المنطق الإسلامي أصوله ومناهجه - منطق الإسلامی أصوله و مناهجه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منطق الإسلامی أصوله و مناهجه - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

آية اللَّه السيّد محمّد تقي المدرّسي

المنطق الإسلامي أصوله ومناهجه

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله

حين تفقد الأمة شخصيتها، فليس بينها وبين نهايتها، الا خطوة واحدة.

الإنسان يعمل من أجل ذاته وبقواه الذاتية، وحين يفقد التحسس بذاته، أو الثقة بها، فبماذا ولماذا يعمل؟

كذلك الأمة تعمل ـ كأمة ـ من أجل شخصيتها، وبما لديها من طاقات مادية وروحية، فإذا ضاعت الشخصية، فبماذا ولماذا تعمل؟

إن شخصية الأمة هي روحها الجماعية التي يستوحي منها كل فرد من أبنائها العزيمة والأمل.

حين يعشق الفلاح أرضه، التي يحرثها ويداعبها حتى تخضر وتنتج، فهو لا يحب التراب كمادة جامدة، بل كرمز للأمة التي عاشت ولا تزال عليها...

وحين يتعامل العامل مع آلات مصنعه، وينسجم معها كأنه في جوقة موسيقية، فإنه لا يتعامل مع الحديد... إنما مع البشر الذين سوف ينتفعون منها.

والجندي حين يحتضن بندقيته ويقبلها ويخف لعربته المسلحة، ويقذف بنفسه في هوات الموت... فليس لأنه يعشق الموت، أو يعبد النار التي في السلاح، انما لأنها رمز أمته التي يتحسس بروحها تجري في عروقه فتملؤها عزيمة وأملا.

والرئيس الذي ينكب على أوراق مكتبه يضيع بينها، كأنه السمكة تسبح في نهر الأفكار... يشعل السيجارة بعد السيجارة، ويعتصر مخه وقلبه حتى يتخذ قرارا صائبا، يخدم به أمته.

إنه يحب هذه الأمة ويشعر أن ذاته تذوب في كيانها الموحد.

إن حبلا قويا يشد هؤلاء إلى بعضهم، وروحا واحدة تجمع قلوبهم وتضيئها بقنديل الأمل.

ولكن، إذا ضاعت شخصية الأمة، ولم يعد يشعر أبناؤها بالروح الواحدة التي تجمعهم، فإن كل واحد سيتخذ طريقا مختلفا، وسيشعر الجميع بالضعف والعجزة والهزيمة...

والسؤال: ما هي شخصية الأمة وبأي شيء تتكون؟

الجواب: إن وحدة القيم والثقافة، والاشتراك في الهدف والتاريخ، هي حدود شخصية الأمة المتميزة

فمن دون الثقافة الواحدة ذات القيم السامية والثابتة، التي يؤمن بها الجميع ايمانا راسخا يبعثهم على العطاء من أجلها والتضحية لها بكل شيء، يسقط الجدار المعنوي لبناء الأمة.

ومن دون الهدف، ذي التجربة التاريخية، الذي يكون نقطة إرتكاز لنشاطات الأمة، ينهار الجدار المادي لبناء الأمة.

واننا، كمسلمين، نتعرض اليوم لتهديد حقيقي بضياع شخصيتنا المتميزة، وربما لأول مرة في تاريخنا الممتد أربعة عشر قرنا.

ان المسلمين يبحثون اليوم عن هوية، انهم يبحوث ـ في فراغ ـ عن شيء يتشبثون به ولكنهم لا يجدونه، ولن يجدوه ما داموا بعيدين عن دينهم وتراثهم.

واذا عادوا إلى الإسلام، كدين وتاريخ، فسوف يجدونه أكثر من مجرد هوية، انه الكنز الحقيقي الذي لا ينفد.

انه المعدن الذي لم يستثمر الا قليلا، إذا استثمر أعطى الكثير بفضل غناه الروحي وقيمة الإنسانية ومناجمه الحكيمة.

والإسلام الذي نريده منطلق حضارة وإطار شخصية، ليس إسلام المسلمين الذين حولوه إلى قشور فارغة (مساجد بلا مصلين/ صلاة بلا خشوع/ خشوع بلا فهم و... و...).

