عبد المنعم الفرطوسي - شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شیخ عبدالمنعم الفرطوسی، حیاته و أدبه - نسخه متنی

حیدر محلاتی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید










عبد المنعم الفرطوسي





حياته واءدبه





تاءليف





حيدر محلاتي





هـذا الكتاب هو في الاصل رسالة جامعية تقدم بها صاحبها لنيل درجة الماجستير في الادب العربي
من كلية اللغات بجامعة اصفهان . وقد نوقشت صباح يوم الاربعاء 24 / 5 / 1419 ه الموافق 16 / 8 /
1998م . وقـد نـال بـها صاحبها وبفضل من اللّه وتوفيقه درجة الماجستيربمرتبة امتياز مع تقدير
لجنة المناقشة والحكم .





كلمة المكتبة الادبية المختصة





الحمد للّه رب العالمين والصلاة على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين .





لمدرسة النجف الاشرف في الادب ـ شاءن كل تكوينها العلمي الحضاري العتيد ـ حضور طاغ يمتد
الـى اءجـيـال مـتـلاحقة ساهمت في اشادة البنية الفارهة للكلمة .. الكلمة التي اعتبرت ذاتها امتدادا
لاعجاز اءمير اللغة والبيان وامام الفصاحة الفذة علي بن
اءبي طالب (ع ), فما يكاد ينشاء الاديب النجفي في ظل وادي السلام المسكون بالعبقرية حتى يتملكه
هذا الجنوح الغريب الى فتق المفردات ومعالجة الافكار.. ربما للمغناطيسية الهائلة التي اءودعها علي
(ع ) في تربته الواهبة ابداعا ورؤيا يجذبان اليهما كل رفيف شعور وندي قول ..





وهـكذا فالنجفي مسكون ـ اءبدا ـ بالشعرية في الشعر والنثر كليهما على مر الف عام اءو يزيدون ,
لا سيما في قرنها الحاضرالاخير.





ولا اءراني مبالغا لو قلت ان مدرسة النجف اءفرزت ركاما هائلا من النتاج الادبي يتعدى حتى نتاجها
الـعلمي الشاخص في جهودعلمائها الافذاذ, بل لصح لو قررنا ان اءية حاضرة علمية في التاريخ لم
تتلبسها هذه الروح الفريدة كالغريين .





ومـا برحت اءصداء الندي الخالد تتردد في شرق العالم وغربه .. وما برحت اءشباح السمار تهوم في
الـزمـان والـمـكـان تناءى لتقترب وتغيب لتشرق مطلع كل مصطبح واءوان كل مغتبق رغم الصمت
والحزن والكبرياء الجريحة في يومها المرير هذا..





فـلا غـرو ـ اذن ـ والحال هذه ان يمتد الجذر الكبير حتى دوحة عبد المنعم الفرطوسي الوارفة
الـتي طالما تفياء ظلالها كاتب هذه السطور المكلومة وغيره الكثيرون ـ من قبل ومن بعد ـ لتحضر
النجف بكل خيلائها وزبرجها في اللفظ والمعنى ..





ولقد كان الشيخ الفرطوسي ـ فيما يمثل من صفاته الجمة ـ واعية الكلمة العلوية المقدسة بشقشقته
الـتـي هدرت فما قرت حتى نصف قرن من العطاء والجهاد والاستبسال بين يدي اءهدافها الكبيرة في
نصرة الحق والانتصاف للهدى والامتياح من النبع السرمدي ..





وهـو ـ ازاء ذلك ـ يشكل ظاهرة شعرية امتلكت زمام الفرادة في ثرائها وعنفوانها حق لها ـ لو كان
ثـمـة نـعـمى للحق ـ ان ترصدويكتب عنها: بحثا وتمحيصا وتوثيقا, لكنها بعد ان اءدت ما عليها من
ضـريبة القول والموقف لم يشاء لها زمنها الذي عاشه شاعرهاالا غمطا وظلما.. على ان الفرطوسي
كـان وسـيـبـقـى حـاضـرا بـكـل جلاله وحدائه المميزين في الذاكرة حتى عند من لم يحضره
اءويـعاصره .. وكان من اولئك الذين شهدوه بعد زمنه ـ بقليل ـ فاكتنفته روح الفرطوسي وابداعه :
اءحـد اءبـنـاء حـاضرة النجف الباحث الجامعي الدؤوب الاستاذ حيدر محلا تي (الخفاف ) من خلال
دراسـة جـادة مـوفـقـة رغم ندرة المصادر والاحالات عن موضوع البحث , شاء لها صبر صاحبها
ومـراسـه الـفـتـي ان تـتـوافـر عـلى صفات النجاح والتوفيق بما يفتح الباب مشرعا على ارتياد
عـوالم الفرطوسي الرحبة .. وكان ان خرج منها بحصيلة وافرة قربت الصورة الى مدياتها الحقيقية
عـن الـعـالـم الشاعر الفرطوسي الموهوب , والمكتبة الادبية المختصة اذ تبادر الى نشر مثل هذه
الـدراسـة الـرائدة تجد نفسها معنية بخدمة رموز الادب الولائي المبارك الذين مثل الفقيد الكبير ـ
موضوع هذه الدراسة ـ واحدا من رموزه الشاخصين , كما تهيب بالاخوة الادباء والباحثين ان يرفدوا
بـعطائهم ونتاجهم مسيرة هذه الكلمة الادبية الطيبة حتى تؤتي اكلها كل حين باذن ربها.. عسى اءن
نكون نحن جميعا من ذوي الزاد في مسيرة العروج الى طهر اءهل البيت (ع ) واءتباعهم الخالدين .





مدير المكتبة الادبية المختصة





فرات الاسدي





غرة ربيع الثاني / 1420ه





الـحـمـد للّه رب الـعـالمين , والصلاة والسلام على اءشرف الانبياء والمرسلين محمد المصطفى ,
وعلى آله الطيبين الطاهرين .





