محمد تقي المدرسي العمل الإسلامي منطلقاته وأهدافه - عمل الإسلامی منطلقاته و أهدافه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عمل الإسلامی منطلقاته و أهدافه - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

محمد تقي المدرسي العمل الإسلامي منطلقاته وأهدافه

الجزء الثاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصل الله على سيد الخلق محمد وعلى آله الهداة الميامين، وعلى أصحابه المنتجبين وعلى عباد الله الصالحين.

حينما يواجه الإنسان تحديات الحياة ويقف أمام جمهور تمور نفوسهم بها مورا. هنالك يفرز ذهنه الافكار بعفوية بالغة. وتصبح أفكاره قريبة من وهج الحقيقة، متفاعلة معها في الصميم. وبالرغم من ان مثل هذه الافكار ينقصها ـ عادة ـ الترتيب والمنهجية. الا انها ـ في ذات الوقت ـ تزخر بالحيوية.

وهكذا جاءت هذه المحاضرات التي ألقيتها في مناسبات مختلفة منسجمة مع روح المرحلة التي ألقيت فيها. وكان من الضروري ان نرتبها للطباعة والنشر، لتكون الجزء الثاني من كتاب مماثل هو كتاب العمل الاسلامي.. منطلقاته وأهدافه.

نرجو من الله العلي القدير ان يفيدنا جميعا بهدى صالح لا نستبدل به.

محمد تقي المدرسي

15/شوال/1403هـ

26/تموز/1983م

النهضة الإسلامية والتحدي الجاهلي

بسم الله الرحمن الرحيم

«أفمن زين له سوء عمله فرءآه حسنا * فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات. ان الله عليم بما يصنعون * والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها. كذلك النشور * من كان يريد العزة فلله العزة جميعا. إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور».

صدق الله العلي العظيم

جاء الحق وزهق الباطل

انها لحقيقة تشهد عليها حوادث التاريخ، بان الإنسان صاحب الحق منصور على القوى الباطلة أيا كانت ولكن هناك حقيقة اخرى تنبثق من الأولى ولا تقل عنها في الصدق والأهمية تلك هي ان ربنا سبحانه وتعالى أمهل الباطل مهلة ليبتلي أهله، ريثما ينهض أصحاب الحق بحقهم، وعندها تنتهي فرصة الباطل وتنقضي جولته وتبدأ دولة الحق من جديد. وبتعبير علمي ان نهاية الباطل هي الدمار والهلاك، وقد تكون هذه النهاية بسبب انقضاء فترة الباطل بشكل طبيعي، ولكن قد يكون السبب هو نهضة الحق وبشكل ارادي وحضاري. حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى «وقل جاء الحق وزهق الباطل، ان الباطل كان زهوقا». الاسراء/81

فالباطل بطبيعته زهوق، وانه سينتهي يوما ما، حيث له اجل معين، ولكن إذا جاء الحق فان الباطل سيزهق بسرعة اكبر: «ان الباطل كان زهوقا». فالقسم الأول من الآية يؤكد على الاجل الذي وضعه الله سبحانه وتعالى للباطل، وذلك بصورة قدر مقدور من قبله (أي الله) وعلق ذلك بارادة أصحاب الحق. «وقل جاء الحق وزهق الباطل». اما القسم الثاني من الآية «ان الباطل كان زهوقا» فانه يدل على ان للباطل اجلا محتوماً ينتهي عنده حتى ولو لم يقاومه الحق حيث يحمل الباري عز وجل أصحاب الحق مسؤولية القضاء على الباطل، ولكن يا ترى متى يستطيع أصحاب الحق ان ينهوا اجل الباطل؟ وفي الجواب على ذلك نقول: يمكن ذلك فقط في حالة ان يكون أصحاب الحق صادقين في نيتهم وعملهم من دون شائبة فاذا ما كانوا هم بدورهم يتمسكون بخليط من الحق والباطل، فسيذهب حقهم بباطلهم، ولن يكونوا عندها أصحاب الحق.

ولنتساءل: ما هي برامج الحق؟ وكيف يمكن لأصحاب الحق تجسيد البرامج هذه في أنفسهم؟ والإجابة عن السؤال هو ما يضمه موضوعنا اليوم بإذن الله.

دور المؤامرات العالمية في دحض النهضة الإسلامية

قبل ان نتطرق إلى جواب السؤال أعلاه، أود ان أذكركم بنقطة مهمة الا وهي: ان الباطل اليوم قد جند جنوده، وجمع كيده مستعداً للانقضاض على الحق وبصورة كاسحة. ان الحق في عصرنا هذا يتجسد في العالم الاسلامي والنهضة الإسلامية التي أصبحت تشمل كافة الدول الإسلامية، وهي اليوم تتعرض لتحد واسع من قبل الباطل.

فمن ظواهر هذا التحدي، العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في لبنان وتنصيب الحكومة المارونية الصليبية المرتبطة بالصهيونية والإمبريالية العالمية على رقاب شعبنا المظلوم والمستضعف في لبنان، ولكن هذه العملية لم تكن سوى حلقة في سلسلة طويلة من المؤامرات المخططة ضد الإسلام. واما الحلقة الأخرى من ذلك المخطط فهو الدعم اللامحدود وغير المشروط للنظام البعثي الحاقد في بغداد.

وهنا يجدر بي ان انقل لكم خبراً عن هذا النظام: عندما زار صدام الجزيرة ليعزي حكامها بوفاة خالد التقى بفهد، وجرى هناك الحوار التالي:

قال صدام لفهد: «انني قد أفرغت جهدي وبذلت كل ما في وسعي، والان قد أوشكت على النهاية، وانني لا أستطيع الدوام على القتال كما كنت عليه في الأشهر الأولى من الحرب، وعليه فاما الاستسلام أو الصلح». فأجابه محدثه: «كلا، انك سنام العرب واصلها، وبطل قادسيتها، واذا ما تركت ساحة المعركة فاننا جميعا نكون خاسرين، فأذن عليك بالصمود، وها انا اقدم إليك شيكاً ابيضاً وموقعاً، تذهب بعدها إلى الأمير سلطان (أو المأمور) ثم إلى ابي الخيل ليوقعوا الشيك أيضاً، حيث نحن الثلاث نصادق لك بان كل ما ودعناه في البنوك الامريكية والأوروبية واليابان، هي رهن اختيارك بإشارة».

وقد أعقب هذه الزيارة صفقة كبيرة لشراء الاسلحة، ركز فيها على سلاح الطيران والأسلحة الاوروبية المتطورة وبالذات الدبابات الألمانية أتتصور انها (اليوبارد) والصواريخ الفرنسية والطائرات العمودية من أسبانيا وغير ذلك، حتى ان صفقة واحدة أو مجموعة متكاملة من الصفقات، احتوت على الف طائرة عمودية، اشترتها البترودولارات وقدمتها لصدام من اجل حماية عرشه وبالتالي عروشهم وأنفسهم. واما الحلقة الثالثة في المسلسل التآمري ضد العالم الإسلامي، فهي المؤامرة المكثفة التي تشهدها تقريباً في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي وفي صيغة واحدة، الا وهي إيجاد التفرقة بين المسلمين وإثارة الخلافات العنصرية العرقية الإقليمية والطائفية.

لقد نقب المتآمرون في بطون الكتب ليحصلوا على اقوال أو افكار أو ممارسات خاطئة حاولوا من وراءها دعم مخططاتهم في التفرقة والخلافات. فاذا باولئك الذين كانوا بالامس القريب يحملون راية (بان اسلاميسم) أو الوحدة الإسلامية السلطوية، تراهم اليوم يطرحون فكرة الطائفية، ولم يكتفوا بمحاربة الامامية والتفرقة بين اهل الجماعة واهل التشيع، وانما اثاروا خلافات اعمق لها الاثر الكبير على الامد البعيد، فاذا بالرجل الذي يقول في افتتاحية ملكه الغاصب باننا سنسير على اساس السلفية، قد اعطى الضوء الاخضر لكل الاقلام المأجورة ليدافعوا مرة اخرى عن تلك السلفية، التي هو يؤمن بها وهي سلفية السلاطين، والبدع، والشرك، وليست سلفية التوحيد، والصفاء الإسلامي، أو سلفية العودة إلى القرآن، ونهج الرسول الاعظم )ص(، فالعالم الإسلامي من اقصاه إلى اقصاه يشهد اليوم تلك الاقلام المأجورة التي تكتب كلمات حول طريقة الوضوء وطريقة الغسل، يريدون من وراء ذلك الاستنباط بان المسلمين اليوم يختلفون حتى في طريقة المشي وطريقة كذا وكذا. فعلى المسلمين ان يلتفوا بما يوحدهم وهو القران والسنة والكعبة ولا يعيروا لمن يثيروا الخلافات والفتن اهمية.

واما الحلقة الرابعة من المخطط الاستعماري ضد المسلمين فتتمثل في المحاولات الخبيثة الجادة لتجريد الإسلام لصالح الافكار اليسارية واليمينية والدراسات العميقة في هذا المجال، حيث انك تجد ان مستشار الامن القومي الامريكي يجتمع بلفيف من المسلمين ويقول «اننا نهتم اليوم بعودة الإسلام إلى الحياة وان هناك آية مكية في القرآن تصرح بان النصارى هم اقرب إلى المسلمين من المشركين، ونحن نصارى ونؤمن بالله، في حين ان الشيعة لا يؤمنون بالله، إذن نحن اقرب اليكم منهم، كما ان الخطر الاكبر يأتيكم من جانب الشيوعية العالمية، إذن دعنا نتحد لمحاربة الشيوعية».

