء والفقهاء اُمناء الرسل. وأن المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها. والعلماء حكّام على الناس. وأمثالها.


أما بالنسبة لمقبولة عمر بن حنظلة( [54] ) التي جاء فيها عن الفقيه: فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً وكذلك قوله((عليه السلام)) فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فقد استُخفَّ بحكم الله وعلينا رُدّ، والرادّ علينا كالراد على الله، فالإشكال وارد عليها وإن اختلف القدر المتيقن هنا واتجه نحو خصوص القضاء.


أما رواية اسحق بن يعقوب( [55] ) والتي جاء فيها: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله فإنها وإن أمكن دلالتها ـ بعد تأمل وبحث ـ على أنّ الولاية هي للفقهاء، ولكن الإشكال الأخير يرد على استفادة الولاية لمطلق الفقهاء، فيقال: إن وضوح ضرورة وحدة الولي، وقبح تعدد الأولياء الفعليين إنما يصل إلى حد يشكّل قيداً ارتكازياً لأيّ إطلاق مدّعى في البين، فلا يمكن أن نستفيد منها أن كل هؤلاء الرواة يشكّلون بالفعل أولياء مطلقاً على الأموال والأعراض والنفوس، وكل ما يرجع إلى الإمامة، بحيث تساوق حجّية أوامرهم فيها حجّية أوامر الإمام المعصوم((عليهم السلام)) وهذا القيد أولى من قيود العدالة والذكورة المطروحة في البين.


ولم يبق إلاّ بعض الروايات التي ترجع إلى الثقات، وهي في عدم الدلالة أوضح من غيرها.


فمثلاً جاء في رواية عبدالله بن جعفر الحميري في حديث طويل يروي فيه عن أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن((عليه السلام)) قال: سألته وقلت: مَن اُعامل؟ أو عمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له العمري ثقتي فما أدّى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون( [56] ).


ومن الواضح أننا مهما عملنا على تجاوز هذا المورد من هذه الرواية فلن نستطيع الوصول إلى الولاية المطلقة والفعلية لكل الثقات.


هذا وقد استدل بعض العلماء بأدلّة تجمع بين مقتضى التسليم بلزوم وجود اُطروحة للحكم والولاية من قبلهم((عليهم السلام)) وعدم وجود أية إشارة في الروايات لاُطروحة اُخرى غير اُطروحة ولاية الفقيه.


وهو استدلال متين لو لوحظت مختلف أبعاده، ولكنه كما هو واضح لا يؤدي إلى الإيمان بالولاية المطلقة الفعلية لمطلق الفقهاء الجامعين للشرائط.


وعليه: فنبقى والقدر المتيقن في الموضوع وهو الفقيه الجامع للشرائط والذي قبلته الاُمة، إن قلنا بأن نصوص اعتبار البيعة كافية في صنع ارتكاز عرفي متشرّعي يترك أثره على ظهور النصوص، ويحقق لنا القدر المتيقن المطلوب من خلالها.


وإلاّ كان اللازم تصور قدر متيقن ينحصر في فرد متعين، إمّا بانتخاب أهل الحل والعقد، أو من خلال إذعان الفقهاء له، أو غير ذلك.


ثم إنّنا لو سلكنا طريق (الحسبة) في سبيل الوصول إلى نوع من ولاية الفقيه على الحياة العامة فإن الأمر كذلك لا يقبل ولاية محتسبين في منطقة واحدة، بل لا يقبل ولايتين في منطقتين، بعد الفراغ من لزوم وحدة الدولة الإسلامية طبعاً مع الإمكان، ومع عدمه فيمكن أن نتصور ولايتين على منطقتين وذلك بشكل استثنائي.