وبعد:





فـلـم تـزل مـدرسة النجف في جميع اءدوارها التاريخية حافلة بمشاهير الشعراء واءكابر الادباء
والعلماء ممن اءسهموامساهمة فعالة في احياء التراث العربي , وصيانته من اللغات الدخيلة .





ولهذه المدرسة سجل حافل باءسماء تلاميذها الاذكياء والنوابغ ممن اءثروا المكتبة العربية بروائع
نتاجهم , واءمدواالثقافة والمعرفة بجلائل آثارهم وعظيم اءفكارهم وآرائهم .





ومـن هـؤلاء الشاعر الكبير الشيخ عبد المنعم الفرطوسي الذي لم تعرف النجف على مر عصورها
مـثـيلا له من حيث غزارة الشعر ووفرة النتاج الادبي . فقد بلغت اءبياته الشعرية التي نظمها طوال
مسيرته الادبية خمسين اءلف بيت , الحدالذي لم ينازعه فيه شاعر لا من قديم ولا من حديث .





والـغـريـب اءن شـاعـرا كـالـفرطوسي وبهذا الكم الهائل من الابداع الادبي لم يعن باهتمام النقاد
والـمـعنيين بشؤون الادب ,الامر الذي دفعني الى دراسة حياته , والتعمق في شعره على الرغم من
ضلة المصادر وقلة المراجع المعنية بهذاالموضوع .





وقد ضمت الدراسة ثلاثة اءبواب , تناول الباب الاول بيئة الشاعر اءي مدينة النجف , ومالها من معالم
تـاريخية ودينية ,بالاضافة الى واقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي . وقد كان ضروريا بحث هذه
الـجوانب من بيئة الشاعر باعتباران هذه البيئة لم تعد تشكل هاجسا عاطفيا لدى الشاعر لكونها مهد
طـفـولته وموطن نشاءته فحسب , بل ولانهااءصبحت تجسد في فكره مفهوما حضاريا راقيا وواقعا
تاريخيا هاما كما سيتضح من خلال البحث .





اءما الباب الثاني فقد سلط الضوء على جوانب مختلفة مما يتصل بحياة الشاعر الخاصة من قبيل مولده
ونشاءته , اسرته وقبيلته , سيرته وخلقه , آثاره ومؤلفاته , واءعماله ونشاطاته في الميادين السياسية
والاجتماعية والثقافية .





وفي الباب الثالث تركز الحديث على شعر الشاعر فضم اءربعة فصول :
الـفـصـل الاول : فـي بـدايات الفرطوسي الشعرية , والعوامل التي اءثرت في شعره , بالاضافة الى
المراحل والادوار التي مر بها الشاعر طيلة عمله الادبي .





الـفـصـل الـثاني : حول الموضوعات الشعرية الرئيسية عند الشاعر, وهي : السياسة , والاجتماع ,
والعقيدة .





الـفـصل الثالث : في الاغراض الشعرية المتمثلة بشعر المديح , والرثاء, والوصف , والغزل , وشعر
التاءريخ .





الفصل الرابع : تناول بالتفصيل ملحمة الشاعر الموسومة بملحمة اءهل البيت (ع ). وفيه حديث مفصل
ومـطـول عن اءوليات الملحمة وتاريخها, وكذلك ميزات ملحمة الشاعر, وما يتعلق بها من اءحاديث
وموضوعات .





وقـد اعـتمدت في اعداد البحث على عدة مصادر تفاوتت من حيث الاهمية والموضوع . من اءهمها:
كـتـاب مـاضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر آل محبوبة , وكتاب شعراء الغري لعلي الخاقاني ,
وكـتاب حركة الشعر في النجف الاشرف واءطواره خلال القرن الرابع عشر الهجري للدكتور
عـبـد الـصـاحب الموسوي . واضافة الى هذه الكتب وكتب اخرى فقد بقي ديوان الشاعر وملحمته
الشعرية اءهم مرجعين اعتمدتهما طوال البحث .





اءما منهجية العمل فقد حرصت في بادئ الامر على اءن يخرج البحث بموضوعية تامة ونزاهة كاملة
بـعـيـدا عـن الاحكام التعسفية والنقد اللاذع الذي من شاءنه اءن يدخل البحث في متاهات لا تتماشى
وروح البحث وصميم الدراسة . وجل عملي في البحث قائم على تحليل النصوص الشعرية ودراستها
من الناحية الموضوعية في استقصاء يهدف
فـي الـوهلة الاولى الى تعيين مواطن اهتمام الشاعر, ثم تقييم نتاجه الادبي تقييما علميا يبرز مدى
قابليته وتفوقه في عالم الشعر والقريض .





ختاما اءتقدم بوافر شكري وجزيل امتناني لاستاذي المشرف الدكتور عبدالغني ايرواني زاده على
مـا بـذله من جهدوما اسدى من نصح خلال اعداد الرسالة . كما واشيد بالجهود والملاحظات القيمة
التي اءبداها الاستاذ المساعدالدكتور نصراللّه شاملي عند اطلاعه على مسودات الرسالة .





اءساءل اللّه اءن يجعل عملي هذا مما ينتفع به , انه وحده ولي التوفيق . والحمد للّه رب العالمين .





حيدر محلاتي





البيئة









1 ـ النجف قديما وحديثا:





النجف في اللغة : مكان مستطيل منقاد ولا يعلوه الماء, والجمع نجاف . ويقال هي بطون من الارض في اءسافلهاسهولة تنقاد الى الارض , لها اءودية تنصب الى لين من الارض
((1)) .





وقـال يـاقـوت الحموي : النجف بالتحريك ... هو بظهر الكوفة كالمسناة تمنع مسيل الماء اءن يعلو
الـكـوفة ومقابرها...وبالقرب من هذا الموضع قبر اءمير المؤمنين علي بن اءبي طالب (رض ). وقد
ذكرته الشعراء في اءشعارهافاءكثرت ...
((2)) .





