معهد الاسلامی بین الأصالة و التطویر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

معهد الاسلامی بین الأصالة و التطویر - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






آية الله السيد محمد تقي المدرسي


المعهد الاسلامي
بين الأصالة و التطوير


بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله محمد و آله الميامين .


لماذا الحديث عن المعاهد الاسلامية؟


تأتي ضرورة ذلك من تعاظم تأثير هذه المعاهد في الحياة بعد أن تفاعلت أكثر من أي يوم مضى مع الظروف، و تصدت لقيادة الأمة في أكثر من بقعة.


وقد تميزت المعاهد الاسلامية التي تسمى أيضاً بالحوزات الدينية، تميزت بالأصالة حيث تخصصت في فقه الشريعة الاسلامية و العلوم التي تتصل به. و في الظروف الصعبة التي مرت على الأمة بعد تعرضها لهجوم غربي شامل وقف العلماء ومن ورائهم المعاهد الاسلامية يذودون عن حرمات الدين كالطود الشامخ حتى إنحسر الهجوم و عادت الأمة إلى وعيها و شخصيتها.


وفي ذلك اليوم كانت الحاجة إلى الأصالة أكثرمن الحاجة إلى الانفتاح و التطوير. ولكن اليز حيث قررت الأمة النهوض من سباتها و دخلت معركة التيار الحضاري فان على المعاهد الاسلامية أن تقوم بدورها الريادي في وضع البرنامج الرسالي الذي يواكب العصر و اعطاء الزخم الحضاري الكافي لتنفيذ ذلك البرنامج.


و هكذا فان الحاجة الى التطوير و الانفتاح على مكاسب العصر، تزداد للقيام بهذا الدور، و هكذا كان على المعاهد الاسلامية أن تقوم بدورين متكاملين: دور المحافظة على حدود الشريعة وأصالة الأمة، و دور تطوير الحياة و تنمية المجتمع.


ومعروف مدى صعوبة الجمع بين هذين الدورين المختلفين ظاهراً، إلاّ أن عظمة الاسلام المتجلية في عظمة كتاب الله و السنة الشريفة التي تفسره.. و إنّ ثراء تراث الأمة ومرونة برامج المعاهد الاسلامية كل ذلك كفيلة بتجاوز هذه الصعوبة بعد التوكل على الله سبحانه.


و هكذا نقدم للاخوة المؤمنين، و بالذات الى طلبة العلوم الدينية هذه الاحاديث التي ألقيت بالأصل في حوزة الإمام القائم- عجّل الله تعالى فرجه الشريف- خلال ما يزيد على عقد من الزمان و تناولت فيها بعض الجوانب المتصلة برسالة المعاهد الاسلامية، وكيف ينبغي عليها الحافظة على الأصالة في الوقت الذي تنفتح على مكاسب العصر، و تتصدى لمشاكله. وقد قام الأخ الأستاذ سعد عمران مشكوراً بتحرير هذه الاحاديث. و قد كتبت سابقاً برنامج= للمعاهد الاسلامية ووضعناه في مدخل الكتاب إتماماً للفائدة.


أسأل الله العلي القديران ينفع بهذا الكتاب كل القراء و ينفع به المؤلف و الاخوة الكرام في مكتبنا الذين ساهموا في إخراجه للطبع إنه مجيب الدعوات.


محمد تقي المدرسي


شعبان- 1413 هـ


طهـــران


المدخل


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ لله الذي علّم القرآن، خلق الانسان ، علّمه البيان .


و صلى الله على خاتم المرسلين، محمد الذي ابتعثه بالحق فجعله مناراً للهدى والعرفان، وعلى آله الميامين، الذين اصطفاهم بعلمه و جعلهم الدعاة الى سبيله و السلام على النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين.


و السلام على العلماء بالله ، الفقهاء في الدين ، الامناء على الحلال و الحرام ، وعلى من اتبع نهج الهدى.


لقد اصطفى الله من عباده رسلاً جعلهم حملة علمه، و الدعاة الى دينه ، فقال: ( الله أعلم حيث يجعل رسالته) ..


ثم لم يترك العباد بعد الرسل سدى ، بل ارتضى منهم خيرة خلقه، ليكونوا ورثة الانبياء وحجج الله من بعد الائمة الاوصياء- عليهم السلام - فجعلهم درجات تتسامى، حتى تعالى بعضهم الى مستوى الحواريين و الربانيين الذين قال فيهم سبحانه:


(( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من انصاري الى الله قال الحواين نحن أنصار الله ))[1] .


وقال: (( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا))[2] .


بينما سمى بعضهم الى درجة الاحبار ذوي الفقه والاستنباط، فقال سبحانه:


(( انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون اّلذين أسلموا للذين هادوا و الربّانيّون و الاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء))[3].


وقال: (( ولو ردوه الى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطون منهم))[4].


وقال: (( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفرمن كل فرقة منهم طائفة ليفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون))[5].


ونال كثير منهم درجة الدعوة الى الله ، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قال سبحانه:


(( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون))[6].


وهذه الدرجات التي فضل الله بعضها على بعض هي تجليات لدرجات الايمان واليقين و العلم و الجهاد.


ولانها- في النهاية- ميراث الرسالة فهي قمة التكامل الانساني وذروة عروج البشر الى رحاب الرب العزيز.


والمعاهد الدينية ، التي يتربى فيها هؤلاء الرجال الكرام، لا جرم ترفع الى القمة في مناهجها التربوية و التعليمية.. لانها من البيوت التي أذن الله أن ترفع كما قال سبحانه:


(( في بيوت اذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو الاصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار))[7].


انها بيوت العلم الالهي، الذي يتخذها عباد الله المصطفون، معراجاً الى معرفة الله، و تزكية النفس، و إثارة العقل، و تعلم المعارف الالهية، و التفقه في الدين لكي يختارهم الله لبلاغ رسالته كما قال سبحانه: (( في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة ))[8].


