کتاب الصوم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کتاب الصوم - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


--------------------
فهرس الموضوعات
كتاب الصوم
روايات فضائل الصوم 25kkkkkk
معنى الصوم وتعريفه 30
نية الصوم
حقيقة النية وشرطيّتها و ركنيّتها 32
كفاية قصد التقرّب في رمضان 32
نيّة صوم النذر والكفّارات والقضاء 33
وقت النيّة 35
الاستمرار الحكمي على النيّة 35
عدم بطلان النيّة بفعل المنافي للصوم 36
وقت نيّة صوم النذر والكفّارة والقضاء 37
الأقوال في وقت النيّة 38
وقت نيّة الصوم المندوب 39
حكم تقديم نيّة صوم رمضان عليه 41
كفاية نيّة صوم رمضان من أوّله 42
تحقيق نيّة المجموع 45
كفاية نيّة كلّ يوم عن نيّة المجموع 47
اختلاف النيّة باختلاف العبادات 47
نيّة مجموع الشهر تكفي عن اليوم الأوّل 48
صوم الأيّام المنذورة بنيّة واحدة 48
حكم نيّة بعض رمضان بنيّة واحدة 49
لاصوم في رمضان غير صومه 49
استحباب صوم يوم الشكّ 52
إجزاء صوم يوم الشكّ عن رمضان 52
حكم صوم يوم الشكّ بنيّة الواجب 53
حكم صوم يوم الشكّ بنيّة رمضان 54
حكم صوم يوم الشكّ بنيّة مردّدة 56
حكم النيّة المردّدة في غير الصوم 59
حكم ظهور يوم الشكّ من رمضان 59
لاتضرّ الغفلة والنسيان عن الصوم في النهار 60
حكم نيّة فعل المفطر 60
حكم قصد الرياء بجزء الصوم 62
الفرق بين قصد قطع الصلاة و قطع الصوم 63
قصد القطع وشرطيّة استمرار النيّة 64
قصد القطع واجتماع إرادة الضدّين 65
حكم الخروج بالفعل عن العمل 67
متعمد ترك النيّة و ناوي الإفطار 67
نيّة الصبيّ المميّز 68

شرعيّة عبادات الصبيّ 68
تمرين الصبيّ يتّصف بالصحة أم لا 72
ما يمسك عنه الصائم
الإمساك عن الأكل والشرب 74
حكم أكل البرَدَ 74
حكم الأكل الغير المتعارف 76
حكم ابتلاع الريق 76
حكم إعادة الحصاة في الفم 77
حكم ريق الغير 77
جواز مصّ الخاتم 78
جواز مضغ الطعام للصبيّ 79
حكم ابتلاع طعام الصبيّ 79
حكم الاستياك للصّائم 80
حكم المضمضة للصّائم 81
حكم ابتلاع الخرز وغيرها حين العمل 84
حكم الاستنشاق للصائم 84
حكم بلع النخامة 84
حكم العلك والكندر وأمثالهما ممّا له طعم 88
الإمساك عن الجماع
حكم وطء دبر المرأة للصائم 91
حكم وطء دبر الغلام للصّائم 92
حكم وطء البهيمة 93
الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة
الكذب يوجب القضاء والكفّارة 93
أدلّة إيجابه الكفّارة 94
أدلّة النافين للكفّارة 96
الارتماس 98
إيجابه القضاء والكفّارة 98
معنى الارتماس 100
الارتماس يفسد الصوم المندوب 100
حكم الغسل الارتماسيّ للصّائم 101
إيصال الغبار إلى الحلق
اعتبار الغلظة و عدمه 102
حدّ الحلق 102
إيجابه الكفّارة 104
حكم الحصاد للصّائم 104
حكم إدخال الدخان الغليظ في الحلق 104
البقاء على الجنابة
إيجابه الكفّارة 105
أدلّة النافين للكفّارة 107
حكم البقاء على الجنابة في غير صوم رمضان 109
حكم البقاء على حدث الحيض 111

وجوب غسل النفاس للصّوم 112
وجوب غسل مسّ الميّت للصّوم 112
وجوب أغسال الاستحاضة للصوم 112
وجوب ما يلزم المستحاضة للصوم وعدمه 113
اشتراط الغسل الليلي للصوم الآتي و عدمه 115
لو استحاضت بعد صلاة الغداة 115
اختصاص حكم الاستحاضة بصوم رمضان 115
حكم عدم تمكّن الجنب وغيره من الغسل 115
اذا نام غير ناوٍ للغسل 116
صور تعمّد البقاء على الجنابة 117
لافرق بين الاحتلام والجماع في المسألة 119
وجوب الإمساك عن الاستمناء 121
حكم خروج المني بالملاعبة 121
حكم الإنزال على غير المعتاد 123
حكم الإمناء بالنظر 130
حكم الإمناء بالسماع 131
حكم الملاعبة والملامسة للصائم 132
حكم الإمناء بالتخيّل 134
حكم المساحقة للصائمة 134
الاحتلام بعد نيّة الصوم لايضرّ 135
حكم الحقنة بالمائع 135
حكم الحقنة بالجامد 138
حكم التقطير في الاُذن 139
تعمّد القيء
حكم من ذرعه القيء 141
حكم القلس والجشاء 141
احكام الإفطار
حكم الإكراه على المفطر 143
عدم إفطار الناسي للصوم 145
نسيان كون المفطر مفطراً 146
حكم الشكّ في المفطر 147
حكم جاهل الحكم 147
حكم الغافل 147
القضاء في الواجب المعين فقط 151
ما تجب الكفّارة بإفطاره من الصوم الواجب 151
عدم مراعاة الفجر توجب القضاء 155
الأكل بإخبار الواحد بعدم طلوع الفجر 155
مخالفة المخبر بالفجر توجب الإفطار 156
حكم العمل بالظنّ في الوقت 156
حكم إخبار الفاسق 158
حكم شهادة العدلين 158
قضاء المفطر بظنّ دخول اللّيل 161

عدم الكفّارة بالإفطار بظنّ دخول اللّيل 164
الظنّ و غلبة الظنّ 164
معنى الإفطار للظلمة الموهمة 165
لو أفطر بظنّ دخول اللّيل و انكشف الدخول 166
كفّارات الإفطار
كفّارة إفطار صوم رمضان 167
كفّارة إفطار النذر المعيّن 174
تكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب 179
لو أفطر ثمّ سقط عنه الصوم 183
مسألة أمر الحكيم بشيء مع علمه بانتفاء شرطه 184
عدم الكفّارة بانكشاف شوّال 185
عدم الفرق بين السقط الاختياريّ وغيره 186
هتك حرمة رمضان ومستحل الإفطار 188
كفارة إكراه المرأة على الجماع 190
حكم إكراه الأجنبيّة على الجماع 192
ما يتحقّق به الإكراه 192
حكم إكراه المسافر زوجته المقيمة 193
حكم العاجز عن الخصال الثلاثة 193
حكم العجز عن كفّارة الجمع 199
كفّارة العبد 204
استحباب الاستغفار للعاجز عن الكفّارة 205
حكم العجز عن كفّارة شهر رمضان 207
حكم العجز عن كفّارة الظهار 212
حكم العجز عن كفّارة النذر 215
حكم تبرّع الغير بالكفّارة 216
مايكره للصائم
كراهة تقبيل ولمس النساء 218
كراهة إخراج الدم المضعف 220
كراهة دخول الحمام المضعف 221
كراهة السعوط 222
كراهة شمّ الرياحين 223
كراهة استنقاع المرأة في الماء 226
كراهة بلّ الثوب على الجسد 228
جواز جلوس الرجل في الماء 228
كراهة الهذر واستماعه 229
من يصح منه الصوم
لايصحّ صوم المجنون والكافر والمخالف 230
حكم صوم المغمى عليه 231
حكم صوم النائم 233
لاتضرّ الغفلة والذهول في الصوم 235
حكم الإغماء والجنون في بعض اليوم 239
حكم صوم السكران 240

لايصحّ صوم الحائض والنفساء 240
صحّة صوم المستحاضة مع الغسل 241
لاكفّارة في ترك الغسل والتيمّم للمستحاضة 246
لزوم غسل برء المستحاضة للصّوم 246
لايصحّ صوم المسافر 249
مواضع صحّة الصوم في السفر 250
حكم الصوم المندوب في السفر 256
صحّة الصوم من المريض مع عدم الضرر 259
صحّة صوم الصبيّ 263
علامات البلوغ و وجوب الصوم
خروج المني علامة للبلوغ 263
حكم إمناء الخنثي 263
الإنبات علامة البلوغ 265
لاعبرة بضعيف الشعر 265
عدم اعتبار غير شعر العانة 267
حكم إنبات الشارب واللّحية وشعر الإبط 267
بلوغ الذكر ببلوغ خمس عشرة 269
بلوغ البنت ببلوغ تسع سنوات 274
بلوغ الخنثى بحسب السنّ 275
الحيض علامة البلوغ 275
الحمل علامة البلوغ 276
حكم تحيّض الخنثي 277
طريق معرفة البلوغ بالسنّ 278
حكم إقرار الصبي بالبلوغ 278
طرق ثبوت البلوغ بالاحتلام 280
استحباب تمرين الصبي على العبادات 282
مبدأ التمرين على الصوم 282
لاتمرين للمجنون 284
نيّة الصبي في الواجبات 284
صوم شهر رمضان
دخول الشهر بالرؤية 288
وجوب الصوم على الرائي 288
حكم رؤية الهلال في بلد دون بلد 289
الخروج لرؤية الهلال 292
بحث الشبهة المحصورة 292
الدعاء عند رؤية الهلال 293
دخول الشهر بمضي ثلاثين يوماً من شعبان 294
ثبوت الشهر بالشياع 295
مسألة الاستفاضة 296
اعتبار الظنّ المتاخم للعلم 302
كفاية الظنّ في ثبوت الهلال 305
ثبوت الشهر بشهادة العدل 305

عدم التوقّف على إذن الحاكم بعد شهادة العدلين 311
اعتبار توافق العدلين في الشهادة 311
الشهادة المستندة إلى الشياع مقبولة 312
الشهادة على الشهادة مقبولة 312
كفاية قول الحاكم في ثبوت الشهر 313
حكم كلام أهل التقويم (الجدول) 315
ثبوت الشهر بالعدد 317
لاعبرة برؤية الهلال قبل الزوال 323
عدّ خمسة أيّام من أوّل رمضان الماضي 329
لاعبرة بغيبوبة الهلال بعد الشفق و رؤية رأس الظل 332
إكمال العدّة من رجب تسعة وخمسين يوماً 334
استحباب صوم يوم الشكّ
تحقيق يوم الشكّ 336
علّة صوم يوم الشكّ إدراك رمضان 338
لوصامه ندباً ثمّ ظهر من رمضان 340
لو أفطره وكان من رمضان 340
استصحاب شعبان و ما يتفرّع عليه 341
حكم المحبوس الّذي لايعرف الأهلة 345
وقت الإمساك 349
وقت الإفطار 350
تقديم الصلاة أو الإفطار 350
ما المراد بالإفطار 352
شرائط وجوب الصوم و صحّته
اشتراط البلوغ والعقل 354
حكم المغمى عليه 356
اشتراط السلامة من المرض 357
اشتراط الحضور أو الإقامة 358
حكم صيام الجاهل في السفر 359
حكم صيام الناسي في السفر 359
حكم المسافر إذا أراد الرجوع إلى بلده 360
حكم قدوم المسافر إلى بلده 362
اشتراط الخلو عن الحيض والنفاس 364
شرائط القضاء
اشتراط البلوغ والعقل 364
قضاء المغمى عليه 365
قضاء النائم طول النهار و عدمه 368
اشتراط الإسلام في وجوب القضاء 368
قضاء المرتد و قبول توبته 371
حكم ارتداد الصائم و رجوعه 374
عدم قضاء المخالفين بعد الاستبصار 375
عدم وجوب التتابع في القضاء 375
قول ابن إدريس باستحباب التفريق 377

عدم وجوب الفوريّة و الترتيب في قضاء رمضان 379
حكم التطوّع لمن عليه فرض 381
حكم من فاته صوم رمضان لمرض ومات في مرضه 382
حكم من استمرّ عليه المرض إلى رمضان الآخر 384
عدم تكرّر الكفّارة بتكرّر السنين 388
لافرق بين رمضان واحد أو أكثر في لزوم الكفّارة 388
مقدار الفدية للمريض 390
مصرف الفدية 391
لايجب تعدّد المعطى من الفدية 392
حكم فوت الصوم بسفر و نحوه ومرض إلى رمضان 393
عدم جواز تأخير القضاء عن رمضان الآتي 395
المتهاون في القضاء تجب عليه الفدية والقضاء 397
شرائط القضاء عن الميّت
وجوب قضاء الصلاة والصوم على الوارث 403
ما يجب قضاؤه عن الميّت و مالايجب 403
عدم قضاء صلوات الميّت الباطلة 406
الصوم الّذي يجب قضاؤه عن الميّت 407
قضاء الولي صوم الميّت الفائت لمرض 408
قضاء صوم الميّت الّذي فات للسّفر 411
اعتبار التمكّن من الأداء في القضاء عن الميّت 415
من يجب عليه القضاء عن الميّت
وجوب القضاء على الولد الأكبر الذكر 416
المراد من الولد الذكر الأكبر 416
حكم صورة تعدّد الأولياء 419
حكم صورة تشاحّ الأولياء في القضاء 421
جواز استئجار الوليّ من يقضي عن الميّت 424
جواز استئجار أحد الوليين الآخر 429
كفاية قضاء متبرّع عن الميّت 429
حكم موت الولي قبل القضاء 430
لو أوصى الميّت إلى غير الولي يسقط عن الولي 431
لولم يكن للميّت ولي و أوصى بالقضاء أو لم يوص 432
لايسقط القضاء عن الميّت لوكان على الولي قضاء أو صلاة استيجار 435
من يجب له القضاء
هل يجب القضاء عن المرأة 436
وجوب القضاء عن العبد وعدمه 439
لزوم التصدّق من صلب المال مع عدم الوليّ 442
مقدار التصدّق عن ترك الميّت للصّوم 444
لوكان على الميّت شهران متتابعان 445
حكم مالو كان على الميّت أكثر من شهرين متتابعين 447
المكلّف بكفّارة الإفطار العمديّ عن الميّت 448
أحكام صوم القضاء
جواز الإفطار لقاضي صوم رمضان قبل الزوال 451

عدم جواز الإفطار لو تضيّق وقت القضاء 455
الواجب المعيّن لايجوز إفطاره 455
الواجب غيرالمعيّن يجوز إفطاره 455
حكم كفّارة ترك الصوم المنذور 456
حرمة الإفطار بعد الزوال لقاضي رمضان 457
كفّارة افطار قضاء رمضان 459
كفاية مدّ في إطعام المسكين 462
لزوم إمساك بقيّة اليوم للمفطر بعد الزوال في القضاء 463
لزوم الكفّارة بسائر المفطرات في القضاء 464
تتكرّر الكفّارة بتكرّر السبب في القضاء 464
قضاء الصلاة والصوم لناسي الجنابة في رمضان 464
الفرق بين النوم على الجنابة وبين نسيانها 468
كلام الروضة 469
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
و به ثقتي
الحمدللّه ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله اجمعين
 New Page 1
--------------------

كـتـاب الـصـوم

وفيه مقاصد:
المقصد الأوّل
في ذكر مافيه من الفضائل
وفيه مباحث:
المبحث الأوّل: الصوم من أفضل الطاعات و أهمّها
و الأخبار الواردة في ذلك في غاية الكثرة.
منها: ما رواه في الكافي في الحسن ـ لأجل إبراهيم بن هاشم ـ عن أبي جعفر &
قال: (بُني الإسلام على خمسة
أشياء: على الصلاة
و الزكاة
و الحج
و الصوم
و الولاية) و قال رسول اللّه ْ: (الصوم جنّة من النار) .
وعن إسماعيل بن أبي زياد
عن أبي عبد اللّه &
عن آبائه {: أنّ النبيّّ ْ قال لأصحابه: (ألا اُخبركم بشيء
إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟) قالوا: بلى
قال: (الصوم يسوّد
وجهه
و الصدقة تكسر ظهره
و الحبّ في اللّه و المؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره
و الاستغفار
يقطع وتينه

و لكلّ شيء زكاة
و زكاة الأبدان الصيام) .
وعن يونس بن ظبيان قال
قال أبوعبد اللّه &: (من صام للّه عزّوجلّ يوماً في شدّة الحرّ فأصابه ظمأ
وكّل اللّه به ألف ملك يمسحون وجهه و يبشّرونه
حتّى إذا أفطر قال اللّه عزّوجلّ: ما أطيب ريحك و
روحك; ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له) .
وعن عبداللّه بن طلحة قال
قال رسول اللّه ْ: (الصائم في عبادة و إن كان على فراشه
ما لم يغتَب
مُسلماً) .
وعن أبي الصباح عنه &
قال: (إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: الصوم لي و أنا أجزي عليه) .
وقد ذكروا في وجه اختصاصه به تعالى وجوهاً لايجتمع جميعها في غير الصوم:
و هي أنّه موجب لترك الشهوات و اللذات في الفرج و البطن
الموجبة لارتقاء النفس عن حضيض البهيمية إلى
ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة.
و يوجب صفاء العقل و الفكر بسبب ضعف القوى الشهويّة
الموجب لحصول المعارف الحقّة التي هي أشرف
أحوال النفس.
و أنّه أمر خفيّ يصعب الاطلاع عليه
فيكمل فيه الإخلاص
بخلاف سائر الأعمال البدنيّة.
الثاني: روى في الكافي عن السكوني
عن أبي عبد اللّه &: (من كتم صومه قال اللّه عزّوجلّ لملائكته: عبدي
استجار من عذابي فأجيروه
و وكّل اللّه تعالى ملائكته بالدعاء للصائمين
و لم يأمرهم بالدعاء لأحد
إü استجاب لهم فيه) .
الثالث: روى في الكافي أيضاً في الحسن
عن ابن أبي عمير
عن سليمان
عمّن ذكره
عن أبي عبد اللّه &: في
قول اللّه عزّوجلّ:
واستعينوا بالصبر
قال: (الصبر الصيام
و قال: إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة
فإنّ اللّه عزّوجلّ يقول:
و استعينوا بالصبر
يعني الصيام) .
الرابع: و روى الصدوق في الصحيح

عن هشام بن الحكم: أنّه سأل أبا عبد اللّه & عن علّة الصيام
فقال:
(إنّما فرض اللّه عزّوجلّ الصيام ليستوي به الغنيّ و الفقير; و ذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع
فيرحم الفقير; لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه
فأراد اللّه عزّوجلّ أن يسوّي بين خلقه
و أن
يذيق الغنيّ مسّ الجوع و الألم
فيرقّ على الضعيف
ويرحم الجائع) .
قال الصدوق: و كتب أبوالحسن عليّ بن موسى الرضا & إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: (علّة
الصوم لعرفان مسّ الجوع والعطش
ليكون العبد ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً صابراً
و يكون ذلك
دليلاً له على شدائد الآخرة
مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات
واعظاً له في العاجل
دليلاً على
الآجل; ليعلم شدّة مبلغ ذلك من أهل الفقر و المسكنة في الدنيا و الآخرة) .
وروى في الفقيه أيضاً مرسلاً
عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب }
أنّه قال: (جاء نفر من اليهود إلى رسول
اللّه ْ فسأله أعلمهم عن مسائل
فكان فيما سأله أنّه قال له: لأيّ شيء فرض اللّه عزّوجلّ الصوم على
اُمّتك بالنهار ثلاثين يوماً
و فرض على الاُمم أكثر من ذلك؟
فقال النبيّّ ْ: إنّ آدم & لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً
ففرض اللّه على ذرّيته ثلاثين
يوماً الجوع والعطش
و الذي يأكلونه بالليل تفضّل من اللّه عزّوجلّ عليهم
وكذلك كان على آدم &
ففرض
اللّه ذلك على اُمّتي
ثم تلا هذه الآية
كُتبَ عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم
تتقون أيّاماً معدودات
.
قال اليهودي: صدقت يا محمّد
فما جزاء من صامها؟
فقال النبيّّ ْ: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إü أوجب اللّه تبارك وتعالى له سبع خصال: أوّلها
يذوب الحرام في جسده
و الثانية يقرب من رحمة اللّه عزّوجلّ
والثالثة يكون قد كفّر خطيئة آدم أبيه

و
الرابعة يهوّن اللّه عليه سكرات الموت
و الخامسة أمان من الجوع و العطش يوم القيامة
و السادسة
يعطيه اللّه براءة من النار
و السابعة يطعمه اللّه من طيّبات الجنة.
قال: صدقت يا محمّد) .
الخامس: في فضل شهر رمضان و أفضليّة صيامه
و الأخبار فيه في غاية الكثرة.
فروى في الكافي
عن عبد اللّه بن عبد اللّه
عن رجل
عن أبي جعفر & قال
قال رسول اللّه ْ: (لما حضر شهر
رمضان
و ذلك في ثلاث بقين من شعبان
قال لبلال: نادِ في الناس
فجمع الناس
ثمّ صعد المنبر
فحمد اللّه
و أثنى عليه
ثمّ قال: أيّها الناس
إنّ هذا الشهر قد خصّكم اللّه به
و حضركم
وهو سيّد الشهور
فيه
ليلة خير من ألف شهر
تغلق فيه أبواب النار
و تفتح فيه أبواب الجنان
فمن أدركه و لم يغفر له فأبعده
اللّه
ومن أدرك والديه ولم يغفر له فأبعده اللّه
و من ذُكرت عنده فلم يصلّ عليّ فلم يغفر اللّه له
فأبعده اللّه) .
وعن أبي الورد
عن أبي جعفر &
قال: (خطب رسول اللّه ْ في آخر جمعة من شعبان
فحمد اللّه و أثنى عليه
ثمّ
قال: أيّها الناس
إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر
و هو شهر رمضان

فرض اللّه صيامه
و جعل
قيام ليلة فيه بتطوّع صلاة كتطوّع صلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور
و جعل لمن تطوّع فيه بخصلة
من خصال الخير و البرّ كأجر من أدّى فريضة من فرائض اللّه عزّوجلّ
ومن أدّى فيه فريضة من فرائض
اللّه
كان كمن أدّى سبعين فريضة من فرائض اللّه فيما سواه من الشهور) الحديث.
وعن مجالس الصدوق
عن العلاء بن يزيد القرشي قال
قال الصادق &: حدّثني أبي
عن أبيه
عن جدّه
عن رسول
الله ْ في حديث
قال: (من صام شهر رمضان
و حفظ فرجه و لسانه
و كفّ أذاه عن الناس
غفر اللّه له ذنوبه ما
تقدّم منها وما تأخّر
و أعتقه من النار
وأحلّه دار القرار
و قبل شفاعته بعدد رمل عالج من مذنبي أهل
التوحيد) إلى غير ذلك مما هو من الكثرة بمكان.
المقصد الثاني
فــي مـهـيّـتـه
وفيه مباحث:
المبحث الأوّل:الصوم في اللغة: مُطلق الإمساك
سواء كان عن الحركة أو الأكل أوالسير أو غير ذلك.
وقد استعمله الشارع في معنى أخصّ من ذلك.
والكلام في صيرورته حقيقة في الشرع فيه أو لا هو الكلام المعروف في الحقيقة الشرعيّة. و الأظهر
ثبوتها فيه.
و أما صيروته حقيقة فيه عند الفقهاء و المتشرّعة فلا كلام فيه.
ولهم في تعريفه عبارات:
فقيل: إنّه الكفّ عن المفطرات مع النيّة .
وقيل: إنّه توطين النفس للّه تعالى على ترك الثمانية ـ الأكل و الشرب إلى آخرها ـ من طلوع الفجر
الثاني إلى غروب الشمس
من المكلّف أو المميّز المسلم الخالي عن السفر و المرض و غيره من الموانع
الّتي عدّها .
وقيل: إنّه إمساك مخصوص يأتي بيانه .
وقيل: إنّه إمساك مخصوص عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص .
والحقّ; أنّ حقيقة الصوم تختلف باختلاف آراء المجتهدين

فعند كلّ مجتهد هو الإمساك الخاصّ في الوقت
الخاصّ على الوجه الذي يبيّنه في كتاب الصوم.
و هم مجمعون على أنّ الإمساك في مجموع النهار عن كلّ ما اتّفق عليه أو اختلف فيه صوم.
و الإشكال فيما يحصل فيه بعض المناقض; كالمسافر الناوي له قبل الزوال إذا عنّ له التوطّن أو دخول
داره بعد الصبح أنّه من قبيل البدل الاضطراري أو أنّ مهيّة الصوم هي ما تشمل مثل ذلك أيضاً.
وكيف كان فتحديد الصوم بتعريفٍ يكون جامعاً ومانعاً في غاية الصعوبة
إü بجعل ما يُذكر في كتاب
الصوم حدّاً للصوم عند كلّ من يكتب كتاباً
و لذلك اكتفى العùمة في المنتهى بأنّه إمساك مخصوص يأتي
بيانه.
فالتوجّه إلى تصحـيح الحـدود و طردها و عكسها لاطائل فيه
و يشـغلنا عنه الأهم.
و التزام بعضهم (اعتبار أمر وجودي كالتوطين في الإمساك
حتّى لم يكتفِ بالكفّ مع أنّه لاينفك عن
التوطين
مع أنّهم جعلوه في الكتب الاُصوليّة من الاُمور الوجوديّة
ومناصاً عن ارتكاب كون مُطلق
الترك متعلّقاً للتكليف بالنهي) لا داعي إليه; لأنّ التحقيق أنّ الأعدام تصير متعلّقة للقدرة
باعتبار الإبقاء
و استمرار الحكم كافٍ
فلا يضرّ الذهول عن الإمساك والغفلة عنه.
المبحث الثاني:
قد عرفت حقيقة النيّة في كتاب الطهارة و غيرها
وأنّها القصد إلى الفعل المعيّن تقرّباً إلى اللّه
و
أنّه لا يعتبر قصد شيء من مشخّصات الفعل و وجهه وصفاته إü ما احتاج تعيّن الفعل إليه في نظر المكلّف
و تميّزه
فلاحاجة إلى إعادة الكلام فيها و في معنى التقرّب و غيره.
و كذلك لافائدة مهمّة في اختلافهم في كون النيّة جزءاً للعبادة أو شرطاً بعد اتفاقهم على توقّف صحّة
العبادة عليها.
و الأظهر كونها شرطاً; لما يظهر من الأخبار
مثل قولهم: (لاعمل إü بالنيّة) و(نيّة المؤمن خير من عمله)
و مثل قولهم {: (افتتاح الصلاة التكبير)
و (تحريمها التكبير) و نحو ذلك مما يدلّ على المغايرة
سيّما
في الصوم; لتقدّمها على طلوع الفجر
سيّما على اعتبار الإخطار.
و أمّا إطلاق الركن عليها بمعنى أنّه يبطل بتركها عمداً و سهواً فلا نمنعه
و هذا ليس بمعنى
الجزئيّة.
ويتفرّع على ما حقّقناه من أمر النيّة: أنّه يكفي في رمضان أن يصوم تقرّباً إلى اللّه
و لاحاجة إلى

تعيين أنّه صوم رمضان
بل ولا إلى وجوبه كما هو المشهور
و يظهر من المنتهى أنّ المخالف فيه إنّما هو
بعض العامّة
وكذلك من التذكرة .
و وجهه: أنّ الفعل متميّز بالفرض
و الذي ثبت من الدليل في أمر النيّة هو قصد الامتثال بالفعل
المتميّز عمّا سواه.
ولكن هذا إنّما يتمّ مع التفطّن و العلم بالشهر ووجوب صومه عليه و عدم قصده لغيره.
و على هذا لابدّ أن ينزّل استدلال الجماعة بأنّه لايقع في رمضان غير صوم رمضان
و إü فيمكن المناقشة
بأنّ ذلك لايستلزم الصحّة مطلقاً
كما لو قصد صوم غير رمضان عمداً
أو قصد صوم رمضان آخر
فإنّ الظاهر
أنّه باطل
و إن اشتمل على نيّة الصوم قربة إلى اللّه; لأنّه قصد غير المأمور به
و هذا ليس محض تصوّر
الغير حتّى يقال: إنّه لاينافي تصديقه بأنّه هو نفس المأمور به.
والحاصل أنّ القصد إلى نفس المأمور به ممّا لابدّ منه في الامتثال.
ومن ذلك يظهر الكلام في النذر المعيّن
و المشهور فيه وجوب التعيين
خلافاً للسيّد و جماعة .
فالتحقيق: أنّه مع التفطّن والاستحضار لايحتاج إلى التعيين
و بدونه يحتاج كما ذكرنا.
وتمسّك الأوّلين في الفرق بينه و بين رمضان (بأنّ رمضان لايقع فيه غيره فلايحتاج
بخلافه) ضعيف;
لأنّه مع أنّه لا يتمّ لما مرّ
لايصلح فارقاً; لأنّ المفروض عدم وقوع الغير أيضاً في النذر المعيّن.
و الفرق بالأصالة و العرضيّة غير مجدٍ
مع إمكان المناقشة في الأصالة بالنسبة إلى رمضان أيضاً; إذ
المتعيّن فيه إنّما هو للحاضر الصحيح الجامع للشرائط
لامطلقاً
قال اللّه تعالى:
فمن شهد منكم
الشهر فليصمه
.
ومن ذلك يظهر الكلام فيما لو نذر تعيين النذر المطلق أيضاً
و أنّه لا يجدي في إسقاط قصد التعيين ـ مع
عدم التميز إü به ـ تعيّنه في نفس الأمر
و لايضرّ في عدم الاحتياج إلى التعيين مع التفطّن له كون
غيره من الأزمنة صالحاً لوقوعه فيه

وأنّه إنّما أفاد فوريّته خاصّة
و أنّ وجوبه باقٍ بعده و إن لم
يأتِ به
وكذلك الكلام لو تضيّق القضاء بتضيّق شهر رمضان و نحو ذلك.
وأمّا النذر المطلق و الكفّارات و القضاء وصوم النفل فلا بدّ فيها من نيّة التعيين; لما مرّ من لزوم
تعيين المأموربه في تحقّق الامتثال عرفاً.
فما يتردّد بين اُمور لايتميّز إü بالقصد
فلابدّ من تمييزه به
و الظاهر أنّه إجماعيّ
قال في
المنتهى: و هو قول علمائنا و كافّة الجمهور إü النافلة
ومثله في التذكرة
و قال في المعتبر: و على
ذلك فتوى الأصحاب .
نعم قال الشهيد في البيان: و كذا تكفي القربة في الندب إذا تعيّن كأيّام البيض .
بل و نقل عنه في الروضة إلحاق مطلق المندوب لتعيّنه شرعاً في جميع الأيّام إü ما استثني
وحسّنه .
أقول: والوجه في الكلّ يظهر مما مرّ.
و التحقيق: ما ذكرنا من أنّ المعيار لزوم القصد إلى الفعل المتعيّن المتميّز تقرّباً إلى اللّه
و
يكفي فيه الداعي
و لاحاجة إلى الإخطار كما مرّ مراراً
فإن تميّز في نظر المكلّف فلاحاجة إلى قصد
تعيينه
و إن لم يكن متميّزاً أو كان متردّداً بين اُمور فيلزم القصد إلى المعيّن.
والحقّ أنّ نيّة التعيين لا تكفي عن التقرّب; تمسّكاً بعدم الانفكاك عنه كما نقل عن المبسوط;
لتغايرهما بالذات كما لايخفى.
المبحث الثالث:
وقت النيّة على التحقيق هو حال الدخول في الفجر
بمعنى وجوب استصحابه للداعي على الإمساك المخصوص في
الوقت المخصوص للّه تعالى في وقت دخول الفجر.
وأمّا على ما ذهب إليه المتأخّرون من اعتبار الإخطار بالبال
فيلزمهم تحرّي الوقت المقارن لدخول
الفجر بحسب المقدور; لتحقيق النيّة المقارنة. و هو قريب من المحال
و لاريب في تعسّره جدّاً لو لم
يتعذّر.
و لكنّهم ذكروا هنا أنّه لابدّ من حضورها عند أوّل جزء من الصوم
أو تبييتها بمعنى إيقاعها في جزء من
الليل مع استمرار حكمها.
والاكتفاء بمطلق التبييت إنّما يناسب القول بكفاية الداعي
لاوجوب الإخطار
مع أنّ حصول الداعي

لابدّ من مقارنته
و هو نفس استمرار الحكم
فلا معنى لجعل النيّة شيئاً; و استمرارها شيئاً آخر.
وعلى القول باعتبار الإخطار في النيّة فالاستمرار الحكميّ إنّما ينوب عن النيّة في أثناء العبادة
كالصلاة; لامتناع الإخطار دائماً
فلا وجه لنيابته في مثل ما نحن فيه.
فجمع الأصحاب بين القول بالإخطار و الاكتفاء بمطلق التبييت مع استمرار الحكم مُشكل
إü أن يجعل ذلك
أصلاً آخر وتخصّص به قاعدتهم لأجل العُسر
بل و تكليف ما لايطاق; و لمثل قوله &: (لاصيام لمن لم يُبيّت
الصيام من الليل) ونحوه .
ثمّ إنّ اعتبار الاستمرار على حكم النيّة على قول المتأخّرين إلى الفجر و حصول الداعي عند الدخول في
الفجر على ما حقّقنا لايبطل بالنوم و الغفلة.
فلو نام بعد حصول ذلك و لم ينتبه حتّى طلعت الشمس
فالظاهر كفاية ذلك في النيّة الإخطاريّة; إذ
المراد بالداعي و استمرار الحكم هو عدم نيّة الخلاف
و هو متحقّق هنا.
وكذلك لو نسي بعد النيّة كونها ليلة الصيام أو شهر رمضان
واعتقد أنّه غيره حتّى أصبح
أما لو عدل عن
النيّة عمداً حتى أصبح فصومه باطل
و سيجيء التفصيل.
وعن ظاهر ابن أبي عقيل: تحتّم التبييت
بمعنى أن يعيّن لها وقتاً يعلم أنّه لايفاجئه الفجر
و لعلّه
لأنّ العلم بالفجر لايحصل إü بعد الطلوع
فتتعذّر المقارنة
فلابدّ من ترك اعتبارها.
وكيف كان
فلو لم تحصل النيّة حتّى دخل الفجر عمداً فلا يصحّ الصوم; للزوم إخلاء جزء من الصوم من
النيّة
و لقوله &: (من لم يُبيّت نيّة الصيام من الليل فلاصيام له) .
و يجب عليه القضاء.
و في وجوب الكفارة قولان
و لعلّ الأقوى العدم; للأصل.
وهناك قولان آخران
أحدهما: جواز النيّة بعد الزوال فرضاً كان أو نفلاً
لابن الجنيد .
وثانيهما: أنّ وقتها قبل الفجر إلى قبل زوال الشمس
للسيد رحمه اللّه .
وكلاهما ضعيفان.
ولاتبطل النيّة بفعل ما ينافي الصوم قبل الفجر; للأصل

و الإطلاقات.
وتردّد الشهيد في البيان في الجماع و ما يبطل الغسل; نظراً إلى أنّه يصير غير قابل للصوم فيزول حكم
النيّة
ضعيف
فلا تجب إعادة النيّة
كما لا تجب لو حصل المنافي في النهار أيضاً. هذا الكلام في حالة
الاختيار و في الصوم المعيّن الواجب كرمضان و النذر المعيّن.
وأمّا في حال الاضطرار
كالجاهل بكونه اليوم الذي يجب فيه الصوم و الناسي له
فالمشهور المدّعى عليه
الإجماع من الفاضلين في المعتبر و المنتهى والتذكرة امتداد وقتها إلى الزوال ; لما روي أنّ ليلة
الشك أصبح الناس فجاء أعرابيّ إلى النبيّّ ْ فشهد برؤية الهلال
فأمر النبيّّ ْ منادياً ينادي: من لم
يأكل فليصم
و من أكل فليمسك . و لفحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما
قبل الزوال.
ومخالفة ابن أبي عقيل في ذلك حيث عمّ البطلان بالنسبة إلى الناسي .
و لعلّه نظر إلى عموم الشرطيّة
والرواية لايلتفت غيره إليها; لشذوذها.
و اعلم أنّه تجب المبادرة بعد الذكر والعلم بحيث لايخلو جزء من الصوم عنها و إü لبطل.
وأمّا غير الصوم المعيّن الواجب
كالنذر المطلق
وقضاء شهر رمضان والنافلة
فأمّا الواجب فالمشهور
المقطوع به في كلماتهم أنّه يستمرّ وقتها إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي; للأخبار الكثيرة الصحيحة
و غيرها الدالّة بالإطلاق على الكلّ
و بالخصوص في قضاء شهر رمضان وفي النذر المطلق أيضاً.
وقول ابن الجنيد بجواز تجديدها بعد الزوال ضعيف
فإنّ دلّ عليه إطلاق صحيحة محمّد بن قيس
عن أبي
جعفر & قال
قال عليّ &: (إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً ثمّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب
شراباً و لم يفطر
فهو بالخيار إن شاء صام
و إن شاء أفطر) .
و الظاهر أنّ المراد من قوله & (إذا لم يفرض) إلى آخره هو النذر المعيّن.
وصحيحة هشام بن سالم
عن أبي عبد اللّه & قال
قلت له: الرجل يصبح ولاينوي الصوم
فإذا تعالى النهار
حدث له رأي في الصوم
فقال: (إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه

و إن نواه بعد الزوال حسب
له من الوقت الذي نوى فيه) .
وصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج
قال: سألت أبا الحسن موسى & عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينوِ
صوماً و كان عليه يوم من شهر رمضان
أ له أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ قال: (نعم
له أن
يصومه و يعتدّ به من شهر رمضان) .
ومرسلة البزنطي
عمّن ذكره
عن أبي عبد اللّه & قال
قلت له: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان و
يصبح فلا يأكل إلى العصر
أيجوز له أن يجعله قضاءًا من شهر رمضان؟ قال: (نعم) .
فإنّ صحيحة محمّد بن قيس محمولة على ما قبل الزوال
كما تدلّ عليه موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه &
قال
قلت له: الرجل تكون عليه أيّام من شهر رمضان و يُريد أن يقضيها
متى ينوي الصيام؟ قال: (هو
بالخيار إلى زوال الشمس
فإذا زالت الشمس فإن كان قد نوى الصوم فليصم
و إن كان نوى الإفطار فليفطر)
فسئل: فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: (لا) سئل: فإن نوى ثمّ أفطر
بعد ما زالت الشمس؟ قال: (قد أساء وليس عليه شيء إü قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه) . فإنّ هذه
الموثّقة مع اشتهار العمل بها
بل ظاهر السيّد الإجماع
و كونها أوفق بالأصل و العمومات
أقوى من
إطلاق الصحيحة.
وأمّا صحيحة هشام فهي ظاهرة في المندوب.
وأمّا صحيحة عبد الرحمن فمحمولة على ما قبل الزوال
فإنّه بملاحظة طلوع الفجر قد يكون أكثر اليوم.
و أمّا المرسلة فهي لاتقاوم الموثّقة المعمول بها المعتضدة بما مرّ.
وأمّا الصوم المندوب فلا إشكال في تجديد نيّته قبل الزوال
كما هو المشهور المدلول عليه بالأخبار
المتقدّمة و غيرها.
و أمّا بعد الزوال فعن الشيخ في المبسوط وأكثر القدماء امتداد وقتها إلى الغروب
و ادّعى عليه
المرتضي وابن زهرة و ابن إدريس الإجماع.
وقال الشيخ رحمه اللّه: و تحقيق ذلك أن يبقى بعد النيّة من الزمان ما يمكن صومه
لا بأن تنتهي النيّة
مع انتهاء النهار .

و يدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم من الأخبار موثّقة أبي بصير
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن الصائم
المتطوّع تعرض له الحاجة
قال: (هو بالخيار ما بينه و بين العصر
و إن مكث حتّى العصر ثمّ بدا له أن
يصوم و لم يكن نوى ذلك فله إن يصوم ذلك اليوم إن شاء) .
وذهب جماعة إلى خلافه
منهم الشيخ في الخلاف; تمسّكاً بأنّه لم يعرف فيه نصّـاً
و هو ضعيف; لوجود
النصوص كما عرفت و الإجماعات المنقولة.
وقدح العùمة في المختلف في رواية أبي بصير بالضعف
ولاوجه له; لأنّه ليس فيها من يتأمّل فيه إü
الحسين بن عثمان وسماعة و أبا بصير
و الظاهر أنّ كلّهم ثقات.
وكذلك القدح في دلالتها بأنّ المفروض أنّه في الصائم لا مَن لم ينوِ الصوم; لعموم اللفظ
و صريح قوله
& (ولم يكن نوى).
ويظهر من المحقّق في النافع و الشهيد الثاني في المسالك أنّ في الروايات ما يدلّ على أنّ النافلة
كالفريضة لايتعدّى وقت نيّتها عن الزوال.
و لم نقف على شيء من ذلك إü رواية عمّار المتقدّمة
وصحيحة هشام بن سالم إن قلنا إنّ معناها أنّه ليس
بصوم
بل إنّما يؤجر على إمساك ما أمسكه من بعد الزوال
ولكن عبد اللّه بن سنان روى في الصحيح عنه & في
جملة حديث: (إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم
فإنّه يحسب له من الساعة الّتي نوى فيها) و
هو منافٍ لما ذكر
فلابدّ أن يقال: المراد أنّ الصوم صوم صحيح ولكن ثوابه أقلّ.
ويظهر من ذلك إشكال فيما ذكره في المدارك
حيث قال: لو جدّد النيّة في أثناء النهار فهل يحكم له
بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النيّة أو من ابتداء النهار
أو يفرق بين ما إذا وقعت النيّة بعد
الزوال أو قبله؟ أوجه
أجودها الأخير; لقوله & في صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة (إن هو نوى) الحديث.
أقول: و التحقيق أن يقال: إنّ مقتضى الأدلّة في الواجب و المندوب أنّه يحكم بكونه صوماً صحيحاً
تامّاً كلّما رخّص فيه بتجديد النيّة
فيتفرّع عليه برّ يمين من أوجب على نفسه صدقة على من صام يوماً
مثلاً.
ولكن الإشكال في حصول الثواب بمقدار الصوم التامّ
و مقتضى العدل و الاعتبار التفاوت مطلقاً كما
دلّت عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان
فتحمل صحيحة هشام على أنّ المراد حسبان شطري اليوم له في الجملة

و إن لم يحسب له يوماً تامّاً فيمن نوى قبل الزوال دون من نوى بعده
أو تخرج صحيحة عبد اللّه بن سنان
إلى نوع من الإطلاق لتشمل ما بعد الزوال
فتكون المزيّة الواردة في صحيحة هشام من باب التفضّل.
تذنيبان:
الأوّل: قال الشيخ في الخلاف: و أجاز أصحابنا في نيّة القربة في شهر رمضان خاصة أن تتقدّم على الشهر
بيوم و أيّام
و كذلك اختار جواز التقديم في النهاية و المبسوط .
وقال في المبسوط: إنّ ذلك إذا لحقه سهو أونوم أو إغماء عند دخول الشهر و منعه عن تجديد النيّة
و إن
كان ذاكراً فلابدّ من تجديدها. والظاهر أنّ مراده في الخلاف أيضاً ذلك.
ومنع المتأخّرون كفاية التقديم
و ادّعى في المختلف الإجماع على البطلان إذا لم يجدِّد مع التذكر
و كذلك يظهر الإجماع من الشهيد في البيان .
أقول: ولم نقف في تفصيل الشيخ و تحديده باليوم و الأيّام على مستند
إü أن يكون هناك إجماع اطّلع عليه
كما يظهر من لفظه
و هو مشكل.
و يمكن توجيهه: بأن يكون المراد من السهو
السهو عن إخطار النيّة
فإنّه لا ينافي استمرار الحكم الذي
اعتبروه في صورة التبييت
و كذلك النوم و الإغماء لاينافيان الداعي و استمرار الحكم; لأنّ المنافي
إنّما هو نيّة الخلاف كما أشرنا إليه سابقاً.
ولاينافي ذلك قوله &: (لاصيام لمن لم يبيت بالصيام) ; لأنّه حصر إضافيّ بالنسبة إلى النهار
فلا يجوز
تركها عمداً حتّى يدخل النهار
لا أنّه لايجوز الاكتفاء بالداعي والاستمرار السابق على دخول الشهر
مع عدم حصول نيّة الخلاف.
نعم إذا حصل السهو عن الشهر و الصيام
مثل أن يعتقد أنّ الشهر الآتي شهر شعبان مثلاً
أو قصد الأكل و
الضيافة في أوّل الشهر مثلاً سهواً
و يبقى على هذه الحالة حتّى يذهب شيء من النهار
فيرد على الشيخ
أنّه لا دليل على كفاية ذلك; لعدم بقاء استمرار الحكم حين الدخول في الشهر
و سيجيء الكلام فيما لو
حصل ذلك بعد تبييت النيّة.
وأما قوله بلزوم التجديد لو كان ذاكراً فيبقى غير ظاهر الوجه إü مع اشتراط الإخطار بالبال
و لادليل
على أصله
فضلاً عن هذا المورد الخاصّ.

ولعلّ دعوى الإجماع من العلامة أيضاً لم تكن مبنيّة على خصوصيّة اُخرى غير لزوم الإخطار
بل ادّعاه
في اعتقاده أنّ النيّة إنّما هي الإخطار
و لما كان خلاف الشيخ إنّما هو في صورة السهو
فتبقى صورة
الذُكر تحت قاعدة النيّة متفقاً عليها عند القائلين بالإخطار.
و على ما حقّقناه من كفاية الداعي
فيكفيه الداعي عند التذكّر
و لايحتاج إلى التجديد; إذ هو عين
النيّة.
الثاني: المشهور بين الأصحاب سيّما المتقدّمين تجويز أن ينوي من أوّل شهر رمضان صومه أجمع
و
لايحتاج إلى تجديدها في كلّ ليلة
و ادّعى عليه الإجماع الشيخ بل الشيخان كما يظهر من المختلف
و
السيّد في الانتصار و المسائل الرسيّة
و نقل عن ابن زهرة أيضاً . و أسنده في المنتهى إلى أصحابنا
و
كذلك في التذكرة .
وذهب العùمة في المختلف و التذكرة إلى وجوبها في كلّ ليلة
و كذلك الشهيد في الدروس والبيان .
و يظهر من النافع اختيار الأوّل .
و أمّا في سائر كتب المحقّق و بعض كتب العùمة كالتحرير و المنتهى
فيظهر منهما نوع تردد و ميل إلى
الجواز مع أولويّة تجديدها كلّ يوم
كالشهيد في اللمعة
وصريح ابن إدريس أيضاً الجواز
مع أفضليّة
الثاني.
واحتجّ الأولون: بأنّه عبادة واحدة
فيكفي فيه نيّة واحدة
فتؤثر فيه النيّة الواحدة كما أثّرت في
اليوم الواحد إذا وقعت في ابتدائه.
والآخرون: بأنّها عبادات منفصلة
و لهذا لايبطل البعض بفساد الآخر.
أقول: والأظهر ما اختاره الأكثر; للإجماعات المنقولة
فإنّ مثل هذه الإجماعات مع العمل المعروف
سيّما من القدماء يكفي في إثبات الحكم الشرعي.
ويكفي في النيّة استمرار حكمها كما يكفي ذلك في نيّة الليلة بالنسبة إلى تمام اليوم.
و ذكر تأثير النيّة في الشهر تشبيهاً باليوم ليس من باب القياس
بل هو تنظير لبيان عدم منافاة الغفلة
عن نيّة كلّ يوم لحكم النيّة السابقة

و أنّ استمرار حكم نيّة أوّل الشهر ينوب عن نيّة كلّ ليلة
و
استمرار حكمها لذلك اليوم
فالمهم حينئذٍ بيان ما ينافي استمرار حكم النيّة و ما لاينافي.
والظاهر أنّه لايتفاوت الحال بينه و بين نيّة الليلة
و سيجيء الكلام فيه.
فالإجماع مخصص لأدلّة وجوب تبييت النيّة
أو مبيّن لأنّ المراد من النيّة أعمّ من نفس النيّة و
استمرار حكمها الحاصل منها في الليلة
أو ما قبلها.
وأما الاستدلال بأنّها عبادة واحدة فهو مشكل; لأنّ الظاهر أنّها عبادات متعدّدة; لعدم بطلان بعضها
ببطلان الآخر
بخلاف الصلاة الواحدة و صوم اليوم الواحد.
و قد أورد الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ أيضاً عليه بأنّ من شأن العبادة الواحدة عدم جواز تفريق
النيّة على أجزائها
و هؤلاء يقولون بجواز الاكتفاء بالنيّة لكلّ يوم
بل يقولون بأفضليته وأولويته
و كونه أحوط
ومن فرّق بين العبادات
و جعل بعضها مما يقبل التعدّد و الاتّحاد كالوضوء و الغسل
بالنسبة إلى الأعضاء
حيث جوّز بعضهم تفريق نيّة رفع الحدث على الأعضاء
دون مثل الصلاة و صوم اليوم
الواحد
فإنّه و إن كان يتمّ فيه تفريق النيّة
و لكن لاتتمّ الأولويّة والأحوطيّة; لأنّه إنّما تتمّ
إذا جمع بين نيّة الكلّ و التفريق
فالاحتياط فيما نحن فيه هو الجمع لا الاكتفاء بنيّة كلّ واحد
وكذلك الكلام في غسل الأموات.
أقول: الظاهر أنّ مراده من تفريق النيّة على أجزائها الاكتفاء بنيّة الأجزاء عن نيّة المجموع.
فإن أراد من النيّة هو القصد إلى الفعل الخاصّ للّه تعالى
فلا دليل على عدم جواز تفريقها و تكريرها
و بسطها في الأجزاء و الاكتفاء بها
بل هو مطلوب يقيناً
إü أنّه يكتفي فيما لو نوى أوّلاً للكلّ
باستمرار الحكم
ولافرق في ذلك بين مثل الصلاة
و مثل الوضوء و غيرهما
فالاكتفاء بالنيّة لكلّ واحد
واحد من أجزاء الصلاة تقرّباً إلى اللّه لا دليل على عدم جوازه
وكذلك الكلام في غسل كلّ من الأعضاء
في الوضوء و الغسل و قصد الوقوف في عرفات و المشعر و نحو ذلك.

وإن أراد من النيّة هي ملاحظة الغاية أيضاً من مثل رفع الحدث و استباحة الصلاة و أمثال ذلك
فلاريب
أنّ القصد إلى كلّ جزء من الأجزاء باعتقاد أنّ له مدخليّة في تلك الغاية أيضاً مما لاغائلة فيه.
نعم لم يقل أحد بوجوبه.
وأما قصد رفع الحدث و الاستباحة رأساً لذلك الجزء فهو مما لامسرح له; لأنّ الشارع إنّما وضع المجموع
لرفع مجموع الحدث و الاستباحة
و لايستقلّ البعض في الجميع ولا في البعض المعيّن ـ أعني: الحدث
المتعلّق بذلك العضو مثلاً ـ فقصد ذلك خلاف موضوع الشارع
فلاوجه للتفريق بهذا المعنى أصلاً
و
لاتخفى سخافة قول من ذهب إليه
و الظاهر أنّ مراد القائل أيضاً هو في الجملة
و هو ما أشرنا إليه.
وبالجملة نيّة العبادة إمّا تلاحظ بالنسبة إلى أصل العبادة
أو إلى أجزائها من حيث إنّها أجزاؤها
ولاريب أنّ أصل العبادة لابدّ فيه من النيّة
و كون الباعث عليها هو القصد إليها مميّزاً عن غيرها من
العبادات و العادات تقرّباً إلى اللّه تعالى.
فالإشكال إنّما هو في أنّه هل تجب النيّة أوّلاً للمجموع ثم يكفي في الأجزاء استمرار النيّة
الحكميّة
بمعنى عدم قصد المنافي
أو يجوز أن ينوي في كلّ واحد واحد ذلك الواحد بالخصوص ثمّ يكتفي
بمجموع النيّات عن نيّة المجموع؟ و قد عرفت أنّه لا دليل على تعيّن الأوّل.
وأمّا العبادات المتغايرة المتمايزة بهيئاتها و تراكيبها فلاريب في لزوم النيّة في كلٍّ منها
فارتباط الاُمور التي من قبيل العبادات بعضها ببعض يتصوّر على وجوه
و يختلف إطلاق الاتّحاد
والتعدّد عليها و حكمهما بحسب اختلاف الموارد.
فقد يكون من باب ارتباط الجزء بالكلّ كالركوع بالنسبة إلى الصلاة
و الوقوف بالنسبة
إلى الحج.
و قد يكون من باب ارتباط الشرط والمشروط
كالوضوء مع الصلاة
و الحج مع العمرة
و صلاة الميت مع غسله.
و قد يكون من باب ارتباط جزئيات الماهيّة بعضها مع بعض
و الغالب في ذلك في الأفراد المجتمعة تحت صنف
كالصلوات الخمس
و صوم أيّام شهر رمضان
ولاحكم لارتباط أجزاء هذا القسم في التصحيح و التركيب.
فالقاعدة تقتضي في القسمين الأخيرين استقلال كلّّ منها بالنيّة.
وأما مثل غسل الأموات فيحتمل كون الأغسال الثلاثة فيه من باب أعضاء الغسل
و يحتمل أن يكون من باب

الشرط و المشروط
فتأثير كلٍّ منها موقوف على وجود الآخر و إن استقلّ كلٍّ برأسه.
فحينئذٍ نقول: صوم أيّام رمضان إن كان عند هؤلاء من باب تركّب الأجزاء
بأن يقال: وضَعَ الشارع عبادة
مركّبة
و هو وجوب إمساك الأيّام و إفطار الليالي في هذا الشهر بأجمعه
فالمجموع المركب مثل الصلاة
فلاريب أنّ النيّة الّتي جعلوها لكلّ يوم أفضل و أولى إنّما هو مثل نيّة كلّ واحد من أجزاء الصلاة
و
مثل وقوف عرفات
فينوي أنّه يمسك هذا اليوم قربة إلى اللّه
و هكذا سائر الأيّام.
ولادليل على منافاة جواز ذلك للوحدة
وليس هذا معنى تفريق النيّة التي لايجوز جزماً
وكذلك إن كان من
باب الشرط و لم يقل به أحد.
وأما الوجه الثالث فلم يقل أحد بأنّ الاتحاد بهذا المعنى يوجب عدم صحّة تفريق النيّة و تعديدها.
نعم لو قيل لايجوز في كلّّ من الأيّام نيّة صوم جميع رمضان فله وجه
ولكنه خلاف الفرض.
و حينئذٍ فلو فرضنا كون صوم رمضان من باب الصلاة عند هؤلاء فلا مانع من جواز تعديد النيّة بهذا
المعنى بلا إشكال.
وأمّا حديث الأولويّة و الأفضليّة
فأمّا عند القدماء فيحتمل أن يكون مرادهم أفضليّة النيّة في كلّ
يوم بعد الإتيان بالنيّة الواحدة للمجموع كما هو ظاهر المقنعة
و لاينافي قولهم في هذا المقام: يجوز
الاكتفاء بنيّة واحدة
أو تكفي نيّة واحدة
فإنّ معناه أنّه لايجب تجديد النيّة بعده و إن كان أفضل
لا أنّه يجوز الاكتفاء و يجوز تركه و الاكتفاء بنيّة كلّ فرد فرد
والثاني أفضل.
ويمكن أن يكون مبنى كلامهم على منع لزوم نيّة واحدة في الأوّل للعبادة الواحدة مطلقاً
بل يقولون:
مقتضى العبادة الواحدة جواز النيّة الواحدة لها و إمكانها بالإمكان العام المشتمل على الوجوب و
الإمكان الخاص.
ففي مثل الصلاة يجب استقلالها بالنيّة في أوّلها بالنسبة إلى مجموع المركب
وفي مثل الحج و الغسل
والوضوء يجوز الاكتفاء بنيّة جزء ثمّ جزء إلى أن يتمّ
فمجموع النيّات فيه هي نيّة المجموع.
فيجعلون صوم شهر رمضان من قبيل الحج و أمثاله
فلامانع من جواز الاكتفاء بنيّة واحدة في الأوّل
للمجموع
كما أنّه يجوز الاكتفاء بنيّة كلّ واحد واحد إلى آخر الشهر

فيكون مجموع النيّات نيّة
المجموع.
ومع هذا فيكون ذلك أفضل من النيّة الواحدة لدليل آخر
وقد لاتكون هناك أفضليّة كالوضوء والغسل.
هذا للمستدلّين في الاكتفاء بأنّها عبادة واحدة
و أمّا لو بنى الأمر على الإجماع فلا إشكال; إذ
لامانع من ثبوت الإجماع على جواز الكفاية و جواز التجديد مع أفضليّة التكرير و التجديد
بل الإجماع
عليه كما يظهر من المنتهى
حيث قال بعد الإشكال في المسألة
و اختيار أولويّة التعدّد: إن قلنا
بالاكتفاء بالواحدة فإنّ الأولى تجديدها بلا خلاف فتأمّل .
وأمّا المتأخّرون المستشكلون
سيّما الجماعة الذين وقع الخلاف في المسألة قبل زمانهم
فمرادهم أنّ
ذلك أقرب
فيكون من باب
واُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
كما هو ظاهر اللمعة .
ويحتمل أن يكونوا متوقّفين في المسألة و يرون التخيير
لكن يجعلون التعديد أرجح و أفضل.
أو مرادهم أنّ مقتضى فتوى القدماء جواز الوحدة لاتعيّنها
و مقتضى قول من خالفهم في وجوب التعدّد
عدم جواز الاكتفاء
فالأحوط الأخذ بمجمع القولين وبناء العمل عليه و هو التجديد.
تنبيهات:
الأوّل: إن قلنا بعدم جواز النيّة الواحدة
فلو فعل كذلك فيكفي عن اليوم الأوّل; لتضمّنها ذلك كما
صرّح به في المسالك .
الثاني: قال في المنتهى: لو نذر شهراً معيّناً أو أيّاماً معيّنة متتابعة لم يكتفِ فيها بالنيّة
الواحدة
أما عندنا فلعدم النصّ
و أماعندهم فللفرق بين صوم لايقع فيه غيره و بين صوم يجوز أن يقع فيه
سواه .
أقول: ولعلّ مراده من النصّ الإجماع
و لو كان المعيار في الجواز ثمّة كونها عبادة واحدة لقوي القول
بالجواز هنا; لأنّ الظاهر هنا أيضاً الوحدة
و لو كان المعيار هو الإجماع فلا يتعدّى; لعدمه
بل
الظاهر أنّ عدمه إجماعيّ كما يظهر من الدروس .
الثالث: الأظهر إلحاق ما لو فاته بعض الشهر في جواز الاكتفاء بنيّة واحدة للباقي
بل قيل بأولويته

و
قيل بعدم الاكتفاء; لأنّ شهر رمضان إما عبادة واحدة أو ثلاثون عبادة
فلا وجه لإخراجه إلى ثالث.
وردّ: بأنّ العبادة الواحدة لاتسقط بفوات بعضها لعذر
و هو كذلك.
الرابع: لاينعقد صوم في شهر رمضان غير ما فرض اللّه فيه
لافرض و لاندب; لعدم التوظيف
فيكون بدعة
أمّا في الحضر فواضح.
و أمّا في السفر فلعين ما ذكر أيضاً
و منع انصراف عمومات النافلة إليه
وكذلك ما دلّّ على جواز
المنذور لو قيّد النذر بالسفر و الحضر
سيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة بوجوب الإفطار في السفر ; و
حملها على الإفطار عن الصوم المعهود بعيد
و كذلك الأخبار الكثيرة الدالّة على المنع عن الصوم في
السفر وخصوصاً على القول بعدم جواز النافلة مطلقاً في السفر كما هو الأشهر الأظهر
و سيجيء
و سيّما
بعد ملاحظة مرسلتي إسماعيل بن سهل و الحسن بن بسام الجمال .
و قول الشيخ في المبسوط بجواز النافلة فيه في السفر بناءاً على جواز مطلقها في السفر ضعيف
و سيجيء
تمام الكلام.
وهل يقع عن رمضان ما نواه عن غيره في الحضر؟
الأقرب التفصيل بالعمد و غيره
والبطلان في صورة العمد دون الجهل و النسيان
وفاقاً لجماعة من
المتأخّرين
منهم ابن إدريس والعùمة في المختلف
و مقتضى إطلاق كلام الشيخ في المبسوط و السيد وابن
زهرة وابن حمزة والمحقّق في الشرائع وقوعه عنه
و صرّح في المعتبر بوقوعه عنه و لو كان عمداً
و
توقّف في المنتهي و القواعد و أطلق نفي الإجزاء في الإرشاد
وحمله الشهيد في الشرح على العمد .
لنا على البطلان في صورة العمد: أنّّه لاعمل إü بنيّة
و هو لم ينوِ صوم رمضان; للمنافاة بين قصده و
قصد غيره
و لأنّّ قصد الغير حرام فمفسد.
وأمّا في صورة الجهل و النسيان; فظاهرهم الاتّفاق على وقوعه كما صرّح به في المدارك
و قال في
المسالك: لاقائل بفساد الصوم مطلقاً

فكان التفصيل أوجه .
و يدلّ عليه: ما ورد في صوم يوم الشكّ ـ و سيجيء الكلام ـ وظاهرهم عدم الفرق; مع إشعار بعض الأخبار
الواردة فيه بما يفيد الاطراد
و يؤيّده ما ورد في رفع الخطأ والجهل و النسيان ومعذوريّتها.
وإنّما جعلناه مؤيّداً مع أنّ بعضهم استدلّ به لأنّ غايته سقوط الإثم
و هو لايستلزم الصحّة
فالاعتماد على الإجماع وإشارات الأخبار
و إü فيرد عليه حديث عدم النيّة الواقعيّة.
وقال المفيد في المقنعة: ثبت عن الصادقين } أنّه لو أنّ رجلاً تطوّع شهراً و هو لا يعلم أنّه شهر
رمضان ثمّ تبيّن له بعد صيامه أنّه كان شهر رمضان
لأجزأه ذلك عن فرض الصيام .
أقول: و ستجيء رواية الزهري أيضاً
و فيها إشارة إليه.
احتجّوا: بأنّ نيّة رمضان يكفي فيها قصد الصوم قربة إلى اللّه كما مرّ
وهو حاصل فيما نحن فيه
وما
زاد لغو.
وفيه: أنّ المقيّد لاينوب عن المطلق
و كفاية المطلق إنّما هي لانصرافه إليه و القيد مانع عنه
فما
نواه لم يقع
و ما وقع لم ينوِ.
ويمكن أن يوجّه كلامهم: بأنّ مرادهم أنّ العالم العامد مع علمه بأنّه لا يقع غيره عنه فقد لغى في
القصد إلى التعيين
فكأنّه لم ينوِ غيره; إذ النيّة تصديق لفعل المنوي لاتصوّره
والمفروض فيما نحن
فيه هو تصوّر الغير; لعدم إمكان التصديق به.
و يدفعه: أنّ ذلك لاينفع في تصحيح نيّة رمضان; إذ انتفاء الغير لايوجب حصولها
فيكون خالياً عن نيّة
رمضان
فالمفيد فيها إنّما هو قصده بعينه.
بل التحقيق أنّ كفاية الإطلاق إنّما هي لأجل عدم اعتبار الإخطار في النيّة
و إü فلابدّ من أن يكون
الداعي إليه هو قصد صوم رمضان
و إنّما خرجت صورة الجهل و النسيان بالدليل
و إü لقلنا فيها بالبطلان
أيضاً; لعدم النيّة المعتبرة.
الخامس: يستحب صوم يوم الشك
و هو الثلاثون من شعبان إذا تحدّث الناس بالرؤية و لم يشهد بها أحد
أو
شهد من لايثبت بقوله
أو دلّ عليه اعتبار رصديّ مع الصحو والاجتهاد