وللنجف جذور تاريخية عريقة يوم كانت جزءا من حاضرة الحيرة التي تربع على عرشها المناذرة ,
وبـنـوا فـيـهامنازلهم وقصورهم لما كانت تتمتع هذه البقعة بطيب المناخ , وحسن التربة , واعتدال
الهواء. وقديما قال فيهاالشاعر
((3)) :




  • لم ينزل الناس في سهل ولاجبل
    اءصفى هواء ولااءعذى من النجف



  • اءصفى هواء ولااءعذى من النجف
    اءصفى هواء ولااءعذى من النجف



((4)) وقد ورد لبقعة النجف
عدة اءسماء, منها:





الـغـري اءو الـغريان : وهو من الاسماء المتداولة الشائعة لبقعة النجف . وقد ورد كثيرا في معاجم
الـحـديث وقواميس اللغة وكتب التاريخ والادب . والغري اءو الغريان : تثنية الغري , وهو المطلي .





الـغـراء ممدود: وهو الغراء الذي يطلى به ... والغري نصب
((5)) كان يذبح عليها العتائر
((6)) ,
والغريان : طربالان وهما بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر علي بن اءبي
طالب (رض )
((7)) .





وادي الـسـلام : من اءسماء النجف المشهورة , وقد ورد في بعض الاحاديث الدينية وعن لسان بعض
الائمـة :.





وهـذاالاسـم يـطـلـق اليوم على مقبرة النجف الشهيرة التي تضم بين ثناياها اءجسادا من
الاقاصي الاسلامية اءمت النجف لتنال جوار اءمير المؤمنين علي (ع ). وفي هذه البقعة المقدسة يقول
الفرطوسي من قصيدة بعنوان وادي السلام :








  • على الذكوات البيض من جانب الوادي
    قفا ساعة واستنطقا الاثر البادي



  • قفا ساعة واستنطقا الاثر البادي
    قفا ساعة واستنطقا الاثر البادي



الى اءن يقول :








  • وياتربة وادي السلام قرارها
    سقاك الحيا من تربة قد ترعرعت
    علقت بها طول الحياة وانني
    ساءبعث مقرونا بها يوم ميعادي



  • ومن حبها في كل قلب هوى بادي
    على حبها نفسى بساعة ميلادي
    ساءبعث مقرونا بها يوم ميعادي
    ساءبعث مقرونا بها يوم ميعادي



((8))
واكـتـسبت النجف اءهمية وقداسة منذ اءن احتضنت بين دفتيها جثمان اءمير المؤمنين علي بن اءبي
طالب (ع ). فاءصبحت ومنذ ذلك الحين مزارا يؤم من كل حدب وصوب , وتربة يستشفى بها على حد
قول الشاعر
((9)) :




  • يا صاحب القبة البيضاء في النجف
    زوروا اءبا الحسن الهادي لعلكم
    زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن
    اذا وصلت فاءحرم قبل تدخله
    حتى اذا طفت سبعا حول قبته
    تاءمل الباب تلقى وجهه فقف



  • من زار قبرك واستشفى لديك شفي
    تحظون بالاجر والاقبال والزلف
    يزره بالقبر ملهوفا لديه كفي
    ملبيا واسع سعيا حوله وطف
    تاءمل الباب تلقى وجهه فقف
    تاءمل الباب تلقى وجهه فقف



((10))
هـذا مـا كـانت عليه النجف قديما. اءما اليوم فهي مدينة واسعة تقع في سهل رملي على حافة الهضبة
الغربية من العراق ,التي عند نهايتها تقوم الحدود السعودية . يحدها من الشمال والشمال الشرقي مدينة
كربلاء, ومن الجنوب والغرب منخفض بحر النجف , ومن الشرق مدينة الكوفة
((11)) .





اءمـا عـن مـناخها فيقول جعفر آل محبوبة : هواء صيفها حار يابس وفي الشتاء بارد قارص وعندما
يشتد الحر في الصيف يلتجئ اءهلها الى سراديب منحوتة في الارض نحتا بديعا
((12)) , ويقول في
مـوضـع آخـر: يـهـب الهواء الناشف الساكن الهادئ في فضاء النجف ولم يحمل معه ما تتركه المياه
الـمـتـعـفـنـة والمستنقعات الوبيئة فتراه نسيما خالصا به ينتعش الحزين ويصبو الولهان ويستيقظ
المستهام فيثير عواطف الوداد ويهيج هواجس الشوق فتتفجر براكين اءرباب الغرام فترمي بقذائف
الافكار فتسبكها في بودقة الخيال فتنصب شعرا
((13)) .





وتعتبر النجف من اءهم الحواضر الاسلامية المقدسة بعد مكة المكرمة , والمدينة المنورة , والقدس
الـشريف . وهي اليوم جامعة تربوية دينية , انتهت اليها مسؤولية تدريس علوم اءهل البيت (ع ) واحياء
اءمـرهم ونشر مذهبهم , اضافة الى ريادتها التاريخية في الحفاظ على التراث الاسلامي وصونه من
الضياع والتلف .





2 ـ الحياة الاجتماعية :





ورثت النجف طبيعة قبلية كانت قد استفحلت فيها القيم البدوية والاعراف السائدة في العشائر التي نـزحت اليها.فسكان النجف ينتمي بعضهم الى اءعراب البوادي الرحالة القادمين من طوائف الحجاز,
وبـعضهم ينتمي الى عشائرالعراق القاطنة على ضفتي دجلة والفرات , بالاضافة الى بعض العناصر
الـمـخـتـلفة كالفارسي , والهندي , والتركي الذين تاءثروا ببيئتهم الجديدة فاءصبحوا جزءا منها في
عاداتها وتقاليدها وسلوكها الاجتماعي .





وفي مثل هذا المزيج من العادات والتقاليد والثقافات المتباينة كان لابد اءن تظهر صراعات ونزاعات
بين المحلات المختلفة في المدينة الواحدة . ولعل العامل المحفز في تشديد هذه الصراعات هو روح
الـعصبية القبلية التي ورثتهاالنجف منذ القدم يوم كانت تقع على حافة الصحراء وقد اءصبحت موئلا
لـتـمـويـن الـقـبـائل الـبـدوية التي تتجول في الصحراء بالقرب منها. وكثيرا ما كانت المشاحنات
والـمـنازعات تقع بين اءهل النجف وتلك القبائل . وهذا يجعل اءهل النجف يشعرون بضرورة وجود
عصبية قوية بينهم لتساعدهم على مدافعة القبائل البدوية عند الحاجة
((14)) .