و هكذا نتبصر أبرز معالم هذه البيوت الرفيعة وهو ذكر الله .. من دونه لا فقه ولا دين ، فأي دين هذا الذي لا ايمان فيه بالله ولاذكر لأسمائه الحسنى؟


كلا تلك البيوت التي يسودها ظلام الثقافات الجاهلية لا ولن تصبح بيوت الله، وإن زخرفت ببعض النقوش القرآنية، أو إقتحمت فيها بعض الحرف و الشعارات الفارغة.


إنما الدين صلة القلب بالرب، و عروج الروح الى الرفيق الأعلى ، ومعايشة النفس لحقائق الحياة الاخرة، و تبصر غرور الحياة الدنيا ، واتقاء زبرجها .


و هكذا كانت مجالس العلماء روضة من رياض الجنة، وكذلك لابد أن تكون المعاهد الدينية حدائق الجنان، ومنازل القرب من الرحمن ، و سفارات مملكة الله في الدنيا.


اذا دخلتها رأيت حلق الذكر ، وانتشيت بعبق الايمان فيها، وارتويت بنمير علوم القرآن، وفاضت على روحك، قبل أذنك، آيات الحقيقة..


أما حيث يعشعش شياطين الهوى والشهوات، و ينفخ إبليس النفس الامارة بالسوء، و تعصف رياح الرئاسات و لانانيات، والخلافات الدنيوية، و يتنافس كلاب الدنيا على آدام أهل النار، من التفاخر، و التنابز بالالقاب أو سوء الظن و الغيبة والتهمة، و التكفيروالتفسيق والتشهير، فكيف تعتبرها بيوت الله؟ و كيف ترجو لداخليها شعاعا من نور الله و بصائر الوحي؟


لكي تكون بيوت الفقه مهبط الملائكة:


لابد أن تكون بيوت الفقه و مدارس القرآن، مهبطاً لملائكة الرحمة، و ذلك بالسبل التالية:


الف: حسن إنتخاب الطلبة، لكي لا يكون فيهم من يريد الدين للدنيا، ومن أجل ذلك تضع الحوزة المزيد من المصافي لاصطفاء الصالحين، كما تقلل فيها الاغراءات المادية التي تجذب طلاب الدنيا، ولا تمالي في سبيل إصلاح جو المعهد أحداً أبداً، لافي بداية اختيار الرجال ، ولا في طرد من تبينت عنده ثغرات ايمانية أو أخلاقية.


باء: تكثيف البرامج الروحية، من صلوات الجماعة، والمجالس العامرة بتلاوة القرآن والدعاء و المواعظ، وباحياء ذكر الرسول و أهل بيته_ صلوات الله عليه وآله_ و السعي الى زيارة المراقد و المقابر، و التشرف بخدمة الربانيين، و إشاعة جو التواصي بالحق و الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، و تشجيع صيام الايام المستحبة، و إحياء ليالي الجمعة والايام المباركة، بما ورد فيها من اذكار و ادعية و اعمال مأثورة.


وليعلم القائمون على المعاهد أن تزكية الناس أعظم أجراً عند الله من تعليمهم فلتكن همة الاساتذة في تحويل قاعة الدرس الى محفل الذكر ، وزرع روح التقوى اثناء بيان الحقائق، وليكونوا قدوة حسنة في كل ذلك، وليستعيذوا بالله من كلمة نابية تخرج من افواههم ، اثناء التدريس، او تصرف قبيح، او تكاسل عن اسداء النصح، حتى في الامثلة التي يختارونها للدروس ينبغي ان تزيد الطلبة ذكرا بالله واليوم الآخر، وزهداً في الدنيا وزبارجها الفانية.


جيم: لكي نتخذ من دروس الاخلاق و التفسير و الحديث، و حتى الفقه و التاريخ الاسلامي منبراً لذكر الله، ومشكاة لنور الايمان، لابد أن نمزجها بالنصيحة والموعظة، و نبعدها عن جو الهزل و القشرية، ونجعل الطلبة يعايشون معانيها وحقائقها، ولا يدورون حول الكلمات الفارغة و النقوش و الرسوم، و المفاهيم المجردة. أو ليست حقيقة الدين الايمان بالله، وإستشعار خوفه، والاجتهاد في سبيل مرضاته؟ او ليس كل ذلك متوافراً في الوحي و تفسيره و تجلياته؟ اذا كيف نجرد القرآن وكلمات حملته، وكتب فقهه، وتأريخ رجاله، من تلك الروح؟ كلا.. ان الله قد تجلى لعباده في كتابه. تعالوا نتلوه بطريقة نرى ذلك التجلي الاعظم.


ولابد ان يسود محفل القيم، خشوع المتبتلين، وما أحلى مثل هذه البرامج عندما نختار لها ساعات متميزة مثل ما بين الطلوعين، أو نختار لها أماكن روحية كالمسجد لتكون القلوب أشد حساسية، أو نسبقها بشعائر إيمانية كالتطهر و الصلاة و تلاوة معطرة للقرآن، وذكر للرسل والائمة والفقهاء والشهداء.


وإذا رست قواعد التوحيد و أسس التقوى، في بيوت الذكر فان صرح الاخلاق الكريمة يعلو بمتانة و تناغم وبلا تكلف.. واصولها سبعة:


الاجتهــــاد:


1- الاجتهاد، و بذل كل الطاقة، و استفراغ كل الوسع، أو ليس من عرف الله اشتاق الى قربه، ولم يجد في نفسه لذة أعظم من السعي الى رضوانه بكل السبل؟ أو ليس تسمو نفسه، وتعلو همته، و تنتابه الخشية من التقصير بخدمته، و التباطؤ عن بلوغ مرضاته؟ انه من فرط شوقه يحول أيامه أعواماً، وساعاته شهوراً، و يطوي المراحل طياً سريعاً، حتى لايفاجئه الأجل ولما يبلغ زاده من الدنيا!! الاتراه كيف يستجير بالله من إنقضاء مدته قبل التأهب و العدة؟! الا ترى يكاد يذوب حسرة عندما يناجي ربه في الأسحار ويقول:( ويلي كلما كبر سني، كثرت ذنوبي ، ويلي كلما طال عمري، كثرت معاصي، فكم أتوب وكم أعود، أما آن لي أن أستحي من ربي فبحق محمد و آل محمد اغفر لي وارحمني يا ارحم الراحمين))[9].