أو إلى إرهاب فكري تمارسه الرجعية ضد التقدم والانطلاق.

أو إلى أفكار تبريرية تواكلية لتقاعسهم وعجزهم.

أو إلى سلاح سياسي يشهره المستغلون ضد المعدمين والمحرومين.

كلا..

إنما هو الإسلام الذي أمر به القرآن ولخصته تجارب الأمة في قرون التقدم والانطلاق؛ اسلام المناضلين من أجل فك الناس عن عبادة الناس إلى توحيد الله؛ اسلام التطور والإصلاح

إن ممارسات المسلمين في التاريخ ـ كممارسات المسلمين اليوم ـ ليست كل احتمالات الحضارة الإسلامية بل ان بعضها غطاء يخفي إشراق الإسلام الحقيقي.

إن الإسلام الحق، يمكن أن يعطي الإنسانية حضارة روحية ـ مادية عظيمة المنفعة والروعة.

ان الحضارة الغربية ليست الشوط الأخير في تقدم الإنسان، ولا النموذج الأسمى لحياته.

وعلينا أن نستخرج من (كنوز الإسلام) حضارة أسمى...

ولكن، من الذي يجب أن يفعل لنا ذلك؟

هناك طائفتان هما: رجال الدين حين يصبحون رجال علم، ورجال العلم حين يصبحون رجال دين.

ولنا مع كل واحد منهما كلمة...

كلمة إلى رجال الدين:

معذرة يا رجال الدين الأفاضل، انها كلمة اعتبرها نقدا ذاتيا وأرجو أن تقبل على هذا الأساس.

الإسلام الذي تتشرفون به هو دين العلم، والمجامع الدينية (الحوزات) هي التي خرجت كبار علماء المسلمين في مختلف الاختصاصات.

فلماذا انكفأت المجامع العلمية على ذاتها، ورأت ان مسؤوليتها تنحصر في إعادة صياغة أفكارها دون أي انفتاح على أفكار العالم من حولها؟!

لماذا لم تطعم الحوزات الدينية مناهجها بالجديد الجيد من مناهج العلوم الحديثة، أو على الأقل، لماذا لم تطور هي مناهجها بما يتناسب مع تقدم العصر والسرعة الهائلة فيه؟!

الحدود الغامضة بين الأصالة والتقليد:

قد يقال ـ بحق ـ: ان العملية ليست بهذه البساطة، إذ التطوير يرتبط ارتباطا وثيقا بالحدود الغامضة والدقيقة التي تفصل بين الأصالة والتقليد؛ بين ما يجب أن يبقى وما يجب أن يطور.

وبالتالي، بين القضايا المتعلقة بالقيم الثابتة، التي لا يجوز التنازل عنها تحت ضغط أي ظرف من الظروف، وبين التقاليد البالية التي لصقت بها في غفلة من الوعي، أو القضايا التي كانت صالحة في يوم ثم أصبحت من مخلفات العصور الأولى

وليس من حق كل من هب ودب، ان يعين هذه الحدود الدقيقة، لأنه بحاجة إلى معرفة شاملة بالعصر ومتغيراته من جهة، وبالدين ـ القيم الثابتة منه والمواضيع المتغيرة ـ من جهة أخرى.

ثم لحساسية هذه القضايا يختلف فيها الناس اختلافا كبيرا. فالأمر الذي هو في رأي أحد المفكرين، من صميم الدين، فإذا تغير أطبقت السماوات على الأرض، انه بالذات، تقليد أعمى، في رأي جماعة أخرى، ويخالف الدين، والدين بريء منه.

مثلا: محل المرأة، هل هو البيت فقط، أم رحاب الحياة كلها؟..

فريق من الناس لا يكفون عن الصراخ بأن الله والقرآن، والرسول (ص)، والمسلمون، يقولون ان المرأة يجب الا تخرج من حدود البيت.

بينما فريق آخر، يقول بكل ثقة وقناعة: ان الإسلام يفرض على المرأة الاحتشام، ثم يوجب عليها ان تساهم في بناء الحياة ابتداءا من البيت وانتهاءا بالإصلاح السياسي.