وفـي هـذا الـصـدد يـقـول علي الخاقاني : ومعظم اءهالي النجف يعيشون الى اليوم بالعقلية القبلية
وبطبيعة اءهل البادية .والنجف لم تتاءثر بالحضارة الحديثة ولم تلتفت الى مقتضيات العصر كما يراد,
وان تـجـرد الـفـرد من المسؤولية اءدى به الى فقدان مجتمع صالح يتعاون معه للقضاء على الرذيلة
ومـقـاومـة فاعلها..., لذا ترى التكتل الاجتماعي قائما على قدم وساق , يزيده وينميه ضعف الوازع
الديني والخلقي والنظامي , ولذا تراه ينضوي تحت راية من يدعي القوة
((15)) .





والنجف بصحرائها القاحلة وبداوتها الجافية لم تكن بلدة زراعية بطبيعة الحال , فجفاف التربة وقلة
الامـطـار اءعدم الزراعة فيها الا القليل مما كان يزرع من الخضروات وبعض المحاصيل الزراعية
الـتي لم تكن تسد حاجة المدينة من المواد الغذائية . فلذا عم الفقر والجوع بين الناس الى حد كان لا
يـجد الشخص رغيف الخبز الذي يقتات به , وقديقضي اليوم اءو اليومين على الطوى دون اءن ياءكل
مـا يـحـفـظ رمـقه ويقيم اءوده . وللشعراء في هذا الشاءن خطب جليل .فقد اءكثروا من شعر الفقر
وقصيد الجوع الذي كان يعبر عن بؤسهم وشقائهم وما كانوا يعانون من آلام واءسقام . من ذلك قصيدة
تنويمة الجياع لمحمد مهدي الجواهري
((16)) الذي صور فيها حالة الجوع التي استشرت في
البلادعامة :








  • نامي جياع الشعب نامي
    نامي فان لم تشبعي
    نامي على زبد الوعود
    نامي تزرك عرائس الا
    كدورة البدر التمام
    وتري زرائبك الفسـاح



  • حرستك آلهة الطعام
    من يقظة فمن المنام
    يداف في عسل الكلام
    حلام في جنح الظلام
    وتري زرائبك الفسـاح
    وتري زرائبك الفسـاح




مـبـلـطات بالرخام
((17)) اءما الصناعة فهي الاخرى لم تكن باءحسن حالا من الزراعة . فقد كانت
قـائمـة عـلـى بعض الاعمال اليدوية والصناعات الخفيفة الاخرى . وفي هذا الصدد يقول جعفر آل
مـحـبوبة : ليس في النجف الا الصناعات الوطنية التي تتلقاها الابناءعن الاباء تراثا واءخصها نسيج
الـعـبـاء.. وقـد اشتهرت النجف بنسج العباء, وفيها معامل يدوية كثيرة منتشرة في محلات النجف ...





وفـيـهـا الـنـجـارة والـصـيـاغـة والـدبـاغـة ـ فـيها مدبغة كبيرة خارج البلدة تدبغ الادم على
اختلافها,ويصرف اءكثرها في حاجة السكان لعمل الاحذية , والقرب , والدلاء الصغيرة التي تستعمل
لـمتح الماء من الابار,والدلاء الكبيرة التي تستعمل لسقي البساتين . وفيها لطرق النحاس معامل يدوية
تـصـنـع الاوعـيـة والـمـراجـل وسـائرالادوات والاواني البيتية ـ فيها سوق خاص للنحاسين
(الصفارين ) ومنه تجلب الاواني الى اءكثر البلدان العراقية .تصنع في النجف النواعير الحديدية التي
ترفع الماء من الانهر بطريقة فنية لسقي المزارع , وهذه تصرف في ضواحي النجف
((18)) .





وان كـانـت الـنـجـف قـد شهدت تدنيا في الزراعة والصناعة فانها ازدهرت ازدهارا ملحوظا في
عـلاقـاتـهـا الـتجارية مع البلاد العربية , وذلك بسبب موقعها الجغرافي ولتوسطها بين بادية الشام
والـجـزيـرة مـن جـهة وبين بغداد والبصرة من جهة اخرى . فقديما كان التجار القادمون من الشام
والـحـجازياءتون ببضائعهم الى النجف ليجدوا اءمامهم بضائع الهندالقادمة من البصرة وبضائع البلاد
الاخـرى الـقـادمة من بغداد. وعن موقع النجف التجاري يقول الدكتور مصطفى جمال الدين : تقع [
الـنـجـف ]بـيـن الـريف العراقي المنتشر على ضفاف الفرات , وبين البادية الممتدة من العراق الى
الـحـجـاز,وهي السوق المشتركة بين عشائر الريف وعشائر البادية , فمنتوجات (المشخاب ) و
(الـشـامية ) و (العباسية ) و(الكوفة ) وغيرها من الثمر, والحنطة , والشعير, والرز, تتجمع في
(خـانات ) النجف لتصدر بعد ذلك الى بغداد,والبصرة , والموصل , ومنتوجات البادية من (القادسية )
و(الـحـيرة )... من الغنم والصوف والوبر, والسمن , والجلود,ترد الى (مناخة ) النجف لتصدر الى
مناطق العراق الاخرى
((19)) .





وظلت النجف على هذه الحال بالرغم من التطورات التي شهدتها في اءوائل القرن العشرين من انهيار
نـظام الحكم العثماني واستبداله بالحكم البريطاني وما رافقه من تطور في شتى مرافق الحياة . فكان
لابـد مـن الاتـصـال بـالـعـالم الجديد والحضارة الجديدة , وكان لابد من التطلع الى انماء في الحياة
الاقـتـصادية والاجتماعية واللحاق بالركب الحضاري الجديد. الا اءن ذلك لم يحصل في النجف ولم
يلق ترحيبا من قبل اءبنائها, وذلك لانها كانت ولا تزال مدينة شديدة المحافظة والانغلاق , وقد ساعد
على تاءصيل هذه الميزة فيها محيطها الضيق , ومناخها الصحراوي القاسي ,ومركزها الديني الهام .