وهل يجد الضجر والكسل والهم و القلق طريقاً الى قلب عامر بالذكر؟ وهل يشتغل مثله بتوافه الدنيا، ولغو الاعمال، ومراتع الأماني و الآمال؟ كلا.. انه يبحث عن أصفى الاعمال و أزكاها، و يختار لنفسه أقرب السبل الى الله و أرضاها، حتى يستريح من فتنة الدنيا بلقاء ربه، و يستجيب لنداء مولاه أن (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية)).


ولولا روح الاجتهاد، عند طلبة الفقه ، لما بلغ احدهم الى معرفة الدين شأوا، ولما سمي الفقهاء بالمجتهدين، وعبر عنهم القرآن الكريم بـ (( الذين يستنبطونه منهم)) ، لما في استنباط الماء من بئر عميقة، من جهد كبير!!.


و هكذا لا يجوز ان نكيف برامج المعاهد الفقهية، بما يتناسب و الكسالى من الطلبة، دعهم يفتشوا لانفسهم، عن عمل غير هذا، فانهم لا يصلحون لعلم الدين!! و كيف نرجوا ممن لا يضحي بنومه او شهوته، ان يضحي في الله غداً بسمعته أو دمه؟!


الجهــــــاد:


2- والجهاد في سبيل الله نافذة واسعة لاشعاع نور الهدى و اليقين على أفئدة العارفين. أولم تسمع قول الله سبحانه (( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان الله لمع المحسنين))[10].


ولعل الامام أمير المؤمنين (ع) اقتبس من هذه الآية الكريمة قوله- عليه السلام-: ( لا تجعلوا علمكم جهلاً ، و يقينكم شكاً، اذا علمتم فاعملوا، واذا أيقنتم فأقدموا)[11].


و قول الامام الصادق عليه السلام-: (العلم يهتف بالعمل ، فان اجابه والا ارتحل)[12].


ومنذ الساعة الاولى لدخول طالب العلم، في بيوت الذكر ومعاهد الفقه، لابد أن يضحى جنديا في معسكر الحق، ومنتميا صادقا لحزب الله، ومدافعا مستميتاً عن قيم الدين.


الا ترى كيف قرن الكتاب بين الفقه و الجهاد، حتى ان طلاب الفقه كانوا يتخرجون من مدارس الجهاد، و ينفرون مع الرسول الى سوح المعارك؟


والآية الوحيدة التي ذكرت فيها كلمة(( التفقه)) في الدين جاءت في سياق سورة البراءة الجهادية، و ذكر فيها النفر مع الرسول الى الجهاد.


و الجهاد مراتب، ومن عجز عن أولى مراتبه فهو عن آخرها أعجز، فلابد أن يتدرج طالب العلم في معارجه حتى يبلغ ذروته، ولعل الله يكرمه بالشهادة في نهاية المطاف.


ومن مراتب الجهاد: الاشتراك في بعثات التبليغ حتى ولو بصفة المساعد، والاشتراك في المشاريع الدينية، كبناء المساجد، ومساعدة الفقراء، والمساهمة في حملات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأسيس هيئات الدعوة والتبليغ. ومن تلك المراتب:إرتقاء منبر الوعظ، وكتابة المقالات، و المساهمة في البحوث المفيدة، وإقامة المشاريع.


ومنها: قيادة الجماعات العاملة وخدمتهم بأية طريقة ممكنة.


ومنها: الاشتراك عملياً في محاربة الطغاة و المنحرفين.


ان برمجة هذه المراتب كفيلة بتقوية بنية الجهاد عند الطلبة، و تدريبهم عليها مرحلة مرحلة حتى يبلغوا ذروتها بتوفيق الله. ولا ننسى ان معاهد الفقه لابد ان تعلم طلابها ما يستفيدون منها في الامور الجهادية ، كالخطابة و الادب و الحوار المؤثر ، وأيضاً المعارف التي يحتاجها الناس في مواقع الجهاد، وكذلك التدريب الجسدي على ما ينفعهم في سوح الجهاد من قوة البنية وسلامة البدن.


الروح الاجتماعية:


3- وينساب من ذكر الله، والاجتهاد في مرضاته و الجهاد في سبيله: روح النظم و الاجتماع، فلا تصبح في النفوس حواجز التفاخر و التدابر، مما تبعث نحو التنابز بالالقاب، والتهمة، والاغتياب، و اختلاق الفوارق المصطنعة من سوء الظن، و التحزب للعنصر والارض، و التعصب للعشيرة و الطائفة.


ان المناهي حدود الشريعة لابد من رعايتها، ولكنها الجانب الظاهر للدين، اما الباطن فهي شاكلة النفس، و طراز الشخصية، فاذا كانت روح الانسان تميل نحو الحياة التجمعية والانبساط و العفوية، فان سلوكه يستقيم مع مكارم الاخلاق ومعالي الآداب. أما اذا تعقدت نفسه، ونزعت نحو الفردية والذاتية والانطواء والانغلاق، و التكلف و التصنع، فان سلوكه يتصف بالرذائل و النفاق، وحب الشقاق والتمرد على النظام!