ثم إنّنا لو قبلنا ـ جدلاً ـ شمول الدليل لكل الفقهاء وإثباته ولاية عامة لهم، فلا شك في لزوم طاعتهم للولي الفقيه الحاكم، حفظاً لوحدة المسلمين ومنعاً من شق عصاهم، وهو أمر مسلّم به، ولا ريب في أن للفقيه أن يحكم بعودة كل الاُمور إليه ومنها الأموال والحقوق الشرعية، وذلك إما لأنه يفتي بذلك ويرى المصلحة في تحويل فتواه إلى حكم عام، أو أنه ـ دونما إفتاء بذلك ـ يرى أن المصلحة الاجتماعية تفرض ذلك، وهذا يعني بالتالي تقليص الكثير من صلاحيّاتهم وترك المجال لهم في الحدود التي يأذن بها هذا الولي الحاكم، ويعود الحال إلى ما استنتجناه مع شيء من الفرق.


ونودّ هنا أن نشير إلى أننا نفترض الظروف المؤاتية، أما الظروف الاستثنائية التي يمتنع فيها قيام الحكومة الإسلامية فلها أحكامها الاستثنائية أيضاً، ومع ذلك فلا يمكننا تصور تلك الولاية لمطلق الفقهاء، لمنع وجود المقتضي ووجود المانع أيضاً من هذا الإطلاق، وحينئذ فلا مناص من حصر القدر المتيقن في بعضهم ممن تتوفر فيهم الشروط المناسبة.


النتيجة:


أولاً: أن الخمس كغيره من الأموال العامة يعود أمرها إلى الولي الحاكم.


ثانياً: أن هذا الولي الحاكم هو الفقيه الجامع للشروط الذي تعيّن بنحو ما أميراً للاُمّة وإماماً لها.


وبعد هذين الأمرين نصل إلى لزوم دفع الحقوق الشرعية ـ كالخمس ـ إلى الولي الفقيه وأمير الاُمة الإسلامية، ليقوم بصرفها وفقاً للمصاريف المقررة، والله أعلم.* * *


لكي نكون بمنتهى الوضوح


يبقى الحديث حول المرجعية الشيعية من اهم الاحاديث.. ولا بدّ من طرحه بكل صراحة دونما لف أو دوران..


إنه الحديث عن القيادة الدينية، والدين هو أعز ما نملك، وإنه الحديث عن مسألة تنظيم الحياة الفردية والحياة الاجتماعية على اساس الاسلام وما فهمه أهل البيت((عليهم السلام)) من الاسلام وهم (أدرى بما في البيت).


فلا بد إذن من الوصول فيه الى موقف واضح، ونحن هنا نحاول تلخيص ما طرحنا مسبقاً، والتذكير بالنتائج التي توصلنا اليها من قبل لا غير.


ولكي نكون كذلك نؤكد على النقاط التالية:


أولاً: يجب الفصل التام بين منصب الافتاء ومنصب الولاية، وذلك لاختلاف وظائفهما أولاً، واختلاف أدلتهما ثانياً، وتعدد خصائصهما ثالثاً. فقاعدة: كل فقيه ولي، قاعدة لا نستطيع أن نجد لها أساساً قوياً مـن الأدلة. كما أنها في الواقع تؤدي ـ مهما حاول المحاولون ـ الى تقديم اطروحة تعني القول بوجود نظام سياسي يقدمه الاسلام وعلى رأسه مئات الرؤوس الفعلية، منتهى الأمر أنها تتعهد بمراعاة مسألة النظام العام، فلا تتعارض بشكل يمزّقه ويؤدي به الى الزوال.


اللهم إلاّ أن نقول بالتعددية في الحكومة باختلاف مناطق النفوذ، وهو أمر مرفوض أصلاً، على أنه يعني الايمان بوحدة الولي ولو في دائرته الخاصة. فتجب إعادة النظر في هذه القاعدة بكل جدّية. وتدخل هنا مسألة الأموال والضرائب الاسلامية او ما يسمى بـ (الحقوق الشرعية).