بل و مطلق الثلاثين على المشهور
الأقوى; للإجماعات المنقولة عن الخلاف والانتصار والناصريّة و الغنية
و هو ظاهر الروضة .
وعن المفيد في العزية: يكره صوم يوم الشك إذا لم يكن هناك عارض
و تيقّن أوّل الشهر
و كان الجو سليماً
عن العوارض
و تُفقّد الهلال و لم يرَ مع اجتهادهم في الطلب
و لا يكون هناك شكّ; يكره صومه حينئذٍ
إü
لمن كان صائماً قبله شعبان أو أيّاماً تقدّمته من شعبان
بذلك جاءت الآثار عن آل محمّد صلوات اللّه
عليهم .
وقال ابن الجنيد: لا أستحب الابتداء بصيام يوم الشكّ إü إذا كان في السماء علّة تمنع من الرؤية
استظهاراً .
و لهما شواهد من الأخبار .
ولكن الأقوى المشهور; للأخبار المستفيضة المعتبرة المعتضدة بالعمل و الإجماعات.
وكيف كان; فإذا نوى يوم الشكّ ندباً أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنّه منه بإجماعنا
بل إجماع المسلمين
كما يظهر من الفاضلين
و الأخبار المعتبرة به مستفيضة لاحاجة إلى ذكرها
و سيجيء بعضها.
وألحق جماعة بذلك كلّ واجب معيّن فُعل بنيّة الندب مع عدم العلم
مثل ما لو نذر صوم أوّل يوم من رجب و
اشتبه عليه
أو نسي و نواه ندباً
و لايخلو من إشكال; لعدم الاكتفاء بنيّة القربة مطلقاً كما مرّ
ولعدم ثبوت الأولويّة.
نعم يمكن أن يقال: إنّ القضاء إنّما هو بفرض جديد
و لم يثبت
فيسقط التكليف بذلك.
و هل يتأدّى رمضان بواجب آخر حينئذٍ أم لا؟ الأظهر نعم
بل يظهر من الشهيد في الدروس الأولويّة وطرد
الحكم في كلّ معيّن
قال في الدروس: و يتأدّى رمضان و كلّ معيّن بنيّة فرض غيره بطريق الأولي .
والاعتماد على الأولويّة مشكل
و لكنه مقتضى إطلاقات الأخبار الواردة في إجزاء صوم يوم الشكّ عن
رمضان.
ولامانع من صومه بنيّة الوجوب.
و ماورد من الأخبار الدالّة على أنّا مأمورون بصومه عن شعبان ومنهيّون عن صومه عن رمضان فلا ينافي
ذلك; إذ المراد من صومه عن شعبان أن لا نصومه عن رمضان
لاوجوب صومه بنيّة الندب إن صمناه; إذ صوم

شعبان يشمل صومه وجوباً و ندباً و قضاءاً و أداءاً.
وهل يجزئ ذلك عن الواجب أيضاً لو انكشف كونه عن رمضان؟ الأظهر لا; لأصالة عدم التداخل إü ما ثبت
بالدليل.
واحتمل في المدارك إجزاءه عمّا نواه; لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء .
وهو مشكل; لما ذكرنا
و لدلالة الأخبار على ذلك ظاهراً
مثل ما رواه الكليني
عن الزهري
عن عليّّ بن
الحسين &
في حديث طويل
قال: (وصوم يوم الشكّ اُمرنا به ونُهينا عنه
اُمرنا أن نصومه مع صيام شعبان
و
نُهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس).
فقلت له: جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئاً
كيف يصنع؟ قال: (ينوي ليلة الشك أنّه صائم من شعبان
فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه
و إن كان من شعبان لم يضرّه).
فقلت: وكيف يجزئ صوم تطوّّع عن فريضة؟! فقال: (لو أنّ رجلاً صام يوماً من شهر رمضان تطوّعاً و هو
لايعلم أنّه من شهر رمضان ثمّ علم بذلك لأجزأ عنه; لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه) الحديث.
ورواه الشيخ أيضاً والصدوق أيضاً عنه .
و روى أيضاً عن محمّد بن حكيم
قال: سألت أبا الحسن & عن اليوم الذي يشكّ فيه
فإنّ الناس يزعمون أنّ من
صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان
فقال: (كذبوا
إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له
و إن كان من غيره
فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام) .
وعن بشير النبّال
عن أبي عبد اللّه &
قال: سألته عن صوم يوم الشك
فقال: (صمه
فإن يك من شعبان كان
تطوّعاً
و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له) فإنّها تدلّ على أنّه لايحسب عن غير رمضان إذا انكشف
كونه منه.
وأمّا لو نواه عن رمضان فالمشهور أنّه لايجزي
و عن الشيخ في الخلاف و ابن الجنيد و ابن أبي عقيل
الإجزاء .
لنا: أنّه تشريع

فيكون باطلاً
و الأخبـار المستفيـضة
منها رواية الزهري المتقدّمة.
وصحيحة محمّد بن مسلم
عن أبي جعفر &: في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان
فقال &: (عليه قضاؤه و
إن كان كذلك) .
وعن قتيبة الأعشى قال
قال أبو عبد اللّه &: (نهى رسول اللّه ْ عن صوم ستّة أيّام: العيدين
و أيّام
التشريق
واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان) .
و منها قوية سماعة الآتية
و منها غير ذلك .
واحتجّ الشيخ بإجماع الفرقة و أخبارهم على أنّ من صام يوم الشكّ أجزأه عن رمضان و لم يفرّقوا .
واُجيب بالمنع عن عدم الفرق; لوجوده في كلام الأصحاب
و أخبارهم.
وقد يستدلّ له بموثّقة سماعة
قال: سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لايدري أهو من شعبان أو
من رمضان
فصامه من شهر رمضان
قال: (هو يوم وفّق له
و لاقضاء عليه) .
وفيه: أنّه معارض بروايته الآتية المعتضدة بالأخبار الكثيرة المعتبرة
منها ما تقدّم.
مع أنّه في الكافي (فصامه فكان من شهر رمضان). والظاهر أنّ السقط وقع من قلم الشيخ
مع أنّه يحتمل أن
يكون الظرف حالاً من الضمير المنصوب كما احتمله في المختلف .
و كيف كان; فالمذهب هو المشهور.
ثمّ إنّ هذه المسألة في الجاهل بالحكم الغافل الذي يحسب وجوبه عليه لشبهة مبتنية على كون المنع من
باب التنبيه و تعليم الجاهل و تنبيه الغافل
فلزوم القضاء إنّما هو بفرض جديد دلّت عليه الروايات
مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.
وأمّا العالم بالمسألة الذي يعلم بالانتفاء شرعاً
فقال في المدارك: و لايخفى أنّ نيّة الوجوب مع
الشكّ إنّما تتصور من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة
أمّا العالم بانتفائه شرعاً فلا يتصوّر منه
ملاحظة الوجوب إü على سبيل التصوّر
و هو غير النيّة
فإنّها إنّما تتحقّق مع الاعتقاد .
فإن أراد أنّه لايضرّ ذلك لأنّه لاينفكّ حينئذٍ عن نيّة الندب أو الصوم المطلق فيكون صحيحاً فهو
ممنوع

فإنّ غاية ذلك عدم نيّة الوجوب
و هو لا يستلزم نيّة الندب أو المطلق بدون القيد.
وإن أراد بيان نفس الأمر في نيّة الوجوب فهو كما ذكره.
و يرد عليه أيضاً: أنّه استدلّ أوّلاً على البطلان بأنّه تشريع فيكون حراماً
و ذلك لايجامع انحصار
النيّة في الجاهل
فإنّ التحريم لايتعلّق بالجاهل
و يمكن أن يكون مراده الجاهل بالتفصيل و إن كان
عالماً بوجوب تحصيل المسائل إجمالاً و كان مقصراً في التحصيل.
فحاصل الكلام في البطلان يؤول إمّا إلى عدم الإتيان بالمأموربه و ثبوت القضاء بالفرض الجديد فقط
أو
إلى كون تلك العبادة حراماً منهياً عنها أيضاً
فتكون باطلة; لدلالة النهي على الفساد.
وأمّا لو ردّد نيّته بأن ينوي (أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً
و إü كان ندباً) أو ينوي (أنّي
أصوم غداً لوجوبه أو لندبه
أو أصوم إما واجباً و إما ندباً)
فعن الشيخ في الخلاف و المبسوط وابن
حمزة والعùمة في المختلف و ابن أبي عقيل الإجزاء .
وعن الشيخ في سائر كتبه و ابن إدريس والمحقّق و العùمة في سائر كتبه و أكثر المتأخّرين العدم. و هو
أقرب; لأنّه عبادة
ولم يوظّف كذلك
فيكون تشريعاً; لأنّ العبادة إما واجبة
و إما مندوبة
و لاثالث
لهما
و قد أثبتنا استحبابه بالإجماعات و الأخبار الكثيرة (سيّما المفصّلة) بأنّا اُمرنا أن نصومه
من شعبان
و نهينا أنّ نصومه من رمضان
منها ما مرّ.
ومنها: موثّقة سماعة
عن الصادق &
قال: (إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان
و لانصومه من شهر رمضان; لأنّه
قد نُهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ
و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان
فإن كان
من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّه سبحانه) .
ومنها: الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ على الإطلاق
خرج صومه بنيّة الندب بالدليل
و بقي الباقي.
ومنها: صحيحة هشام بن سالم

و في آخرها: (إنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان
و من خالفها كان
عليه القضاء) .
ومنها: ما دلّ على حرمة الانفراد بصيام يوم الشكّ
مثل رواية الزهري المتقدّمة و غيرها
فإنّ الظاهر
من الانفراد إخراجه عن صوم شعبان
و هذا كذلك.
احتجوا بوجوه ضعيفة
أقواها أمران:
الأوّل: كفاية نيّة القُربة و قد حصلت
والتردّد إنّما هو في أمر خارج فيكون لغواً.
والثاني: أنّه نوى الواقع
و نوى العبادة على وجهها; لأنّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً
و إن كان
من شعبان كان نفلاً; فيجزئ.
ويرد على الأوّل: أنّ المسلّم في كفاية قصد القربة و عدم اشتراط التعيين في شهر رمضان هو إذا تفطّن
له وعلم بأنّه شهر رمضان كما مرّ
وأنّه يكفي قصد مطلق الصوم حينئذٍٍ; لانصرافه إليه
و المفروض عدم
العلم
وعدم قصد المطلق
بل هو مقيّد بهذا الترديد
و الحصّة الموجودة بشرط فرد ليست نفس الماهيّة
المطلقة
سيّما إذا كانت منهياً عنها.
وعلى الثاني: أنّ الوجوب في نفس الأمر لامعنى له
و المفروض أنّ تعلّقه بالمكلّف إنّما هو إذا علم
دخول الشهر
ومع عدم العلم فليس إü مندوباً
فالمطابق للواقع إنّما هو قصد الندب
هذا.
ولاتنافي ما اخترناه نيّة الاحتياط لرمضان
بمعنى أن يقصد في الإتيان بذلك المستحبّ عدم الإفطار في
شهر رمضان في الواقع أيضاً كما صرّح به في المعتبر .
و هو المستفاد من الأخبار الكثيرة
مثل رواية بشير النبّال المتقدّمة و ما في معناها
فيصحّ أن ينوي:
(أنّي أصوم غداً ندباً
فإن كان من رمضان مجزياً عنّي و مسقطاً عنه
وكنت غير مفطر له في نفس الأمر
وإü فكان لي أجر المندوب).

ومن هذا القبيل ما لو احتمل زكاة كانت واجبة عليه في ذمّته فيتصدّق بشيء
وينوي أنّه إن كانت زكاة في
ذمّته فكان مسقطاً عنها
و إü كانت مستحبّة
هذا فيما يمكن أن يكون من هذا القبيل.
وأمّا فيما لايمكن مثل المردّد بين الزكاة و الخمس في غير الصورة التي كان الآخذ و المُعطي كلاهما
هاشميين
فالحكم فيه مشكل.
ويحتمل التخيير و القرعة و كونه من باب المجهول المالك
و يحتمل التنصيف; لعدم المرجح.
ثمّ إنّ ما ذكر في يوم الشكّ يجري في سائر أيّام الشهر
بل و في غير شهر رمضان أيضاً.
والأظهر في الكلّ عدم جواز الترديد
بل يُراعى في الكلّ استصحاب الحال السابق
سواء كان واجباً
معيّناً عليه أو ندباً
كما لو كان نذر صوم آخر يوم من شعبان
ففي النذر المعين يجب قصده و يجزي عن
رمضان لو انكشف كونه منه.
واعلم أنّ الكلام السابق في حكم الجاهل و العالم يجري هنا أيضاً.
تنبيه:
لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار
و ظهر كونه من الشهر قبل الزوال و لما يأتِ بما يفسد الصوم; جدّد
النيّة
و أجزأه. و الظاهر عدم الخلاف فيه
و تظهر دعوى الإجماع من الفاضلين
و تدلّ عليه رواية
الأعرابي المتقدّمة .
وأمّا لو ظهر بعد الزوال فيجب عليه الإمساك و القضاء
و لايجزي تجديد النيّة حينئذٍ على الأشهر
الأظهر
و قد عرفت قول ابن الجنيد و ضعفه .
قال في المسالك: و لو أفطره وجبت عليه الكفارة; إذ لا منافاة بين وجوبها و عدم صحّة الصوم بمعنى إسقاط
القضاء .
أقول: سيظهر الكلام فيه فيما بعد.
وأمّا لو نوى ندباً و ظهر كونه من الشهر فيجدّد النيّة و يجزيه مطلقاً.
السادس: لو عقد نيّة الصوم و غفل عنه في النهار أو نام أو نسي فلا شيء عليه بلاخلاف.
وأمّا لو نوى فعل المفطر في أثناء النهار و لم يفطر ففيه خلاف
المشهور أنّه أيضاً كذلك.
و قيّده المحقّق بما إذا جدّد نيّة الصوم بعد ذلك
و كذلك العùمة في بعض كتبه .
وعن أبي الصلاح و فخر المحقّقين في شرح الإرشاد : أنّه يفسد ويجب عليه القضاء و الكفارة.

و قال في المختلف بالفساد دون الكفارة .
و في الدروس و البيان و الإرشاد و الإيضاح و المسالك حكموا بالإفساد ساكتين عن الكفارة
و الأقرب
الأوّل.
والمسألة من مشكلات الفن
و قد أطال الكلام في المقال السيّد في بعض مسائله
والعùمة في المختلف
و
الشهيد في غاية المراد
و ذكروا أدلّة من الطرفين لايخلو شيء منها من شيء.
لنا: أنّه يصدق عليه أنّه صائم شرعاً صوماً صحيحاً قبل تلك النيّة
فيحتاج رفعه إلى دليل
و
الاستصحاب حجّة شرعيّة
و ذلك نظير قولهم {: (الصلاة على ما افتتحت عليه) .
و الأخبار الكثيرة الحاصرة للمفطرات
و ليس فيها ذكر هذه
مثل صحيحة محمّد ابن مسلم
قال: سمعت أبا
جعفر &: يقول: (لايضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب
و النساء
و الارتماس في
الماء) .
و مثل ما رواه في الخصال عن أبي عبد اللّه &
قال: (خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل
والشرب
و الجماع
و
الارتماس في الماء
والكذب على اللّه و على رسوله وعلى الأئمة) .
والاستدلال بها من وجهين
الأوّل: أنّها تفيد الحصر
فينتفي كون غير المذكورات مفطراً.
والثاني: أنّ قصد الإفطار لو كان مفطراً لما كان نفس تلك الأشياء مفطرة; لمسبوقيّة الفعل الاختياري
بالقصد
فلايبقى بعد القصد صوم حتّى تكون هذه الأشياء مفطرة.
ويؤيّده اُمور:
منها: أنّ هذا مما تعمّ به البلوى
و عدم التعرّض له في الأخبار و كلام جمهور الأصحاب مع اهتمامهم
بذكر المنافيات والمكروهات و المندوبات أعظم شاهد على أنّه لا أصل له.
ومنها: أنّه لو ارتدّ بعد عقد الصوم ثمّ عاد لم يفسد صومه كما ذكره
و يظهر من المنتهى أنّه لاخلاف

فيه .
ومنها: أنّ قصد الإفطار قبل النيّة لايضرّ كما في يوم الشكّ و قضاء رمضان و غيره
فكذلك فيما بعدها.
ومنها: أنّه لايبطل الإحرام بقصد فعل المنافي جزماً
بل بفعله أيضاً.
ومنها: أنّ الامتثال في التروك يحصل بدون النيّة
كترك الزنا و شرب الخمر و غيرهما
فكذلك الصوم
غاية
الأمر ثبوت الإجماع على الاحتياج إليها في الصوم
و هو إنّما ثبت في الجملة
و هو في الأوّل.
احتج القائل بالفساد و نفي الكفارة: أمّا في الثاني فبالأصل
و أمّا في الأوّل فبأنّه عبادة مشروطة
بالنيّة; لأنّه لاعمل إü بنيّة
و قد فات شرطها فتبطل
و اعتبار الاستدامة الحكميّة; لعدم إمكان
اعتبار النيّة في جميع الأجزاء أو تعسّرها إنّما يتمّ إذا لم ينوِ ما يخالفها
فإذا نوى القطع أو فعل
المنافي فلا تبقى نيّة و لاحكمها.
وفيه: أنّا نمنع وجوب النيّة إü في الجملة
و هو يتحقّق بدخوله معها فيه إذا كان المجموع عبادة واحدة
سيّما مع تعسّر استحضارها إلى الآخر
أو تعذّره; لعدم دليل على استحالة التكليف بمثله عقلاً و نقلاً
و الأصل عدم زيادة التكليف.
وتوهّم عدم جريان الأصل في العبادات ضعيف كما حقّقناه في الاُصول
سيّما على القول بأنّها أسامٍ
للأعمّ كما هو المختار .
وأمّا استمرارها حكماً بمعنى عدم قصد ماينافيها فهو و إن كان واجباً كما في أصل الإيمان
فإنّ العقد
الخاصّ بالقلب لايجب استحضاره دائماً
بل يكفي فيه عدم العقد على خلافه و التردد
لكنا نمنع
شرطيّتها كما في المعتبر .
سلّمنا شرطيّتها
لكنّا نمنع منافاتها لقصد الإفطار.
والظاهر أنّ القصد إلى فعل المنافي لا يبطل الصلاة أيضاً
بل الظاهر أنّها لاتبطل بقصد الخروج و
إخراج نفسه من الصلاة أيضاً إذا عاد إليها قبل تحقّق ما يبطل الصلاة من المنافيات كما عليه الأكثر
وكما أفتى الأصحاب بعدم بطلان الوضوء بقصد الخروج في الأثناء.
نعم هناك دقيقة تظهر من كلام المحقّق الأردبيلي ـ رحمه اللّه ـ وهي الفرق ما بين قصد المفطر و بين
قصد الرياء بجزء من الصوم

بل و قصد عدم الإمساك
أو قصد غير الصوم المنوي
بمعنى إنشاء الرياء في جزء
منه
أو جعل ذلك الجزء غير ممسك فيه أو غير المنويّ
فإنّ ذلك بمنزلة نفس الإفطار لاقصده
فيفوت بعض
اليوم
و الصوم لايتبعّض
و لذلك جعلوا موضوع المسألة قصد المفطر لا الرياء و نظراءه.
أقول: والفرق حينئذٍ بين الصوم و الصلاة منع كون أكوان المصلّي في حال الصلاة من أجزاء الصلاة
بل
الصلاة إنّما هي الأفعال المعهودة
فإذا جعل نفسه في الصلاة خارجاً عنها و عاد إليها قبل فعل
المنافي لايلزم تفويت شيء منها إذا لم يحصل الإخلال بشيء من أفعالها الواجبة
بخلاف الصوم
فإنّ
جميع الآنات من اليوم جزء منه
و بتفويت بعضها يتبعّض الصوم.
والحاصل: أنّ القصد إلى فعل المفطر ليس نفس تبعيض الصوم
إü أنّ ينوي (أنّي الآن أخرجت نفسي عن الصوم
و أنشأت إخراج نفسي عن الطاعة) و أكل الطعام في ثاني الحال بالنسبة إلى هذا القصد
فحينئذٍ يكون
باطلاً.
و ذلك لأنّ الكفّ عن المفطرات و تأديب النفس بهذا العمل مكلّف به
إمّا بإيجاد فعل وجودي من توطين
النفس و إكراهها
أو باستمرار العدم الأزلي و إبقائه على حاله باختياره في غير حال الغفلة و النوم
و
لم يتحقّق منه شيء من ذلك فيما نحن فيه
فالقصد إلى عدم الإمساك أو إيجاد الرياء و نظرائه مفوّت لهذا
المعنى فيبطل.
فإن قلت: مع القصد إلى الإفطار في ثاني الحال لايبقى شيء من الاُمور الوجوديّة
التي ذكرتها أيضاً.
قلت: نعم
و لكن لم يحصل ما يرفع حكم النيّة السابقة
المجعولة بجعل الشارع
المؤثرة في الصحّة حال
الغفلة و النوم و الإغماء أيضاً
الثابتة قسراً من قِبل الشارع
المانعة عن ارتفاعها إü بجعل من
الشارع.

ولكن يمكن إجراء هذا الإشكال في الصورة التي أشار إليها المحقّق الأردبيلي ـ رحمه اللّه ـ أيضاً
فإنّ انتفاء هذا الحكم القسري في أمثال ذلك أيضاً غير معلوم; إذ لا مانع من حكم الشارع بصحّة عمل
شَرَعَ فيه بنيّة صحيحة و إن طرأ في بعض أجزائه الفعل المنهي عنه كالرياء و نحوه
سيّما إذا كان من
قبيل التروك.
و لكن الظاهر أنّ ضرر قصد الخلاف بنفس الفعل إجماعيّ كما ادّعاه غير واحد منهم في الصلاة
بل و في
الصوم أيضاً كما يظهر من غاية المراد .
واعلم أنّهم جعلوا الخلاف في هذه المسألة متفرّع على مسألتين:
إحداهما: شرطيّة استمرار النيّة الحكميّة و عدمها
بعد الاعتراف بكون وجوبه مما لانزاع فيه.
فوجه الشرطيّة: أنّه بدل عن النيّة; لتعسّر استحضارها في الجميع أو تعذّره
فكما أنّ النيّة في
الابتداء شرط
فكذلك بدلها.
و وجه العدم: تحقّق العبادة و انعقادها بالنيّة ابتداءاً
و الأصل عدم شرطيّة استمرار الحكم
و إن
كان وجوب العزم على البقاء مستفاداً من أحكام الإيمان.
وثانيتهما: أنّ إرادَتي الضدّين متضادتان بالذات أو بالعرض أو لا
فيبطل على الأوّل دون الثاني.
فقيل بالأوّل; لأنّ إرادة أحدهما مستلزمة لكراهة الآخر أو نفسها
ولا تجامع كراهة الشيء مع إرادته
فتتنافى الإرادتان.
وقيل بمنع ذلك; ولو سلّم فهو الضدّ العقلي دون الشرعي.
أقول: أمّا المسألة الاُولى: فقد عرفت أنّ التحقيق عدم ثبوت الشرطيّة; لمنع البدليّة أوّلاً
بل هو
واجب على حدة
و منع لزوم مساواة البدل للمبدل في جميع الأحكام
ومنع منافاة قصد الإفطار للاستمرار
إنّما المنافي هو جعل نفسه خارجاً عن العبادات
و إيجاد جزء منها بقصد الغير
هذا كلّه مع المعارضة
بالاستصحاب و الأخبار المتقدّمة.
وقد أورد في المختلف: بأنّه لو لم تكن المنافاة ثابتة
يلزم أن يكون من أصبح في اليوم الثاني بنيّة
الإفطار و رفض الصوم صومه صحيحاً من أجل نيّة أوّل الليلة من الشهر على القول بإجزائه .
و ردّه الشهيد ـ رحمه اللّه ـ بأنّ الخصم يلتزمه; إذ لايجب عنده تجديد النيّة لكلّ يوم; لأنّ النيّة
السابقة للصوم بأجمعه .
أقول: و هو حسن إن لم يجعل نفسه في الصبح غير صائم
أو أمسك مرائياً كما تقدّم ذكره.
و الحاصل: أنّه كما أنّ التشكيك في تحقّق الاستدامة الحكميّة يوجب الشكّ في تحقّق مجموع الصوم

فالتشكيك في زوال حكم القطعة الصحيحة من الصوم يقيناً يوجب الحكم ببقاء حكمه.
فتأمّل في ذلك حتّى تعرف أنّ مراد بعضهم حيث حكم بأنّ قصد الإفطار و إن نافى النيّة لكن لاينافي
حكمها
لعلّه كان ذلك يعني العمل على حكم اليقين كما يستفاد من الأخبار الدالّة على عدم جواز نقض
اليقين بالشكّ
فإنّ المراد فيها حكم اليقين; لبداهة استحالة اجتماع نفس اليقين و الشكّ
و ليس مراده
الاستدامة الحكميّة حتّى يصير مورداً للاعتراض بثبوت التنافي
مع أنّك قد عرفت إمكان الدفع على ذلك
أيضاً.
وأمّا المسألة الثانية: فالظاهر أنّه لايمكن القول بجواز اجتماع إرادة الضدّين للعاقل العارف
المتفطّن لكونهما ضدين
عقليين كانا أو شرعيين
بل إنّما يمكن مع الجهل و الغفلة
أو بأن يراد من
إرادة أحدهما الشهوة
و من الاُخرى الإرادة الحقيقية
و كلاهما خارجان عن موضوع المسألة
فإنّ
الكلام فيمن يعلم أنّه صائم و ينوي الإفطار
ويعلم تضادّ الإفطار و عدم الصوم معه.
فالمراد أنّه إذا ارتفع الجزم السابق الذي تحقّق بالنيّة بسبب العزم على الإفطار فهل يبطل أم لا؟ و
هذا ليس من الاجتماع في شيء حتّى يتفرّع على جواز اجتماع الإرادتين.
و أمّا صدور الإرادتين منه في الوقتين فحصوله بديهي
فلا معنى للخلاف فيه
إنّما الكلام في أنّ أثر
الإرادة الأُولي وحكمها هل يرتفع بالثانية أم لا
و هذا لا دخل له في اجتماع الإرادتين و عدمه
و قد
عرفت التفصيل.
إذا عرفت هذا ظهر لك الفرق بين العبادات في نيّة الخروج و قصد المبطل
ففي شيء منها لايضرّ قصد
الخروج و المبطل في ثاني الحال.
وأمّا الخروج بالفعل أو فعل بعض الأجزاء بقصد الرياء أو غير المنوي
ففي مثل الصوم يكون مبطلاً;
لتفويته جزءاً منه مع عدم إمكان التدارك.
و في الوضوء و الغسل مثلاً يمكن العود بالنيّة
و يمكن التدارك لما فعل بقصد الغير بإعادة ذلك الجزء
بعينه.
و في الصلاة يمكن العود إلى النيّة في الخروج المحض
و بالتدارك لما غيّر نيّته فيه إذا لم يتحقّق به
مبطل كزيادة الركن

أو الفعل الكثير; مع احتمال البطلان بمطلق الزيادة إذا كان من الواجبات
سيّما
إذا كانت ركناً
و التفصيل في المندوب بالكثرة و عدمها.
ثمّ إنّ ما ذكره الفاضلان من التقييد بتجديد النيّة بعد قصد الإفطار لم أتحقّق وجهه
فإنّ قصد
الإفطار و الخروج إن لم يكن مضرّاً بالاستمرار فلافرق
و كذا لو كان مضرّاً.
تنبيه:
قد بيّنا سابقاً أنّ المتعمّد في ترك النيّة من الليل حتّى أصبح يبطل صومه
و أولى به الناوي
للإفطار
و هو المعروف من مذهب الأصحاب
إü أنّ المحقّق مال إلى انعقاد الصوم لو جدّد النيّة قبل
الزوال
و هو مقتضى إطلاق كلام السيّد كما نقلنا عنه سابقاً .
ومقتضى القول بكفاية النيّة الواحدة لتمام الشهر أيضاً صحّة ذلك إذا كان في غير اليوم الأوّل;
لتقدّم النيّة و عدم إبطال قصد الإفطار كما بيّنا
فلابدّ أن تقيّد فتوى القائلين بالكفاية هنا بما
لو لم تسبق النيّة أوّل الشهر.
و قد أشرنا آنفاً أيضاً إلى أنّ ذلك إنّما يتمّ إذا لم يصبح خارجاً عن الإمساك
موجداً لاعتقاد عدم
الصوم أوالرياء
و إü فلا وجه للصحّة
كما ذكرنا ذلك في إيجاد هذا المعنى في أثناء النهار مع سبق
النيّة في الليل.
السابع: نيّة الصبيّ المميّز صحيحة و صومه شرعي.
و لو كان صائماً و بلغ قبل الزوال فيجدّد النيّة فيجزئه عن رمضان
بخلاف ما بعد الزوال.
واعلم أنّ الكلام في هذه المسألة في مقامين:
أحدهما: كون عباداته شرعيّة أم لا
بل تكون تمرينيّة
والثاني: أنّه على تقدير كونها تمرينيّة هل
تتصف بالصحّة أم لا
بعد اتفاقهم على الاتصاف بها على تقدير كونها شرعيّة.
أمّا المقام الأوّل: فالأقوى عندي كونها شرعيّة
وفاقاً للشيخ و جماعة
منهم المحقّق في صريح كتاب
الصوم من الشرائع
في غير موضع
ومن النافع
والعùمة في المنتهى والتذكرة و الإرشاد في كتاب الصوم

و
الشهيد في الدروس و اللمعة
و المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه
و صاحب المدارك .
وذهب جماعة منهم العلامة في المختلف و المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد والشهيد الثاني إلى أنّها
ليست بشرعيّة.
ومرادهم بالشرعيّة: أنّها مستندة إلى أمر الشارع ومطلوبة له
فتكون مندوبةً
وبالتمرين: حمل الولي
للصبيّ على العبادة ليعتادها لئلا يجد بها مشقّة بعد البلوغ.
وتظهر ثمرة النزاع في ترتّب الثواب
و في مثل ما تقدّم في الصوم.
و في ظهور علامة البلوغ الغير المبطلة في أثناء الصلاة إذا جوّزنا العدول بالنيّة.
و مثل جواز الصلاة بعد البلوغ بالطهارة الحاصلة قبله.
و في النذور و الأوقات و أمثالها إذا تعلّق بمن فعل عبادة شرعيّة أو مندوبة.
وربّما يذكر في الثمرات: أنّ الصلاة التمرينيّة مثلاً ليست بصلاة حقيقة
فيحتاج إلزام الصبيّ
بإتيان الشروط و ترك المنافيات إلى دليل آخر
بخلاف ما لو كانت شرعيّة
فإنّ ثبوتها كافٍ في إثبات
شرائطها و ترك موانعها.
وفيه: أنّ الأمر التمريني إنّما هو بالعبادة الجامعة للشرائط أيضاً فلا ثمرة.
لنا: عموم الأوامر
مثل الأخبار الكثيرة الدالّة على وجوب الصوم على الصبيّ إذا أطاق الصوم
أو إذا
راهق الحلم
أو إذا أطاق ثلاثة أيّام متتابعة
فإن أقرب مجازاتها الاستحباب.
والأخبار الدالّة على أمرهم بالعبادات في الصوم و الصلاة
مثل قوله &: (مروهم بالصلاة و هم أبناء سبع)
فإنّ الأمر بالأمر أمر كما حقّقناه في الاُصول
و الوجوب منفي بالإجماع
فيبقى الرجحان.
والقول (بأنّ الحكم هو خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين
والصبيّ ليس بمكلّف فلاحكم بالنسبة
إليه
فلاخطاب
فلا امتثال
فلم تثبت الشرعيّة) مدفوع بأنّ نظرهم في الحدّ إلى الغالب
و لذلك بدّله
بعضهم بالعباد.
مع أنّ التعريف منقوض بالأحكام الوضعيّة الّتي لاتختصّ بأفعال المكلّفين

كضمان الصبيّ في ماله
و
تأثير الحدث الحاصل قبل البلوغ في وجوب الوضوء بعده
و غير ذلك.
والاعتذار (بأنّ التكليف في الأوّل بالوليّ
فلم يتعلّق بالصبيّ
و في الثاني بأنّه مأمور بالوضوء;
لأنّه فاقد للطهور
لا لأنّه محدث) تكلّف
و المندوب ليس بتكليف حتّى لايمكن تعلّقه بغير المكلّف.
ولنا أيضاً: لزوم الظلم عليه تعالى لو خلا عمله عن الثواب.
وبيانه: أنّا قد حقّقنا في الاُصول أنّ المكلّف تابع لما يؤدّيه إليه عقله و فطنته
فإذا كان غافلاً
أو جاهلاً رأساً
و لم يتفطّن لأنّه يجب عليه التفحّص عن المجتهد و تقليده
و اعتقد أنّ الدين و
المذهب هو ما علّمه أبواه أو معلّمه
فلا يؤاخذ على فعله; لأنّه منتهى طاقته
لايكلّف اللّه نفساً إü
وسعها
فيجب عليه أن يعطيه الأجر على ما فعله; إذ هو طاعته على مقتضى طاقته.
فالطفل أيضاً إذا فهم أنّ اللّه تعالى يطلب منه هذا الفعل الذي مرّنه عليه أبواه و علّماه النيّة
فيه
و ذكرا له أنّ ذلك طاعة اللّه و عبادته
فيفهم من ذلك أنّّ اللّه يريد منه هذه العبادة
و يفعله
إمّا خوفاً منه أو رجاءاً للثواب; لأنّ الوليّ لا يقول له: إنّي اُريد منك محض التمرين
و أنّ مطلوبي
منك محض صورة العبادة و اللّه تعالى لايريده منك.
فالحكم بحصول الثواب و الأجر للأوّل دون الثاني تحكّم
أوترجيح مرجوح
و إيثار اللّه تعالى طاعة
الأوّل على الثاني في بذل الثواب ظلم عليه.
مع أنّ المستبعد الذي قد يحكم العقل باستحالته أن يحصل الفرق بين لمحتين من الآنات من أواخر الصبا و
أوائل البلوغ مع عدم تفاوت حال العبد فيهما أصلاً بحسب العقل و الكمال و المعرفة
فيثاب على ما فعله
في الآن الثاني دون الأوّل مع اعتقاده في كلا الآنين أنّ اللّه تعالى أراد منه
غاية الأمر أنّه
يعتقد المؤاخذة على الترك في الآن الثاني دون الأوّل
و ذلك لاينافي كونه مثاباً في الآن الأوّل
أيضاً.
هذا مع ملاحظة تفاوت علامات التكليف في التقدّم والتأخّر

فمن كانت علامة بلوغه السنّ; لعدم سبق
الإنبات أوالاحتلام
كيف يقال: إنّه ليس في أواخر السنة الخامسة عشر مستعدّاً للأوامر و الخطاب
وهذا الشخص بعينه لو فرض أنّه مع هذه المرتبة من الفهم لو احتلم أو أنبت قبل ذلك بسنين كان قابلاً
للتكليف و مستعدّاً للخطاب؟!
فإن قلت: المفروض في هذا الاستدلال قطع النظر عن الأوامر والتمسك بلزوم الظلم
والثواب لايتحقّق إü
بالأمر.
قلت: لاينحصر الأمر في الأمر النفس الأمري
بل الظن به أيضاً في حكمه
كما هو كذلك في المجتهد; يذعن
بأنّ الأمر الفلاني مطلوب منه و يفعله رجاءاً للثواب
فكذلك الطفل بمحض تعليم الولي نيّة العبادة
يذعن بأنّ هذا مطلوب الشارع
و يفعله رجاءاً للثواب
هذا.
مع أنّا لا نمنع من حصول الثواب بمقدّمة الواجب
و إن قلنا إنّ وجوبها تبعيّ
و إن لم نقل بلزوم
العقاب على تركه كما نقل عن الغزالي
و لاريب أنّ ذلك مقدّمة لطاعته بعد البلوغ
و دلّ عليه الشارع
و
أمر به بسبب تسبيبه لفعله من جهة الأمر بالوليّ بخطاب تبعي.
وإن أبيت عن ذلك وصعب عليك فهمه كفاك سائر الأدلّة
منها ما مرّ.
ومنها: ما يقتضيه تتبّع الأخبار في باب صحّة أذان الصبيّ المميّز
وجواز إمامته
وانعقاد الجماعة
بصلاته إذا ائتمّ
وإجزاء حجّه إذا كمل قبل المشعر و غيرها
فإنّها تشهد بكون عبادته شرعيّة
هذا.
مع أنّه لا منافاة بين كون الخطاب من اللّه
و كونه تمرينيّاً; بمعنى أنّه بعد تعلّم العبادة تستحبّ
مداومته عليها
و فعلها مستمرّاً; ليحصل له الاعتياد الموجب لتسهيل الأمر عليه.
وليس ذلك من باب أمر المولى عبده بترييض الدابّة وتعويدها العَدوَ; لوجود الفهم و القابليّة فيما
نحن فيه.
والحاصل: أنّ الفهم و الإدراك الذي هو شرط في تعلّق الخطاب موجود فيه بالفرض
بل قد يوجد في بعض
الصبيان أزيد مما يوجد في كثير من المشايخ.

و لامانع منه إü الأخبار الّتي وردت في رفع القلم عنهم
وهي لاتفيد إü نفي العذاب.
ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً: بعض الأخبار الواردة في صلاة الميّت
وتحديد سنّ الصبيّ الذي تجب الصلاة
عليه
فلاحظ الأخبار وتأمّلها .
والحاصل: أنّ كونها شرعيّة واضح عندي
واللّه العالم بحقائق أحكامه.
وأمّا المقام الثاني:
فاتصافها بالصحّة بناءاً على كونها شرعيّة واضح; لأنّ الصحّة هي موافقة الأمر على قول المتكلّمين
و
المفروض كونه مأموراً.
وأمّا بمعنى إسقاط القضاء فهو أيضاً يصحّ
و إن صعب فهمه على بعضهم
لعدم لزوم القضاء.
و وجه الصحّة: أنّه مسقط للقضاء التمريني على القول به
فإنّه كما نقول بأنّه مأمور ندباً بالفعل
نقول بكونه مأموراً بالقضاء ندباً إذا فات عنه.
وأمّا على القول بالتمرين فيظهر من كلماتهم عدم الاتصاف; لأنّه ملزوم الأمر.
وذهب الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ إلى جواز الاتصاف ; لأنّه من أحكام الوضع
و لا يختصّ بأفعال
المكلّفين.
و ذلك لايتمّ مطلوبه إü أن يقول: إنّ المراد موافقة الأمر التمريني الصادر من الولي
و هو تكلّف واضح
و خلاف مصطلحهم في الصحّة.
وإن أراد موافقة الأمر النفس الأمري المتعلّق بالمكلّفين
يعني ما يفعله الصبي موافقاً لذلك الأمر
فهو صحيح
فمع أنّ الموافقة له لاتتمّ إü بقصد القربة
فإنّه مأخوذ في الأمر النفس الأمري
و معتبر في
الصحّة على مصطلحهم. و إن قلنا بأنّ النيّة خارجة و شرط لاجزء; خلاف المتبادر من اصطلاحهم في الصحّة
فإنّ مرادهم في الاصطلاح موافقة الأمر المتعلّق بفاعل الصحيح
لا الأمر المتعلّق بالغير.
ثمّ إنّ بعض الاُصوليين ذهب إلى أنّ الصحّة و البطلان بمعنى موافقة الأمر و مخالفته حكم عقلي محض
و
ليس بوضعي; لأنّ الحاكم بذلك إنّما هو العقل
و لايحتاج إلى توقيف الشارع.
قلت: قد يبتدئ الشارع بحكم الصحّة من دون مسبوقيّة ببيان وجه الصحّة من الأمر به
فيقول: (إذا فعل كذا
كان صحيحاً) فهذا كاشف عن الأمر و الخطاب الذي هو مخفيّ على المكلّف
فلا يطّلع عليه إü بوضع الشارع

فيكون حكماً وضعياً.
المقصد الثالث
فيما يمسك عنه الصائم
وفيه مباحث:
المبحث الأوّل
ييجب الإمساك عن الأكل والشرب من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بإجماع العلماء
و بالكتاب
والسنة.
أمّا الكتاب; فقوله تعالى:
فكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
إلى قوله
تعالى:
أتمّوا الصيام إلى الليل
.
و أمّا السنة; فكثيرة
منها ما مرّ
ومنها ما سيأتي.
ولا إشكال في أكل المأكول المعتاد
و المشروب كذلك.
وأمّا غير المعتاد كالحصى و البَرَد و مياه الأنوار و عصارة الأشجار
فالمعروف من مذهب الأصحاب فيه
أيضاً ذلك
وادّعى عليه الإجماع جماعة
منهم العلامة في التذكرة
حيث نسبه إلى علمائنا .
وقال في المنتهى: إنّه قول عامّة أهل الإسلام إü من نستثنيه
ثمّ نسب الخلاف إلى الحسن بن صالح بن
الحي
و أبي طلحة الأنصاري
فإنّه كان يأكل البَرَد في الصوم و كان يقول: إنّه ليس بطعام ولا شراب و .
وادّعى الإجماع أيضاً السيّد في المسائل الناصريّة
و نقل الخلاف عنهما و قال: إنّ الإجماع متقدّم و
متأخّر عن هذا الخلاف
و كذلك ابن حمزة نقل إجماع الطائفة .
و عن الشيخ في الخلاف: إجماع المسلمين أنّ أكل البَرَد مفطر
وحكم بانقراض خلاف أبي طلحة .
ونقل عن ابن الجنيد القول بعدم الإفطار بغير المعتاد
وعن السيّد في الجمل: أنّه أشبه .
لنا: الإجماع المستفيض و عموم الآية و الأخبار.
واستدلّ في المختلف لهذا القول: بأنّ المنع عن الأكل والشرب إنّما ينصرف إلى المعتاد .
ويدفعه: أنّ النهي عن الأكل والشرب و الأمر بالتجنّب عنهما بدون ذكر المفعول يفيد منع إيجاد طبيعة
الأكل في ضمن جميع الأفراد

و لايحصل الامتثال في النهي إü بترك جميع الأفراد
و هو من باب العموم
لا
الإطلاق حتّى ينصرف إلى المأكولات المعتاد أكلها عند أغلب الناس.
سلّمنا
لكنه معارض بالإجماع المستفيض.
وقد يستدلّ عليه برواية مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد اللّه &: (أنّ علياً & سئل عن الذباب يدخل في حلق
الصائم قال: ليس عليه قضاء; لأنّه ليس بطعام) .
و هو مع سلامة سنده مدفوع بأنّ المراد أنّه ليس من أكل الطعام
فإنّ ذلك من دون الاختيار
أو أنّ ذلك
ليس أكلاً إن جعلنا الطعام مصدراً كما ذهب إليه في القاموس
و هو بعيد.
وكيف كان; فلايعارض بها ما تقدّم من الأدلّّة
سيّما و المستفاد من العلّة و الحمكة الباعثة على
الصوم تحمّل الجوع والعطش
و على هذا فيمكن الفرار عن ذلك بالأكل و الشرب الغير المعتادين.
و أمّا الأكل الغير المتعارف
و إن كان المأكول متعارفاً
كابتلاع بقايا الغذاء المتخلّفة في
الأسنان و غيرها
فظاهر المنتهي وغيره أيضاً أنّه إجماعيّ
و تشمله العمومات.
وابتلاع الريق على مجرى العادة ليس بمفطر إجماعاً.
ولو جمعه في فيه ثمّ ابتلعه فكذلك
خلافاً للشافعي في أحد قوليه .
وأمّا إذا خرج من الفم ثمّ ابتلعه فقالوا: إنّه مفطر; لصدق الأكل.
ويحتمل إيجاب كفّارة الحرام; لأنّهم يقولون بالحرمة إذا خرج من الفم
و إن لم نقف على دليل سوى
ادّعاء الاستخباث.
بل هناك أخبار كثيرة دالّة على الحلّ
مثل مارواه الكليني في الصحيح
عن الحسن بن زياد الصيقل
وفي
جملتها: أنّ النبيّ ْ أخرج اللقمه من فيه و أعطاها امرأة سألته أيّاها فأكلتها .
وأيضاً روى الكليني في باب النصّ على أبي جعفر الجواد &
و في جملتها: أنّ عليّّ بن جعفر مصّ ريق أبي
جعفر بحضرة الرضا & ولم ينكره .
ويمكن المناقشة بعدم ملازمته للبلع و إن كان بعيداً.
وعن كتاب الملهوف لابن طاوس: أنّ زين العابدين كان يبلّ طعامه و شرابه بدموعه حتّى لحق باللّه
عزّوجلّ

و ستأتي صحيحة أبي وüد و غيرها.
والظاهر كما ذكره المحقّق الأردبيلي ـ رحمه اللّه ـ أنّه لايصدق ذلك على مثل ما لو وضع في فمه حصاة
أو درهماً و ابتلّ و أخرجها ثمّ وضعها ثانياً في فمه
فلايحصل الإفطار بذلك كما أفتى به في المنتهي .
ويؤيّده تجويزهم الأكل بالقاشوقة
وكذا أكل الفواكه بالعضّ مع عدم الانفكاك عن بلّة الريق
فتجويزهم ذلك مع قولهم بتحريم الخارج
يستلزم عدم كون ذلك أكلاً للريق الخارج
فكذلك الأمر في
الحصاة و الدرهم المذكورين.
و أمّا ريق الغير فيُعلم حكمه من السابق في الإفطار و عدمه
والحكم بالتحريم هنا أيضاً مشكل
وكذلك
حصول الإفطار بمحض البلّة.
ويشكل فيما ابتلعه بسبب تقبيل الفم و مصّ اللسان
و حكم في المنتهى بالبطلان
و أوّلَ الروايات
الواردة في الجواز
و هي صحيحة أبي وüد الحناط قال
قلت لأبي عبد اللّه &: إنّي أقبّل بنتاً لي صغيرة و
أنّا صائم
فيدخل من ريقها في جوفي شيء
فقال: (لابأس
ليس عليك شيء) .
وموثّقة سماعة
عن أبي بصير قال
قلت لأبي عبد اللّه &: الصائم يقبّل؟ قال: (نعم
ويعطيها لسانه تمصّه) .
و رواية عليّ بن جعفر ـ و وصفها في المنتهى بالحسن
و قال في الخلاصة: إنّ سند الشيخ إليه صحيح
فلايضرّ وجود محمّد بن أحمد العلوي في سنده ـ عن أخيه موسى بن جعفر &
قال: سألته عن الرجل الصائم أله
أن يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة كذلك؟ قال:(لابأس) فإنّ وصول الريق إلى الجوف في الاُولى لم يظهر
أنّه كان من الفعل الاختياري.
والثانية يمكن دفعها بأنّ المصّ لايستلزم الابتلاع
مع أنّه لادلالة فيها على كون المرأة صائمة
و
انجذاب لعاب المرأة بمصّها لسانه غير معلوم
مع أنّ كون البلّة مبطلة ممنوع كما تقدّم
و يشكل بترك
الاستفصال.
و كيف كان فالأظهر وجوب الاجتناب عن إدخال اللعاب في الجوف اختياراً.

فروع:
الأوّل: لابأس بمصّ الخاتم لرفع العطش و غيره; للأصل
و لصحيحة عبد اللّه بن سنان
عن أبي عبد اللّه &:
في الرجل يعطش في شهر رمضان
قال: (لابأس بأن يمصّ الخاتم) .
وصحيحة منصور بن حازم أنّه قال
قلت لأبي عبد اللّه &: الرجل يجعل النواة في فيه و هو صائم؟ قال: (لا)
قلت: فيجعل الخاتم؟ قال: (نعم) و تؤدّي مؤدّاها رواية يونس بن يعقوب .
و لعلّ المنع في النواة
إذا كان فيها شيء من تمر أو نحوه مما يدخل في الجوف.
الثاني: لابأس بمضغ الطعام للصبيّ وزقّ الطائر من غير ابتلاع
وكذلك أمثاله مما يدخل في الفم و
لايحصل البلع
و منه ذوق الطعام و المرق; للأصل
و الأخبار الكثيرة الصحيحة و غيرها.
ومنها: رواية مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد اللّه &
قال: (إنّ فاطمة ے كانت تمضغ للحسن ثمّ للحسين } و هي
صائمة في شهر رمضان) .
وأمّا صحيحة سعيد الأعرج
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن الصائم
أيذوق الشيء و لايبلعه؟ قال: (لا)
فحملها الشيخ على المنع وعدم الجواز إذا لم يحتج إلى الذوق
والأخبار المجوّزة على صورة الاحتياج
مثل خوف فساد الطعام وهلاك الطائر
والأولى حملها على الكراهة والتنزيه في صورة عدم الضرر
أو يكون
المراد أنّه لايبلعه.
ثمّ إذا فعل ذلك و سبق منه شيء إلى حلقه بغير اختياره فالأظهر عدم وجوب القضاء; للأصل
و الإذن في
الفعل
و عدم تعمّد الازدراد.
وقال في المنتهى: لو أدخل في فيه شيئاً و ابتلعه سهواً
فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه
وإü وجب .
وتنظّر في المدارك في الوجوب حينئذٍ
و هو في محلّه.
و لعلّ العلامة ـ رحمه اللّه ـ نظر إلى فحوى ما يدلّ عليه في المضمضة لغير الصلاة
و هو مشكل.
الثالث: لابأس بالاستياك بالرطب واليابس
بل هو مستحب

و هو المشهور.
وعن الشيخ وابن أبي عقيل كراهة السواك بالرطب; لصحيحة عبد اللّه ابن سنان
و حسنة الحلبي
و رواية
أبي بصير
و رواية محمّد بن مسلم
و موثّقة عمّار .
ويدلّ على الجواز: صحيحة الحلبي
عن الصادق &: أيستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال:
(لابأس به) .
و تدلّ عليه روايتان اُخريان دالّتان على أنّ الرطوبة لاتضرّ; لأنّ المضمضة بالماء أرطب
و الخبر
المعلّل مع اعتضاده بالشهرة والأخبار المطلقة في مطلق السواك و في خصوص الصائم المستفيضة جداً
أقوى.
الرابع: تجوز المضمضة للصائم مطلقاًً على الأصح الأشهر المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك
وفي التذكرة والمنتهى الإجماع على عدم كونها مفطرةً مع التحفّظ .
ويدلّ عليه بعد الأصل: ظاهر الإجماع
و صحيحة حمّاد الآتية في المضمضة للصلاة.
وصحيحته الاُخرى
عمّن ذكره
عن الصادق &: في الصائم يتمضمض و يستنشق؟ قال: (نعم
و لكن لا يبالغ) .
و نفي المبالغة محمول على الكراهة.
وتؤيّده رواية يونس
قال: (الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء
و إن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء
حلقه فلا شيء عليه و قد تمّ صومه
و إن تمضمض في غير وقت فريضة و دخل الماء حلقه فعليه الإعادة
والأفضل للصائم أن لايتمضمض) .
و يظهر من عبارة المنتهى الآتية التحريم لغير الوضوء
ومن الاستبصار التحريم للتبرّد
و لادليل
لهما يُعتدّ به.
وينبغي أن تحمل أفضليّة الترك و الكراهة على ما لو كان لغير الصلاة; لأنّ عمومات الاستحباب و
خصوصاته لهما في الصائم أقوى.
وفي رواية زيد الشحّام
عن أبي عبد اللّه &: في الصائم يتمضمض
قال: (لايبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات)
.
و الأولى حملها على الاستحباب; لعدم مقاومتها للمطلقات المرخّصة للمضمضة
سيّما ما ورد للصلاة من
دون اشتراط ذلك.

و وقع الخلاف بينهم في صورة دخول الماء إلى الحلق من دون اختيار
بعد اتفاقهم على أنّه لو أدخله
عمداً أثم و وجب عليه القضاء و الكفارة
فالظاهر أنّه لا خلاف بينهم في عدم لزوم شيء عليه إذا كان في
وضوء الصلاة الفريضة.
ويظهر من التذكرة الإجماع في مطلق الصلاة .
ونقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى أنّ ذلك للفريضة
فإذا كان للنافلة فهو مفطر
و نقله في التذكرة
عن ابن عباس
و حسّن ذلك في المسالك .
دليل الأوّل: بعد ظاهر الإجماع; موثّقة سماعة
قال: سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل
حلقه
قال: (عليه القضاء
و إن كان في وضوء فلابأس) .
ودليل الثاني: رواية يونس المتقدّمة
و صحيحة الحلبي عن الصادق &: في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل
الماء حلقه
فقال: (إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شيء
و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء)
. و رواها الكليني
في الحسن
عن حمّاد
عنه & .
ولايبعد ترجيحه; لتقديم المفصّل على المجمل
و عدم القطع بأنّ ناقل الإجماع أراد العموم.
ولايبعد أن يقال: مرادهم من إطلاق الوضوء أنّ هذا الحكم ثابت في الوضوء دون العبث والتبرّد
و لا
التفات فيه إلى أقسام الوضوء.
أمّا لو كان لأجل التبرّد و العبث فيبطل صومه و يجب عليه القضاء
و ادّعى عليه الإجماع في المنتهى
والتذكرة و يدلّ عليه فحوى صحيحة الحلبي
و موثّقة سماعة
ورواية يونس المتقدّمات.
وأمّا المضمضة للتداوي أو لإزالة النجاسة إذا دخلت في الحلق من دون اختيار
فعن ظاهر جماعة من
الأصحاب أنّه كوضوء الفريضة لايوجب القضاء .
وفي المسالك: ينبغي إلحاق إزالة النجاسة بالصلاة الواجبة
و قطع به في الدروس .
و زاد في التذكرة: غسله من أكل الطعام . و ربّما يستشكل بفحوى صحيحة الحلبي
و عموم رواية يونس

و
الأولويّة ممنوعة
و الرواية ضعيفة.
و إذا وضع في فمه شيئاً مثل خرز لغرض صحيح فسبق إلى حلقه من دون تعمّد فالظاهر عدم الإبطال; للأصل مع
كونه مجوّزاً شرعاً.
و أمّا لو كان عبثاً ففيه قولان: من جهة فحوى ما دلّ على لزوم القضاء في التبرّد والعبث
و من جهة
الأصل. ورواية يونس بعمومها تدلّ على الأوّل.
ثمّ إنّ صاحب المدارك قال: و لا يلحق بالمضمضة الاستنشاق قطعاً
فلايجب مما سبق منه قضاء و لاكفارة
بل لو قيل بأن تعمّد إدخال الماء من الأنف غير مفسد للصوم
لم يكن بعيداً .
و عن ظاهر جماعة من الأصحاب الإلحاق
و لم نقف على دليله.
الخامس: اختلف كلام الأصحاب في ابتلاع النخامة.
و المراد بالنخامة مشتبه في كلام أهل اللغة و في كلام الفقهاء أنّها هل هي ما يخرج من الصدر والحلق
أوهي ما يجذب من الرأس إلى الحلق من الخيشوم
أو مشترك بينهما لفظاً أو معنى؟
ويظهر من الشرائع: أنّها ما يخرج من الصدر
لا ما يجذب من الدماغ
حيث عطف حكم المسترسل من الدماغ على
النخامة المشعر بالمغايرة; وفرّق بينهما في الحكم
كالعùمة في الإرشاد .
ويظهر من التذكرة عكس ذلك
حيث أطلق على ما يجذب من الرأس النخامة
و على ما يخرج من الصدر النخاعة .
ويظهر من موضع آخر فيها الاتحاد
فقال: لو ابتلع النخامة المجتلبة من صدره أو رأسه لم يفطر
و استدلّ
برواية غياث
ونسب الخلاف إلى الشافعي
وإلى أحمد في إحدى الروايتين .
والظاهر من الشهيد في الدروس أيضاً كونها مشتركة معنويّة بينهما
حيث قال: و الفضلات المسترسلة من
الدماغ إذا لم تصر في فضاء الفم لابأس بابتلاعها; للرواية
و لو قدر على إخراجها و لو صارت في الفضاء
أفطر لو ابتلعها
و في وجوب الكفارات الثلاث هنا نظر
وتجب لو كانت نخامة غيره
انتهى.
فإنّ الظاهر من مجموع هذا الكلام أنّ النخامة هي القدر المشترك بينهما
والمتحصِّل مما يخرج من

الرأس
سواء خرج تدريجاً و اجتمع في الحلق و الصدر
أو دفعةً بجذبه بقوّة
و إü لتعرّض لحكم الخارج من
الصدر
و هذا هو الذي يترجّح في النظر بالنظر إلى الاعتبار
و بالنظر إلى تردّد كلام أهل اللغة
وترديدهم
مع أنّ الاشتراك مرجوح مثل المجاز.
ومرجع الخلاف في كلام الأصحاب الذي وصل إلينا إلى ثلاثة:
الأوّل: ما ذهب إليه في الشرائع من الفرق بينهما بجواز ابتلاع ما يخرج من الصدر ما لم ينفصل عن الفم
و المنع عن ازدراد الثانية و إن لم تصل إلى الفم .
والثاني: ما ظهر من كلام الشهيد في الدروس من التسوية بينهما في جواز الابتلاع ما لم تصل إلى فضاء
الفم
و ارتضاه في المسالك .
والثالث: مساواتهما في عدم الإفطار ما لم ينفصلا عن الفم
و اختاره صاحب المدارك تبعاً للمحقّق في
المعتبر و العلامة في المنتهى و التذكرة
و هو الأقرب عندي; للأصل
و عدم صدق الأكل والشرب
و استصحاب
الصوم
و خصوص رواية غياث بن إبراهيم القويّة ـ لأنّ الراوي عنه في الكافي عبد اللّه بن المغيرة
و في
التهذيب صفوان بواسطة سعد بن أبي خلف
مع أنّ العùمة وثّقه في الخلاصة
و إن روى فيه أنّه تبريّ طائفة
من الزيدية
فغاية الأمر كونه موثّقاً ـ عن الصادق &
قال: (لابأس أن يزدرد الصائم نخامته) .
و قد يؤيّد بفحوى صحيحة عبد اللّه بن سنان الآتية في القيء و القلس
و يظهر ضعفه مما سنذكره.
فالمختار في المسألة عدم إفساد الصوم
و عدم وجوب القضاء و الكفارة بابتلاعهما ما لم تنفصلا عن الفم
و أمّا لو انفصلتا عن الفم ثمّ ابتلعهما فيفسد الصوم و يجب القضاء و الكفارة.
و هل تجب عليه كفارة واحدة أو كفارة الجمع؟ قطع في المسالك بوجوب كفارة الجمع; لأنّه إفطار بالحرام
و هو مبنيّ على القول بحرمة فضلات الإنسان
من ريقه و عرقه و نحوهما إذا انفصلت
و لم نقف على دليله إü
الاستخباث في بعضها كما مرّ.
وأمّا الازدراد من داخل الفم
فلا تتطرّق فيه شائبة الاستخباث

فالحكم بتحريمه لغير الصائم حتّى
يكون إفطاراً بالحرام للصائم في غاية البُعد
فالقول بكفارة الجمع فيه على القول بإفساده للصائم
أيضاً في غاية البُعد
سيّما و في رواية عبد اللّه ابن سنان
عن الصادق &: (من تنخّع في المسجد ثمّ
ردّها في جوفه لم تمرّ بداء في جوفه إü أبرأته) .
و إطلاق هذه الرواية أيضاً يدلّ على جواز ازدراد النخاعة في الصوم فتأمّل.
السادس: قال في التذكرة: بقايا الغذاء المتخلّفة بين أسنانه إن ابتلعها عامداً نهاراً فسد صومه
سواء أخرجها من فمه أو لا; لأنّه ابتلع طعاماً عامداً فأفطر كما لو أكل
ثمّ نقل خلاف أحمد والشافعي
وأبي حنيفة على اختلافهم في المذهب
و الظاهر منه عدم الخلاف.
واختار المحقّق وجوب الكفارة عليه أيضاً
و عن بعض الأصحاب أنّه المشهور بينهم .
وقال في المسالك: إنّ الخلاف فيما لو ابتلعه جاهلاً بحرمته
و إü وجبت الكفارة قطعاً .
و هذا أيضاً يشعر بعدم الخلاف فيه حينئذٍ
و قال: و لكن الشيخ في الخلاف أطلق القضاء
فكان قولاً و إن
ضعف.
ومن ذلك كلّه يظهر أنّ مناقشة صاحب المدارك في أصل الإفساد; لعدم تسميته أكلاً
و لصحيحة عبد اللّه
بن سنان الآتية في القلس ضعيفة
غاية الأمر أن يكون هذا من باب الأكل الغير المعتاد
و قد قدّمنا أنّه
مفطر.
و سيّما المستفاد من الأدلّة و الأقوال لزوم الاجتناب عن إدخال الطعام في الجوف من الحلق
إü ما
أخرجه الدليل
مثل الريق و النخامة
هذا الكلام في صورة العمد.
وأمّا لو كان سهواً فأطلق المحقّق بأنّه لاشيء عليه
و نقل في المسالك عن بعضهم التفصيل
فمن قصّر في
التخليل فيجب عليه القضاء; لتفريطه و تعريضه للإفطار
دون غيره
و قال: لابأس به .
وضعّفه في المدارك
و هو جيّد; للأصل
و عدم الدليل على كون مطلق التعريض مفطراً
خرجنا عنه في مثل

المضمضة عبثاً و نحوه بالدليل
و بقي الباقي تحت الأصل
و القياس باطل.
السابع: كلّما له طعم يتغيّر الريق بطعمه كالعلك و الكندر ونحوهما فإن تفتّت و دخل شيء من أجزائها في
حلقه عامداً أفطر
و أمّا لو لم يدخل شيء من أجزائها و لم يتغيّر الريق بطعمها فلا شيء عليه
و كذا لو
تغيّر و لم يدخل في حلقه.
وأمّا لو دخل في حلقه ففيه خلاف
والظاهر أنّ الأكثرين على الكراهة
و هو قول الشيخ في المبسوط .
وصرّح في النهاية بعدم الجواز
و هو ظاهر كلام ابن الجنيد
و الأوّل أقرب.
لنا: الأصل
و الاستصحاب
و الأخبار الحاصرة للمفطرات في غير ذلك
كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة و
غيرها.
وخصوص رواية أبي بصير
عن الصادق &
قال: سألته عن الصائم يمضغ العلك؟ قال: (نعم إن شاء) .
والعجب أنّ الشيخ قال في التهذيب: إنّه غير معمول به
مع أنّه عمل به في المبسوط
و لعلّه أراد أنّ
إطلاق قوله & (نعم) ينافي الكراهة
و لم يقل أحد بنفي الكراهة; لا أنّه حرام
والعمل عليه.
ورواية محمّد بن مسلم المرويّة في الكافي قال
قال أبوجعفر &: (يا محمّد إيّاك أن تمضغ علكاً
فإنّي
مضغت اليوم علكاً و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً) .
و الظاهر أنّ مراده & من قوله &: (وجدت في نفسي منه شيئاً) مظنّة دخول بعض أجزائه في الحلق
و فعله & مع
أنّ الغالب فيه حصول التغيّر في الريق والدخول في الحلق دلّ على الجواز.
حجّة المنع: امتناع انتقال الأعراض
فحصول الطعم مستلزم لحصول جزء منه في الريق الذي يدخل في الحلق
و خصوص حسنة الحلبي عنه & قال
قلت: الصائم يمضغ العلك؟ قال: (لا) .
وتؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر
عن أخيه
&

قال: سألته عن الصائم يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه
قال: (لايفعل) قلت: فإن فعل فما عليه؟ قال: (لاشيء عليه
و لايعود) و صحيحة الحلبي المتقدّمة في السواك.
والجواب عن الأوّل بالمنع عن استحالة انتقال الأعراض
و قد يحصل التغيّر بالمجاورة كما في الماء و
الهواء بمجاورة الميتة و غيرها
فعن المنتهى أنّه قال: و قد قيل إنّ من لطّخ باطن قدميه بالحنظل وجد
طعمه ولايفطر إجماعاً .
أقول: والأولى أن يقال على فرض تسليم عدم انتقال الأعراض نمنع انصراف أدلّة الإفطار بمثل بلع هذه
الأجزاء الصغار الّتي لا يدركها البصر.
وأمّا الحسنة فلا تقاوم ما ذكرناه
فتحمل على الكراهة
مع أنّ دلالة النهي على الفساد ووجوب القضاء
محل المنع.
هذا كلّه إذا لم يتحلّل منه شيء
فإن علم ذلك و ابتلعه عمداً فهو مفسد للصوم موجب للقضاء بل الكفارة
أيضاً.
الثامن: ذهب الشيخ في المبسوط والعùمة في المختلف إلى أنّ صبّ الدواء في الإحليل حتّى يصل إلى الجوف
مفسد للصوم
واستدلّ عليه في المختلف بما يرجع إلى القياس بالحقنة.
وذهب الشيخ في الخلاف و المحقّق في المعتبر إلى العدم.
وتردد في الشرائع
والأقرب الأوّل; للأصل
و بطلان القياس.
وكذلك ذهب في المختلف تبعاً للشيخ في المبسوط إلى أنّه إذا أمر غيره بإدخال مثل طعنة الرمح في جوفه
أو فعل هو بنفسه أفسد صومه
والأقوى عدمه
تبعاً للشيخ في الخلاف و ابن إدريس
وكذلك فيما لو داوى
جرحه بما وصل إلى جوفه.
المبحث الثاني
ييجب الإمساك عن الجماع في قُبُل المرأة
و يفسد الصوم للواطئ و الموطوءة بالإجماع والآية و الأخبار
المستفيضة
قدّ مرّ بعضها وسيجيء بعضها.
وفي دُبرها كذلك على الأظهر الأشهر; لعموم الآية
فإنّ المباشرة أعمّ
و إذا ثبتت الحرمة فيثبت
البطلان بالإجماع المركّب كما صرّح به في المدارك .
و كذلك عموم الأخبار الدالّة على وجوب الاجتناب عن جماع النساء و إتيانهنّ
سيّما و ورد أنّه أحد
المأتيين

و فيها دلالة على البطلان أيضاً.
ويدلّ عليه أيضاً: الإجماع
نقله الشيخ في الخلاف و ابن حمزة في الوسيلة على استواء فرجي الآدمي.
ويدلّ عليه أيضاً: أنّ الأخبار الواردة في حرمة التعمّد على الجنابة إلى الصباح منبّهة على أنّ
الجنابة مضرّة بالصوم
و هو مشروط بعدمها
خرج الإنزال نهاراً من دون اختيار
وكذلك المباشرة سهواً
بدليل الإجماع
والجماع في الدُبر موجب للجنابة; لأنّه يوجب الغسل كما بيّناه في كتاب الطهارة.
وبهذا يظهر فساد صوم الموطوءة أيضاً; لما بيّناه ثمّة من وجوب الغسل عليها
و يظهر من المبسوط نوع
تردّد في كونه ناقضاً .
وتدلّ على عدم البطلان به روايتان ضعيفتان دالّتان على أنّه لاينقض الصوم
و لايوجب الغسل عليهما .
و هما مع منافاتهما لما أثبتنا من وجوب الغسل به لايعارض بهما ما تقدّم.
وقال الشيخ في التهذيب: هذا خبر غير معمول به
و هو مقطوع الإسناد .
وأمّا دُبر الغلام فالمشهور فيه أيضاً الإفساد
و تردّد فيه في النافع .
و جعله العùمة في المختلف والمحقّق في الشرائع بعد التردّد تابعاً لوجوب الغسل
يعني: إن قيل بوجوب
الغسل فيكون جنابة
والجنابة مبطلة للصوم بناءاً على ما أشرنا إليه
وإü فلا.
أقول: والأظهر أنّه مبطل; لأنّه موجب للغسل كما حقّقناه في كتاب الطهارة
و يظهر التقريب في نقض
الصوم مما مرّ.
مع أنّه المناسب لوضع الصوم
بل يدلّ إبطال الجماع في الفرج الحلال على إبطاله بطريق أولى.
مع أنّه يمكن الاستدلال عليه بلفظ النكاح الوارد في الأخبار
بل الجماع أيضاً
مثل ما رواه الصدوق في
العلل
عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه &: لأيّ علّة لايُفطر الاحتلام الصائم و النكاح يُفطر
الصائم؟ قال: (لأنّ النكاح فعله
و الاحتلام مفعول به) .
وظاهر ابن حمزة في الوسيلة أيضاً الإجماع حيث سوّى بين فرجي الآدميّ
و هو المنقول عن الشيخ في
الخلاف و ظاهر المبسوط .
ودليل العدم: الأصل
و صحيحة محمّد بن مسلم السابقة.