وهؤلاء وأولئك، يقدمون معا شواهد وأدلة عديدة، وجذر المشكلة ان الدين اختلط عندنا بالتقاليد. والقرآن (حمال ذو وجوه) يفسر بالأهواء، وفي هذا الجو... يتطرف الذين يريدون الإصلاح فيتجاوزون حدود الأصالة ويتطرفون في التمرد على الماضي بخيره وشره، بقيمه الصالحة وتقاليده البالية. ويكفرون بالتالي، حتى بالشخصية المتميزة للأمة.

كل هذا القول صحيح، ولكن السؤال هو: لماذا إذا لا تنعقد مؤتمرات تعالج هذه المشكلة بالذات؟ ولماذا لا تعطى لهذه المشكلة الأولوية، عوضا عن القضايا الجانبية؟ لماذا لا تصرف من أجل حلها الطاقات الهائلة (المادية والمعنوية) التي تصرف في إعادة صياغة الأفكار الماضية بقوالب جديدة، وحتى إعادة طباعتها بذات الأساليب؟

الغلو في الدين حرام:

ويزعم فريق منهم أن السبيل الصحيح للمحافظة على الدين، هو إضافة أشياء إلى الدين، (احتياطا) عليه. فمثلا انهم يقولون: لنحافظ على التقاليد التي كانت قديمة وبالية، لكي لا يجرؤ أحد على نقد القيم الصحيحة.

لكن يجب على هؤلاء أن ينتبهوا إلى ان الزيادة في الدين حرام لأنها نوع من الغلو الممنوع. ان الغلو في الدين هو المسؤول المباشر عن تمرد طائفة كبيرة من الناس على الدين، إذ انهم يرون، بالعقل والتجربة، فساد مجموعة من الأحكام والتقاليد، التي ألصقها الجاهلون بالدين، فيزعمون ان الدين كله هكذا. ويقولون: الأفضل أن نكفر بالمجموع، حتى لا يفرض علينا أحكام وتقاليد بالية أو مضرة.

فمثلا، حين يحرم أدعياء الدين دراسة العلم الحديث، ويحرمون إلى جانبه تقليد الغرب في فنونه، وأنظمته... فإن طائفة من الناس يجدون ان قبولهم بالدين يحرمهم من نعم العلم، فيفضلون الأخذ بتقاليد الغرب وفنونه، ليتسنى لهم الأخذ بعلمه.

وفي العالم المسيحي، كان الغلو في الدين هو السبب المباشر لإنتهاء سيطرة الكنيسة وتحول الناس إلى الإلحاد. وحين تراجعت الكنيسة، تحت ضغط الظروف، عن إضافاتها اللا معقولة إلى الدين، عاد العالم الغربي إلى المسيحية. من هنا غضب الله على طائفة من الناس لأنهم حرموا ما أحل الله لهم... وقال:

(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لعلهم يعلمون) [الأعراف/ 32].

(قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف/ 32-33].

وقال:

(قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا، فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) [الأنعام/ 150].

وقال عن المشركين الذين حرموا على أنفسهم ما أحل الله لهم. قال: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) [الأنعام/ 140].

ان التحريم بحاجة إلى نص كما الإيجاب، ولا يجوز ان نضيف إلى الدين أشياءا زائدة لتكون درعا واقية للدين الصحيح فلرب زيادة نقيصة.

الإسلام دين التطور:

وإذا لم يبين الله سبحانه في القرآن الكريم الا أحكاما قليلة، وركز في بقية آياته على مجموعة قليلة من القيم التي أراد ترسيخها في ذهنية الأمة بشكل كامل... انما فعل ذلك ليفتح أمام الأمة أبواب التطور...

والنبي محمد (ص) لم يكتب لنا أسفارا مطولة في التشريع، انما بين أصول العلم والحكمة، ورسخ قيم القرآن بتشريعاته الرشيدة، ثم وجه الأمة إلى خلفائه المعصومين فقال: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا).

وخلفاء الرسول (ص) لم يؤلفوا كتبا مطولة في الأحكام الفقهية، انما قالوا: (علينا بالأصول، وعليكم بالفروع). ووجهوا الأمة من بعدهم إلى الفقهاء وقالوا: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا).