لننتبه إلى اهمية الإسلام وعظمته ودور القرآن، وكيف ان الكفرة يريدون قلب الحقائق هل نسى الكنغرس الامريكي خطاب هيلاسي لا سي وتصفيق الكنغرس له وذلك في الخمسينات حيث قال: «انني احارب الإسلام في بلادي وسأحاربه في المستقبل أيضاً. فلا بد ان تؤيدونني لان المسلمين اعداؤكم ام انهم نسوا بان الذين ذبحوا في جنوب لبنان وفي بيروت على يد من، على يد من يسمون انفسهم نصارى، كانوا مسلمين، ولكن المسيح عيسى بن مريم بريء منهم ومما يقولون.

وهناك تجريد آخر لصالح اليسار حيث حاولت الاقلام المأجورة ان تجعل الإسلام اشتراكياً مرة وشيوعياً مرة اخرى كما انهم حاولوا البحث في القرآن الحكيم وفي رسالات الفقهاء ليحصلوا على ما يتراءى لهم بانه يؤيد نظرياتهم، ولكنهم نسوا انه في الوقت الحاضر يرزح تحت نير الشيوعية ما لا يقل عن الستين مليون مسلم، علاوة على السبعة عشر مليون اخرين في افغانستان تصب عليهم حمم من جانب الكرملين، ولكنهم مع ذلك لم يتراجعوا عن دينهم ولا خطوة، ام انهم نسوا شبكاتهم التجسسية التي طالما خدمت الولايات المتحدة، ونسوا تحالفاتهم مع بعضهم ضد بلادنا، ونسوا ونسوا.. هذه حلقات من مؤامرات الكفرة ضد المسلمين عامة، ولكنها تضيق كلما تقدمنا حتى ترد عقر دارنا وقد اصبحت بشكل بث الافكار الشرقية والغربية والتفرقة بين الجماعات وبالتالي الحركات الإسلامية وبث السموم ضد كل من يحمل راية إسلامية. اما أصحاب الحق فانهم سوف يتحدون ويتحدون كل ذلك الكيد والمكر باذن الله وبالتوكل عليه وبواسطة اسلحتهم الخاصة بهم. اما الاسلحة الخاصة هذه فما هي؟ فالواقع ان سلاحنا هو برنامجنا الذي لو طبقناه لحصلنا على نتائج عادلة في مختلف المجالات وبالتالي فان الباطل يزهق ويكون «ان الباطل كان زهوقا».

ما هو برنامج الحق؟

يشمل البرنامج هذا موارد ندرجها هنا على شكل نقاط:

النقطة الأولى: هو ان يجعل صاحب الحق نفسه بديلاً للواقع. وعليه الا يخفي شيئاً في نفسه حيث ان الله تعالى سيظهر ذلك. علينا ان نوضح المفاسد والخيانات التي قامت بها زمرة فاسدة على الأرض. ونعهد إلى انفسنا بان نصلح، وهذا يعني لزوم الثقة بالنفس والشجاعة في طرح المشاريع الثورية الرسالية البديلة، كما يعني أيضاً امراً هاماً اخراً اود التركيز عليه الا وهو الدفاع عن الخط الفكري الصحيح الذي نؤمن به. حيث انه اليوم عرضة للضغوط الواردة من قبل الدوائر الاستعمارية والمفسدين في الأرض والمنافقين من جانب والبسطاء والسذج الذين يتأثرون باعلام المنافقين والمفسدين أيضاً من جانب آخر. وانك ان تؤمن بهذا الخط وتؤمن أيضاً بانه يمثل البديل، فلا بد ان تدافع عنه وبكل ثقة وقوة ومن دون ان تخاف لومة لائم وان لا تتردد وتتلعثم يجب ان تقول في نفسك: اني الدفاع عن ايماني ليس في مقابل الخطوط المنافسة له وانما في مقابل الدوائر الاستعمارية التي تحاول ضربه وادافع عنه لا عن عصبية وانما دفاع عن القيم الالهية.

نفوذ الفكر الاستعماري!

ان الاستعمار لا يرد إلى بيوتنا ولا يتواجد في الشوارع كتمثال أو مجسم في قالب معين وسوف لن يأتينا بهيكل بشع ويتحدى، وانما الذي يتحدانا اليوم هو الفكر الاستعماري الذي يطرق اذهاننا بشكل أو باخر وعلينا نحن مقاومته والحد من تقدمه. ترى ما هو ذلك الفكر؟ ان الفكر الاستعماري قد يحمله من يدعي الإسلام والايمان ولكنه يحارب خط الجهاد الإسلامي. حيث انك ترى بان الذين يؤمنون بضرورة محاربة الطاغوت يواجهون الزنزانات والاعدام في بلد إسلامي كمصر. في حين يفسح المجال وبكل حرية (في نفس تلك البلاد) لمن يحمل خطاً فكرياً يؤمن بالاسلام من دون جهاد، ذلك الإسلام المحرف الذي استطاع الطغاة ان يسلبوه مخالبه فأصبح اسلاما لا يؤمن بالقتال ولا بالجهاد.

وتشبه الاوضاع هذه ما هي عليه في نظيراتها من الدول كالمغرب والجزائر وتونس والخليج والعراق و.. وحتى في بيتك. حيث انه امتداد لذلك الخط. فيقول الاب لابنه؛ انظر إلى فلان كيف يذهب ويجيء وعينيه بين قدميه لا يرفع رأسه ليرى ما حوله من امور سياسية واجتماعية أو ما شابه وبذلك تراه مرتاح البال وليس مثلك يا ولدي حيث انك مهاجر بين بلد واخر وليس لك وطن ولا عائلة ولا اولاد، أليس فلان مؤمن؟ كن مثله يا هذا!

وهكذا يأتيك التلقين والوسوسة بعضه على اثر الخوف والبعض على الاخر اثر الخطوط الفكرية المنحرفة يخالطها افكار شيطانية.

وقد يجالسك شخص يمتدح في حديثه إليك الخط الفكري الذي لا يؤمن بالجهاد بل يؤمن بان يكون الإنسان المؤمن مؤدباً وانيقاً في إسلامه، مكتفيا بنصيحة الناس لا يهمه ان لم ينصتوا له. فعليك هنا ان تكون نبيهاً ولا تقع في فخه، ان الذي مهد الطريق إلى الاسرائيليين للدخول إلى بيروت لم تكن دباباتهم أو طائراتهم وانما كانت جرائد الاحتلال البشع، حيث ان مجلة الحوادث كتبت في كلمة عددها الصادر بعد الاحتلال الصهيوني للبنان: «ان اللبنانيين قد ارتاحوا الان وبذلك انتهت مشاكلهم وانهم سيعيشون مع بعضهم بسلام». ان كاتب المقال هذا ما هو الا إنسان ارعن حيث يدافع بلا رادع عن ابشع احتلال تاريخي جرى في لبنان وهو الذي كان قد مهد الطريق للغاصبين. ان إنسان كهذا يجب ان يعدم وتقطع يده التي كتبت ويمزق اربا إربا. فهو اخطر من الجندي الإسرائيلي الذي دك غربي بيروت بصواريخه العملاقة وقنابله الانشطارية والعنقودية. فهو يسلبك ارادتك ويبرر لك ابشع عملية، كان علينا منذ البدء ان نحارب تلك المجلات العميلة ونقاطعها وان كنا قد اهملنا ذلك في الماضي فعلينا اليوم ان نقاطعها والا فنحن مسؤولون شرعاً، وانه لمن المؤسف ان نرى تلك المجلات تنشر في طول بلادنا وعرضها.

فعليك انت ان تدافع عن خطك الفكري وعن كل خط رسالي صحيح آخر يؤمن بالاسلام كله اينما كان سواء في أفريقيا أو في امريكا اللاتينية أو في اقصى اسيا أو أي مكان آخر. فالمهم هو الدفاع عن الخط الصحيح، حيث ان الاستعمار اليوم يدافع عن الخط المحافظ والاليف.

النقطة الثانية: ما دام الإنسان يعيش في هذا العالم فعليه التضحية حيث ان الإيمان بالحق دون التضحية من اجله يعني عدم الإيمان الصادق، فالذين يدعون بانهم يؤمنون بالحق كثيرون وتراهم صادقين ما دامت مصالحهم الذاتية قد ختم عليها بالنجاح، واذا ما اصابها وابل انحازوا إلى ضد الحق.

انني اليوم اطالب شباب المسلمين رجالا ونساءاً بان يكون عطاءهم في مستوى الظروف التي نعيشها، فان كانت الظروف غير ملائمة فيجب ان يكون العطاء في ذلك المستوى، واليوم لا نستطيع الاكتفاء بالواجبات التقليدية أو ان نكتفي بالعمل دون تقوى.

فيا اخي يجب مخالفة الهوى ومحاربة النفس الامارة بالسوء، فاذا ما شعرت بانك قد دفعت ثمناً وبذلت مهجتك وانفقت مما تحب فستكون عندها في عداد العاملين في سبيل الله واتق الله حق تقاته».

النقطة الثالثة: وهي الالتزام الذي لا يخرج في حد ذاته من دائرة مصالح الامة، فالذي لا يلتزم بالواجبات سواء كانت صغيرة أو كبيرة ويزعم بانه صاحب حق يجب ان يكشف امره للامة.