و الأصل لايعارض الدليل
و الصحيحة غير باقية على ظاهرها كما لايخفى.
ويظهر مما تقدّم أنّ حكم الموطوء كحكم الواطئ.
وأمّا البهيمة; فالظاهر أنّ المشهور فيه أيضاً الإبطال
و ظاهر الشيخ في الخلاف أنّه لا خلاف فيه
و
إن كان يظهر منه نوع اضطراب
و ذهب ابن إدريس و الفاضلان إلى العدم .
ويمكن أن يستدلّ عليه: بأنّه موجب للغسل على الأظهر كما بيّناه
اتكالاً على فحوى قول عليّ &:
(أتوجبون عليه الجلد و الرجم و لاتوجبون عليه صاعاً من ماء؟!) منضمّاً إلى اشتراط الخلوّ عن الجنابة
عمداً في الصوم كما أشرنا.
قالوا: ولافرق في الموطوء بين الحي و الميت.
هذا كلّه مع عدم الإنزال
و أمّا مع الإنزال فلا إشكال في الإفساد بالأخبار و الإجماع.
الثالث: اختلف الأصحاب في كون الكذب على اللّه و رسوله والأئمّة متعمّداً مفطراً موجباً للقضاء و
الكفارة
أو القضاء فقط
أو عدمهما ـ بعد اتفاقهم على عدم كون مطلق الكذب ناقضاً
و إن حرم الجميع على
تفاوت في مراتبه في القوّة و الضعف بالذات و بحسب الزمان ـ على أقوال.
فأكثر القدماء على الأوّل
منهم الشيخان
و السيد في الانتصار
و أبو الصلاح
و ابن البراج
و نسبه
في الدروس إلى المشهور .
وقال السيّد في الجمل: الأشبه أنّه ينقض الصوم و إن لم يبطله
و اختاره ابن إدريس والعùمة و أكثر
المتأخّرين .
وظاهر المحقّق في النافع أنّه موجب للقضاء فقط .
و الأقوى الأوّل; للإجماع المنقول في الانتصار
و عن ابن زهرة أيضاً أنّه ادّعاه .
وقال في المنتهى بعد أنّ نسب هذا القول إلى الشيخين: احتجّوا بالإجماع
ويظهر منه أنّهما أيضاً
ادّعيا الإجماع .
و لخصوص موثّقة أبي بصير
قال: سمعت أبا عبد اللّه & يقول: (الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم) قال
قلت
له: هلكنا! قال: (ليس حيث تذهب
إنّما ذلك الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة {) .

وطعنوا عليها بضعف السند; بأنّ في طريقها منصور بن يونس بن بزرج
و قال الشيخ: إنّه واقفي
و نقل
الكشي رواية تدلّ على أنّه جحد النصّ على الرضا & لأموال كانت في يده .
وفيه: أنّ النجاشي وثّقه من دون ذكر الوقف
ولو ثبت فالخبر موثّق
و هو حجّة
سيّما مع اعتضادها بعمل
القدماء
و خصوصاً مع أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير
و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه
و
لايروي إü عن ثقة كما ذكروه
و في طريق الرواية جهالة.
وبأنّ أبا بصير مشترك بين الثقة و الضعيف.
وفيه: أنّ التحقيق أنّه لا اشتراك فيه بينهما
بل الظاهر أنّه الثقة
سيّما إذا كان راوياً عن أبي عبد
اللّه &. و وصف العùمة في المختلف هذه الرواية بالموثّقة أيضاً .
وبأنّها مشتملة على ما لايقول به الأصحاب من كونه ناقضاً للوضوء.
وفيه: أنّ الحقّ أنّه لايخرج الخبر بذلك عن الحجيّة في سائر أجزائه
مع أنّ الكليني رواها في كتاب
الإيمان و الكفر في الحسن لإبراهيم بن هاشم
عن ابن أبي عمير
عن منصور
عن أبي بصير
قال: سمعت أبا عبد
اللّه & يقول: (إنّ الكذبة لتفطر الصائم) قلت: و أيّنا لايكون ذلك منه؟ قال: (ليس حيث ذهبت) إلى آخر
الحديث.
وكذلك الصدوق رواها في الفقيه بسنده عن منصور ـ وهو صحيح كما في الخلاصة ـ عن أبي بصير
عن أبي عبد
اللّه &: (إنّ الكذبة على اللّه و على رسوله و على الأئمّة { تفطر الصائم) و ليس فيهما نقض الوضوء.
فهذه الرواية
مع عمل القدماء
و ورودها في الكتب الثلاثة
يكفي في إثبات المطلب.
و دلالتها أيضاً واضحة
فإنّ الإفطار إما من باب الحقيقة الشرعيّة
أو التشبيه بالإفطار
فتعمّ
أحكامه
سيّما الشائعة منها

ومنها القضاء والكفارة.
والدليل على أنّّ المفطر في شهر رمضان يجب عليه القضاء و الكفّارة الأخبار الكثيرة
و سيجيء شطر
منها.
وموثّقة سماعة ـ و في طريقها عثمان بن عيسى
و هو غير مضرّـ قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان
فقال:
(قد أفطر و عليه قضاؤه) فقلت: ما كذبته؟ فقال: (يكذب على اللّه و على رسوله)
رواها في باب ماهيّة
الصيام
و إضمار سماعة غير مضرّ كما حقّق في محلّه.
وروى في باب ما يفسد الصيام أيضاً في الموثّق عنه
قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان قال: (قد أفطر و
عليه قضاؤه و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد) و لايضرّ اشتمالها على قضاء الوضوء كما مرّ
و
حمله الشيخ في الوضوء على الاستحباب .
والعجب أنّ العùمة و غيره من المتأخّرين اكتفوا في هذا المقام بهذه الرواية ورواية منصور على ما في
التهذيب
و قدحوا فيهما بما قدحوا
مع ما عرفت من وجود غيرهما من دون ورود ما أوردوا.
وههنا روايات اُخر أيضاً: مثل ما رواه في الخصال مرفوعاً
عن أبي عبد اللّه &
قال: ( خمسة أشياء تفطر
الصائم: الأكل و الشرب
والجماع
والارتماس في الماء
و الكذب على اللّه وعلى رسوله ْ و على الأئمّة {)
و في كتاب الإقبال أيضاً ما يدلّ عليه .
واحتج المتأخرون; بالأصل
و صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة .
والأصل مخرج عنه بما ذكرنا
والصحيحة مع أنّها ليست باقية على ظاهرها لاتقاوم ما ذكرنا من الأدلّة.
ثمّ إنّ ظاهر هذا الكلام ـ يعني أنّ الكذب على اللّه مفطرـ أنّه يعتقد أنّه كذب و يقول
لا أن يقول
شيئاً هو غير مطابق للواقع مع اعتقاد المطابقة
وإن كان الكذب على التحقيق هو المخالف للواقع كما
صرّح به جماعة .
وعلى هذا فلو اعتقد المخالفة وقال فهو داخل في المسألة
و إن كان في الواقع موافقاً للواقع
فإنّه
لاريب أنّ التكاليف منوطة بالعلم.
وقال المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه: الظاهر أنّ منه بيان المسائل الدينيّة على خلاف ما هي عليه .

أقول: إن أراد أنّه إذا اعتقد أنّه خلاف حكم اللّه الواقعي و الظاهري كليهما و نسبه إلى اللّه تعالى
فهو كما ذكره
و أمّا في مثل بعض القاصرين من العلماء و العوام
حيث ينسب القول إلى اللّه تعالى
بمجرّد فتوى رآها في كتاب
و لم يكن تكليفه الاقتصار عليه
أو بتقليد من ليس تكليفه تقليده
فهو مشكل
من أنّه ليس بحكم اللّه الواقعي في اعتقاده
و لا الظاهري
و نسب إليه تعالى
و من أنّه لم يعتقد أنّه
كذب
غاية الأمر عدم اعتقاده للصدق.
وأمّا لو قال: الحكم هكذا و الصلاة هكذا
و الصوم هكذا من دون نسبة إلى اللّه و القصد إلى ذلك أيضاً
و
إن كان ربّما دلّ على ذلك دلالة تبعية غير مقصودة
فالحكم بالإفساد أشدّ إشكالاً
بل الظاهر عدم
الإشكال في العدم.
الرابع: الارتماس متعمّداً
و اختلفوا فيه
فأكثر القدماء على أنّه مفسد و موجب للكفارة
و نسبه في الدروس إلى المشهور
و اختاره
هو
وهو مذهب الشيخين في غير التهذيب و الاستبصار
و جعله في المبسوط أظهر الروايات
و ادّعى عليه
في الانتصار الإجماع
و هو المنقول عن ابن زهرة
و كذا ظاهر الشيخ في الخلاف .
وعن أبي الصلاح: وجوب القضاء خاصة
و هو المنقول عن العùمة في التلخيص
و ظاهر النافع .
وذهب الشيخ في الاستبصار
و ابن إدريس
و الفاضلان في جملة من كتبهما
و جماعة ممن تأخّر عنهما; إلى
الحرمة
و عدم الإفساد و الكفارة.

وعن السيد في الجمل أيضاً: التنصيص بعدم الإفساد .
وعن ابن أبي عقيل: أنّه مكروه
و كذا الشيخ في التهذيب .
والأقوى الأوّل; للإجماعات المنقولة
و خصوص رواية الخصال المتقدّمة
و مثل صحيحة محمّد بن مسلم
المتقدّمة حيث ذكر فيها الارتماس مع الأكل و الشرب و ما في معناهما
الظاهرة في تساويه معها.
وفي الفقه الرضوي: (واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل
و الشرب
و الجماع
و الارتماس في الماء
و
الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة) .
وأمّا الأخبار الدالّة على التحريم فهي كثيرة معتبرة
مثل صحيحة الحلبي
عن أبي عبد اللّه &
قال:
(الصائم يستنقع في الماء و لايرمس رأسه) .
وصحيحة محمّد بن مسلم
عن أبي جعفر &
قال: (الصائم يستنقع في الماء و يصبّ على رأسه
و يتبرّد بالثوب
و
ينضح المروحة
و ينضح البوريا تحته
و لايغمس رأسه في الماء) .
و هذه الأخبار مع الأصل
و خصوص رواية إسحاق بن عمّارـ ووصفها في المنتهى بالموثّقة ـ قال
قلت لأبي
عبد اللّه &: رجل صائم ارتمس في الماء متعمداً
أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: (ليس عليه قضاؤه و لايعودن)
دليل التحريم و عدم الإفساد.
والأصل لايقاوم الدليل. و كذلك هذه الرواية ـ مع سلامة سندها ـ لاتقاوم الإجماعات المنقولة و
الروايات المتقدّمة
سيّما مع ما ذكره في المبسوط من كون ذلك أظهر الروايات
فإنّه يظهر منه أنّّه
كان بخصوص القضاء و الكفارة معاً رواية.
وأمّا حجّة ابن أبي عقيل فهي رواية عبد اللّه بن سنان
عن أبي عبد اللّه &
قال: (يكره للصائم أنْ يرتمس
في الماء) .

و هي مع سلامة سندها ممنوعة الدلالة; لمنع الحقيقة الشرعيّة في الكراهة.
تنبيهات:
الأوّل: ذكر جماعة أنّّ المراد هنا بالارتماس غمس الرأس في الماء و إن بقي البدن خارج الماء ; لإطلاق
الأخبار. والتأمل فيها يفيد أنّّ المراد به غمسه بعد الاستنقاع أو الارتماس بتمام البدن
و لكن
الأحوط
بل الأظهر الوقوف معهم.
وقال الشهيد الثاني رحمه اللّه: المراد به غمس الرأس في الماء دفعة واحدة عرفيّة
و يشكل بأنّّه لا
دليل على إخراج ما لو غمسه تدريجاً; لصدق الارتماس عليه.
وأمّا لو أحاطه ماء غامر بعنوان الصبّ دفعة
فالظاهر أنّه خارج عن مورد الأخبار.
ويشكل بما لو غمس جميع المنافذ و بقيت منابت الشعر
نظراً إلى أنّ الرأس حقيقة في المجموع
و إلى أنّ
الحكمة لعلها دخول الماء في الجوف من المنافذ
و هي موجودة فيما نحن فيه
وكذلك الإشكال لو بقي بعض
المنافذ كالعين و الاُذُن.
الثاني: إطلاق النصّ و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين النافلة و الفريضة
فمن قال بالإفساد يقول
به فيهما
و من يقول بالتحريم فقط فالأظهر فيها أيضاً التحريم كالتكفير في الصلاة
هذا إذا اُريد
بقاء الصوم
و إü فيجوز قولاً واحداً.
الثالث: إن قلنا بالتحريم فقط; فالثمرة حصول العقاب و نقص الكمال.
وجَعَلَ في المسالك من ثمراتها بطلان الفعل الارتماسيّ حينئذٍ; لأنّ النهي تعلّق بجزء العبادة .
وفيه إشكال من وجهين:
الأوّل: إنّ النسبة بين حُرمة الارتماس و دليل الغُسل عموم من وجه
و لادليل على استحالة اجتماعهما
حينئذٍ كما حقّقناه في الاُصول .
والثاني: منع كون رمس الرأس جزءاً
بل إنّما هو إيصال الماء إلى كلّ جزء جزء من الرأس
و رمسه في الماء
مباح
و الحرام إنّما هو جمع الكلّ فيه
و كونه جزء الغسل ممنوع
كذا ذكره بعض الأفاضل .
وقال في المدارك: يتمّ البطلان إذا وقع الغسل حال الارتماس و حال الاستقرار
و أما لو وقع في حال
الأخذ في رفع الرأس من الماء

فإنّه يجب الحكم بصحّته; لأنّ ذلك واجب محض لم يتعلّق به نهي أصلاً
فينتفي المقتضي للفساد .
أقول: ويشكل إذا تعمّد الارتماس عالماً بحرمته; لصيرورته بنفسه سبباً لذلك
فلا يستحيل التكليف بما
لايطاق
و إن قيل: إنّ هذا ليس بارتماس
فيخرج عن المسألة.
وأما الناسي; فلا إشكال في صحّة غسله
كما لاإشكال في صحّة صومه على القول بالإفساد.
وأما الجاهل; فإن كان غافلاً عن المسألة و عن وجوب تحصيلها إجمالاً و تفصيلاً فكذلك
و إü فالظاهر
أنّه كالعامد
كما حقّقناه في الاُصول
مع إشكال في الكفارة على القول بها.
الخامس: يجب الإمساك عن إيصال الغُبار إلى الحلق عمداً
سواء كان بقصد ذلك بالذات
أو بأن يقوم في
مقام يوجب ذلك من دون اضطرار.
وقيّده الأكثر بالغليظ
و المستند أعم.
وحدّ الحلق: مخرج الخاء المعجمة.
وهو مُفسد للصوم عند أكثر الأصحاب
بل يظهر من التذكرة أنّه مذهب علمائنا
حيث نسب الخلاف إلى
الجمهور
و عن ابن زهرة أنّه ادّعى عليه الإجماع
إü أنّه عبّر بالشم الموجب لوصول شيء إلى الجوف
و
كذلك عن ابن إدريس في القضاء .
قال في المنتهى: و على قول السيد المرتضى ـ رضي اللّه عنه ـ ينبغي عدم الإفساد بذلك .
و الظاهر أنّ مراده من قوله هو عدم الإفساد بأكل غير المعتاد كما اختاره في الجمل .
والحقّ أنّه على قول المشهور من إفساد غير المعتاد لايندرج ذلك فيه
فإنّه أكل غير معتاد; لأنّ
المأكول غير معتاد
فالتمسّك بأنّه نوع من المتناولات فيفطر ضعيف
و إن كان يمكن التأييد به.
فحجّة المشهور: هي رواية سليمان بن جعفر المروزي
قال: سمعته يقول: (إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان
أو
استنشق متعمّداً
أوشمّ رائحة غليظة
أو كنس بيتاً فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين

متتابعين
فإنّ ذلك له مفطر كالأكل والشرب و النكاح) .
ويظهر من المحقّق في المعتبر التوقّف; لإضمار الرواية .
والأقوى هو المشهور; لانجبار ضعف الرواية بعملهم
و لايضرّ ضعف الرواية ولا إضمارها
بل كلّما كانت
الرواية أضعف يصير الاعتماد عليها مع العمل أقوى
و كذلك لايضرّ اشتمالها على ما لايقول به الأصحاب
من حكاية المضمضة و الاستنشاق.
و أما شمّ الرائحة الغليظة فهو مما ليس مهجوراً عندهم
بل جعله الشيخ في النهاية و ابن البرّاج مما
يوجب القضاء والكفارة إذا وصلت إلى الجوف
مع أنّ الشيخ في المبسوط جعل ذلك مقتضى الروايات
وهو
مشعر بكثرتها.
وأما ما يدلّ على المنع ; فهو الأصل
و صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة
فإنّ الغبار ليس بطعام
ولاشراب.
وموثّقة عمروبن سعيد
عن الرضا &
قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه
قال: (جائز لابأس به) قال: وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه
قال: (لابأس به) .
وفيه: أنّ الأصل لايقاوم الدليل
و الصحيحة ليست باقية على عمومها كما مرّّ
والموثّقة لم تدلّ على
تعمّد الإيصال
بل هي ظاهرة في دخوله من دون الاختيار.
ومع التسليم فهجر الأصحاب هذه مع كونها أوضح سنداً وأسلم من كثيرٍ ممّا في مستندهم أدلّ دليل على
عدم اعتبارها.
وأما الكفارة; فظاهر الأكثر وجوبها
و بعضهم اكتفى بذكر القضاء
وبعضهم صرّح بعدمها كابن إدريس
قال: و أما غبار النفض
فالذي يقوى في نفسي أنّه يوجب القضاء دون الكفارة إذا تعمّد الكون في تلك
البقعة من غير ضرورة
فأمّا إذا كان مضطراً إلى الكون في تلك البقعة و تحفّظ و احتاط في التحفّظ;
فلاشيء عليه من قضاء و غيره
انتهى.
ولما كان المستند هو رواية سليمان فالأظهر الوقوف مع الأكثر.
ثم إنّ ظاهرهم عدم الفرق بين ما لو كان الغبار من حلال كالدقيق

أو غيره كالتراب.
و تقييدهم بالغليظ إن كان غرضهم الاحتراز عما لايحسّ حصوله في الحلق فلا بأس به
و أما مع حصوله في
الحلق سيّما بحيث يخرج شيء محسوس منه بالتنحنح فلا فرق بين الغليظ و غيره.
ثمّ إنّه يشكل الأمر في مثل الحصاد المستلزم لذلك غالباً
فإن تركه مستلزم للضرر العظيم
وارتكابه
في الليل موجب لذلك والعسر الشديد
والظاهر أنّه مع التحفّظ مهما أمكن غير مضرّ وإن وصل إلى حلقه
شيء.
وألحق جماعة من المتأخّرين الدخان الغليظ الذي فيه أجزاء تتعدّى إلى الحلق
و هو أحوط.
السادس: يجب الإمساك عن البقاء على الجنابة عمداً إلى الصباح
سواء نوى أن يغتسل بعد الفجر أو نوى أن
يشرع في الغسل في وقت لايقع تمامه قبل الفجر أو لا; فإنّ كلّ ذلك في معنى تعمّد البقاء على الجنابة
و
مفسد للصوم
وموجب للكفارة
و هو المشهور المعروف من مذهب الأصحاب
و في الانتصار والوسيلة و السرائر
أنّه إجماعي
و نقل ذلك عن الخلاف والغنية و كشف الرموز أيضاً
و هو الظاهر من العùمة في التذكرة و
المنتهى في الإفساد .
وعن الصدوق في المقنع: القول بعدم الوجوب
حيث قال: سأل حمّاد بن عثمان أباعبد اللّه & عن رجل أجنب في
شهر رمضان من أوّل الليل
و أخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر
فقال له: (قد كان رسول اللّه ْ يجامع نساءه
من أوّل الليل
و يؤخّر الغسل حتّى يطلع الفجر
لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب: يقضي يوماً مكانه) .
و نقل عنه ـ رحمه اللّه ـ أنّ عادته في هذا الكتاب نقل متون الأخبار و الإفتاء بها. و مال إليه
المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه .
و ذهب ابن أبي عقيل إلى وجوب القضاء فقط
والأقوى الأوّل.
لنا: الإجماعات المنقولة
و الأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً
مثل صحيحة الحلبي
عن أبي عبد اللّه &
أنّه قال في رجل احتلم أوّل الليلة أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح قال:
(يتمّ صومه ذلك ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربّه) .

و صحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور قال
قلت لأبي عبد اللّه &: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ
ينام حتّى يصبح
قال: (يتمّ يومه و يقضي يوماً
و إن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه و جاز له) .
وصحيحة معاوية بن عمّار قال
قلت لأبي عبد اللّه &: الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في
شهر رمضان
قال: (ليس عليه شيء) قلت: فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح
قال: (يقضي ذلك اليوم عقوبة) .
وصحيحة محمّد بن مسلم
عن أحدهما }
قال: سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمّ ينام قبل أن
يغتسل
قال: (يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم
إü أن يستيقظ قبل الفجر
فإن انتظر ماءاً يسخن أويستقى فطلع
الفجر فلا يقضي يومه) .
و صحيحة أحمد بن محمّد
عن أبي الحسن &
قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان
أو أصابته جنابة
ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّداً
قال: (يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه) .
وموثّقة أبي بصير
عن أبي عبد اللّه &: في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمّداً حتّى
أصبح
قال: (يعتق رقبة
أو يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستّين مسكيناً) قال
وقال: (إنّه حقيق أن لا
أراه يدركه أبداً) .
وموثّقة سماعة
قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان
فنام و قد علم بها و لم يستيقظ
حتّى أدرك الفجر
قال: (عليه أن يتمّ صومه
و يقضي يوماً آخر) فقلت: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي
رمضان؟ قال: (فليأكل يومه ذلك و ليقض
فإنّه لايشبه رمضان شيء من الشهور) .
ورواية إبراهيم بن عبد الحميد
عن بعض مواليه

قال: سألته عن احتلام الصائم قال
فقال: (إذا احتلم
نهاراً في شهر رمضان فلايتمّ حتّى يغتسل
و إن أجنب ليلاً في شهر رمضان
فليس له أن ينام إü ساعة حتّى
يغتسل
فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً و قضاء ذلك
اليوم و يتمّ صيامه
و لن يدركه أبداً) .
و رواية سليمان بن جعفر المروزي
عن الفقيه &
قال: (إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لم يغتسل حتّى
يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم) إلى غير ذلك من الأخبار.
حجّة القول الآخر: الأصل
و قوله تعالى:
حتّى يتبيّن
فإنّه غاية للأُمور الثلاثة
و الأخبار
المعتبرة
مثل صحيحة العيص بن القاسم
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل
الليل و أخّر الغسل حتّى يطلع الفجر
قال: (يتمّ صومه ولاقضاء عليه) .
وصحيحته الاُخرى
عنه &: عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ
ثمّ ينام قبل أن يغتسل
قال:
(لابأس) .
وصحيحة حبيب الخثعمي
عنه &
قال: ( كان رسول اللّه ْ يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يوخّر
الغسل متعمّداً حتّى يطلع الفجر) .
ورواية إسماعيل بن عيسى
قال: سألت الرضا & عن رجل أصابته جنابة فنام عمداً حتّى يصبح
أيّ شيء عليه؟
قال: (لايضرّه و لايبالي
فإنّ أبي & قال
قالت عائشة: إنّ رسول اللّه ْ أصبح جنباً من جماع من غير
احتلام قال: لايفطر ولايبالي) الحديث
إلى غير ذلك من الأخبار.
والجواب عن الأصل; أنّه مخرَج عنه بالدليل.
وعن الآية

أنّه لا دليل على لزوم إرجاع المخصِّص المتعقّب للجمل إلى الجميع
و إنّما يضمّ الأكل إلى
الشرب للإجماع
و لا إطلاق في الآية بحيث يعتمد عليه
مع أنّه رفع للسلب الكلّي السابق
و هو حرمة
الجماع في تمام الليل
و يحصل بالإيجاب الجزئي وإرجاع الإطلاق إلى العموم للخروج عن اللغوية
و هو
يتمّ بحمله على مقدار يمكن بعده الغسل
فلا ضرورة إلى الأزيد.
سلّمنا
لكنها مخرج عنها بالأخبار المستفيضة المعتبرة الموافقة لجمهور الأصحاب و الإجماعات
المنقولة.
وأمّا الأخبار فهي محمولة على التقيّة; لموافقتها للعامّة
كما ينادي به سياق بعضها
حيث نسب ذلك إلى
عائشة
و إلى فعل رسول اللّه ْ على سبيل الاستمرار
مع كونه مرجوحاً اتفاقاً.
ويمكن حمل بعضها على صورة العزم على الغسل
كصحيحة العيص و ما في معناها.
وبالجملة المسألة واضحة.
وينبغي التنبيه لأُمور:
الأوّل: إنّ ظاهر كلام الأصحاب في بيان ماهيّة الصوم (أنّه هو الإمساك عن الاُمور المحصورة الّتي
منها البقاء على الجنابة متعمّداً) يقتضي التعميم في كلّ صوم
و لكن الأخبار كما ترى واردة في شهر
رمضان
و لذلك تردّد العùمة في المنتهي .
و قال في المعتبر: ولقائل أن يخصّ هذا الحكم برمضان .
أقول: والأظهر إلحاق قضاء شهر رمضان به في الإفساد; لصحيحة عبد اللّه بن سنان: أنّه سأل أبا عبد اللّه
& عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب في أوّل الليل
و لايغتسل حتّى يجيء آخر الليل
و هو يرى أنّ الفجر قد
طلع
قال: (لايصوم ذلك اليوم
و يصوم غيره) .
وصحيحته الاُخرى
قال: كتب أبي إلى أبي عبد اللّه & و كان يقضي شهر رمضان
و قال: إنّي أصبحت بالغسل و
أصابتني جنابة فلم اغتسل حتّى طلع الفجر
فأجابه: (لاتصم

هذا اليوم
و صم غداً) وقد مرّت موثّقة سماعة
أيضاً.
ويظهر من هذه الأخبار: أنّّ المجنب لايصحّ منه القضاء و إن كان أصبح جنباً سهواً
أو من غير علم كما
لو احتلم و لم يعلم حتّى أصبح.
واحتمل الشهيد الجواز مع التضيّق إن لم يعلم الجنابة حتّى أصبح
و كذلك احتمله في المسالك .
أقول: و يؤيّده أنّ ظاهر الأخبار أيضاً صورة التوسعة.
وأما الصوم المندوب
فجوّزه بعضهم
و منعه بعضهم
و تردّد بعضهم
و الأقرب الجواز; لصحيحة حبيب
الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّه &: أخبرني عن التطوّع وعن صوم هذه الثلاثة الأيّام
إذا أجنبت من
أوّل الليل فأعلم أنّي قد أجنبت فأنام متعمّداً حتّى ينفجر الفجر
أصوم أو لا أصوم؟ قال: (صم) .
وموثّقة ابن بكير
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتّى يصبح
أيصوم ذلك اليوم
تطوّعاً؟ فقال: (أليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار) و له رواية اُخرى تدلّ عليه أيضاً .
وأما سائر أفراد الصيام; فالأصل يقتضي عدم اشتراطها بذلك. و إطلاق الأصحاب ـ سيّما مع إشكالهم في
قضاء رمضان و صيام الندب ـ لايبقى معه اعتماد عليه
و خصوصاً مع ملاحظة موثّقة سماعة المتقدّمة
المنبّهة على أنّ شهر رمضان مخالف لغيره
و كذلك مفهوم قوله &: (إذا أفطر من شهر رمضان) في صحيحة
الحلبي المتقدّمة
و سبيل الاحتياط واضح.
وقال في المسالك: و في حكم القضاء النذر المطلق
و الكفارة قبل التلبّس بها
و لو كان في الأثناء حيث
يشترط التتابع أو في أثناء صوم يشترط تتابعه وجهان
أجودهما عدم صحّة الصوم
و لايقطع التتابع; لعدم
التقصير .
وناقشه في المدارك: بمنع الدليل على الإلحاق
و بمنع عدم انقطاع التتابع
و عدم لزوم الإثم لايستلزم
حصول الامتثال
و هو كما ذكره.
الثاني: قال في المنتهى: لم أجد لأصحابنا نصّاً صريحاً في حكم الحيض في ذلك

يعني أنّها إذا انقطع
دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال و يبطل الصوم لو أخلّت به حتّى يطلع الفجر؟ الأقرب ذلك; لأنّ
حدث الحيض يمنع الصوم
فكان أقوى من الجنابة
و هو مختار جماعة من الأصحاب
منهم ابن أبي عقيل .
وعن النهاية الجزم بالعدم
وهو قضيّة كلام من ذكر المفطرات و لم يذكر ذلك كالشيخ في الجمل و المبسوط
و ابن حمزة كما نقل عنهما
ومال إليه في المدارك .
و توقّف المحقّق في المعتبر .
والأوّل أقوى; لموثّقة أبي بصير
عن أبي عبد اللّه &
قال: (إن طهرت بليل من حيضها ثمّ توانت أن تغتسل
في رمضان حتّى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم) .
والظاهر عدم وجوب الكفّارة كما صرّح به جماعة ; للأصل
و جعلها العلامة في المختلف كالجنب
و هو ضعيف.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الحكم مختصّ برمضان; للأصل
و عدم الدليل في غيره.
وأمّا دم النفاس; فالأظهر أنّه كالحيض كما اختاره جماعة من الأصحاب
و يدلّ عليه مايفهم من الأخبار
من مساواة النفساء مع الحائض و إجماعهم على أنّه يحرم عليها ما يحرم عليها
بل قال في المعتبر: إنّه
مذهب أهل العلم كافة .
وأمّا غسل مسّ الميّت; فالأصل يقتضي عدم وجوبه له
و لم أقف فيه على قول بالوجوب
و صرّح المحقّق
الأردبيلي ـ رحمه اللّه ـ بعدمه .
وأمّا غسل الاستحاضة
فالمشهور بين الأصحاب بطلان الصوم بالإخلال بالأغسال الّتي تجب عليها
بل قال
في المدارك: هذا مذهب الأصحاب
وربما يدّعى اتفاقهم عليه.
والأصل في المسألة صحيحة عليّّ بن مهزيار
قال: كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في
أوّل يوم من شهر رمضان
ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة
من الغسل لكلّ صلاتين
هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ قال: (تقضي صومها
ولا تقضي صلاتها; لأنّ رسول
اللّه ْ كان يأمر فاطمة ے و المؤمنات من نسائه بذلك) .

والمناقشة فيها بالإضمار مع كون المكاتب هو الثقة الجليل لايضرّ
مع أنّ في الكافي: كتبت إليه &
و في
الفقيه: فكتب &.
وكذلك الطعن فيها باشتمالها على خلاف ما عليه الأصحاب من عدم وجوب القضاء كما مرّّ مراراً.
وقد توجّه بتوجيهات
أوجهها: أنّ كلمة (لا)من توهّم الراوي
أو تصحيف كلمة (ولاء) بالمدّ ردّاً على
توهّم أنّها تفرّق في قضاء الصوم
للفرق بين القضاء والأداء
فلعلّه & كتب تحت قوله: (صومها) تقضي
صومها ولاءاً
و تحت قوله: (صلاتها) تقضي صلاتها.
وربّما يؤيّد ذلك بمكاتبة الصفّار التي وردت في قضاء صوم الولي
ففي جملتها: أنّه يقضي عشرة أيّام
و
لكن يقدح فيها ما ذكره بعض المحقّقين من عدم ارتباط السؤال بالجواب
فإنّ مورد السؤال من الاُمور
النادرة
و الجواب يشعر بكثرة الوقوع من جهة قوله & (كان يأمر) فلعلّ ذلك كان جواب السؤال عن الحيض
فإنّ هذه العبارة وردت في بعض أخبار الحيض بعينها.
و لعلّ ذلك حصل من جهة غفلة الناقل
فإنّ من شأن المكاتبة الجمع بين السؤالات المختلفة
وبأدنى غفلة
تلتبس أوضاع السؤال والجواب
و لذلك يظهر من بعضهم التوقّف كالشيخ في المبسوط حيث أسندها إلى رواية
الأصحاب .
وكيف كان; فهذه الرواية مع عمل الأصحاب يكفي في إثبات هذا الحكم.
و لكن الإشكال في تحقيق الشرط أنّه أيّ شيء هو
فهل هو جميع الأغسال أو بعضها
أو هي مع ضمائمها
كالوضوء لكلّ صلاة
أو ذلك مع تغيير القطنة و الخرقة أيضاً؟ فقد اختلف كلام الأصحاب فيه
و قد حصرها
بعض الأفاضل في وجوه ستة :
الأوّل: اشتراط صومها بكلّ ما عليها كما هو ظاهر الشيخ في النهاية و ابن إدريس .
والثاني: عدم اشتراطه بشيء منها كما يظهر من المبسوط و المنتهى
حيث أشعر كلامهما بالتوقّف في
القضاء إن أخلّت بالأغسال .
والثالث: اشتراطه بالغسل النهاري خاصّة
و هو اختيار الشهيد في الدروس والبيان .
والرابع: اشتراطه بالغسل الفجري

و عدم اشتراطه بالغسل للظهرين إن تجدّدت الكثرة في اليوم
و هو الذي
احتمله العلامة في التذكرة .
والخامس: اشتراطه بالغسل الفجري خاصّة
وهو الذي احتمله العلامة في النهاية مع وجوب تقديمه على
الصوم
بناءاً على أنّه لايكون مشروطاً إü بما تقدّمه.
والسادس: اشتراطه بما قارنه أو تقدّم عليه
لا بما تأخّر عنه
و هو الذي اختاره الشهيد الثاني في
الروضة
قال: وربّما يحتمل وجوب القضاء عليها مع صحّة صومها; لأنّ القضاء بأمر جديد
ورد به النص و
أفتى به الأصحاب
و لم يقم على الفساد دليل
وإيجاب القضاء لايدلّ عليه .
أقول: ولا ينبغي التأمّل بناءاً على العمل بالرواية كما هو الوجه في بطلان الصوم و وجوب القضاء لمن
تركت جميع ما عليها بناءاً على حمل سؤال الراوي على السالبة الكلّيّة بالنسبة إلى جميع ما يجب
عليها
و أما على حمله على السلب الجزئي كما هو الظاهر في رفع الإيجاب الكلّي فالظاهر اختصاص
اشتراطه بالأغسال النهاريّة
و تخصيص الغسل لكلّ صلاتين إما من باب المثال
أو اُريد جمع صلاة الليل
مع الغداة أيضاً
و القيد بقوله (لكلّ صلاتين) وارد مورد الغالب
لكون المتوسّطة من الأفراد النادرة
و لاحجّة في القيد إذا ورد مورد الغالب
مع أنّ الظاهر عدم القول بالفصل.
وأمّا الوضوء و تغيير القطنة و الخرقة فليست من متمّمات الغسل كما حقّقناه في محلّه
بل الظاهر
أنّها لتصحيح الصلاة
مع أنّه إنّما سئل عن الغسل.
وكذلك الظاهر عدم اشتراط تقديم الغسل الفجري على الفجر; لعدم اشتراطه في غسل المستحاضة
و لا
استبعاد في تأثير ذلك في تصحيح ما تقدّمه من الزمان
بخلاف الغسل الليلي الآتي.
وأمّا اشتراط الغسل الليلي للصوم الآتي فلايبعد اشتراطه
إü أن يداخله في الفجري الآتي
أو برئت في
الليل و اغتسلت للبرء.
تنبيهات:
الأول: لو استحاضت بعد صلاة الغداة أو صلاة الظهر والعصر

فالظاهر عدم وجوب الغسل
حتّى يأتي وقت
الصلاة الاُخرى; لأنّ المستفاد من الرواية إنّما هو اشتراطه بالغسل الواجب للصلاة
و المفروض عدمه.
الثاني: هذا الحكم مختص بشهر رمضان لاغير
اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص.
الثالث: لو لم يتمكّن الجنب و أخواته من الغسل
ففي وجوب التيمّم عليهم قولان
أصحّهما الوجوب; لما
مرّ في مبحث التيمّم; من أنّه يجب لكلّ ما تجب له المائيّة
و يلزمه القول بوجوب القضاء و الكفارة مع
تعمّد الترك.
و حينئذٍ فهل يجب البقاء عليه إلى الفجر؟ فيه أيضاً قولان
و ما ذكروه في وجه القولين لايخلو عن ضعف
و الأولى أن يبنى ذلك على أنّ التيمّم هل هو رافع لوصف الحالة المانعة إلى زمان التمكّن من الغسل
أو
إلى أحد الأمرين من ذلك
أو حصول ناقضٍ له.
ويتفرّع على ذلك: أنّ الجنب إذا تيمّم ثمّ أحدث بحدث أصغر
هل يجب عليه الوضوء أو التيمّم بدلاً عن
الغسل إلى أن يتمكّن من الغسل؟ و قد ذكرنا في مبحث التيمّم أنّ المشهور الثاني ; لاستصحاب الحالة
المانعة
فإن لم يعلم ارتفاعه
إü إلى أحد الأمرين
فلايمكن استصحاب حالة ارتفاع المانع إلى زمان
التمكّن من الغسل
فإنّه إنّما يصحّ إذا ثبت الارتفاع على الإطلاق
وهو ممنوع
و استصحاب المحدود في
نفس الأمر مع جهالة الحدّ غير معقول.
وكذلك لايمكن استصحاب حالة التيمّم; لأنّها أيضاً غايتها محدودة في نفس الأمر
وجهالة الحد يورث
الإجمال في زمان تأثيره
فيسقط عن درجة الاعتماد.
و مقتضى ذلك لزوم البقاء على التيمّم
و لزوم الإعادة لو حصل حدث
و عدم جواز النوم إü مع إمكان
الانتباه أو الاعتياد عليه ليعيد التيمّم بدلاً.
و لكن يمكن منع عموم ما دلّ على كون التعمّد على الجنابة إلى الفجر مبطلاً لمثل هذه الجنابة التي عاد
أثرها بعد التيمّم
فيشكل الحكم بوجوب القضاء
و أبعد منه الحكم بوجوب الكفارة.

الرابع: إذا نام غير ناوٍ للغسل حتّى أصبح يجب عليه القضاء والكفارة
هكذا ذكره المحقّق والعùمة
مستدلّين بأنّه مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم و يعود كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.
وجعل صاحب المدارك مراد المحقّق من النوم غير ناوٍ للغسل; هو عدم العزم على الغسل
لا العزم على عدمه
فرقاً بينه و بين المسألة المذكورة قبله
و هي تعمّد البقاء على الجنابة
حتّى يطلع الفجر ; تبعاً
لجده في المسالك
و أورد على استدلاله في المعتبر بما نقلنا أنّ عدم نيّة الغسل أعمّ من العزم على
ترك الاغتسال.
وأنت خبير بما فيه
إذ مراد الفاضلين من هذا الكلام هو النوم بعد العزم على عدم الغسل
و بيان أنّه
لافرق بين ما لو بقي متعمّداً الجنابة مستيقظاً متذكراً لوجوب الغسل من دون نيّة
أو نام على هذه
الحالة
فلاحظ المنتهى و المعتبر والشرائع في غير موضع .
ومما يوضّح ذلك استدلالهما في المعتبر والمنتهى بالدليل المتقدّم
و ذلك واضح.
والحاصل: أنّ للتعمّد على الجنابة صوراً
منها: العزم على البقاء مستيقظاً متذكّراً إلى الصبح.
و منها: النوم على تلك الحالة سواء اعتاد الانتباه و لم يعد إلى القصد أو لا.
ومنها: التردّد في الغسل و عدمه إلى الصباح
فإنّ الظاهر أنّه أيضاً يصدق عليه أنّه بقي على الجنابة
متعمّداً سواء بقي مستيقظاً أو نام على هذا الحال.
وأما لو غفل وذهل عن الجنابة
أو عن الغسل قبل الصبح
أو عن كون الليل ليلة الصيام فالحكم بوجوب
القضاء مشكل
فضلاً عن الكفارة.
وإدراجها في مسألة نسيان الغسل الآتية في محلّها بعيد; لعدم انصرافه من الأخبار.
ويشكل الكلام فيما لو طرأ النسيان بعد العزم على عدم الغسل أو التردّد
و الحكم بعدم الفرق بين النوم
والنسيان مشكل.
الخامس: إذا نوى الاغتسال و نام و لم يستيقظ حتّى طلع الفجر
فقال في موضع من المعتبر: إنّه يفسد صومه
ذلك اليوم
و عليه قضاؤه
وهذا قول أكثر علمائنا .
و قال في موضع آخر منه: إنّه لاشيء عليه
و كذلك في الشرائع .

والحقّ أنّ هذا هو المشهور بين الأصحاب
بل هو مذهب الأصحاب كما في المدارك
و عليه عمل الأصحاب كما
في المنتهي
بل لافرق بين النوم واليقظة في صورة العزم على الغسل
فلايجب عليه شيء.
و تدلّ عليه صحيحة العيص بن القاسم المتقدّمة
فإنّ تأخير الغسل ظاهر في إرادة الفعل
مع أنّ
الإطلاق يكفي.
و صحيحته الاُخرى: أنّه سأل أبا عبد اللّه & عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام
شهر رمضان قبل أن يغتسل
قال: (لابأس) .
و قويّة سليمان بن أبي زينبة
قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر & أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان
من أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر
فكتب إليّ بخطّه أعرفه مع مصادف: (يغتسل من جنابته
ويتمّ
صومه
ولاشيء عليه) .
و صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة .
وصحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور الآتية .
وصحيحة ابن أبي نصر عن أبي سعيد القمّاط: أنّه سئل أبو عبد اللّه & عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر
رمضان فنام حتّى أصبح
قال: (لاشيء عليه; و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال) و ذلك إذا لم يكن مقصراً.
وأما مع التقصير بأن يؤخّر و يتراخى إلى زمان لايسع الغسل بدون عذر
فلا يبعد وجوب القضاء عليه
و إن
كان عازماً كما نبّهت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة
و غيرها
فلابدّ من ملاحظة عدم تفويت
الوقت من باب المقدّمة
و لكن استفادة لزوم القضاء من الأدلّة مشكل
فإنّ القضاء بفرض جديد
و لايصدق
على هذا تعمّد البقاء على الجنابة
وهذا أظهر
و إن كان القضاء أحوط.
ثمّ إنّ المستفاد من الأصل و ظواهر الأخبار جواز النوم
و لكن لابد أن يقيّد بما لو احتمل الانتباه
و
إü لدخل في المتعمّد على البقاء على الجنابة

بل ربّما اعتبر بعض الأصحاب اعتياد الانتباه
و ليس
ببعيد.
والحاصل: أنّ البقاء على الجنابة
إمّا يحصل بنفسه و بالذات
أو بفعل ما يستلزمه و إن لم يرد البقاء
عليها
و ذلك نظير ما ذكروه في كفاية قصد ما يستلزم إقامة العشرة في السفر
و ما يستلزم المسافة.
والاستشكال في عدم جواز النوم حينئذٍ سيّما على القول بكون وجوب الغسل لغيره و كون التكليف ساقطاً
مع النوم ضعيف; لوجوب التهيّؤ للغير مع ظنّ السلامة و إدراك الغير كالحجّ
و كون مقدّمات النوم
اختياريّة
و لو فرض غلبة النوم بحيث أخرجه عن الاختيار فهو خارج عن المفروض.
ثمّ اذا انتبه و نام ثانياً بنيّة الغسل و لم يستيقظ حتّى الصباح فالمشهور بل الظاهر عدم الخلاف
أنّه يجب عليه القضاء و لاكفارة عليه
أما الثاني فللأصل.
وأما الأوّل فلصحيحة معاوية بن عمار
وصحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور قال
قلت لأبي عبد اللّه &: الرجل
يجنب في شهر رمضان ثمّ ينام
ثمّ يستيقظ
ثمّ ينام حتّى يصبح
قال: (يتمّ يومه و يقضي يوماً آخر
و إن لم
يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه و جاز له) .
والظاهر أنّ النومة الثانية مباحة مع نيّة الاغتسال; للأصل.
و قال في المسالك بحرمتها و إن عزم على الغسل واعتاد الانتباه
و هو مشكل; لعدم الدليل.
و لايدلّ عليه قوله & في صحيحة معاوية بن عمار: (ويقضي ذلك اليوم عقوبة) فإنّ ذلك لايدلّ على الإثم
ولعله من باب لزوم الإعادة لناسي إزالة النجاسة و إن كان عازماً عليها; لأجل أن يهتمّ فلاينساه.
و كذلك قوله & في رواية إبراهيم بن عبد الحميد: (ليس له أن ينام) فإنّها مع ضعفها ممنوعة الدلالة على
الحرمة
سيّما مع ورود النهي عنه في اليوم فيها مع عدم الدليل على حرمته
بل كون الحرمة فيه خلاف
الإجماع
مع أنّه ـ رحمه اللّه ـ غير قائل بالتفصيل المذكور فيها.
ثمّ إذا انتبه و نام ثالثاً مع العزم على الغسل مع احتمال الانتباه و اعتياده و لم ينتبه حتّى الصباح
فالمشهور وجوب القضاء والكفّارة
و لم نقف على ما يدلّ عليه من الأخبار.
وقد يستدلّ عليه بأنّه متعمّد للبقاء على الجنابة حتّى الصباح
وهو ممنوع

و بالأخبار الثلاثة
المتقدّمة الموجبة للكفارة
و هي أيضاً ممنوعة الدلالة
و لكن الشيخ ادّعى عليه الإجماع في الخلاف
وكذلك ابن حمزة وابن زهرة
و هذا يكفي في إثبات الحكم.
وقد يخرج هنا وجه عقلي
و هو أنّه يلزم فيه زيادة على المسألة السابقة مع وجوب القضاء فيها
و هو ضعيف.
والظاهر أنّ النوم الثالث مع العزم أيضاً مباح
و يجيء على قول الشهيد الثاني أيضاً الحرمة هنا
بطريق الأولى
وهو ضعيف.
السادس: لافرق بين الاحتلام والجماع; للإطلاق
و لخصوص بعض الأخبار المتقدّمة.
السابع: يجب الإمساك عن الاستمناء
و هو طلب الإمناء من غير جماع
سواء كان باليد أو بالملاعبة و
الملامسة
و يفسد الصوم و يوجب القضاء و الكفّارة بالإجماع
بل نقل على إفساده إجماع العلماء كافة
و
ذلك إذا أمنى
و إن لم يمنِ فلايفسد و إن فعل حراماً.
ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع الأخبار
مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج
قال: سألت أبا عبد اللّه &
عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني
قال: (عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع) .
وحسنة ابن أبي عمير
عن حفص بن سوقة
عمّن ذكره
عن أبي عبد اللّه &: في الرجل يلاعب أهله أوجاريته في
قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء
فينزل
قال: (عليه من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان) .
ورواية أبي بصير
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق
فقال:
(كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستّين مسكيناً
أو يعتق رقبة) .

و الظاهر أنّ قصد الفعل الذي يوجب الإنزال عادة في حكم القصد إلى الإنزال
و إن لم يقصد الإنزال.
واعلم أنّ صاحب المدارك قال في شرح قول المحقّق: (و لو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه) فقد أطلق
المصنف هنا و في المعتبر كون الإمناء الواقع عقيب اللمس مثل الاستمناء
و هو مشكل
خصوصاً إذا كانت
الملموسة محللة و لم يقصد بذلك الإمناء
و لا كان من عادته ذلك .
وقال صاحب الكفاية : وقد أطلق الفاضلان و غيرهما أنّ الإمناء الحاصل عقيب الملامسة مفسد للصوم
واستشكله بعض المتأخّرين
ثمّ قال: و الوجه ماذكره الأصحاب; لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
إذ لا
اختصاص لها بالاستمناء.
أقول: كلّما وقفت عليه من كلام الأصحاب صريح أو ظاهر في قصد الإنزال أو قصد الفعل مع الاعتياد به
و
ليس فيه إطلاق إü ظاهر عبارة الشرائع هذه و عبارة القواعد
حيث قال: و لو أمنى عقيب الاستمناء أو لمس
امرأة فأمنى فسد صومه .
و عن أبي الصلاح: لو أصغى إلى حديث أو ضمّ أو قبّل فأمنى فعليه القضاء .
و أمّا غيرها فقال في المعتبر: و يفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقاً
فإنّ
الظاهر أنّ مراده من الإنزال القصد إلى الإنزال
و مراده بالاستمناء هو المعالجة باليد ونحوها
و
بالملامسة والقبلة هو جعلهما وسيلة للإنزال قصداً.
وفي موضع آخر: من أمنى بالملاعبة و الملامسة أو استمنى و لو بيده لزمته الكفّارة
ثمّ نقل الخلاف عن
بعض العامة
ثمّ قال: لنا أنّه أجنب مختاراً متعمداً و كان كالمجامع
و لأنّه أفطر بإنزاله عمداً
فلزمته الكفارة.
ثمّ قال: و يؤيّد ذلك ما روي من طريق أهل البيت &
ثمّ نقل رواية عبدالرحمن بن الحجاج
ورواية أبي بصير
المتقدّمتين .
فظهر أنّه حمل رواية أبي بصير على إرادة القصد بالإنزال
أو مع اعتياده بذلك.
وقال في المنتهى: الإنزال نهاراً مفطر مفسد للصوم مع العمد
سواء أنزل بالاستمناء أو ملامسةً و
قبلةً بلا خلاف
و استدلّ بالروايات الثلاث
و قال في موضع آخر ما يؤدّي مؤدّى العبارة الثانية من

المعتبر .
وقال في التحرير: كلّ من أنزل نهاراً عمداً أفسد صومه
سواء كان باستمناء أو ملامسة أو ملاعبة أو
قبلة أو مباشرة أو غير ذلك من أنواع ما يوجب الإنزال .
و قال في موضع: لو استمنى بيده فأنزل أو أنزل عقيب الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل والوطء في غير
الفرجين وجب عليه القضاء والكفارة .
وأنت خبير بأنّ موضع المسألة في الموضعين من كلّ من الكتب الثلاثة واحد
و المقصود في أوّلهما بيان
الإفساد
و في الثاني وجوب القضاء و الكفارة
و كلّها صريحة أو ظاهرة في القصد إلى الإمناء بالذات أو
بما يستلزمه عالماً بالاستلزام عادة.
فليس في شيء منها أنّه لو أمنى بمجرد الملامسة و إن لم يقصد الإنزال و لم يكن معتاداً له أنّه يجب
عليه القضاء و الكفارة مع كمال بُعد لزوم الكفارة التي هي ناشئة من الإثم غالباً في مثل ذلك مطلقاً.
وأمّا في التذكرة فقد ذكر أوّلاً أنّ الإنزال نهاراً عمداً مفسد
سواء كان باستمناء أو ملامسة أو
ملاعبة أو قبلة إجماعاً
و استدلّ برواية أبي بصير .
ثمّ ذكر الموضع الثاني ـ أعني وجوب القضاء و الكفارة ـ و قال : لو أنزل عند الملامسة أو الملاعبة أو
التقبيل أو استمنى بيده
لزمه القضاء و الكفارة
و به قال مالك و أبو ثور ; لأنّه أجنب مختاراً
متعمّداً
فكان كالمجامع.
ثمّ استدلّ بالروايات الثلاث المتقدّمة
ثم قال: و قال الشافعي وأبو حنيفة: عليه القضاء دون الكفارة
و قال أحمد: تجب الكفارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإنزال
وعنه في القبلة و اللمس روايتان .
ثمّ ذكر في الفصل الرابع كراهة مباشرة النساء تقبيلاً و لمساً وملاعبة; حذراً من الوقوع في الوطء
إلى أن قال: إذا عرفت
فلو قبّل لم يفطر إجماعاً
فإن أنزل وجب القضاء و الكفارة عند علمائنا
و به قال
أحمد ومالك
خلافاً للشافعي
و قد سلف و .
وهذه العبارة
و إن كانت توهم ما فهمه صاحب الكفاية
لكن الحوالة على ما سلف مع التأمّل الصادق يكشف
عن كون مراده ما ذكرنا.
وقال ابن فهد في المهذب: الفصل الثاني
الملاعبة و الملامسة

فإن كان مع قصد الإنزال كفّر قطعاً
وإن
كان لامعه فكذلك على المشهور
وقال أبو عليّّ يجب القضاء خاصة
احتجّ الأوّلون بأنّه أنزل في نهار
رمضان عقيب فعل معد للإنزال فكانت عليه الكفارة
إلى آخر ما ذكره.
فإن ذكر الاحتجاج على هذا السياق يدلّ على أنّ مراد المشهور ليس إطلاق المسّ كما لايخفى.
وكلام العلامة في المختلف أيضاً مثل كلام ابن فهد في النسبة إلى المشهور والاحتجاج بأنّه قصد فعلاً
يحصل معه الإمناء فكان كالمجامع .
نعم في عبارة المسالك تصريح بالتعميم
و لكنه في الروضة اعتبر شرط الاعتياد .
وكذلك الشهيد في الدروس حيث قال: و في حكم الاستمناء النظر المعتاد و الاستمتاع والملاعبة والتخيّل
إذا قصده .
و كذلك المحقّق الأردبيلي ـ رحمه اللّه ـ قال بعدم وجوب شيء مع عدم القصد والاعتياد
و احتمل القضاء
كما في المضمضة لغير الصلاة .
وقال في المدارك: بعد تضعيف إطلاق القول بالإفساد باللمس: والأصحّ أنّ ذلك إنّما يفسد الصوم إذا
تعمّد الإنزال بذلك .
و مما يؤيّد ما ذكرنا: أنّ المحقّق في الشرائع ذكر بعد العبارة المتقدّمة في مسألة لزوم الكفّارة
لفظ الاستمناء فقط
ولم يذكر حكاية اللمس
مع أنّه ذكرهما معاً في المعتبر في الموضعين
وكذلك
العلامة في كتبه
فظهر أنّ مراده في العبارة المتقدّمة الاستمناء باللمس
سواء كان بقصد الإمناء أو
قصد اللمس مع اعتياد الإنزال.
وذكر ابن حمزة في الوسيلة من جملة ما يوجب القضاء و الكفّارة إجماعاً إنزال المني عمداً
و إن كان
بالملاعبة و الملامسة .
وقال السيّد في الانتصار: و مما انفردت الإماميّة به القول بإيجاب القضاء و الكفارة على من اعتمد
استنزال الماء الدافق بغير جماع .
و يؤيّد ذلك أنّ السيّد في الناصريات ادّعى الإجماع على أنّ النظر إذا أوجب الإمناء لا يفطر إذا لم
يستدعِ الإنزال .
والحاصل: أنّه إن فرض إطلاق في كلمات بعضهم فلابدّ أنّ يحمل على ما لو عمد إلى الإنزال أو فعل ما يعلم
بعادته إيجابه له كما تدلّ عليه سائر كلماتهم.
و كذلك الأخبار المطلقة
مثل رواية أبي بصير و غيرها
فإنّ الظاهر منها; أنّها وردت فيمن لايثق
بنفسه
و إü فمن كان ممن يثق بنفسه واتفق أن يدفق بمجرد اللمس في غاية الندرة

سيّما مع كون نزول
المني غالباً مسبوقاً بحالات ومقدّمات يفهم صاحبه النزول
فتكون هذه الأخبار واردة في المقصّر
سواء كان من جهة عدم الوثوق أو من جهة الإصرار على الدواعي إلى الإنزال حتّى ينزل.
مع أنّ المتبادر من قولهم & (وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق و رجل لزق بأهله فأنزل) ـ مع قطع
النظر عن حمل باب الإفعال على التعدية كما هو ظاهرها ـ السببيّة التامّة في نظر العرف والعادة
لامحض التعقيب.
ولاريب أنّ الإنزال على غير المعتاد ليس مسبّباً عن اللمس واللزوق
بل هو إنّما صار سبباً بضميمة
عرض للمزاح أو شيء آخر.
وبالجملة الظاهر من قولنا (إذا صار اللمس سبباً للإنزال يفسد) هو مايفهم المكلّف أنّه سبب و أتى به
لامجرد كونه سبباً في نفس الأمر
فإنّ الألفاظ و إن كانت أسامي للاُمور النفس الأمريّة
لكن تتبّع
الأخبار و كلام الأخيار يقتضي أنّ المراد منها في التكاليف ما يعلم المكلّف أنّه هو المسمّى
لاما
كان هو في نفس الأمر
هذا مع ما سيجيء من الأخبار الدالّة على عدم كراهة التقبيل و الملامسة و
الملاعبة مع الوثوق بعدم الإنزال ولو ظنّاً
فإنّ تلك الرخصة مع استعقابها للكفّارة في غاية البُعد.
وأما ما ذكره صاحب الكفاية من عدم اختصاص الصحيحة بالاستمناء إن أراد أنّها شاملة لما أمنى بمحض
الاتفاق و إن لم يكن من قصده الإمناء أو من عادته أيضاً
فهو بعيد.
و إن أراد أنّها لاتدلّ على اشتراط القصد بالإمناء فلانمنعه; لأنّا نقول: إنّ القصد إلى الفعل
المستلزم للإمناء عادة قصد إلى نفسه
و كلمة (حتّى) يمكن أن تكون داخلة على العلّة الغائيّة و على
الغاية
و على الوجهين يتمّ الاستدلال
و يختص بما ذكرنا
و لايعمّ ما ذكره.
والحاصل: أنّ المسلّم في الإفساد هو تعمّد إنزال المني
و العمد إنّما يتحقّّق بقصد الإنزال
غاية
الأمر دخول القصد إلى ما من شأنه ذلك
و هو اللمس و أشباهه إذا كان معدّاً لذلك
نظير ما ذكروه في شبه
العمد
و إلحاقه بالعمد في القتل إذا كان بآلة قتّالة و إن لم يقصد القتل
و مع اللمس القليل أو
القبلة مع عدم اعتياده الإنزال بذلك و عدم قصده إليه
فلا يصدق عليه انّه إفطار بالإمناء قصداً.
وأما الأخبار الدالّة على الإطلاق

فقد عرفت أنّ ظاهر صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج هو التعمّد بأحد
المعنيين المتقدّمين.
وكذلك مرسلة حفص بن سوقة
فمع أنّه لايعلم عمل الأصحاب على إطلاقها ليجبرها ظاهرة في التعمّد بأحد
الوجهين كما يشعر به المضارع التجددي الظاهر في أنّّ السبق و الإنزال إنّما نشأ منه استشعاره بذلك.
وأما رواية أبي بصير فهي ضعيفة
و يمكن حملها على التعمّد بأحد الوجهين.
وكذلك مضمرة عثمان بن عيسى
قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل
قال: (عليه إطعام ستّين مسكيناً
مدّ
لكلّ مسكين) مع ظهور اللزوق والإنزال في التعمّد كما أشرنا إليه.
وروى في الفقيه مرسلاً قال
قال أمير المؤمنين: (أما يستحيي أحدكم أن لايصبر يوماً إلى الليل
إنّه
كان يقال: إنّ بدو القتال اللطام
و لو أنّّ رجلاً لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق
كان عليه عتق رقبة) .
وفيه: مع الإرسال; وما ذكرنا من إرادة العمد أنّه رواه في المقنع أيضاً
و قال: (فأدفق لم يكن عليه شيء)
.
وأما مثل ما رواه محمّد بن مسلم وزرارة في الموثّق بأبان
عن أبي جعفر &: أنّه سئل هل يباشر الصائم أو
يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: (إنّي أخاف عليه
فليتنزّه من ذلك
إü أن يثق أن لايسبقه منيّه) .
وصحيحة الحلبيّ عن أبي عبد اللّه &: أنّه سئل عن الرجل يمسّ من المرأة شيئاً
أيفسد ذلك صومه أو
ينقضه؟ فقال: (إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب
مخافة أن يسبقه المني) .
وصحيحة منصور بن حازم
قال
قلت لأبي عبد اللّه &: ما تقول في الصائم يقبّل الجارية والمرأة؟ فقال:
(أما الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس
وأمّا الشاب الشبق فلا; لأنّه لايؤمن
و القبلة إحدى
الشهوتين) فلايمكن أن يستدلّ بها على أنّ مطلق الإنزال بعد اللمس و شبهه مفسد
بتقريب أنّه & علّل
المنع بخوف سبق المني
فيظهر منه أنّ مطلق سبق المني مفسد
و ذلك لأنّ مطلق خروج المني في اليوم غير
مبطل جزماً

مثل ما لو كان من دون الاختيار في النوم و اليقظة.
والقول بأنّ مراده & أنّّ السبق الذي يحصل عقيب اللمس وأشباهه مفسد من جهة أنّه عقيب اللمس
يدفعه
إطلاق التعليل
فلابدّ أن يكون المراد من التعليل الأمر بالتحرّز عن الإمناء على سبيل العمد.
والمراد بسبق المني غلبة الطبع و الهوى على الإنسان بحيث يخفى عليه الأمر
فيستمرّ اللمس وأشباهه
إلى أن يخرج عن الحالة المعتادة
فيفعل ما لاينفكّ عنه الإمناء
فيصير من باب شبه العمد
بل ربّما
ينجرّ إلى الجماع
كما يشير إليه إطلاق صحيحة منصور.
وبالجملة المفسد هو القصد إلى الإمناء
أوإلى فعلِ ما من شأنه ذلك غالباً
فالمنع عنه للشاب الشبق أو
من لايثق بنفسه لأجل فتور في جسده; لأنّ ذلك فعل يشبه العمد.
و يؤيّد ما ذكرنا
بل يدلّ عليه الأخبار المستفيضة جدّاً
الدالّة على وجوب القضاء و الكفارة على
المتعمّد للإفطار
فإنّها بمفهومها تدلّ على عدم شيء على غير المتعمّد.
وتؤيّده أيضاً رواية أبي بصير
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان و هو صائم
فأمنى
قال: (لابأس) .
ومع ذلك كلّه فالأحوط القضاء
بل الكفارة أيضاً
أمّا الوجوب فلم يثبت.
ثمّ إنّهم اختلفوا في الإمناء بالنظر
فأطلق جماعة من الأصحاب عدم وجوب شيء عليه
من غير فرق بين
المحلّل والمحرّم
و ما كان مع القصد والاعتياد و ما بغيرهما .
وزاد في الخلاف: أنّه إذا كرّر النظر حتّى أمنى كان كذلك
ونقل عليه إجماع الفرقة .
وعن الشيخين في المقنعة و المبسوط و سùر و ابن حمزة والعùمة في التحرير وجوب القضاء بالنظر إلى
المحرّمة دون المحلّلة
وهو ظاهر اللمعة
و لكنه قال: لو قصد ـ يعني الإمناء ـ فالأقرب الكفارة
و هو
مقتضى كلام كلّ من قال بأنّ الاستمناء من غير جماع كذلك و لم يستثن هذا الموضع.