كل ذلك لذات الهدف، وهو: فتح أبواب التطور أمام الأمة.

وليس من الصحيح طرح النظريات العامة التي تسبح في فراغ كأنها كليات أبو البقا.

إذ ان طرح النظريات هكذا، ومن دون تحويلها إلى برامج عملية لا بد ان يتم لواحد من عاملين:

1- إما لأن النظرية ذاتها غير واقعية وتشبه نظريات المدينة الفاضلة للفارابي في كونها تصلح ان تكون أمنيات حلوة ولكن لا تصلح أن تكون خططا للعمل وأنظمة للتطبيق.

2- إما لأن صاحب تلك النظريات لا يعرف كيف يجب ان تنفذ على متغيرات الحياة.

ويبدو ان أكثر الكتابات الدينية العامة هي من النوع الثاني.

واذا كان صاحب النظرية، والمفروض فيه ان يكون اختصاصيا في أمرها، لا يعرف طريقة تنفيذها، فكيف إذا ينتظر من الناس العاديين أن يعرفوها؟!

لكن السؤال: هل نحن طورنا، حسب مسؤوليتنا الدينية، الأحكام وفق متغيرات العصر؟

أم تمسكنا بالجانب الثابت من الشريعة وضخمناه إلى أبعد حد ممكن، وأعدنا صياغته من جيل إلى جيل اما المتغيرات فتركناها لإجتهادات الناس؟

ما هو الاقتصاد الإسلامي؟ وكيف ينبغي أن يتم توزيع الثروة؟

كيف يجب ان ننمي ثروتنا القومية؟

ما هي القوانين التي تنظم علاقة العامل برب العمل.. وهل يجب ان يشارك العمال في الأرباح؟ وكم ولماذا.. وهل للعمال ضمان اجتماعي؟

ما هو حكم الدين في الأراضي؟ هل يجوز تقسيمها على الفلاحين إذا اقتضت الضرورة القصوى لاستقلال بلادنا الاقتصادي، ومتى تكون حالة الضرورة.. وهل نحن الآن في تلك الحالة؟

ما هي أنظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هي الوسائل السليمة التي يجب اتباعها اليوم؟ هل يجوز الإصلاح السياسي المسلح، أم يجب أن يكون مجرد عمل صامت، أم عصيان مدني؟

كيف يجب مقاومة الاحتلال، ما هي عناصر النجاح فيها؟

كيف يجب ان يبنى المجتمع؟ وكيف نوجد فيه الديناميكية؟ كيف نجعله مجتمعا متقدما؟ كيف نحافظ على القيم التي تسود عليه؟

ما هي تفاصيل البرنامج الأخلاقي التي يجب ان يتقيد بها الإنسان المؤمن، هل هي المرونة أو التصلب، ومتى المرونة ومتى التصلب، وهل هي الانعزال أم الانفتاح، ومتى هذا ومتى ذاك؟

إن مئات الأسئلة العريضة حائرة اليوم وتتطلب أجوبة صحيحة وواقعية وواضحة، فأنى لنا بذلك.

إذا لم تصبح القضايا اليومية الملحة هي محور الدراسة، ولم نعالجها بشجاعة وحكمة، والتضحية بكثير من التقاليد التي اصبحت عندنا دينا ومعنا ومقدسات... فإن عقابنا سيكون عسيرا أمام الله، والتاريخ...

مسؤوليتنا ليست في إعادة الكتابة لمشاكل من قبلنا، وإعادة الحل أو البحث عن مشاكل لا وجود لها.

ليس من الصحيح بيان الافتراضات إذا كان هكذا فـ.. هكذا، وان كان كذلك فهكذا علينا أن نعطي رأيا ثابتا وواضحا ومحددا ونقول:

لأن الأمر هكذا، فالحكم هكذا وكفى... وهذا ـ بالطبع ـ بحاجة إلى علم واسع لا بالكتب بل بالحياة، بكل تفاصيلها.. إن هذه وليست غيرها هي مسؤولية الفقيه.