وهكذا يجتهد العلماء في تزكية نفوس الطلبة من تلك الفواحش الباطنة التي تفرز الفواحش الظاهرة، من الكبر و الحسد و الغرور والعجب، والانانية واتباع الهوى لانها إن بقيت لا تنفع إصلاح مظاهر الفرد إلا زيادة في النفاق و الرياء.


و بيوت الذكر معاهد الفقه, تسقي شجرة الفضيلة عند اهلها، بالقضاء على آفات الاجتماع وزرع النفوس بحب الاخرين و احترامهم واحترام آرائهم، وتعليم الطلبة آداب التعامل مع بعضهم، وسن التعاون فيما بينهم.


وقد تكون البرامج العملية مشجعة لذلك، مثل إقامة الصلوات جماعة، والاقامة في غرف مشتركة ، وتناول الطعام على مائدة واحدة، و ترتيب الرحلات المبرمجة بدقة بالغة، وما أشبه.


وحتى إذا أرادوا ممارسة الرياضة إختاروا تلك الانماط التي تنمي الروح الجمعية ، بل ان تحميل البعض مسؤولية إخوته في حدود معقولة، قد ينمي الروح الجمعية، مثل إكرام دورة واحدة أوصف واحد إكراما جمعياً ، إذا كان أغلب أهله متفوقين، و عتابهم أو عقابهم اذا كانوا كسالى.


و تشجيع المطالعة في المكتبة العامة، و المذاكرة و المباحثة في الدروس ، وكتابة البحوث المشتركة، والقيام العمل المشترك، كاصدار المجلات والرحلات التبليغية.


وربما يكون مفيداً في مراحل مبكرة من الدراسة تحديد أوقات النوم و اليقظة، وسائر الاعمال الحياتية، لكي تترسخ الروح الجميعة في النفوس.


التــقّيد بــالنظام:


4- ومن أبرز معالم الحياة الاجتماعية التقيد بالنظام الذي يعد من اسمى فضائل الانسان المؤمن ، كما يعتبر اليوم من سمات التقدم الحضاري.


و يبدأ النظام في المعاهد الفقهية بكثرة و تنوع البرامج الكثيرة التي تثمل كافة مناحي حياة الافراد في الدراسة والمعاشرة والمطالعة وما أشبه.


و يتسع ليشمل تعليم الافراد أسس النظام السليم، كالشورى ، والطاعة، وطريقة التصويت ، انتخاب المسؤول ، وآداب التعامل معه.


كما انه يشمل أيضاً أنظمة لكافة الامور، مثلاً نظاماً للمطالعة في المكتبة، نظاماً للطعام والرياضة، نظاماً للرحلات وما أشبه.


واذا كانت هناك المزيد من التعاونيات والجمعيات ، وفرق العمل، وفرق الرياضة التي يشترك فيها الفرد، كان ذلك ادعى لتربية الفرد على النظام.


واذا كان الداعي الى الطاعة، نابعاً من ايمان الفرد بالنظام، واشمئزازه من الفوضى ، واحترامه لحقوق الاخرين، فانه يساهم في تربيته على الانضباط دائماً . و لذلك ينبغي تجنب القهر و القسر على النظام فتكون نتائجه عكسية.


والنظام في الحياة ينعكس على الفكر، فيكون الفرد منظماً ، والنفس مطمئنة، والوقت متسعاً، و الحياة متكاملة، لا يضر جانب بآخر، ولا يتفاوت اهتمام لحساب اهتمام آخر.

التـــفكّر والتــــدبر


5- المتفقه في الدين يغمر قلبه حب الله، وحب شرائعه، وخدمة عباد الله، فيندفع نحو التعلم بشوق بالغ يحدوه قول الرسول- صلى الله عليه وآله-: (( أطلب العلم من المهد الى اللحد))، وقوله (( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))[13] ، وقوله: (( ان جميع دواب الارض لتصلي على طالب العلم حتى الحيتان في البحر))[14] ، و (( ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم حتى يطاء عليها رضاً به))[15] .


من اجل ذلك يزهر في قلبه مصباح الهدى ، و يتقد فكره بنور المعرفة، و تنثار دفائن عقله، و تستيقظ مصادر وجدانه،


و ينعك ذلك في ابعاد شتى:


أولاً: كثافة البرامج الذاتية التي تساهم في إنجاح البرامج المقررة و بالخصوص برنامج المطالعة والبحث والدراسة الميدانية، و انما نبغ العلماء الكبار بمثل هذه البرامج، وهكذا يتميز الفقهاء العظام عن سائر العلماء في شتى الحقول، لأنهم يعرفون كيف يدرسون بلا معلم ، ويلتهمون مختلف المعارف بلا وسائل مساعدة.


وينبغي ان يولي الطلبة والاساتذة بهذا الجانب اهتماماً بالغاً منذ اللحظة الاولى للدراسة حيث يعتمدون على البرامج الذاتية في التربية والتعليم.


ثانيا: اعتماد منهج الاثارة و التفكر ، لا منهج الحفظ والتقليد، وتنمية ثقة الطلبة بعقولهم، و أفكاهم، و إبداعاتهم، و تشجيعهم على المساهمة بأي قدر ممكن ، في المادة الدراسية، ولو بمثل جديد أو التعبير عن الحقيقة بلغة جديدة واذا اتبعنا هذا المنهج الذي كان يتبعه كبار الفقاهاء مع طلابهم لربينا رجالاً كباراً ، حيث انهم كانوا يطرحون السؤال قبل الجواب ويطالبون الفرد بالتحقيق و البحث، ويأخذون بيده في ميدان الدراسة ليرى الحقائق بنفسه.


انهم كانوا يعلمون الفرد منهج التعلم قبل ان يعطوه المعلومات ، ويهدوه سبل المعرفة، و يحذروه من العقبات الي تعرقل مسيرته واذا رأينا الكتب الفقهية السابقة حررت بايجاز و بتعابير بالغة التعقيد، فلأن المؤلفين قديماً كانوا يتخذون من ذلك وسيلة لاثارة الفكر.