انك اليوم طالب في مدرسة دينية أو علمية انك مجاهد تعمل في سبيل الله أو كاتب أو مؤلف أو ما شابه، فاذا ما وضعت امامك خارطة العالم الإسلامي، والى جانبها خارطة بقية دول العالم، ثم امعنت التفكير في حالات تلك المجموعتين من الدول فانك ستحصل على النتيجة التالية: يعود السبب الاساس في تأخرنا وتقدم اعدائنا علينا هو اننا لا نلتزم بالخطط الموضوعة لنا من قبل الباري عز وجل في حين ان اعداءنا يلتزمون وبكل دقة بالمخططات التي وضعوها ضدنا.

فانت أيها الطالب دخلت المدرسة وكان من المقرر ان تكمل دراستك خلال سنتين ولكنك ترى نفسك وقد امضيت خمسة سنوات ولم تنته دراستك بعد. ماذا يعني هذا الأمر؟ فان دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على تقاعسك وعدم شعورك بالمسؤولية الملقاة على عاتقك، فتخادع نفسك وتؤجل عمل اليوم إلى غد في حين ان العالم ينتظرك على احر من الجمر لتكون خريجاً تنفع الأمة. مثلك كالطبيب والمستشفى. ارايت مستشفى بلا طبيب؟ فالامة تدعو طالب الطبية ليدرس ولكنه يتقاعس وبذلك يكون التلميذ هذا خائناً حيث ان المستشفى بلا طبيب وطبيعي ان المريض سوف يشرف على الموت في حالة عدم العلاج. اتدري ما معنى الموت؟

هناك مفهوان للموت والعالم الإسلامي يعاني الاثنين. احدهما موت الإنسان الذي يدفن بعدها تحت الأرض وهو ما جرى للابرياء في لبنان مسؤولية هذا الموت تقع على عاتقنا حيث ان اللبنانين لو كانت لديهم حركة رسالية إسلامية صحيحة وكانوا مسلحين بسلاح الإيمان وكانت الأمة الإسلامية قد دافعت عنهم لاستطاعوا الدفاع عن انفسهم وارضهم، وبالتالي لم يكن يصيبهم الموت والدمار.

واما المعنى الثاني للموت فهو الانحراف والتكاسل والتقاعس. حيث ان ذئاب العالم اليوم يحاولون انتهاز الفرص لكي يفترسوا ابناء الأمة الإسلامية ويحطموا ثقافتها. في حين انك تستطيع المساهمة في ان تحمي افراد الأمة من الوقوع فريسة ذلك بالجد والنشاط وبالاّ تؤخر عمل ساعتك لساعة اخرى، «ومن لم يكن في تقدم كان في خسران ومن كان في خسران كان الموت اولى به».

والنقطة الاخيرة؛ هي ان لا يكون التزامك بالعمل جدياً على حساب عمل آخر. ان الله سبحانه وتعالى قد اودع في الإنسان قوى لا تعد ولا تحصى، وعليك انت ان تفجر هذه القوى المتوفرة في نفسك في مجالات شتى (العلم بلا عمل لا ينفع والعمل بلا علم لا ينفع) فالذي يريد ان يتعلم دون ان يعلم أو ان يعمل فهذا إنسان مصاب بالانانية ويريد تربية نفسه فقط. ولذلك جاء في الحديث: «زكاة العلم تعليمه للاخرين». فان قلت (بعد مرور عشرين عاماً سأكون عالماً كبيراً بعون الله وعندها سأخدم الإسلام واهله) ولكنني اقول بانك تعيش اليوم شبابك ولديك طاقة ممتازة يمكنك بذلها في سبيل الله. فكيف تضمن ان تكون في الغد البعيد في خدمة الله، في الوقت الذي لا تستطيع ان تضمن حياتك في الغد القريب؟ ولا تنسى بان العلم يحتاج إلى ممارسة وتمرن، وكل ذلك يحتاج إلى بذل طاقة هائلة ولا يمكنك الحصول عليها سوى في دورة شبابك. (العلم يهتف بالعمل فان اجابه فبها والا ارتحل). انني اليوم ادعو الاخوان والاخوات في كل مكان ان يضعوا لانفسهم خطة تكاملية شاملة. ولا يكونوا كمن يعمل بجزء دون آخر. فالعلم له حصته من الوقت وللعمل حصته وبشرط ان يكون الإيمان قرين الاثنين.

ان الله سبحانه وتعالى يقول في بعض من الايات التي تلوناها في المقدمة:

«من كان يريد العزة فلله العزة جميعا. إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» فالكلم الطيب هو العلم ولكنه لا يكفي لرفع الإنسان إلى البارئ عز وجل الا إذا ما اقترن بالعمل الصالح. ان المفسرين قد اختلفوا هنا ولكن ابعاد تفسيراتهم كلها صحيحة فالعمل الصالح يرفعه الله إليه ويرفع المؤمنين به. والعمل الصالح يرفع الانسان صاحب العمل. فسواءاً نقول بان فاعل يرفعه هو لفظ الجلالة (الله) وان الضمير يرجع إلى العمل الصالح أو صاحبه. أو ان تقول بان فاعل يرفعه هو العمل الصالح والهاء تعود إلى صاحب العمل. فكلا التفسيرين صحيح. فاذا ما كان الإنسان يقول الكلم الطيب ويعمل العمل الصالح فاعلم بان الذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر اولئك هو يبور.

الخلاصة: أيها الاخوة والاخوات، ان راية الإسلام اليوم تنتظر من يحملها، واعداء الإسلام في العالم كله قد جندوا قواهم وجمعوا كيدهم وألبوا قوى النفاق والجهل ضدكم والان نحن بحاجة إلى حركة سريعة مخلصة شاملة كي نستطيع ان نتحدى هذه الحملة الشرسة بكل ابعادها. ويمكننا الوصول إلى ذلك بقوة القلم والعمل الصالح البرنامج الذي يجعلك وانت صاحب الحق صاحباً حقيقياً للحق. ارجو ان تكون كذلك. بان الله.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الإنسان بين ولاية الله وولاية الشيطان

بسم الله الرحمن الرحيم

«ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد * ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمان به، وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة، ذلك هو الخسران المبين * يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعوا لمن ضره اقرب من نفعه، لبئس المولى ولبئس العشير * ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار ان الله يفعل ما يريد * من كان يظن ان لن ينصره الله في الدنيا والاخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ». 8/15 الحج.

الناس.. فئات ثلاث..

ان هذه الايات الكريمة من سورة الحج، والآيات التالية لها تبين ملامح فئات ثلاث من الناس، وبذلك فان كل منا لا بد وان ينتمي إلى احدى تلك الفئات سواء عن وعي أو غير وعي:

1- فالفئة الاولى، هي الفئة الكافرة بالله، المتحدية لسلطانه، والجاحدة له، والمصرحة بذلك!

2- الفئة الثانية، هي التي تدعي الإيمان ولكن من دون تصلب كاف، ووعي مناسب، فاذا اصيب احدهم في الله بمصيبة صغيرة أو كبيرة انقلب على وجهه، وارتد عن دينه وتوجه إلى الكفر.

3- الفئة الثالثة، فهي الفئة المؤمنة التي تحدثت عنها الايتين الاخيرتين اعلاه..

وهكذا فان القرآن الحكيم يبين الاختلاف المبدئي الحضاري الوحيد بين الفئات البشرية على وجه البسيطة، وقد جاء ذلك في سورة الحج (كما جاء في المقدمة) وفي سورة البقرة، وسور اخرى، وفي كل منها يبحث القرآن جانباً من الموضوع ويؤكد على الجوانب الاخرى.

ورغم كل تلك التأكيدات والتلميحات التي تدعو الإنسان إلى اختيار طريقه وتعيين موقعه، فان قارئ القرآن قد يغفل عما جاء فيه من وصف لتلك الفئات، وقد لا يمكنه ان يصنف نفسه ويعرف موقعه من الفئات التي ذكرها القرآن الكريم.

الفئة الوسطى..

ان اغلب الناس هم من الفئة الوسطى، فليسوا من الجاحدين لكي يتحدون ملكوت الله وسلطانه، وليس من المؤمنين المخلصين الثابتين على الدين، بل انهم بين وبين.. فهم يعبدون الله على حرف، أي انهم على حافة الطريق، كمن يمشي على حافة طريق جبلي، فتاتيه عاصفة أو قد يصيبه نسيم فيسقط في الهاوية ولا يستطيع العودة إلى ما كان عليه.. اننا إذ نعيش في ظل القرآن الحكيم، انما نعيش في مهرجان للحب الالهي، ففي كل جانب منه، ونهاية مئات الآيات، وبداية السور هناك تأكيدات على اسماء الله الحسنى فهل استلهمنا من ذلك المعين، فنعرف الله حيث عرف نفسه..؟

ان من عرف الله عبده، ومن لم يعرفه لم يعبده. وكيف يعبد رباً لا يعرفه؟ وان لم يعبد الله فما حسبه ان يعبد!!؟

العبادة هي الطاعة..

وليس المقصود من العبادة هنا ان نولي وجوهنا قبل المشرق والمغرب، ون نسجد ونركع ظاهراً.. وانما نعني العبادة بحقيقتها، والتي هي هدف الخلقة (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)، وبذلك فان العبادة الحقيقة هي الطاعة الحقيقة، وبذلك فهل يمكن ان يطيع المرء من لا يعرفه؟

ان بعض الناس يعبدون الاصنام، كالشهوات والاموال وزخرف الحياة الدنيا، ويزعمون بانهم يعبدون رب الاصنام.. وحينما اقول بعض الناس فأني لا اقصد الذين يعيشون في الغابات، أو الذين يعيشون في كوكب (نبتون) مثلا، وانما الناس هم نحن.. فالكلام ليس بعيداً عن ذواتنا، وعما نعيشه في حياتنا.