وإلا... لكان يكفينا أن نعيد طباعة كتاب فقهي قديم مرة كل عام ونطبقه. إننا لا نحتاج إلى نسخ أخرى للكتب الفقهية يا فقهاء القرن العشرين!

إن المغالاة في التحذر قد تسبب في إخراج الناس من الدين رأسا، ولذلك تصبح في بعض الأوقات أشد ضررا من اللامبالاة في الدين. لذلك كره الله عمل المارقين المغضوب عليهم كما لم يرض عن القاسطين الضالين.

إننا بحاجة إلى من يعرف السياسة، ويعرف الدين، ويعطينا رؤية دينية تجاه مشاكلنا السياسية.

بحاجة إلى من يعرف الاقتصاد... ويعرف بصائر الدين فيه... ووفق تلك البصائر يحل لنا قضايانا ومشاكلنا الاقتصادية.

وبحاجة إلى من يعرف الثقافة الحديثة وتياراتها، في التربية وعلم النفس ـ بفروعه العديدة ـ والأدب والفن ثم يعطينا نتيجة بحوثه آنئذ طالبونا بتطبيق الإسلام.. فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه.

وبالطبع إذا لم تتغير مناهج الدراسة، واهتمامات الدارسين، ومحاور حلقات المناقشة في المجامع الدينية، لا يستطيع رجال الدين القيام بهذه المهام الجسام...

لكن، من يغير مناهج الدراسة؟.. نحن بانتظار ذلك الرجل الشجاع الحكيم.

مسؤولية رجال العلم:

وأنتم يا رجال العلم! لماذا لا تصبحون رجال دين أيضا! تستوحون من الدين روحه ورؤاه، ومن الواقع علمه وخبرته، وتقدمون للناس برامج واقعية دينية؟!

صحيح أن دراستكم كانت في الجامعات الأجنبية، وهي لا تؤهلكم للكتابة عن الدين، وعن ثقافة الأمة الأصيلة.

وصحيح، أنكم حين تعزمون على دراسة موضوع معين ستضع المكتبة الأجنبية أمامكم كل ما تحتاجون إليه من دراسات ووثائق ومراجع و.و.

بينما لا توفر المكتبة الإسلامية لكم إلا القليل من الأفكار المبثوثة في مراجع قديمة، ذات طباعة رديئة، ولغة صعبة الفهم.

إلا أن رجل العلم ينبغي ان يكون مبدعا، يخرج من الأرض الميتة زرعا بجهوده التي لا تعرف الكلل..

وصحيح أنكم سوف تتعرضون لهجوم من أدعياء الدين، الذين يمارسون الإرهاب الفكري. لكن يجب مقاومة هذا الإرهاب لأن الاستسلام للإرهاب جريمة لا تغتفر، لأنه يشجع على المزيد منه. ان الله قال للرسول الأعظم ـ محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ:

(ليس لك من الأمر شيء)[1].

(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)[2].

(لا إكراه في الدين)[3].

فكيف يأتي رجل لا يعرف من الدين شيئا كثيرا لينصب نفسه حاكما على الدين؟ ويشهر من الدين سلاحا ضد كل من خالف آراءه، أو بالأحرى خالف مصالحه الشخصية التي سرعان ما يجعلها دينا.

ان هذا السلاح هو الذي كان عقبة في طريق تقدم المسلمين، وهو الذي استشهد به خيرة أبناء الأمة... منذ عهد الإمام الحسين (ع) سبط رسول الله (ص).

وعلى رجال العلم ان يقاوموا هذا السلاح في بلادنا كما حاربوه في أوروبا.

يبقى سلاح التشهير بالدين. هناك طائفة من المتأثرين بالغرب سيرفعون أصواتهم ضد رجال العلم الذين يدافعون عن الدين، ويتهمونهم بألف تهمة وتهمة.

طبعا ليس ضمن تلك التهم تهمة التقليد للغرب، وتسريب ثقافاته الدخيلة إلى الأمة...

ولكن يجب ان نقول لهؤلاء... الذين لا تعجبهم عودة زميل لهم إلى أصالته الدينية... نقول لهم كلمة عتاب واحدة هي:

هل العقل في إجازة؟

بالرغم من أن العلم الحديث قبل أن يكون نظريا، هو علم واقعي يراعي الاختلافات الواسعة التي توجد في طبيعة الناس.