التدبر في القـــرآن:


واعظم ما يستثير العقل و ينير القلب، التدبر في كتاب الله الكريم ، الذي تتجلى فيه سنن ربنا الجارية في الخليقة، فعندما نتدبر في آياته ونبحث عن تأوليها فيما حولنا، فاننا نهتدي- باذن الله- الى حقائق تلك السنن، و نغور في أعماق الموجودات حتى نلامس حريمها الداخلي و نشهد سرها الغائب.


آيات الله في الكتاب عنوان آياته العظمى في الخلق، فاذا تزودنا بمصباح الكتاب ، و سرنا في رحاب الكائنات تبصرناها، وكان تدبرنا في القرآن ذلك الجسر الموصل بين هذه الآيات و تلك.


حقاً إن من يجهل قدر التدبر، يغلق على نفسه أوسع منافذ العقل و المعرفة، و يعيش في ضلال بعيد!!


وباستثناء العربية و الفقه ثم أصول الفقه، فان أغلب المناهج الدراسية ينبغي أن تتخذ وسيلة لاستثارة العقل، فدرس التأريخ يجب أن يتبع منهج التحليل ليفكر الطالب في عبرة التأريخ التي يستفيدها في حياته الراهنة، وموضوع السياسة لابد أن ينمي قدرة الطالب على تفسير الأحداث الساخنة، والتنبؤ بتطوراتها القادمة.


أمّا علم النفس و الاجتماع، وسائر العلوم الانسانية فان أقرب المناهج لاثارة الفكر فيها هي مناهج التأمل الذاتي ( كشتالت) والتي تجعل الطالب نفسه محوراً للبحوث. أو ليست هي أقرب الحقائق إليها؟ ومن خلال غوره في أعماق ذاته, يعرف أنفس الآخرين.


الابـــداع أبـداً:


ثالثاً: لكي لا تستريح النفس الى مناهج جامدة، ولا تقدس الوسائل التي لا قيمة ذاتية لها، سوى أنها مقدمات لتحقيق الاهداف، ولكي يعيش الطلبة أجواء الابداع، لابد أن نعطي لهم أبعد مدى ممكن من حرية إبداع السبل، الكفيلة بتحقيق الاهداف المقررة.. شريطة أن تتم الموافقة عليها من قبل الادارة، حتى لا تعم الفوضى، وكما لابد ان تبادر الادارة نحو تطوير السبل بين فترة و اخرى، حتى يعيش الجميع طراوة التجديد، و لذة التطوير، مع المحافظة على إستمرارية القيم.


ومن ذلك الاسراع في تطوير الاجهزة التي تترى على الاسواق، فالدراسة بالشريط تصبح قديمة إذا قسناها بالدراسة عبر الفديو وهي بذاتها تنهزم امام الدراسة عبر الافلام، وإذا تقدمت الدراسات الكمبيوترية فانها تصبح سيدة الوسائل. بلى مادة الدراسة تبقى واحدة إنما تتطور وسائلها بين فترة و أخرى.

الانفتاح والانبســاط


6- المؤمن ينفتح على الخليقة، و يعيش معها في و ئام و تناغم، بل في حب ووله .. أو ليست نفسه مشكاة لنور التوحيد، ولحب الله المجيد؟ أو ليست الكائنات خليقة الله؟ أولا يرى أنها خلقت له ليسخرها في خير الناس و سعادة نفسه، و قرأ بكل رضا و تسليم قوله سبحانه: (( ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها)).


و هكذا تنبسط نفسه كما السماء الزرقاء ظاهرة سافرة مستبشرة، وهي أبعد شيء عن العقد والالتواء والحقد والشنآن!


ولذلك فان الصفات التالية تتجلى في بيوت الذكر ومدارس الفقه:


أولاً: الاعتدال، فالعدل عنده ليس مفهوماً ضيقاً في القضاء بين الناس، أو رد حقوقهم إليهم، بل انه يتسع لاعتدال المواقف في الناس، وقد فسرت الآية الكريمة بذلك حيث يقول ربنا سبحانه: ((وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ))[16].


وكيف يجوز للفقيه أن يتطرف في حبه أو بغضه للناس حتى يخرجه ذلك عن حدود الشريعة، بينما المؤمن حسب روايات النبي و أهل بيته- عليهم صلوات الله-: (( إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق)).


كما إن الاعتدال يجعلهم مقتصدين في معايشهم، فلا اسراف ولا تقتير، كما قال ربنا سبحانه (( والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً))[17].


واهم ما يميز أهل الفقه في هذا الحقل عدم تحزبهم بما يجعلهم طرفاً الخلافات الاجتماعية ، بل تراهم يسعون ليكونوا شهداء على الناس،و حكامة بينهم فهم فوق الخلافات، دون أن يعني ذلك تجردهم عن واجب المسؤولية، في الوقوف مع أهل الحق، وضد أهل الباطل، كما قال ربنا سبحانه:


(( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله))[18].


وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط))[19].


ثانياً: ولأنهم لا يتحزبون في الخلافات الاجتماعية، فانهم دعاة وحدة، وجماعات صنغط لأجلها، ومؤسسة إصلاحية، وقادة التعاون والتآلف.


وان ذلك لمن ابرز مكاسب الاستقلال، وثوابه عند الله عظيم.


ثالثاً: الايجابية في تقييم الناس، وعدم النزوع الى اتهام الآخرين و إساءة الظن بهم ، أو مخالفة كل حركة اجتماعية، إلا اذا ثبت أنها مخالفة للشريعة.


رابعاً: ذاتية الحركة، وهي نتيجة تفاعل الصفات الكريمة السابقة، ولولا هذه الحركة الذاتية لما استطاع الفقهاء أن يحققوا عبر العصور تلك الانجازات الهائلة.