ويـفصل الدكتور مصطفى جمال الدين الحياة الاجتماعية في هذه المدينة المحافظة فيصفها باءنها ,
مدينة متحفظة اءشداءنواع التحفظ, فالتزمت هو السمة البارزة في المجتمع النجفي , فلا يوجد في
هـذه الـمدينة ما كان يوجد في غيرها من المدن , كالمسارح , والنوادي , والسينمات واءمثال ذلك مما
يـلـهـي الشباب عن دراستهم , اءو يخرجهم عن تحفظهم , بل حتى (المقاهي ) الصغيرة المبثوثة في
بعض اءنحاء المدينة ـ وهي خالية من كل شي ء عدا الشاي , والقهوة , والنرجيلة ,وبعض المرطبات ـ
يـمـتـنـع عـلـينا, نحن شباب الدراسات الدينية , الجلوس فيها. واءذكر اءنه لا يوجد فينا من يملك
جـهـاز(راديو) مثلا, لذلك كنا في الاربعينات ننزوي في صالة جمعية (الرابطة الادبية ) لنستمع
اءخـبـار الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـانـيـة من (الراديو) الذي اءهداه لها الملك غازي مع المكتبة
الثمينة
((20)) .





وبـغـض الـنظر عن السلبيات التي قد تبعثها مثل هذه البيئة المقيدة , فان الجانب الايجابي قد يطغى
عليها في كثير من الاحيان . فقد عرف النجفي بصفات كريمة مثل حسن الضيافة وكرم الطبع وسخاء
الـنـفـس الـتي اصبحت جزءا من طبيعته لا يمكن له الفكاك عنها. وهذه صفات قلما نجدها في المدن
الـكبرى . وكذلك اتصف النجفي ـ ولكثرة احتكاكه بالاخرين ـ بسرعة التعرف وقوة الامتزاج التي
تـحـصـل عادة من رحابة الصدر, ودماثة الخلق المتصفة برقة الطبع وخفة الروح . وثمة خصيصة
اخـرى تـجـلـت وبـوضوح في طبع النجفي وهي نخوته وفتوته وسرعة اجابته في النجدة . وقد
انـعـكـسـت هـذه الـظـاهـرة عـلـى حـيـاته الاجتماعية وتجسدت في تعامله وسلوكه مع اءبناء
وطـنه
((21)) .والطريف اءن مجتمعا منغلقا ومحافظا كالنجف كان من اءكثر المجتمعات انفتاحا في
تقبله النقد السليم والفكرة
الـسـلـيـمـة , ولـعل ذلك يعود الى عاملين , كما يقول الدكتور مصطفى جمال الدين , هما: القراءات
الـمـتـنـوعـة للكتب والصحف والمجلات التي كانت ترد النجف من مختلف البلدان كمجلة العرفان
والـمقتطف والمقطم والهلال وغيرهامن صحف العالم الاسلامي , بالاضافة الى الصحف والمجلات
الـتـي كانت تنشر في النجف .. وثقافات الوافدين على النجف من مختلف الاقطار الاسلامية للتحصيل
في مدارس النجف الدينية .. فقد ساعد هذان العاملان على بث روح المنطق والدرك المتقابل بالاضافة
الى الجراءة والشجاعة في ابداء الراءي الصريح والنقد البناء مما يندر تحققه في المجتمعات المنغلقة
والـمـتـزمـتـة . والـشـواهـد فـي هـذا الـصـدد كـثيرة , اءذكر على سبيل المثال موقف الشيخ
صـالـح الـجعفري
((22)) الذي وجه نقدا لاذعا لوفود المسلمين المجتمعين في مكة لاداء مناسك
الـحـج , مـذكرا اياهم بصمودالزعيم الهندي (غاندي ) في تحديه الاستعمار الذي قاد الى تحرير
الهند. يقول مخاطبا:








  • قف في (منى ) واهتف بمز
    حجوا فلستم بالغين
    بحجكم شرف الهنودحجوا الى استقلالهم



  • دحم القبائل والوفود
    بحجكم شرف الهنودحجوا الى استقلالهم
    بحجكم شرف الهنودحجوا الى استقلالهم






وحججتم خوف الوعيد من اطاعات العبيد
((23)) ولدى حديثنا عن الحياة الاجتماعية في النجف لابد اءن نشير الى المراءة
وموقعها الاجتماعي في هذه البيئة المحافظة . فالذي يتبادر الى الذهن للوهلة الاولى هو اءن المراءة
فـي الـمـجتمع الاسلامي المحافظ ملتزمة باءحكام التشريع الاسلامي في حياتها الخاصة والعامـة .





ولـعـل المراءة النجفية اكثر نساء العراق التزاما باءحكام الشريعة الاسلامية , وذلك لرسوخ العقيدة
الـديـنـية في اءوساط المجتمع النجفي وحرص اءبنائه على توظيف الاحكام الاسلامية في شؤون
الحياة كافة .





كانت المراءة النجفية تشكل جزءا من بيتها, قلما تختلط بغير ذويها الا في المناسبات الدينية والمتـم
الـحـسينية التي تقيمها النساء, اءو فـي حفلات الاعراس . وكانت اذا اءرادت الخروج من بيتها عند
اقـتـضـاء الـحـاجة لبست عباءة طويلة تستر تمام بدنها دون اءن تظهر زينة اءو تحدث اثارة . فهي
تـحـرص عـلـى حـجـابـها اءشد الحرص وترى فيه سلامة دينهاوكمال شخصيتها وتمام تربيتها
واءخلاقها.





وحـيـن ظهرت الدعوة الى تعليم المراءة وانشاء مدارس للبنات , جوبهت في بادى ء الامر بمعارضة
شـديـدة ورد فـعل عنيف من قبل الناس , لانهم كانوا يعتقدون بان خروج المراءة من بيتها وممارسة
التعليم في الخارج يبعدها عن القيم الاخلاقية السائدة والاعراف الاجتماعية الموروثة مما قد يؤدي
في النهاية الى فسادها وخروجها عن طريق العفة والحياء.