فإن هذه الطبقة من رجال العلم عندنا لا يكفون عن تقليد العالم الغربي، أو العالم الشرقي ـ كل حسب دراسته ـ دون تفكير بالاختلافات الواسعة التي تجعل منا غير الغرب، وغير الشرق

فمثلا، يحدثوننا عن مشاكل الصناعة، أو عن طريقة منع استغلال أصحاب المصانع للعمال، بينما ليس لدينا صناعة بمعنى الكلمة... ويحدثوننا عن مشاكل الإنسان ذي البعد الواحد في العالم الصناعي... في الوقت الذي نعيش التطرف في التشتت حيث نحتاج إلى لملمة جوانبنا في إطارات محدودة.

في الغرب ترى العامل في المصنع يتحول شيئا فشيئا إلى جزء من المصنع حيث يتحول المصنع عنده كبقرة الهنود إلى آلهة تعبد؛ وبذلك تتحجم كل طاقاته ضمن هذا المصنع الصغير ويطلع عليه (هربرت ماركوز) بكتابه (الإنسان ذو البعد الواحد) ينبهه إلى هذه الحالة المزرية التي انتهى إليها، ويأمره بعدم الإفراط في التركيز.

أما هنا، فنحن نعيش عالم التشتت المطلق حيث لا مصنع لدينا، ولا تنظيم دقيق ولا هم يحزنون فمن المضحك ان يأتي كاتب وينصحنا بعدم التركيز

إننا نترجم، من حيث نشعر أولا نشعر، ثقافة الغرب في عبارات عربية دون ان نحكم عقولنا فيما تنفع وما تضر، كأن العقل في إجازة

وحين ينعكس التقليد على الجوانب العملية، تكون أدهى وأغرب

ففي إحدى دول الخليج حيث يمتد الصيف أكثر من 9 أشهر وحيث يعتبر أهلها الشمس عدوهم رقم واحد كلفت إحدى الشركات ببناء مدارس للأطفال، وحسب وصية المهندسين المتعلمين في بريطانيا، تم بناء المدارس

بريطانيا هي بلاد الضباب، الشمس هناك محبوبة الجماهير الأولى هناك لا بد أن تبنى البنايات بشكل تستوعب نوافذها أكبر كمية ممكنة من أشعة الشمس.

وهكذا قلد مهندسو هذه الشركة البريطانيين في تعرضهم للشمس، فإذا بالمدارس تعكس على الطلاب الشمس وتمنعهم من الدراسة

وفي بلد خليجي آخر، حيث البرد الصحراوي القارص أيام الشتاء، والحر والرطوبة أيام الصيف.. وحيث لا ربيع ولا خريف..

هناك يخصص المهندسون للشرفات مساحات كبيرة تقليدا للمناطق التي تتمتع بفصول طبيعية يستفاد فيها من الشرفات.

ولقد رأيت مهندسا، صمم فيلا لعائلة محافظة، جعل جدران الطابق الأعلى منه من الزجاج.. بيد أن هذه العائلة كانت تسدل الستائر من وراء الزجاج ليل نهار محافظة على تقاليدها الدينية في التستر حسنا فماذا نفع الزجاج؟

وإذا تركت الهندسة إلى الطب رأيت شيئا يشبه ذلك

ان أبسط قواعد الطب هي معرفة أوضاع المريض الصحية وحين تكون دراسة الطبيب في بلاد غريبة، ثم لا يكملها بالتعرف على بلاده التي يريد ان يمارس فيها مهنته، فكيف، يا ترى، يقدر على معالجة المرضى؟

وإذا تركنا الثقافة والطب والهندسة إلى التربية والاقتصاد والسياسة، كانت مظاهر النشاز وعدم التناسب أكثر بروزا وأشد غرابة.

كل ذلك يعود، ببساطة، إلى ان رجال العلم عندنا قليلا ما يبدعون.