ان عبادة الله تعني طاعة الله وهذه تعني قبول ولاية الله الحقيقة على الانسان، وولاية الله صعبة مستصعبة لا يتحملها الا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.. فانظر إلى نفسك، وتساءل هل ان الله امتحنك؟ وهل دخلت في معترك الحياة واصبت بمصيبة حقيقة ثم تجاوزتها إلى الإيمان؟! فان لم تكن كذلك، فانك ممن قال عنه ربنا: (ومن الناس من يعبد الله على حرف، فان اصابه خيراً اطمان به).

فمادام الله يعني الحرية والرفاه والسيارة، وبطاقة الطائرة، والمعاش، والاموال الجمّة، فنحن مع الله، واذا كان الله يعني السجن والتعذيب، وملاحقة الشرطة، وكلام الناس، واذى الاصدقاء، وشماتة الاعداء، فهذا ليس بأله نعبده..؟

ان من يستطيع الادعاء بانه يعبد الله حقاً، هو ذاك الذي اصابته الفتنة، ولم ينقلب على عقبيه، وانما إطمان قلبه بالايمان، بل كلما ازدادت المصائب عليه ازداد ايماناً، وذلك هو المؤمن الحقيقي.

ولاية الله..

ان ولاية الله تعني ايديولوجية في الفكر واستراتيجية في الحياة، وتكتيكاً في التصرفات انها تعني ولاية الله في العقيدة والعمل والسلوك.

اولاً: التوحيد في العقيدة.. يعني انك ترى الله محور الكون في الفكر والاعتقاد تاثيراً ونهاية. فلا تفكر في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع الا إذا كانت تدور حول التوحيد.. فمثلا: حتى لو طرحوا عليك مسألة رياضية، فانك لا تتقدم لحلها الا إذا كانت تدور حول محور (التوحيد).. والفن الذي تبديه من نفسك، لا بد وان يدور حول محور التوحيد، وكذا اللون الذي تختاره لبيتك، يجب ان ينبعث عن اعتقادك بالله سبحانه وتعالى، وبالتالي فان كيانك الفكري يجب ان يعتمد على محور التوحيد وقاعدته.

اذكر (الله) دائماً، فالله اكبر شهادة.. ولا تنظر إلى شيء، الا وتنظر إلى الله قبله وبعده ومعه، وهذا هو معنى التوحيد في العقيدة..

ثانيا: التوحيد في العمل.. يعني قبول (ولاية الله) سبحانه وتعالى في اعمالك، فلا تعمل الا بما امر به الله، وبالاسلوب الذي امرك به، وبذات الطريقة.

يقول ربنا سبحانه وتعالى: «يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد» فيجب ان تبحث في ذاتك وسلوكك وتتساءل مع نفسك عن هذا الموضوع قبل ان تفوت الفرصة، فلا تغرنك الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور..

فكر في نفسك: هل انك تدعو الله وترجوه وتتوكل عليه وتخافه، ام انك تعبد صنماً؟

والصنم انما هو كل شيء تحبه، ولكن حبك ليس في الله، وانما لمصلحتك.. فقد يكون (الصنم) طاغوتاً يحكم بلدك، أو مالاً تملكه، أو ولداً، أو قانوناً فاسداً فتخضع له، أو شخصاً لا ينتمي إلى (ولاية الله) أو قد يكون انسانا معتقداً بالله ومنتمياً له، ولكنك لا تتخذه وسيلة بينك وبين الله، وانما تتخذه (صنما) فتنصره، وتؤيده، وتقبل كلامه لانه (فلان بن فلان) أو لانه صاحب الصولجان أو الجمال أو السهرة، وليس لانه يمثل الله في الأرض.

يقول الامام الصادق )ع(: «ادنى ما يخرج الإنسان من حد الإيمان إلى حد الكفر، هو ان ينصب بينه وبين الله، دون الحجة فيتبعه فيما يقول».

التشريع الباطل..

في الحديث.. انه أتى رجل نصراني إلى رسول الله )ص( فناقشه وجادله في الآية الكريمة التي تقول: «اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله».. فقال النصراني: اننا لم نتخذ احبارنا ورهباننا ارباباً من دون الله، ولم نسجد لهم او نركع.. فسأله رسول الله )ص(: يا فلان قل بحق الله عليك، وبحق المسيح، هل انكم كنتم تتبعونهم وتطيعونهم، فيما يحللون لكم وما يحرمون؟ فقال: نعم. فقال الرسول )ص(: وهذا هو معنى ان تتخذوهم اربابا من دون الله.!

فاولئك الذين يجلسون في البرلمان، أو في مجلس تخطيط ودراسة، فانهم انما يشرعون دون النظر إلى الله، فلا يستلهموا شيئا من ايات الله، أو احاديث الرسول وسنته الكريمة، وانما يبحثون في قوانين بلجيكيا، وفرنسا، ويستنبطون منها ما يريدون، فيعطوها وجهة شرعية وقانونية، وهذا هو احد الظواهر الواضحة والحية لعبادة غير الله.

وهناك مظهر اخفى من ذاك، وهو انك أيها الإنسان تدعي بانك متق، ولكنك تسير في حياتك، ليس عبر (ولاية الله) تعالى، وانما عبر اهوائك، فتختار صديقاً ولكن هل ان اختيارك على اساس من التوحيد، فيكون من تختاره مؤمنا متقياً..؟ وفي نفس الوقت قد تبغض انساناً اخراً، هو اقرب إلى الله من ذاك الصديق.. أو انك تذهب إلى بلد ما فترى الناس قد تفرقوا إلى فريق محسن، واخر منافق، فتنتمي إلى الفريق المنافق، وتعادي المحسنين، أو انك تدافع عن إنسان، لانه في عشيرتك أو من اهل بيتك، وان كان قد خالف الله ورسوله، وأتى منكراً، وتعادي آخر لانه ليس من اهلك!!

ان اتباع العشيرة أو الاقليم، أو الوطن، من دون (ولاية الله) انما تعني ولاية الشيطان..

الدنيا دار الفتن..

لا تتصور بان الدنيا وجدت للراحة والرفاه، وانما هي فتن وابتلاءات، وذلك على درجات أيضاً.. فبعض يمتحنه الله في مخالفة سلطان جائر أو مماشاته، وبعض يمتحن في صلاته فيذهب احدهم إلى المسجد فيتخذ لنفسه مكاناً بحيث يراه الجميع فيحسنون صلاته، ويشيرون اليه، أو انك تصلي فتعجب بصلاتك، وبالتالي فان كل إنسان يمتحن حسب درجة هدايته، وايمانه ومعلوماته.

«ومن الناس من يعبد الله على حرف.. يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه» وقد تبلورت هذه الفكرة في احاديث النبي والائمة )ع( فاصبحت ما يصطلح اليوم بولاية الفقيه..

ولاية الفقيه..

ان ولاية الفقيه لا تعني ان تتخذ فقيهاً (صنما) فتعبده، وانما تعني ان تجعل الفقيه وسيلة بينك وبين الله، فلا تتبعه الا لانه ممن امر الله باتباعه.. فيكون حبك وبغضك له في الله، واطاعته في (الله) أيضاً.

ان اصعب الامور في الحياة هو ان يقبل الإنسان قيادة غيره خاصة إذا كانت القيادة على اساس من التقوى، جاء رجل إلى رسول الله )ص( فطلب منه الرسول ان يقول «لا الله الا الله، وان محمداً رسول الله» فقال الرجل: يا محمد انك لو وضعت جبل ابو قبيس على ضخامته وثقله فوق رأسي لكان اهون علي من ان اقول هذه الكلمات.

فالانسان دائما يوسوس له الشيطان فيطرح على نفسه السؤال التالي: لماذا يكون الامر لغيري وليس لي؟ يقول ربنا سبحانه وتعالى: «سال سائل بعذاب واقع» إذ ان احدهم سأل الله ان ينزل عليه العذاب ان كان قد عين قبله قيادة للناس.. وفعلاً فقد اصابته صاعقة من السماء فصار إلى النار.. وهكذا فانه رضي بالموت، وفضل العذاب على قيادة إنسان آخر له..

ولذلك فان الامام الصادق )ع( يقول: «ان حديثنا صعب مستصعب لا يتحمله الا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان».

فقد كان الائمة )ع( يدعون الله دوماً وكان أول حديثهم ووسطه واخره..

ان الإنسان ليطغى..

فعليك أيها الإنسان المؤمن ان تذلل نفسك وتخضعها لقبول قيادة ولي الفقيه، وهو الذي امر الله باطاعته، فلا تدع نفسك تطغى فتصبح فرعوناً..

ان في كل نفس بشر (يد طاغوت) صغير خفي، فان اعطي الانسان منصباً وغرته الحياة الدنيا، وتوفرت له الشروط، فان ذلك الطاغوت الصغير سيظهر إلى حيز الوجود، ويصبح فرعوناً طاغياً..

لقد خلق الله الارواح قبل الاجساد بألفي عام، فاسكنها الهواء، ثم اودعها عالم الذر في الاصلاب والارحام.