وألحق الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ بالقصد فعل المعتاد أيضاً
و هو ظاهر الدروس .
وذهب العùمة في المختلف إلى أنّه إن قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء و الكفّارة
سواء فيه
المحلّلة والمحرّمة
فإن لم يقصد فاتفق الإنزال لتكرّر النظر فيجب القضاء خاصّة مطلقاً .
وكذلك اختلفوا في الإمناء بالسماع
فذهب الجماعة الأوّلون إلى أنّه ليس عليه شيء مطلقاً
وأطلق
المفيد وأبو الصلاح وجوب القضاء
وذهب في المختلف إلى وجوب القضاء و الكفّارة مع قصد الإنزال و
القضاء خاصة لامعه إن كرّر ذلك حتّى أنزل .
أقول: و ما ذكروه من الأدلّة في هذه الأقوال لا يرجع إلى طائل يعتمد عليه
والحقّ القول بأنّه إن قصد
الإمناء أو فعل ما يعتاد به الإمناء قضى و كفّر
و إü فلا شيء عليه; للأصل. و لافرق في ذلك بين المحلّل
و المحرّم
و يظهر وجهه مما تقدّم.
تنبيهات:
الأوّل: قد عرفت حكم الإفساد والكفارة وعدمهما
و أما الحرمة والكراهة
فلاريب في حرمة نفس
الاستمناء المقصود فيه الإمناء باليد و نحوها من غير أعضاء المحلّلة
و الظاهر جوازه بمثل التفخيذ
والملاعبة المحللة.
و لاريب في حرمة الجميع في الصوم; لأنّه تعمّد إلى إبطال الصوم المحرّم.
وأمّا مطلق الملامسة و ملاعبة المحلّلة إن لم يقصد به الإمناء
فإن علم من حاله و جزم بأنّه موجب له
فالظاهر أيضاً أنّه حرام; و إن لم يعلم من حاله ذلك
فإن علم من حاله عدمه و أنّه لاتتحرك به شهوته
فلا ريب في جوازه
و المشهور الأصحّ الأقوى عدم الكراهة أيضاً.
وإن كان ممن يحرّك ذلك شهوته
فهو مكروه إجماعاً
بل الظاهر أنّه إجماع العلماء كافّة
كما صرّح به في
المنتهى في القُبلة لذي الشهوة . و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة جدّاً و قد تقدّمت طائفة منها .
وربّما يعلّل بأنّه تعريض للإمناء المفسد
وهو مشكل في معتاد العدم.
ثمّ إنّ الكراهة هل هي فيمن لايغلـب علـى ظنه الإنزال ويحرم على غيره
أو تعمّ؟.
قال في المنتهى: الأكثر على أنّ القبلة مكروهة و إن غلب على ظنّه الإنزال

و نقل عن بعض الشافعيّة
التحريم
واستدلّ بالأخبار
و بأنّ إفضاءه إلى الإفساد مشكوك فيه فلا يثبت التحريم بالشك .
ثمّ إنّه يشكل المقام بتجويزهم هنا الملاعبة و اللمس مع ظنّ حصول الإمناء
و حكمهم ثمّة بالإفساد
مستدلّين بأنّه يصدق عليه أنّه أجنب متعمّداً فيفسد صومه
مع أنّ الجنابة عمداً في الصوم حرام;
لأنّه إفساد للصوم الواجب
فهذا من أعظم الشواهد على أنّّهم أرادوا ثمّة من الملامسة و أشباهها ما
كان بقصد الإنزال
أو ما كان معتاداً فيها الإنزال.
فلم يظهر كون فتوى جمهور الأصحاب في مثل ما لم يكن أحد الأمرين ـ وإن كان مع غلبة الظنّ بالحصول ـ
الإفساد و لزوم الكفارة; لأنه ليس بجنابة عمداً في نهار رمضان. و يؤيّده ما سننقل عن المنتهى في
مسألة الاحتلام .
و على هذا فيبقى الإشكال في الحكم بالكراهة; إذ الغالب الوقوع في الأخبار و كلام الأصحاب أنّ الحكم
بالكراهة لخوف العاقبة إنّما يكون فيما كانت العاقبة محرّمة
كالصيرفة و بيع الأكفان و غير ذلك
فإذا لم يكن الإنزال على غير وجه الاستمناء و الاعتياد حراماً مفسداً فلايناسب الحكم بالكراهة.
و يمكن دفعه: بأنّه لخوف الوقوع في العمد و لو بغلبة الهوى و الشهوة بحيث يخفى عليه الأمر في أنّ
الملاعبة في الآن الأخير مما يعتاد الإنزال عقيبها حتّى يمسك عنه
أو لخوف الوقوع في الوطء وذلك
لايخرجه عن التعمّد; إذ هو بنفسه صار باعثاً للاختفاء
فلامنافاة بين جواز المقدّمات و حرمة
العاقبة
كما لامنافاة بين عدم وجوب مقدّمة الواجب و وجوب نفس الواجب.
وقولهم (بأنّ تجويز الترك في المقدّمة يستلزم خروج الواجب عن الوجوب
أو لزوم تكليف ما لايطاق) في
غاية الضعف; إذ تجويز الترك لايخرج الواجب عن المقدوريّة
فهو قادر على أن لايترك فيأتي بالواجب
غاية الأمر أنّ الآمر سهّل مؤونة المأمور في المؤاخذة
و خصّ المؤاخذة بنفس الواجب.
فالذي يمكن بارتكابه الجمع بين كلمات الأصحاب في هذا المقام حيث استدلّوا على إبطال الصوم بإنزال
المني عقيب الملامسة و نحوها مطلقاً بأنّه تعمّد للجنابة
و هو مفسد للصوم وموجب للقضاء والكفّارة
وحيث ذكروا أنّه لاتجوز الملامسة في الصوم
إمّا مع الكراهة في صورة غلبة الظنّ بالحصول
أو عدمها في
غيرها أن يقال: تعمّد الجنابة مفسد مطلقاً
و ليس بحرام مطلقاً
و أنّ هذا الفرد من التعمّد ليس بحرام
وإن كان مفسداً

و هو كما ترى; لكمال بُعد إطلاق التعمّد على مثله
وبُعد إطلاق الكفارة فيما ليس فيه
إثم.
أو يقال: إنّ تجويز فعل مقدّمة الحرام وترك مقدّمة الواجب إنّما يقبح فيما علم كونه مقدّمة
لامايحتمل أن يصير مقدّمة أو يظن
فلا يضرّ القول بجواز المقدّمة مع كون ذي المقدّمة حراماً أيضاً
في مثله
و إن قلنا بقبح القول بجواز فعلها من الحكيم فيما علم كونها مقدّمة للحرام
كقبح تجويز ترك
ما علم كونها مقدّمة للواجب.
و إن قلنا بعدم كون مقدّمة الواجب واجبة و مقدّمة الحرام حراماً
فإنّ مرادنا من نفي القول بالوجوب و
الحرمة في المقدّمة هو عدم عقاب على حدة
لا أنّه يصحّ من الآمر الحكيم أن يرخّص في فعل هذه و ترك هذه
وهذا كلّه تكليف
و إن كان ولابد فالأنسب هو التمسك بإطلاق الأخبار إن سلّم وضوح دلالتها
و الاحتياط
واضح.
الثاني: لو تخيّل قاصداً الإمناء
أو كان من عادته; فحكمه ما تقدّم من الإفساد و القضاء والكفارة.
وأما لو خطر بباله أو أمنى و لم يكن معتاداً فلاشيء عليه.
الثالث: قال العùمة و غيره: لو تساحقت امرأتان
فإن لم تنزلا فلاشيء عليهما سوى الإثم
و إن أنزلتا
فعليهما القضاء و الكفارة
و لو أنزلت إحداهما اختصّت بالحكم
و كذلك المجبوب لو تساحق .
الرابع: لو احتلم بعد نيّة الصوم نهاراً لم يفسد صومه; للأخبار الكثيرة
مثل صحيحة القداح
وصحيحة
العيص
وموثّقة ابن بكير
و رواية عمربن يزيد المذكورة في العلل
و ادّعى عليه الإجماع في التذكرة .
وقال في المنتهى: لو احتلم نهاراً في رمضان نائماً أو من غير قصد لم يفسد صومه و يجوز له تأخير الغسل
و لانعلم فيه خلافاً .
و رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدّمة في البحث السابق محمولة على الكراهة .
و يدلّ على عدم الإبطال و جواز النوم بعده صحيحة العيص بن القاسم .
الثامن: اختلف الأصحاب في الحقنة بالمائع بدون ضرورة
و المشهور فيها الحرمة
فعن الأكثر أنّها
مُفسدة للصوم مُوجبة للقضاء

وادّعى على كونها مفطرة السيّد في المسائل الناصريّة الإجماع
و هو
منقول عن الشيخ في الخلاف أيضاً
و لعلّ الإجماعين المنقولين مع عمل الأكثر يكفي في ذلك.
وتؤيّده صحيحة البزنطي
عن أبي الحسن &: أنّه سأله عن الرجل يكون به العلّة
يحتقن في شهر رمضان؟ فقال:
(الصائم لايجوز له أن يحتقن) .
والتقريب: أنّ احتمال إرادة التعبّد و حصول النقص من غير جهة الإفساد في غاية البُعد
فإنّ المناهي
التحريمية في الصوم جلّها أو كلّها اُريد بها الإفساد
فتصير الرواية بذلك ظاهرة في الإفساد.
مع أنّ السؤال مشتمل على وجود العلّة
و العلّة التي تضطره إلى الاحتقان مجوّزة له إجماعاً
فالجواب
بعدم الجواز مع ترك الاستفصال يعني إرادة الإفساد من عدم الجواز يعني أنّه لا يجوز أن يعتقد الصائم
كونه صائماً مع الاحتقان
و حمل العلّة على غير التي تضطره
أو تأويل الرواية بما أمكن رفع الاضطرار
بالاحتقان في الليل ليس بأولى مما ذكرنا.
ثمّ إذا ثبت الإفساد فيجب عليه القضاء; لعموم مادلّ على لزوم القضاء بالإفطار عمداً .
وقيل: يجب القضاء والكفارة
و نسبه السيّد إلى قوم من أصحابنا في الجمل .
وقيل: بأنّه حرام و لايوجب شيئاً
و هو قول الشيخ في جملة من كتبه
و ابن إدريس
و بعض المتأخرين .
وقيل: يكره
و هو قول السيد في الجمل .
وقيل: يستحب تركه
و هو قول ابن الجنيد .
ولعلّ دليل من أوجب الكفّارة عمومات الأخبار الدالّة على أنّ من تعمّد الإفطار تجب عليه الكفّارة .
و في تبادره منها إشكال
و الأصل عدمها.
ومن ذلك يظهر الإشكال في انصراف دليل القضاء أيضاً
إü أن تدّعى الملازمة بين القول بالإفطار و
القضاء
فتشمله دعوى الإجماع
بل ذَكَر بعض الأصحاب أنّ في كلام جماعة الإجماع المنقول على وجوب
القضاء .
مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ الإفطار في الأخبار و كلام الأصحاب حقيقة فيما يفسد الصوم
أكلاً كان أو

جُماعاً أو غيرهما
فإذا ثبت كون الحقنة بالمائع مفطرةً بما مرّ
فلاوجه لمنع شمول الأخبار له.
وحينئذٍ فيلزمه القول بلزوم الكفّارة أيضاً
لذكرهما معاً في بعض الأخبار
واستلزام الكفارة أيضاً
وجوب القضاء
فتشملهما الأخبار القائلة بأنّ من تعمّد الإفطار وجبت عليه الكفارة
و القائلة بأنّ من
تعمّد تجب عليه الكفارة و القضاء معاً
و ستجيء الأخبار في محلّها.
و حينئذٍ فإما لابدّ من القول بعدم إفساد الاحتقان
أو القول بلزوم القضاء و الكفّارة معاً
و لعلّ
الثاني أظهر.
وحجّة القول بالتحريم دون الإفساد: الأصل
وخصوص صحيحة البزنطي
فإنّ التحريم لايستلزم الإفساد
و
قد مرّ الكلام فيه.
وحجة القول بالاستحباب: لعلّه الجمع بين هذه الصحيحة و صحيحة عليّّ بن جعفر
عن أخيه موسى &
قال:
سألته عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ فقال: (لابأس) .
ومنه يظهر وجه القول بالكراهة أيضاً.
وفيه: أنّ الجمع إنّما يصحّ مع المقاومة
وهذه الصحيحة لاتقاوم ما تقدّم
سيّما مع هجر أكثر الأصحاب
لها
ويمكن حملها على الجواز مع الضرورة كما يشعر به لفظ الدواء
و هو لاينافي الإفساد. أو على الجامد
كما هو ظاهرها
و تدلّ عليه موثّقة الحسن بن فضال
قال: كتبت إلى أبي الحسن &: ما تقول في اللطف يستدخله
الإنسان و هو صائم؟ فكتب &: (لابأس بالجامد) و في التهذيب: (ما تقول في التلطّف من الأشياف) .
وأما الجامد: فالأكثر على أنّه غير محرّم
بل نقل عن كشف الرموز نفي الخلاف
و عن ظاهر الغنية
الإجماع
لكن صريح المعتبر التحريم في الحقنتين
و هو مقتضى إطلاق الصدوقين .
و مقتضى إطلاق ما نقله السيد عن قوم من أصحابنا كونها موجبةً للقضاء و الكفارة .

و مقتضى ما اختاره في الجمل الكراهة
و كذلك الشيخ في النهاية .
ومقتضى إطلاق السيّد في الناصريّات كونه مفسداً
وكذلك المفيد و أبو الصلاح و صريح العùمة في
المختلف .
والأظهر المشهور; للأصل
و خصوص صحيحة عليّ بن جعفر
و موثّقة ابن فضال .
وأمّا صحيحة البزنطي فظاهرها الاحتقان بالمائع
فإنّه المتبادر من اللفظ
و المناسب للاشتقاقات
اللغويّة.
و من ذلك يظهر أنّ دعوى الإجماع في الناصريّة على كون الحقنة مفطرة
لايثبت الإجماع في الجامد
و
كذلك يشكل صرف إطلاق الفقهاء إليه.
نعم لانمنع الكراهة بدون الاضطرار; لاحتمال الإطلاق مسامحة.
واعلم أنّه لادليل على إلحاق ما لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى الجوف بالحقنة
كما صرّح به الشيخ في
الخلاف
و ذهب في المختلف إلى كونه مفطراً لاعتبار ضعيف .
وكذلك تقطير الدهن في الأذن كما صرّح به جماعة من الأصحاب
و نقل عن أبي الصلاح أنّه مفطر
و هو ضعيف;
للأصل
و صحيحة حمّاد بن عثمان
عن أبي عبد اللّه &
قال: سألته عن الصائم يشتكي اُذنه
يصبّ فيها
الدواء؟ قال: (لابأس) و في معناها غيرها أيضاً.
التاسع: المشهور أنّ تعمّد القيء مفسد للصوم
موجب للقضاء .
و في المختلف: نقل السيّد المرتضى عن بعض علمائنا أنّه يوجب القضاء و الكفّارة
و عن بعضهم أنّه يوجب
القضاء
و عن بعضهم أنّه ينقص الصوم و لايبطله
قال: و هو الأشبه
انتهى.
وفيه أيضاً عن ابن الجنيد: وجوبهما معاً إذا كان من حرام .
و عن ابن إدريس: أنّه يكون مخطأً و لايجب عليه شيء .
والأقوى الأوّل; للأخبار المستفيضة
منها صحيحة الحلبي المرويّة عن الصادق &: (إذا تقيّأ الصائم

فعليه قضاء ذلك اليوم
فإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه) .
وفي صحيحته الاُخرى: (إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر) .
و موثّقة سماعة
وموثّقة عبد اللّه بن بكير وغيرها.
والاكتفاء بالقضاء في هذه الروايات ظاهر في نفي الكفّارة.
نعم يشكل الأمر بصحيحة الحلبيّ الثانية مع ملاحظة ما دلّ على أنّ متعمّد الإفطار تجب عليه الكفّارة
ولكن ترك ذكرها في هذه الأخبار الكثيرة في مقام البيان أقوى من هذا الإشعار
سيّما مع عمل الأكثر
بخلافها.
و تمسّك صاحب المدارك بما حاصله أنّ المتبادر من الإفطار هو ما كان بالأكل والشرب قد مرّ ما يضعفه
آنفاً.
واحتجّ النافي لهما بالأصل
و صحيحة عبد اللّه بن ميمون
عن الصادق &
قال: (ثلاثة لايفطرن الصائم:
القيء و الاحتلام والحجامة) .
وصحيحة محمّد بن مسلم
عن الباقر &
قال: (لايضرّ الصائم ماصنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الأكل و الشرب
والنساء و الارتماس) .
والأصل لايعارض الدليل
و رواية القداح مع عدم المقاومة محمولة على الناسي أو على ماذرعه
وصحيحة
ابن مسلم مخصّصة بهذه الأخبار و غيرها مما مرّ في غير ما نحن فيه.
و لم نقف لابن الجنيد على ما يعتمد عليه.
هذا كلّه إذا تعمّد
وأما لو ذرعه ـ أي جاءه من غير اختيارـ فالظاهر عدم الخلاف في أنّه لاشيء عليه
و
يظهر من المدارك الاتفاق عليه
و صحيحة الحلبي و غيرها ناطقة به.
و لكن نقل في المختلف عن ابن الجنيد أنّه إذا كان من محرّم يجب عليه القضاء
و لم نقف على مأخذه.
وأما القلس و الجشاء ـ أي ما يرتفع من المعدة إلى الحلق ثمّ يرجع ـ فلايضرّ; للأصل
و خصوص موثّقة
عمّار
و موثّقة سماعة .
و يظهر من موثّقة عمّار اتحاد القلس و الجشاء
و لكن يظهر من كلام الفقهاء و أهل اللغة المخالفة
فيفهم منهم أنّ القلس ما يخرج إلى فضاء الفم.
والكلام فيه أنّه إذا خرج إلى فضاء الفم و ازدرده ثانياً متعمّداً فيجب عليه القضاء و الكفّارة كما
ذهب إليه الشيخ في التهذيب و ابن إدريس و العùمة في المختلف

و هو ظاهر المبسوط وابن الجنيد .
و عن ابن البرّاج: أنّ عليه القضاء فقط
و هو قول الشيخ في النهاية
تمسّكاً بأنّ القلس ما يخرج إلى
الفَم
فإذا عاد فهو القيء كما ذكره الجوهري
فعليه القضاء خاصة; لما مرّ
و لصحيحة عبد اللّه بن
سنان
عن الصادق &: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام
أيفطره ذلك؟ قال: (لا) قلت: فإن
ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: (لايفطره) .
والجواب عن الأوّل: أنّ المستفاد من غير الصحاح أنّ القيء هو ما يخرج إلى الفم
والعود ثانياً إلى
المعدة لامدخليّة له في صيرورته قيئاً
فهذا الازدراد شيء زائد على القيء مندرج تحت أكل الطعام.
وأمّا الصحيحة; فمحمولة على الناسي; لعدم المقاومة.
و الأخبار الدالّة على أنّ القلس ليس فيه شيء محمولةً على ما لو لم يزدرد عمداً.
العاشر: كلّما ذكرناه من المفطرات
إنّما يفسده إذا وقع عمداً اختياراً
فما لا عمد و لاقصد فيه
أصلاً لايفسد بلا خلاف
كما لو طارت ذبابة و دخلت في حلقه
أو دخل الغبار الغليظ في حلقه حيث لايتمكن
الاحتراز عنه.
و كذلك إذا وجر في حلقه شيء.
و كذلك من اُكره بالضرب و الشتم
بحيث ارتفع قصده في الفعل.
ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع: أنّه لايصدق عليه أنّه أفطر
و يشمله قوله &: (رفع عن اُمتي الخطأ و
النسيان و ما استكرهوا عليه) .
واختلفوا فيمن لم يبلغ إكراهه إلى هذا الحدّ
مثل من خوّف و هدّد بما يكون مضرّاً له في نفسه
أو من
يقوم مقامه بحيث لايليق بحاله
مع قدرة المتوعد و شهادة القرائن بأنّه يفعله لو لم يفطر إلى أن أكل
فالأكثر على أنّه غير مفسد ; للأصل
و لعموم (استكرهوا).
وذهب الشيخ في المبسوط و العùمة في التذكرة
و الشهيد الثاني في المسالك إلى أنّه يفطر; لصدق
العمومات و الإطلاقات
فيكون كالمريض المجوّز له الإفطار

فيجب عليه القضاء. والمراد بحديث ما
استكرهوا كما هو المتبادر هو رفع المؤاخذة لاجميع الأحكام.
ويدفعه: أنّ القضاء بفرض جديد
و القول ببطلان الصوم لو سلّمناه لايستلزم القول بوجوب القضاء
غاية
الأمر أنّ الأخبار الواردة في بيان المفطرات مثل صحيحة محمّد بن مسلم القائلة أنّ الصائم لايضرّه
ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال تقتضي أنّ هذا الشخص مفطر
لكن الأخبار الدالّة على أنّ من أفطر يوماً من
رمضان متعمّداً يقضي لايشمل ذلك; لعدم صدقه عليه
و كذلك سائر إطلاقات القضاء; لعدم تبادره منها. و
المريض مُخرَج بالدليل
و القياس باطل.
نعم يمكن الاستدلال بفحوى ما دلّ على القضاء في الإفطار للتقيّة كما يأتي .
وفيه أيضاً إشكال.
وثمرة القول بالإفساد مع عدم وجوب القضاء تظهر فيمن نذر شيئاً للصائم و نحوه.
وذكر جماعة من الأصحاب أنّ معنى الإكراه الإفطار في يوم وجب صومه للتقيّة
أو التناول قبل الغروب
لأجل التقيّة .
وفرّق في الدروس فنفى تعلّق شيء به في صورة التخويف وحكم بالقضاء في التقيّة
وكذلك أطلق التخويف في
الإكراه
و قيّده بخوف التلف في التقيّة .
أمّا الثاني فلا وجه له
بل يكفي فيه ظنّ الضرر كما يستفاد من الأخبار الواردة في التقيّة
و لادلالة
في الرواية الآتية و ما في معناها من الأخبار الكثيرة عليه.
وأمّا الأوّل فلعلّه لأجل ما تقدّم في الإكراه من عدم الدليل
ولخصوص رواية رفاعة
عن رجل
عن أبي عبد
اللّه &
قال: (دخلت على أبي العباس بالحيرة
فقال: يا أبا عبد اللّه & ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت:
ذاك إلى الإمام
إن صمت صمنا
و إن أفطرت أفطرنا
فقال: يا غلام عليّّ بالمائدة
فأكلت معه و أنا أعلم و
اللّه أنّه يوم من شهر رمضان
فكان إفطاري يوماً و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولايعبد اللّه) .
وقال في المسالك: و حيث ساغ الإفطار للإكراه و التقيّة يجب الإفطار على ما تندفع به الحاجة
فلو زاد

عليه كفّر
ومثله ما لو تأدّت بالأكل فشرب معه أو بالعكس
انتهى.
وهو حسن
و يدلّ عليه ما في رسالة المحكم و المتشابة للسيّد ـ رضي اللّه عنه ـ من قول عليّ & في آخر
كلام له &: (وعليه أن يدين اللّه في الباطن بخلاف ما يظهر لمن يخافه من المخالفين) لكن في وجوب
الكفّارة على ما اختاره من إفساد الصوم إشكال. و سيجيء الكلام في نظيره
ولعلّ العدم أظهر.
وأما الناسي ـ أعني من نسي الصيام ـ فلا يفسد صومه
و ليس عليه شيء إجماعاً
وهو مقتضى الأصل
والعمومات والأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً الواردة فيه بالخصوص
مثل صحيحة الحلبي
عن أبي عبد
اللّه &: أنّه سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر
قال: (لايفطر
إنّما هو شيء رزقه اللّه تعالى فليتمّ
صومه) .
و في معناها صحيحة محمّد بن قيس
وموثّقة عمّار الواردة في الجماع نسياناً
و سيجيء بعضها أيضاً.
وإطلاق الأدلّة و الفتاوى يقتضي عدم الفرق بين الصوم الواجب و المندوب
و الأداء و القضاء
و المعيّن
و غير المعيّن; و لكنه قيّده في التذكرة بتعيّن الزمان .
و ربما نُقل عن بعض الأصحاب أنّه قال : لايصحّ صيام ذلك اليوم ندباً و لا واجباً غير معيّن; للرواية
عن الصادق &
وكذا في القضاء بعد الزوال; قال: و عندي فيه إشكال
و الأقرب المنع أيضاً; لأنّه عبارة عن
الإمساك
و لم يتحقّق مع السهو.
وعن الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في حواشي القواعد: أنّ المراد بالرواية لعلّه مارواه العلاء في كتابه
عن
محمّد بن مسلم
قال: سألته فيمن شرب بعد طلوع الفجر و هو لايعلم
قال: (يتمّ صومه في شهر رمضان و قضاءه
و إن كان متطوّعاً فليفطر) .
أقول: ويدلّ على عدم الفرق رواية أبي بصير قال
قلت لأبي عبد اللّه &: رجل صام يوماً نافلة فأكل و شرب
ناسياً
قال: (يتمّ صومه ذلك وليس عليه شيء) .
وروى الصدوق في الفقيه في الموثّقة عن عمار: أنّه سأل أبا عبد اللّه & عن رجل ينسى و هو صائم

فجامع
أهله
قال: (يغتسل ولاشيء عليه) .
ثمّ قال: وروي عن الأئمّة { أنّ هذا في شهر رمضان و غيره
ولايجب منه القضاء .
وأمّا ما أشار إليه الشهيد ـ رحمه اللّه ـ من الرواية فلا دلالة فيها على المطلوب
وبمضمونها أخبار
كثيرة وردت في أنّ من تسحّر مصبحاً و أكل و شرب الفجر لايجوز له أن يصوم ذلك اليوم في غير شهر رمضان .
واعلم أنّ ظاهر الأخبار والفتاوى هو حكم نسيان الصوم.
وأمّا لو نسى كون المفطر مفطراً فلا يظهر منها
و الظاهر أنّ حكمه حكم الناسي للصوم; للأصل
و عموم
قوله: &: (رفع عن اُمتي الخطأ و النسيان) .
و أمّا لو حصل له الشكّ و التردّد في حكم المفطر و لم يمكنه الاستعلام
فيمكن الحكم بوجوب الاجتناب
نظراً إلى وجوب الاجتناب عن اُمور ثابتة في نفس الأمر غير مشروطة بحضورها في ذهنه. والعدم; للأصل
و
عموم قوله &: (كلّ شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه) .
وكيف كان; فلو ارتكبه فالظاهر عدم وجوب القضاء و الكفارة; للأصل
وعدم تبادر حكمه من الأدلّة.
ولو أمكن التحصيل و قصّر فلا يبعد الحكم بوجوبهما معاً
سيّما مع القضاء.
وأما الجاهل بالحكم فالأكثر على أنّه كالعالم العامد في إفساد الصوم
و هم بين قائل بوجوب القضاء و
الكفارة
و قائل بوجوب القضاء فقط .
و ذهب ابن إدريس إلى أنّه لاشيء عليه
و احتمله الشيخ في كتابي الأخبار
و كذا العùمة في المنتهى
و
لكنه استوجه بعد ذلك الإفساد و جزم في موضع آخر بتعلّقهما معاً .
أقول: لاينبغي النزاع في الغافل و الجاهل رأساً الغير المقصّر في التحصيل في أنّه لا إثم عليه; لحكم
العقل بذلك
و دلالة الكتاب والسنّة على ذلك عموماً
فإنّه تكليف بما لايطاق
و داخل فيما رفع عن
الاُمة مما لايعلم الوارد في الأخبار الكثيرة.
و خصوص موثّقة زرارة
و أبي بصير قالا جميعاً: سألنا أبا جعفر & عن رجل أتى أهله في شهر رمضان
وأتى
أهله و هو محرم و هو لايرى إü أنّ ذلك حلال له
قال: (ليس عليه شيء) .

و هذه الأدلّة كما تدلّ على نفي الإثم تدلّ على نفي الكفّارة أيضاً
سيّما و هو مسبّب عن الإثم
غالباً
فالإطلاقات الدالّة على ثبوت الكفّارة مثل ما ورد في حكم الملامسة أيضاً منزّلة على غير
الجاهل.
وأمّا القضاء فيمكن القول بثبوته من وجهين
الأوّل: إطلاق الأخبار الواردة في أنّ من فَعَلَ كذا
يقضي
و من فَعَلَ كذا يقضي
مثل ما ورد فيمن نام ثانياً بعد الجنابة
و من نام متعمّداً حتّى الصباح
و في امرأة تركت غسل الاستحاضة و غسل الحيض
و القيء .
والثاني: الأخبار الدالّة على حصر المفطرات
مثل صحيحة محمّد بن مسلم القائلة أنّه لايضرّ الصائم
إذا اجتنب ثلاث خصال
فإنّ مفهومها أنّه يضرّه إذا لم يجتنب
و عمومها شامل للجاهل.
ويمكن دفع الأوّل بمنع تبادر الجاهل رأساً منها.
والثاني: بذلك
و بأنه يمكن أن يقال: الظاهر من الصائم هو الصوم الصحيح
و إن قلنا بكون الألفاظ أسامي
للأعمّ
فإنّ المراد بيان ما يفطره
وهو لايتمّ إü مع كونه صحيحاً بدونه
و صحّته إنّما تكون إذا نوى
الكفّ عن المفطرات
و المفروض أنّ الجاهل لايمكن منه تحقّق ذلك; لعدم علمه به
فكيف ينوي الكفّ عنه
فهو مفطر قبل ذلك الفعل أيضاً
غاية الأمر عدم العقاب عليه.
ولكن يدفعه: أنّ عدم العلم بالفساد كافٍ على هذا القول
و لاحاجة إلى اعتبار الصحّة
مع أنّ الصوم ليس
محض نيّة الإمساك عن المفطرات
بل هي مع الاستدامة عليها
فالعالم المرتكب أيضاً ليس بصائم.
إü أن يقال: الغرض من الرواية بيان حكم مباشر الصوم و ما يفطره
لابيان ماهيّة الصوم
ومباشرته
لاتستلزم تحقّق تمام ماهيّته
فالمناط حينئذٍٍ إنّما هو النيّة

و الكلام إنّما يتمّ حينئذٍٍ في
الجاهل
فانحصر الدفع في منع اعتبار الصحّة
بل يكفي إطلاق الصوم عليه.
نعم يمكن أنّ يقال: إنّ غاية الأمر ثبوت الضرر للجاهل
و ثبوت الضرر غايته الفساد
و هو لايستلزم
القضاء مطلقاً
فيحتاج ثبوته إلى فرض جديد كما هو التحقيق.
هذا كلّه مع أنّ الموثّقة عامّة في نفي القضاء و الكفّارة
فلاينافي ذلك كون الإفطار من أحكام الوضع
أيضاً
و يقيّد إطلاق الأخبار ـ لو سلّم ظهورها لاعتبار سندها و اعتضادها ـ بما دلّ على أنّه لاشيء
على الجاهل
مثل ماورد في صحيحة عبدالصمد بن بشير:( أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلاشيء عليه) و بالأصل و
الاعتبار.
وأما العالم بوجوب المعرفة
وأنّ للشرع أحكاماً كثيرة لابد من تحصيلها
و خصوصاً في الصوم
إذا قصّر
في التحصيل
وصار تقصيره سبباً لجهالة كون شيء مفطراً
فالأظهر فيه الإفساد
سيّما في الإجماعيات و
الضروريات
كالأكل والشرب المعتادين
بل القضاء و الكفّارة أيضاً
فتشمله الإطلاقات المتقدّمة
بل
الأخبار المستفيضة المعتبرة الواردة في أنّ من تعمّد الإفطار في شهر رمضان يجب عليه الكفّارة
والقضاء
فإنّ ذلك أيضاً من باب العمد.
فرع:
لو أكل أو جامع ناسياً فظنّ أنّ صومه فسد فتعمّد المفطر بعد ذلك
فذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط
والفاضلان إلى أنّ عليه القضاء و الكفّارة.
و نقل في المبسوط عن بعض أصحابنا أنّه يقضي و لايكفّر
و اختاره الشهيد في الدروس و صاحب المدارك
و
هو ظاهر المسالك .
و فرّعه جماعة من الأصحاب على حكم الجاهل
فإنّه جاهل بتحريم الأكل

و على هذا فيلزم أن يقول القائل
بعدم وجوب شيء على الجاهل عدم وجوب القضاء عليه
و هو مشكل; لأن في مسألة الجاهل بكون شيء مفطراً كان
الجاهل صائماً على معتقده
و فيما نحن فيه لم يصم
لافي نفس الأمر
و لافي معتقده.
فالتحقيق أن يقال: إن كان مقصّراً في تحصيل المسألة فيجب عليه القضاء والكفّارة
وإن لم يكن مقصّراً
فلا تجب عليه الكفّارة.
و نفي القضاء عنه في غاية الإشكال; لعدم دلالة الموثّقة عليه كما لا يخفى
و عدم انصراف أخبار وجوب
القضاء على المتعمّد أيضاً له; لأنّه وإن كان متعمّداً للأكل
لكنه ليس بمتعمّدٍ للإفطار عرفاً
فإنّ الظاهر منها المتعمّد للإفطار فيما اعتقده صوماً
و هو غير صائم في معتقده.
وبالجملة فالأحوط بل الأظهر القضاء
و إن لم تجب الكفّارة
و ظاهر العلامة في المنتهى تخصيص الحكم
بمن قصّر في التعلّم مع إمكانه .
الحادي عشر: إنّما يجب القضاء في الواجب المعيّن
كشهر رمضان والنذر المعيّن
و أما غيره مثل قضاء
شهر رمضان والنذر المطلق
فإذا أفطره فإنّ ذلك وإن وجب الإتيان بيوم آخر بدله لكنه لايسمّى قضاءاً
و
قد مرّّ الكلام في شهر رمضان.
والحكم في الواجب المعيّن أيضاً مقطوع به في كلام الأصحاب
مدّعى عليه الإجماع كما صرّح به في
الانتصار
و مدلول عليه بالأخبار الكثيرة
منها صحيحة عليّّ بن مهزيار
و ستأتي جملة منها عن قريب.
ولاوجه لإشكال صاحب المدارك في صحيحة عليّ بن مهزيار مع كثرة الروايات و عمل الأصحاب .
وأمّا الكفّارة
فالظاهر أنّه لاخلاف بينهم في وجوبها في شهر رمضان والنذر المعيّن و صوم الاعتكاف
إذا وجب
ونسبه الفاضلان في المعتبر والمنتهى إلى علمائنا
كما أنّ ظاهرهما الاتفاق على عدمها في
مثل صوم الكفارات والنذر الغير المعيّن والمندوب
و نَقَلَ الوفاق فيه غير واحد .
ونقل الفاضلان أنّ الجمهور أطبقوا على أنّه لا كفّارة إü في صوم شهر رمضان .

و اختلف الأصحاب في قضاء شهر رمضان بعد الزوال
بعد اتفاقهم ظاهراً على حرمة الإفطار حينئذٍٍ كما في
الخلاف و الانتصار والغنية
و إن كان يظهر من الشيخ في تأويل موثّقة عمّار الجواز
و هو في غاية
البُعد مع إيجابه الكفّارة
فالمشهور فيه وجوب الكفّارة
و في الكتب الثلاثة ادّعاء الإجماع عليه
و
نسبه في المعتبر إلى علمائنا .
وخالف فيه ابن أبي عقيل بأنه قال: من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفّارة أو نذر فقد
أثم و عليه القضاء و لاكفّارة عليه
و أطلق . و الأوّل أقوى.
لنا: رواية بريد بن معاوية العجلي
عن أبي جعفر &: في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان
قال: (إن
كان أتى أهله قبل الزوال فلاشيء عليه إü يوماً مكان يوم
وإن كان أتى أهله بعد الزوال
فإنّ عليه أن
يتصدّق على عشرة مساكين
لكلّ مسكين مد
فإن لم يقدر عليه صام يوماً مكان يوم
و صام ثلاثة أيّام
كفّارة لما صنع) .
وصحيحة هشام بن سالم قال
قلت لأبي عبد اللّه &: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان
فقال: (إن كان
وقع عليها قبل صلاة العصر فلاشيء عليه
يصوم يوماً بدل يوم
و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم
عشرة مساكين
فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك) .
وربّما يقدح في سند الأُولى من جهة الحارث بن محمّد
و لاوجه له; لأنّ الظاهر أنّه هو البجلي
و
لايخلو عن مدح
مع أنّ الراوي عنه ابن محبوب
و الظاهر أنّه الحسن بن محبوب
و هو ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصحّ عنه على قول
مع أنّ العلامة وصفها بالصحة في المنتهي
و لو سلّم فعمل الأصحاب

يجبرها
و كذلك مخالفتها للعامة.
وفي متن الثانية بأنه خلاف مذهبهم
و ربّما وجّهها الشيخ بأن المراد بما قبل صلاة العصر هو ما قبل
الزوال
وهو بعيد
و لكن يمكن الدفع بأن منطوق الشرطية الثانية يكفي في الاحتجاج
و خروج سائر
أجزائها عن الظاهر لايخرجها عن الحجية
فيتم الاستدلال بعدم القول بالفصل.
حجّة القول الآخر: الأصل
و موثّقة عمّار المتقدّمة في باب النيّة
حيث قال في آخرها: سئل فإن نوى
الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس
قال: (قد أساء
و ليس عليه شيء إü قضاء ذلك اليوم الّذي أراد أن
يقضيه) .
وفيه: أنّ الأصل لا يقاوم الدليل
وكذلك الموثّقة ما قدمناه لما ذكرنا
وسيجيء تمام الكلام في بيان
الكفّارة و تحقيقها.
وقد ذكر المحقّق و غيره أنّ من أخّر صيام الثلاثة أيّام من الشهر استحبّ له قضاؤه
فيلزمه استحباب
القضاء بجميع المفطرات المتقدّمة عدا ما استثني
مثل التعمّد على الجنابة إلى الصباح و ما سنذكره.
وقد ذكر الأصحاب في المفطرات الموجبة للقضاء مضافاً إلى ما سبق اُموراً:
منها: فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة عليه
سواء كان ظاناً ببقاء الليل كما عبّر به جماعة
أو شاكاً كما صرّح به آخرون .
والظاهر عدم الخلاف في جواز الإتيان بالمفطر ما لم يحصل اليقين بالفجر
و تدلّ عليه رواية إسحاق بن
عمّار قال
قلت لأبي عبد اللّه &: آكل في شهر رمضان بالليل حتّى أشكّ
قال: (كل حتّى لاتشك) و رواه
الصدوق أيضاً مرسلاً .
وتدلّ عليه قويّة زرارة لموسى بن بكر
و كذلك ما رواه العياشي في تفسيره .
ولكن لو صادف المفطر طلوع الفجر فيترتّب عليه لزوم القضاء مع ترك مراعاة القادر
و لاكفّارة; للأصل
و عدم الإثم
و أما مع المراعاة فلا قضاء ولاكفّارة.
والظاهر أنّ هذا التفصيل إجماعيّ كما يظهر من المنتهي و غيره

و تدلّ عليه أيضاً الأخبار مثل صحيحة
الحلبي
عن أبي عبد اللّه &: أنّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبين
فقال (يتمّ
صومه ذلك ثمّ ليقضه
و إن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر).
ثمّ قال: (إنّ أبي كان ليلة يصلّي و أنا آكل
فانصرف فقال: ياجعفر فقد أكلت و شربت بعد الفجر
فأمرني
فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان) .
و تؤدّي مؤدّاها في وجوب القضاء لشهر رمضان صحيحة إبراهيم بن مهزيار
و رواية عليّ بن أبي حمزة .
وتدلّ على التفصيل صريحاً موثّقة سماعة
قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان
فقال: (إن كان قام فنظر فلم يرالفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه
و إن كان
قام و أكل و شرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع فليتمّ صومه و يقضي يوماً آخر; لأنّه بدأ بالأكل
قبل النظر
فعليه الإعادة) . و سيجيء أيضاً ما يدلّ عليه.
وقد ظهر من تلك الأخبار وجوب القضاء على غير المراعي بنفسه
و عدمه على المراعي كذلك.
وأما انتفاء الكفّارة فيهما فيدلّ عليه الأصل
و عدم الإثم على الإفطار.
ومنها: وجوب القضاء على من أخلد إلى قول غيره في عدم الفجر و صادف الفجر مفطراً و إن حصل له الظنّ
و
تدلّ عليه أيضاً صحيحة معاوية بن عمّار قال
قلت: لأبي عبد اللّه &: آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم
لا
فتقول: لم يطلع
فآكل ثمّ أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت
قال: (تتم يومك ثمّ تقضيه
أما أنك لو كنت
أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه) .
وقال جماعة من الأصحاب: لو كان المخبر عدلين فلا قضاء عليه
و هو لايخلو عن قوّة
و إن كان في حجية
العدلين هنا إشكال; لأنّ المفروض أنّ الرواية ظاهرة في وحدة المخبر
و القضاء بفرض جديد
و لا إطلاق
في النصوص المتقدّمة يشمل ما لو أخبره العدلان أيضاً.
ومنها: وجوب القضاء على من ترك قول المخبر بالفجر ظانّاً كذبه فصادف الفجر مفطراً
و لاكفّارة عليه.

أما الثاني; فللأصل.
و أمّا الأوّل; فلصحيحة العيص بن القاسم
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه
يتسحّرون في بيت
فنظر إلى الفجر فناداهم
فكفّ بعضهم و ظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل
فقال: (يتمّ صومه و
يقضي) و في الفقيه و ناداهم: أنّه قد طلع .
لايقال: مقتضى ما مرّ من الأخبار الدالّة على سقوط القضاء عن المراعي عدم القضاء
فالنسبة بينهما
عموم من وجه
فما وجه الترجيح؟!
لأنّا نقول: ما مرّ كالصريح في عدم إخبار الغير
فهذا كالأخصّ مطلقاً فيقدّم عليه.
ومنها: ما لو أفطر تقليداً للغير أنّ الليل قد دخل
ثمّ ظهر فساد الخبر
فقد ذكروا أنّه مما يوجب
القضاء فقط.
وهذا الحكم بإطلاقه مشكل
فإن الذي ثبت من الأدلّة في جواز العمل بالظنّ في الوقت هو ما لو كان
للمكلّف مانع عن تحصيل العلم
مثل الغيم و الغبار
و لعلّ انعكاس نور القمر في الآفاق في بعض الليالي
أيضاً من هذا القبيل
و قد بيّنا ذلك في كتاب الصلاة
و كذلك يجوز العمل به للأعمى والمحبوس
و كلّ
عاجز عن الاستعلام.
وأما العمل بالظنّ في الوقت كيف ما كان ليكون إخبار واحد و لو كان فاسقاً داخلاً فيه فكذلك
و كذلك
أذان الموذّن على الأصحّ كما مرّ في محلّه.
و على هذا فلو كان هذا الصائم ممن لايتمكّن من تحصيل العلم و يجوز له التقليد و العمل بالظن الحاصل
من قول الغير فتكليفه جواز الإفطار
و حينئذٍ فلا يجب قضاؤه
و لاكفّارة; لكونه مأذوناً فيه.
و ثبوت القضاء فيما لو أكل باستصحاب الليل و اتّفق كونه في النهار لخصوص دليل لايستلزم الحكم بثبوته
هنا أيضاً
إذ لا دليل هنا بالخصوص.
و إن كان يتمكّن من تحصيل العلم
بل الظنّ بالمراعاة و الملاحظة فلا يجوز له العمل بمجرد قول الغير و
إن لم يكن حجة شرعية به
فتجب عليه الكفّارة أيضاً.

وما ذكرنا من الإشكال يظهر من كلام صاحب المدارك أيضاً بعد جدّه ـ رحمه اللّه ـ في الروضة .
وقال صاحب الكفاية: ولايبعد أن يقال إن حصل الظنّ بإخبار المخبر اتّجه سقوط القضاء و الكفّارة;
لصحيحة زرارة
و لايبعد انتفاء الإثم أيضاً
و إü فالظاهر ترتب الإثم
فإنّ مقتضى الأمر بالصيام إلى
الليل وجوب تحصيل العلم أو الظنّ بالامتثال
و هو منتفٍ في الفرض المذكور
و أما وجوب القضاء ففيه
تأمّل أيضاً
انتهى.
والظاهر أنّ مراده بصحيحة زرارة ما رواه الشيخ عنه
قال: سألت أبا جعفر & عن وقت إفطار الصائم
قال:
(حين تبدو ثلاثة أنجم) و قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك
قال: (ليس عليه
قضاء) .
ويحتمل مارواه الشيخ و الصدوق عنه قال
قال أبو جعفر &: (وقت المغرب إذا غاب القرص
فإن رأيته بعد ذلك و
قد صلّيت أعدت الصلاة
و مضى صومك
و تكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً) .
وأنت خبير بأنّ الروايتين غير ظاهرتين في حصول الظنّ من إخبار المخبر
بل الظاهر منهما خلافه
و
منزّلتان على ما كان هناك مانع من غيم أو غبار و نحو ذلك
أو على من لايتمكّن من المراعاة أيضاً
و لم
يقل أحد من الفقهاء بجواز العمل بالظنّ على أي وجه كان
و قد مرّ الكلام في مباحث أوقات الصلاة.
ثمّ قوله: (ولايبعد انتفاء الإثم فيه) أنّه لو كان دليل جواز العمل بالظنّ شاملاً لما نحن فيه
فانتفاء الإثم متعيّن
فلامعنى لقوله (ولايبعد).
إü أن يقال: بناؤه هنا ليس على مسألة الاكتفاء بالظنّ في الوقت مع العجز عن تحصيل العلم في الصلاة و
الصوم
بل مبنى كلامه هنا في خصوص الصوم الاكتفاء بالظن مطلقاً; لخصوص صحيحة زرارة.
فيرد عليه حينئذٍ: أنّ الظاهر أنّه لاقائل بالفصل بين الصوم و الصلاة في جواز العمل بالظنّ
و عدم
انصراف الرواية إلى الظنّ الحاصل من قول المخبر.
وأما قوله: (و إü فالظاهر) إلى آخره الأحسن القطع بترتّب الإثم.
و أما وجه تأمّله في وجوب القضاء

فلعلّه لتأمّله في صدق تعمّد الإفطار عليه حينئذٍ
و ليس بجيد; إذ
الجزم بترتّب الإثم أو ظهوره إنّما هو للإفطار عمداً
و هو مستلزم للقضاء.
ثمّ إنّ إطلاق كلمات الأكثر يشمل ما لو كان المخبر فاسقاً أو عادلاً واحداً أو متعدداً.
وعن المحقّق الشيخ عليّ: الجزم بأنّه لو شهد بالغروب عدلان ثمّ بان كذبهما فلاشيء على المفطر و إن
كان ممن لايجوز له تقليد الغير; لأنّ شهادتهما حجّة شرعية .
و استشكله في المدارك; لعدم ما يدلّ على الحجية عموماً
سيّما فيما يجب فيه تحصيل اليقين .
قال في الكفاية: و هو حسن
إü أنّ في جعل محلّ البحث مما يجب فيه تحصيل اليقين تأمّلاً; لصحيحة زرارة
الدالّة على الاكتفاء بالظنّ
و حينئذٍ فالظاهر التعويل على شهادتهما
إü مع عدم الظنّ بشهادتهما .
أقول: قد عرفت ما فيه
و استشكال المدارك في محلّه
إü أنّ لزوم القضاء في مثل ذلك أيضاً غير معلوم;
لعدم ظهور اندراجه فيمن أفطر الصوم عمداً.
و أما ما قد يتوهّم من أنّ المستفاد من الأخبار أنّه يكفي العدل الواحد في المقامات الّتي يحتاج إلى
العلم فكيف بالعدلين
فهو ضعيف.
و من جملة ما ذكره من المقامات ما رواه الشيخ
عن إسحاق بن عمّار
قال: سألته عن رجل كانت له عندي
دنانير و كان مريضاً
فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلاناً عشرين ديناراً
وأعط أخي بقيّة الدنانير
فمات ولم أشهد موته
فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي: إنّه أمرني أن أقول لك انظر إلى الدنانير الّتي
أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدّق منها بعشرة دنانيراقسمها في المسلمين
و لم يعلم أخوه أنّ عندي
شيئاً
فقال: (تصدّق منها بعشرة دنانير كما قال) فدلّت على ثبوت الوصيّة بقول الثقة.
ومنها: ما رواه بسند فيه العبيدي
و الصدوق بسنده عن ابن أبي عمير
عن هشام بن سالم
عن الصادق &: في
حديث
قال & فيه: (إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً
و الوكالة ثابتة حتى يبلغه
العزل عن الوكالة بثقة يبلغه
أو يشافهه العزل عن الوكالة)

و صرّح الأصحاب بأنه لاينعزل إü مع العلم
فظهر أنّ الثقة يقوم مقام العلم.
ومن ذلك ما ورد من كفاية إخبار المالك العدل باستبراء الأمة .
و وجه الضعف: أنّ خبر الواحد حجّة شرعيّة ظنّية يجوز الاعتماد عليه
فهذه الأخبار الآحاد التي وردت
في تلك الموارد في سماع قول الثقة في موضوعات الأحكام
فلو عملنا على مقتضاها فإنّما هو لأنّه مقتضى
تلك الأحاديث
لا لأنه مجرد خبر ثقة في موضوع الحكم
فيقتصر على مواردها
مع أنّ كون المذكورات مما
يجب فيه العلم ممنوع.
و ما ذكره من تصريح الأصحاب في مسألة العزل ممنوع
بل اختلفوا
فقيل: بوجوب العلم
و قيل: بكفاية
إخبار الثقة
فمن يشترط العلم لايعمل بالرواية
و من لايشترط يعمل.
وبالجملة ظاهر مطمح نظر المتوهّم إثبات قطعيّة الأخبار
و ادّعاء أنّ خبر الثقة مفيد للقطع
و اين
هذا مما رامه
و أنّى له إثبات هذا.
والحاصل: إن فرض حصول الجزم للمفطر فلا مانع من الإفطار
و إن كان خبر فاسق
و الظاهر عدم وجوب القضاء
حينئذٍ لو بان فساده
و بدونه مشكل و إن كان خبر عدلين
و لكن لايحكم بوجوب القضاء لو فعل و بان فساده
هذا كلّه فيما لو بان الفساد.
وأما لو لم يظهر الحال حتى تيقّن الليل
ففيه إشكال
و يظهر من المحقّق و الشهيد و غيرهما ـ حيث
قيّدوه بما لو تبيّن الفساد ـ عدم القضاء لو لم يتبين الفساد
و الاُصول الشرعيّة تقتضي الفساد و
القضاء
بل الكفّارة ما لم تظهر الموافقة.
ومنها: ما لو ظنّ دخول الليل لظلمة عرضت
إما لغيم أو غيره
فأفطر ثم تبيّن فساد ظنّه
أتم صومه

و وجب
عليه القضاء عند أكثر علمائنا
و هو قول العامة
هكذا قال في التذكرة
ثمّ قال: و للشيخ قول آخر أنّه
يمسك و لاقضاء عليه و .
أقول: و نقل هذا القول في المدارك عن الصدوق في الفقيه و جمع من الأصحاب
و اختاره هو ـ رحمه اللّه ـ و
بعض من تأخّر عنه .
وعن ابن إدريس أنّه قال: من ظنّّ أنّ الشمس قد غابت لعارضٍ يعرض في السماء من ظُلمة أو قتام ولم يغلب
على ظنّّه ذلك ثم تبيّن الشمس بعد ذلك; فالواجب عليه القضاء دون الكفّارة
و إن كان مع ظنّّه غلبة
قويّة فلاشيء عليه من قضاء و لاكفّارة; لأن ذلك فرضه; لأنّ الدليل قد فقد
فصار تكليفه في عباداته
غلبة ظنّه
فإن أفطر لاعن أمارة و ظنّ فيجب عليه القضاء و الكفّارة .
و في المختلف مال إلى القول الأوّل بعد توقّفه أوّلاً .
ويظهر من المسالك: أنّ هنا قولاً آخر حصل من الجمع بين الأخبار
و هو وجوب القضاء على من تمكّن من
المراعاة و لم يراع .
و هو قول الشهيد في اللمعة
فإنّه قال فيها بوجوب القضاء إذا حصل له الظنّ بدخول الليل مع ترك
المراعاة مع إمكانها
و لاقضاء عليه مع المراعاة في صورة الإمكان
و لامع عدمها في صورة عدم الإمكان
و نَسب القول بعدم القضاء في صورة حصول الظنّ لظلمة موهمة مع عدم المراعاة إلى القيل مشعراً بتمريضه
.
و جعل في المسالك أيضاً قول ابن إدريس أيضاً من مقتضى الجمع بينهما
بحمل ما دلّ على لزوم القضاء على
ما كان الظنّ ضعيفاً
و الآخر على ما كان قويّاً .
أقول: ولايخفى بعد التأمّل في الأخبار
و الإنصاف أنّ كلّها من باب واحد
و هو ما حصل الظنّ بسبب
العارض
و أن فرض التمكّن من المراعاة و تركه في صورة حصول الظنّ من غشيان السحاب و حصول الغيم الذي
أظلم حتّى حصل الظنّ بالليل نادر لاتنصرف إليه الإطلاقات.
فيكون مورد الأخبار هو عدم التقصير في المراعاة
أو ما يشمل صورة التقصير أيضاً.
و لا استبعاد في وجوب القضاء لو انكشف الفساد حينئذٍ إذا قام الدليل
فالشأن في إقامة الدليل
و

الكلام في ترجيح الأدلّة.
فما يدلّ من الأخبار على القول الأوّل هو ما رواه الكليني و الشيخ في الصحيح على الأظهر
عن أبي بصير
و سماعة
عن أبي عبد اللّه &: في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه
الليل
فأفطر بعضهم
ثمّ إنّ السحاب قد انجلى
فإذا الشمس
فقال: (على الذي أفطر صيام ذلك اليوم
إنّ
اللّه عزوجل يقول:
ثمّ أتمّوا الصيام إلى الليل
فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه; لأنّه أكل
متعمّداً) .
وأما ما يدلّ على القول الثاني فكثير
منها صحيحتا زرارة المتقدّمتان .
و منها رواية أبي الصباح الكناني ـ و كثيراً ما يصف هذا السند بالصحة في المختلف ـ قال: سألت أبا عبد
اللّه & عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر
ثم إنّ السحاب قد انجلى
فإذا
الشمس لم تغب
فقال: (قد تمّ صومه و لايقضيه) .
ورواية زيد الشحّام عنه &: في رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان
و أنّ الشمس قد غابت
و كان في السماء
سحاب
فأفطر
ثمّ إنّ السحاب انجلى
فإذا الشمس لم تغب
فقال: (تم صومه و لايقضيه) .
والصدوق ـ رحمه اللّه ـ أخذ بهذه الأخبار
وردّ رواية سماعة; لأنّه واقفي .
والشيخ في الاستبصار حمل الرواية الاُولى على صورة الشك
و ربّما قدح بعضهم في سندها; لمكان العبيدي
.
و ربما قدح بعضهم في دلالة صحيحة زرارة الثانية على عدم وجوب القضاء; بأن قوله & (مضى) بمعنى سقط و تلف
يعني مضى من يده .
والحقّ; أنّ هذه الإشكالات كلّها ضعيفة
و دلالة الأخبار على الطرفين واضحة
و لايخلو كلّ من الطرفين
من أسناد معتبرة.