البــصيرة فــي الديــن :


أو تدري لماذا يخفق البعض في اكتشاف الحقائق المجهولة بما يعرفها من أدلة، بينما يلتقط الاخرون حتى الاشاراتٍ الخفية، و يتوقفون على الحقائق من وراء حجب الغيب بما أوتوا من نور التوسم و بصيرة العبرة؟ ولماذا أكثر الناس يعيشون في سجن التقليد، بينما البعض فقط ينطلق في آفاق الابداع و التجديد؟


هناك عوامل شتى ، ولكن أبرزها اثنان:


الأول : ان العقل الكبير يتطلب قلباً كبيراً، و أصحاب القلوب الصغيرة يفشلون في وعي الحقائق الكبيرة، ذلك ان القلب إذا اتسع تسامى فوق الحقائق، فبصر بها من المواقع العالية. انه قلب طموح متطلع هميم، ذو أجنحة واسعة، ترفرف هنا وهناك، يستشرف على كل سهل وجبل ، يتسع لاستيعاب الحقائق جميعا، لا ينكر بعضها، ولا يرى تناقضاً بينها، لا يصطدم اذا سمع منها ما كان يجهله، ولا يشبع من كثرتها، ولايسأم من تنوعها، يقرب البعيد منها بنفاذ البصيرة، و يطلع من فوق حاجز الزمن، فالماضي عبرة، والمستقبل هدف، والحاضروسيلة.


وشوق الانسان الى العلم اشد من شوقه الى أية حاجة اخرى، ولكن اكثر الناس يدسون هذا الشوق الملتهب، في ركام اليأس والاحباط، وانما اولو الالباب، ذوو القلوب الكبيرة هم وحدهم الواثقون من قدرتهم على اقتناص طير المعرفة، ولو تحلق فوق القمم الشامخة، كلاّ.. لا تكفي الحاجة سبباً للاختراع كما قالوا: (الحاجة أم الاختراع) فان للاختراع أباء أكرم من الحاجة، وهو التطلع والتحدي والاّ فان الأغنام كن يخترعن الدروع قبل البشر، لأنهن بحاجه أشد إلى الدفاع أمام شراسة الانسان، وكما المخترعات الهامة، كذلك الاكتشاف و الابداع، لن يتم من دون الثقة و التحدي.


الثاني: أصحاب القلوب الكبيرة والأهداف البعيدة والبصائر المتحررة، إنهم يبلغون الحقائق الكبيرة التي هي بمثابة أشجار باسقة تتفرع منها سائر المعارف، إنهم يصلون إلى أصول العلم، والقواعد العامة فيه، والتي يسميها البعض بالحكمة العالية ، والتي تهتم بها الفلسفة. أما حسب تعبير الكتاب والسنة: فهي السنن الالهية في الخليقة، وكذلك يسهل عليهم ربط الحقائق ببعضها في دائرة تلك السنن، كما يسهل عليهم انتزاع حكم الفروع من الأصول لوعيهم الشديد بها وبأبعادها.


وهكذا كانت الهمة العالية شرفاً عظيماً، لأنها تفرز سائر أسباب الشرف، ومن أبرزها العلم.


و في المعاهد الدينية يسعى الفقهاء لبعث الطلبة نحو التطلعات السامية، لكي لا تستبد بهم الاهتمامات الصغيرة أو الموضوعات التافهة، فتتجمد روح الابداع والكشف عندهم، على ثلوج القنوط واليأس.


الســـلامه فــي البــدن:


7- ألا تعجب من حال الانسان يهمل أقرب الاشياء الى نفسه ، وهو جسده، و يشتغل بغيره؟ وسواءاً الجامعات الحديثة، أو المعاهد الدينية تفتقر إالى دروس متكاملة في شؤون الجسم، وحاجاته، والأخطار المحتملة، وأساليب المحافظة على سلامته، و تنمية قواه المختلفة.


صحيح إن أغلب التعاليم الدينية تنفع بدن الانسان، بذات النسبة التي تنفع روحه، وإن من يتبعها باخلاص يتمتع بجسم سليم وقوي، إلاّ إن لطليعة الأمة، و قيادتها المستقبلية ينبغي أن يهتموا جدياً بهذا الجانب لأنهم بدورهم مكلفون بذلك. ولعل الامور التالية تصلح أمثلة لطريقة اهتمام المعاهد الدينية بذلك:


أولاً: التركيز على الصحة الوقائية، فمنذ قبول الطالب يجب الانتباه الى حالته الصحية ألا يكون ذا عاهة مستديمة او مرض مسر. وفي ظروف السكن الجماعية، تزداد اهمية المراقبة الصحية، وعزل المريض عن سائر المتواجدين، والاسراع الى معالجته، و فصل كل ما ينقل المرض من أدوات الطعام، و الثياب، والفرش.


والاهتمام الجدي بالنظافة في كل مكان، و تعليم الطلبة على ضرورة مراعاة النظافة فيما يتصل بابدانهم أو أمتعتهم أو ماأشبه.


واذا كان الطعام للجميع فلابد من مراقبة نوعيته، كأن يكون جامعاً تتوفر فيه حاجات الجسم من البروتين والنشويات والفيتامينات وما أشبه، باشراف خبير في التغذية.


كما ينبغي الاهتمام الجدي، بنظافته ونظافة القائمين عليه.


ثانياً: لابد من تخصيص كتب نافعة للدراسة الطبية تهتم بشرح وظائف الاعضاء، وأسباب الامراض، و كيفية الوقاية منها، و طرق المعالجة الأولية والاسعافات الأولية و أيضاً بالتغذية السليمة، وبأفضل السبل في مراجعة الاطباء والمراكز الصحية واستخدام الأدوية منذ الاحساس بالألم وحتى الانتظام بالمراجعة واستخدام الادوية.


ان الحس الصحي- كما الحس الامني- يطيل-باذن الله- عمر كثيرمن الناس، بينما الجهل او التجاهل يسبب قصر العمر وشدة المعاناة.