و مـع مرور الزمان انشق الناس في امر تعليم المراءة الى فريقين . فريق ايد فكرة التعليم من خلال
الـتـمـسك بالشريعة الاسلامية والمحافظة على الشؤون الدينية , و فريق دعا الى التعليم من خلال
تـبـرج الـمـراءة وسـفـورهـا. و قد لعب الشعراء دورا هاما فـي قيادة الفريقين . ففي النجف اهتم
شـعــراؤهــا بـفـكرة التعليم من خـلال محافظة المراءة على سترها و حجابها, بينما راح بعض
الشعراء كالرصافي والزهاوي يدعون الى فكرة التعليم من خلال تبرج المراءة وسفورها.





والـجدير بالذكر ان بعض علماء النجف اءيدوا مساءلة تعليم المراءة وتحمسوا لهذه الفكرة شريطة
اءن تـكـون ضـمن اطارالتعاليم الاسلامية والاعراف الاجتماعية السائدة , ومن اولئك الشيخ محمد
رضا الشبيبي
((24)) الذي ضج من تفشي الجهل والخمول بين الفتيان والفتيات :




  • كم فتى في العراق اءضحى مقلا
    ركسا في غيابة الجهل حتى
    قد تربى عن النهى مستقلا
    وتربت عن الحجا مستقله



  • من كمال وكم فتاة مقله
    لم يسع جهلها المحيط وجهله
    وتربت عن الحجا مستقله
    وتربت عن الحجا مستقله



((25))
وكـذلـك فـعـل الـشـيـخ صالح الجعفري حين دعا الى تعليم المراءة ومناصرتها في احقاق حقوقها
المشروعة في المجتمع .يقول من قصيدة :








  • هذبوها فانها بشر
    النواميس بينكم شرع
    الكي تستحيل حامضة
    كيف يعطي ثماره شجر
    واءدوها وحقها غمطوا
    زعموا انهم بها ربحوا
    اءهملوها واءي مدرسة
    اءهملوها لو اءنهم شعروا



  • لكمال الحياة تفتقر
    فهي انثى وآخر ذكر
    في زوايا البيوت تدخر
    في الحصى والتراب منقبر
    ربي رحماك انهم كفروا
    لا وعينيك انهم خسروا
    اءهملوها لو اءنهم شعروا
    اءهملوها لو اءنهم شعروا



((26))





وقـد تـبـارى غـير واحد من الشعراء في هذا الشاءن وطالبوا بتعليم المراءة واصلاح بعض النظم
الاجـتماعية . من بينهم الشاعر عبد المنعم الفرطوسي الذي راح ينتهز كل فرصة ليعلن ثورته على
التقاليد السقيمة التي تجر البلاد والامة الى الضياع والتهلكة :








  • اءفيقوا يا بني وطني عجالا
    وهبوا فيه للاصلاح كيما
    اءليس ثقافة الجنسين فرضا
    وفي نور المعارف خير هاد
    جمال الشعب يوما اءن نراه
    وان ثـقـافـة الاحـلام نـور
    به يهدى الشباب الواثبونا



  • فما يجدي الرقاد النائمينا
    نراكم للتمدن ناهضينا
    تقوم به الرجال المصلحونا
    طريق يقتفيه السالكونا
    يسير الى الثقافة مستبينا
    به يهدى الشباب الواثبونا
    به يهدى الشباب الواثبونا



((27))





وفي هذا الشاءن اءيضا يقول
الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي طالب بفتح مدرسة رسمية للبنات وذلك عام1929 م :








  • علموها فقد كفاكم شنارا
    وكفانا من التقهقر اءنا
    هذه حالنا على حين كادت
    اءنجب الشرق جامدا يحسب المر
    تحكم (البرلمان ) من اءمم الدنيــا
    ونساء العراق تمنع اءن تر سم
    خطا اءو تقراء الاسفارا



  • وكفاها اءن تحسب العلم عارا
    لم نعالج حتى الامور الصغارا
    اءمم الغرب تسبق الاقدارا
    اءة عارا, واءنجبت طيارا
    نساء تمثل الاقطارا
    خطا اءو تقراء الاسفارا
    خطا اءو تقراء الاسفارا



((28))





وهـكـذا اسـتمرت الدعوات والمطالبات ردحا من الزمن حتى اءصبح تعليم المراءة اءمرا اءساسيا,
وحـقـا من حقوقهاالمشروعة , وجزءا لا يتجزاء من بناء المجتمع المتحضر الذي يصبو الى الكمال
والحياة الفضلى .





3 ـ الحياة السياسية :





شـهـد الـعراق منذ مطلع القرن العشرين ثلاثة من اءنظمة الحكم : الحكم العثماني , والحكم الملكي , والحكم الجمهوري .والذي يهمنا في هذا البحث هو تسليط الضوء على الاجواء السياسية التي مر بها
الـعـراق فـي كل من العهدين الملكي والجمهوري , حيث الفترة التي عاشها الشاعر وتاءثر باءحداثها
وتـقلباتها السياسية . وتمهيدا للبحث لابد من الاشارة الى الخلفيات التاريخية للاحداث التي اءطاحت
بالنظام العثماني واءقامت على اءنقاضه حكما ملكيا في العراق .