ثانياً: ان مقتضى الأدلّة، وطبيعة الحالة الاسلامية أن يفسح المجال للاجتهادات الاسلامية أن تطرح نفسها في دائرة العلماء والمتخصصين بكل حرية ودونما أي تقليد أعمى، خصوصاً في الحقل الفقهي... كما ان مقتضاها ان الاجتهاد هو سبيل طبيعي للوصول الى الحكم الشرعي، والحجة الشرعية التي يتم بمقتضاها (التعذير) اذا لم يطابق الحكم المستنبط الواقع، و(التنجيز) اذا طابقه. هذا بالنسبة للمجتهد، اما بالنسبة لمن عداه فله اتّباع أيّ رأي يتم من خلال هذه العملية المسموح بها شرعاً، وهذا ما درج عليه المسلمون خلال العصور المتمادية.


هذا هو الاصل في الامر، وإن أدى الى الاختلاف في السلوك الفردي او الاجتماعي.


ثالثاً: لكي يتمّ توحيد الموقف الاجتماعي فإن وحدة الولي، وتقدم حكمه على كل الفتاوى والاجتهادات، هي التي تضمن المسيرة الموحدة اجتماعياً.


ولكي يتم توحيد الموقف الفردي ايضاً أمامنا حلاّن:


1 ـ ان يتم انتخـاب مرجـع الافتاء العـام مـن قبل أهل الخبرة، ويقتصر ميدان الاختلاف الفقهي على الساحات العلميـة فقط.


2 ـ ان تنشأ دار استشارية للافتاء تضم النخبة من العلماء والمتخصصين كـي ينقحـوا المسائل تمهيداً لاصدار الفتوى الموحدة، إمـا بالاجمـاع أو بالاكثرية. وأدلة التقليد المطروحة تشمل هذا المورد بشكل تام. والغريـب أن هذا الحل هو ما اتفقت عليه كل النحل والملل، وصـار إليـه عقلاؤها.. فـي حين نجد من بيننا من ينكره بشدة، أو لا يملك الشجاعة على اعادة النظر فيما جرت عليه التقاليد.


رابعـاً: أمـا إذا شئنا الإبقاء على الوضع الحالي للمرجعية، فيجب أن يسعـى المخلصـون لتبيان الشروط العامـة التـي يجـب لحاظهـا عند انتخـاب المرجـع العـام، ومـا يمكـن أن يذكـر منهـا:


أـ أن يمتلك المستوى العلمي الجيد الذي يمكّنه بشكل طبيعي من الوصول الى استكشاف أبعاد الاسلام، وبالتالي تحقيق هدف الاجتهاد، الذي عبّر عنه الشهيد الامام الصدر((قدس سره)) بقوله: وأظن أننا متفقون على خط عريض للهدف الذي تتوخاه حركة الاجتهاد وتتأثر به، وهو تمكين المسلمين من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة، لأن التطبيق لا يمكن ان يتحقق ما لم تحدد حركة الاجتهاد معالم النظرية وتفاصيلها( [57] ).


ولـن يتحقق هـذا الشـرط إلاّ إذا تمكـن الفرد ـ أولاً ـ من الفقه واُصوله وتاريخه، واستطاع استيعـاب مختلـف الآراء والنظريات المطروحـة فـي البيـن، والخـروج بشكل متين بآراء قويـة. وكذلك لا يتم إلاّ اذا استطاع ـ ثانيـاً ـ أن يستوعـب مـا يتجدد من حوادث ونوازل، ويستنبط بمقتضى المؤهلات أحكامها الاسلاميـة، مراعياً فيها مقتضيات الزمان والمكان بشكل علمي دقيق.


ب ـ أن يتوفر على ملكة (العدالة) والاستقامة على الخط الاسلامي، وتطبيق الشريعة وأحكامها على نفسه وسلوكه بشكل متأصل.