ثالثاً: تشجيع الرياضة، وبالذات الرياضة المتعددة الفوائد، كالسباحة، والتمشي ، وتسلق الجبال، وركوب الخيل، والتمارين الدفاعية.


إن رجال الفكر تزداد حاجة أجسادهم إلى ألوان من الرياضة، لان الاعمال الفكرية لا تبعثهم نحو الجهد البدني فتزداد أخطار الترهل عندهم.


تفصيل البرامج

كلمات في البدء


كثافة البرامج وعمقها تتطلب الاستعانة، بعد الله، بثلاثة مناهج:


أولاً: منهج التثقيف الذاتي ، الذي سبق الحديث عنه، فبالمطالعة المستمرة والمركزة، وبالكتابة والبحث والتأليف، وبالتدبر والتأمل، والمباحثة والمناظرة، وبالمؤتمرات، وبالمسابقة ولتنافس تشجيع الكفاءات الموهوبة، بكل ذلك نبلغ مستوى متقدماً من التثقيف الذاتي يجعل المعلم قادراً على طي مراحل التعليم بالسرعة القصوى.


ثانياً: منهج التخصص، حيث ينبغي أن يختار طالب العلم في وقت مبكر اتجاهه المناسب، قائداً مجاهداً، أو عالماً مجتهداً، أو مفكراً منظراً، أو عالماً عاملاًُ في منطقته، أوفي مؤسسهً، أو خطيباً مؤلفاً، أو إعلامياً مبلغاً.. وعليه أن يتجه إلى حيث تخصصه سريعاً، بلا تردد، أو ضياع وقت، أو الخضوع لدعاية المرجفين أو ضغوط الدهماء والسذج من الناس.


ثالثاً: متابعة الدراسة المنزلية الميدانية بعد التخرج، بحيث يحمل البرامج المعينة، و يطبقها على نفسه سواء بالمطالعة أو استماع الاشرطة أو المناظرة والمباحثة مع الأقران.. أو حتى الاستفادة من مراكز التعليم المتوفرة بعد تحديد ما ينبغي له أن يستوعبه من دروس بدقة متناهية.


الدروس الأصـيـلة:


الفقه ومقدماته: من اللغة العربية و قواعدها الصرفية والنحوية والبلاغية، دروس أصيله في المعاهد الدينية، ولا يمكن أن نتجاوزها بحال بل يمكن ان نطورها حسب القيم والمعايير التي سبق منا الحديث عنها آنفاً..


الف: اللغة العربية


أنى كانت لغة طالب العلم الديني، فان عليه أن يتعلم العربية التي نزلت بها الشريعة كتاباً و سنة و تاريخاً و حضارة، و ينبغي أن تكون لغة الدراسة والتحدث والمطالعة في المعاهد الدينية هي لغة القرآن، ليكون الطالب أقرب إلى لمس معانيها ، والاستجابة لاشاراتها، و هكذا تخصص- في البدء- مرحلة لتعليم اللغة بأفضل السبل العلمية الحديثة و شروطهما بصورة عملية.


باء: القواعد الصرفية


و القواعد الصرفية النحوية والبلاغية، تخدم متن اللغة، ولا يجوز فصلها عنها أو عن بعضها، كذلك يجب أن تتم دراستها من خلال المحاورة والكتابة والممارسة الحية، لكي تبقى راسخة في الذهن، ولكي لا تفصل القواعد عن روحها، وعن الأهداف التي وضعت من أجلها، وهي المزيد من وضوح اللغة، ووفائها بمعانيها اللطيفة، أما أن ندرس الفاعل و المفعول والمصدر و إسم المصدر و الصفة المشبهة و الصفة المبالغة وماأشبه، دون أن نعرف ماذا تهدف معرفة كل هذه الأسماء ، فانها مضيعة للوقت، ولا تنفعنا عند التطبيق شيئاً، بل قد تعقد فهمنا للعربية و إحساسنا الجماعي بروعتها ولطائف إشاراتها.


وهكذا ينبغي أن يكون مدرس العربية أديباً، و يعلم في الأدب، ومن خلاله يعرف الطالب بالقواعد جميعاً.


و بهذا الأسلوب البديع تتهيأ ذهنية الطالب لفهم أعمق، للفقه والتفسير والحديث.


جيم : المنطق


والمنطق عند المسلمين الأقدمين كان ملحقاً بالعربية، لأن العرب وضعوا قواعد لغتهم قوالب لقوام فكرهم، وحتى أرسطو الذي وضع منطقه لمقاومة جدليات المشككين السوفسطائيين، إهتم باللغة، وما أسماها بالتعاريف، وعلينا أن نعرف أن المنطق الاسلامي الاصيل النابع من الكتاب والسنة يفوق منطق أرسطو وقوالبه الجامدة، وعلينا دراسته والاشارة إلى منطق أرسطو، و غير أرسطو، ممن تحدث حول هذا الفن، وسوف نعود للحديث عن المنطق انشاء الله.


دال:الاصول


ودراسة الأصول تتصل من جهة بالمنطق، ومن جهة أخرى، بالفقه، فهي جسر شيده الأقدمون بين العلوم المختلفة و بين الفقه، على أن فيه أيضاً بعض الأفكار الخاصة به.


و أهم ما يحتاجه الطالب عند دراسة الأصول معرفته بفائدته، من خلال حشر هائل من الأمثلة الفقهية في كل باب، والاكان مثله مثل قواعد اللغة، لو عرفها الشخص من دون معرفة اللغة نفسها!


وفي عموم الدروس التقليدية، يقوم الاستاذ بجهد مضاعف، ليحمل الطالب من أجواء عصره إلى أجواء العصورالماضية حتى يتجاوب ولغتهم و أفكارهم.