وقد جاء رجل إلى الإمام الصادق )ع( فقال له: يا بن رسول الله، ألم نكن في راحة واطمئنان عندما كنا في عالم الارواح في السموات، ولم نكن نواجه هذه الدنيا الدنية؟. فأجابه الإمام الصادق ()ع() قائلا: «ان الارواح كانت طليقة في الفضاء، قادرة على التصرف كيف تشاء، فأخذها الغرور، وكانت تتكبر على الله سبحانه وتعالى فاراد الله ان يهذبها، فادخلها في هذا الجسم، فسأله الرجل: وباي دليل؟.. فقال الإمام: «انظر إلى الإنسان، يولد فيحتاج إلى من حوله، وهو لا يعرف يمينه عن شماله، ثم ينمو ويكبر، فيغلبه النوم، ويهزمه المرض، وينتنه العرق، وتقتله الشرقة، ويرى مصائب الدنيا المختلفة تحيط به، ومع ذلك فانه يقول «انا ربكم الاعلى» وهكذا فان حالة التكبر لا زالت موجودة في الروح».

ان كنت قوياً فادفع الموت عن نفسك..

إذا اردت ان تكون من الصديقين فاقتل روح التكبر في ذاتك، واجعل مكانها روح التواضع، فلا تستخدم كلمة (انا) الا عند الضرورة، واذا استخدمتها فكن على حذر، الا يخدعك الشيطان.

وقد يقول الناس عنك أو عما يؤديه من اعمال حسناً ويمدحوك، فكن على حذر من ان تغتر بنفسك.. انك إذا كنت قادراً وقويا.. فادفع الموت عن نفسك إذا نزل بك.. هل ان برجنيف استطاع ذلك؟!!

وبالمناسبة انقل هنا ما قاله «خروشوف» في مذكراته: «انني كنت واقفاً على رأس استالين وبرفقتي اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، عندما كان يلفظ انفاسه الاخيرة.. فجاء الطبيب الخاص، وفحصه، وجس نبضه، ثم اخبرنا بانه لم يبق من حياة الرفيق سوى لحظات.. فساد الصمت الغرفة، ومدد جثمان استالين امامنا، ولم ادر بماذا كان بقية الرفاق يفكرون.. ولكني شخصياً كنت افكر في الفرق بين ذلك الجثمان المدد وصورة استالين على الحائط، ثم تبادرت إلى ذهني افكار عن وجود عالم الاخرة، بعد الموت، وهو ما قد سمعته مرة، فصرت انتظر ما يصيب الرفيق بعد موته..»!

واعتقد بان الرئيس اندروبوف قد فكر نفس التفكيرات عندما كان واقفاً عند رأس بريجنيف، ذلك الرجل الذي اثقلت صدره العلائم والنياشين العسكرية، ولو كان لقباً في الجيش اعلى من المارشال لاطلقه على نفسه، ولكنه لم يصبه من الدنيا سوى قوله تعالى: «خسر الدنيا والاخرة، ذلك هو الخسران المبين».

فولاية الله في العمل، هي الا تعمل عملا الا إذا كان في ظل قيادة شرعية، وهي ما امر بها الله.. وعليك ان تكون ثابتاً في اعتقادك فلا تكون متذبذبا تتبع اهواءك وشهواتك..

نعم انك لست خادماً للاخرين، وانما عبداً لله فقط، وحينما امرك الله ان تتبعه عليك الاتباع من دون ترديد أو تذبذب، وانك إذا اصبحت كذلك فان الله سيجزيك خيراً.

«ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنت تجري من تحتها الانهار، ان الله يفعل ما يريد».

ثالثا: التوحيد في السلوك..

ان هذ القسم من (ولاية الله) يعتبر اعمق وادق من الاقسام الاخرى، وهو يعني انك لا تنتظر ان تصلك الاوامر من قيادتك، وانما تفكر بينك وبين نفسك عما تريده القيادة منك، ويتطلبه الموقف.

فتقوم بالاعمال من تلقاء ذاتك، ولكن على اصول توحيدية وقيادية.. فاتباع (الولاية) الحقة صعبة، ولكن يجب ترويض النفس لتقبلها، وتجاوز كل عقبة في الطريق اليها.. وعلى المرء ان لا يقول بان للسماء اله، وللارض اله.. فيصنف الأمور إلى دين وغير دين..

ففي الحديث، جاء رجل إلى الإمام الصادق )ع( فسأله عما يرتبط بالدين، فقال له الإمام: كل الأمور ترتبط بالدين. فسأله: كل الأمور؟. فقال: نعم كلها، ثم ضرب على كتفه وقال: حتى هذه..

وربما من اجل هذا يقول ربنا سبحانه وتعالى «ومن كان يظن ان لن ينصره الله في الدنيا والاخرة فليمدد بسبب إلى السماء» أي ليمدد حبلاً إلى السماء «ثم ليقطع فلينتظر هل يذهب كيده ما يغيظ» ثم ليقطع الحبل بنفسه فسوف يرى نفسه بين السماء والارض متعلقا، ولكنه لم يستطع بعد ان يذهب كيده ومكره.. وبعبارة آخرى فان الحالة النفسية التي تتجسد في تحدي الله لا يمكن ان تذهب الا بترويض النفس.

الخلاصة..

جاء رجل إلى الإمام الصادق )ع( فقال: اني اريد ان اعصي الله. فقال له الإمام: «طيب اعص الله ولكن بثلاث شروط: اولاً، ان تخرج من ارض الله. ثانياً: ان لا تأكل من رزق الله. ثالثاً، اهرب من حكومة الله».

اجلس وفكر أيها الإنسان، هل تستطيع ان تتحدى الله؟ فان استطعت فيها.. والا فقرر بكل جد واخلاص ان تقبل (ولاية الله) فتتبع آوامره في كل شيء، وترفض الطاغوت وولايته في الابعاد كلها، ايديولوجيا، وعمليا، وسلوكيا، أي في العقيدة وفي العمل وفي الاخلاص.. فان كنت كذلك فان الله يدخلك جنانه في الاخرة، وترى جنان الله في الدنيا قبل الاخرة أيضاً.

ان المؤمن يسهل عليه اتباع أوامر الله عز وجل، سواء كانت قوانين سلوكية، أو حياتية، أو تشريعية، ذلك لان قبله خاضع لامر الله، فهو لا يعيش المشاكل مع نفسه بل روضها ـ نفسه ـ وحطم الانانية فيها.. ولكنك ترى الجاهليون يستطيعون تطبيق القوانين وهي مرة المذاق عليهم.

وفي الختام.. بالرغم من اننا لم نستطع ان نعطي في هذا الموجز الايات حقها في التفسير، والتأويل الا اننا نرجو ان نكون قد استوحينا من هذه الايات ما ينفعنا في حياتنا.. ونرجو من الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا معرفته، وان يلهمنا ولايته، وان يجعلنا ممن يسير على الصراط المستقيم.

دور الجماهير في استقلال حركات التحرر

«ان الله يدافع عن الذين امنوا، ان الله لا يحب كل خوان كفور.. أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير. الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصر الله من ينصره ان الله لقوي عزيز. الذين ان مكناهم في الأرض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور».

صدق الله العلي العظيم

ان حوادث الزمن: كالنهر يدفع بعضه بعضا، ولا يمكننا ان نقف عند لحظة زمنية.. ونتصور ان الاحداث عندها قد اتخذت شكلها النهائي، وان لن يأتي وراءها لحظة جديدة تحمل متغيرات جديدة!.

ان الحوادث تتسلسل، والزمن يجري، والانسان هو الإنسان. وقد تكون هناك ظاهرة سياسية أو عسكرية أو غير ذلك ذات اثر كبير في المستقبل. الا ان ذلك لا يلغي ابدا دور الإنسان في امكانية الاستفادة من العوامل التي تساعد في صنع ظاهرة جديدة تخلق واقعاً مختلفا كلياً عما سبقه.

ولو ان ظاهرة كبرى الغت دور الإنسان في التاريخ لكانت هي حادثة الطوفان الشهيرة، وانتهاء الإنسان الكافر من فوق البسيطة، ولكان ينبغي ان يظل الناس بعد الطوفان مؤمنين حتى الان، لان الله سبحانه في تلك الحادثة اغرق كل ذي نفس كان فوق البسيطة ولم يبق الا المؤمنين الذين انجاهم بالسفينة مع نبيه نوح )ع(. ولكن الحياة من بعد الطوفان كما كانت قبله، ظلت تدور حول ذات السنن الالهية، وابرزها، هي سنة الابتلاء والاختيار للبشر في جو من الحرية والقدرة على الاختيار.

الحضارة.. وارادة الإنسان

والأحتلال الإسرائيلي الغاشم للبنان والمحاولات الجادة لتغيير معالم هذا البلد وفرض حكومة مارونية صليبية صهيونية امبريالية على شعبه، وخنق هذه البؤرة الحضارية المتطورة في الشرق الاوسط.. انما هو من كبريات الظواهر التاريخية في عصرنا الراهن، ولكنه ليس بالضرورة الظاهرة النهائية، إذ انه لن يستطيع ان يسلب الإنسان المسلم في لبنان وسائر البلاد الإسلامية ارادته وحريته وقدرته على صنع واقع جديد انطلاقا من قول الله سبحانه وتعالى:

«ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها» وقوله سبحانه وتعالى: «وان ليس للانسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى» وقوله سبحانه وتعالى «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم».