إن أخطر حالة تصيب الإنسان هي حالة فقدان الثقة بالذات. ورجال العلم اصيبوا بهذه الحالة مع الأسف. فهم انبهروا كليا بمظاهر الحضارة الغربية، وتركوا وراء ظهورهم كنوزا لا تنفد من إمكاناتهم الذاتية

ان الحل الوحيد لهؤلاء هو، من جهة، العودة إلى التراث حيث يجدون فيه ما يعيد اليهم ثقتهم بأنفسهم

ثم، من جهة أخرى، مواجهة الواقع والتعامل معه مباشرة، وليس من وراء حجب الكتب والدراسات.

من أجل شخصيتنا الضائعة:

على رجال العلم ان يعملوا لإحياء شخصيتنا الضائعة، بين تقليد المتزمتين للماضي، وتقليد المتمردين للأجنبي.

عليهم ان يؤسسوا لنا حياة جديدة تكون حياتنا نحن، لا هي حياة من مضى من آبائنا، ولا هي حياة الغرباء عنا

ولا تكون كذلك الا إذا راعينا في مقياسنا ثلاثة أشياء اساسية:

1- أصالة القيم:

ونعني بها ترسيخ الإيمان والحق والحرية والعدالة الاجتماعية

وكل القيم التي أجمعت عليها نصوص ديننا وتجارب أمتنا، وتهدي إليها عقولنا

ان القيم ذاتها مقبولة. أما طريقة تجسيد هذه القيم تاريخيا، فهي غير ضرورية.

فمثلا: ان الحرية ذاتها قيمة أساسية يجب الاهتمام بها، أما الأساليب التي أمنت لنا الحرية، فهي قد لا تكون نافعة اليوم أو قد تكون ضارة إذ ان البشرية ابتدعت أساليب أفضل منها...

2- واقعية التشريع:

والتشريع يجب ان يستلهم من الواقع الراهن، بما فيه من اختلاف وتفاوت، شريطة ان تكون القيم الأصيلة هي المحتوى الحقيقي لهذه الواقعية

علينا ان نتوخى تطبيق (العدل)، ولكن كيف؟ بالتشريع الذي يؤمن، ضمن كل واقعة بالذات، اكبر نسبة ممكنة من قيمة (العدل).

ان دراسة الواقع، ومتغيراته، وحاجاته، أهم من دراسة القيم ذاتها إذ القيم واضحة، والتعرف عليها ميسور، انما متغيرات الواقع غامضة وكثيرة

3- مغزى التجارب الحديثة:

العلم الحديث خلاصة تجارب وعلينا ان ننفتح عليها. لكن قبل ذلك علينا ان نميز بين قشور التجارب ولبابها؛ بين المغزى الحقيقي للتجربة، وبين الإطار الذي وضع فيه هذا المغزى..

ان هذه العملية الشاقة، ذات الأبعاد الثلاثة، هي المسؤولية الملقاة على كاهل رجال العلم اليوم.

المنطق وسيلة التقييم السليم

وبالطبع سيكون المنطق وسيلتنا إلى التقييم السليم، سواء على صعيد القيم لفرزها عن تطبيقاتها الماضية، ولفصلها بالتالي عما لصقت بها من تقاليد بالية

أو على صعيد واقعية التشريع، أو على صعيد الانفتاح على مغزى التجارب.

إذ من دون المنطق السليم، كيف يتسنى لك استثمار عقلك، وتوجيه تفكيرك؟!

إننا نخسر كثيرا بتخلفنا الذي دام أكثر من اللازم، وليس من المعقول الاستمرار فيه. ولكن، كيف نفتح أبواب الحضارة على أنفسنا؟.. في اعتقادي؛ إن أية حضارة لا تبدأ الا بتكامل عاملين: العقل والروح ـ الدماغ والقلب ـ الفكر والإرادة. وبالتالي العلم والإيمان..

والمنطق، هو وسيلة العقل وبالرغم من أني أرى ان العقل يأتي متأخرا عن الروح.. لأنه لولا الروح، لولا الإرادة، لولا القلب الحي، والضمير اليقظ، لولا الإيمان.. لا يتحرك العقل، لأنه لا يجد حاجة في التحرك.

لكن الإيمان وحده لا يكفي. إنه كطائرة بجناح واحد. كرجل يملك القوة يملك الرجل واليد والنشاط، ولكنه لا يملك العين إنه بالطبع لا يستطيع ان يتحرك..