هاء:الفقه


ولدراسة الفقه هدفان: أو تدري كيف؟ لأن الطالب ملتزم بالشريعة ولابد أن يعرفها لتطبيقها على نفسه أو من يسأله عنها، ثم إنه يدرس في علم الشريعة فلابد أن يعرفها حتى يتدرج في مراحل علم الشريعة. إذا لابد ان نقسم دراسة الفقه إلى مرحلتين:


المرحلة الأولى


وهي مرحل ابتدائية هدفها دراسة دورة فقهية يحتاجها الطالب من خلال تدريسه الكتاب الذي يعتمده الفقيه الذي يرجع إليه في تقليده وفي هذه المرحلة ينبغي أن نهتم بأمور:


اولاً: التركيز على المسائل التي يحتاجها الناس، وليست الفرضيات والجزليات، والمسائل التي لا يبتلى بها الناس إلا نادراً.


ثانياً: الدراسة الميدانية، التي تجعل الفقه محوراً لحركة فعلية، فالطهارة تدرس من خلال تعريف أعيان الأشياء الطاهرة أو النجسة، بقاموس مصور، كذلك تعريف الوضوء والتيمم وشروطهما بصورة عملية.


وينبغي أن تتم لطلبة الفقه زيارات إلى مراكز التطبيق، مثلا المغتسل والمقابر لدراسة كيفية غسل الميت و تكفينه ودفنه، والسوق والمتاجر لمعرفة مسائل الناس العملية، والمحاكم والقضاء لمعرفة طريقة الشهادة والحكم والحدود.


وعلى الاستاذ، و ادارة المؤسسات التعليمية، توفير الأجواء المناسبة لتعلم الفقه العملي، بكل وسيلة ممكنة، لأنها تساهم في تعميق فهم الدين، ونضج الطالب، وحيوية الدرس..


ثالثاً:دراسة هذه المرحلة بطريقة تساهم في تسهيل المراحل التالية، فكلما وجد الاستاذ ذهنية متفتحة ألقى فيها أفكاراً من المرحلة المتقدمة حتى تتسارع الخطوات إلى الأمام باذن الله تعالى.


المرحلة الثانية:


وفي المرحلة التالية يجب التركيز على وعي، الفقه وحفظ مسائله و نصوصه، ومتابعة الدراسة الميدانية، بالاضافة إلى أمور أخرى.


أولاً: لكي نجعل الدرس حيوياً لابد أن نجعل الطالب يساهم فيه ويرى نفسه جزء منه، و ذلك بتكليفه بكتابة الموضوع، والبحث عن نقطة غامضة فيه، و إلقائه.


ثانياً: لابد أن نعرف أن الفقه حدود الشريعة الغراء ، أما روح الشريعة فهي تلك البينات والزبر، الهدى والبصائر، التي تزخر بها الشريعة، ومعرفة الحدود بلا إلتفات إلى ما تحافظ عليها تلك الحدود لا تنفع.. فالصلاة تزكية من الكبر، والزكاة تطهير من البخل، والصوم معراج إلى التقوى. وتدريس أحاكم الصلاة بلا إشارة إلى الكبر، أو تعليم الزكاة من دون بيان أهمية الايثار، أو الصوم من دون فضيلة التقوى.. تحول الشريعة إلى قشور فارغة.


و أعظم رزايا المسلمين هو تفريغ الدين من محتوياته، و دراسة الشريعة كما لو كانت قانوناً وضعياً دراسة حرفيه، و تفكيك أوصال الشريعة عن بعضها كما لو كنا علماء تشريح.. فهناك العقائد بلا دراسة الجهاد من أجلها, وهنا الفقه بلا روح التوحيد و أخلاقيته التي هي محتواه، وثمة تاريخ بلا أهداف محددة كاقامة حكم الله


إن هذه الذهنية التجزيئية جعلتنا نتعايش مع دروس ميتة، و أفكار خامدة، ورجال كالأصنام، و تأريخ كتاريخ الحفريات.


تعالوا نعود إلى روح الدين، نعيش حول الروافد الفقهية بعد ربطها بينبوع التوحيد والأخلاق الالهية، ندرس التأريخ بصفته تجسيداً حياً للصراع الأبدي بين الكفر و الايمان، و بين خط الاستكبار وخط الرسالة.


ومرة آخرى يبرز هنا دور المدرس الذي يحول قاعة الدرس إلى محراب العبادة، و يحمل الطليعة إلى آفاق التوحيد، و إلى قلب معارك الربانيين ضد المستكبرين و الطغاة، كل ذلك من خلال دروس تقليدية كالفقه و التأريخ وما أشبه.


ثالثاً: باعتبار هذه المرحلة ليست للتطبيق، بل للفهم و العلم، فلابد أن يمهد الأستاذ الطريق نحو استنباط الأحكام، من مصادره الأصيلة، فعليه أن يطور ذهنية النقد عند الطالب، ولا يقمع أفكاره وأسئلته بما يشاع عادة عند البعض من قولهم: اسكت، لا يجوز لك أن تناقش الكبار، أو نحن لا نتجاوز حدود الكتاب !! كلا.. الكتاب الذي يدرس أنى كان عظيماً ، ليس إلا اداة للدراسة، و ذريعة لمعرفة العلم، و إنه ليس هدفاً بذاته ، وهكذا يكون الأستاذ مكلفاً بالاعداد للدرس بحيث يستثير قوة البحث و النقد و الاضافة، عند الطالب.


الدروس الرسالية:


وهي الدروس التي تقتضيها الظروف المستجدة في العالم الاسلامي و التي توصل اليها الخط الرسالي، هي تقسم مبدئيا إلى ثلاثة:


بصائر الرسالة، والفكر الرسالي، والثقافة الرسالية.


الف: بصائر الرسالة


وهي دراسة روح الدين، وجوهر الشريعة، ولباب الاسلام، وهي تستوحي من القرآن الكريم والسنة الشريفة. القرآن الكريم




/ 11