ان حوادث الزمن كتيار النهر، تستطيع ان تقف أيها الإنسان في لحظة تاريخية وتقول من الان ساغير تيار الزمن. ومادمت قائما على امرك وعازما على ان تصنع شيئا فانك حتما تستطيع، لان الله سبحانه وتعالى وهب لك المشيئة «وما تشاؤون ان ان يشاء الله» ثم جعل الحياة مسخرة لهذه المشيئة. ام يأت الحديث الشريف ليقول: «خلق المشيئة ثم خلق الاشياء بالمشيئة»!؟

أو لم يسخر الله سبحانه وتعالى للانسان بالاضافة إلى الأرض التي يعيش عليها.. كل ما في السماء من اجرام: «وسخر لكم الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره»؟

لقد اودع الله فيك أيها الإنسان جوهرة، هي الاعظم في الكون، تلك هي جوهرة المشيئة، أي الارادة وحرية الاختيار وجعل العقل مسيطرا عليها وموجها لها. «وما تشاؤون الا ان يشاء الله».

الحياة.. لمن ارادها

انك أيها الإنسان تستطيع ان تصنع ما تشاء إذا كانت مشيئتك حقيقية. ان الذين يجلسون ويقولون لقد انتهى لبنان وانتهت الثورة الفلسطينية، وانتهى كل شيء انما هم المنتهون.

ان الحياة طازجة ابدا لمن اراد ان يعيشها.. لقد ظل اليهود طوال اربعة الاف عام ينتحبون ويرثون انفسهم ويقولون انتهينا، فقد ظلمنا وقتلنا وشردنا واضطهدنا، ثم جاء هرتزل وقال: من الان نبدأ لنصنع دولة! فقيل له: لقد مر علينا اربعة الاف عام ولم نستطع ان نبني لانفسنا كيانا، قال: ان هناك آية في قرآن محمد )ص( تقول.. «ان احسنتم احسنتم لانفسكم».. ان هذه الآية تعلمنا باننا لو اردنا لاستطعنا. واردوا فاستطاعوا! والقرآن قرآننا.. والاية نزلت علينا بالرغم من انها نزلت فيهم ـ أي في اليهود ـ ولذلك فنحن كمسلمين لا يجوز لنا ان نقول انتهى كل شيءن ان من يقول انتهى يكون هو الذي انتهى فقط، اما الحياة فهي جارية كالنهر. ولكن لا يعني ذلك اننا نستطيع ان نستعيد لبنان بنفس الجهد الذي كنا نستطيع به ان نحافظ عليه، ولا يعني اننا نستطيع ان ندعم الثورة الفلسطينية بذات القوة، فقد تأخرنا كثيراً بعد ان حطموا جانبا من قدرتنا واخروا مسيرتنا ووضعوا عقبات جديدة في طريقنا، ولكن كل ذلك لا يعني انهم انهونا، أو انهم سلبوا ارادتنا، كما ان ذلك لا يعني اننا نستطيع ان نحرر لبنان من الصليبية الحاقدة ممثلة في (بشير جميل) المدعوم من قبل امريكا واسرائيل، عن طريق الاحلام والتمنيات.

ان هذه هي ثاني مرة تأتي فيها القوات الامريكية إلى لبنان بعدما كاد شعب لبنان ان يحرر ارضه من الحقد الصليبي الموروث من بقايا الحملات الصليبية، ففي سنة 1958 ابان عهد (كميل شمعون) جاءت القوات الامريكية على ظهر الاسطول السادس لتنقذ راس النظام اللبناني الفاسد، واليوم نجد هذه القوات قد جاءت أيضاً ولكن تحت علم اخر، (تجددت الاعلام والجيش واحد)، ان العلم الفرنسي للجنرال (ميتران) أو العلم الامريكي للجنرال (ريغان) لا يختلفان في شيء لان العقلية الامبريالية التي تبعث هذه القوات والجيوش هي نفسها سواء في باريس أو واشنطن أو ما اشبههما. وهذه العقلية كانت تترقب الفرص لتبعث بآلتها العسكرية الجهنمية إلى لبنان لتفرض على شعبه حكومة صليبية جائرة..

نحن نعلم ان «لميتران» و«ريغان» دورا اساسيا في هذه العملية. ان علاقات الصليبيين اللبنانيين من الاحرار والكتائب، بالتيار الحاكم في فرنسا هي علاقات تاريخية وثيقة، بالتيار الحاكم في فرنسا هي علاقات تاريخية وثيقة، واساسا فالمستعمرون الفرنسيون كانوا وما زالوا يعتبرون المجموعة المسيحية المارونية المستوطنة في لبنان بنتاً لهم واداة بايديهم. واما عن سياسة امريكا وعن العهد الريغاني، فنحتاج إلى حديث مفصل لا بد ان نخصص له مقالا آخر انشاء الله تعالى.

لماذا جاءوا إلى لبنان؟

القوات الاسرائيلية جاءت وطردت القوات الفلسطينية والمبعوث الامريكي «فيليب حبيب» هو الذي اجرى الصلح، وكان دلاّل الهزيمة ان صح التعبير. لماذا هذه القوات الجديدة افلا يتساءل العالم لماذا؟ أو ليس كل ذلك لتثبيت حكومة (بشير جميل) الذي يقول بكل صراحة سنحكم لبنان بقدرة عسكرية. وسيقوم الجيش بحفظ الامن الداخلي للبلد!.. أي جيش هذا يا ترى في حين انه لم يعد هناك وجود لما يسمى بالجيش اللبناني بعد اخراج حركة «أمل» والقوات المشتركة اللبنانية والتي تكون العمود الفقري لهذا الجيش ولم يبق الا مجرد ميليشيات مسلحة «لسعد حداد» و«الكتائب» و«الاحرار» و«حراس الارز»؟

ان هذه الميليشيات التي تشكل مجموعة صليبية موتورة حاقدة، ذات عقلية توسعية، وذات خوف ابدي من المسلمين، هي التي ستحكم لبنان بدعم من الجيش الصهيوني وما يسمى بالقوات الدولية.. ولك ان تتصور كيف سيحكمون لبنان، وكيف سيزرعون كل شبر من ارضه الخضراء بدماء القتلى من المسلمين الذين اغتصبت حقوقهم.

ولكن ذلك لا يعني ان القضية انتهت، بل يعني ان المسيرة اصبحت اكثر صعوبة وهذا يعني ان يكون لنا درساً وعبرة، فلو اننا كنا قاومنا الغزوة الصهيونية على مشارف «صور» و«النبطية» لكانت «صيدا» اليوم هي المدينة المحررة البطلة ولو كنا أوقفنا الغزو على مشارف «صيدا» لكانت الدامور في مأمن، ولو أوقفنا الحركة العسكرية الإسرائيلية الطائشة في «الدامور» لكانت «بيروت» الان منطقة حرة. ولو اننا كنا حطمنا الاسطورة الاسرائيلية قبل ان يخترق الجيش الصهيوني الثغور اللبنانية لكانت ميليشيات «سعد حداد» و«الكتائب» و«الاحرار» و«حراس الارز» قد انتهت.. وامن الشعب اللبناني من بطشها وانتهاكلها لكرامته واستقلاله.

إذن لنعتبر من هذا الدرس أيها الاخوة، لنعتبر من هذه القضية الواضحة، الآن أيضاً لو أوقفنا الزحف الإسرائيلي إلى الخليج، والتسلل الإسرائيلي إلى أفريقيا عبر مصر والسودان، لأنقذنا انفسنا من ويلات ومآس كثيرة.

الخليج.. مسرح اسرائيل!

قبل عام حذرت وقلت ان الخليج، هي المنطقة التي رشحها الامريكيون لتكون مسرحا للاسرائيليين، وان هؤلاء حتما قادمون إلى المنطقة وهم الان قد ابعدوا عن طريقهم صخرة قوية كان ينبغي ان لا تبعد وهي صخرة الثورة الفلسطينية، والثورة الإسلامية اللبنانية وامامهم بعض العقبات الصغيرة الاخرى، انهم اليوم يخططون وبسرعة فاذا انتهت فان القوة العسكرية العربية تكون قد انتهت باكملها. وبعد اليوم يكفي لشارون ان يتحدث إلى بعض القادة العرب هاتفيا ويملي عليهم اوامره وتعليماته.. وهم كالعبد المطيع.!!

ودعونا اليوم ايها المسلمون لا نستسلم للهزيمة.. ان الاستسلام للهزيمة مصيبة اكبر من الهزيمة ذاتها.. واعمق اثرا! دعونا نصمد، ونعتبر من هذه المأساة، انها ليست ماساة بسيطة، ليس بسيطاً ان يهجر شعبا مرتين أو ثلاث مرات لا لشيء الا لانه يريد ان يعيش حراً، يريد ان يعيش موحدا لله سبحانه وتعالى «اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقول ربنا الله».

كيف نوقف الزحف الاسرائيلي؟

ولكن السؤال كيف نقاوم؟ كيف نعمل؟ كيف نوقف الزحف الاسرائيلي الصليبي الامريكي عن بلادنا؟ ان الحديث حول ذلك يطول ولكنني سألخص حديثي في بضع كلمات:

اولا: يقول ربنا سبحانه وتعالى:

«ولو لا دفع الله الناس بعضهم لبعض».

سوف لا ينزل الله ملائكة حتى يحاربوا عنكم، انتم يجب ان تحاربوا عن انفسكم، الله يدفع عنكم الاسرائيليين ومكرهم وكيدهم، ولكن بايديكم «لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً» ان المعابد ومراكز التوجيه الديني سوف تتهدف ان لم يدافع عنها المؤمنون: «ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز».