خـضـع الـعراق منذ عام 1534 م للهيمنة العثمانية مدة تقارب الاربعمائة سنة . وقد استمرت هذه
الـهـيمنة حتى عام1918 م حين اندلعت نيران الحرب العالمية الاولى ودخل الاتراك طرفا مواجها
لـلانـجـليز وحلفائهم . فانجر العراق دون اءن يشاء الى مواجهة المستعمر الجديد الذي راح يقتطع
جـزءا فـجـزءا من اءراضيه ليعلنها مستعمرة له . وقد انبرى علماء الشيعة في النجف لهذا الاحتلال
الـسـافر وعاضدوا الاتراك بالرغم من الاضطهاد العنصري والطائفي الذي اءعمله العثمانيون بحق
الشيعة , الا اءن علماء الدين راءوا في الغزو البريطاني خطرا اكبر يهدد الاسلام والامة الاسلامية ,
فـافـتـوا بـوجـوب الـدفـاع عـن بـيـضـة الاسـلام والـوقـوف بـجـانب الاتراك ضد المحتل
الانـجـليزي
((29)) .فاشتركت جموع غفيرة من مجاهدي النجف مع الجيش العثماني بقيادة علماء
الـديـن , اءمـثـال الـسيد محمد سعيدالحبوبي
((30)) الذي قاد جيشا جرارا الى جبهة (الشعيبة )
بالبصرة , حيث اءبلى بلاء حسنا في مجابهة المحتل الغاصب .





لكن الاتراك لم يحفظوا هذا الصنيع لاهل النجف , بل راحوا يطاردون الفارين من الخدمة العسكرية ,
ويوسعون الاهالي ظلما وتنكيلا, بالاضافة الى اءنهم قرروا مصادرة محتويات الخزائن الموجودة
فـي الـعـتبة المقدسة للانفاق على شؤون الحرب , واجبار الشباب على الخدمة في الجيش . فبداءوا
بـتفتيش البيوت ليلا وتعرضوا للنساء بحجة ان الرجال كانوا يختفون بزي النساء تهربا من الجندية .





فضاق النجفيون ذرعا بهذه الاعمال الشنيعة , وهبوا غاضبين ضد الاتراك , وقاتلوهم قتالا عنيفا حتى
استتب لهم الحكم في نهاية الامر
((31)) .





وظـل الاتـراك مـطـاردين من قبل الناس حتى انحسر ظلهم عن العراق تماما يوم اعلنت الهدنة في
الاول من تشرين الثاني عام 1918م
((32)) . وهكذا تم تقويض السلطة العثمانية لتحل محلها سلطة
الانجليز التي لم تكن هي الاخرى باءقل من سابقتها ظلما وعدوانا.





وعن هذه الفترة الانتقالية التي عاشها العراق يذكر الشيخ محمد رضا الشبيبي في قصيدة له بعنوان
شكوى وعتاب سياسة الاتراك التعسفية ضد العراق واءبنائه , وما آلت اليه هذه السياسة من تفشي
الجهل والفساد في اءوساطالمجتمع :








  • لا الجبن ثار فاءطغانا ولا البخل
    لو كان مابهم جبنا لما انتقموا
    السيف قرب منا كل قاصية
    ماذا نؤمل في ادراك غايتنا
    يامن يعز علينا اءن نؤنبهم
    جفوتمونا وقلتم : نحن ساستكم
    كم تنبذون لنا ذنبا فنعذركم
    اءما صفحنا عن الماضي لاعينكم
    اءما استجيشت كما شئتم كتائبنا
    اءما مشت تذرع الدنيا اءما انقطعت
    اءما اءطاعوا اءما بروا اءما عطفوا
    باللّه لا تجرحوا اءكبادنا ودعوا
    جراح (برقة ) و (البلقان ) تندمل



  • الثائر الحقد بالاقوام والدخل
    وفي طريق بلوغ النقمة الاجل
    لا المنطق الفصل من قوم ولا الجدل
    من السياسة كلا انها حيل
    في حيث لا ينفع التاءنيب والعذل
    منى مطيتها الاخفاق والفشل
    لقد تقطعت الاعذار والعلل
    اءما اءديلت لكم اءيامنا الاول
    حتى تفايض منها السهل والجبل
    بها المتايه والغيطان والسبل
    اءما احتفوا بمواليهم اءما احتفلوا
    جراح (برقة ) و (البلقان ) تندمل
    جراح (برقة ) و (البلقان ) تندمل







ويتابع الشاعر سرد ممارسات العثمانيين حتى يصل الى قومه فيتحدث عنهم قائلا:





قـوم مـن الـعـرب وخز النحل حظهم
وحظ قوم سوانا الاري والعسل
((33)) عند




  • المغانم لا ندعى , ويفدحنا
    تاءبى الحوادث الا اءن نملكم
    اءين الرهين باءموال لنا ذهبت
    ومن يقيد باخوان لنا قتلوا



  • من المغارم ثقل ليس يحتمل
    ولا ـ ودين التخي ـ ما بنا ملل
    ومن يقيد باخوان لنا قتلوا
    ومن يقيد باخوان لنا قتلوا



((34))




  • اما شهيد معلى فوق مشنقة
    يـامـن بـظـل بـني عثمان قد نشاءوا
    اءضحيتم , ان ظل القوم منتقل



  • اءو موثق بحبال الاسر معتقل
    اءضحيتم , ان ظل القوم منتقل
    اءضحيتم , ان ظل القوم منتقل



((35)) واءخذ النفوذ
البريطاني يتسع شيئا فشيئا في ربوع العراق بعد اءن سقط الجنوب وتمت السيطرة على بغداد. اءما
الـنجف فبقيت باءيدي اءهلها سنتين كاملتين لم يتدخل البريطانيون في شؤونها. الا انهم عمدوا بعدها
الـى ارسال (الكابتن مارشال ) حاكما على النجف مع عدد من الحراس والجنود. وقد كان هذا الحاكم
سـي ء الـمعاملة , شديد التنكيل باءهالي النجف , لم يترك اسلوبا في العنف والاضطهاد الا اقترفه . مما
حدا بالنجفيين الى التفكير في الدفاع عن بلدهم والتخلص من اءسر المحتل . فاءلفوا (جمعية سرية )
بـاشـراف ثـلـة مـن عـلـماء الدين على راءسهم السيد محمد علي بحرالعلوم والشيخ محمد جواد
الجزائري
((36)) . وقد اءسهمت هذه الجمعية مساهمة كبرى في اضرام نار الثورة واشعال فتيلها
ضـد الغازي المحتل . وفي ليلة يوم الثلاثاء الموافق 6 جمادى الاخرة سنة 1366ه / 9 آذار سنة
1918م اجـتمع عدد من ثوار الجمعية وقرروا القيام بعملية قتل الكابتن مارشال , وتم لهم ما ارادوا.