يقول الامام الصادق((عليه السلام)) :


انظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت((عليهم السلام)) في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين( [58] ). ولا ريب في أنها صفة اشترطوها في المجتهدين التابعين لهم بشكل مؤكّد.


ج ـ الموضوعية والاستقلالية في الرأي، وملاحظة مصلحة الامة العليا. وهي صفة طبيعية الاشتراط، وذلك لوجود احتمال لتدخّل المصالح الشخصية، والمنافع الفئوية، والتأثيرات المعادية للاسلام، والاغراءات والضغوط. فيجب إذن ضمان عدم التأثر بكل ذلك، وضمان تعهّد هذا (المرجع الفتوائي) بخط عرض الاُطروحة العامة للاسلام، وخط المصلحة الاسلامية العليا، وخط التغيير الثوري للحياة، خط الانبياء )ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت(( [59] ).


د ـ القدرة على القيام بالأعباء التي يتطلّبها منصب الإفتاء العام، ومن هنا فلا معنى للّجوء الى مرجعية غير قادرة على تحقيق ذلك، مهما توفرت فيها الشروط الاخرى... فافتراض شخص ضعيف من حيث الفهم الاجتماعي، أو استصدار القرار السياسي أو الاجتماعي، أو غير قادر على بيان الموقف الاصيل، أو مبتلىً بما يسمى بالحواشي المنحرفة، أو واقع تحت تأثير فئات مجهولة الهوية لا تنظر في مواقفها وآرائها الى مصلحة الاسلام العليا.. كل ذلك يعدّ تفريطاً عظيماً بمصلحة الاُمة، وتجاهلاً للظروف الحساسة التي تمر بها، وتكريساً للتخلّف المرير.


اعاذنا الله تعالى من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا، وغلبة أهوائنا، انه السميع المجيب.* * *


المحتوياتالموضوعالصفحةــــــــــــــــــــــالمقدمة 5نظرات حول المرجعية 9اسس المرجعية الدينية والمقترحات الحديثة حولها 17 وحدة الولاية وتعددها 18 الاسس التي قامت عليها المرجعية 21 المرجعية بعد انتصار الثورة الاسلامية 23 مقترحات حول مستقبل المرجعية 25 مسألة الاعلمية 26 الاجتهاد والتقليد ومعرفة التشريع 27 عدم جواز رجوع المجتهد إلى رأي غيره 29 اعتبار الاعلمية في المقلَّد 30 الاستدلال لوجوب الرجوع الى الاعلم 33 حكم التبعيض والتلفيق 41 انفتاح باب التبعيض والاستفادة من الرخص 43الولاية على الخمس 47 اقوال العلماء في ذلك 51لكي نكون بمنتهى الوضوح 63المحتويات 69* * *




([1]) التوبة: 122.


([2]) وسائل الشيعة ج18، الباب الحادي عشر، الحديث التاسع.


([3]) منها ما جاء في صحيحة الحسين بن أبي العلاء: قلت لأبي عبدالله((عليه السلام)): تكون الارض ليس فيها إمام؟ قال: لا، قلت: يكون إمامان؟ قال لا: إلاّ وأحدهما صامت. الكافي ج1، ص178. وهو ما أيدته روايات أخرى من قبيل ما جاء في علل الشرائع للصدوق، ص254 من قوله((عليه السلام)): فإن قيل: فلم لا يجوز ان يكون في الارض امامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟ قيل لعلل كثيرة، منها: انّ الواحد لا يختلف فعله وتدبيره، والاثنين لا يتّفق فعلُهما وتدبيرهما....


([4]) الشيخ الأنصاري، المكاسب، ص154، ط تبريز.


([5]) الشيخ يوسف البحراني، الحدائق، ج12، ص470.


([6]) سورة التوبة، الآية 122.


([7]) كفاية الاصول، ج2 ص359.


([8]) التنقيح في شرح العروة الوثقى الاجتهاد والتقليد، ص30.