و كون سماعة واقفياً مع تسليمه غير مضرّ; لحجية الموثّق
مع أنّ في الكافي و التهذيب رواه عن أبي بصير
أيضاً
و الأظهر فيه الصحة كما وصفه به في المختلف أيضاً .
و قوله &: (فرأوا أنّه الليل) ظاهر في الظنّ
مع أنّ في بعض النسخ فظنّوا.
وكذا العبيدي أظهره الصحّة
فلابدّ من الرجوع إلى الترجيح.
فما يرجّح القول الأوّل أكثريّة القائلين به
و أشهريته
و كون روايته معلّلة
لكن التعليل بكونه أكل
متعمّداً لايخلو من شيء
سيّما و لو كان كذلك للزمت الكفّارة أيضاً
و هم لا يقولون به
بل ظاهرهما
الاتفاق كما يظهر من المسالك .
و يضعفه أيضاً كونه موافقاً للعامة كما نقله في التذكرة
و نقل فيها روايتهم عن حنظلة قال: كنّا في
شهر رمضان و في السماء سحاب
فظننا أنّ الشمس قد غابت
فأفطر بعضنا
فأمر من كان أفطر أن يصوم مكانه .
ومما يرجّح القول الآخر كثرة الأخبار
و اعتبار أسنادها
و موافقتها للأصل
و الاعتبار
و الموافقة
لنفي الحرج و العسر و الملّة السمحة السهلة
و مخالفتها للعامة
فلم يبقَ في الطرف الأوّل إü أكثرية
القائل
و ليس ذلك بحدٍّ يغلب على تلك المرجّحات القوية
مع أنّ هذا القول ليس بشاذ
بل القائل به
أيضاً كثير
فلايبعد حمل رواية الأوّلين على التقيّة.
والأقوى عدم وجوب القضاء.
و أمّا الكفّارة فلا دليل عليها إü إشعار قوله &: (لأنّه أكل متعمّداً) و قد عرفت ضعفه.
بقي الكلام فيما ذهب إليه ابن إدريس من الفرق بين مراتب الظنون
و هو غير ظاهر الوجه; لعدم انضباط
مراتب الظنّ حتّى يجعل بعضها غالباً و بعضها غير ذلك

بل الظنّ كلّه غالب كما أشار إليه في المسالك
مع أنّ المذكور في الأخبار هو مطلق الظنّ.
و قال في المختلف: و منشأ خياله هذا ما وجده في كلام شيخنا أبي جعفر أنّه متى غلب على ظنّه لم يكن عليه
شيء
فتوهّم أنّ غلبة الظنّ مرتبة اُخرى راجحة على الظنّ
و لم يقصد الشيخ ذلك
فإنّ الظنّ هو رجحان
أحد الاعتقادين
و ليس للرجحان مرتبة مخصوصة محدودة تكون ظنّاً و اُخرى تكون غلبة الظنّ.
ثمّ قوله: (إن أفطر لاعن أمارة و لاظنّ وجب عليه القضاء و الكفّارة) خطأ; لأنّه لو أفطر مع الشكّ لوجب
عليه القضاء خاصّة
فهذا كلّه كلام من لايحقّق شيئاً
انتهى.
أقول: وهذه العبارة الموهمة موجودة في كلام غير ابن إدريس أيضاً
مثل عبارة المحقّق في الشرائع
فإنّه عدّ اُموراً يجب فيها القضاء فقط
و قال في آخرها: و الإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل
فإن
غلب على ظنّه لم يفطر .
و قد جعل في المسالك أحد معاني العبارة التفاوت بين مراتب الظنّ كما ذكره ابن إدريس بإرادة الظنّ من
الوهم كما هو أحد معانيه لغة .
والأظهر عندي أنّ مراده ـ رحمه اللّه ـ من الإفطار للظلمة الموهمة هو ما لم يحصل معه الظنّ
فيكون
الوهم في كلامه بمعنى الغلط كما هو أحد معانيه اللغوية أيضاً .
فاتباع الظلمة المغلطة موجب للإفطار الموجب للقضاء
و ما حصل منه الظنّ مستثنى من أقسامه بسبب
النصوص
و لذلك قال: فإن غلب على ظنّه لم يفطر
يعني لم يحكم بكونه مفطراً
و إن استبان خطأه
فيكون
مختاره ـ رحمه اللّه ـ في المسألة عدم وجوب القضاء
بخلاف مختاره في المعتبر .
و على ذلك تنزّل عبارة التذكرة و غيرها.
وأصرح العبارات في ذلك عبارة اللمعة
حيث قال: و قيل لو أفطر لظلمة موهمة ظانّاً فلاقضاء .
والكلام في العبارات سهل
وإنّما المهم تحقيق أصل المسألة
فأمّا الكلام في صورة حصول الظنّ فقد
عرفته.
و أما في صورة الوهم و الشكّ المصطلحين; فلم نقف في الأخبار على ما يدلّ عليه
و مقتضى العمومات لزوم

القضاء عليه; لأنّه غير مأذون فيه.
بل و هو كذلك لو لم ينكشف كونه في النهار
كما ذكره في المسالك
واختاره في التذكرة .
بل لزوم الكفّارة أيضاً كما أشار إليه أيضاً في المسالك .
وإن كان لجهل بالحرمة
فقد مرّ حكم الجاهل.
وأما لو انكشف كونه في الليل ففيه إشكال
والظاهر عدم وجوب القضاء كما صرّح به في التذكرة; لصحته في
الأصل و عدم طروء المفسد .
وأما الكفّارة; ففي سقوطها حينئذٍ إشكال
من جهة هتك الحرمة
و عدم صدق الإفطار
و سيجيء الكلام فيه.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الكلام فيمن ظنّ الدخول في الليل
و له طريق إلى العلم كذلك
كما ذكره في المسالك
أيضاً
قال: و يظهر من المتأخّرين أنّه لا كفّارة في هذه الصورة
و قد عرفت ما فيه
و الوجهان آتيان
فيمن أفطر في يوم يعتقده من شهر رمضان
ثمّ تبيّن أنّه العيد
أو أفطر المسافر قبل تحقّق بلوغ
الترخّص
ثمّ ظهر له أنّه في محلّه
أو ظنّ أنّ سفره بعد الزوال فأفطر ثمّ تبين أنّها لم تزل
و عدم
الكفّارة في الجميع متوجّه و إن حصل له الإثم
انتهى
و تمام الكلام فيه سيجيء بعد ذلك.
الثاني عشر: كفّارة شهر رمضان: عتق رقبة
أوصيام شهرين متتابعين
أو إطعام ستين مسكيناً.
و اختلفوا في أنّه مخيّر فيها
أو مرتّبة على الترتيب المذكور
فتتعين الاُولى مع القدرة
ثمّ
الثانية مع العجز عن الاُولى
ثمّ الثالثة هكذا.
والأشهر الأظهر المدّعى عليه الإجماع من السيّد في الانتصار و ابن زهرة هو الأوّل; للأصل; و الأخبار
المستفيضة

منها موثّقة أبي بصير المتقدّمة في مسألة من أصبح جنباً متعمّداً .
ومنها: روايته الاُخرى المتقدّمة في مسألة الاستمناء .
ومنها: صحيحة عبد اللّه بن سنان
عن أبي عبد اللّه &: في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً
من غير عذر
قال: (يعتق نسمة
أو يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستين مسكيناً
فإن لم يقدر على ذلك تصدّق
بما يطيق) .
و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه &
قال: سألته عن معتكف واقع أهله
قال: (عليه ما على الذي أفطر يوماً
من شهر رمضان متعمّداً: عتق رقبة
أو صوم شهرين متتابعين
أو إطعام ستّين مسكيناً) .
وهناك روايات كثيرة اُكتفي فيها بإحدى الخصال
و هي لاتلائم الترتيب
بل هي أوفق بالتخيير
فلاحظها .
وذهب ابن أبي عقيل إلى الترتيب .
وعن الشيخ في الخلاف أنّه حكاهما روايتين
إü أنّه قال: و خبر الأعرابي يقوي الترتيب
و الظاهر أنّه
أراد بخبر الأعرابي رواية عبد المؤمن الآتية.
و ذكروا في دليله الاحتياط
و رواية عبدالمؤمن بن الهيثم الأنصاري
عن أبي جعفر &: (إنّ رجلاً أتى
النبيّ ْ فقال: هلكت و أهلكت
فقال ْ: ما أهلكك؟ فقال: أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم
فقال له
النبيّ ْ: أعتق رقبة
قال: لاأجد
قال: فصم في شهرين متتابعين
فقال: لا اُطيق
قال: تصدّق على ستّين
مسكيناً
قال: لا أجد
فأتى النبيّ ْ بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعاً
من تمر
فقال له النبيّ ْ: خذها و
تصدّق بها

فقال: والذي بعثك بالحقّ
ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا
فقال: خذه وكله أنت
وأهلك
فإنّه كفّارة لك) .
وحسنة جميل بن درّاج
عن أبي عبد اللّه &: أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً
فقال:
(إنّ رجلاً أتى النبيّ ْ فقال: هلكت يا رسول اللّه
فقال: مالك؟ فقال: النار يا رسول اللّه ْ
فقال: و
مالك؟ قال: وقعت على أهلي
قال: تصدّق واستغفر ربّك
فقال الرجل: فوالذي عظم حقّك ما تركت في البيت
شيئاً لاقليلاً و لاكثيراً
قال: فدخل رجل من الناس بمكتل تمر فيه عشرون صاعاً يكون عشرة أصوع
بصاعنا
فقاله له رسول اللّه: خذ هذا التمر فتصدّق به
فقال يا رسول اللّه: على من أتصدّق به وقد
أخبرتك أنّه ليس في بيتي قليل و لاكثير
قال: فخذه وأطعمه عيالك و استغفر اللّه عزّوجلّ) قال: فلما
رجعنا قال أصحابنا: إنّه بدأ بالعتق
قال: (أعتق
أوصم
أو تصدّق) .
و رواية المشرقي
عن أبي الحسن &
قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً
ما عليه من
الكفّارة؟ فكتب: (من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة
و يصوم يوماً بدل يوم)
فإنّها تدلّ على تعيّنه عليه.
والجواب عن الرواية الاُولى: بعد ضعفها
أنّها ليست بنصّ في الترتيب في التكليف
بل إنّما هو ترتيب
في إلقاء الحكم
و لعلّه & ابتدأ بما ابتدأ لأجل الأفضليّة.
سلّمنا الدلالة
لكنها لايعارض بها ما قدّمناه من الأخبار المعتبرة الصريحة في التخيير ; لموافقتها
لجمهور الأصحاب
و مخالفتها لأكثر العامة
و وافقنا في التخيير; مالك

و رووا رواية دالّة عليه عن
أبي هريرة
و أما أبو حنيفة و الشافعي و غيرهما فذهبوا إلى الترتيب
و استدلّوا بحكاية الأعرابي
المتقدّمة
و لموافقتها للأصل و نفي العسر و الحرج
و أكثريتها و أصحيّتها و أوضحيّتها
فنحملها على
الاستحباب.
وأما الرواية الثانية: فالأمر بالتصدّق يدلّ على وجوب الابتداء بالعتق
و حملها على أنّه ْ كان يعلم
عجزه عن الآخرين تأويل
و ليس بأولى من إرادة ذكر أحد أفراد الواجب المخيّر.
وأما آخر الرواية; فنقل حكاية جميل قول أصحابه في معنى حديث مرسل
و لاحجية فيه
و كانه أراد أنّي لم
أسمع إü حكاية التصدّق
ولكن أصحابنا قالوا: إنّه بدأ بالعتق إلى آخره.
مع أنّه لادلالة في الابتداء بالعتق على تعيّنه
فلعله للفضيلة
مضافاً إلى أنّ كلمة (أو) ظاهرة في
التخيير.
وأما الثالثة: فمع تسليم سندها
فهو أعمّ من التعيين
فلعلّه في الأفضليّة.
سلّمنا; لكنها معارضة بالأخبار الكثيرة التي عيّن فيها غيره
مع أنّ بعضها لايقبل التأويل بأنّه من
جهة أنّ الإمام كان يعلم عجزه عن غيره
مثل أنّ الراوي سأل عن رجل فعل كذا; فقال: يكفّر كذا; لأنّ ذلك
سؤال عن صورة فرضه.
هذا كلّه مع ما عرفت من أنّ التوجيه و التأويل في هذه الأخبار ألصق و أنسب و أولى من جهة قربه هنا دون
أخبارنا
و من جهة أنّ إرجاع الأضعف إلى الأقوى متعيّن
و لايجوز العكس.
ثمّ إنّهم اختلفوا في ثبوت الفرق بين الإفطار بالمحرّم و المحلّل
و عدمه
فظاهر إطلاق الأكثر عدم
الفرق
و نسبه العùمة إلى المشهور في المختلف .
وذهب جماعة من الأصحاب إلى الفرق
و هو مذهب الصدوق و الشيخ في كتابي الأخبار و ابن حمزة و العùمة في
الإرشاد و القواعد

و ولده في شرحه
و في جواب مسائل المهنّا بن سنان
ويحيى بن سعيد في الجامع
و
الشهيد في الدروس و اللمعة
و الشهيد الثاني في المسالك و الروضة
و نسبه الفاضل المتقي في شرحه على
الفقيه إلى المشهور بين المتأخّرين
و اختاره
و هذا أقوى.
لنا: ما رواه الصدوق
عن عبدالواحد بن عبدوس النيسابوري
عن عليّ بن محمّد بن قتيبة
عن حمدان بن
سليمان
عن عبد السلام بن صالح الهروي
عن الرضا &
قال
قلت له: يابن رسول اللّه & قد روي عن آبائك {
فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات
وروي عنهم أيضاً كفّارة واحدة
فبأيّ الحديثين
نأخذ؟قال: (بهما جميعاً
متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات:
عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكيناً و قضاء ذلك اليوم
و إن كان نكح حلالاً فعليه
كفّارة واحدة) رواه في باب الكفارات من الفقيه وفي العيون و معاني الأخبار .
وقال في كتاب الصوم من الفقيه: و أما الخبر الذي روي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً أنّ عليه
ثلاث كفارات فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه; أو بطعام محرّم عليه
لوجود ذلك في روايات
أبي الحسين الأسدي ـ رضي اللّه عنه ـ فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّدبن عثمان العمري قدس
اللّه روحه .
وهذا يشهد بأنّ هنا رواية اُخرى عن صاحب الزمان ظاهرة الصحّة
و الرواية الأُولى أيضاً ظاهرة الصحّة
كما وصفها بها العùمة في كفارات التحرير
و الشهيد الثاني في المسالك والروضة .
والتأمّل في عبد الواحد كما قال في المختلف أنّه لايحضره الآن حاله
و لو كان ثقة لكانت الرواية
صحيحة يتعيّن العمل بها
لاوجه له
مع ملاحظة كونه معتمد الصدوق و شيخه
و روى عنه بلا واسطة

و قال
بعد ذكره (رضوان اللّه تعالى عليه) إذ لا يحصل الظنّ بالتوثيق من عدل أزيد مما يحصل من ذلك.
وأما عليّ بن محمّد بن قتيبة
فيظهر من العùمة في هذه العبارة من المختلف توثيقه
و كذلك من الشهيد
الثاني و غيره
مع أنّه ممن اعتمد عليه الكشي كما صرّح به النجاشي .
وأمّا عبد السلام فهو أبوالصلت الهروي
ولاريب في توثيقه .
و ما يظهر من العùمة في باب الكنى من أنّه عاميّ ينافي ذكره في باب المعتمدين بلاإشكال .
مع أنّه يظهر من الروايات التي نقلها الكشي أنّ العامّة وثّقوه و لم يعيبوا عليه بشيء إü التشيّع
ومحبّة آل الرسول اللّه ْ .
فلعلّ غفلة من غفل مثل ابن داود في أواخر كتابه مع تصحيحه قبل ذلك في موضعين إنّما كان لأجل كونه
متقياً
و هذا الجمع أولى من الجمع بكونه عامياً ثقة حتى يكون موثّقاً
مع أنّ الموثّق أيضاً حجّة.
ولعلّ مراد الصدوق ـ رحمه اللّه ـ بالخبر الذي ذكره هو موثقة سماعة
قال: سألته عن رجل أتى أهله في
شهر رمضان متعمّداً فقال: (عليه عتق رقبة
و إطعام ستّين مسكيناً
و صيام شهرين متتابعين
و قضاء ذلك
اليوم
و أنّى له مثل ذلك اليوم) .
ورواه الشيخ في التهذيب وأوّله بتأويلين
أحدهما: كون (الواو) بمعنى (أو) كما في مثنى و ثلاث و رباع.
والثاني: بإتيان أهله في حال تحريم الوطء كحال الحيض
و حال الظهار قبل الكفّارة
و استشهد عليه
برواية الهروي .
فطرح هذه الروايات الثلاث المفصّلة أو إخراجها من الظاهر و حملها على الاستحباب مع اعتبارها و
موافقتها للاعتبار و عمل كثير من الأصحاب
مع أنّه ليس في طرف الخلاف إü الأصل و الإطلاقات و ترك
الاستفصال في غاية الإشكال
فالأظهر العمل على التفصيل.
وأما رواية الفتح بن يزيد الجرجاني المرويّة في العيون و الخصال
و ستأتي في مسألة وجوب تكرّر
الكفّارة بتكرّر المفطر
فهي لاتنافي ما ذكرنا كما يظهر بالتأمّل.
ثمّ إنّه لا فرق في المحرّم بين الأصلي كأكل الميتة
و لحم الخنزير
و الزنا

و الاستمناء المحرّم
و
غبار ما لايجوز تناوله كالتراب
أو العارضي كوطء الزوجة في حال الحيض أو حال الظهار قبل الكفّارة و
نحوها.
ويشكل الكلام في الغبار; لأن المذكور في الرواية أنّ كفّارته صيام شهرين
و التمسّك بعدم القول
بالفصل مشكل.
وقد يعدّ من تناول المحرّم ابتلاع نخامة الرأس إذا صارت في فضاء الفم
و هو ضعيف
و سيجيء الكلام فيه.
الثالث عشر: قد عرفت أنّه لاخلاف في وجوب الكفّارة في النذر المعيّن
واختلفوا في قدرها
و لما كانت الأقوال متواردة على مطلق النذر
فلنتكلّم على مطلقه
ففيه أقوال عديدة:
فالمشهور أنّ كفّارة خُلف النذر و العهد كفّارة شهر رمضان مخيّرة
سواء كان المنذور صوماً أو غيره
و
ادّعى السيد في الانتصار الإجماع على وجوب القضاء و ما يجب على من أفطر يوماً من شهر رمضان من
الكفّارة على من أفطر صوم النذر المعيّن .
وذهب الصدوق إلى أنّها كفّارة يمين .
ونقل ابن إدريس عن السيد في المسائل الموصليات التفصيل بأنّه إن كان المنذور صوماً معيّناً فأفطره
فكفّارة رمضان
و إü فكفّارة يمين
و ارتضاه جماعة من الأصحاب .
وقال في الإرشاد: الأقرب أنّ خلف نذر الصوم كرمضان
و خلف نذر غيره كاليمين
و كذا العهد .
والفرق بين التفصيلين ظاهر.
وعن الكرخي وسùر أنّ كفّارة خلف النذر هي كفّارة ظهار
و هو يقتضي الترتيب.
وقال السيد في الانتصار: و مما انفردت به الإماميّة أنّ من خالف النذر حتّى فات فعليه كفّارة
و هي
عتق رقبة
أوصيام شهرين متتابعين
أو إطعام ستين مسكيناً
و هو مخيّر في ذلك
فإن تعذّر عليه الجميع
كان عليه كفّارة يمين .
والأقوى قول المشهور; لما رواه الشيخ
عن عبد الملك بن عمرو

عن أبي عبداللّه &
قال: (من جعل للّه عليه
أن لايركب محرّماً سمّاه فركبه
قال: و لا أعلم إü قال: فليعتق رقبة
أو ليصم شهرين متتابعين
أو ليطعم
ستّين مسكيناً) .
والظاهر أنّ الرواية صحيحة; لأنّه ليس فيها من يتأمّل فيه اü عبد الملك بن عمرو
و الظاهر عدم
الإشكال فيه لوجوه:
منها: أنّ الكشي روى في الصحيح
عن ابن أبي عمير
عن جميل بن صالح
عن عبد الملك بن عمرو قال
قال أبو
عبد اللّه &: (إنّي لأدعو لك حتّى اُسمّي دابتك
أو قال: أدعو لدابتك) .
والقدح في ذلك بأن ذلك شهادة لنفسه فلاتسمع
يدفعه أنّ رواية ابن أبي عمير عنه تشهد بصدق الحديث
فيكون الحديث معتبراً
و هذا المدح مع صحّته لايقصر عن التوثيق
بل أكبر منه.
ومنها: أنّ جماعة من الفضلاء المحقّقين و صفوا هذه الرواية بالصحّة
مثل العلامة ـ رحمه اللّه ـ في
المختلف
و ولده
والشهيد الأوّل في غاية المراد و الدروس و غيرهما
و المحقّق ابن فهد في المهذّب
و
بعض من تأخّر عنهم
فهذا في معنى التوثيق من هؤلاء
فلاوجه للتأمل.
ومنها: أنّ الراوي عنه في هذا السند ابن أبي عمير
عن جميل بن دراج
و هما ممن أجمعت العصابة على تصحيح
مايصحّ عنهم
و قد قالوا في شأن ابن أبي عمير ما قالوا .
فهذه الرواية مع عمل جمهور الأصحاب
بل ادّعاء الإجماع عليه من السيّد في أوّل الأمر يعيّن العمل
عليها.
وحجّة الصدوق: روايات
منها صحيحة الحلبي

عن أبي عبد اللّه &
قال: سألته عن الرجل يجعل عليه نذراً و
لايسمّيه
قال: (إن سمّيت فهو ما سميّت
و إن لم تسمّ شيئاً فليس بشيء
فإن قلت: للّه عليّ
فكفّارة
يمين) .
ورواية حفص بن غياث
عن أبي عبد اللّه &
قال: سألته عن كفّارة النذر
قال: (كفّارة النذر كفّارة
اليمين) .
وأما دليل التفصيل: فهو الجمع بين الأخبار
بحمل صحيحة ابن عمرو على الصوم
وحمل صحيحة الحلبي على
غيره
مؤيّداً بمناسبة الصوم للصوم
وبروايات وردت في خصوص الصوم
مثل رواية القاسم بن الفضيل
أنّه
كتب إليه: يا سيّدي رجل نذر أنّ يصوم يوماً للّه تعالى
فوقع في ذلك اليوم على أهله
ما عليه من
الكفّارة؟ فأجابه: (يصوم يوماً بدل يوم
و تحرير رقبة مؤمنة) و مثل رواية عليّ بن مهزيار
و رواية
الحسين بن عبيدة .
وفيه: مع أنّ تلك الأخبار ضعيفة لادليل فيها على ذلك; إذ تحرير الرقبة موجود في كلتي الكفّارتين.
مع أنه تضعفه صحيحة عليّ بن مهزيار
قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي إنّي نذرت أن أصوم كلّ يوم
سبت
فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب و قرأته: (لاتتركه إü من علّة
و ليس عليك صومه في
سفر و لامرض
إü أن تكون نويت ذلك
و إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة
مساكين
نسأل اللّه التوفيق لما يحبّ و يرضى) .
فإنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ كفّارة الصوم ليست كفّارة رمضان
بل الظاهر أنّها كفّارة يمين
و الظاهر

أنّ السبعة تصحيف عشرة
و يشهد له أنّ الصدوق في المقنع ذكر لفظ عشرة بدل سبعة
و من دأبه ذكر متون
الأخبار و الإفتاء بمضمونها.
والحاصل: أنّ التفصيل ضعيف; لأنّ مطلق الجمع بين الأخبار لا دليل عليه
و ليس في الأخبار ما يدلّّ
عليه.
فبقي الكلام في الترجيح بين قول الصدوق و المشهور
و لاريب أنّ الترجيح مع المشهور
فإنّ كثرة
الأخبار الدالّة على كفّارة اليمين
مع انفراد الصدوق
وهجر أكثر الأصحاب العمل عليها مما يضعفها
و
يظهر من الانتصار أنّ ذلك مذهب الإماميّة
و لايبعد أنّ يكون مخالفه مما ورد من باب التقيّة.
ومن الغريب أنّ الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ قوّى رواية الحلبي بتأيّدها برواية حفص بن غياث
و قال:
و هو و إن كان عاميّاً إü أنّ الشيخ قال: إنّ كتابه معتمد
و باتفاق روايات العامة الّتي صححوها عن
النبيّ ْ
قال: و هي وإن لم تكن حجّة إü أنّها لا تقصر عن أن تكون مرجحة
انتهى.
وأنت تعلم أنّ هذا مؤيّد لما ذكرنا
و هو من المضعفات لقول الصدوق
و بالجملة الكلام في الخلف في
الصوم الذي هو مما نحن فيه
سيّما في إفطار اليوم المعيّن نذره ظاهر.
ولاينبغي التأمل في أنّ الأقوى قول المشهور
سيّما مع ملاحظة الإجماعين المذكورين في الانتصار
و
كذلك في غير الصوم
و في الصوم مع التخلّف عنه بغير الإفطار الأقوى قول المشهور; لأنّه لايقاوم صحيحة
الحلبي
و رواية غياث لصحيحة ابن عمرو مع اشتهار العمل بها
و لايضرّها إشعار لفظها بالتردّد مع
ملاحظة فهم الأصحاب.
وأما دليل التفصيل الأخير
فهو الإجماع الذي نقله المرتضى
وهو مقتضى حسنة جميل بن صالح
عن أبي
الحسن موسى &

قال: (كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفّارة يمين)
و حمل في المختلف صحيحة الحلبي وما
في معناها على ذلك
و كذلك غيره
ولابأس به.
وأما كفّارة العهد
فهو أيضاً مثل النذر عند المشهور; لرواية عليّ بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر &
قال: سألته عن رجل عاهد اللّه في غير معصية
ما عليه إن لم يفِ بعهده؟ قال: ( يعتق رقبة
أو يتصدق بصدقة
أو يصوم شهرين متتابعين) .
ورواية أبي بصير
عن أحدهما &
أنّه قال: (من جعل عليه عهد اللّه و ميثاقه في أمر لله طاعة فحنث فعليه
عتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين
أو إطعام ستّين مسكيناً) .
الرابع عشر: تتكرّر الكفّارة إذا تكرّر الموجب في يومين أو أكثر
سواء كفّر عن الأوّل أم لا
بإجماع
علمائنا
كما نقله في التذكرة و المنتهي
و نفى عنه الخلاف في المبسوط كما نقله في المختلف .
واختلفوا في تكرّرها بتكرّره في يومٍ واحد
فعن الشيخ في المبسوط أنّه قال: ليس لأصحابنا فيه نصّ
والذي يقتضيه مذهبنا أنّه لا تتكرّر الكفّارة
و هو المنقول عن ابن حمزة و جماعة من الأصحاب
واختاره المحقّق
و هو المنقول عن أبي حنيفة و الشافعي و مالك .
وعن السيد ـ رحمه اللّه ـ أنّها تتكرّر بتكرّر الوطء .
وعن ابن الجنيد: أنّه إن كفّر عن الأوّل كفّر ثانياً
وإü فتكفيه كفّارة
و نقله في التذكرة عن أحمد
بن حنبل
و قال: لابأس به
و توقّف فيما لو اختلف جنس المفطر كالوطء و الأكل .
وقال في المختلف:قال ابن أبي عقيل: ذكر أبو الحسن زكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس المذهب عنهم &: أنّ
الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامداً فعليه القضاء والكفّارة
فإن عاود إلى المجامعة في يوم ذلك مرّة
اُخرى فعليه في كلّ مرّة كفّارة.
ثمّ قال فيه: و الأقرب عندي أنّه إن تغاير جنس المفطر تعدّدت الكفّارة سواء اتحد الزمان أو لا

كفّر
عن الأوّل أو لا
و إن اتحد جنس المفطر في يوم واحد; فإن كفّر عن الأوّل تعدّدت الكفّارة
وإü فلا .
وقال في المسالك: لاريب في تكرّرها مع اختلاف الأيّام مطلقاً
و أما في اليوم الواحد فالأصحّ تكررها
بتكرّر الجماع
ومع تخلل التكفير
و مع اختلاف نوع الموجب
و أما مع اتفاقه فقال في الدروس: لايتكرّر
قطعاً
و في المهذّب إجماعاً
واختار المحقّق الشيخ عليّ تكرّرها مطلقاً
و هو الأصحّ إن لم يكن قد
سبق الإجماع على خلافه
و الأكل و الشرب مختلفان و يتعدّدان بالازدراد
والجماع بالعود بعد النزع
انتهى كلامه رحمه اللّه.
ولم نقف في هذا الباب على نصّ سوى ما نقله في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه نقله عن زكريا بن يحيى.
و فيه و في التذكرة: أنّه مرويّ عن الرضا &
و لعلّه هو ما رواه الصدوق في العيون والخصال بسنده
عن
الفتح بن يزيد الجرجاني
أنّه كتب إلى أبي الحسن & ليسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو
حرام في يوم عشر مرّات
قال: (عليه عشر كفّارات
لكلّ مرّة كفّارة
فإن أكل أو شرب فكفّارة يوم واحد) .
و هذه الرواية و إن لم تكن صحيحة السند إü أنّ الظاهر أنّ السيّد عمل بها
و هو مؤيّد للعمل بها
و لا
معارض لها بالخصوص في الأخبار
و لكن تصريح الشيخ بأنه لانصّ فيه لأصحابنا و هجر سائر الأصحاب
إيّاها و عدم الاستدلال بها يضعّفها غاية الضعف
خصوصاً مع ملاحظة نقل ابن أبي عقيل إيّاها و السكوت
عنها
و خصوصاً مع ملاحظة الإجماع المنقول عن المهذب صريحاً و عن المبسوط ظاهراً.
وأما القدح فيها بمنافاتها لما دلّ على وجوب كفّارة الجمع للإفطار بالمحرّم
فلاوجه له ظاهراً;
لعدم المنافاة
إذ ظاهر الرواية بيان تعدّد الكفّارة بسبب تعدد الوطء سواء كانت كفّارة الجمع أو
غيرها.

وكيف كان فالأحوط ملاحظة العمل بها
و إن كان الأظهر ما اختاره الشيخ في المبسوط.
لنا: الأصل
وضعف تمسّك القائلين بالتعدّد مطلقاً بمثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في
الاستمناء و غيرها ; لعدم العموم
وتبادر ما يفسد الصوم منها
يعني: إذا وقع في حال يكون المكلّف
صائماً.
ولاريب أنّ الفعل الحاصل بعد فساد الصوم لايصدق أنّه مفسد للصوم
و أصالة عدم تداخل الأسباب إنّما
يحسن التمسّك بها لو سلّمت السببية
و إنّما المسلّم من السبب ما وقع في حال الصوم
لابعد فساده.
و أمّا الجواب بأن الأسباب الشرعية من قبيل المعرّفات
و لابُعد في اجتماعها على سبب واحد كما في
تداخل الأغسال; فهو ضعيف; لمنافاته لفهم العرف في الامتثال و إن أمكن اجتماعها عقلاً
و المسلّم في
مثل تداخل الأغسال إنّما هو المنصوص عليه
كما لو كان عليه غسل الجنابة
وهو مفقود فيما نحن فيه.
وقد يؤيّد ذلك بمثل صحيحة عبد اللّه بن سنان
حيث قال & في جواب سؤاله عن رجل أفطر في شهر رمضان: (يعتق
رقبة
أو يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستين مسكيناً) من دون استفصال
و لابأس به.
ومما ذكرنا يظهر ضعف التمسّك في الأجناس المختلفة بالأخبار الواردة فيها
بتقريب أنّ مقتضى (ما دلّ
على أنّ الأكل يوجب الكفّارة) وجوبها له
و مقتضى ما دلّ على أنّ الجماع يوجبها وجوبها له
فيجب العمل
عليهما; لما ذكرنا من أنّ المتبادر إنّما هو ما وقع في حال يوجب فساد الصوم. و بعد وقوع أحدهما لايبقى
صوم حتّى يوجب الآخر فساده.
و كذلك يظهر ضعف الفرق بما وقع المفطر ثانياً بعد الكفّارة عن الأوّل
فيجب
دون ما لم يقع; تمسّكاً
في الأوّل بأن الثاني مفطر وقع في نهار رمضان
فيوجب الكفّارة
و لاترفعه الكفّارة الاُولى
بخلاف ما
لو لم يكفّر
فإنّه حصلت منه مهيّة المفطر

وهو شيء واحد فعليه كفّارة واحدة.
ومن أبعد الأقوال و أضعف المتمسّكات ما اختاره في المسالك من حصول التعدد بتعدّد الازدراد; لصدق
الإفطار لكلّ منها.
الخامس عشر: لو أوجد موجب الكفّارة ثمّ حصل مسقط الصوم كالمرض و الحيض و غيرهما; فعن الأكثر و منهم
الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع والعùمة في التحرير عدم سقوط الكفّارة .
و قيل: تسقط
و اختاره العùمة في القواعد والتذكرة و الإرشاد و المختلف
و ولده في الإيضاح
و الأوّل
أقرب.
لنا: الإجماع المنقول
و أنّه يصدق عليه أنّه أفسد صوم يوم من رمضان
فتجب عليه الكفّارة
مضافاً إلى
أنّ العلّة في الوجوب هي هتك حرمة الشهر ظاهراً و قد حصل.
واحتجّوا: بأنّ صوم هذا اليوم غير واجب في علم اللّه
و قد انكشف لنا بتجدّد العذر
فلاتجب الكفّارة
كما لو انكشف بالبينة أنّه من شوال.
وفيه: أنّ التحقيق وإن كانت الألفاظ أسامي للاُمور النفس الأمريّة
و لكنّا نقول: إنّ التكاليف
متعلّقة بما هو في نفس الأمر في نظر المكلّف ـ و إن كان بظنّّه المتّبع في هذه المقامات مع تعذّر
العلم ـ لافي نفس الأمر
والمفروض أنّه حين الإفطار مكلّف في اعتقاده بالصوم
فيصدق عليه أنّه أفطر
ما هو صوم في نفس الأمر بحسب اعتقاده
فتتعلّق به الكفّارة
و يستصحب وجوبها بعد انكشاف فساد
اعتقاده
و القضية مطلقة
و ليست مقيدة بما لم ينكشف فساد ظنّه
و هي قابلة للاستصحاب.
و احتجاجهم بأنّ صوم هذا اليوم غير واجب في علم اللّه
إنّما يتم إذا سلّمنا أنّ الكفّارة إنّما تجب
على إفطار ما هو صوم في علم اللّه
فالإجماع المنقول والاستصحاب يكفي مضافاً إلى الشهرة.
بل العùمة ـ رحمه اللّه ـ في التذكرة بعد أن نقل مختاره عن بعض علمائنا
قال: و القول الثاني لعلمائنا
.
ثمّ إنّ العùمة و من تأخّر عنه فرّعوا هذه المسألة على القاعدة الاُصولية
و هي أنّ الحكيم هل يصح
منه الأمر بشيء مع علمه بانتفاء شرطه في نفس الأمر أم لا

فعلى الأوّل تجب الكفّارة; لأنه مكلّف
بالصوم و أفسده
بخلاف الثاني; لعدم التكليف
فلم يفسد صوماً .
وهذا التفريع فاسد
خصوصاً على مذهب جمهور علمائنا; لأنه لا دليل على استحالة وجوب الكفّارة على من
أكل أو جامع في نهار رمضان إذا كان يعتقد على الظاهر بوجوب صيامه
و إن لم يكن مكلّفاً به في نفس
الأمر.
مع أنّه كيف يتمشّى من العلامة و من وافقه من الأصحاب في المسألة أن يكون بناؤهم في السقوط على أنّه
ليس بمكلّف
و أن يكون بناء سائر الأصحاب في عدم السقوط على أنّه مكلّف بالصوم
مع أنّهم لايقولون به
جزماً
إü ما نقل فخرالمحقّقين في الإيضاح عن الشيخ موافقته للأشاعرة في المسألة .
والظاهر أنّ مراد الشيخ أيضاً ليس ذلك كما سنشير إليه
بل ظاهر بعض الأصحاب أنّ جمهور الأشاعرة مع
قولهم بجواز تكليف مالايطاق لايقولون بوقوع هذا التكليف.
فيؤول النزاع
إلى أنّه تعالى هل يجوز أن يأمر العباد و يواجههم بالأمر وإن لم يرد منهم وقوع المأمور
به في الخارج
إذا علم انتفاء شرط الوقوع
بأن يكون مراده نفس التوطين على الامتثال
أو امتحانهم
أو
غير ذلك
و يترتب عليه الثواب والعقاب و سائر الفوائد على نفس ذلك الأمر من حيث هو
أم لا؟ فكان عدم
كون نفس الصوم فيما نحن فيه مطلوباً بنفسه مفروغ عنه عندهم
و خلافهم في سائر فوائد لفظ الأمر.
ولذلك قال فخر المحقّقين في الإيضاح بعد ذكر أنّ هذه المسألة فرع مسألة اُصولية
هي أنّه إذا علم
المكلِّف انتفاء شرط التكليف عن المكلَّف في وقت الفعل
هل يحسن منه تكليفه أم لا؟ الشيخ و الأشاعرة
على الأوّل
والمصنف و المعتزلة على الثاني : إنّ هذه أيضاً ـ يعني هذه المسألة الاُصولية ـ متفرّعة
على مسألة اُخرى اُصوليّة
و هي أنّه هل يحسن الأمر لمصلحة ناشئة من نفس الأمر
لامن نفس المأمور به
في وقته
أم لا يحسن إü مع مصلحة ناشئة منهما؟ الشيخ وابن الجنيد و الأشاعرة على الأوّل لحصول الثواب
بعزم المكلّف على الفعل

و المصنف و المعتزلة على الثاني
انتهى.
ولازم هذا البناء: أنّ العلامة و من وافقه لايقولون بإثم هذا المكلّف المفطر في نهار رمضان إذا
انكشف أنّه لم يكن مكلّفاً بالصوم في نفس الأمر; لأنه لم يتوجّه إليه خطاب أصلاً
أما بالنسبة إلى
الصوم نفسه فواضح
وأما بالنسبة إلى التوطين و ما في معناه فلأن كلامهم مبنيّ على عدم صحّة الأمر
بمجرد مصلحة ناشئة عن نفس الأمر
لاالمأمور به كما بنيت عليه المسألة
وهو كما ترى; إذ الظاهر اتفاق
كلماتهم على الإثم حينئذٍ.
وينبغي التنبيه على اُمور:
الأوّل: أنّ تشبيه المستدلّين على سقوط الكفّارة فيما نحن فيه بصورة انكشاف كون الأيّام من شوال
يُشعر بعدم الإشكال في سقوطها فيها
و لذلك قطع به في المدارك
و قال: إنّ ظاهرهم أنّ الحكم فيها
مفروغ عنه و مسلّم عند الطرفين
فيكون وفاقياً
و علّله بأن الكفّارة إنّما تتعلّق بمن أفطر في نهار
رمضان
و المفروض خلافه .
أقول: ولم يظهر لي إجماعهم على ذلك
فإن ثبت فهو
و إü فيشكل بأنه إذا اكتفينا في الخطاب بما هو عند
المخاطب
فلا ريب في أنّه معتقد حينئذٍٍ بكونه من رمضان
و أنّه أفطر صوم رمضان في اعتقاده
فكما
يكتفي بكونه صوماً في اعتقاده
يكتفي بكونه يوماً يجب فيه الصوم لرمضان.
وكيف كان فالأصل و ظاهر اتفاقهم يكفي في دفع الوجوب.
الثاني: لم يفرق الأكثرون بين الحيض و المرض و السفر الضروري مما لايتمكن المكلّف من دفعه عقلاً أو
شرعاً
و بين السفر الاختياري.
وقال العلامة في القواعد بعد اختياره سقوط الكفّارة بالمرض و الحيض و نحوهما: لو جامع ثمّ أنشأ
سفراً اختياراً لم تسقط الكفّارة
و لو كان اضطراراً سقطت على رأي .
أقول: إذا كان بناؤه في سقوط الكفّارة على عدم كونه مكلّفاً بالصوم
فمع تجويز الشارع له السفر
الاختياري و اختيار المكلّف إيّاه يكشف ذلك عن عدم كونه مكلّفاً.
و أما ظهور تردّد ما منه في الاضطراري مع كونه مثل الحيض و المرض في إسقاط التكليف
فقال في الإيضاح

في وجهه: إنّ الحيض ليس له عليه قدرة بوجهٍ ما
بخلاف السفر
فإنّه إن اُلجئ بحيث ارتفعت قدرته و قصده
لم يجز الإفطار
و إü ففيه اختيارٍ ما
فعلى تقدير السقوط هناك يحتمل عدمه هنا
قال: و الأقوى عندي
السقوط
انتهى.
وأما في التذكرة فجعل السفر الاختياري كالحيض
و كذلك في المختلف . نعم قال بعدم السقوط إذا قصد
بالسفر محض إسقاط الكفّارة
قال في التذكرة: و إü لزم إسقاط الكفّارة عن كلّ مفطر باختياره و الإقدام
على المحرّمات.
و يظهر من المدارك أنّه لاخلاف في ذلك .
و تدلّ عليه حسنة حريز
عن زرارة و محمّد بن مسلم ـ لإبراهيم بن هاشم ـ رواها في الكافي
و هي طويلة
و
موضع الحاجة هذا قال
و قال زرارة ومحمّدبن مسلم
قال أبو عبد اللّه &: (أيّما رجل كان له مال و حال
عليه الحول فإنّه يزكّيه) فقلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو يوم؟ قال: (ليس عليه شيء أبداً) قال
فقال
زرارة عنه أنّه قال: (إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ثمّ خرج في آخر النهار
في سفر
فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة الّتي وجبت عليه
وقال: إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت
عليه الزكاة
و لكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء
بمنزلة من خرج ثمّ أفطر) .
أقول: و الرواية لاتخلو عن إغلاق
سيّما على ما في الفقيه
فإنّه لم يذكر فيه إü قوله: وروى زرارة و
محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه & أنه قال: (أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكيه
قيل:
فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ فقال: (ليس عليه شيء أبداً)
وروى زرارة عنه & أنّه قال: (إنّما هذا
بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته
ثمّ يخرج في آخر النهار في سفر و أراد بسفره ذلك إبطال
الكفّارة التي وجبت) انتهى.
والظاهر أنّ قوله: (و قال إنّه حين رأى الهلال) إلى آخره في حديث الكافي يبيّن ما سبقه

فلابدّ من حمل
ما سبقه على أنّ المراد مما رواه الراويان معاً أداء الزكاة قبل حلول الحول
و المراد مما ذكره زرارة
وحده بيان حكم مطلق إخراج الزكاة.
وحاصله بملاحظة قوله (وقال إنّه حين رأى الهلال)إلى آخره أنّه إذا كانت الهبة بعد حلول الحول فهو
بمنزلة من أفطر و فرّ بسفره عن الكفّارة
فلاينفعه
و إذا كان قبل حلول الحول فيجوز و لاشيء عليه
بمنزلة من خرج إلى السفر ثمّ أفطر.
الثالث: إنّ بعض الذين جعلوا هذه المسألة مبتنية على المسألة الاُصولية كصاحب المسالك ذكر في جملة
أدلّة القائلين بعدم سقوط الكفّارة أنّ العلّة في الوجوب هتك حرمة الشهر
و قد وجد
فيترتّب عليه
معلوله
و لايخفى ما بينهما من التنافي.
وأيضاً ما ذكره فخر المحقّقين من ابتناء إحدى المسألتين الاُصوليّتين على الاُخرى على الإطلاق
منظور فيه
كما تشهد به كلماتهم في كتب الاُصول
و كلامه هذا يدلّ على أنّه لاخلاف بينهم في عدم تعلّق
التكليف بنفس المأمور به.
والظاهر أنّه ليس كذلك; إذ من الأشاعرة من يقول بوقوعه مضافاً إلى الجواز
كما يظهر من استدلالاتهم
في المسألة .
اللهم إü أن يكون نظره إلى أقوال أصحابنا فقط
و فيه أيضاً ما مرّ من أنّه مستلزم لعدم حصول الإثم
أيضاً على قول من يقول بسقوط الكفّارة و هو كما ترى.
السادس عشر: من أفطر في شهر رمضان عامداً مستحلاً للإفطار
و كان إفطاره بما علم تحريمه من دين
الإسلام ضرورة
كالأكل و الشرب و الجماع
فهو مرتد.
و إن كان فطريّاً ولم يكن في حقّه شبهة يستحقّ القتل و لاتقبل توبته ظاهراً
بمعنى أنّه لايسقط الحدّ
بها عنه.
و إن أمكن في حقّه الشُبهة و ادّعاها تُقبل منه.
و لو نشأ في بريّة و لم يعرف قواعد الإسلام و لاموجبات الإفطار يعرّف و يعامل بعد ذلك معاملة المرتد
الفطري.
ونقل في المختلف عن أبي الصلاح القول بتكفير من أفطر بغير ما علم تحريمه ضرورة
و هو ضعيف.
وإن كان عن غير فطرة فيستتاب
و تقبل توبته
هذا إذا استحلّه.

وأما معتقد العصيان فيعزّر
و إن عاد فيعزّر ثانياً
و إن عاد فيقتل في الثالثة على قول
و في الرابعة
على آخر .
والظاهر أنّ الأوّل قول الأكثر; لرواية سماعة
قال: سألته عن رجل أُخذ في شهر رمضان و قد أفطر ثلاث
مرّات
و قد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات
قال: (فليقتل في الثالثة) .
و تدلّ عليه أيضاً صحيحة يونس عن الكاظم &: (إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة) .
وأما دليل القول الآخر: فقال في المدارك: هو مارواه الشيخ مرسلاً عنهم (أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في
الرابعة) و .
أقول: بعد تتبّع المسائل في الزنا و اللواط و شرب الخمر و غيرها يظهر أنّ ثبوت القتل في المرتبة
الثالثة ليس إجماعياً
و إن عمل به الأكثر في أكثر الكبائر
و وردت الأخبار على خلافها
خاصةً في
الرابعة في بعضها
و في بعضها نقل الإجماع عليه أيضاً
مثل الزنا و اللواط
حيث ادّعى السيد المرتضي
وابن زهرة الإجماع على أنّه في الرابعة.
وكيف كان فملاحظة خطر قتل النفس و عظم أمر التهجّم على الدماء يحجبنا عن العمل بالثالثة
سيّما مع
ملاحظة خصوصيّة الأخبار في سائر الموارد
و عمومية ماورد في أصحاب الكبائر
فالعمل على القول
الثاني.
قال في التذكرة: إذا ثبت هذا فإنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة على الخلاف لو رفع في كلّ مرّة إلى
الإمام و عزّر
أما لو لم يرفع فإنّه يجب عليه التعزير خاصة و لو زاد على الأربع
انتهى
و هو كما
ذكره; للرواية المتقدّمة
وللاحتياط في الدماء.
ومن الأخبار المناسبة للمسألة: ما رواه الكليني في الصحيح
عن بريد بن معاوية العجلي
قال: سئل أبو
جعفر & عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيّام
قال: (يسأل هل عليك في إفطارك إثم؟
فإن قال: لا

فإنّ على الإمام إن يقتله
و إن قال: نعم
على الإمام أن ينهكه ضرباً) .
السابع عشر: روى الكليني
عن مفضّل بن عمر
عن الصادق &: في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة
فقال:
(إن استكرهها فعليه كفّارتان
و إنْ كانت طاوعته فعليه كفّارة
و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين
سوطاً نصف الحد
و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطاً
و ضربت خمسة و عشرين سوطاً)
وبمضمونها عمل
الأصحاب.
ولايضرّ ضعفها; لانجبارها بالشهرة
بل الإجماع كما ادّعاه الفاضلان
بل قال المحقّق: إنّ علمائنا
ادّعوا على ذلك إجماع الإماميّة .
نعم نقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه ليس على الزوج المكره إü كفّارة واحدة
و هو غير مضرّ;
لندرته
و تردّد هو في المنتهي
و يظهر من الصدوق أيضاً التوقّف
حيث أورد الرواية .
و كيف كان فالمذهب هو المشهور.
ولافرق بين الدائمة و المنقطعة
للإطلاق.
و الأصحّ عدم إلحاق الأمة; للأصل
خلافاً للعلامة في القواعد
و ولده في الشرح
و جزم به في المختلف
مستدلاً بشمول امرأته لها
و تبعه ولده و السيد عميد الدين رحمهما اللّه
و هو كما ترى.
وكذا النائمة
خلافاً للشيخ ; للأصل
و بطلان القياس
سيّما مع الفارق; لأنّ في المكرهة نوعاً من
التهجّم ليس فيها
كما صرّح به في المعتبر .
وكذا لايثبت الحكم في الأجنبي المكره لهما; لما ذكرنا

وكذا للزوجة المُكرِهة للزوج.
وأما إكراه الأجنبية على ذلك فقيل: يلحق به; لأنّ تحمّل الكفّارة إنّما هو لأجل تغليظ العقوبة
و هو
أولى في المحرّم .
وردّ: بأنّ الكفّارة مسقطة للذنب
أو مخفّفة له غالباً
و لذلك سميّت كفّارة
فجاز اختصاصها بالأخفّ
و يكون الأثقل مما ينتقم اللّه به كما قيل في الصيد عمداً مع وجوبها في الخطأ .
قال في المسالك: و من هنا يعلم أنّ الكفّارة عن العبادة لاتدلّ على عظم شأنها على غيرها
فإنّ الصلاة
أفضل من الصوم
و لاكفّارة في إفسادها .
واعلم أنّه لافرق بين الإجبار الرافع للتمكّن عن الدفع
و بين ما حصل من جهة التهديد و التخويف أو
الضرب المضرّ الموجب لتمكّنها; لإطلاق الرواية.
وقد مرّ خلاف الشيخ في بطلان الصوم و لزوم القضاء في الصورة الأخيرة
فأوجبه كما في المريض
و قد
بيّنا أنّ الأظهر عدم البطلان
و على فرض البطلان الأظهر عدم القضاء.
وقال في المسالك: و قد يجتمع في الحالة الواحدة الإكراه و المطاوعة
كما لو أكرهها ابتداءاً ثمّ
طاوعته بعد ذلك
فيلزمه حكم الإكراه و يلزمها حكم المطاوعة .
و هذا في مجرّد الاستمرار على الإيلاج الأوّل مشكل; لعدم تبادر ذلك من الرواية
إü أن يكون إجماعاً
كما ادّعوه فيمن طلع الفجر و هو مجامع فاستمرّ
أنّه يجب عليه القضاء و الكفّارة.
نعم لو نزع بعد الإكراه
ثم لم تمنع عن الثاني
فيجري فيه ما ذكر.
ويظهر من جميع ما ذكرنا حكم ما لو أكره المجنون زوجته فلايجب عليهما شيء; لعدم التكليف في الزوج
و
عدم الاختيار في الزوجة
و لو طاوعته فعليها الكفّارة.
بقي الكلام في المسافر لو أكره زوجته الصائمة
قال في القواعد: وجبت الكفّارة عليه عنها لا عنه. و
يحتمل السقوط; لكونه مباحاً له غير مفطرٍ لها .
و قال ولده في الشرح: وجه الأوّل أنّه لو فعلته مختارة وجبت عليها الكفّارة
و الإكراه يقتضي تحمل ما
يجب على المكره لو فعله طوعاً في كلّ موضع يتحقّق الإكراه

و الأقوى عندي الثاني; لأنه لم يفطر
أحدهما
فلايوجب كفّارة
انتهى.
وما اختاره ولده أرجح في النظر; للأصل
و عدم دلالة الرواية
وضعف التمسّك بالعلّة
لكن الإشكال فيما
يستفاد من كلام العلامة من إباحة الإكراه حينئذٍ.
قال في المدارك: الأصحّ التحريم; لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحقّ الواجب عليه
وهو حسن
وكيف كان فهو لاينافي عدم ثبوت الكفّارة.
الثامن عشر: لو عجز عن الخصال الثلاث وجب عليه صوم ثمانية عشر يوماً
و إن عجز استغفر اللّه
ذكره ابن
حمزة و أكثر المتأخّرين
وهو مذهب المفيد و المرتضي وابن إدريس
و نسبه في المسالك في الكفّارات إلى
المشهور بين الأصحاب
و المحقّق الأردبيلي ـ رحمه اللّه ـ إلى المشهور بين المتأخرين .
وقال الصدوق في المقنع و ابن الجنيد : إنّه يتصدّق بما يطيق.
وذهب العلامة في المختلف و الشهيدان إلى التخيير بينهما
و ههنا مذاهب اُخر سنذكرها.
احتجّ الأوّلون: برواية أبي بصير و سماعة: أنّهما سألا أبا عبد اللّه & عن الرجل يكون عليه صيام شهرين
متتابعين فلم يقدر على الصيام
و لم يقدر على العتق
و لم يقدر على الصدقة
قال: (فليصم ثمانية عشر
يوماً
عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام) .
ويدلّ على القول الثاني: ما رواه الكليني ـ رحمه اللّه ـ في الصحيح
عن عبد اللّه ابن سنان
عنه &: في
رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر
قال: (يعتق نسمة
أو يصوم شهرين متتابعين
أو
يطعم ستّين مسكيناً
فإن لم يقدر يتصدّق بما يطيق) و تؤدّي مؤدّاه حسنته .
وربّما يحتجّ له بقاعدة الميسور لايسقط بالمعسور
و هو كما ترى; إذ لاريب أنّ ذلك بعد العجز عن
الجميع

فلايصحّ أن يقال: إذا كان مخيّراً بين الجميع فله اختيار أحدهما
و هو الصدقة و العمل فيه
بها; لأن مقتضى التخيير و العمل بالقاعدة معاً التخيير في الإتيان بأيّهما أراد حسب المقدور
لاتعيين الإتيان بالصدقة حسب المقدور كما هو مذهب القائل
مع أنّ الصحيحة إنّما تفيد البت و
التعيين.
واحتجّ المخيّرون بالجمع بينهما
و الحمل على التخيير
و له وجه
إن لم يرجح خبر الثمانية عشر
و إü
فالترجيح معها بشهرة العمل و اعتضادها بما ورد في الظهار كما سنشير إليه.
واعلم أنّ كلماتهم هنا في غاية الاضطراب
و لم أجد تنقيحاً للمطلب في كلامهم
فإنّ المحقّق في
الشرائع و النافع ذكر في باب الكفارات أنّ كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عنهما صام ثمانية
عشر يوماً
فإن لم يقدر تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من الطعام
و إن لم يستطع استغفر اللّه
وكذلك العلامة
في القواعد في كتاب الكفّارات
و كذلك الشهيد في اللمعة
و ابن إدريس في الكفارات
بل نسبه في
المسالك إلى المشهور .
وقيل: بوجوب الإتيان بالممكن من الشهرين
حتّى لو أمكن صومهما متفرّقين .
وعن العلامة القول بوجوب الإتيان بالممكن من الصوم و الصدقة و إن تجاوز الثمانية عشر; لعموم (إذا
أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) .
وقال المحقّق في الشرائع في كتاب الصوم: كلّ من وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوماً
فإن عجز عن الصوم أصلاً استغفر اللّه
فهو كفّارة . و مثله عبارة القواعد و الإرشاد
و ظاهر المحقّق
الأردبيلي ـ رحمه اللّه ـ أنّه المشهور بين المتأخرين .
وقال العùمة في المختلف في كتاب الصوم: لو عجز عن هذه الثلاث ـ يعني الخصال الثلاث ـ فوجب عليه صوم
ثمانية عشر يوماً
قاله المفيد و السيّد المرتضي و ابن إدريس
و قال ابن الجنيد و الصدوق محمّد بن
بابويه في المقنع يتصدّق بما يطيق
و الأقرب عندي التخيير
ثم شرع في الاستدلال على مذهبه . و تبعه
جماعة من المتأخرين

منهم الشهيدان في الدروس و المسالك .
وقال الشيخ في النهاية في كتاب الصوم بعد ذكر الخصال الثلاث المخيّر فيها: فإن لم يتمكّن فليتصدّق
بما تمكن منه
فإن لم يتمكّن من الصدقة صام ثمانية عشر يوماً
فإن لم يقدر صام ما تمكّن منه
فإن لم
يستطع قضى ذلك اليوم و استغفر اللّه و مقتضاه جعل صوم ثمانية عشر مرتبة متوسّطة بين الصدقة بالمقدور
و بين صوم ما تمكّن.
وعن المنتهى: يصوم ثمانية عشر يوماً
و إن لم يقدر تصدّق بما وجد أو صام ما استطاع
فإن لم يتمكّن
استغفر اللّه و لا شيء عليه
و نسبه إلى علمائنا .
و ليس عندي المنتهى
و لعلّ مراده بالنسبة إلى علمائنا هو عدم لزوم شيء بعد العجز عن الخصال و
الإتيان بالبدل
و إü فليس مجموع ما ذكره مشهوراً بين العلماء
فضلاً عن كونه قولهم جميعاً
كما تشعر
به عبارة التذكرة
قال فيها: لو عجز عن الأصناف الثلاثة صام ثمانية عشر يوماً
فإن لم يقدر تصدّق بما
وجد أو صام ما استطاع
فإن لم يتمكّن استغفر اللّه تعالى و لاشيء عليه
قاله علماؤنا; لما رواه العامة
أنّ النبيّ ْ قال للمجامع: (اذهب فكله أنت و عيالك) و لم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال
و لو كان
الوجوب ثابتاً في ذمّته لأمره بالخروج عنه عند قدرته.
إلى أن قال: و قال الزهري و الثوري و أبو ثور: إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة كانت الكفّارة في
ذمّته .
إلى أن قال: اختلفت عبارة الشيخين هنا
فقال المفيد رحمه اللّه: لو عجز عن الأصناف الثلاثة صام
ثمانية عشر يوماً متتابعات
فإن لم يقدر تصدّق بما أطاق
أو فليصم ما استطاع
فجعل الصدقة مترتبة على
العجز عن صوم ثمانية عشر و الشيخ ـ رحمه اللّه ـ عكس
فقال: إن لم يتمكّن
إلى آخر ما نقلنا عنه سابقاً
.
فظهر أنّ مراده من النسبة إلى علمائنا هو أن لايبقى في ذمّته شيء بعد العمل بما هو بدل عن الخصال
و

إن كان نفس البدل مختلفاً فيه
خلافاً لغيرهم
حيث يقولون: بعد العجز عن الخصال تبقى الكفّارة في
الذمّة.
واختار ابن إدريس أيضاً هذا القول
و لم يذكر الاستغفار
ثم قال في كفّارة صوم النذر بعد ما اختار
أنّه مثل كفّارة رمضان: فإن لم يتمكّن منه صام ثمانية عشر يوماً
فإن لم يقدر تصدّق بما يتمكن منه
فإن لم يستطع استغفر اللّه و ليس عليه شيء .
وقال ابن حمزة في الوسيلة: و إن عجز عن الكفارات الثلاث ـ والظاهر أنّ مراده كفّارة رمضان ـ إن أمكنه
صيام ثمانية عشر يوماً صام
و إن لم يمكنه استغفر و لم يعد
و إن عجز في كفّارة النذر عن صيام شهرين
و
عن بدله
و عن صيام ثمانية عشر يوماً صام ثلاثة أيّام
و إن عجز استغفر .
هذا ذكر الأقوال إجمالاً
و قبل الخوض في المقصود لابدّ من بيان معنى العجز عن الكفّارة
ومعنى قولهم
(من وجب عليه صيام شهرين و عجز عنه صام ثمانية عشر يوماً)
و التفرقة بين مواضعه.
فنقول: العجز عـن الكفّارة إما بعـدم الاستطاعة ابتـداءاً
أو بفقدها بعد الاستطاعة.
و الظاهر أنّه لاخلاف بين الأصحاب في أنّ العبرة في الكفّارة بحال الأداء
لا الوجوب
وإنّما
المخالف فيه بعض العامّة
فلو قدر على العتق أولاً ثمّ عجز فلا يبقى في ذمّته
بل ينتقل تكليفه إلى
صيام الشهرين
و هكذا إذا قدر على صيام الشهرين ثمّ عجز عنه ينتقل فرضه إلى الإطعام
فيصدق على من عجز
عن صيام الشهرين و قدر على الإطعام ثمّ عجز عنه أنّه ممن عجز عن صيام شهرين.
والمراد بقولهم (من وجب عليه صيام شهرين) أنّه كان ممن يكون من شأنه الخطاب بالصيام لو كان واجداً
لشرطه و تعلّق به في الجملة
لاخصوص الوجوب المطلق البتّ
فقوله تعالى في كفّارة الظهار:
فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسّا
يعني: إن وجدها

ثمّ قوله تعالى:
فمن لم يستطع فصيام شهرين
يعني: إن استطاعه
و هكذا
فليس المراد الواجب المطلق
و هذا المعنى الذي ذكرناه موجود في المرتّبة و المخيّرة و كفّارة
الجمع.
ولكن في تصوير ذلك في الجميع غموض
فلنبيّن أوّلاً معنى قول الجماعة في باب الكفّارات و وجه ما
ذكروه
و استشكله جماعة من المتأخّرين مثل الشهيد الثاني في المسالك و صاحب الكفاية و غيرهما أنّه
لا دليل على ذلك و لا مستند له.
أقول: الظاهر أنّ مراد الجماعة من هذه العبارة أنّ من تعلّق به وجوب صيام الشهرين
و كان من شأنه ذلك
بالمعنى الذي قدّمناه
و لم يمكنه الإتيان به
ولا بالبدل الأوّلي التخييري فيما له بدل تخييري أو
ترتيبي أوّلي
و بنفسه فقط فيما لم يكن له بدل أوّلي
كما في كفّارة الجمع فيصوم ثمانية عشر يوماً
و
ليس المراد أنّه إذا عجز عن صيام الشهرين يلزمه ذلك و إن قدر على العتق أو الإطعام في المرتّبة و
المخيّرة.
نعم مقتضى قولهم ثبوته في كفّارة الجمع مع القدرة عليهما
و ذلك لاينافي ما ذكرنا; إذ هما ليسا فيه
بدلين عن الصيام
و إطلاقهم الكلام في هذا المقام لأجل الاعتماد على ما ثبت بالأدلّة.
مع أنّ مع العجز عنه ينتقل إلى البدل الأوّلي لاغير ـ و خصوصاً مع ملاحظة رواية أبي بصير ـ لاكون
الثمانية عشر بدلاً عن الشهرين مطلقاً
بل هو مصرّح به في كلام بعضهم
و منه عبارة التحرير الآتية في
كفّارة رمضان .
والظاهر أنّ مستند الجماعة هو رواية أبي بصير
و مقصودهم الإطلاق.
و يتطرّق الإشكال في الاستدلال بها بعد تسليم سندها من وجوه:
الأوّل: جعل الثمانية عشر بدلاً عن صيام الشهرين مع منافاته لآخر الرواية
حيث قال: (عن كلّ عشرة
مساكين ثلاثة أيّام).
والثاني: أنّه لو فرض تمكّنه من الصيام ثمّ عجزه عنه
وتمكّنه من الإطعام و عجزه عنه بعد ذلك
فبملاحظة أنّ العبرة في الكفّارة بحال الأداء
و قد انتقل فرضه إلى الإطعام

فالذي فات عنه هو
الإطعام
فلابدّ أن تكون الثمانية عشر بدلاً عنه دون الصيام.
سلّمنا الإمكان فما وجه الترجيح؟
والثالث: أنّه لادلالة في الرواية على أنّه إن عجز عن الثمانية عشر تصدّق عن كلّ يوم بمدّ.
والرابع: أنّه ليس فيها دلالة على أنّه يستغفر و لاشيء عليه.
والخامس: أنّ الرواية لا دلالة فيها على حكم الشهرين الواجبين بالنذر و شبهه
و على حكم كفّارة الجمع
إذا عجز عن الشهرين و قدر على الآخرين
و كلامهم يفيد الإطلاق.
ويمكن أن يذبّ عن الأوّل بأنّ الظاهر أنّ الجماعة ذهبوا في هذا الكلام على ممشى الرواية
حيث عنونت
الرواية بالسؤال عن العاجز عن الصيام
فليس مرادهم أنّ من عجز عن صيام شهرين متتابعين أنّه يصوم
ثمانية عشر يوماً بدلاً عن صيام الشهرين من حيث إنّه بدل عنه
بل المراد أنّه يجب على من عجز عن الشهر
صوم ثمانية عشر يوماً و إن كان ذلك بدلاً عن جميع الخصال; إذ قد بيّنا أنّه لم يقل أحد بلزوم صيام
ثمانية عشر يوماً مع التمكّن من العتق و الإطعام
بل المراد صورة العجز عنه و عن غيره
و لذلك جعل
العùمة في المختلف و غيره عنوان المسألة (مَن عجز عن الخصال الثلاث) .
وأمّا الرواية فهي أيضاً ليست بصريحة في اختصاص صوم ثمانية عشر يوماً ببدلية الصيام
بل قوله & في
آخرها: (عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيام) ظاهر في خلافه.
و إنّما اقتصر الراوي على السؤال عنه; لأجل أنّه كان يتوهّم أنّ العجز عن العتق و الإطعام لاحيلة
فيه
و لكن يمكن المناص في صيام الشهرين المتتابعين بإسقاط التتابع مثلاً أو تقليل العدد
و إن كان
توهّمه ضعيفاً; لإمكان تقليل العدد في الإطعام أيضاً بل في العتق أيضاً بالتجزئة
و هذا مما يؤيّد
القول باشتراط التتابع في الثمانية عشر كما سنشير إليه.
وبذلك يندفع الإشكال الثاني أيضاً; إذ لم نقل بالاختصاص حتّى يرد ذلك
مع أنّا ذكرنا أنّ المراد
بوجوب الشهرين هو مجرد تعلّقه
و كون المكلّف من جملة من يكون من شأنه ذلك
فلاعبرة بالانتقال إلى
الإطعام في ذلك.
وأمّا الإشكال الثالث
فيندفع بأنه لايجب أن يكون دليلهم في لزوم التصدّق المذكور هو هذه الرواية
بل هو مقتضى تتبع النظائر
و ملاحظة الأخبار المستفيضة جدّاً
المستفاد منها أنّ بدل كلّ يوم من

الصيام مد من الطعام في مواضع كثيرة من مواضع العجز:
منها: ما دلّ على بدليّة إطعام ستّين مسكيناً عن صيام شهرين في الترتيبي
مع ملاحظة أنّ الأشهر
الأظهر كفاية مدّ في كلّ مسكين.
ومنها: ما ورد في إفطار الشيخ الكبير و ذي العطاش و الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن
و يؤيّده
لزوم الكفّارة بمدّ إذا أخّر قضاء رمضان إلى القابل بلا عذر.
ومنها: ما ورد في فدية صوم النذر.
بل منها ما يدلّ بعمومه على ما نحن فيه
و هي صحيحة البزنطي
عن الرضا &: في رجل نذر على نفسه إن هو سلم
من مرض أو تخلّص من حبس أن يصوم كلّ يوم أربعاء
و هو اليوم الذي تخلّص فيه
فعجز عن الصوم لعلّة
أصابته أو غير ذلك
فمدّ اللّه للرجل في عمره
و اجتمع عليه صوم كثير
ما كفّارة ذلك؟ قال: (تصدّق لكلّ
يوم مداً من حنطة أوتمر) قال: الظاهر أنّ المراد بقوله & (أو غير ذلك) من الصيام الواجب.
ويوضّحه ما رواه الصدوق في الحسن
عن إدريس بن زيد و عليّ بن إدريس
قالا: سألنا الرضا & عن رجل نذر
نذراً إن هو تخلّص عن الحبس أن يصوم كلّ يوم يتخلّص فيه
فعجز عن الصوم أو غير ذلك فمدّ له في العمر
إلى آخر مامرّ بأدنى تفاوت .
ثمّ إنّ بعضهم فهم من هذه العبارة المشهورة أنّ مرادهم أنّ بعد العجز عن الثمانية عشر يوماً يتصدّق
عن كلّ يوم من الستّين يوماً بمدّ .
وهو مع أنّه خلاف المتبادر من العبارة لايصحّ; لسقوط حكم الستّين قبل ذلك
فإنّ من أقسام المسألة
الكفّارة المخيّرة
و لاريب أنّه لا ينقل فيها من صيام شهرين إلى الثمانية عشر مع التمكّن من إطعام
ستّين مدّاً
و بعد فرض العجز عنه لامعنى للعود إليه
مع أنّه أصل لابدل.
بل لايتمّ في المرتّبة أيضاً; لأنّ إطعام الستين إنّما هو بعد العجز عن صيام الستّين بلاواسطة
فلا
معنى لتوسيط الثمانية عشر.
وأمّا الإشكال الرابع; فيندفع أيضاً بأنّه لايلزم أن تدلّ عليه هذه الرواية
بل هو مستفاد من غيرها
مثل رواية أبي بصير
عن الصادق &
قال: (كلّ من عجز عن الكفّارة الّتي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في

يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفّارة فالاستغفار له كفّارة
ما خلا يمين
الظهار
فإنه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها
و فرّق بينهما إلى أن ترضى المرأة أن يكون
معها ولايجامعها) .
وأمّا الإشكال الخامس; فلا مسرح لدفعه في النذر و شبهه; لكونه قياساً
و لمنع اتحاد الطريق.
وأمّا كفّارة الجمع; فيشكل دفعه أيضاً; إذ السؤال في الرواية إنّما هو عن العجز عن الصيام مع العجز
عن الإطعام و العتق أيضاً
و لابد من حملها على الإطعام و العتق المعهودين
و إü فلا يصح السؤال و
الجواب.
وحينئذٍ فنقول: مع أنّ المتبادر منه هو العتق و الصدقة اللذان وجوبهما من باب البدل تخييراً أو
ترتيباً لاعيناً
أنّ إرادتهما معاً توجب استعمال اللفظ في المعنيين المختلفين
و هو خلاف التحقيق.
مع أنّ مرادهم إطلاق الوجوب عند العجز عن الصيام
و لاتشمل الرواية لو قدر عليهما في كفّارة الجمع.
و إن قيل: إنّ مرادهم العجز عن بدل الصيام المتصوّر في الأصل: يعني أنّ ذلك الصيام المطلوب في كفّارة
الجمع هو الصيام الذي له بدل في الأصل قد جمع هنا مع الآخرين
فالمراد العجز عنه و عن بدليه.
وإن قدر على العتق و الصدقة المتعيّنين في كفّارة الجمع يلزمه الجمع
أو يلزمه أحد البدلين الآخرين
عوضاً عنه أيضاً.
وإن قدر على المتعيّنين عليه فالمراد أنّه إذا عجز عن الصيام في كفّارة الجمع و عجز عن بدله الأصلي
فيصوم ثمانية عشر يوماً.
وإن قدر على العتق و الصدقة المتعينين
فمع أنّه لم يدلّ دليل على ملاحظة البدل الأصلي هنا يلزم
استعمال اللفظ في ثلاث معانٍ مختلفة
أحدها: العجز عن الصوم و بدلية الترتيبيين أو التخييريين.
و الثاني: العجز عنه و عن صاحبه المتعينين.
و الثالث: العجز عنه و عن بدليه المتصورين في أصل وضع الكفّارة.
و قد عرفت فيما ذكرنا أنّ ظاهر الرواية هو الكفّارة المخيّرة أو المرتّبة المشتملة على صيام
الشهرين
و أما كفّارة الجمع فلاتدلّ عليها الرواية.
و قد وجدت في حواشي نسخة من القواعد حاشية منسوبة إلى فخر المحقّقين على هذه العبارة في باب
الكفارات
قال محمّد بن المطهر: هذه فيمن عليه الشهران و لايكون لها بدل
و أما في المرتّبة فإذا عجز
عن الصوم وجب الإطعام
فإذا عجز عنه يستغفر اللّه تعالى و لم يجب الثمانية عشر.