هذا هو الشرط الأول، وهو ان تستعد انت للعمل ولا تعتمد على غيرك، ابدا من نفسك والكلام موجه لكل واحد واحد منا، إذا اردنا ان نعيش احراراً، لا بد ان نبدأ من انفسنا، كل يبدأ مسيرة الثورة من حيث هو ولا ننتظر احداً ولا ننتظر شيئا خارجيا.

ثانيا: الحركة الثورية: يجب ان تخرج من وصاية الانظمة وتعود إلى بحر الجماهير، ولكن هذه ليست مسؤولية الحركة فقط، ان تعود إلى الجماهير، انها أيضاً مسؤولية الجماهير ان تحتضن هذه الحركة. لا تجلسوا وتقولوا: لماذا خرج الفلسطينيون من لبنان؟ عاتبوا الذين لم يساعدوهم فهم المذنبون الحقيقيون في هذه الحادثة الاليمة.

ان كل من اراد بلادنا ان يعمل عملا فان كل اللوم والعتاب والاشكال والتهم تنهال عليه، فلماذا؟.. لا تعاتبوا الذي يعمل فيخطئ أو الذي يعمل ثم يتعب، بل عاتبوا الذي لا يعمل، ولولا كسل الكسالى، وتقاعس المتقاعسين، لما خرجت الثورة الفلسطينية من لبنان، لقد كانت لبنان محاصرة والانظمة العربية يلفها صمت المؤامرة، والشعوب العربية يلفها صمت الغياب عن الساحة، والحركات الإسلامية تنتظر، والحركات الثورية تعمل مؤتمرات والاسرائيليون ومعهم الطائرات والدبابات والاسلحة الامريكية، والدعم الاوروبي يحطمون لبنان تحطيما كاملا!!

لا تقولوا للشعب اللبناني لماذا لم تصمد.. لا تقولوا للشعب الفلسطيني لماذا خرجت؟ قولوا للجماهير الإسلامية اين انتم، قولوا للانظمة العربية لماذا سكتم؟ قولوا للحركات الإسلامية والحركات الثورية اين دوركم؟! واين موقعكم واين مواقفكم؟ ان لم تكن اسرائيلي عدوا، فانني لا اتصور، ان هناك عدوا في التاريخ.. ان لم تكن إسرائيل عدوا للمسلمين!! من هو العدو يا ترى؟؟

واذا كنا غير مكلفين شرعا بجهاد اسرائيل، فبماذا نحن مأمورون؟ لمن قال الله سبحانه وتعالى «قاتلوا الذين يلونكم من الكفار»؟ من هم الذين يلوننا من الكفار؟ هل هم في الصين ام في هونغ كونغ؟ ام في افريقيا.. ام في امريكا اللاتينية؟ هذا هو العدو امامكم.. فاين موقف الحركات الإسلامية اين موقف الحركات الرسالية، اين موقف الحركات الثورية، اين هي الحركات التقديمة واين هي الجماهير، واين الانظمة؟

من المسؤول!؟

ان تجلس وتحمل شخصا أو حزبا أو مجموعة أو جبهة أو شعبا واحدا كل مسؤوليات الاحداث وكل تخلف التاريخ فهذا خطأ فاحش. ان الجماهير مكلفة بان تحتضن الحركات الإسلامية التحررية.. وخطابي اليوم لجماهير الأمة الإسلامية.. ان عليكم ان تحتضنوا الحركات الإسلامية والحركات التحررية كافة حتى تبتعد عن الخطأ، وتمدونها النصيحة والتأييد العملي، وايضا بالتأييد المادي فانه من لا معاش له لا معاد له»، ومن فقد استقلاله المادي، والاقتصادي، يفقد استقلاله السياسي (احتج إلى من شئت تكن اسيره).

حينما تركنا الحركات التحررية في بلادنا، تواجه مشاكلها وتواجه الصعوبات والالام والمصاعب المالية كانت النتيجة المأساوية، ان اضطرت هذه إلى ان تمديدها نحو الانظمة، ونحو بعض القوى الكبرى التي تآمرت في لحظة الحسم ضدها. لماذا لا تدعم الجماهير الحركات الإسلامية والحركات التحررية بالمال، حتى تستقل اقتصاديا؟ ان علينا اليوم، على كل واحد من ابناء الأمة الإسلامية ان يدعم بطريقة ما مسيرة الحركات الثورية من الناحية الاقتصادية، بأي شيء ممكن حتى تكون مستقلة وقادرة..

ان الحركات الإسلامية التحررية درعكم ايتها الجماهير، فحافظوا على هذا الدرع، وانني اهيب بالذين يستطيعون من ابناء الأمة الإسلامية ان يبدءوا، ان يشرعوا في عمل يرضي الله سبحانه وتعالى وذلك هو الوقف.. اوقفوا «ضيعة» أو «بستانا» أو «محلا تجاريا» أو «بيتا». من اجل ان يكون ريع هذا الوقف لنشر الثقافة الرسالية، لتربية العناصر، لتربية رجال العلم والدين، لدعم الحركات التحررية والحركات الرسالية والى آخره. «وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله».

ان الذي تبغيه وراك ايها الإنسان لا يصل اليك، فحاول ان تبعث امامك وتمهد لحياتك الاخرة. وكل إنسان له حق لا اقل في ثلث امواله ولا يكفي ان يوصي به بل عليه ان يبادر في حياته ليعمل به مشاريع خيرية تنفع الإسلام والمسلمين. «إذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث: ورقة علم.. ولد صالح.. وصدقة جارية..» الاموال تبقى والورثة يقتسمونها، ثم لا يبقى لذلك المسكين الذي يعاني مسالة منكر ونكير في القبر، الا الحسرة.

اقول لأولئك الاخوة الذين لا يملكون شيئا كثيراً ضيعة اوبستانا أو بيتا أو ما اشبه: ابدأوا بطريقة جديدة، اليوم يوجد في العالم تعاونيات وشركات مساهمة، اعملوا انتم شركة مساهمة في سبيل الله. اجتمعوا إلى بعضكم واجمعوا اموالكم كل حسب قدرته.. مائة دينار، مائتا دينار حتى تصير عندكم بضعة الاف، تقيموا بها مشروعا خيرياً تشرفون عليه، وتجعلون ريعه للاعمال الإسلامية.. لا ريب ان اهم الاعمال اليوم هو نشر العلم الصحيح ودعم المستضعفين المسلمين «الذين يقاتلون من اجل الله».

واقول لأولئك الذين لا يملكون حتى ذلك المقدار من المال الذي يساهمون فيه في انشاء شركة خيرية: اعملوا مشروعا خيريا تعملون فيه، تعملون فيه كل اسبوع يوم، كل شهر يومين، كل منكم يقدم جهده لنفسه. اعملوا وابعثوا ربحكم إلى الحركات التي تقاتل من اجل الله. ان الجهاد اليوم واجب على الجميع. من كان يستطيع فعليه ان يدافع عن الأمة بحمل السلاح، ولكن الذي لا يستطيع ذلك فعليه ان يدعم الجبهة باية طريقة اخرى، والجبهة ليست فقط تلك الجبهة التي تتساقط فيها القنابل والصواريخ فكل ارض اسلامية اليوم هي جبهة، وكل حركة اسلامية تحمل القلم كسلاح لمقاومة الطغاة فهي حركة للمجاهدين الصادقين، وعلينا ان ندعمهم، اما بالانتماء اليهم مباشرة، واما لا اقل ان ندعمهم بالقدر الذي نستطيع. إذا استطعنا ان نضمن استقلال الحركات الرسالية والحركات التحررية، وضمنا استقامتها فاننا سنضمن ليس فقط عدم تكرار مأساة لبنان، وانما باذن الله، وبالتوكل عليه، استعادة لبنان من ايدي الصليبية الصهيونية، واستعادة فلسطين كاملة من الغزاة الصهاينة ان شاء الله.

والى ذلك اليوم الذي تتردد في جنبات المسجد الاقصى هتافات التكبير المليونية في العالم الاسلامي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القيادة الموحدة ومسؤوليات الجماهير في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

«وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم من اهل القرى. افلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم. ولدار الاخرة خير للذين اتقوا افلا تعقلون * حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا، فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين * لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب* ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون».109/111

صدق الله العلي العظيم

قبل حوالي سنة وبضعة شهور قلت في خطاب بان نظام صدام سيسقط حين تجتمع امم الأرض على دعمه، وحينما تتفق كلمة الكفر في العالم على ابقاءه.

ذلك لان الله سبحانه وتعالى يريد ان يرى الناس جميعا انه هو الذي تجري حكمته وينفذ قضاءه في الكون وليس هناك كلمة اعلى من كلمته. ولا قضاء انفذ من قضاءه ولا قدرة اعلى واسمى من قدرته تعالى شأنه. وبالتالي فان حكمة الله من الحياة هي فتنة الإنسان فيها. وما مظاهر السياسة وتحولات المجتمع الا بعضاً مما يحقق الله حكمته في الكون عن طريقها.

يختبر المرء مرتين:

فالانسان كانسان يجب ان يختبر مرة بصورة فردية فتعرض طريقه الشهوات الطائشة والغضب الشديد والفقر والحقد فتضغط عليه نفسه ويتوجه نحو تحقيق حلمه وامنيته ولكن الحق يردعه فيتعرض لفتنة الله وابتلاءه وامتحانه.