وفي العالم الغربي تأخر العقل عن الروح، الا انه قام بدور بازر. فلولا اندفاع (بيكون) إلى هدم أصنام الماضي، ثم مناهج (ديكارت) في تقييم العقل، ثم مقولات (كانت)

ثم اكتشافات الرياضيين والمنطقيين وفي طليعتهم (لابينتس).. لما استطاع الغرب وضع قنوات تستوعب اندفاعه ولما تمكن بالتالي من صنع الحضارة الحديثة..

والمنطق يجب أن يدخل في كل حقل من حقول حياتنا ليوجهه إلى حيث المصلحة الأكيدة..

فإبتداءا من إدارة البيت، وتربية الأولاد، ومرورا بإختيار العمل المناسب، وانتهاءا بالإصلاح الاجتماعي.. يجب ان نستلهم من المنطق الطريقة الحكيمة..

وحيث نحكم العقل والمنطق السليم يسهل علينا الاتحاد والتعاون، إذ ان كثيرا من الاختلافات تنشأ من الجهل بالمقياس السليم

لهذه الأسباب اخترت هذه المرة الكتابة عن المنطق..

ولقد أردت ان يكون الكتاب جامعا، لكافة ما يرتبط بتوخي الصحيح وتجنب الخطأ ولكن السؤال: هل وفقت لذلك؟

الواقع، بالرغم من أني قضيت سنينا من عمري في كتابته، لم أستطع تنفيذ المخطط الذي رسمته للكتاب وبقيت أمامي أفكار وملاحظات كثيرة لم تجد طريقها إلى الكتاب وإني أرجو الله تعالى ان يوفقني أو يوفق كاتبا غيري لإكمال المسيرة..

وعلى الله قصد السبيل

محمد تقي المدرسي

بيروت 6/7/1977

الموافق 20 رجب 1397 هـ

المنطق الإسلامي

أصوله ومناهجه

القسم الأول عن: تطور الفكر المنطقي.

القسم الثاني عن: أصول المنطق الإسلامي.

القسم الثالث عن: كيف نتجنب الخطأ.

القسم الرابع عن: كيف نختار المنهج السليم.

القسم الخامس عن: مناهج الاستقراء.

القسم السادس عن: مناهج العلوم الإنسانية.

القسم السابع عن: مناهج المقياس.

بحوث تمهيدية

السؤال الحائر:

السؤال الذي أقض مضجع المفكرين وكشف عن قصور الفكر منذ ان كان فكر وكان مفكرون..

السؤال الذي أثاره الفلاسفة والمتكلمون على أنفسهم، وحاولوا محاولات شتى في سبيل معرفة جواب حاسم له فلم يفلحوا، أو بالأحرى لم يحرزوا كل الفلاح

السؤال يقول: (كيف يجتنب الخطأ)، والذي يواجهه الفيلسوف قبل ان يواجه أي سؤال آخر ففي عصر الاغريق حيث اختلف الفكر وتناقضت النظريات، وتطرفت الفلاسفة ذات اليمين وذات الشمال فرض هذا السؤال نفسه كأشد ضرورة تفرض، فتصدى لها (أرسطو) ووضع منطقه المعروف والذي هيمن على فكر الإنسان أكثر من أربعة وعشرين قرنا.

وتبناه تابعو الأديان، جاعلين منه قاعدة دينية لا تتزلزل ولا تميد، حتى المسلمون تبنوه ولا يزالون.

ثم كانت الثورة التي فجرتها أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي، وأرادت أن تنسف كل قديم وبصورة خاصة أفكار القدماء وطريقة تفكيرهم.. وفي مقدمة كل ذلك المنطق الكلاسيكي الأرسطي.

وخاض عالم الفكر معركة الثورة على أرض فرنسا وبريطانيا، فجعلت الأفكار في حيرة والمفكرين في ابداع.

وتمخضت المعركة عن ميلاد منطق جديد: منطق (ديكارت).

وأسرعت الأحداث وخلفت في مسيرة الفكر منخفضات وتلالا؛ واشتبك الفكر في أكثر من معركة على أكثر من صعيد.

/ 24