ورأيت في هذه النسخة أيضاً في كتاب الظهار مكتوب على قول المصنف: (و لو عجز عن الكفّارة و ما يقوم
مقامها كفاه الاستغفار) حاشية منقولة من خطه ـ رحمه اللّه ـ و هذه صورتها: و اعلم أنّ الكفّارة هي
الخصال الثلاث
و ما يقوم مقام الكفّارة ثمانية عشر يوماً
و تقدير ذلك أن نقول: إن عجز عن العتق و
الصيام و الإطعام ابتداءاً كفاه الاستغفار
و هو ظاهر; لأن الثمانية عشر يوماً بدل الشهرين.
وإذا عجز عن الشهرين انتقل إلى الإطعام.
ولو عجز عن الشهرين و تمكّن من الإطعام ثمّ عجز عنه فإنه يكفيه الاستغفار.
وأمّا إذا عجز ابتداءاً عن العتق و الإطعام و قدر على الصيام تعيّن الصيام للشهرين
ثمّ بعد تعيّن
الصوم عجز عنه تعيّن صيام ثمانية عشر يوماً
هذا في المرتّبة.
وأمّا في كفّارة الجمع; فإنّه يجب عليه إذا عجز عن الصوم و غيره صيام ثمانية عشر يوماً عن الصوم
واستغفر اللّه تعالى عن الباقي.
ولو قدر على غير الصوم من الخصال الثلاث وجب.
والعبد كفّارته الصوم لاغير
أي يصوم شهراً
فإن عجز عنه صام تسعة على الأقوى
و في معناه الكفّارة
المخيّرة إذا عجز عن الخصلتين غير الصوم تعيّن الصوم
فإذا عرض له العجز بعد القدرة صام الثمانية
عشر يوماً.
وأما إذا عجز عن الكلّ دفعة واحدة ابتداءاً
وجب الثمانية عشر يوماً
بخلاف المرتّبة.
والفرق بينهما: أنّ المرتّبة الواجب منها واحدة دائماً
و أما الواجبة على التخيير فاختيارنا في
اُصول الفقه وجوب الكلّ
و بفعل البعض يسقط
هذا هو الذي استقرّ عليه رأينا
و رأي والدي
و لهذا لو
ترك الكلّ استحق العقاب على ترك الكلّ
بمعنى أنّه يستحق العقاب على ترك اُمور يجزئ بعضها عن بعض
فكل واحد من خصال المخيرة يوصف بالوجوب دفعة; وأمّا المرتّبة فلا.
ويجب الاستغفار هنا مع صوم الثمانية عشريوماً
و كذا في كلّ موضع ينتقل إلى الثمانية عشر يوماً توبة
لا كفّارة.
والفرق بين الاستغفار الذي هو توبة و الذي هو كفّارة: أنّ الاستغفار الذي هو كفّارة يجوز أن يكون عن
بعض الاُمور دون البعض إجماعاً
و أما التوبة ففيها الخلاف

وكتب محمّد بن المطهر
انتهت الحاشية.
أقول: قد ظهر مما بيّناه أنّ مراد الفقهاء من هذه العبارة موافقاً لما ورد في الكتاب و السنة هو مطلق
الوجوب
الأعم من المطلق و المشروط
و العيني و التخييري
و الترتيبي
و ليس المراد بالعجز العجز بعد
القدرة
بل الأعمّ كما مرّ.
فنقول: إنّ فاقد جميع الخصال و العاجز عنها يصدق عليه أنّه وجب عليه الصيام و عجز عنه
سيّما بملاحظة
رواية أبي بصير.
فقوله رحمه اللّه: (وإذا عجز عن الشهرين انتقل إلى الإطعام)
مراده أنّه حينئذٍ ليس مكلّفاً بالصيام
إذ هو سقط بسبب العجز و انتقل إلى الإطعام.
ويرد عليه: أنّ الانتقال إلى الإطعام إنّما هو إذا استمرّ عدم القدرة على الصيام و قدر على الإطعام
و أما إذا لم يقدر على الإطعام فانتقاله إليه ممنوع
و إü لما وجب عليه الصيام بعد حصول القدرة عليه
أيضاً إذا كان التكليف قد انتقل إلى الإطعام
فحين العجز عن الكلّ يتساوى الكلّ في صدق العجز عنها
و
لايختص بالإطعام; بتقريب أنّه آخر المراتب
فيصدق عليه أنّه تعلّق به حكم وجوب الصيام في الجملة
و
أنّه عجز عنه
فيتمّ كون الثمانية عشر بدلاً عن الصيام حينئذٍ.
قوله رحمه اللّه: (و لو عجز عن الشهرين و تمكن من الإطعام ثمّ عجز عنه) إلى آخره
مراده أنّه حينئذٍ
استقرّ عليه الإطعام و يتعيّن عليه
فإذا عجز عنه بعد القدرة فهذا عاجز عمّا وجب عليه من الإطعام;
لعدم وجوب الصيام عليه حتى يكون الثمانية عشر عوضاً عنه.
أقول: إن كان مراده استقرار الإطعام عليه و تعيّنه عليه ما دام موجوداً فهو كذلك
و لكنه خلاف
المفروض
و إن كان مراده الاستقرار عليه وتعيّنه عليه بعد التلف أيضاً فهو ممنوع
بل هو حينئذٍ كفاقد
الجميع ابتداءاً
و قد مرّ أنّ العبرة في الكفّارة بحال الأداء لا الوجوب
بلا خلاف
و المفروض أنّ
حالة الوجوب قد انمحت

والمعتبر إنّما هو هذه الحالة الّتي يريد إبراء ذمته فيها
فالظاهر أنّ
الثمانية عشر تتعلّق به أيضاً.
قوله: (تعيّن صيام ثمانية عشر يوماً) إن أراد من جهة تعيّن الصيام عليه ففيه المنع المتقدّم
و إن
أراد أنّه حينئذٍ فاقد للجميع و عاجز عن الجميع الذي من جملته صيام الشهرين فهو حسن.
قوله: (وأما في كفّارة الجمع) إلى آخره
قد عرفت أنّ الرواية لاتدلّ على حكم كفّارة الجمع بوجه من
الوجوه
فلا دلالة فيها على وجوب الثمانية عشر
سواء قدر على الآخرين أم لا.
قوله: (بخلاف المرتّبة)
قد عرفت أنّ المرتّبة أيضاً كذلك.
قوله: (الواجب منها واحد دائماً) أقول: نعم
و لكن لايتعيّن إü بالعجز عن سابقه و التمكّن منه
و
المفروض عدم التمكّن من المرتبتين الأخيرتين أيضاً
فإنما يبقى تعلّق الوجوب في الجملة بالنسبة إلى
الجميع و العجز عن الجميع
فيصحّ أنّه عجز عن الصوم المتعلّق به في الجملة مع العجز عن الآخرين كما
هو مدلول الرواية.
قوله: (فاختيارنا في اُصول الفقه)إلى آخره
أقول: لايخفى أنّه يتمّ على القول بكون كلّ واحدٍ منها
واجباً بالأصالة و لكن على البدل
بمعنى أنّه لايجب فعل الجميع و لايجوز الإخلال بالجميع أيضاً
و
ذلك يكفي في صدق تعلّق التكليف بالصوم بشرط التمكّن في الجملة
و يصدق عليه أنّه عاجز عنه مع العجز
عن الآخرين.
ومن جميع ما ذكرنا في معنى الحديث و الإشكالات
و تفاوت الحكم بتفاوت معاني الرواية
و تفاوت حال
الكفارات بتفاوت الموجبات لها
ظهر وجه اختلاف الأصحاب في التعبير عن عنوان المسألة
فلنفصّل
الكلام في مقامات
و ننقل الخلاف
و نذكرما هو الحري بالاختيار بذكر مباحث:
الأوّل: كفّارة شهر رمضان
واختلف فيها الأصحاب
فذهب المفيد و المرتضي و ابن إدريس و العلامة في القواعد والإرشاد والمنتهى و
التذكرة ـ بل الظاهر أنّه المشهورـ إلى أنّ من عجز عن الكفّارات الثلاث يصوم ثمانية عشر يوماً.

وذهب الصدوق في المقنع وابن الجنيد و صاحب المدارك و بعض من تأخّر عنه إلى أنّه يتصدّق بما يطيق
و هو
ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار .
وذهب العùمة في المختلف و الشهيد في الدروس إلى التخيير بينهما
و كذلك الشهيد الثاني في المسالك .
وقال في التحرير: لو عجز عن صيام شهرين متتابعين و تمكّن من صيامها متفرقة و لم يقدر على العتق ولا
الإطعام فالوجه وجوب الشهرين متفرّقة
و لو عجز صام ثمانية عشر يوماً.
ثمّ قال: لو عجز عن الشهرين و قدر على شهر فالوجه وجوبه
و لاينتقل إلى ثمانية عشر
و كذا لو قدر على
عشرين يوماً على إشكال في ذلك
و لو عجز عن إطعام ستّين وتمكّن من إطعام ثلاثين وجب
و لو تمكّن من
صيام شهر و الصدقة على ثلاثين فالأقرب وجوبهما معاً .
وعن المنتهى أنّه جعل التصدّق بالممكن بعد ثمانية عشر يوماً .
وقال الشيخ في النهاية: إن لم يتمكّن من الكفارات الثلاث فليتصدّق بما تمكّن منه
فإن لم يتمكّن من
الصدقة صام ثمانية عشر يوماً
و إن لم يقدر صام ما تمكّن منه
و إن لم يتمكّن من ذلك قضى واستغفر
اللّه
و ليس عليه شيء .
وعن السيد: لو عجز عن الثلاثة صام ثمانية عشر يوماً متتابعات
فإن لم يقدر تصدّق بما وجد و صام ما
استطاع .
حجّة الأوّل: رواية أبي بصير المتقدّمة .
وحجّة الثاني: صحيحة عبد اللّه بن سنان
عن أبي عبداللّه &: في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً
واحداً من غير عذر
قال: (يعتق نسمة
أو يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستّين مسكيناً
فإن لم يقدر
تصدّق بما يطيق) .
و حسنته لإبراهيم بن هاشم
عنه &: في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين
مسكيناً
قال: (يتصدق بقدر ما يطيق) و الظاهر أنّ المراد العجز عن الخصال الثلاث.
وحجّة الثالث: الجمع بين الروايتين.
والأظهر العمل على الأوّل.
والقدح في سند الرواية من جهة إسماعيل بن مرار و عبد الجبار بن مبارك مع عمل المشهور عليها لاوجه له.

مع أنّ إسماعيل بن مرار ممن يروي عنه إبراهيم بن هاشم في غاية الكثرة
و هو مؤيّد قوي.
و روى الكشي عن عبد الجبار أيضاً خبراً دالاً على مدحه
و لكن سنده ضعيف
و الناقل للرواية هو عبد
الجبار.
وكيف كان فالشهرة تجبره
و لاتترجّح عليه الصحيحة مع كون العامل بها شاذّاً
والجمع إنّما يتمّ إذا
حصل التكافؤ و هو مفقود.
وأما قول التحرير; فلعلّه مستند إلى عموم قوله &: (إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم) و نحوه من
الأخبار.
وفيه: أنّ رواية الثمانية عشر يوماً بل و صحيحة عبد اللّه بن سنان أخصّ من تلك القاعدة
و الخاص مقدّم
على العام
و مع هذا فلا دليل على الجمع بينه و بين رواية الثمانية عشر بجعلها متأخّرة عنه.
وأبعد من ذلك ما نقل عن المنتهى.
وأما دليل الشيخ و السيد
فلعلّه الجمع بين الأخبار و قاعدة الميسور لايسقط بالمعسور و ما في معناه
و لكنّه بالتفصيل الذي ذكراه لم يدلّ عليه دليل.
وربما بُني الإتيان بحسب المقدور على أنّ وجوب الجزء هل هو تابع للكلّ أو بالعكس
أو كلّ واحد منهما
مستقل
و الأظهر أنّ وجوب الجزء تابع
و الدلالة عليه تبعية.
وربّما يؤيّد الاستقلال: بأنّ الأصل عدم اشتراط وجوب بعض الأجزاء بالقدرة على الآخر
و إü لزم إما
الترجيح بلا مرجح أو الدور.
وفيه: أنّ الحكم متعلّق بالكلّ
و هو وإن استلزم الأمر بالجزء
لكنه من باب وجوب المقدّمة
و ليس
وجوبه أصلياً
بل تبعي
فلا يحتاج إلى التمسّك بالأصل في عدم اشتراط وجوب بعضها ببعض
مع أنّ الدور
المتوهّم ليس من باب الدور التوقيفي
بل هو معي
ولا استحالة فيه.
ثمّ على القول بلزوم الثمانية عشر يوماً ففي وجوب التتابع و عدمه قولان
ناظران إلى إطلاق الرواية
منضمّاً إلى الأصل

و إلى اقتضاء البدليّة ذلك
و في عمومه منع
نعم يؤيّده ما قدّمناه سابقاً مع كونه
أحوط.
ويؤيّد الأوّل: رواية سليمان بن جعفر الجعفري
عن أبي الحسن &: (إنّما الصيام الذي لايفرّق:كفّارة
الظهار
و كفّارة الدم
وكفّارة اليمين) و لعلّه أظهر.
ولو فعل البدل ثم قدر على المبدل فلايجب المبدل; لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء
ورواية مؤمن الطاق
الواردة في الظهار المخالفة لذلك محمولة على الاستحباب .
ولوحصل العجز بعد صوم شهر فيحتمل وجوب الثمانية عشر; لصدق العجز عن صيام شهرين
و وجوب تسعة ; لأنّ
الثمانية عشر بدل عن الشهرين
فيكون نصفها بدلاً عن نصفه
والسقوط رأساً; لصدق صيام الثمانية عشر في
ضمن الشهر
و الأوّل أظهر.
ثمّ بعد البناء على صيام الثمانية عشر لو عجز عنه
فربّما يظهر من المحقّق في الشرائع أنّه يأتي بما
تمكّن منه
و لعلّه للعمل بأن الميسور لايسقط بالمعسور
قال: و إن عجز استغفر اللّه فهي كفّارته .
قال في المدارك : إنّ هذا الحكم ـ يعني الانتقال من الصوم إلى الاستغفار ـ مقطوع به في كلام الأصحاب
بل ظاهرهم أنّه موضع وفاق
و تدلّ عليه روايات
منها رواية أبي بصير
عن أبي عبداللّه &
قال: ( كلّ من
عجز عن الكفّارة الّتي تجب عليه
صوم أو صدقة أو عتق في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على
صاحبه فيه الكفّارة
فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار) .
وأمّا حدّ العجز ومعناه: ففي العتق و الصوم ظاهر; إذ عتق بعض الرقبة لايسمّى عتق رقبة
و كذا صيام
الأقلّ من الشهرين
و أما الصدقة فحدّدوه بأن لايجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلاً عن قوته وقوت عياله
في ذلك اليوم
و كذلك غيره من مستثنيات الدين.
قال المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه: و كذا العجز عن قيمة الرقبة مع وجودها بها
فكأنهم أخذوه من كون

ذلك في الدين ونحوه
قال: فلو خالف و تصدّق به فلا يبعد الإجزاء; لاحتمال كون ذلك للرخصة .
الثاني: كفّارة الظهار
فذهب المفيد و ابن الجنيد فيما لو عجز عن الخصال الثلاث إلى أنّه لا بدل لها
بل يحرم عليه وطؤها إلى
أن يؤدّي الواجب.
والشيخ في النهاية حكم بأنه يفرق بينهما الحاكم و لايقربها إلى أن يؤدّي الكفّارة
و لكنّه قال بعد
ذلك: إذا عجز عن إطعام الستّين صام ثمانية عشر يوماً
فإن عجز عن ذلك أيضاً
كان حكمه ما قدّمناه من
أنّه يحرم وطؤها إلى أن يكفر .
و قال ابن البرّاج مثل ما قال الشيخ أخيراً .
وقال ابن حمزة: إذا عجز عن صوم شهرين متتابعين صام ثمانية عشر يوماً
وإن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدٍّ
من طعام
فإن عجز استغفر اللّه و لم يعد
و لعلّ مراده أيضاً
بعد العجز عن الخصال الثلاث.
وقد تقدّم قول العùمة في القواعد أنّه لو عجز عن الكفّارة و ما يقوم مقامها كفاه الاستغفار و حلّ
الوطء .
وقال ابن إدريس بعد نقل عبارة النهاية الاُولى: والأولى أنّه يستغفر اللّه بدلاً عن الكفّارة
و
لايفرّق الحاكم بينهما; لعدم الدليل. وقال: إنّ الشيخ رجع عمّا قاله في الاستبصار
و قال: إنّه يطأ
زوجته بعد الاستغفار
وتكون الكفّارة في ذمّته إلى أن يقدر عليها . و هو مختار العلامة في المختلف .
وذهب الصدوقان إلى أنّ بدل الكفّارة هو التصدّق بما يطيق
و قال الصدوق في المقنع بعد ذلك: و روي في
حديث آخر أنّه إذا لم يطق إطعام ستّين مسكيناً صام ثمانية عشر يوماً .
حجّة المفيد و ابن الجنيد: الأصل
و أن نصّ القرآن إنّما جاء على هذه الخصال الثلاث
فلا يجزئ غيرها
و
رواية أبي بصير المتقدّمة في الجواب عن الإشكال الرابع .
وفيه: أنّ الأصل مخرج عنه بالدليل. و كذلك الآية تخصص به
و لايستلزم ذلك النسخ كما توهّم
و الرواية
معارضة بأقوى منها
مع أنّها لاتنفي لزوم الثمانية عشر أو التصدّق إذا أمكن كما لايخفى
بل إنّما
تدلّ على أنّ الاستغفار بعد العجز عمّا يجب عليه لايوجب الحلّ

و سيجيء ما يعارض ذلك أيضاً.
وحجّة القول بوجوب الثمانية عشر يوماً: عموم رواية أبي بصير المتقدّمة في أوّل الباب بالتقريب الذي
بيّناه
وخصوص موثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه & عن رجل ظاهر من امرأته
فلم يجد ما يعتق و لا
ما يتصدّق
و لايقوى على الصيام قال: (يصوم ثمانية عشر يوماً
لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام) .
وهذا هو الدليل الذي ذكرنا أنّه مخرج عن الأصل ومخصّص للآية; لجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد
سيّما
إذا اشتهر العمل به.
وأمّا حجّة جواز الوطء بعد حصول ما يقوم مقام الكفّارة
فهو ظاهر إطلاق هاتين الروايتين في مقام
الحاجة
وخصوص موثّقة إسحاق بن عمار ـ بل حسنته لإبراهيم بن هاشم أو صحيحته; لمنع كون إسحاق هذا
واقفيّاً
و كون مدح إبراهيم بمنزلة التوثيق ـ عن أبي عبد اللّه &
قال: (الظهار إذا عجز صاحبه عن
الكفّارة فليستغفر ربّه و ينوي أن لايعود قبل أن يواقع
ثمّ ليواقع
و قد أجزأ عنه ذلك من الكفّارة
فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر يوماً من الأيّام فليكفّر
و إن تصدّق و أطعم نفسه و عياله فإنه يجزئه
إذا كان محتاجاً
و إن لم يجد ذلك فليستغفر ربّه و ينوي أن لايعود
فحسبه ذلك و اللّه كفّارة) .
وأمّا حجّة الصدوقين; فلم أقف لهما على شيء
و لادلالة في صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة على حكم
الظهار
و لايمكن التمسّك بقاعدة الميسور لايسقط بالمعسور
و لجريانها في الصوم أيضاً
و تعيّن
الإطعام عليه بعد العجز عن الصيام إنّما يسلّم إذا تمكّن من تمامه
مع أنّ القاعدة عامّة
و الموثّقة
خاصّة
فهي أحرى بالعمل.
واعلم أنّ المراد بالاستغفار ـ في هذا الباب و غيره ممّا ورد فيه ـ التوبة
و لكن مع التكلّم بقوله
(أستغفر اللّه) فهو كاشف عن التوبة
كما أنّ كلمة الشهادة كاشفة عن الإسلام
فلاينفع إذا لم يكن

تائباً بينه و بين اللّه
و إن حُكم بسقوط الكفّارة عنه و حلّ الوطء ظاهراً.
ويستفاد ذلك من روايات كثيرة
منها الروايات المتقدّمة
ومنها رواية داود بن فرقد الواردة في وطء
الطامث
ففي آخرها: (إن الاستغفار توبة و كفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة) .
ولابدّ فيه من النيّة; لأنه عبادة موقوفة عليها.
ومقتضى كونه بدلاً سقوط الكفّارة
فما اشتملت عليه موثّقة إسحاق بن عمار من لزوم الكفّارة إذا وجد
إليها السبيل بعد ذلك محمول على الاستحباب.
الثالث: كفّارة النذر
و قد مرّ ما قاله فيها ابن حمزة وابن إدريس
و قد عرفت مقتضى عموم عبارتهم المذكورة في كتاب
الكفارات
و أنّه يشمله على المختار من كون كفّارة النذر هي كفّارة شهر رمضان
و قد ذكرنا أنّ عموم
رواية أبي بصير يشمله
فيجب عليه صيام ثمانية عشر يوماً بعد العجز عن الآخرين أيضاً.
وأمّا الإطعام عن كلّ يوم بمدّ; فلم نقف على دليله
إü ما أشرنا إليه سابقاً.
وأما الاستغفار; فلا إشكال فيه كما تقدّم و دلّت عليه رواية أبي بصير المتقدمة في الإشكال الرابع .
وأمّا قول العùمة بلزوم الإتيان بما قدر عليه من أصل الكفّارة نظراً إلى قاعدة الميسور لايسقط
بالمعسور
فتدفعه الروايات كما مرّ.
الرابع: صيام النذر وما في معناه
فمن نذر صيام شهرين و عجز عنه فلا دليل على وجوب ثمانية عشر يوماً عليه
و لا التصدّق عوضاً عن
الثمانية عشر يوماً عليه و لاغيره.
نعم تجري فيه قاعدة الميسور لايسقط بالمعسور
و هو أيضاً مشكل
فلا يبقى إü ما ورد من التصدق عن كلّ
يوم بمدّ في كفّارة صوم النذر بعد العجز عنه كما مرّت الإشارة إليه.
و سيجيء الكلام والخلاف في وجوب فدية صيام النذر و في مقدار كفّارته
و كيف كان فلا دليل على التفصيل
المذكور فيه.
فحاصل المختار في المسألة: إن كان من كان عليه الكفارات الثلاث مرتّبة أو مخيّرة عجز عن الجميع فيجب
عليه صيام ثمانية عشر يوماً مطلقاً على الأظهر
و إن كان التتابع أحوط
و إن عجز عنه فإطعام ثمانية
عشر مسكيناً بمدّ من طعام على ما تردّد فيه
مع رجحان ما للوجوب من جهة الشهرة و تتبّع النظائر

و
ظاهر الروايتين المتقدّمتين.
ومع العجز عنه فكفّارته الاستغفار
بمعنى سقوط الكفّارة عنه
و إن كان في الظهار فيحلّ له الجماع
و
أما كفّارة الجمع و الشهران المنذوران فلم نقف فيهما على دليل يفيد هذا التفصيل.
التاسع عشر: لو تبرّع متبرّع عمّن تجب عليه الكفّارة
فإن كان ميّتاً فالأصحّ جوازه مطلقاً; لعموم
الروايات المستفيضة جدّاً الدالّة بعمومها على أنّ كلّ من عمل عملاً صالحاً عن الميّت ينفعه
و قد
مرّ بعضها في كتاب الصلاة.
ويؤيّده جواز أداء الدين
بل الكفّارة أيضاً دين.
ويؤيّده ما مرّ في الزكاة للغارمين
و كذلك ما دلّ على جواز فعل الوليّ عن الميّت و غير ذلك.
ويظهر من العùمة في المختلف حيث اكتفى بذكر الخلاف في الحيّ كون المسألة إجماعية
و لكن يظهر من
المسالك وجود الخلاف حيث جعله أصحّ القولين
و من الدروس حيث جعله أقوى القولين .
وأمّا الحيّ فنقل في المختلف عن المبسوط أنّه كالميت قال
وقال بعض أصحابنا: لايجزئ
و الوجه عندي
الأوّل
و احتجّ عليه بأنه كوفاء الدين .
وحجّة المنع: الأصل
و أنّه عبادة مشروطة بالنيّة
و من شأنها أن لاتقبل النيابة
و أن ليس للإنسان إü
ما سعى
.
وهناك قول ثالث اختاره في الشرائع
و هو الجواز في غير الصوم
واختار في المسالك هذا القول لكن مع
الإذن
و الظاهر أنّه مختار المحقّق الشيخ عليّ رحمه اللّه .
و وجهه أمّا في الصوم فالأصل
و كونه عبادة توقيفيّة
و القياس على الميت باطل
و أمّا في غير الصوم
فلأنه ممّا يقبل النيابة
و يؤيّده ما تقدّم من أداء الدين و غيره

و أمّا قوله تعالى:
ليس للإنسان إü
ما سعى
ففيه: أنّ الإيمان هو سعي المؤمن
و هذا من ثمراته
فالأظهر مختار المسالك.
المقصد الرابع
فيما يكره للصائم
وهو اُمور:
منها: النساء تقبيلاً و لمساً وملاعبة.
و الأظهر أنّه لمن يحرّك ذلك شهوته
سواء كان شيخاً أو شاباً
فالإطلاق كما يظهر من بعض العبارات ليس
بجيد
و كذلك التفصيل بالشيخ و الشاب كما يظهر من الخلاف; لأنه جعل ذلك قولاً في مقابل من فصّل بتحريك
الشهوة و عدمه
و دليل المسألة و تحقيق الحال قد مرّ في مسألة الاستمناء فلا نعيد.
ومنها: الاكتحال بما فيه صبر أو مسك كما نقل عن الشيخ و جماعة .
و عن ابن حمزة زيادة العنبر . و في المعتبر اقتصر على المسك . و عن ابن زهرة بما فيه صبر و ما أشبهه . و
لعلّ المراد بـ(ما أشبهه) ما له طعم يصل إلى الحلق كما في التحرير و التذكرة . و لعلّ مراد من اقتصر
بالبعض المثال.
وقد اختلفت الأخبار في ذلك
فمنها: ما يدلّ على المنع من الاكتحال مطلقاً
كصحيحة الحلبي
عن أبي عبد
اللّه &: أنّه سئل عن الرجل يكتحل و هو صائم
فقال: (لا
إنّي أتخوّف أن يدخل رأسه) .
وصحيحة سعد بن سعد الأشعري
عن الرضا &
قال: سألته & عمن يصيبه الرمد في شهر رمضان هل يذرّ عينه
بالنهار و هو صائم؟ قال: (يذرّها إذا أفطر
و لايذرّها و هو صائم) .
ومنها: ما يدلّ على الجواز مطلقاً
كصحيحة محمّد بن مسلم
عن أبي جعفر & في الصائم يكتحل
قال: (لا بأس
به
ليس بطعام و لاشراب ) .
و صحيحة عبد الحميد بن أبي العلاء
عن الصادق &
قال: ( لابأس بالكحل للصائم) .

ومنها: ما يدلّ على التقييد
كصحيحة محمّد بن مسلم
عن أحدهما }: أنّه سئل عن المرأة تكتحل و هي صائمة
فقال: (إذا لم يكن كحل تجد له طعماً في حلقها فلا بأس) .
و قويّة سماعة ـ لعثمان بن عيسى ـ قال: سألته عن الكحل للصائم فقال: (إذا كان كحلاً ليس فيه مسك و ليس
له طعم في الحلق فلابأس به) .
ومنها: ما يدلّ على أنّه لايضرّ مع وجود ما فيه طعم أيضاً
كرواية الحسن بن أبي غندر قال
قلت لأبي
عبداللّه &: أكتحل بكحل فيه مسك و أنا صائم؟ فقال: (لابأس) .
و تؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر
عن أخيه موسى &
قال: سألته عن الصائم يذوق الشراب و الطعام يجد طعمه في
حلقه
قال: ( لايفعله ) قلت: فإن فعل؟ قال: ( لاشيء عليه و لايعود ) .
قيل: وممّا يدلّ على عدم الإفساد
و إن وجد طعمه في حلقه بخصوصه: أنّ الحنظل إذا اُطلي به أسفل الرجل
وجد طعمه في الحلق
مع أنّه لايفطر إجماعاً.
فالأظهر كراهة كلّ ما له طعم يصل إلى الحلق مطلقاً
و ربّما احتمل الكراهة مطلقاً; لإطلاق مثل صحيحة
سعد بن سعد الأشعري .
ومنها: إخراج الدم المضعف
والظاهر عدم الفرق بين الحجامة و الفصد و غيرهما
كما صرّح به الفاضلان
لاستفادة ذلك من العلّة المستفادة من الأخبار
مثل صحيحة الحلبي
عن الصادق &
قال: سألته عن الصائم
أيحتجم؟ قال: (إنّي أتخوّف عليه
أما يتخوّف على نفسه ) قلت: ماذا يتخوّف؟ قال: (الغشيان
أو تثور به
مرّة ) قلت: أرأيت إن قوي على ذلك و لم يخشَ شيئاً؟ قال: (نعم إن شاء اللّه تعالى ) .
وصحيحة سعيد الأعرج
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن الصائم يحتجم؟ قال: (لابأس
إü أن يتخوّف على نفسه
الضعف ) .
وصحيحة عبد اللّه بن سنان
عنه &
قال: سألت أبا عبد اللّه & قال: ( لابأس بأن يحتجم الصائم إü في رمضان
فإنّي أكره أن يضرّ بنفسه
إü أن لايخاف على نفسه

و إنّا إذا أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلاً)
إلى غير ذلك من الأخبار .
ويدلّ على عدم الحرمة و الإفساد الأصل و الإجماع
كما في المنتهى و التذكرة
و هذه الروايات و غيرها
مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة في الاكتحال في جهة التعليل بأنه ليس بطعام و لاشراب.
و رواية عبد اللّه بن ميمون
عن أبي عبد اللّه &
قال: ( ثلاثة لايفطرن الصائم: القيء
والاحتلام
و
الحجامة
و قداحتجم النبيّ ْ و هو صائم) .
وأمّا ما روى العامّة عن النبيّ ْ
و كذا الخاصة عن الصادق &: (أفطر الحاجم و المحجوم) فقيل: إنّه ْ قال
ذلك لأجل اغتيابهما مسلماً.
وعن الصدوق في معاني الأخبار: احتمال أن يكون المراد أنّ من احتجم فقد عرّض بنفسه للاحتياج إلى
الإفطار بسبب احتمال الضعف
و هو بعيد في الحاجم
إü أن يقال: إنّ تعريضه المحجوم لذلك إفطار له
و
نقل عن بعض مشايخه أن المراد الدخول في فطرة النبي ْ وسنته.
ومنها: دخول الحمام المضعف; لصحيحة محمّد بن مسلم
عن أبي جعفر &: أنّه سئل عن الرجل يدخل الحمام و هو
صائم
فقال: (لابأس به
ما لم يخش ضعفاً) .
ومنها: السعوط بما لايتعدّى إلى الحلق
و هو ـ بفتح السين و ضم العين ـ مايصل إلى الدماغ من الأنف على
الأشهر الأظهر.
و قال الصدوق في الفقيه: و لايجوز للصائم أن يتسعّط .
و عن المفيد و سùر أنّهما أوجبا به القضاء و الكفّارة. و نقل في المختلف عن السيّد ـ رحمه اللّه ـ نقل
ذلك القول عن قوم من أصحابنا .
و عن ابن إدريس أنّه لايوجب شيئاً منهما .
و عن أبي الصلاح و ابن البرّاج أنّه يوجب القضاء فقط
و نقل عن السيد أيضاً نقل هذا القول عن قوم من
أصحابنا .
والأظهر الأوّل; للأصل
و رواية ليث المرادي
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن الصائم يحتجم ويصبّ في
اُذنه الدهن
قال: ( لابأس

إü السعوط فإنّه يكره ) .
ورواية غياث بن إبراهيم
عنه
عن أبيه & قال
قال: (لا بأس بالكحل للصائم
و كره السعوط للصائم) .
و لاتنهضان حجّة لابن بابويه.
واحتجّ في المختلف للآخرين: بأنّه لو أوصل المفطر إلى الدماغ فكان عليه القضاء والكفّارة
أو القضاء
خاصّة; لأنّ الدماغ جوف
و أجاب عنه بالمنع
بل الممنوع إنّما هو الإيصال إلى المعدة .
وأمّا في المتعدّي إلى الحلق فذهب جماعة ممن لم يمنعه في غير المتعدّي إلى المنع هنا
و قالوا بوجوب
القضاء و الكفّارة
و هو مختار العùمة في المختلف .
و اكتفى في التذكرة بالقضاء تبعاً للشيخ في المبسوط
و احتجّ عليه: أنّه أوصل إلى حلقه المفطر
متعمّداً
فكان عليه القضاء و الكفّارة كما لو أوصل إلى حلقه لقمة.
وفيه: منع كلية الكبرى و بطلان القياس
فالأظهر إذن عدم الحرمة و عدم لزوم شيء; للأصل. ويؤيّده ما مرّ
في الاكتحال.
ومنها: شم الرياحين
قال في المدارك : و هو كلّ نبت طيّب الريح كما نصّ عليه أهل اللغة
و ليس عندي من
كتب اللغة الآن إü الصحاح
و فيه أنّه نبت معروف .
و كراهته إجماع علمائنا كما في المنتهى و التذكرة
مدلول عليه بالأخبار
كرواية الحسن بن راشد قال
قلت لأبي عبد اللّه &: الصائم يشم الريحان؟ فقال: (لا; لأنّه لذّة
و يكره أن يتلذّذ) .
ورواية الحسن بن الصيقل
عنه &
قال: سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ قال: (لا
ولايشم الريحان) .
وتتأكّد الكراهة في النرجس; لما رواه الكليني
عن محمّد بن الفيض
قال: سمعت أبا عبد اللّه & ينهى عن
النرجس فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ قال: (لأنّه ريحان الأعاجم) و هذه الرواية تفيد كراهته مطلقاً
و لكن

الظاهر أنّ المراد في حال الصوم كما فهمه الأصحاب.
قال الكليني رحمه اللّه: و أخبرني بعض أصحابنا أنّ الأعاجم كانت تشمّه إذا صاموا و قالوا: إنّه يمسك
الجوع .
وقال المفيد: و لابأس بشمّ الريحان كلّه
ويُكره شمّ النرجس خاصّة للصائم
و ذلك أنّ ملوك الفرس كان
لهم يوم في السنة يصومونه
و كانوا في ذلك اليوم يعدّون النرجس ويُكثرون من شمّه; ليَذهب عنهم العطش
فصار كالسنّة لهم
فنهى آل الرسول صلوات اللّه عليهم أجمعين عن شمّه
خلافاً على القوم
وإن كان شمّه
لايفسد الصيام و .
و لعلّ وجه التأكيد هو كونه منصوصاً عليه
مع احتمال إرادة النرجس من الريحان المذكور في الأخبار
و
لعلّه معلّل بأنّه ريحان الأعاجم
و لأنه بالخاصيّة ـ أعني رفع الجوع و العطش ـ مخالف لوضع الصوم
المطلوب منه ذلك.
وأما الأخبار الدالّة على جواز شمّ الرياحين فهي كثيرة لاحاجة إلى ذكرها .
وعن الشيخين و الأكثر إلحاق المسك بالنرجس; لشدّة رائحته
و لما رواه الكليني
عن غياث
عن جعفر
عن
أبيه &: (أنّ علياً &: كره المسك أن يتطيّب به الصائم) .
وأما سائر الطيب; فلايكره للصائم جزماً
بل هو مستحب.
وعن الشيخ و ابن حمزة و ابن إدريس زيادة ما يجري مجراه على المسك
و عن المفيد و ابن زهرة زيادة
الزعفران خاصّة
و علّله المفيد بأنّ المسك و الزعفران يصلان إلى الحلق و يجد شامّهما طعمهما.
وكيف كان فلاريب في عدم كراهة غير المذكورات
ففي رواية الحسن بن راشد
أنّه قال: كان أبو عبداللّه &
إذا صام تطيّب
و يقول: ( الطيب تحفة الصائم) .
وفي الفقيه روى: ( أنّ من تطيّب بطيب أوّل النهار و هو صائم لم يكد يفقد عقله) .
و فيه أيضاً: و سئل الصادق & عن المحرم يشمّ الريحان
قال: ( لا ) قيل: و الصائم؟ قال: (لا) قيل: يشم الصائم
الغالية و الدخنة؟ قال: (نعم) قيل: كيف حلّ له أن يشمّ الطيب و لايشمّ الريحان؟! قال: (لأن الطيب سنّة
و

الريحان بدعة للصائم) إلى غير ذلك من الأخبار
هذا.
وأما العلّة المستفادة من رواية الحسن بن راشد بأنّه لذّة
و يكره التلذّذ
يفيد الكراهة مطلقاً.
و كذلك يستفاد من روايته الاُخرى قال: كان أبو عبد اللّه & إذا صام لايشمّ الريحان
فسألته عن ذلك
فقال: (أكره أن أخلط صومي بلذّة) فيمكن أن يجاب عنه بأنّ المرغوب تركه هو التطيّب بقصد التلذّذ
و أما
بقصد السنّة و ملاحظة تحصيل موافقة الملائكة و موافقة المؤمنين كما يستفاد من المنع عن البصل و
الثوم لمن دخل المسجد فلا بأس به
بل هو سنّة.
وأما الريحان سيّما النرجس فلعلّ العلّة فيه هي مخالفة طريقة الأعاجم و المجانبة عنها
و إن لم يقصد
بها التلذّذ
حماية للحمى
و لعلّه لذلك خصّ المفيد الكراهة بالنرجس .
وحاصل المقام أنّ هنا اُموراً ثلاثة هي مظنّة الكراهة:
أحدها: الاجتناب عن وصول شيء إلى الحلق.
والثاني: التلذّذ و رفع الجوع و العطش.
و الثالث: موافقة الكفار
إذ المراد بالأعاجم هم المجوس
فيحسن الاجتناب عن موافقتهم و لو من باب
حماية الحمى
فيمكن القول بالكراهة فيما وجد فيه شيء من ذلك
و عدمها في غيره
و اللّه العالم.
ومنها: استنقاع المرأة في الماء على المشهور بين الأصحاب; لرواية حنان بن سدير
قال: سألت أبا عبد
اللّه & عن الصائم يستنقع في الماء
قال: (لابأس
و لكن لاينغمس فيه
و المرأة لاتستنقع في الماء;
لأنّها تحمل الماء بفرجها) المحمولة على الكراهة; لعدم مقاومتها للأصل و الأخبار الحاصرة للمفطرات
و ليس هذا من جملتها.
و تؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في الاكتحال المعلّلة بأنه ليس بطعام و لاشراب .
وعن سùر و أبي الصلاح و ابن زهرة و ابن البراج التحريم
و كذا عن ظاهر المقنع و المقنعة
و عن
الأوّلين النصّ على وجوب القضاء أيضاً
و عن الثانيين لزوم الكفّارة أيضاً
و عن ابن زهرة التمسّك

بالإجماع و الاحتياط .
ولعل حجّة المحرِّمِين رواية حنان
وحجّة الموجِبين للقضاء العلّة الواردة فيها بأنّها تحمل الماء
بقُبلها
و ظاهر تعليل صحيحة محمّد بن مسلم
فإنّه داخل في الشراب .
وفيه: منع مقاومة الرواية لأدلّة المشهور
سيّما مع هجرهم ظاهرها
و منع كون جذب الماء إلى الجوف
موجباً للقضاء مطلقاً
و منع إطلاق الشرب عليه حقيقة و إن كان شراباً.
وأما الإجماع المدّعى على وجوب الكفّارة فهو غريب
مع أنّ القول به لم يعهد; إü ممن يدّعيه وسùر
والأصل عدم وجوبها وهو مدافع للاحتياط.
ثمّ إنّ العùمة في القواعد والشهيد في اللمعة ألحقا الخنثى بالمرأة
ولعلّه من جهة العلّة .
و الظاهر عدم الفرق بين المشكلة و غيرها إذا كان لها فرج يحمل الماء.
و زاد الشهيد الخصي الممسوح
و الظاهر أن مجبوب الذكر خاصة أيضاً كذلك
بل الظاهر أنّ مجبوب
الخصيتين فقط لايدخل فيه; لعدم العلّة.
لايقال: إنّ الجامع مفقود; لوسعة منفذ المرأة
لما يقال: بمنع ذلك مطلقاً حتّى في البكر.
ومنها: بلّ الثوب على الجسد; لروايات
منها رواية الحسن الصيقل
عن أبي عبداللّه &
قال: سألته عن
الصائم يلبس الثوب المبلول
فقال: (لا) .
و رواية عبد اللّه بن سنان
قال: سمعت أبا عبد اللّه & يقول: (لاتلزق ثوبك و هو رطب و أنت صائم حتّى
تعصره) و منها ما سيجيء.
ويدلّ على الجواز خصوص رواية محمّد بن مسلم
عنه &
قال: (الصائم يستنقع في الماء
و يصبّ على رأسه
و
يتبرّد بالثوب
و ينضح المروحة
و ينضح البوريا تحته
و لايغمس رأسه في الماء) .
ولايضرّ بلّ الجسد و جلوس الرجل في الماء و إن كان أقوى تبريداً كما في الروضة ; للأصل

و صحيحة محمّد
بن مسلم المتقدّمة
و رواية الحسن بن راشد قال
قلت لأبي عبد اللّه &: الحائض تقضي الصلاة؟ قال: (لا)
قلت: تقضي الصوم؟ قال: (نعم) قلت: من أين جاء هذا؟ قال: (أوّل من قاس إبليس).
قال
قلت: فالصائم يستنقع في الماء؟ قال: (نعم) قلت: فيبلّ ثوباً على جسده؟ قال: (لا) قلت: من أين جاء
هذا؟ قال: (من ذاك) .
ومنها: الهذر واستماعه
و المراد به الكلام الذي لايُعبأ به لعدم فائدة دينيّة
بل ينبغي أن تصوم
جميع جوارحه عمّا لاينبغي
ولايشتغل إü بطاعة اللّه
ففي حسنة محمّد بن مسلم قال
قال أبو عبداللّه &:
(إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك
و عدّ أشياء غير هذا
و قال: لايكون يوم صومك كيوم فطرك) .
وعن سيّد العابدين &: أنّه إذا كان شهر رمضان لم يتكلّم إü بالدعاء و التسبيح و الاستغفار و التكبير .
وروى جرّاح المدائني
عن الصادق &
قال: (إنّ الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده
ثمّ قال: قالت مريم:
إنّي نذرت للرحمن صوماً
أي صمتاً
فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم
و غضّوا أبصاركم
و لاتنازعوا و
لاتحاسدوا).
قال
وقال أبو عبد اللّه &: (إذا صمت فليصم سمعك و بصرك من الحرام و القبيح
ودع المراء و أذى الخادم
و
ليكن عليك و قار الصيام
و لاتجعل يوم صومك كيوم فطرك) .
المقصد الخامس
فيمن يصحّ منه الصوم
وفيه مباحث:
الأوّل: لايصحّ الصوم إü من العاقل
المسلم
بل المؤمن
فلا يصحّ من المجنون

و لاالكافر
بل المخالف.
أمّا الأوّل
فلا إشكال فيه; لعدم التكليف المقتضي لتعلّق الأمر
المقتضي لحصول الامتثال و موافقة
الأمر الذي هو معنى الصحّة.
و فيما لو عرض في أثناء النهار مع سبق النيّة و زال; إشكال
و سيجيء الكلام فيه.
وأمّا الثاني
فلا إشكال فيه أيضاً; لاشتراط نيّة التقرّب و إطاعة اُولي الأمر منّا
و هي لاتحصل من
الكافر
منكراً للصانع كان
أو مشركاً
أو أهل ملّة
و هو لاينافي كونه مكلّفاً; للتمكّن من الإيمان
الذي هو مقدّمة الواجب
لأنه مقدور له
فبطلت شبهة المنكر
و هو لزوم التكليف بما لايطاق
إذ التكليف
إنّما هو في حال الكفر
لابشرط الكفر.
وأمّا الثالث
فقد مرّ في كتاب الصلاة و غيره; أنّ الأصحّ عدم صحّة عباداتهم
وأنّ ما يلحقهم بعد
الاستبصار إنّما هو تفضّل من اللّه سبحانه وتعالى.
وأمّا الصبي المميّز; فالأظهر صحّة صومه; لأنّ الأظهر كون عباداته شرعيّة لا كما توهّمه الشهيد
الثاني من القول بها مع نفي شرعيتها أيضاً; لأنّه من باب الوضع
و قد مرّ تحقيق ذلك أيضاً في مباحث
النيّة.
وأما المغمى عليه; فعن الأكثر أنّه يفسد بحصول الإغماء و لو في جزء من أجزاء النهار كالجنون .
و قال المفيد في المقنعة: و إذا اُغمي على المكلّف للصيام قبل استهلال الشهر و مضى عليه أيّام ثمّ
أفاق كان عليه قضاءما فاته من الأيّام
فإن استهلّ عليه الشهر وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثمّ
اُغمي عليه وقد صام شيئاً منه أو لم يصم ثمّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه; لأنّه في حكم الصائم بالنية
و العزيمة على أداء الفرض .
وفي المختلف عن الخلاف: إذا نوى ليلاً و أصبح مغمى عليه حتّى ذهب اليوم صحّ صومه
و إذا نوى الصوم من
الليل و أصبح مغمى عليه يوماً أو يومين وما زاد عليه كان صومه صحيحاً
و كذلك إن بقي نائماً يوماً أو
أيّاماً

وكذلك إذا أصبح صائماً ثمّ جنّ في بعضه
أو مجنوناً فأفاق في بعضه و نوى
فلا قضاء عليه .
ويظهر منهما أنّ المغمى عليه إذا سبقته النية فيصحّ صومه
و إن أطبق الإغماء يومه بل و أكثر من يومه.
حجة الأكثر: أنّ التكليف يسقط بزوال العقل وجوباً و ندباً
فلا يصحّ; لعدم الأمر الموجب للصحّة
و أنّ
كلّ ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون و الحيض
و أنّ القضاء ساقط عن
المغمى عليه
و هو مستلزم لسقوط الأداء.
والجواب عن الأوّل: النقض بالنوم.
و عن الثاني: بالمنع
و قياسه بالحيض باطل
و كذا الجنون
مع أنّ الحكم فيه أيضاً ممنوع على إطلاقه.
و عن الثالث: أنّ القضاء فرض جديد
و يجتمع مع سقوط الأداء ـ كصوم الحائض ـ و ثبوته
و كذلك سقوطه مع
ثبوت الأداء ـ كالجمعة ـ و عدم ثبوته كصلاة الحائض.
قال في المدارك و نِعمَ ما قال: الحقّ أنّ الصوم إن كان عبارة عن مجرّد الإمساك عن الاُمور المخصوصة
مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحّة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النيّة كما
اختاره الشيخان
و إن اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كلّ جزء من
أجزائه موصوفاً بذلك
اتّجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء; لأنه لايوصف بوجوب و لا
ندب
و يلزم من فساده فساد الكلّ; لأنّ الصوم لايتبعّض إü أن ذلك ينتفي بالأصل
و منقوض بالنائم
فإنه
غير مكلّف قطعاً
مع أنّ صومه لايفسد بذلك إجماعاً
انتهى.
والحاصل: أنّا لاننكر سقوط التكليف بالاستمرار في حال الإغماء
و لكن نمنع مدخليّة استمرار التوطين
على الصيام في مهيّة الصوم
فيكفي صدق الصوم عليه في عرف المتشرّعة; إذ من المشاهد أنّ المتشرّعة
يحتاطون عن صبّ الدواء في حلقه تمسّكاً بأنّه صائم
و الأصل عدم النقل
فكذلك عند الشارع
فتتمّ بذلك

ماهيّة الصوم
سيّما على القول بكون العبادات أسامي للأعمّ من الصحيحة كما هو الأظهر.
بقي هنا شيء:
و هو أنّ المستفاد من كلام الشيخين أنّ ذلك يجري في المغمى عليه أزيد من يوم
و لعلّه مبني على
اكتفائهم بنيّة واحدة لتمام الشهر كما هو الأشهر الأظهر.
و لكنّه مشكل فيما نحن فيه; للشكّ في صدق الصائم عليه في اليوم الثاني فصاعداً
سيّما و معتمدنا في
مسألة كفاية النيّة الواحدة للشهر هو استمرار الداعي
و هو مفقود هنا بالنسبة إلى اليوم الثاني و
الثالث
بل بالنسبة إلى الأوّل أيضاً
بل بالنسبة إلى جزئه أيضاً; إذ المفروض أنّه لم يتسبّب بشيء
عند الإغماء
لا الكفّ و لا التوطين
و لا استمرار العدم الأزلي
بخلاف المفيق المكتفي بالداعي إلى
أيّام
و النوم إنّما خرج بالنصّ و الإجماع و الأصل
مع صدق الصوم عليه في عرف المتشرّعة
و هذا يشمل
الإغماء في بعض اليوم بل في تمام اليوم الأوّل أيضاً.
ولو لم تكن هذه المذكورات يجري الكلام في النوم أيضاً
و لكن النصّ و الإجماع و صدق الاسم إنّما يثبت
فيما لو سبقته النيّة بالنسبة إلى هذا اليوم الخاص.
بقي الكلام فيما ذكره في الخلاف من ذكر النوم والجنون وأنّهما أيضاً لايضرّان
فأمّا مسألة النوم
فأمّا فيما استمرّ عليه النوم ما فوق يوم إذا سبقته النيّة فالإشكال المتقدّم في المغمى عليه آتٍ
فيه
وأما في يوم واحد أو جزء يوم فلاريب في أنّه غير مضرّ
و عليه اتّفاق العلماء
و تدلّ عليه
الضرورة و الأخبار
بل فيها ما يدلّ على رجحانه و أنّه بمنزلة العبادة
و كذلك لاخلاف فيه ظاهراً إذا
استوعب اليوم مع سبق النيّة.
والأولى الاكتفاء في الاستدلال بذلك
لابتحقّق الصوم الذي هو عبارة عن الإمساك المخصوص مع النيّة
فإنّ إجزاءه في المستوعب أو فيمن نام قبل الفجر إلى ما بعد الزوال مشكل
فإنّ قصارى ما يكتفى به في
الصوم هواستمرار الترك
و إü فعلى القول باعتبار الكفّ أو التوطين فالأمر أصعب

و لكن يشكل بذلك
الأمر في الإغماء المستوعب; لعدم دعوى الاتفاق عليه
بل المشهور خلافه.
ثمّ إنّ الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ قال: و نقل عن ابن إدريس أنّ النائم غير مكلّف بالصوم
و ليس
صومه شرعياً .
و الظاهر أنّ مراده من الناقل العùمة في المختلف
ونقله عنه صاحب المدارك أيضاً صريحاً
و لم نقف
على هذا الإطلاق في كتابه السرائر. وما وجدته فيه هو أنّه بعد ما نقل عبارة المبسوط المشتملة على أنّ
من جملة من حصل له حكم النيّة ولم يفعل النيّة بالفعل النائم طول شهر رمضان و المغمى عليه
فإنه
لانية لهما
و مع ذلك يصحّ صومهما
قال: والذي يلوح لي و يقوى في نفسي أنّ النائم الذي ذكره والمغمى
عليه غير مكلّفين بالصيام
و لاهما صائمان صياماً شرعياً
فذكره لهما غير واضح .
أقول: وظاهر العبارة تخصيص الكلام بالنائم الذي ذكره الشيخ
لامطلق النوم
و لاحاجة إلى ما وجّه
كلامه به في المدارك من أنّ مراده أنّ الإمساك في حال النوم لايوصف بوجوب و لاندب
فلا يوصف بالصحّة
و لكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه; للإجماع القطعي على أنّ النوم لايبطل الصوم . بل ليس
مراده ذلك جزماً
بل مراده أنّ صوم النائم المذكور باطل كما يظهر من كلامه بعد ذلك في المغمى عليه و
النائم طول الشهر.
والظاهر أنّ نظر ابن إدريس أيضاً إلى ما ذكرنا من عدم بقاء الداعي في المفروض
و إü فهو أيضاً ممن
يكتفي بنية واحدة لتمام الشهر.
وقال في المختلف بعد نقله عنه: و هو غلط; لأنّه بحكم الصائم
و لايسقط عنه التكليف بنومه; لزوال عذره
سريعاً .
و تبعه الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ في المسالك
و فصّله
وفرّق بين النوم و الإغماء و السكر و
الجنون
بأنّ النوم من الجبلّة و العادة يزول سريعاً و لايزيل العقل
بل إنّما هو يغطّي الحواس
و
لايخرج عن أهليّة التكليف
و لذلك يتنبّه إذا نبّه

بخلاف الجنون و السكر
بل الإغماء على الأصحّ
فلذلك لاتبطل العبادات التي ليست مشروطة بالطهارة الصغرى
كالإحرام والاعتكاف و غيرها.
ثمّ قال: فإن قيل: النائم غير مكلّف; لأنّه غافل
ولقوله ْ: (رفع القلم عن ثلاثة) و عدّ منهم النائم
حتّى يستيقظ
و قد أطبق المحقّقون في الاُصول على استحالة تكليفه
و ذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل
وقت النوم شرعياً; لأنّه غير مكلّف به
و يلحقه باقي النهار; لأنّ الصوم لايقبل التجزئة في اليوم
الواحد
و أولى منه ما لو نوى ليلاً ثمّ نام مجموع النهار
و هذا يؤيّد ما ذكره ابن إدريس
بل يقتضي
عدم جواز النوم اختياراً على الوجه المذكور.
قلنا: تكليف النائم والغافل و غيرهما ممن يفقد شروط التكليف; فقد ينظر فيه من حيث الابتداء به
بمعنى
توجّه الخطاب إلى المكلّف بالفعل و أمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب
و قد ينظر فيه من
حيث الاستدامة
بمعنى أنّه لو شرع في الفعل قبل النوم و الغفلة و غيرهما ثمّ عرض له ذلك في الأثناء.
و القسم الأوّل لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف مالايطاق
من غير فرق فيه بين
أنواع الغفلة
و هذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الاُصوليين و غيرهم امتناعه كما يرشد إلى ذلك
دليلهم عليه
و إن أطلقوا الكلام فيه; لأنّهم احتجّوا عليه بأنّ الإتيان بالفعل المعيّن لغرض امتثال
الأمر يقتضي العلم به
المستلزم للعلم بتوجّه الأمر نحوه
فإن هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة
في كثير من الموارد إجماعاً; إذ لاتتوقّف صحّتها على توجّه الذهن إليها
فضلاً عن إيقاعها على الوجه
المطلوب
كما سنبيّنه.
وأما الثاني
فالعارض قد يكون مخرجاً عن أهليّة الخطاب و التهيؤ له أصلاً
كالجنون والإغماء
على
أصحّ القولين
و هذا يمنع استدامة التكليف
كما يمنع ابتداءه.