وعـلـى اثـر هذا الحادث تحركت حكومة بغداد فاءرسلت جيشا جرارا يضم خمسا واءربعين اءلف
جندي يقوده (الكابتن بلفور). فطوق المدينة بالجنود, وحفر الخنادق , وقطع عنها الماء, وحاصرها
مـن جـمـيـع الجهات . فدارت بين الثوار وجنود المحتلين معارك طاحنة حصدت من الطرفين نفرا
كثيرا. واستمر الحصار على البلدة اءكثر من اءربعين يوما, واءشرف الاهلون على مجاعة , فطالبوا
الـسـلـطة بفك الحصار والعفو عن الثوار, الا ان السلطة المحتلة فرضت لفك الحصار شروطا لم
يـجـدالنجفيون بدا من تنفيذها. وبذلك تم للبريطانيين الغلبة فقبضوا على قادة الثورة واعدموا منهم
عـددا ونـفـوا آخرين .وعن هذه الثورة وما ترتب عليها من معطيات ثمينة يقول جعفر آل محبوبة :
ونستطيع اءن نقول بلا مجازفة ان
ثـورة الـنـجـف هـذه هـي الخطوة الاولى للقضية العراقية والبذرة الوحيدة لنتاج الفكرة الفراتية
واتجاهها نحو استقلال العراق . اذ النجف هو المركز الروحي والعاصمة الكبرى لعموم الشيعة وقد
اءعطت بموقفها هذا درسا شافيا ومنهجاواضحا نفعها في نيل مربها وتحقيق رغائبها في فك شعبها من
رق الاسـتعمار. ومما ساعد على ذلك اءن فكرة الحرية والاستقلال واحياء المجد العربي قد تغلغلت
فـي الادمـغـة ونـضـجـت وشـعـر بـها اءكثر العراقيين فلذلك نجحت نجاحاباهرا وتقدمت تقدما
غريبا
((37)) .





وقد وصف الشيخ محمد جواد الجزائري
((38)) ثورة النجف بقصيدة رائعة قال فيها:








  • مددنا بصائرنا لا العيونا
    عشقنا المنون وهمنا بها
    وقمنا بها عزمات مضات
    هي الهمم الغر لم ترض بالســماكين
    مهما استفزت قرينا



  • وفزنا غداة عشقنا المنونا
    وعفنا اءباطحنا والحجونا
    اءبت اءن نسيس الردى اءو نلينا
    مهما استفزت قرينا
    مهما استفزت قرينا



((39))








  • رعينا بها سنة الهاشمي
    وصنا كرامة شعب العراق
    وخضنا المعامع وهي الحمام
    ندافع عن حوزة المسلمينا



  • نبي الهدى , والكتاب المبينا
    وكان لعلياه حصنا مصونا
    ندافع عن حوزة المسلمينا
    ندافع عن حوزة المسلمينا



((40))




  • وجحفل اءعدائنا الانجليز
    يملا سهل الفلا والحزونا



  • يملا سهل الفلا والحزونا
    يملا سهل الفلا والحزونا



الى اءن يقول :




  • وجزناكما شاء تلك الحزو
    واءرجلنا طوع قيد الحديد
    ولم نلو للدهر جيد الذليل
    وان يكن الدهر حربا زبونا



  • ن ننتظر الفتك حينا فحينا
    تسيل دما يستفز الرصينا
    وان يكن الدهر حربا زبونا
    وان يكن الدهر حربا زبونا



((41))








  • وماضامنا الاسر في موقف
    وما ضامنا ثقل ذاك الحديد
    ولم يزر بالحر غل اليدين
    اذا ما قضى للعلاء الديونا



  • اءطعنا عليه الرسول الامينا
    ونحن بحسن الثنا ظافرونا
    اذا ما قضى للعلاء الديونا
    اذا ما قضى للعلاء الديونا



((42))





واسـتـمـر وهج الثورة في التاءجج بالرغم من فشل ثورة النجف عام 1918. فكانت فكرة التحرر
تـاءخـذ مـكـانها يوما بعدآخر في اءذهان الناس . وبداء العمل بالتمهيد لثورة عارمة تعم العراق كله
ويـشـارك فـيه الشعب بجميع شرائحه . ودائماكانت النجف مركز انطلاق الثورة والفتيل الملتهب
لجميع الانتفاضات .





والنجف كما وصفها المؤرخ عبد الرزاق الحسني : كانت قذى في عين السياسة البريطانية ... بسبب
مركزها الديني الواسع النطاق , وتاءثير علمائها في جماهير الشعب , فقد كانت اءول بلدة اءحست بثقل
الـسـلـطة الاجنبية , واءول مدينة عراقية فكرت بالتخلص من الاستعمار البريطاني , بالنظر الى ما
كـانـت قـد تشبعت به من روح الحرية والنزوع الى الديمقراطية , وبسبب ما كانت تلقاه من دروس
مـتـواصـلـة عـن فلسفة نهضة الامام اءبي عبد اللّه الحسين بن علي (ع ),وبسبب كونها مهد العلماء
ومركز الروحانية
((43)) .





وبداء التحرك السياسي للشعب بالمطالبة بحقوقه واستقلال بلاده وذلك عن طريق تنظيم المضاب
ط والـرسائل وارسالهاالى سوريا والحجاز للنظر في الامر. الا اءن ذلك لم يجد نفعا, فقررت الجهات
الـعـامـلة في الحقل الوطني بمظاهرات سلمية تحت شعار الدين , بمعنى اءن تكون المناسبات الدينية
وحـفـلات المولد النبوي اجتماعات سياسية لبحث القضية الوطنية والمطالبة بالحقوق المشروعة .





واستمر هذا الغليان حتى كانت محاولة القبض على الزعماءالسياسيين في بغداد في الثاني عشر من
آب عام 1920 م , فتقرر القيام بالحركة المضادة
((44)) .





/ 15