([9]) القوانين المحكمة، ج2، ص163.


([10]) الاصول العامة للفقه المقارن، ص659 ، نقلاً عن احكام الاحكام للآمدي، ج3، ص173. يقول الشيخ الانصاري((رضي الله عنه)) في مطارح الأنظار: (الاعلم من كان أقوى ملكةً وأشدّ استنباطاً بحسب القواعد المقرّرة. ص307 تقريرات الكلانتر الطهراني). وهذا ما أكّده المرجع أبو الحسن الاصفهاني والمحقّق العراقي. ويقول صاحب العروة الوثقى: (المراد من الاعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر اطلاعاً لنظائرها وللأخبار، وأجود فهماً للاخبار، والحاصل ان يكون أجود استنباطاً. العروة الوثقى، المسألة 17). والذي يبدو انه لم يظهر، من الفقهاء الذين سبقوا الشيخ الانصاري، تعريف للأعلم، وهذا ما صرّح به السيد محمد المجاهد استاذ الشيخ الانصاري في كتابه (مفاتيح الاصول ص632 طبع مؤسسة آل البيت ـ قم). ويبدو ان الشيخ الانصاري هو أقدم من ركّز مبنى تقليد الأعلم، ثم جاء تلامذته من قبيل: الميرزا الرشتي والسيد الفشاركي والسيد ثقة الاسلام، فركّزوا هذا المفهوم. اما بالنسبة لمن سبقوا الشيخ الانصاري فالسائد هو القول بالأعلم في المدينة، فالمرحوم كاشف الغطاء مثلاً كان يركّز على ذلك أو على الافضل في الدفاع عن حوزة الاسلام.


([11]) يقول صاحب المعالم ابن الشهيد الثاني ص388: وان كان بعضهم أرجح في العلم والعدالة من بعض تعيّن عليه تقليده، وهو قول الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم، وحجّتهم عليه: انّ الثقة بقول الأعلم أقرب وأوكد، ويحكى عن بعض الناس القول التخيير.


([12]) المستصفى، ج2، ص125.


([13]) عمدة التحقيق، ص54 .


([14]) مستمسك العروة الوثقى، ج1، ص26.


([15]) وسائل الشيعة ج18، ص4، الحديث الخامس، وكذلك من لا يحضره الفيه، ج3، ص2، الحديث الأول.


([16]) منتهى الوصول، ص399.


([17]) التنقيح، كتاب الاجتهاد والتقليد تقريرات الغروي، ص142.


([18]) يطرح الامام الخميني((رضي الله عنه)) كما في (تهذيب الاصول) ج2، ص550 هذه الفكرة فيقول: ثمّ ينبغي البحث عن بناء العقلاء في تقديم رأي الأعلم بالمخالفة إجمالاً أو تفصيلاً، هل هو على نحو اللزوم أو من باب حسن الاحتياط؟ لا يبعد الثاني، لكون الرأيين واجدين للملاك وشرائط الحجيّة والأمارية. ولكنّه يعود فيناقش ما طرحه، باعتبار انّ أمر الشرع عظيم لا يُتسامح فيه.


([19]) وتشهد لذلك روايات كثيرة يُرجِع فيها الامام((عليه السلام)) إلى محمد بن مسلم الثقفي، وأبي بصير، ويونس بن عبدالرحمن، ومعاذ بن مسلم وأمثالهم دونما ملاحظة لهذا الشرط، ولا معنى للقول بأنّ الامام كان يعلم انّهم لا يختلفون في الفتوى، بل يمكن ادّعاء اليقين باختلافهم جرياً على طبيعة الحال.