وقد لايخرج عن ذلك كالنوم والسهو و النسيان مع بقاء العقل
و هذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف
بالفعل
لكن لا تمنع من استدامته
إذا وقع على وجهه و إن استلزمت إبطاله من حيثيّة اُخرى
كالنوم
المبطل للصلاة لا من حيث هو غفلة و نقص عن فهم الخطاب
بل من حيث نقضه للطهارة التي هي شرط للصلاة
و
من ثمّ لو ابتدأ الصلاة على وجهها ثمّ عرض له في أثنائها ذهول عنها بحيث أكملها و هو لايشعر بها
أو
نسي و فعل منها أشياء على غير وجهها
أو ترك بعضها ممّا هو ليس بركن و نحو ذلك لم تبطل الصلاة إجماعاً
مع أنّه يصدق عليه أنّه في حالة النسيان و الغفلة غير مكلّف.
و كذا القول في الصوم كما لو ذهل عن كونه صائماً في مجموع النهار مع نيّة الصوم
بل لو أكل و شرب و
جامع ذاهلاً عن الصوم و غير ذلك من المنافيات لم يبطل الصوم إجماعاً
و هي مع مشاركتها للنوم في عدم
التكليف حالتها أعظم منافاة للصوم منه
إلى آخر ما ذكره
و من هذا النمط لا نطيل بذكره.
أقول: ولايخفى ما في هذا الكلام من التكلّف الظاهر
و فيه مواضع تأمّل و نظر
أما أوّلاً فقوله: (إنّه
لا يزيل العقل) إن أراد أنّ القوة العاقلة القائمة بالنفس لاتزول
فهو مسلّم
و لكنه لاينفع في شيء
مما يتعلّق بفعليّة التكليف
مع أنّه أيضاً قابل للمنع
و تؤيّده صحيحة عبد اللّه بن المغيرة
عن
الرضا &: (إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء) و في معناها حسنة زرارة و غيرها .
وإن اُريد أنّ الإدراك الذي هو مناط التكليف لايزول فهو غريب
وكون النوم جبلّة و عادة و سريع الزوال
و غير ذلك مما ذكره لاينفع في صحّة الخطاب و التكليف في هذا الحين.
قوله: (فإنّ هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة) إلى آخره
فيه: أنّ حاصل دليلهم أنّ العبادة
مشروطة بالنية
أي القصد إلى الفعل المعيّن امتثالاً لأمر اللّه
فإنّ طاعة المولى لاتحصل إü بقصد
طاعته عرفاً
و هذا هو معنى النية

والإتيان بالفعل لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم بتوجّه الأمر
إليه
و هو لايتصوّر من الغافل الذاهل
فلايصح تكليفه
بل يقبح; لأنه بمنزلة خطاب الجماد
فما ذكره من
أنّ هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد بمنزلة التصريح منه ـ رحمه اللّه ـ
بعدم اشتراط جميع أجزاء العبادة بالنيّة
و الظاهر أنّه خلاف إجماعهم
بل هم متفقون على اشتراطها
و
لكن لمّا لم يمكن إخطار النيّة في الأثناء دائماً و لم يتيسر أقاموا الاستدامة الحكميّة مقامها
بل
هي عين النيّة
فإنّ التحقيق أنّ النيّة هي الداعي إلى الفعل
لا المخطر بالبال
و هو الذي يحرّكه إلى
جانب الحركات و السكنات المخصوصة التي هي أجزاء العبادات مع ذهوله و غفلته عن إخطارها بالبال
فكلّ
من يفعل الفعل على حسب الداعي فهو ما لم يتوجّه الأمر إليه إجمالاً و على وجه من وجوه الالتفات
و هذا
القدر كافٍ في الخروج عن الغفلة و الذهول
.
وأما لو تحرّى عن ذلك أيضاً
بأن نوى شيئاً مخالفاً للطاعة و منافياً لها
فلاريب أنّه فاقد للداعي
و
ليست عبادته صحيحة
و اشتباهه ـ رحمه اللّه ـ إنّما نشأ من الغفلة عن تحقيق النية و كفاية الاستدامة
الحكميّة فيها.
فالتحقيق: أنّ الغفلة و الذهول في الأثناء أيضاً مضرّ
و لا وجه لما ذكره من التفصيل
و إنّما خرج مثل
النوم و الإغماء أيضاً ـ إن جعلناه مثل النوم كما هو الأظهر في مثل الصوم ـ بالدليل
بمعنى أنّ اللّه
تعالى يقبل مثل ذلك عن صوم اليوم
بل هو صوم
كما فيمن عنّ له الصيام وقت ارتفاع النهار
لا أنّه في
هذا الآن مكلّف ومخاطب باستمرار الصوم و استدامته
و لا أنّه يمكن أنّ تتحقق بعض العبادات بلا نيّة و
بدون قصد الامتثال.

قوله رحمه اللّه: (وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه) فيه: أنّا و إن سلّمنا ذلك في
استدامته
لكن الحكم ببطلان صوم من جنّ لحظة في أثناء اليوم ثم أفاق مع سبق النية ممنوع
و قد عرفت
ذهاب الشيخ إلى صحّته في الخلاف
و كذلك الإغماء كما مرّ.
قوله: (و قد لايخرج عن ذلك كالنوم) فيه: أنّه أوّل الكلام
و هل ذلك إü محل النزاع; إذ المعتبر هو
قابلية التكليف بالفعل
و هو ممنوع في النائم
و لافرق في الغفلة حال النوم بينه و بين المغمى عليه
و
القول بأنّه غير مضرّ من جهة النصّ و الإجماع معنى آخر
و ليس مراده ـ رحمه اللّه ـ جزماً
فهذا عدول
منه عن أوّل كلامه
و التحقيق ما مرّ من الاعتماد على النصّ و الإجماع و صدق الصائم عليه مضافاً إلى
الأصل.
قوله رحمه اللّه: (و إن استلزمت إبطاله من حيثيّة اُخرى) فيه: أنّ قولك بأنّ النائم قابل للتكليف في
الصلاة و اتّصاف صلاته بالصحّة
و لكن النصّ دلّ على أنّ النوم من نواقض الطهارة
و الصلاة مشروطة
بها
فبطلت من هذه الجهة
ليس بأحرى من قولنا الصائم النائم غير مكلّف في حال النوم
و غير قابل
لمخاطبته باستمرار الصوم
و لكن النصّ دلّ على أنّ مثل هذا الانقطاع في الأثناء غير مضرّ.
قوله رحمه اللّه: (ثمّ عرض له في أثنائها ذهول عنها). فيه: أنّ هذا قياس مع الفارق; إذ ذلك إنّما هو
لأجل الداعي ومصاحبته له إجمالاً
و إن لم يخطره بالبال تفصيلاً
و لذلك يجيء بالأفعال على وجهها
و
ليس ذلك موجوداً في حال النوم جزماً
و هذا واضح.
قوله: (وترك بعضها مما هو ليس بركن) هذا من أجل النصّ و الدليل و الخارج
و إü فمن البيّن الواضح أنّ من
لم يأتِ بجزءٍ من المركّب لم يأت بنفس المركب.
قوله: (إنّه في حالة النسيان و الغفلة غير مكلّف) لايخفى أنّ الغفلة عن إخطار النيّة بالبال ليست
غفلة عن الصلاة
و كذلك الغفلة عن جزء منها ليست غفلة عنها
مع أنّ عدم البطلان حينئذٍ إنّما هو

بالنصّ و الدليل الخارجي.
قوله: (بل لو أكل أو شرب) إلى أخره
كلّ ذلك إنّما هو بالنصّ و الدليل الخارجي
فهو بمنزلة التخصيص
و
لا كلام فيه.
إذا عرفت هذا: فظهر أنّ النوم في بعض اليوم مع سبق النيّة غير مضرّ إجماعاً
وكذلك إذا نام تمام اليوم
كما صرّح في المدارك بأنّه اتّفاقيّ
والأصل وصدق الصوم والإطلاق يعضده
وأنّه إذا نام أياماً مع
سبق النيّة لايصحّ في غير اليوم الأوّل على الأظهر; لأنّ الّذي نعتبره من نيّة تمام الشّهر في أوّله
هو ما إذا استمرّ الدّاعي ولايتمّ ذلك إü مع الإفاقة
ومنه يظهر حال الإغماء المطبق عليه أياماً.
وأمّا الإغماء في بعض اليوم; فالأظهر أنّه غير مضرّ
وكذا ما إذا أحاط اليوم على إشكال فيه.
وأما الجنون إذا سبقته النيّة وأفاق في ذلك اليوم سواء أصبح مجنوناً أو طرأه في الأثناء
فلايبعد
القول بصحّته أيضاً كما ذهب إليه في الخلاف
واستقربه في المدارك أيضاً
هذا كلّه مع سبق النّية.
وأمّا لو لم تسبقه النّية وأصبح نائماً حتّى زالت الشّمس فلايصحّ
ويجب عليه القضاء
وفي وجوب
الكفّارة إذا تعمّد تركها قولان
أظهرهما العدم; للأصل
والقول بالوجوب ـ كما نقله الشّهيد في
البيان عن بعض مشايخه
نظراً إلى أنّ ترك الشّرط أقوى من فعل المفطر كالأكل والشّرب ـ ضعيف
ويظهر
منه الكلام في الإغماء
وسيجيء الكلام فى لزوم القضاء وعدمه
وأمّا المجنون فلاريب في بطلانه إذا لم
يفق قبل الزّوال ويجدّد النّيّة.
وأمّا فعل مايوجب السكر والإغماء إن أمكن بدون إفطار فلعلّه أيضاً لايوجب البطلان إن سبقته النيّة.
وأما السكران في الليل فلايسقط عنه التكليف; لأنّه أوجبه بنفسه. ولايبعد وصفه بالصحّة مع سبق النيّة
على إشكال تقدّم في المغمى عليه.
وأما بدون سبق النية فلايصح منه جزماً
ولكن الظاهر أنّه مكلّف
ولاقبح في مثله; لكونه هو الباعث على
فقد الشرط
ويؤيّده ماروي عن عليّ &: ( أنّ الرّجل إذا شرب الخمر سكر

وإذا سكر هذى
وإذا هذى افترى
فاجلدوه حدّ المفتري) .
وكذا الأخبار الواردة في أنّ حرمته لتأديته إلى المعاصي والآثام
ولعلّ ذلك يكون كافياً فى إيجاب
القضاء عليه بل الكفّارة أيضاً على إشكال; للأصل
ولأنّه كالعامد في ترك الصيام.
الثاني: لايصحّ الصوم من الحائض والنفساء وإن حصل العذر قُبيل غروب الشّمس أو زال بُعَيد طلوع الفجر
بلا خلاف فيه
بل الظاهر أنّه إجماع العلماء كافّة
كما يظهر من الفاضلين في المعتبر والتذكرة .
وتدل عليه الأخبار
مثل مارواه الصدوق في الصحيح عن العيص بن القاسم
عن أبي عبد اللّه &
قال: سألته
عن المرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس
قال:( تفطر حين تطمث) .
وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج: أنّه سأل أبا الحسن & عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم
تفطر؟ فقال: (تفطر ثمّ تقضي ذلك اليوم) .
وعن أبي الصباح الكناني
عن أبي عبد اللّه &: في امرأة أصبحت صائمة
فلمّا ارتفع النّهار أو كان
العشاء حاضت
أتفطر ؟قال: (نعم
وإن كان قبل المغرب فلتفطر)
وعن امرأة ترى الطّهر في أول النّهار في
شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم
كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال: (إنّما فطرها من الدم ) .
وأمّا المستحاضة فيصحّ منها الصوم إذا أتت بما يجب عليها من الأعمال بلاخلاف
وأما بدونه فلايصحّ بل
يجب عليها قضاؤه
وهو مذهب الأصحاب كما في المدارك
بل ادّعى في المسالك الإجماع عليه .
ولكن الإشكال في أنّ العمل الذي يوجب تركه القضاء أيّ شيء هو؟ فعن ظاهر الشيخ في النهاية وابن إدريس
وصريح المبسوط اعتبار الجميع حتّى الوضوء وتجديد القطنة والخرقة
فبترك شيء منها يجب القضاء.
وعن ظاهر المبسوط في كتاب الحيض التوقّف في الحكم كما أشار إليه في الذكري
وكذلك عن العلامة في
المنتهي .
ومقتضى ذلك: أنّه لا يجب القضاء بترك شيء منها.
وقيل باشتراطه بالغسل النهاري خاصّة
وهو مختار جماعة

منهم العلامة في التذكرة في كتاب الصوم
والشهيدان في المسالك والدروس والبيان
ولامدخليّة لغسل العشاءين في الصوم الحاضر
بل الظاهر أنّه
المشهور بين المتأخرين.
قال في التذكرة : إذ غسل الليل لايؤثر في صوم النهار
ولم يذكره علماؤنا .
ويظهر من هذه العبارة: أنّه حمل عبارة النهاية ومافي معناها على لزوم الأغسال النهارية من الاُمور
المذكورة
لامطلق الأعمال مطلقاً
فهذه أقوال ثلاثة.
وهناك قول رابع: وهو اشتراطه بما قارنه أو تقدّم عليه من الأغسال
لابما تأخّر عنه
وهو مختار
الشّهيد الثاني في روض الجنان والروضة والمسالك حيث نفى مدخليّة غسل العشاءين في الصوم الحاضر
وقال: إنّ له مدخليّة في المقبل
فإن لم تفعله في محلّه فلابدّ من الغسل قبل الفجر للحدث السابق إن لم
يجب عليها غسل آخر للمقبل
وإü تداخلا .
وهناك احتمال خامس: وهو اشتراطه بالغسل الفجري خاصّة
مع وجوب تقديمه على الصوم
بناءاً على أنّه
لايكون مشروطاً إü بما تقدّمه
وهو احتمال نقله بعض الأصحاب عن العùمة في النهاية
فإنّه قال فيها:
وهل يشترط في الصوم غسل العشاءين أو الظهرين أو تقديم غسل الغداة على الفجر إشكال .
قيل: يعني أنّ التوقّف على غسل الفجر معلوم
وفي توقّفه على غسل العشاءين وكذا غسل الظهرين
إشكال
ويحتمل التوقف على الجميع وعلى الثاني دون الأوّل
وعدم التوقّف على شيء منهما
وفي التوقّف
على تقديم غسل الفجر عليه أيضاً إشكال.
واحتمال سادس: وهو اشتراطه بالغسل الفجري
وعدم اشتراطه بالغسل للظهرين إن تجدّدت الكثرة في اليوم
وهو الذي احتمله في التذكرة
قال فيها: لو كان الدم قليلاً وأخلّت بالوضوء
أو فعلته وصامت
ثم كثر في
أثناء النّهار
فإن كان قبل الزوال وجب الغسل عنده للصلاة والصوم
وإن أخلّت به احتمل بطلان الصوم إذ

لم تفعل ما هو شرطه
والصحّة لانعقاده فلايؤثر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة
وإن كان بعد أن
صلّت لم يجب للصلاة
إذ قد فعلتها
وفي وجوبه للصوم إشكال .
وقال في التحرير بعد ذكر وجوب الأغسال المتوسّطة والكثيرة: إذا فعلت هذه الأغسال صارت طاهراً
إلى
أن قال: ولو لم تفعل الأغسال كان حدثها باقياً ولايصحّ صومها .
وظاهره اشتراط الغسل مطلقاً في الصوم مطلقاً
ولكن ظاهر قوله (كان حدثها باقياً) إنّما هو تأثير غسل
العشاءين في الصوم المقبل.
والأصل في المسألة هو صحيحة عليّ بن مهزيار
قال: كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في
أوّل شهر رمضان ثمّ استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ماتعمله المستحاضة من الغسل
لكلّ صلاتين
هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ قال: ( تقضي صومها ولاتقضي صلاتها; لأنّ رسول اللّه ْ
كان
يأمر فاطمة ے والمؤمنات من نسائه بذلك ) .
وقد نوقش فيها بالإضمار .
وفيه: أنّه لايضرّ من مثل هذا الثقة الجليل الوكيل
وأن ذلك إنّما صار من جهة تقطيع الأخبار من
الاُصول
وكان المرجع مذكوراً في الأصل
مع كونه مذكوراً في كتب المشايخ الثلاثة. ومع ذلك ففي
الكافي: كتبت إليه &
وفي الفقيه: فكتب &.
وبأنّه مشتمل على مالايقول به الأصحاب
من عدم وجوب القضاء للصلاة.
وفيه: أنّ ذلك لايخرج الخبر عن الحجيّة
وقلّما وجد خبر لايخلو عن توجيه أو خروج عن الظاهر في بعض
أجزائه.
وقد يوجّه: بأنّ كلمة (لا) توهّم أو تصحيف كلمة (ولاء) الممدودة
ردّاً على من توهّم لزوم التفريق في
قضاء الصوم فرقاً بينه وبين الأداء
فلعلّه كتب تحت قول السّائل صومها (تقضي صومها ولاء) وتحت قوله
صلاتها (تقضي صلاتها)
وتؤيّده مكاتبة الصفّار
فإنّ في جملتها (تقضي عشرة أيّام ولاء) وهي وردت في
قضاء صوم الولي.
نعم يخدش فيها ما أفاده بعض المحقّقين من أنّ الجواب غير مربوط بالسؤال
ولعلّه من جهة عدم إمعان نظر

الناقل
فإنّ المكاتبة من شأنها جمع الأسئلة والأجوبة المتعدّدة
فبأدنى غفلة تلتبس أوضاع السؤال
والجواب
وذلك لأنّ هذه العبارة ـ يعني قوله & (كان يأمر) إلى آخره ـ تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر
وهذا ليس منه
ولأنّ هذه العبارة بعينها اُريد بها في خبر من أحاديث الحيض قضاء الحائض الصوم دون
الصّلاة.
ولايخفى على الذوق السليم مناسبتها لحكم الحيض; لتكرره وكثرة السؤال عنه.
وعلى هذا فيشكل الاعتماد على هذه الرواية
فإن ثبت الإجماع فهو
وإü لكان للتوقّف في هذا الحكم مجال
كما فعله الشيخ في المبسوط
حيث أسنده إلى رواية الأصحاب .
ثمّ إن أراد الشيخ من رواية الأصحاب هذه فقد عرفت الحال
وإü فيمكن التعويل عليها بمعونة عملهم
واشتهاره بينهم
بل وإجماعهم عليه كما ادّعاه في المسالك .
بقي الكلام في تطبيق الرواية على الأقوال المتقدّمة
فيمكن أن يكون المراد بطلان الصوم بترك جميع
الأغسال
ويكون ذكر الغسل لكلّ صلاتين بعنوان المثال.
وأما سائر الأعمال فلعلّها من لوازم الغسل أو المراد فيهما تشريك صلاة الليل مع الغداة.
وحينئذٍ فعدم استنباط حكم المتوسّطة غير مضرّ; لعدم القول بالفصل
مع أنّ القيد وارد مورد الغالب;
لندرة المتوسّطة. وإن جعلنا الغسل لكلّ صلاتين من باب المثال الأعمّ حتّى يشمل مايجب فيه غسل واحد
أيضاً; فيجزي فيه ترك الاستفصال أيضاً ويشمل المتوسّطة.
ويمكن أن يكون المراد بطلانه بترك بعض عمل المستحاضة.
ووجهه: أنّ غاية مايستفاد من سؤال الراوي هو السلب الجزئي; إذ هو الأصل في رفع الإيجاب الكلّي
فترك
الغسل لكلّ صلاتين لايستلزم عدم الغسل رأساً.
أو نقول: إنّ عمل المستحاضة هو المجموع
وهو ينتفي بانتفاء البعض
أو هو الغسل لكلّ صلاتين
ومجموع
الغسل الثّابت لكلّ صلاتين ينتفي بانتفاء جزئه.
وكيف كان فالمتبادر من الرّواية منضمّاً إلى كمال بُعد تأثير الشّرط المتأخّر في الصّوم المتقدّم
هو عدم تأثير غسل العشاءين في الصوم المتقدّم
وظهور تأثيره في المتأخّر
وظهور الرّواية فيه أيضاً
كما هو المشهور.
ولو تركته في محلّه فلابدّ أن تغتسل قبل الفجر غسلاً لرفع ذلك الحدث

وإن لم يجب عليها غسل للمُقبل
و
إü تداخلا كما ذهب إليه الشّهيد الثّاني رحمه اللّه .
وانقدح من هذا وجوب غسل الاستحاضة للصّوم المقبل إذا حصل موجبه و لم تفعله في محلّه قبل الفجر
كالحائض و النّفساء إذا طهرتا قبل الفجر
كما تقدّم في كتاب الطّهارة مع دليله
وأنّه يجب التّيمّم
بدلاً عنه مع العجز كالجنب العاجز عنه .
وأمّا الكفّارة; فالأظهر عدم وجوبها
لا في ترك الغسل
ولا في ترك التّيمّم
مع الأولوية في ترك
التّيمّم في بدل غسل الجنابة
ولكن احتمال وجوبها هنا أقوى; لثبوته في ترك غسله
واحتمال مساواة
البدل للمبدل منه.
تنبيهان:
الأوّل: أنّه هل يجب عليها غسل للبرء أم لا؟ وهل تتوقّف عليه صحّة الصوم أم لا؟ قال العلامة في
التحرير: قال الشيخ: إذا انقطع دمها أينقض وضوءها؟ والوجه ذلك إن كان للبرء
وإü فلا
والمراد بالبرء
هو الشفاء .
قال في المدارك: وهو حسن
لكن لايخفى أنّ الموجب له في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع
لانفس
الانقطاع
فإنّ دم الاستحاضة يوجب الوضوء تارة والغسل اُخرى
وإسناد الإيجاب إلى الانقطاع
والاقتصار على إيجاب الوضوء خاصة لايستقيم.
وقال في الذكرى: وهذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قِبل أهل البيت {
ولكن ما أفتى به الشيخ هو قول
العامّة بناءاً منهم على أنّ حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لاغير
فإذا انقطع بقي على ماكان عليه
ولمّا كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرّاً
هذا كلامه رحمه اللّه.
ومحصّله: أنّ الحدث هو دم الاستحاضة
فينبغي أن يترتّب عليه مسبّبه
وضوءاً كان أو غسلاً
ولو قلنا:
إنّ المعتبر فيه وقوعه في أوقات الصلاة وجب اعتباره هنا
انتهت عبارة المدارك .
أقول: وفي هذا الكلام يحصل التنبيه لمسألتين:

الاُولى: أنّ الاستحاضة يجب فيها غسل للبرء
مضافاً إلى الأغسال الواجبة فيها للصلاة والصوم
وإن
كان وجوبه أيضاً للغير من صلاة أو صوم لالنفسه.
وتظهر الثمرة فيما لو رأت كثيراً واغتسلت غسل الصلاة
إمّا لصلاة الفجر أو لصلاتين وصلّت
ولم ترَ
بعد الصلاة دماً كثيراً أو لم ينقطع الدم بالمرّة
ثمّ انقطع وحصل البرء قبل الصلاة الآتية
فهل يجب
عليها غسل البرء أو لا؟ وكذلك الكلام في الوضوء في القليلة
وإن لم نقل بوجوب الغسل عند البرء
وكذا
الوضوء
فيجوز لها الدخول في كلّ مشروط بالطهارة إن لم يحصل حدث آخر لها
وإü فيجب الغسل أو الوضوء.
ويظهر من التذكرة عدم الوجوب
قال فيها: فروع
الأوّل: لو كان الدم كثيراً فاغتسلت أوّل النهار وصامت
ثمّ انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال
لا للصوم
ولاللصلاة إن كان للبرء
ولو كان لا له
وجب
ولو كانت تعلم عوده ليلاً أو قبل الفجر وجبت الأغسال الثلاثة .
ويظهر من هذا الكلام أنّ التّلطّخ كافٍ في استمرار حكم كثيرة الدم مالم تبرأ بالمرّة
فإذا كان الدم
قبل صلاة الفجر كثيراً واغتسلت لها وصلّت ولم تر بعد الصلاة إü قليلاً فاستمرّ حتّى دخل الظهر
فيجب
عليها الغسل لكلّ صلاتين
وهكذا.
وعلى هذا فلعلّ قوله رحمه اللّه: (لو كانت تعلم) إلى آخره لبيان حكم مالو انقطع بالمرّة بحيث لم يبقَ
التلطّخ أيضاً
ولكن تعلم بحسب عادتها عوده ليلاً فهو أيضاً في حكم المستمرّ.
ويظهر من الفاضل الإصبهاني في شرح الروضة ثبوته في شرح قول الشارح: (نعم هو شرطه في اليوم الآتي
ويدخل في غسل الصبح لو اجتمعا ) حيث قال: بمعنى أنّها لو تركته كفاها للصوم غسل الصبح
وكذا يدخل في
غسل البرء لو تركته وبرأت في الليل
انتهى.
والأظهر عدم وجوب غسل للبرء ولاوضوء; إذ الّذي يستفاد من الأخبار هو الأغسال المعهودة في أوقات
الصلوات
والوضوءات والمعهودة.

نعم يمكن التمسّك بالاستصحاب فيما فرضه الفاضل
فإنّ المفروض ثبوت الحدث الموجب للغسل
والمفروض
عدم تحقّقه
ولكن هذا ليس بغسل على حدة من جهة البرء
والظاهر من الذكرى القول بثبوته كظاهر التحرير
بل المدارك أيضاً .
المسألة الثانية: هي أنّ مطلق حصول هذا الدم كافٍ
أو يعتبر حصوله في أوقات الصلاة
وهو أيضاً خلافيّ
كما ظهر من عبارة المدارك السابقة .
وقال في المسالك: فيجب الغسل للصوم متى حصل الغمس قبل صلاة الفجر
وتتوقّف عليه صحّة الصوم
ولو كان
بعد الصلاة لم يجب إلا مع الكثرة
فيتوقّف صوم اليوم على غسل مثل الظهرين وإن لم تستمرّ الكثرة إلى
وقتها
وقيل: يعتبر حصولها وقت الصلاة .
أقول: والظاهر من أخبار المستحاضة أنّ حصول الحالة موجبة لمسبباتها وإن لم تقترن بأوقات الصلاة.
الثاني: إنّ الأصل في غسل الاستحاضة أنّه للصلاة
والرواية الّتي هي دليل الصوم إنمّا دلّت على
اعتبار تلك الأغسال الثلاثة الثابتة للمستحاضة في صحّة الصوم
وكما لايشترط تقديم غسل الغداة على
الفجر في الصلاة
فلا يعتبر في الصوم أيضاً.
نعم ذكر الشهيد الثاني في روض الجنان بعد ما استقرب توقّف الصوم المقبل على غسل الليلة الماضية أنّ
الحقّ أنّها إن قدّمت غسل الفجر ليلاً أجزأها عن غسل العشاءين إذا تركته بالنسبة إلى الصوم
وإن
أخّرته إلى الفجر بطل الصوم هنا
وإن كان تقديم الغسل على الفجر غير واجب لولا ذلك
وهو مختاره في
المسالك والروضة كما نقلنا عنه سابقاً . وليس ببعيد بناءاً على ما ذكرنا أنّ ظاهر الرواية أنّ ترك
مجموع الأغسال الحاصل بترك بعضها مبطل
وإنّما نقول بصحّة ذلك بدليل التداخل
وإü لكان في الصحة
إشكال.
وممّا ذكرنا من أنّ الأصل مراعاة أغسال الصلاة ظهر أنّه لايجب الغسل للصوم إذا طرأت الكثرة بعد صلاة
الغداة إلى أن يدخل الزوال
وكذا بعد صلاة العصر إلى أن يدخل المغرب.
الثالث: إنّ الصوم لايصحّ من مسافر يجب عليه التقصير
بأن لايكون مقيماً عشرة أيّام أو متردّداً
ثلاثين يوماً

أو عاصياً بسفره
أو كثير السفر أو نحو ذلك إü في مواضع.
أمّا عدم صحّة الصوم من المسافر في الجملة فهو إجماع أصحابنا
مدلول عليه بالآيات والأخبار
المعتبرة المستفيضة جدّاً لاحاجة إلى ذكرها
وقد مرّ بعضها في كتاب الصلاة.
ومن جملتها صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن &: أنّه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم
فقال (
ليس من البرّ الصيام في السفر) والسؤال ليس بمخصص للجواب فيعمّ.
ومن جملتها ما دلّ على تلازم القصر والإفطار .
ومن جملتها رواية محمّد بن حكيم
قال: سمعت أباعبد اللّه &
يقول: ( لو أنّ رجلاً مات صائماً في السفر
ماصلّيت عليه) وسيجيء بعضها.
وأمّا استثناء بعض المواضع; فالأكثر على استثناء ثلاثة أيّام في بدل الهدي
والثمانية عشر بدل
البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً
والنذر المشترط سفراً و حضراً .
أمّا الأوّل; فيدلّ عليه مضافاً إلى قوله تعالى:
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحجّ
أخبار كثيرة
منها: مارواه الكليني في الصحيح
عن رفاعة بن موسى
قال: سألت أبا عبد اللّه &
عن المتمتّع لايجد
الهدي
قال: ( يصوم ثلاثة: قبل التروية بيوم
ويوم التروية
ويوم عرفة ) قلت: فإنّه قدم يوم التروية؟
قال:( يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ) قلت: لم يقم عليه جمّاله
قال:( يصوم يوم الحصبة وبعده يومين ) قال
قلت:وما الحصبة؟ قال:(يوم نفره).
قلت: يصوم وهو مسافر؟! قال:(نعم
أليس هو يوم عرفة مسافراً
إنّا أهل بيت نقول ذلك; لقول اللّه عزّوجلّ
فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ
يقول في ذي الحجّة) .
وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم
عن أحدهما }
قال: ( الصوم الثلاثة الأيّام إن صامها فآخرها يوم عرفة
وإن
لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتّى يصومها في أهله ولايصومها في السّفر) فقد حملها الشيخ على أنّه

لايجوز صومها معتقداً لأنّه لايسوغ له غير ذلك
بل يعتقد أنّه مخيّر بين أن يصومها في السفر وبين أن
يصومها اذا رجع إلى أهله .
ويؤيّده مارواه المفيد في المقنعة مرسلاً
عن الصادق & في آخر باب الزيادات قال: وسئل عمّن لم يجد
هدياً وجهل أن يصوم الثلاثة الأيّام
كيف يصنع؟ فقال &: (أما إنني لا آمره بالرجوع إلى مكّة
ولا أشقّ
عليه
ولا آمره بالصّيام في السفر
ولكن يصوم إذا رجع إلى أهله) فإن قوله &: (لاآمره) مشعر بالتخيير كما
يستفاد من صحيحة معاوية بن عمّار .
وأمّا الثاني; فهو فتوى كثير من الأصحاب
ويظهر من كثير منهم عدمه; لأنّهم حصروا الصوم المرخّص فيه
في غيره ولم يذكروه
كسùر
والسيّد في الجمل
والراوندي في فقه القرآن
والشيخ في الاقتصاد
وابن
حمزة
وابن زهرة .
وكيف كان فالمذهب هو الأوّل; لما رواه الكليني صحيحاً
عن ضريس الكناسي
عن أبي جعفر &
قال: سألته عن
رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس
قال:( عليه بدنة ينحرها يوم النحر
فإن لم يقدر صام ثمانية عشر
يوماً بمكّة
أو في الطريق
أو في أهله) .
وأمّا الثالث; فهو المشهور بين الأصحاب
بل وعن المنتهى أنّه لايعلم فيه مخالفاً
وتدلّ عليه صحيحة
عليّ بن مهزيار
قال: كتب بندار مولى إدريس: ياسيّدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت
فإن أنا لم أصمه
مايلزمني من الكفّارة؟ فكتب & وقرأته: (لاتتركه إلا من علّة
وليس عليك صومه في سفر ولامرض
إü أن تكون
نويت ذلك

وإن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين
نسأل اللّه التوفيق
لما يحبّ ويرضى) .
قال في المسالك: إنّه خبر مقطوع ضعيف
لكن العمل به متعيّن; لعدم القائل بخلافه
قال العلامة في
المنتهى بعد حكايته عن الشيخين : لانعلم لهما مخالفاً في ذلك .
أقول: لا وجه لتضعيف السند; لأنّه ليس فيه من يتأمّل فيه إü بندار
فإنّه مجهول
ولكنه غير مضرّ; لأنّ
الاعتماد على قراءة عليّ بن مهزيار كتابه.
والظاهر أنّ مراده من القطع هو الإضمار وجهالة المكتوب إليه
وهو أيضاً غير مضرّ; لأنّ مثل هذا الثقة
الجليل الوكيل لايروي ما لم يكن المكتوب إليه إماماً.
وكذلك المحقّق في المعتبر قال: ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهوراً .
قيل: ولعلّ وجه تضعيفها الإضمار
واشتمالها على مالم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا قيّد
الناذر به
واشتمالها على التصدّق على سبعة مساكين لكفّارة خلف النذر .
وفيه: أنّ خروج بعض أجزاء الرواية عن الحجيّة لايوجب سقوطها رأساً
مع أنّ الصدوق ذكر متن الرواية
كما هي في الفقيه
وظاهره أنّه فتواه
فالرواية مع عمل الأصحاب كافية في تمام المطلب.
واعلم أنّ تعلّق النذر بالسفر يتصوّر على وجوه:
أحدها: ماذكرنا
والظاهر أنّه لافرق فيه بين أن ينذر فعله في السفر خاصة
أو ينذر فعله سفراً وحضراً;
لشمول الصحيحة لهما.
والثاني: أن ينذر صوم يوم بعينه فاتّفق كونه مسافراً في ذلك اليوم
مثل أن ينذر صوم كلّ خميس
فاتّفق
الخميس في السفر
فالأشهر الأظهر عدم جواز الصوم.
وعن المرتضي والمفيد وسùر لزوم صومه; لعموم
أوفوا بالعهد

ويوفون بالنذر
وخصوص رواية إبراهيم بن
عبد الحميد
عن أبي الحسن &
قال: سألته عن الرجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى

قال: (يصومه أبداً في
الحضر والسفر) .
والجواب عن الأوّلين: أنّ المراد النذر والعهد الشرعيّان
وهو فيما نحن فيه أوّل الكلام; إذ النسبة
بين مادلّ على المنع من الصوم سفراً وما دلّ على رجحان الوفاء بالنذر عموم من وجه
والرجحان في متعلق
النذر معتبر
والشك في الشرط يستلزم الشكّ في المشروط.
وإنّما قلنا بالصحّة في الصورة الاُولى لأجل الصحيحة المتقدّمة
فالرجحان لمتعلّق النذر إنّما ثبت
بها
فالرجحان والصحّة حصلا بجعلٍ واحد
فلايرد أنّ صحّة النذر هناك أيضاً موقوفة على ثبوت الرجحان
وعمومات المنع عن الصوم في السفر تنفيه.
وعن الثاني: أنّها مع ضعفها مؤوّلة بما دلّت عليه صحيحة عليّ بن مهزيار معارضة بروايات كثيرة
منها
حسنة كرام ـ لإبراهيم بن هاشم
والظاهر أنّ كراماً هذا هو عبد الكريم بن عمر ووثّقه النجاشي مرّتين
لكنّه واقفي
فالحديث موثّق
مع أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير
وقد يروي عنه البزنطي أيضاً ـ قال
قلت
لأبي عبد اللّه &: إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم &
فقال:( صم
ولاتصم في السّفر) الحديث.
وموثّقة زرارة
قال: ( إنّ اُمّي كانت جعلت على نفسها للّه عليها نذراً; إن اللّه ردّ عليها بعض ولدها
من شيء كانت تخاف عليه فيه أن تصوم ذلك اليوم الّذي يقدم فيه مابقيت
فخرجت معنا مسافرة إلى مكّة
فأشكل علينا (لمكان النذر) أتصوم أم تفطر؟ فسألت أباعبد اللّه & عن ذلك
وأخبرته بما جعلت على نفسها
فقال: (لاتصوم في السفر
قد وضع اللّه عنها حقّه
وتصوم هي ماجعلت على نفسها) قلت: ما ترى إذا هي قدمت
وتركت ذلك؟ قال:( إنّي أخاف أن ترى في الّذي نذرت فيه ماتكره) .
وحسنته أيضاً عن أبي جعفر & بهذا المضمون
ورواية القاسم ابن أبي القاسم الصيقل .
والثالث: أن ينذر صوم أيّام معدودة
مثل شهر مثلاً
فلايصومه في السفر. ومقتضى بعض الأخبار المتقدّمة
عدم جوازه في السفر

وكذا موثّقة عمّار
قال: سألت أباعبداللّه & عن الرّجل يقول: للّه عليّ أن أصوم
شهراً
أو أكثر من ذلك أو أقلّ
فعرض له أمر لابدّ له من أن يسافر
أيصوم وهو مسافر؟قال: (إذا سافر
فليفطر; لأنّه لايحلّ له الصوم في السفر
فريضة كان أو غيره
والصوم في السفر معصية) .
وعبارة السيّد وسùر لاتشمل هذه الصورة.
وكيف كان فالمذهب عدم الجواز.
ثمّ إنّا قد ذكرنا أنّ الأكثر على الاقتصار في الاستثناء على الثلاثة المذكورة
وهنا قولان آخران:
أحدهما: للمفيد ـ قد نسبه إليه الفاضلان في المعتبر والمختلف والشهيد الثاني رحمه اللّه في الروضة
ـ
وهو جواز الصوم الواجب مطلقاً عدا شهر رمضان .
وربما استدلّ له بالأصل
وبما يستفاد من الأخبار أنّ الإفطار في السفر إنّما هو رخصة من اللّه وهدية
منه لعباده فيما أوجبه عليهم
ولايُعجِب أحد أن تُردّ هديته
وأمّا الصوم الذي يوجبه العبد من نفسه
على نفسه فلايجري فيه ذلك.
وفيه: أنّ ماذكر لايعارض به ماتقدّم من الأدلّة عموماً وخصوصاً.
والثاني: للصدوقين
وهو جواز صوم جزاء الصيد للمحرم
ولم نقف على مستنده. والتمسّك بأنّه (بدل عن
جبران وجب في الحرم فجاز صومه في السفر كصوم دم المتعة الثلاثة الأيام) قياس منقوض بالسبعة.
هذا الكلام في الصوم الواجب.
وأمّا المندوب; فاختلف فيه كلام الأصحاب
فالصدوق في الفقيه والمقنع ذهب إلى الحرمة
وهو المنقول عن
ابن البرّاج وابن إدريس
وذهب ابن حمزة إلى الجواز
والأكثر على الكراهة .
ولعلّ الأقوى الحرمة
كما ذهب إليه صاحب المدارك وبعض من تأخّر عنه أيضاً ; للأخبار الكثيرة
المعتبرة عموماً وخصوصاً
وقد مرّ كثير منها .
ومن جملتها صحيحة البزنطي
قال: سألت أباالحسن & عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن في سفر
قال:(فريضة ؟)
فقلت: لا

ولكن تطوّع كما يتطوّع بالصلاة
فقال: (تقول: اليوم وغداً؟) قلت: نعم
فقال:( لاتصم) وسيأتي
بعضها أيضاً.
ولعلّ دليل ابن حمزة هو رواية إسماعيل بن سهل
عن رجل
عن أبي عبداللّه &
قال: خرج أبو عبد اللّه & من
المدينة في أيّام بقين من شعبان
فكان يصوم
ثمّ دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر
فقيل له:
أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟! فقال: (نعم
شعبان إليّ إن شئت صمته وإن شئت لا
وشهر رمضان عزم من
اللّه عزّوجلّ على الإفطار) .
ورواية الحسن بن بسام الجمّال
عن رجل
قال: كنت مع أبي عبد اللّه & فيما بين مكّة والمدينة في شعبان
وهو صائم
ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر
فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم
واليوم من
شهر رمضان وأنت مفطر؟! فقال:( إنّ ذلك تطوّع
ولنا أن نفعل ماشئنا
وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إü ما
أمرنا) .
وأنت خبير بأنّه لايجوز تخصيص الأخبار المعتبرة بمثل هذين الخبرين الضعيفين القابلين للتأويل
مثل
أن يكون & أوجبه على نفسه بالنذر المقيّد بالسفر
فيكون مراده &: لنا أن نفعل ما شئنا من جعله منذوراً
مقيّداً بالسفر. وأمّا دليل الأكثر فهو الجمع بين الأخبار بحمل المنع على الكراهة في خصوص المندوب
وهو أيضاً غير جيّد; إذ لادليل على مطلق الجمع
مع أنّه يستلزم استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي
والمجازي
وإن أردنا من المنع فيها المرجوحيّة على سبيل عموم المجاز فمع أنّه مجاز لادليل عليه يسقط
الاحتجاج بها في جانب الصوم الواجب
مع أنّهم استدلّوا بها عليه.
وهذا كلّه مع أنّه يمكن توجيه الكراهة بأن يقال: إنّ المتبادر من كثير من الأخبار هو شهر رمضان
والاعتماد في غير الواجبات من مثل النذر وغيره على الأخبار الخاصّة بها
ويحمل ماورد في خصوص
التطوّع ـ كصحيحة البزنطي السابقة ـ على الكراهة

ويؤيّده استفصاله & فيها أوّلاً
فهاتان الروايتان
مع المسامحة في أدلّة السنن والشهرة بين الأصحاب وفهمهم للأخبار يقرّب هذا القول.
وكيف كان فالأحوط الترك; لدوران الأمر بين الحرمة والاستحباب.
ثمّ على القول بالحرمة فيستثنى منه الصوم ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة; للأخبار المستفيضة
منها
صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق & قال:(إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أوّل يوم الأربعاء
وتصلّي ليلة الأربعاء عند اُسطوانة أبي لبابة
وهي أُسطوانة التوبة الّتي كان ربط إليها نفسه حتّى
نزل عذره من السّماء
تقعد عندها يوم الأربعاء.
ثمّ تأتي ليلة الخميس التي تليها ممّا يلي مقام النّبيّ ْ ليلتك ويومك
وتصوم يوم الخميس.
ثمّ تأتي الأُسطوانة الّتي تلي مقام النّبيّ ْ ومصùه ليلة الجمعة فتصلّي عندها ليلتك ويومك
وتصوم
يوم الجمعة.
وإن استطعت أن لاتتكلّم بشيء منه في هذا الأيّام إلا ما لابدّ لك منه
ولاتخرج من المسجد إلا لحاجة
ولاتنام في ليل ولا نهار فافعل
فإن ذلك ممّا يعد فيه الفضل.
ثمّ احمد اللّه في يوم الجمعة واثن عليه
وصلّ على النّبيّ ْ
وسل حاجتك
وليكن فيما تقول: اللّهم ما
كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك
محمّد نبيّ الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها
فإنّك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء اللّه تعالى) .
وألحق المفيد ـ رحمه اللّه ـ مشاهد الأئمة { . ولم أعرف دليله.
وعن الصدوقين: إلحاق صوم الاعتكاف في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول ْ
أو مسجد الكوفة
أو مسجد
المدائن . وكذلك ابن إدريس .
الرابع: يصحّ الصوم من المريض
إن لم يتضرّر به.
أمّا الأوّل: فللعمومات وإطلاق الآية الدالّة على لزوم الإفطار للمريض مقيّداً بالأخبار والإجماع
ظاهراً.
بل المتبادر من الآية إنّما هو المرض المضرّ
فنفس المرض من حيث هو مرض لايوجب الإفطار وإن كان
شديداً
بل قد ينفعه الصوم.
وعلى ذلك تحمل موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه &: عن الرجل يجد في رأسه وجعاً من صداع شديد
هل يجوز له

الإفطار؟ قال: ( إذا صدع صداعاً شديداً
وإذا حمّ حمّى شديدة
وإذا رمدت عيناه رمداً شديداً
فقد حلّ
له الإفطار) فلاعبرة بمجرّد الشدّة.
وأمّا الثاني: فلعموم نفي الضرر والعسر والحرج
ولما رواه الصدوق في الصحيح
عن حريز
عن أبي عبد
اللّه &
قال: (الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر) .
وقال &: (كلّ ما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب) .
وفي الصحيح عن الوليد بن صبيح
قال: حممت بالمدينة يوماً في شهر رمضان
فبعث إليّ أبو عبد اللّه &
بقصعة فيها خلّ وزيت
قال لي: (افطر وصلّ وأنت قاعد) .
ويتحقّق الضرر بخوف زيادة المرض كيفاً
بأن يشتدّ الألم
وكما لو يبطؤ البرء أو يتجدّد مرض آخر
أو
بحصول نفس المشقّة
كزيادة العطش والتضجّر الشديد من الحرارة
وفي كثير من العبارات تحديده بما
لايتحمّل عادة
والأولى التعبير بما يشقّ تحمّله عادة.
ومن جملة ذلك: حصول الضعف كما دلّت عليه موثّقة سماعة
قال: سألته ما حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه
فيه الإفطار
كما يجب عليه في السفر
من كان مريضاً أو على سفر
؟ قال:(هو مؤتمن عليه
مفوّض إليه
فإن
وجد ضعفاً فليفطر
وإن وجد قوّة فليصمه
كان المرض ماكان) .
ويمكن القدح فيه: بأنّ المراد بالضعف العجز عنه بسبب المرض
لامطلق الضعف.
نعم روى في الكافي في الحسن
عن يونس
عن شعيب

عن محمّد بن مسلم قال
قلت لأبي عبد اللّه &: ماحدّ
المريض إذا نقه في الصيام؟ قال:(ذلك إليه
هو أعلم بنفسه
إذا قوي فليصم) .
ثمّ الإشكال في صورة العلم بحصول الضرر
والظاهر عدم الإشكال في حصول الظنّ به
وفي الاكتفاء
بالاحتمال وجه قويّ
بل ظاهر كثير من إطلاقاتهم ذلك
حيث عبّروا بخوف الضرر.
وربّما يستدلّ عليه بصحيحة حريز المتقدّمة
وهو مشكل بملاحظة تتمّة الرواية.
نعم رواها في الكافي في الحسن بدون التتمة
و للاستدلال به وجه. ويؤيّده مااخترناه في التيمّم من
الاجتزاء باحتمال الضرر.
وربما يستدلّ على وجوب الصوم بثبوته في الذمّة
فيستصحب حتّى يظهر المسقط
وليس إü العلم أو الظنّ
وهو ممنوع; لأصالة البراءة
لتجدد الخطاب كلّ يوم
والأصل عدمه.
فالأولى الاستدلال بالعمومات والإطلاقات إن قاومت ماذكرنا.
والمرجع في الظنّ إلى مايحصل به من أمارة أو تجربة
أو قول من يفيد قوله الظنّ ولو كان كافراً
وقد
يجد الإنسان من نفسه ذلك.
ويجوز اتباع كلّ ذلك كما يستفاد من الأخبار
ففي صحيحة ابن اُذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه &
أسأله ماحدّ المرض الذي يفطر صاحبه
والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة من قيام ؟ فقال: (بل الإنسان على
نفسه بصيرة
وقال: ذاك إليه
وهو أعلم بنفسه) .
وفي معناها موثّقة ابن بكير وغيرها
وفي آخرها: (هو أعلم بما يطيقه).
وفي الصحيح
عن بكر بن محمّد الأزدي
عنه &
قال: سأله أبي وأنا أسمع عن حدّ المرض الذي يترك الإنسان
فيه الصوم
قال:(إذا لم يستطع أن يتسحّر) .

وروى الصدوق في الفقيه
عن سليمان بن عمرو
عنه &
قال: (اشتكت اُمّ سلمة عينها في شهر رمضان
فأمرها
رسول اللّه ْ أن تفطر
وقال: عشاء الليل لعينك ردي) .
ثمّ إنّ الصحيح إذا خاف حدوث المرض بالصوم
هل يجوز له الإفطار أم لا؟ فيه إشكال
من جهة العمومات
والإطلاقات وعدم دخوله تحت قوله:
ومن كان مريضاً

ومن جهة نفي الضرر والحرج
وعموم قوله &: (كلّما
أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب) .
وقد يستدلّ عليه بصحيحة حريز المتقدّمة
وفيه إشكال; للزوم استعمال اللفظ في معنيين
وحمله على
القدر المشترك بعيد.
ولايبعد ترجيح إلحاقه بالمرض
ومال إليه في المدارك .
ثمّ إنّ كلّما ثبت الضرر وجب الإفطار
وإذا وجب الإفطار يبطل الصوم ويجب عليه القضاء وإن كان تكلّفه.
وأما رواية عقبة بن خالد
عن الصادق &: في رجل صام رمضان وهو مريض
قال:(يتمّ صومه ولايعيد
يجزيه) فمع
أنّها ضعيفة محمولة على المرض الّذي لايضرّ معه الصوم كما فعله الشّيخ
أو على الجاهل كما نقل عن
بعض الأصحاب القول بإجزائه عنه .
الخامس: قد عرفت أنّ الأقوى أنّ الصوم يصحّ من الصبيّ المميز وأنّ عباداته شرعية .
وأمّا الحدّ الّذي يجب فيه الصوم وسائر العبادات فيعرف باُمور:
منها: خروج المني من قُبله
ذكراً كان أو اُنثى
نائماً كان أو مستيقظاً
خرج بشهوة أم لا
يكون منه
الولد أم لا.
وما ورد في بعض العبارات من تقييد المني بما كان منه الولد فهو مسامحة
بل هذا التقييد إنّما يصحّ
للماء كما وقع في آخر.

وربما فرّق بينهما: بالرسوب في الماء فيكون منه الولد
بخلاف ما بقي عليه
والإجماع والنصوص به من
الكتاب والسنّة مستفيضة لاحاجة إلى ذكرها
وسيجيء بعضها.
أمّا الخنثى المشكل فلايعلم إü بخروجه من قُبليه; للشك في قبله
لاحتمال كون ماخرج منه المني عضواً
زائداً
فيحصل الشّك في الخروج منه
كما ذكره الشيخ والفاضلان . وتوقف في التحرير .
وعن المحقّق الثاني والشهيد الثاني بلوغه إذا أمنى من الذكر بعد مضيّ تسع سنين إن أمكن إمناء الذكر
فيه; لبلوغه إن كان ذكراً بالإمناء
وبتسع سنين إن كان اُنثى.
وقد يقال: إنّ خروج المنيّ من مخرج الذكر موجب للحكم بكونه ذكراً كما إذا بال منه فقط
فيتعيّن كونه
رجلاً إذا أنزل منه
وكذا الإنزال من مخرج الاُنثى. وهو قياس مع الفارق
ولايجدي مجردّ ذلك في الحكم
بالبلوغ.
نعم لو اعتاد بأحدهما لكان للإلحاق وجه لو لم تعارضه علامة أقوى.
والمعتبر في الإمناء الموضع المعتاد; لحمل إطلاق الشارع على المتعارف
فلاعبرة بغيره.
ويؤيّده تحديده ببلوغ النكاح في بعض النصوص.
ويشكل بما لو اعتاد بغيره
والظاهر الاكتفاء به.
وعن التذكرة: أنّ الحدّ الذي يمكن أن يكون الخارج منيّاً استكمال تسع سنين مطلقاً عند الشافعيّ
وفي
المرأة خاصّة عندنا
ولم يذكر لحدّه في الذكر عندنا شيئاً .
وفي كتاب حجر المسالك: ماوقفت له على حدّ يعتدّ به .
وفي التذكرة: فيه للشافعية وجهان آخران
ذكرهما الجويني أحدهما: مضيّ ستة أشهر من العاشرة
والثاني:
تمامها .
ثمّ قال في المسالك: ولايبعد أنّه مابعد العاشرة محتمل
وأفتى به المحقّق في كتاب اللعان من
الشّرائع
وأسنده في المسالك إلى العلامة والشيخ أيضاً .
ثمّ إنّ الاستعداد فقط لايكفي
بل لابدّ من الفعلية.
قال في المسالك: ولايجب التعريض للجماع لو ظنّ أنّه يمني به
نعم لو وجد على بدنه أو ثوبه المختص به

منيّاً حكم ببلوغه
ولو كان مشتركاً فلا
وهو كما ذكره.
ومنها: الإنبات
يعني خروج الشعر الخشن على العانة
وفي بعض العبارات حول الفرج
وهو أشمل
وهذا أيضاً
إجماعيّ كما عن الخلاف والغنية والتذكرة
ومصرّح به في الأخبار .
ولافرق بين الذكر والاُنثى والخنثى
ولابين المسلم والكافر عندنا إجماعاً
كما عن الخلاف والتذكرة .
وربّما نسب القول باختصاصه بالكافر إلى الشيخ
كما ذهب إليه بعض العامة ; لعدم إمكان الاعتماد على
قولهم في الاحتلام والسنّ
ولأنّه مورد تهمة في المسلمين; لأنّ به يحصل الاستقلال في التصرّفات
فقد
يستعجلون فيه بالعلاج دون الكفّار
فإنّ فيه ثبوت قتلهم وجزيتهم
فلايستعجلون فيه.
ولاعبرة بالزغب
وهو الشّعر الضعيف الذي ينبت قبل الخشن ثمّ يتساقط.
والمشهور أنّه علامة لسبق البلوغ
لاأنّه نفس البلوغ
وإü لما كانت الغاية في قوله تعالى:
حتّى إذا
بلغواالنكاح
و
إذا بلغ الأطفال منكم الحلم
غاية.
ولأنّ الإنبات قد يكتسب بالدّواء
ولايكتسب البلوغ.
ولأنّه تدريجي
والبلوغ ليس كذلك.
ويخدش في الأوّل: النقض بالسنّ
فإنّه تيقّن البلوغ
لا علامة سبقه.
والقول بأنّه مخرج بالأخبار والإجماع يجري في الإنبات أيضاً
فإنّ الأخبار فيه أيضاً موجودة
سيّما
ماورد مع السن بسياق واحد.

وأيضاً لو فرض العلم بعدم بلوغه السن
وحصل الإنبات
ولم يحصل الحلم قبله
سيّما إذا جرّب الجماع
فكيف يقال: هذا المنبت قد بلغ قبل ذلك
فإنّ المراد بالبلوغ حقيقة وإن كان هو المرتبة الّتي يستعد
المكلّف بسببها لإفاضة التكليف عليه من جهة الفهم والإدراك والقابليّة
ولكنّه لمّا كان مختلفاً
بحسب الأشخاص والأحوال
فجعل الشارع لذلك حدّاً محدوداً لايتجاوز عنه
وإن كان قد تكون مرتبة فهم من
هو دون هذه العلامة مساوية لمن هو فوقه; لأنّ بناء الشارع على حماية الحمى وسدّ الطرق.
فالمعتبر في البلوغ هو فعلية الاحتلام
لا الاستعداد
وإü لجرى القول بكونه علامة للسبق في الاحتلام
أيضاً
مع أنّه ليس كذلك جزماً
بل المراد من النكاح والحلم هو ماكان يحصل منه الولد كما هو مقصود
الشارع
وإü فمن المشاهد أنّ الصبيّ قبل البلوغ قادر على الجماع وإزالة البكارة بحيث لامجال للشكّ
في بلوغه النكاح والمراد منه الفعليّة; لعدم الانضباط بدونه
وهو خلاف الحكمة
إü أن يقال: المخبر
الصادق لما أخبر بأنّ غاية اليتم والصغر هو الاحتلام
وحكم بأنّ الأحكام تتعلّق به مع الإنبات فيحصل
لنا الجزم بفعليّة الاحتلام قبل ذلك
بأن يكون ذلك واقعاً في النوم من دون إطلاعه
وهو بعيد
وهذا
الحمل والتوجيه ليس بأولى من تخصيص عام الكتاب
سيّما مع أنّه مخصّص قبل ذلك بالسنّ جزماً.
وأمّا قولهم: إنّ الإنبات مكتسب
ففيه: أنّه لايخدش فيما ليس بمكتسب منه
وتحمل الأخبار على المعتاد
التابع للطبيعة.
وأما قولهم: إنّه تدريجي
ففيه: أنّ نموّه وتكثّره تدريجي
لانفس خروجه
والأصل أيضاً يقتضي كونه نفس
البلوغ.
نعم لما كان الاطلاع على أوّل ظهور الشعر من الجلد في غاية الندرة ونهاية الغرابة
وأنّ الغالب أنّه

لايطلع عليه إلا بعد طوله
سيّما إذا خرج حول المقعد وتحت الخصية
فلم يعتنوا بالنادر
ولاريب أنّ
الغالب أنّ الاطلاع بعد سبق البلوغ الذي هو أوّل الشروع في الخروج من الجلد
فيكون النزاع لفظيّاً.
ثمّ إنّ المشهور عدم اعتبار غير شعر العانة وماحول الفرج
مثل الإبط والفخذ وغيرهما
بل ظاهرهم
الإجماع في غير شعر اللحية.
قال في المسالك في كتاب الحجر: لاعبرة بغير شعر العانة عندنا
وإن كان الأغلب تأخّرها عن البلوغ إذا
لم يثبت كون ذلك دليلاً شرعياً
خلافاً لبعض العامّة و .
وقال في الروضة: وفي إلحـاق اخضـرار الشارب ونبات اللحية بـالعانة قول قوي .
وعن المبسوط أنّه قال: ولاخلاف أنّ إنبات اللحية لايحكم بمجرده بالبلوغ
وكذا سائر الشعور
وفي
الناس من قال: إنه علم على البلوغ
وهو الأولى; لأنّه لم تجر العادة بخروج لحيته من غير بلوغ .
وفي التحرير: والأقرب أنّ إنبات اللحية دليل على البلوغ
أما باقي الشعور فلا .
وعن االتذكرة: ولااعتبار بشعر الإبط عندنا
وللشافعي وجهان هذا أصحهما; إذ لو كان معتبراً في البلوغ
لما كشفوا عن المؤتزر; لحصول الغرض من دون كشف العورة
والثاني أنّ نباته كنبات شعر العانة; لأنّ
إنبات العانة يقع في أوّل تحريك الطبيعة في أوّل الشهوة
ونبات الإبط يتراخى عن البلوغ في الغالب
فكان أولى بالدلالة على حصول البلوغ
وأما نبات اللحية والشارب فإنّه أيضاً لاأثر لهما في البلوغ
وهو أحد وجهي الشافعية
والثاني: أنّهما يلحقان بشعر العانة
وبعض الشافعية ألحق شعر الإبط بشعر
العانة
ولم يلحق اللحية والشارب بالعانة
وأمّا ثقل الصوت ونهود الثدي ونتوء طرف الحلقوم وانفراق
الأرنبة فلا أثر له
كما لا أثر لاخضرار الشارب
وهو أحد قولي الشافعية
والثاني: أنّه يلحق بشعر
العانة
ولابأس به عندي بناءاً على العادة القاضية بتأخّر ذلك عن البلوغ

انتهى.
وفي صلاة كتاب التهذيب: البلوغ يعتبر في أشياء
منها: الاحتلام
فمن تأخّر احتلامه اعتبر بما سواه من
الإشعار والإنبات وماجرى مجراهما
أو كمال العقل وإن خلا عن جميع ذلك .
أقول: ونفي الخلاف الّذي نقلناه عن المبسوط إنّما هو في عدم كونه نفس البلوغ
بحيث إذا فرض حصوله قبل
السنة العاشرة مثلاً فلايحكم بالبلوغ
وأما لو فرض حصوله لمن يحتمل وصوله في السنّ إلى حدّ البلوغ
أو في استعداد الإنزال والإنبات
فالظاهر أنّه علامة السبق بملاحظة الغلبة.
وكذلك عبارة المسالك
سيّما بملاحظة فتاويهم المذكورة في شعر الإبط واللحية وكمال العقل وغيرها مما
نقلنا
فلم يعلم الإجماع على عدم كونها علامة لسبق البلوغ.
وكيف كان فالأصل دليل قوي لايجوز الخروج منه إü فيما دلّ الدّليل
ولم يدلّ في أكثر المذكورات.
نعم لايبعد إلحاق شعر اللحية والشارب من جهة رواية الكناسي وحمران الآتيتين إذا لم يكن مخالفاً
للمعتاد.
ثمّ هل يجب على الصبيّ التفحّص عن الإنبات مع احتماله أم لا؟لم أقف على من تعرّض للمسألة
ومقتضى
اشتراط التكليف بالبلوغ عدمه; إذ وجوب الفحص حكم شرعي يتوقّف تعلّقه بالإنسان على البلوغ مثل سائر
الواجبات
فهو يشتمل على نوع من الدور
فلا بدّ أن يقال: إنّما يتعلّق التكليف على من ظهر عليه
الإنبات
لا على من أنبت في نفس الأمر مطلقاً.
ويمكن أن يقال: هذا التكليف مستثنى من مطلق التكليف
وإنّما هو مشروط بالفهم لابالبلوغ
فكما أنّ
البلّغ مكلّفون في الواجبات المشروطة بالتفحّص عن الشرط كما حقّقناه في غير موضع من تأليفاتنا
ولايتوقّف وجوبها على العلم بالشرط
بل منشأ الوجوب إنّما هو وجوب الشرط
وقد أشرنا إليه في كتاب
الزكاة من هذا الكتاب أيضاً في معرفة النصاب ومقدار ماتعلّقت به الزكاة في الدراهم المغشوشة
وفروعه في الفقه في غاية الكثرة
فكذلك الفاهمون أيضاً في بعض التكاليف.
ومنه معرفة أنّه هل بلغ أم لا
وتعلّق به التكليف أم لا؟ ولعلّ الفقهاء كان ذلك مفروغاً عنه عندهم
ولذلك لم يتوجّهوا إليه. وكذلك الكلام في الفحص عن السنّ.
وأمّا التفاتهم إلى مسألة لزوم التعرّض للإجماع أم لا

فلعلّه لأجل الإشكال في أنّه هل المعيار في
استعداد الحلم وزمانه كما يظهر من الراغب في مفرداته
حيث فسّر الحلم كما في الآية بذلك
أو فعليته.
فالحقّ أنّ المعتبر فيه الفعلية كما بيّنا.
ومنها: السنّ
وهو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر وتسع في الاُنثى على المشهور
بل قال في المسالك في
الأوّل: كاد أن يكون إجماعاً وعن صريح الغنية دعوى الإجماع
وكذا عن ظاهر الخلاف والتذكرة .
وقال في كنز العرفان: في قوله تعالى:
حتّى إذا بلغوا النكاح
إنّه أشار إلى غاية الحجر بقوله تعالى:
حتّى إذا بلغوا النكاح
وهو حال البلوغ
أي أوان يصلح له أن ينكح
بأن يحتلم
أو يبلغ خمس عشرة سنة
عندنا وعند الشافعية ; لقوله ْ: (إذا بلغ المولود خمس عشرة سنة
كتب ما له وما عليه
واُقيمت عليه
الحدود) .
ثمّ قال: وأمّا الاُنثى فعندنا تسع سنين.
ثمّ قال: ورواية ابن عمر عن النبيّ ْ أنّه ردّه عن الجهاد عام بدر وله ثلاث عشرة سنة
ثمّ ردّه في اُحد
وله أربع عشرة سنة
وعرض عليه في الخندق وله خمس عشرة سنة
يدلّ على قولنا
انتهى.
وقيل: ببلوغ أربع عشرة سنة .
وقيل: بكمال ثلاث عشرة سنة
والدخول في الرابعة عشرة .
والأقوى الأوّل; للأصل
ولظاهر الإجماعات
ولخصوص الرواية السابقة المنجبرة بالعمل.
وصحيحة معاوية بن وهب
قال: سألت أبا عبد اللّه & في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟فقال: (مابينه وبين خمس
عشرة سنة وأربع عشرة سنة
فإن هو صام قبل ذلك فدعه
ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته) .
وجه الدلالة: أنّ الظاهر من الرواية أنّه يؤخذ الصبي الذي هو بهذا السنّ وهذا السنّ
ولامعنى

للتخيير في الزائد والناقص في مثل هذا المقام في الحتم
فلابدّ من حمل الأربع عشرة على التمرين كما
يقتضيه السياق أيضاً
ولامعنى لحمل الخمس عشرة على الاستحباب وغيره
هذا على ما في الكافي والفقيه .
وأمّا التهذيب فقال: ( مابين خمس عشرة أو أربع عشرة) فدلالتها ضعيفة
ولكن الإسقاط أظهر من الزيادة
والكليني أضبط من الشيخ.
وما رواه الشيخ بسند صحيح إلى أبي أيوب الخزاز
عن يزيد الكناسي
عن أبي جعفر & في حديث طويل قال: (نعم
إذا أُدخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم
ودفع إليها مالها
واُقيمت الحدود التامّة
عليها ولها) قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية ؟فقال:( يا أبا خالد
إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه
ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة
أو يشعر في وجهه
أو ينبت في عانته قبل ذلك) .
وليس في السند من يتأمل فيه إü يزيد الكناسي
وقد قال الصدوق: إنّ كتابه موضوع
وغلّطه ابن الغضائري ـ
مع أنّه لايسلم عن قدحه كثير من الأكابرـ وقال: إنّي أعلم أنّ كتابه مسموع من ابن أبي عمير
مع أنّ
الكليني والشيخ كثيراً مايرويان عنه
وقال الشيخ أيضاً: يروي عنه ابن أبي عمير
وقال الشيخ في شأنه:
لايروي إü عن ثقة .
وما رواه أيضاً عنه
عن عبد العزيز العبدي
عن حمزة بن حمران
عن حمران ـ وعبد العزيز له كتاب يرويه
عنه جماعة
منهم الحسن بن محبوب كما ذكره النجاشي
وكذلك ذكر في حمزة أنّ له كتاباً يرويه عنه صفوان
بن يحيي
فالسند لايخلو من اعتبارـ قال: سألت أبا جعفر & قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود
التامّة وتقام عليه ويؤخذ بها؟فقال:(إذا خرج عنه اليتم وأدرك) قلت: فلذلك حدّ يعرف؟ فقال:(إذا احتلم
أو بلغ خمس عشرة سنة
أو أشعر
أو أنبت قبل ذلك
اُقيمت عليه الحدود التامّة

واُخذ بها
و اُخذت له)
قلت: فالجارية متى تجب عليها الحدود واُخذت بها واُخذت لها؟ قال: ( إنّ الجارية ليست مثل الغلام
إنّ
الجارية إذا تزوّجت ودُخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم
ودفع اليها مالها
وجاز أمرها في الشراء
والبيع
واُقيمت عليها الحدود التامّة) الحديث.
وبهذا الأسناد رواه في الكافي أيضاً .
وما رواه الكليني والشيخ بالإسناد المتقدّم
عن أبي أيّوب
عن يزيد الكناسي
عن أبي جعفر &
قال:(
الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم
وزوّجت
واُقيمت عليها الحدود التامّة
إلى أن قال: أمّا
الحدود الكاملة الّتي يؤخذ بها الرّجال فلا
ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه
فيؤخذ بذلك
مابينه وبين خمس عشرة سنة) .
وروى الصدوق في الخصال عن أبي عبد اللّه &
قال: (يؤدّب الصبي على الصوم مابين خمس عشرة إلى ستّ عشرة) .
وأمّا مايدلّ على اعتبار بلوغ أربع عشرة سنة
فلعلّه مارواه الشيخ
عن عيسى بن زيد
عن جعفر بن محمّد
&
قال: (قال أميرالمؤمنين &: (يثغر الصبي لسبع
ويؤمر بالصلاة لتسع
ويفرّق بينهم في المضاجع لعشر
ويحتلم لأربع عشرة
وينتهي طوله لإحدى وعشرين
وينتهى عقله لثمان وعشرين إü التجارب) وهي مع ضعفها
سنداً ودلالة ـ لأنّ حصول الاحتلام فيه لايثبت البلوغ لمن لم يحتلم بعد ـ لاتقاوم أدلّة المشهور.
وأما مادلّ على بلوغ ثلاث عشرة سنة صحيحة عبد اللّه بن سنان
عن أبي عبد اللّه &
قال:( إذا بلغ أشدّه
ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين
احتلم أو لم يحتلم

وكتبت عليه
السيئات
وكتبت له الحسنات
وجاز له كلّ شيء
إü أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً) .
وعنه في الموثّق
عنه &
قال: سأله أبي وأنا حاضر عن قول اللّه عزّوجلّ:
إذا بلغ أشدّه
قال:( الاحتلام)
فقال: يحتلم في ستّ عشرة سنة سبع عشرة سنة ونحوهما؟ فقال: (لا
إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة
كتبت له
الحسنات
وكتبت عليه السيئات
وجاز أمره
إü أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً) .
ولايبعد حملهما على إرادة أنّه يمكن أن يحتلم في هذا السنّ.
وأيضاً في الموثّق
عن آدم بياع اللؤلؤ
عن عبد اللّه بن سنان
عن الصادق &
قال: (إذا بلغ الغلام ثلاث
عشرة سنة
كتبت له الحسنة
وكتبت عليه السيئة
وعوقب
وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك) .
وتدلّ عليه رواية أبي حمزة
عن الباقر &
وموثقة عمّار الساباطي عن الصادق & أيضاً .
وهذه الأخبار وإن كانت كثيرة معتبرة الأسناد
لكنها لاتقاوم أدلّة المشهور; لمخالفتها للاُصول وعمل
الأصحاب
وموافقة أدلة المشهورـ مع اعتبار سند بعضها وانجبار ضعف الباقي بالشهرة ـ للعمل
والاُصول
ونفي العسر والحرج
وظاهر الإجماعات المنقولة.
وأمّا بلوغ التسع للمرأة
فقد نقل الخلاف فيه عن كتاب صوم المبسوط وابن حمزة حيث جعلاه بلوغ العشر
وعن كتاب حجر المبسوط موافقة المشهور
وجعل العشر رواية . وقد يؤول بأنّ مراده بلوغ رأس العاشرة.