ومرة آخرى يتعرض الإنسان للامتحان ضمن مجموعة فتكون الفتنة للمجتمع بكل افراده، وهذا نوع آخر واصعب من الوان الامتحان. حيث يخدع الناس انفسهم فيقولوا مرددين: حشر مع الناس عيد. مال الناس للحق مال معهم وان مالوا عنه مال معهم أيضاً.

ولكن المؤمنين هم وحدهم الذين يحدون ضلالة المجتمع بيصيرتهم الايمانية. فهم مسلحون بنور الإيمان فتنكشف لهم الحقيقة ببساطة.

وما النظام الحاكم اليوم في بغداد الا وسيلة لاختيار الشعب العراقي المسلم بالذات ومن وراءه الشعب الايراني وشعوب المنطقة عامة.

وقد شاءت قدرة الله وحكمته ونفذت قدرته في ان يمتحن خلقه بهذا النظام الفاسد والمستكبر في الأرض بغير الحق.

فانك ترى اليوم الشعب العراقي وقد كبلته مخالب الشياطين فمئات الالوف من المتضررين بالحرب فمنهم من قتل ومنهم من عوق أو رمل أو تعرض إلى التهجير من بلد إلى بلد بغير حق الا ان قالوا ربنا الله، وعشرات الالوف من السجناء يرضخون تحت الارهاب وسياط التعذيب والالاف من الذين استشهدوا على ايدي جلاوزة النظام سواء داخل العراق ام خارجه وبالتالي فان هناك من ينتظر دوره للاعدام أو التهجير أو الهلاك في المعارك وهذا الاخير هو اسوأ العواقب لانه هلاك في الدنيا والاخرة والعياذ بالله.

وهكذا ترى الامتحان، نعم افراد الشعب فرداً وجماعة. فالشعب العراقي يشترك في الظلامة والمظلومية ويبدو ان هذا هو المعنى الوحيد للاشتراكية في الوضع الراهن في العراق.

متى سيسقط صدام؟

سيكون سقوط النظام متى ما اذن الله للمسلمين بالنصر وليس حينما يأتي الشرق أو الغرب ويدعي بانه يدعم الشعب العراقي أو يتعاون معه. واننا إذ نرجوا من دول الشرق والغرب بان لا تتطرق إلى احاديث كهذه.

فاننا حينما نرى طاغوتاً في الأرض يدعم شعباً مظلوما فاننا سوف نشك في ظلامة ذلك الشعب.

بلى ان النظام الحاكم في بغداد سيسقط حينما تجتمع كلمة الطغاة على دعمه.. واليوم يبدو ان ذلك قد حدث. بل ان المستكبرين في الشرق والمفسدين في الغرب وعملائهما في المنطقة جميعا ومن وراءها اسيادهم الغربيين والشرقيين.

عندما تنخر اللاثقة في نفوس المجاهدين في سبيل الله يكاد الشيطان يزرع اليأس وهو جند من جنوده الخبيثة في اعماق قلوب المؤمنين وحينما يصل صبر المؤمنين إلى النهاية أو قريبا منه فيزمزموا «متى نصر الله» في ذلك الوقت تأتي رحمة الله لتنقذ المؤمنين من الضلالة والهلاك المعنوي والمادي وعندها يري الله قدرته في الكون إذ تقول الآية الشريفة: «حتى إذا إستيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا، جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد باسنا عن القوم المجرمين».

فالنصر آت آت عاجلاً ان كان ام آجلاً ذلك انه وعد الله للمؤمنين ولا يخلف الله وعده.

ومن جهة آخرى فان النظام البعثي محكوم عليه بالانتهاء إذ انه فاسد والفاسد شاذ والشذوذ لا دوام له في الكون، لان الكون قد قام على اساس الحق يقول تعالى: «وخلق الله السموات والارض بالحق».

والمهم هو كيف نسقط ذلك النظام الفاسد؟

فهل من منقذ؟

اولاً: علينا بالدعاء والتوبة.

هل تعلم بان هناك الهاً لهذا الكون؟ فلماذا لا تعبده فتتوب وتتضرع إليه بالاسحار وحين تفتح ابواب السماء في ليالي الجمعة.

هل تعلم بان المسافة تنعدم بين الأرض والسماء حينما يفتح مظلوم فمه بالدعاء ويقول تعالى «قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعاؤكم».

فلماذا لا ندعو الله والدعاء يطهر القلوب المريضة من الدنس ويقذف في قلوب الأعداء الرعب ويزيد المؤمنين طمأنينة ويزرع الامل في نفوسهم ويقلع اليأس منها.

ثم ان الحكمة من المشاكل والمصائب والمكاره التي يتعرض لها الإنسان هي التضرع إلى الله عز وجل فهو القائل: «فلولا إذ جائهم باسنا تضرعوا» 43/المائدة.

دعنا نقوم الليل ونجأر إلى الله سبحانه وتعالى حتى ينقذنا من هذه المهلكة.

وهناك خيار وحيد آخر غير الدعاء ذلك هو الانتحار البارد المقسط والمنظم وهو ما يتعرض إليه الشعب العراقي اليوم، وهو منفور عند الله. إذ ان الله لم يجعل بينه وبين خلقه حجابا ففي الدعاء «وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال دونك» وانه عز وجل قريب منا ففي الدعاء: «وان الراحل اليك قريب المسافة» وانه سبحانه وتعالى هو الذي امرنا بالدعاء فقال: «ادعوني استجب لكم».

فليقمن النساء الارامل والثكالى وليقم اليتامى في جوف الليل ويتوجهون إلى الله جميعا بقلوب منكسرة ودموع حارة ويرمون نظام الطاغية بسهام الليل فانها انفذ واسرع تاثيراً.

وللدعاء شروط، فلا نكتفي بالتوبة إلى الله بالالسن فقط أو بالقلوب وانما علينا بالتوبة في اعمالنا والا فاننا سوف نبقى راضخين تحت ظل الطواغيت. إذ يقول تعالى «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

ومن ابرز التغيير النفسي هو اصلاح النفس والابتعاد عن الذنوب وعدم الغيبة والنميمة والا نسي الظن «ان بعض الظن اثم» ولا نستعين بمعصية فلرب معصية تحجب دعاء الإنسان اربعين صباحا. وفي دعاء كميل نقرأ «اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء». وفي الحديث الشريف: «ان من تبرأ من اخيه المؤمن فقد كفر احدهما». وفي حديث آخر: «والتائب من ذنبه كمن لا ذنب له وان للتائبين درجة عند الله قد لا يرقى اليها الاخرون» والله سبحانه وتعالى يقول «توبوا إلى الله جميعاً ايها المؤمنون لعلكم تفلحون».

ثانيا: تصاعد الثورة يرافقها تصاعد الارهاب.

ان ارهاب نظام ما يتصاعد وتصاعد الثورة وصمود الشعب الذي يتعرض للارهاب.

ففي بداية استيلاء البعثيين الحاقدين على زمام الأمور في بغداد وتسلطهم على رقاب شعبنا المسلم في العراق، كان النظام يكتفي بان يحتجز احداً أو يبعد آخر من بلد إلى بلد أو تهدده الجهات المعينة. ولكن بعد عدة شهور من ذلك اعدم مجموعة من الرجال بتهمة انهم كانوا جواسيس، ثم نشرت كلمة في احدى الصحف العميلة مفادها ضرورة محاربة الرجعية الدينية مسمياً الدين وشعائره كلها رجعية لا غير. وبعدها اتهم البعثيون بعض القيادات الفكرية والاسلامية بتهمة العمالة فزج بعض في السجن وشرد اخرون. وبعدئذ اعدم كوكبة من ابناء الحركة الإسلامية في العراق من كربلاء المقدسة والنجف الاشرف. وبعدها اصبح الاعدام ابسط القوانين التي تصدرها المحاكم الارهابية المسماة بالثورية في بغداد. وبعد ذلك صار الاعدام لا يحتاج إلى محكمة فكل بعثي حاكم ثوري في حد ذاته وله الحق في ان يعدم من يشاء وانى شاء.

ثم صار الاعدام يتجاوز المؤمن الرسالي المتهم إلى عائلته وابناءه، فقتل الصغار وأُبيدت بعض العوائل عن اخرها بالاعدام.

وبالتالي فان الارهاب قد تصاعد إلى حد جعل النظام العميل يشن حرباً عدوانية اعدمت الشعب العراقي كله فاحرقت الاخضر واليابس معاً.

من الجانب الاخر فان مقاومة الشعب تتصاعد مع تصاعد الارهاب. فقد كان الفرد العراقي سابقاً يخشى من السجن أو ان السجن كان يقذف في قلبه الرعب فيحرضه على عدم الاستمرار في النضال.

ولكن افراد الحركة الإسلامية في العراق والعاملين في الساحة تحدوا السجن ومصادرة الاموال والتهجير وحتى الاعدام الفردي والجماعي فصاروا يقومون بعمليات عسكرية مسلحة أو توعوية غير مسلحة وهم يضعون في حساباتهم استشهاد عوائلهم في سبيل الله ومن اجل اسقاط النظام الشيطاني واقامة حكومة إسلامية.

وقد يكون تصاعد إرهاب النظام يسبق تكامل الحركة المناهضة له وان الحركة تسبق الارهاب. ولكن على شعبنا المسلم في العراق ان يسارع في تكامل حركته قبل ان يصعد النظام في ارهابه.

/ 5