وكمثال لذلك ننقل عن معجم الرجال للسيد الخوئي((رضي الله عنه))، ج1، ص96 ، نقلاً عن المرحوم الكشّي في باب فضل الرواية والحديث، الرواية التالية: عن جعفر بن وهب قال: حدثني أحمد بن حاتم عن ماهويه قال: كتبت إليه (يعني ابا الحسن الثالث((عليه السلام)) أسأله عمن آخذ معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما، فاعتمدا في دينكما على كبير في حبّنا، وكلٌ كثير التقدّم في أمرنا فإنّهم كافوكما ان شاء الله تعالى.


([20]) جواهر الكلام، ج40، ص46.


([21]) الفوائد الطوسية للشيخ الحر العاملي، ص411.


([22]) ولاية الفقيه، ج2، ص179، ورغم انّه يتحدث في باب القضاء إلاّ انّ عبارته، كعبارة صاحب الجواهر، تشمل باب الفتوى أيضاً وان كانت عبارة صاحب الجواهر أصرح، وهي تؤكّد على حالة العلم بالخلاف أيضاً.


([23]) لإخراج المعصوم، وهذا التعريف هو ما نصّ عليه الغزالي في المستصفى، ج2، ص387.


([24]) الوافية، ص399، ط قم.


([25]) والمتتبع لآراء العلماء لا يستطيع اكتشاف الاجماع منها، فقد ذكرنا انّ جماعة ممن تأخّر عن الشهيد الثاني أنكروا اشتراط الأعلمية وحتّى السيد المرتضى الذي نُسب إليه القول بإجماع الشيعة على اشتراط الأعلمية نجده يؤكّد على الأعلمية في البلد في حين لا نجد ذكراً للاجماع لدى الشيخ الطوسي وابن زهرة والمحقّق الحلي والعلاّمة الحلي والشهيد الاول، كما انّ الذين جاءوا بعد المحقّق الثاني، الذي نقل الاجماع، لم ينقلوا مثل هذا الاجماع كالشهيد الثاني في المسالك والملاّ المازندراني، وصاحب المعالم، والشيخ البهائي والميرداماد وغيرهم، راجع المقال الجيد الذي كتبه الشيخ الذاكري في مجلة الحوزة الصادرة من الحوزة العلمية بقم، العددان 56 و57).


([26]) وسائل الشيعة، الباب9 من أبواب صفات القاضي.


([27]) نهج البلاغة، ج4، ص30، طبعة بيروت.


([28]) بحار الانوار، ج2، ص110.


([29]) التنقيح ص147.


([30]) تراجع بحوث المرحوم الشهيد الصدر في كتابه (دروس في علم الاصول) الحلقة الثالثة الجزء الاول ص185 ـ 187.


([31]) عمدة التحقيق ص91 ـ 92 .


([32]) اقتصادنا ج2، 280.


([33]) وسائل الشيعة 6 : 341، الحديث12.


([34]) نفس المصدر: 361.


([35]) نفس المصدر: 338.


([36]) نفس المصدر: 361.


([37]) نفس المصدر: 361.


([38]) نفس المصدر: 338.


([39]) نفس المصدر: 338.


([40]) نفس المصدر: 362.


([41]) نفس المصدر: 64 .


([42]) نفس المصدر: 368.


([43]) نفس المصدر: 375.


([44]) نفس المصدر: 351.


([45]) نفس المصدر: 339.


([46]) نفس المصدر: 340.


([47]) نفس المصدر: 373.


([48]) نفس المصدر: 354.


([49]) جواهر الكلام 16: 155.


([50]) كتاب البيع 2: 495.


([51]) مجمع المسائل 1: 384.


([52]) وسائل الشيعة 6 : 374.


([53]) الكافي 1: 178.


([54]) وسائل الشيعة 18: 98 .


([55]) وسائل الشيعة 18: 101.


([56]) اُصول الكافي 1: 330، وسائل الشيعة قطعة منه 18: 103.


([57]) دائرة المعارف الشيعية ج1، باب الاجتهاد.


([58]) اصول الكافي للمرحوم الكليني، ج1 ص130.


([59]) النحل: 36.


/ 1