والأقوى المشهور
وادّعى عليه ابن إدريس الإجماع
وكلام المقداد أيضاً ظاهر فيه كما مرّ .
ويدلّ عليه ما مرّ من الأخبار.
ولعلّ حجّة القول الآخر: رواية غياث بن إبراهيم
عن جعفر
عن أبيه
عن علي &:(لاتوطأ جارية لأقل من عشر
سنين
فإن فعلتَ فغيبت فقد ضمنت) ولادلالة فيها على المطلوب.
وروى زرارة
عن أبي جعفر &
قال:( لايدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين) .
وروى محمّد بن مسلم
قال: سألته عن الجارية يتمتّع بها الرّجل
قال: (نعم
إلا أن تكون صبيّة تخدع) قال:
قلت: أصلحك الله
فكم الحد الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال: (بنت عشر سنين) .
ولادلالة في هذه الأخبار على المطلوب
و لعلّها لبيان الحدّ الذي يجوز الدخول; لاختلافهنّ في صغر
الجثة و كبرها
وهذا ليس معنى البلوغ
على أنّ الظاهر من رواية محمّد بن مسلم بيان الرشد لا البلوغ.
وكيف كان
فهذه الروايات مع ضعفها سنداً و دلالة لاتقاوم أدلّة المشهور
فلتطرح
أو تؤوّل بما ذكرنا.
وأمّا الأخبار الدالّة على اعتبار سبع سنين و ثلاث عشرة سنة فهي مهجورة لا يلتفت إليها.
ثمّ اعلم أنّ مرادهم من بلوغ الخمس عشرة سنة في الرجل و التسع في الاُنثى إكمالها
لا الدخول فيها
كما هو ظاهر الروايات; لأنّ الخمس عشرة مثلاً اسم لمجموع العدد.
نعم لو قيل: بلوغ الخامسة عشرة
لكان الإشكال متجهاً كما لايخفى
بل الظاهر أنّه لاخلاف في ذلك
كما
يظهر من كلمات جماعة
منهم الشهيد الثاني
حيث نسبه إلى فتوى الأصحاب وهو منقول عن الخلاف والغنية
والوسيلة والتذكرة والظاهر كونه إجماعياً
و هوموافق للأصل أيضاً.
والمعتبر الهلالية كما في سائر النظائر

و هو المعهود في شرعنا كما نصّ عليه في المسالك و غيره .
وأما بلوغ الخنثى المشكل بحسب السن
فهو أيضاً بلوغ خمس عشرة; للأصل
و لم نقف على مخالف فيه.
ومنها: الحيض و الحمل
و لم نقف في كونهما علامة للبلوغ على خلاف
و لكن الإشكال في أنّهما نفس البلوغ
أو علامة لسبقه
فالظاهر أنّ المشهور هو الثاني
بل ادّعى في المسالك عليه الإجماع .
و ظاهر التحرير أيضاً عدم الخلاف
حيث قال في كتاب الحجر: السنّ يتحصل منه البلوغ
إلى أن قال: الحيض
دلالة على البلوغ بلاخلاف
وكذا الحمل
وكذا يظهر ذلك من ابن إدريس .
و عن ظاهر المبسوط: أنّ الحيض نفس البلوغ .
و أمّا الحمل فلم يذكروا فيه خلافاً.
والذي ذكروه في وجهه: أنّ الحيض لايكون إلا مع كمال التسع إجماعاً
فلايتحقّق الحيض إلا بعد كماله
فظهر أنّها بالغة قبل الحيض.
وفي الحمل أنّه مسبوق بإنزال الماء; لقوله تعالى:
أمشاج نبتليه
و
يخرج من بين الصلب و الترائب
و هو
نفس البلوغ.
وربّما يورد على الأوّل بالدور; لأنّ معرفة كون الدم حيضاً موقوف على معرفة كمال التسع الذي هو نفس
البلوغ
فإذا عُرف البلوغ به لزم الدور.
ويندفع: بأنّ ذلك في مجهولة السن التي يمكن أن يكون دمها حيضاً فبالإمكان يحكم بكونه حيضاً
و بعد
ذلك يحكم بكونها بالغة بالتسع كمالاً.
ويرد على الأوّل: إمكان المقارنة دفعة
فلا يثبت السبق
و السبق الذاتي من جهة العليّة ـ كسبق حركة
اليد على المفتاح ـ لو سلّم فلا يثمر في الفروع الفقهية
والذي ذكروه من الفروع هو صحّة العقد الذي
وقع مقارناً لمبدأ الحيض أو انعقاد النطفة
و هو مع ندرته و ندرة الإطلاع عليه خصوصاً في انعقاد
النطفة يشكل باحتمال وقوع أوّل الصيغة قبل البلوغ
إلا أن يكون نظرهم إلى تقديم الظاهر على الأصل

و
له وجه.
وأمّا الكلام في الحمل; فقد ذكر فيه أنّه مسبوق بالإنزال من المرأة
و أنّ عادة الله جرت على أنّ
المرأة لاتحبل حتى يتقدّم منها حيض.
وفيه: مع ما تقدّم من إمكان المقارنة أنّ المعتبر من الحيض و المني ما يخرج من المخرج
لاما ينزل في
الرحم و تخلّق فيه. و كيف كان فالنزاع في المسألة قليل الفائدة.
و أما الخنثى المشكل فتحيّضها بمجرّده لايدلّ على البلوغ
إلا إذا أمنى من مخرج الذكر كما عن الأكثر
و هو كما ذكروه.
وقد يقال هنا بطريق نظير ما تقدّم في الإنزال من أنّ خروج الحيض من مخرج الاُنثى دليل على كونها
اُنثى
كما إذا بالت منه
و أن خروج الحيض من الرجل محال
فكان دليلاً على التعيين
و متى ثبت التعيين
كان دليلاً على البلوغ
كما أنّ خروج المني من مخرج الذكر من الاُنثى محال
فيكون دليلاً على رجولية
الخنثى.
أقول: أما الأوّل فهو قياس.
و أما الثاني فهو استبعاد يدفعه وقوع أعجب منه
و هو الإيلاد لآخر مع إيلاد الآخر منها كما في قصة
شريح
و هذا القول منسوب إلى بعض العامة
و ارتضاه في المسالك
وهو غير جيد
نعم لو اعتاد بذلك فيمكن
الاعتماد.
وأما ما قيل من أنّ خروج الحيض والمني من المخرجين يوجب التعارض والتساقط ففاسد; إذ لا يخرج الشخص في
نفس الأمر عن الرجل و المرأة عند الشارع
فما لايلتبس من أجله الحكم
فلا وجه لعدم اعتباره من أجله.
تذنيبان
الأوّل: طريق معرفة البلوغ بالسن لمن لم يضبطه البينة أو الشياع.
وأما ادّعاء الصبي ذلك أو إقراره فقال في القواعد: و لوادّعى أنّه بلغ بالاحتلام في وقت إمكانه صدّق
من غير يمين
وإü دار
ولو ادّعاه بالسن طولب بالبينة
و مثله قال في التحرير .
وقال في الشرائع: ولايقبل إقرار الصبيّ بالبلوغ حتى يبلغ الحدّ الذي يحتمل البلوغ .

وظاهر إطلاقه يشمل إقراره بالسن.
وفي التذكرة: و لو ادّعى البلوغ بالسن طولب بالبينة لإمكانها
و لو كان غريباً أو خامل الذكر اُلحق
بدعوى الاحتلام
يعني يسمع; لعُسر إقامته البينة عليه كالمني . و نقله في الدروس ساكتاً عليه مشعراً
بالتوقّف .
وفي الروضة: أنّه تُقبل دعواه
وأطلق .
وفي المسالك بعد نقل كلام التذكرة: و الأظهر أنّه لا يقبل بدون البينة; لإمكان إقامتها عليه في جنس
المدّعى
و لاينظر إلى حال المدعي و عجزه مع كون الجنس في ذاته مقدوراً.
قال: و يمكن حمل كلام المصنف على دعوى البلوغ
و وجه قبوله أنّ طريقه مما يرجع إليه في الجملة
و هذا
متجه.
ثمّ قال وفاقاً للتذكرة: و في الحقيقة دعوى الصبي البلوغ بالاحتلام و غيره أومطلقاً ليس إقراراً;
لأن الإقرار إخبار عن ثبوت حقّ عليه للغير
و نفس البلوغ ليس كذلك
و لهذا يطالب مدّعي البلوغ في السن
بالبيّنة
واختلفوا في تحليف مدّعيه بالاحتلام
و المقرّ لايكلّف البيّنة و لا اليمين. نعم قد
يتضمّن الإقرار من حيث إنّه يستلزم الاعتراف بالحقوق المنوطة بالبلوغ
و ذلك لايقتضي كونه بنفسه
إقراراً.
ثمّ قال أيضاً موافقاً للتذكرة: و أيضاً فإنه على تقدير قبول قوله يحكم ببلوغه سابقاً على قوله
فلايكون إقراره إقرار الصبي إü من حيث الظاهر
ولكن الأمر هنا سهل; لجواز وصفه بالصبي من هذا الوجه
فإنّه حال الإقرار كان محكوماً بصباه
و إنّما كشف تمام إقراره عن عدم صباه
و ذلك حكم متأخّر عن حالة
الإقرار .
أقول: الصبيّ المذكور حين الإقرار صبيّ
وثبوت كون إقراره في حال البلوغ بقول نفسه موقوف على كون
قوله مقبولاً حين الإقرار
و هو أوّل الكلام.
والظاهر عدم الفرق بين كون إخباره من باب الدعوى أو الإقرار أومطلق الإخبار
و كلّها مشروطة
بالكمال.
والقول (بأنّ الصبي إذا كان عاقلاً يشمله عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز
فإن العقل قد ينفك عن
البلوغ) مما لا أجد له مسرحاً في النظر السليم; إذ هو مستلزم للتخصيص الذي لايرضى به المحقّقون

بالنسبة إلى هذا النوع من أنواع العام; إذ لاريب في عدم سماع إقرار الصبي إü في مثل الوصيّة بالمعروف
عند من جوّزها له.
فالأظهر عدم قبول قوله
إلا بالبيّنة أو الشياع; لأنّ الأصل عدم ثبوت حقّ على غيره في صورة كون
إخباره من باب الدعوى
و كون غرضه إثبات حقّ على الغير.
وتقديم قول أحد المتداعيين إذا كان قوله مما لايطّلع عليه أحد غيره
إنما يعتبر فيما كان جنسه كذلك
لتكون القاعدة مطّردة
فلاعبرة بكونه غريباً أو خامل الذكر.
ولايحسن القول بأنّ هذا أيضاً كلّي مطرد
و ليس بجزئي حتى لايعتبر; لأنّ لكلّ جزئي من جزئيات الدعوى
يمكن اعتبار أمر كلي
مثل أن يقال: من لم يكن غريباً و لاخامل الذكر و لكن مات شهوده أو خاف شهوده يجري
فيه ذلك
فيقال: كلّ من مات شهوده أو خاف فلايمكن الاطلاع على قوله إلا من جهته
و هكذا.
وأمّا إن تضمّن إخباره إقراراً على نفسه; فلما ذكرنا أنّ إقرار الصبي لايسمع على نفسه
و إنّما
اختلفوا فيه مع إذن الولي
و المفروض أنّه حال الإقرار محكوم بكونه صبيّاً.
وأمّا الإخبار المطلق فهو أيضاً مشروط بالبلوغ.
و أمّا بالنسبة إلى معرفة حال نفسه بالنسبة إلى التكاليف فهو أمر بينه وبين الله
و عليه اتباعه
فتجب عليه العبادات مثلاً بإقراره بينه و بين الله.
ولكن لايثبت وجوب الأمر و النهي للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بمجرد ذلك.
وكذلك لايجب على وليّه لو مات قبل ثبوت بلوغه بالبينة قضاء صلاته الفائتة على القول بعدم اختصاص
الولاية بابنه الأكبر أومطلقاً إذا فرض اطلاع ابنه الأكبر على إقراره كذلك; إذ هو بالنسبة إليه
إقرار على الغير فلا يسمع.
ثمّ إنّ الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ قال في الروضة: و في قبول قول الأبوين أوالأب في السن وجه
و
لعلّ وجهه أنه لايعرف إü من قبلهما ـ كما قيل ـ كالاحتلام منه.
وفيه نظر
ولو قُبِلَ فالاُم أولى بالقبول
فالصواب جعلهما من باب الشاهد لو اتصفا أو اتصف أحدهما
بصفته.
وأمّا الاحتلام فيثبت بالبيّنة و الشياع أيضاً; لإمكان حصول العلم للغير به
و بقوله مع الإمكان
كما
اختاره الفاضلان و الشهيدان
لأنّه أمر لايعرف غالباً إü من قبله.
ثمّ اختلفوا في تحليفه

فذكر العùمة و غيره أنّه لايحلف
و إü دار; لأنّ صحّة اليمين مشروطة بكون
الحالف بالغاً; لرفع القلم عن الصبيّ
فيتوقّف على الحكم بالبلوغ
ولو توقّف الحكم البلوغ على
اليمين لزم الدور.
و ما ذكره الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في الدروس في دفعه (بأنّ اليمين موقوفة على إمكان البلوغ
والموقوف
على اليمين هو البلوغ فتتغاير الجهة) فهو مدفوع بمنع كفاية إمكان البلوغ في اليمين.
أقول: ويمكن أن يكون نظره ـ رحمه الله ـ إلى صورة الدعوى ووجود المزاحم
فحينئذٍ معنى قبول قوله أنّه
يصير من قبيل المنكر
وكلّما يقال في المنكر (القول قوله) فالمراد مع اليمين; لعموم قوله &: (البيّنة
على المدّعي
و اليمين على المدّعى عليه) إذ من المواضع التي يجعل أحد المتداعيين منكراً هو ما كان
الفعل فعله
و كان مما لا يطّلع عليه غيره غالباً.
فالأولى منع قبول قوله لما دلّ على رفع القلم عن الصبي حتّى يبلغ
و عدم كفاية الإمكان و الاحتمال
و
بعد قبول قوله فالأظهر الاحتياج إلى اليمين.
وكذلك الكلام في دعوى الصبية الحيض مع الإمكان على الوجه الذي حقّقناه سابقاً من اعتبار ذلك في
مجهولة السن
لئلا يلزم الدور.
والكلام في التحليف أيضاً كما تقدّم
والوجه عدم القبول; لعموم رفع القلم
و ما دلّ من الأخبار على
أنّ الحيض و العدّة إلى النساء إنما هو فيمن بلغت.
و أمّا الإنبات فلايثبت بقوله; لإمكان المعرفة بالاختيار للاضطرار
بل اختياراً على المشهور من عدم
كون محلّه عورة
و لم نقف على مخالف فيه
و يثبت بالبينة و الشياع.
الثاني: يستحبّ تمرين الصبيّ و الصبيّة على العبادات استحباباً
و المراد به حمله على العبادات قبل
البلوغ ليعتاد عليها
و يقوى عليها
حتّى يسهل عليه الأمر بعد البلوغ
ويصلب عليها.
و هو مأخوذ من المرانة بمعنى العادة
أو من قولهم: مرنت يده على العمل
إذا صلبت

و الأصل الاستحباب
مما لا إشكال فيه.
إنّما الخلاف في مبدأه
و قد أشرنا في أوّل الكتاب إلى اختلاف الأخبار في مبدأ الصلاة.
وأما الصوم فذكر جماعة أنّ مبدأه سبع سنين مع الطاقة
و لكن جعلها جملة منهم مبدأ التشديد.
و ذهب جماعة إلى أنّ مبدأه التسع.
و قال المفيد: و يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ
الحلم
بذلك جاءت الآثار .
حجّة الأوّلين: حسنة الحلبي
عن أبي عبد اللّه &: (إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين
بما أطاقوا من صيام اليوم
فإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل
فإذا غلبهم العطش والغرث
أفطروا
حتّى يتعوّدوا الصيام و يطيقوه
فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين ما أطاقوا من صيام
فإذا غلبهم العطش أفطروا) .
وهذه الرواية تدلّ على أفضليّة السبع
لاعلى اختصاصه بأولادهم {
حتّى أنّه لا يستحب لغيرهم
كما
فهمه الآخرون.
ويدلّ على الرجحان قبل السبع أيضاً و إن لم يكن مشدّداًًًًًًًً مضافاً إلى إطلاق صحيحة معاوية بن
وهب المتقدّمة سابقاً
و صحيحة زرارة و الحلبي
و حسنتهما
عن أبي عبد اللّه &: أنّه سئل عن الصلاة على
الصبي متى يصلّى عليه؟ فقال: (إذا عقل الصلاة) قلت: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: (إذا كان ابن ست سنين
والصيام إذا أطاقه) .
وقويّة عثمان بن عيسى
عن سماعة
قال: سألته عن الصبيّ متى يصوم؟ قال: (إذا قوي على الصيام) .
والمستفاد من الخبرين و غيرهما أنّ المعيار هو الطاقة
و أنّ ذكر السبع مثلاً قد ورد مورد الغالب
و
قد عرفت أنّ الطاقة لبعض اليوم أيضاً تكفي في استحبابه صريحاً من الحسنة المتقدّمة.
وأمّا دليل المفيد فرواية السكوني
عن الصادق &
قال: (إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيّام متتابعة
فقد

وجب عليه صيام شهر رمضان) .
و عن الصدوق: أنّه فهم من ذلك أنّه إذا أطاق ذلك اٌُخذ بصيام كلّ الشهر
و كذا المفيد في موضع من
المقنعة
و هو بعيد.
و أما القول باستحباب أخذ الصبي بالصيام إذا كان ابن ست سنين بالخصوص كما في المعتبر
لعلّه فهم ذلك
من صحيحة زرارة و الحلبي المتقدّمة: (إذا كان ابن ست سنين تجب الصلاة عليه و الصيام)
فهو معطوف على
الصلاة المقدّرة بقرينة المقام
و لكنه مقيّد بالطاقة
و ليس بذلك البعيد
فليس ذلك من باب القياس
على الصلاة كما قد يتوهّم
والمراد من وجوب الصلاة الثبوت
فهو بيان لتعقّله للصلاة
و أوّل الرواية
سؤال عن صلاة الميت.
تنبيهات:
الأول: لايحضرني كلام منهم في تمرين المجنون
وقال في الروضة: و أمّا المجنون فينتفيان في حقّه ـ
يعني شرعيّة عبادتهم و صحّتها ـ لانتفاء التمييز
و التمرين فرعه
قال: و يشكل ذلك في بعض المجانين;
لوجود التمييز فيهم .
أقول: والعلّة المستفادة من بعض الأخبار المتقدّمة و كلماتهم من حصول التسهيل عليهم بعد البلوغ
يشعر بعدمه فيهم
إü أن يكون جنونهم دورياً
فيمكن حصول الثمرة فيهم وقت الإفاقة
فيمكن القول برجحان
تمرينهم في حال الجنون لحال الإفاقة
و لكن المقام لايصفو عن شوب الإشكال.
الثاني: اختلفت كلماتهم في نيّة الصبي في الواجبات
اختار العلامة في التذكرة و التحرير نيّة الندب;
لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله
فلاينوي غيره .
وقال الشهيد في الذكرى: و هل ينوي الوجوب أو الندب؟ الأجود الأوّل; ليقع التمرين موقعه
قال: و يكون
المراد بالوجوب في حقّه ما لا بدّ منه
يعني و لو تمريناً
أوالمراد به الواجب على المكلّف
و يمكن

الثاني; لعدم وجه الوجوب في حقّه .
وفي البيان قال: و ينوي الصبي الوجوب
و لو نوى الندب جاز .
وقال الشهيد الثاني في الروضة: و يتخيّر بين نيّة الوجوب و الندب; لأنّ الغرض التمرين على فعل
الواجب
ذكره المصنف و غيره و إن كان الندب أولي .
أقول: و التحقيق أن يفصّل و يقال: لامعنى للوجوب الحقيقي و لا للندب الحقيقي على القول بعدم كون
عباداته شرعية; إذ لاخطاب
فلا ندب و لا إيجاب.
و أمّا على القول بكونها شرعية ـ كما هو المختار ـ فعباداته مندوبة لها ثواب
فيتعيّن قصد الندب.
ويمكن أن يقال حينئذ:ٍٍ المطلوب منه بعنوان الندب إيقاعها مع تصوير قصد الوجوب ندباً.
ييعني يستحبّ أن يأتي بصورة العبادة الّتي تجب على المكلّفين هيئة و نيّة
فنيّة الوجوب ليست نفس
نيّة العبادة
بل هي تصوّر هنا
و حقيقة النية تصديق
فيستحبّ له تصوّر الوجوب الذي هو ثابت على
المكلّفين
فنيّة الفعل حقيقة هو الندب
و قصد الوجوب إنما هو محض التصوّر لأجل الاعتياد
و لا غائلة
في ذلك.
وما يقال: إنّ التمرين في النيّة غير محتاج إليه لكمال سهولة تغييرها عند البلوغ
فهو كما ترى
إذ في
ممارسة ذلك كمال التسهيل
سيّما فيمن قد تطرؤه الوسوسة في النيّة و التشكيك
وذلك نظير نيّة الأجير
للحج المندوب ينوي وجوب ما هو مندوب على المستأجر على نفسه.
الثالث: مقتضى اشتراط صحّة النيّة بالإخلاص خلوصها عن شوب سائر الدواعي
والعادة من أعظم الدواعي
على الأفعال العادية
فكيف يجتمع هذا مع رجحان تسهيل العبادات على العباد من جهة الاعتياد
و تكليفه
بعد البلوغ بتصفية نيته عن شوب داعية العادة من أشق التكاليف
فهذا التسهيل مما يوجب عدم التسهيل
فترتفع فائدة التمرين
و هو التسهيل
و ما يوجب وجوده عدمه فهو محال.
ويمكن دفع هذا الإشكال: بأنّ الحكمة في ذلك لعلّها جعل العمل بحيث لا تكرهه النفس
و إü فهو مكلّف بعد

البلوغ بإزالة داعي العادة و تصفيتها عنها
فإنّا قد نجد من أنفسنا بعد إخلاص النية عن كلّ شوب مشقّة
العبادة و منافرة النفس و تضجّرها منها
لكونها شاقّة في نفسها.
فالمطلوب من الاعتياد هو صيرورة العمل بحيث لاتتضجّر منه النفس
و لذلك أمرونا بالاقتصاد
بل و ترك
المندوب حين الألم و اشتغال القلب بالغموم و غير ذلك
و عدم تحميلها فوق وسعها
وكفاك قوله تعالى:
ما
أنزلنا عليك القرآن لتشقى
فتأمّل تفهم الفرق بين ملائمة النفس و بين كون الداعي على العمل هو
الاعتياد
و الله أعلم بالرشاد.
 New Page 1
--------------------
المقصد السادس
في أقسام الصوم
وهو ينقسم إلى ما عدا المباح من الأحكام الأربعة.
وفيه فصول:
الفصل الأوّل: في الصوم الواجب
فالواجب منه ستة: صوم شهر رمضان
و الكفارات
و النذر وما أشبهه
و قضاء الواجب
و دم المتعة
و
الاعتكاف منذوراً أو بعد يومين
و سيجيء الكلام في النذر و شبهه و دم المتعة في محالّها
و نقتصر هنا
على ذكر قسمين:
القسم الأول: في صوم شهر رمضان
وفيه مباحث:
الأوّل: فيما يعلم به دخول الشهر
و وقت وجوب الإمساك و الإفطار.
أمّا علامة دخول الشهر فاُمور:
الأوّل: الرؤية
فيجب على من رأى الهلال متيقّناً و لو انفرد
وكذا لو شهد فرُدّت شهادته
بإجماع علمائنا كما في
التذكرة و المدارك

خلافاً لعطاء
و الحسن
و ابن سيرين
و إسحاق .
وكذلك الحكم في إفطار أوّل شوال
و ادّعى عليه الإجماع أيضاً في المدارك .
ويدلّ عليه قولهم {: (إذا رأيت الهلال فصم
و إذا رأيته فافطر) و نحوه مما سيجيء.
وخصوص صحيحة عليّ بن جعفر
عن أخيه &
قال: سألته عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لايبصره غيره
له أن يصوم؟ قال: (إذا لم يشكّ فيه فليصم
و إü فليصم مع الناس) .
ولا تنافيه مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر &
قال: (والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد:
هو ذا هو
فينظر تسعة فلايرونه
إذا رآه واحد رآه عشرة و ألف) إذ لعلّ المراد أنّه لاتعتبر شهادة مثل
هذا الواحد; لأنّه مورد التهمة.
ولو أفطر هذا المنفرد
تجب عليه الكفارة عند علمائنا أجمع
كما في التذكرة .
و ينبغي التنبيه لاُمور:
الأوّل: إذا رؤي الهلال في بلد دون آخر
فإن كانت البلدان متقاربة كان حكمها واحداً في الصوم و
الإفطار
و إن تباعدت فلكل منهما حكمه.
والمراد بالتباعد: أن يكون بحيث تختلف المطالع
كالحجاز و العراق
و بغداد وخراسان
بخلاف المتقاربة
كبغداد و العراق.
واختلف العامة في معنى التباعد
فبعضهم اعتبر مسافة القصر
و بعضهم مسافة يظهر في مثلها تفاوت في
المناظر بسبب الارتفاع و الانخفاض و إن كان أقلّ من مسافة القصر
و بعضهم اتحاد الإقليم و اختلافه
و
بعضهم ما اعتبرناه .
ووجهه: أنّ اختلاف المطالع إنّما هو الموجب لاختلاف الرؤية بناءاً على أنّ الأرض كرويّة كما هو
الأصح
فتختلف المطالع

فتطلع الكواكب على جهاتها الشرقية قبل طلوعها على الغربية
و كذلك في الغروب
فيمكن أن لايرى الهلال قبل الغروب في الشرقية; لقربه من الشمس
ثمّ يرى في تلك الليلة في الغربية;
لتأخّر غروبها
فيحصل التباعد بينهما الموجب للرؤية.
قال فخر المحقّقين: وكلّ بلد غربي بعيد عن الشرقي بألف ميل يتأخّر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة .
واستدلّ عليه أيضاً في التذكرة بما رواه كُرَيب أنّ اُم الّفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام
قال: قدمت الشام فقضيت بها حاجتي
و استهلّ عليّ رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة
ثم قدمت المدينة
في آخر الشهر
فسألني عبد الله بن عبّاس و ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟فقلت: ليلة الجمعة
فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم
ورآه الناس وصاموا و صام معاوية
فقال: لكنّا رأيناه ليلة السبت
فلانزال
نصوم حتى تكمل العدة أو نراه
فقلت أو لاتكتفي برؤية معاوية و صيامه؟ قال: (لا
هكذا أمرنا رسول اللّه
ْ) و .
و ربّما يستدلّ بمثل آخر رواية زيد الشحّام
قال: صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب
فرأيت الشمس لم تغب
إنّما توارت خلف الجبل عن الناس
فلقيت أبا عبد اللّه & فأخبرته بذلك
فقال:
(فَلِمَ فعلت ذلك
بئس ما صنعت
إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف الجبل
غابت أو غارت
ما لم يتجلّلها
سحاب أو ظلمة تظلّها
فإنّما عليك مشرقك و مغربك
و ليس على الناس أن يبحثوا) .
وفيه: منع الدلالة
إذ مع قطع النظر عن اختصاص ذلك بوقت المغرب على القول بكفاية ذهاب الشعاع عن
الأشجار و المباني العالية
لازوال الحمرة المشرقيّة
لا بدّ على أنّ بعد البحث لايجب العمل
بمقتضاه.
ثمّ نقل فيها عن بعض الشافعية أنّ حكم البلدان كلها واحد

فمتى رؤي في بلد حكم بأنه أوّل الشهر في
جميع أقطار الأرض
تباعدت البلاد أو تقاربت
اختلفت مطالعها أو لا
و به قال أحمد و ليث
و بعض
علمائنا; لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية
و في الباقي بالشهادة
فيجب صومه; لقوله
تعالى:
و من شهد منكم الشهر فليصمه
و لأنّ الأرض مسطّحة
فإذا اختلفت البلاد في الرؤية فإنّما هو
لأمر عارضي.
وبقول الصادق & في صحيحة هشام بن الحكم: فيمن صام تسعة و عشرين يوماً: (إن كانت له بيّنة عادلة على أهل
مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية الهلال قضى يوماً) .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه &
و في آخرها: (فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه) .
ويرد عليه: المنع بثبوته بمثل هذه الشهادة
و بمنع تسطيح الأرض كما حقّق في محلّه
و تشهد به التجربة
فإنّا نشاهد أنّ من يسير على خط من خطوط نصف النهار إلى سمت الشمال يرتفع القطب الشمالي
و كذلك
بالعكس.
وأمّا الآية ; فظاهرها فيمن شهد في البلد الذي رأوه فيه
و لو منع الظهور فلابدّ من تأويلها به لئلا
يلزم جواز جعل شهر رمضان ثمانية و عشرين في بعض الأوقات
و هو غير جائز إجماعاً.
وأمّا الأخبار; فليس فيها عموم يشمل البلاد المتباعدة
بل هي ظاهرة في المتقاربة.
وأمّا منع الجبال و التلال للرؤية و تفاوت الأمكنة بسبب ذلك كما يظهر من كلام بعض العامة اعتباره
فضعيف جدّاً; إذ لو اعتبر ذلك اعتبر حيطان الدار وسور البلد و نحو ذلك
و ليحصل الفرق بين من كان في
سفح الجبل و من كان في قلته في بعض البلاد الواقعة في سفحه.
وبالجملة فلا قائل به من الأصحاب
و خلاف مقتضى إجماعهم ظاهراً.
إذا عرفت هذا فلو شرع في الصوم في بلد ثم سافر إلى آخر لم يُرَ الهلال فيه في اليوم الأوّل
فعلى
القول بالتعميم يلزم أهل البلد الآخر موافقته لو ثبت عندهم بشهادته إذا كان عدلاً و قلنا به أو
بطريق آخر
فيقضون اليوم الأوّل
و في العكس هو يقضي.

وعلى القول المختار قال في التذكرة: وجهان
أحدهما: أنه يصوم معهم
وهو قول بعض الشافعية; لأنه
بالانتقال إلى بلدهم أخذ حكمهم و صار من جملتهم
و الثاني: أنه يفطر; لأنه التزم حكم البلدة الأُولى
فيستمرّ عليه
و شبّه ذلك بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه .
أقول: فقد يلزمه على الأوّل صوم أحد و ثلاثين يوماً بناءاً على التعميم
و في العكس الإفطار على
ثمانية و عشرين يوماً.
ولو أصبح معيّداً ثمّ انتقل ليومه و وصل قبل الزوال
أمسك بالنيّة و أجزأ
و بعده أمسك مع القضاء
و لو
انعكس أفطر.
و ههنا فروع كثيرة لانصّ فيها
فالأولى العمل بالاحتياط فيها.
الثاني: قال في التذكرة: يجب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان و رمضان و تطلّبه; ليحتاطوا بذلك
لصيامهم و يسلموا من الاختلاف.
و استدلّ عليه بأنّ الصوم واجب في أوّل رمضان
و كذا الإفطار في العيد
فيجب التوصّل إلى معرفة
وقتهما; لأن ما لايتمّ الواجب إü به فهو واجب .
أقول: وفيه نظر; إذ الأصل دليل قوي لايخرج عنه إü بدليل
و براءة الذمّة عن التكليف لا ترتفع إü بما
يثبته
و نحن نمنع وجوب الصوم إü لمن عرف دخول الشهر
و إن قلنا بأنّ الألفاظ أسام لما هو في نفس
الأمر.
وبذلك ندفع ما احتجّ به الأصحاب في وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة
حيث استدلّوا على وجوب
الاجتناب عن المشتبه بالنجسن بأنّ الاجتناب عن النجس أو الحرام واجب
و لايتمّ إü بالاجتناب عن
الجميع
و نقول: إن المسلّم وجوبه هو الاجتناب عما علمت نجاسته أو حرمته
لاعمّا هو نجس أو حرام في
الواقع كما حقّقناه في القوانين.
ولهذه المسألة فروع كثيرة في الفقه
منها: لزوم إذابة النقد المغشوش إذا جهل بلوغه حدّ النصاب
لمعرفة ذلك.
ومنها: تعريض الأموال للبيع
حتى يعرف الاستطاعة للحج.

و منها: وجوب التفحّص عن المسافة لمن يريد السفر.
و من هذا الباب: جواز الأكل والشرب في السحر مع عدم التفحّص عن الفجر.
والحاصل: أنّا لانقول إنّ مائتي درهم و عشرين ديناراً مثلاً اسم لما علم أنه مائتا درهم و عشرون
ديناراً
و كذا في نظائره
لكنا نقول: ظاهر متعارف أهل اللسان أنهم يريدون ذلك
و كذلك غالب استعمالات
الشرع
مضافاً إلى الأصل
فالأصل والظاهر هنا متطابقان.
و قد يقال: إنّ المولى إذا قال لعبيده كلّ من كان عنده عشرون ديناراً فليتصدّق بدينار
و من لم يبلغ
ما عنده إليه فلاشيء عليه
فالعرف والعادة و وجوب الامتثال يقتضي أن يحسب كلّ منهم ما عنده حتى يعرف
الحال
و أنه من أيّ الصنفين.
وفيه: أنّا نمنع ذلك إü إذا علموا أنّ مراده لزوم التفحّص عن ذلك.
سلّمنا اللزوم; و لكنّه فيما لم يكن بأيدينا ما هو عذر لترك التفتيش
و المفروض أنّ لنا عذراً في
تركه
و هو استصحاب شعبان.
لايقال: إنّ هذا الكلام يمكن إجراؤه في كلّ موضع; لأنّ أصل البراءة عذر في كلّ موضع
لأنا نفرض الكلام
في الحكمين المتعارضين من الشارع مع قطع النظر عن الأصل.
الثالث: يستحبّ لمن رأى الهلال الدعاء.
و عن ابن أبي عقيل: أنّه يجب أن يدعو بهذا الدعاء عند رؤية هلال شهر رمضان: (الحمد لله الذي خلقني و
خلقك
و قدّر منازلك
و جعلك مواقيت للناس
اللهم أهلّه علينا إهلالاً مباركاً
اللهم أدخله علينا
بالسلامة و الإسلام
و اليقين و الإيمان
و البرّ و التقوى
و التوفيق لما تحبّ و ترضى) .
وروى الكليني
عن جابر
عن الباقر &
قال: (كان رسول الله ْ إذا أهلّ هلال شهر رمضان استقبل القبلة و
رفع يديه فقال: اللهم أهلّه علينا بالأمن و الإيمان
و السلامة و الإسلام
و العافية المجلّلة

و
الرزق الواسع
و دفع الأسقام
اللهم ارزقنا صيامه و قيامه و تلاوة القرآن فيه
اللهم سلّمه لنا
و
تسلّمه منّا
و سلّمنا فيه) .
وعن الحسين بن المختار رفعه قال
قال أمير المؤمنين &: (إذا رأيت الهلال فلا تبرح
و قل: اللّهم إنّي
أسألك خير هذا الشهر و فتحه و نوره و نصره و بركته و طهوره و رزقه
و أسالك خير ما فيه و خير ما بعده
و
أعوذبك من شرّ ما فيه و شر ما بعده
اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان
و السلامة و الإسلام
و
البركة و التقوى و التوفيق لما تحب وترضى) إلى غير ذلك من الأدعية التي وردت في خصوص هلال شهر رمضان
ومطلق الهلال
وسيّما دعاء الهلال لمولانا سيّد الساجدين & في الصحيفة المباركة .
الثاني: أن يمضي من شعبان ثلاثون يوماً بإجماع المسلمين
بل هو من ضروريات الدين كما في المدارك .
و تدل عليه الأخبار أيضاً
وكذلك الكلام في هلال شوال
فيعلم بمضي ثلاثين من رمضان.
الثالث: الشياع
و هو في اللغة بمعنى الانتشار
قال الجوهري: شاع الخبر أي ذاع
و فسّر ذاع في محلّه بانتشر .
وهو لايستلزم العلم كما لايخفى
و كذا لايفهم منه العلم في العرف.
وفسّره في الروضة هنا بإخبار جماعة به تأمن النفس من تواطؤهم على الكذب
و يحصل بخبرهم الظنّ
المتاخم للعلم .
وادّعى على ثبوت الرؤية بالشياع الإجماع في المعتبر
قال: و كذا لو رؤي شائعاً
و لا خلاف بين العلماء
في ذلك .
وقال في التحرير: و لو رؤي في البلد رؤية شائعة وجب الصيام إجماعاً .
و لكنه قال في التذكرة: و لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة و اشتهر وذاع بين الناس الهلال وجب
الصيام إجماعاً; لأنّه نوع تواتر يفيد العلم

و لو لم يحصل العلم بل حصل ظن غالب بالرؤية فالأقوى
التعويل عليه كالشاهدين
فإن الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع .
وحكى عن المنتهي في المدارك الاستدلال بأنّه نوع تواتر يفيد العلم
ثمّ حكى عبارة التذكرة
ثمّ قال:
الأصح اعتبار العلم كما اختاره العلامة في المنتهى
و صرّح به المصنف ـ رحمه اللّه ـ في كتاب
الشهادات من هذا الكتاب و .
أقول: ويظهر من ذلك أنّهم لم يفرّقوا بين ما يمكن كونه مستند الشهادة و غيره
فحينئذٍٍ لابدّ أن يجعل
العلم الذي اعتبروه في الشهادة أعمّ مما حصل الجزم الواقعي بموردها أو العلم الشرعي.
فمن يكتفي في ثبوت النَسَب أو النكاح و نحوهما بالاستفاضة الظنّية يشهد بأنّي عالم بأنّ فلاناً ولد
فلان
أو فلانة زوجة فلان; لأنّ الشارع حكم بوجوب اعتقاد ذلك حين حصول هذا الظن.
و لذلك يستندون في الشهادة إلى الاستصحاب وإلى اليد مع التصرّف المتكرر
بل ومطلق اليد على المشهور
إذا لم تزاحمه قرينة العارية أو الإجارة ونحوهما.
وحينئذٍ فلابدّ للجماعة المشترطين للعلم في الاستفاضة التي تبنى عليها الشهادة
إما أن لايكتفوا في
الشهادة بالظنون التي تصير مناطاً للأحكام الشرعية التي يجب العمل عليها و يخصّصوا العلم الذي
اشترطوه في الشهادة بالعلم القطعي
و لاتنافي عندهم بين قولهم ذلك وقولهم بثبوت الأحكام الشرعية
بالاستفاضة الظنية و سائر الظنون.
و إما القول بعدم إمكان ثبوت شيء بالاستفاضة الظنية
وقولهم في مقام الاستدلال على اشتراط قطعية
الاستفاضة بأنّ الشهادة مما يجب فيها العلم
دون أن يقولوا: إنّ الاستفاضة الظنية لا تثبت شيئاً
علينا من جانب الشارع
لتكون محصلة لعلم شرعي
حتّى يمكن أن يصير مورداً للشهادة
أعظم شاهد على
الفرق بين المقامين
فمسألة حجّية الاستفاضة الظنيّة في الأحكام الشرعية مسألة
و مسألة جواز بناء
الشهادة عليها مسألة اُخرى.
ويظهر من المدارك الخلط بينهما
حيث نقل فتوى المصنف في الشهادات باشتراط العلم
و الكلام فيما نحن
فيه إنما هو في ثبوت الرؤية بالشياع الظني
لافي قبول الشهادة المبتنية عليه.
و الذي يشهد بذلك: أنّ المحقّق اختار اعتبار الجزم في تحمل الشهادة بالاستفاضة و تردّد فيما حصل به

الظن المتاخم
ثمّ ذكر ثبوت الوقف و النكاح بالاستفاضة الظنية
و قال: و لعلّ هذا أشبه بالصواب .
بل لم يظهر منه ـ رحمه اللّه ـ اشتراط القطع في الشهادة أيضاً; لمنافاته التردّد في اعتبار الظنّ
المتاخم للعلم
بل مراده كفاية القطع الحاصل بالاستفاضة لا اشتراطه.
وأما كلامه في أوّل كتاب القضاء في ولاية القاضي
فليس بنص في اعتبار اليقين
بل أطلق الشياع
و ما
ذكره في آخر كلامه من اعتبار اليقين إنما هو في اعتبار الأمارات الحاصلة بصدق الوالي بخبره.
و يدلّ عليه حصر الحكم بثبوت الاستفاضة بالاُمور المعينة
و إü فلا ينبغي التخصيص فيما يفيد العلم.
وقد غفل في المسالك و نسب إليه اعتبار العلم مع تنبهه; لأنه لاوجه للتخصيص في صورة اعتبار العلم .
فههنا مقامان من الكلام:
الأوّل: أنّه هل يكفي في الشهادة الاعتقاد الظنّي الذي أجاز الشارع العمل به أم لا؟ و هو محلّه في
كتاب الشهادات
و الظاهر جوازه كالاستصحاب و اليد و غيرهما.
والثاني: أنّ هذا الظنّ الحاصل بالاستفاضة هل هو من باب تلك الظنون التي أجاز الشارع العمل بها أم
لا؟ و محلّه محل آخر
و منه ما ذكره المحقّق في أوّل كتاب القضاء من أنّ ولاية القاضي تثبت
بالاستفاضة
و كذا النسب و الملك المطلق و الموت و النكاح و الوقف و العتق .
و نقل الشهيد في القواعد عن بعضهم أنه يثبت بالاستفاضة اثنان و عشرون: النسب إلى الأبوين
و الموت
و
النكاح
و الولاية
و العزل
والولاء
و الرضاع
و تضرر الزوجة
والوقوف
والصدقات
و الملك المطلق
و
التعديل
و الجرح
والإسلام
والكفر
و الرشد
و السفه

و الحمل
و الولادة
و الوصاية
و الحرية
واللوث
قيل: و الغصب
و الدين
و العتق
و الإعسار .
أقول: فالعمدة بيان الأقوال و الأدلّة في مسألة حجية الاستفاضة
و اعتبار الجزم والظنّ; لينفعنا في
مسألة رؤية الهلال
و الأقوال في المسألة ثلاثة:
أحدها: اعتبار العلم
و المصرّح به في مسألة الشهادة جماعة
و لكن في أصل ثبوت شيء به و حجيته في
إثبات المطالب مطلقاً فلايحضرني مصرح به.
نعم يظهر من الذين حصروا إثبات المطالب بالاستفاضة في اُمور معيّنة أنهم يعتبرون العلم في غير
الصور المعدودة
و يكتفون بالظنّ فيها
و إü فلاوجه للحصر في الاُمور المعدودة لما يفيد العلم
إذ هو
حجة مطلقاً
إü أن يقال بإمكان إجراء النزاع في حجية العلم في بعض المواضع أيضاً كما ذكروه في مسألة
عمل الحاكم بعلمه.
ويظهر من الأصحاب: عدم كفاية مطلق العلم في أداء الشهادة
بل يعتبرون العلم المستند إلى الحسّ.
و خالفهم المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه
و صاحب الكفاية
فاكتفيا بمطلق حصول العلم للشاهد
و
لايخلو عن قوّة
بل هو الظاهر من المسالك و غيره.
قال في المسالك في مسألة تحمّل الشهادة بما يكفي فيه السماع: و قد اختلف فيما به يصير الشاهد شاهداً
بالاستفاضة
فقيل: إن تكثّر السماع من جماعة حتّى يبلغ حدّ العلم بالمخبر عنه
و على هذا فلا تكون هذه
الأشياء خارجة عن أصل الشهادة
و قيل: يكفي بلوغه حدّاً يوجب الظن الغالب المقارب للعلم
إلى آخر ما
ذكره.
لايقال: هذا أيضاً استناد إلى الحسّ.

لأنّا نقول: مرادهم بالحسّ سماع نفس المشهود عليه
كلفظ الإقرار و غيره
و المشهود عليه هنا ليس
بمسموع
بل هو من قبيل النسب أو الموت أو غيرهما
بل هذا مستند إلى الحدس المستفاد من الحسّ
مع
انضمام القرائن
و يلزم عليهم حينئذٍٍ أن يقبلوا الشهادة المنوطة بخبر واحد محفوف بالقرينة
أوبرؤية اُمور يحصل بالحدس الجزم بوقوع شيء
و الظاهر أنهم لم يقولوا به.
وكيف كان فلاينبغي الإشكال فيما حصل العلم من الاستفاضة في إثبات الاُمور التي ذكروها من الوقف و
النكاح و غيرهما
و إنما الإشكال فيما لو حصل الظن بها فيها و في غيرها
فيمكن حينئذٍ للقائل باشتراط
العلم في الاستفاضة التخصيص و الاكتفاء بالظن المتاخم في موارد خاصة بسبب دليل خارجي.
و أمّا القائل بكفاية الظن المتاخم فلا وجه له للتفصيل
كما أنّه لا وجه للتفصيل في الاستفاضة
المفيدة للقطع بقبولها في بعض دون بعض آخر إü على التوجيه الذي مرّ.
وإلى ما ذكرنا تشير عبارة المسالك في مسألة ولاية القاضي بعد ذكر وجه قبول الاستفاضة في الاُمور
السبعة المتقدمة
قال: و زاد بعضهم في هذه الأسباب و نقص آخرون
و قد ظهر من تعليلها أنّها لاتستند
إلى نصّ خاص
بل إلى اعتبار
فكان الوجه فيها أن يقال: إن اعتبرنا اليقين في المستند كما اعتبره
المصنف بقوله (ما لم يحصل اليقين) فلا وجه للحصر في هذه
و إن كانت أمسّ حاجة من غيرها إلى الاكتفاء
بالسماع دون المشاهدة; لما أشرنا إليه من أنّ العلم القطعي أقوى من البيّنة
بل لا يقبل الخلاف
فمتى
حصل ذلك في الملاك المسبب وغيره من الحقوق بالتسامع كفى
و إن اكتفينا في الاستفاضة بالظنّ الغالب
المتاخم للعلم احتمل اختصاصه بهذه
والقدح في بعضها حيث لانصّ.
ويمكن القول بالتعميم أيضاً; لأن أدنى مراتب البينة الشرعية لايحصل بها الظن المتاخم للعلم
فيكون
ما أفاده أقوى مما وقع النصّ والإجماع على ثبوته به
فكان أولى أيضاً
و إن كان مساوياً لبعض مراتب
البيّنة أو قاصراً عن بعضها; لأنّ مفهوم الموافقة يكفي في المرتبة الدنيا بالقياس إلى ذلك الفرد
المتنازع فيه لو اُقيمت عليه بينة كذلك أو حصل به تسامع يفيد مرتبة أقوى

و سيأتي رجوع المصنف عن
الجزم باعتبار العلم إلى الاكتفاء بمتاخمته على تردّد فيه.
وإن اكتفينا فيها بمطلق الظن كما يظهر من كلام الشيخ قوي جانب الحصر لما ذكروه من الوجوه
انتهى.
وظهر من ذلك: أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة: اعتبار العلم في الاستفاضة إü فيما استثني من الاُمور
المذكورة على خلاف فيها و في عددها ليس ههنا محلّ بسط الكلام فيها.
والثاني: كفاية الظنّ مطلقاً كما نسب إلى الشيخ .
و الثالث: اعتبار الظن المتاخم للعلم.
دليل القول الأوّل: أنّ الأصل عدم الثبوت
و أصالة حرمة العمل بالظن
و لادليل على اعتبار هذا الظنّ.
و لاينافي ذلك ما حققناه في الاُصول من أنّ مطلق ظن المجتهد حجّة; لابتنائه على الدليل العقلي الذي
لايقبل التخصيص
و هو انسداد باب العلم
و قبح تكليف مالايطاق مع بقاء التكليف ; لأنّ ذلك إنّما
ذكرناه في نفس الأحكام الشرعيّة
و مثل مباحث الألفاظ من متعلّقات الأحكام
ومثل ماهيات الموضوعات
التي تُحوّل إلى أهل خبرتها
كالعيب و الأرش والقبض و أمثالها.
والأسباب الشرعية; وإن كانت من الأحكام الشرعية الوضعية
لكن الذي يكتفى فيها بالظن هو إثبات سببية
السبب و شرطيّة الشرط و مانعيّة المانع
لاوجود السبب و تحقّقه في الخارج
و وجود المانع و تحقّقه
و
نحو ذلك.
والكلام في هذه المسألة إنما هو في ذلك
فإنّ سببيّة الرؤية للصوم و الفطر قد ثبتت من الشرع
لكن
حصولها في الخارج موضوع هذه المسألة.
فمسائل النكاح و الوقف و غيرهما
و إن كانت تثبت بالظنّ
فيكتفى في سببية بعض أفراد النكاح مثلاً
للزوجيّة و الميراث بالظنّ الشرعي
لكن لايكتفى في تحققه في الخارج بكلّ ظنّ
فلابدّ من الدليل على
حجيّة ما يثبت به النكاح مثلاً
و قد ثبت أنّه يثبت بشهادة العدلين
و اختلف في الاستفاضة الظنية
وهكذا.
وأما الدليل على الاكتفاء بالظنّ في الاستفاضة

فربما يذكر مما يناسب المقام ما ذكره الفاضلان و
غيرهما : أنّا نقضي أنّ خديجة زوجها النبيّ ْ
كما نقضي بأنّها اُمّ فاطمة ے
و ليس ذلك من باب
التواتر; لأنّ شرطه استواء الطرفين والواسطة والطبقات الوسطى
و المتصلة بنا وإن بلغت التواتر
و
لكن الأُولى غير متواترة; لأنّ شرط التواتر الاستناد إلى الحس
و الظاهر أنّ المخبرين أوّلاً لم
يخبروا عن مشاهدة العقد
و لاعن إقرار النبيّ ْ
بل نقل الطبقات متّصل إلى الاستفاضة الّتي هي الطبقة
الاُولى.
وردّه في المسالك: بأنّ الطبقة الاُولى السامعين للعقد المشاهدين للمتعاقدين بالغون حدّ التواتر و
زيادة; لأنّ النبيّ ْ
كان ذلك الوقت أعلى قريش
و عمّه أبوطالب المتولّي لتزويجه كان يومئذ رئيس بني
هاشم و شيخهم
ومن إليه مرجع قريش
وخديجة ے كانت من أجùء بيوتات قريش
و القصّة في تزويجها مشهورة
وخطبة أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في المسجد الحرام بمجمع من قريش ممن يزيد عن العدد المعتنى في
التواتر
فدعوى معلوميّة عدم استناد الطبقة الأُولى إلى مشاهدة العقد وسماعه ظاهرة المنع
و إنّما
الظاهر كون ذلك معلوماً بالتواتر لاجتماع شرائطه
فلا يتمّ الاستدلال به على المطلوب
انتهى.
أقول: ولاينبغي الاستدلال بذلك على مطلق الاستفاضة الظنيّة
بل هو إنّما يثبت الثبوت في النكاح
ولاينافي عدم الثبوت في غيره
فإنّ القائلين باشتراط القطع فيها اكتفوا في النكاح و نظائره بالظنّ.
و الأولى الاستدلال بالعلّة المنصوصة في قوله تعالى:
إن جاءكم فاسق بنبأٍ
الآية
فإنّها تقتضي
الاكتفاء بالظنّ الحاصل بمقدار الظنّ الحاصل من خبر العدل
وأنّه خبر مما يؤمن معه إصابة قوم بجهالة
و حصول الندامة
فالعمل بقول الفاسق مع التثبّت المانع عن حصول الندامة جائز.
و بملاحظة تجويز العمل بخبر العدل معلّلاً بأنّه ليس فيه ندامة بحسب المفهوم و لايفيد إü الظنّ تظهر
كفاية حصول الظن

ولا ريب أنّ الاستفاضة نوع من التثبّت للخبر
فإذا بلغ حدّ الأمن الحاصل من خبر
العدل فيكتفى به.
وإن أبيت عن إطلاق التثبّت عليه فيكفي حصول العلّة الحاصلة من التثبت في هذا الخبر أيضاً.
وأما القدح بأنه يلزم منه جواز العمل بخبر عدل واحد و لم يقل به الأكثر
و بخبر فاسق أو فاسقين أو
نحوهما إذا حصل منه الظن الموجب للأمن المعهود
وهو باطل اتفاقاً
فهو مدفوع بأنها مخرجة بالدليل
فكما أنّ القائل باشتراط القطع يخصص دليله بالمواضع المستثنيات من جهة دليل خارجي كالعسر و الضرر و
غير ذلك
فيخصص القائل بكفاية الظنّ دليله بما لا يثبت به جزماً كالزنا و القتل و غيرهما.
وأمّا الدليل على اعتبار الظنّ المتاخم للعلم
فهو ما أشعرت به عبارة المسالك السابقة من أنّه أقوى
من الظنّ الحاصل من البينة
فكان العمل به أولى
مضافاً إلى أصالة عدم الثبوت
و أصالة حرمة العمل
بالظنّ.
وقد نوقش فيه: بأنّ الأولوية إنّما تصير حجّة لو ثبت أنّ علّة حجيّة البيّنة إنّما هي حصول الظنّ
بل
إنّما هي تعبّد محض
مع أنّه لو سلّم ذلك فلا دليل على اعتبار المتاخمة للعلم
بل يكفي كونه أقوى
مع
أنّه يلزم منه جواز العمل بقول فاسقين أو فاسق أو غيرهما إذا أفاد ظناً أقوى من العدلين
و هو باطل
اتفاقاً.
ويمكن دفعه: بأنّ الاتّفاق و نحوه مخصص له.
ويشعر باعتبار المتاخمة ما نفى اعتبار الخمسين في آخر صحيحة محمّد بن مسلم الآتية
ومثلها رواية
أبي العباس .
قال المحقق الأردبيلي رحمه اللّه :إنّ صحيحة العيص أنّه سأل أبا عبد الله & عن الهلال إذا رآه القوم
جميعاً فاتفقوا أنه لليلتين
أيجوز ذلك؟ قال: (نعم) يشعر باعتبار الظنّ المتاخم للعلم
و مال إليه و
وجّهه بأنّه دلّ ثبوت دخول الشهر من غير اشتراط العدالة في القوم و حصول العلم بخبرهم
بل اكتفى
برؤية القوم و قال: إنّ ظاهر نسبة الرؤية إلى القوم في العرف هو حصول الظنّ المتاخم للعلم
و قال:
إنّه ليس المراد تجويز كونه لليلتين
بل المراد أنّه يجوز الاعتماد عليه في دخول الشهر.

إذا عرفت هذا فنرجع إلى الكلام في مسألة رؤية الهلال
و نقول: إن بنينا على أصالة حرمة الاكتفاء
بالظنّ فيمكن الخروج عنه في رؤية الهلال بمقتضى الإجماع المنقول في المعتبر و التحرير
فإنّهما
ادّعياه على مطلق لفظ الشياع الأعمّ من القطعي والظنّي
و تؤيده الروايتان الآتيتان في اعتبار
الخمسين.
وأمّا على القول بكفاية الظنّ فهو مندرج تحته
و لا يبعد ترجيحه تمسّكاً بالعلّة المنصوصة في الآية
مقتصراً على ما أفاد الأمن من الخطر.
وأمّا ماورد في الأخبار من عدم جواز العمل بالتظنّي
و أنّه لا يدخل الشك في اليقين ونحو ذلك
فالظاهر أنّ المراد به المنع عن العمل بالظنّ بالأمارات النجومية و الحسابية و غيرها.
و كذلك الأخبار المتواترة الدالّة على أنّ الصوم و الفطر بالرؤية هو عدم جواز الاعتماد على الرأي و
التخمين والظنون المذكورة
لا أن يكون المراد رؤية نفس المكلّف; للإجماع على عدم اشتراطه
بل يلزم
الاستناد إلى الرؤية أعم من رؤية نفسه و من عدلين و من الشياع
و هو المستفاد من تتبع الأخبار.
نعم يظهر منها أنّه لابد من عدم الاتهام و حصول الاطمئنان
ففي صحيحة محمّد ابن مسلم
عن أبي جعفر &
قال: (إذا رأيتم الهلال فصوموا
و إذا رأيتموه فافطروا
و ليس بالرأي و لا بالتظنيّ
و لكن بالرؤية
قال: و الرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو و ينظر تسعة فلا يرونه
لكن إذا رآه واحد
رآه عشرة و ألف
و إذا كانت علّة فأتم شعبان ثلاثين). و زاد حماد فيه: (و ليس أن يقول رجل هو ذا هو) لا
أعلم إü قال: (ولاخمسون) .
وفي رواية عبد الله بن بكير
عن أبي عبد اللّه &
قال: (صم للرؤية
وافطر للرؤية
و ليس رؤية الهلال أن
يجيء الرجل و الرجلان فيقولان: رأينا
إنّما الرؤية أن يقول القائل رأيت
فيقول القوم: صدقت) إلى غير
ذلك من الأخبار
وسيجيء بعضها.
ولعلّ نظر من يعتبر الظنّ المتاخم إلى ذلك

فإنّ الأمن من الخطر إنّما يتحصّل منه
و تؤيّده الأخبار
الدالّة على متابعة أهل الأمصار في الصوم
و أنّه إذا كان في قرية خمسمائة من الناس فصم لصيامهم و
افطر لفطرهم
سيّما بانضمام ما رواه أبو الجارود
عن أبي جعفر &
قال: (صم حين يصوم الناس
و افطر حين
يفطر الناس
فإنّ اللّه عزّوجلّ جعل الأهلّة مواقيت) .
وسماعة
عن الصادق &: عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه؟ قال: (إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية
فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان) .
الرابع: شهادة العدل
و فيه خمسة أقوال نقلها في المهذب .
الأوّل: قبول العدلين من خارج البلد
و عدد القسامة منه مع العلّة
و لامعها لابدّ من القسامة من
خارج
و أولى منه إذا كانوا من البلد
و هو مذهب القاضي والشيخ في النهاية .
الثاني: قبول العدلين مع العلّة من البلد و خارجه
و القسامة مع عدمها من البلد وخارجه
وهو مذهب
التقي و الشيخ في المبسوط .
الثالث: قبول العدلين من خارج أو مع العلّة
و إü فلابدّ من القسامة
و هو مذهب الصدوق في المقنع .
أقول: وهو المطابق لما نقل عن الشيخ في الخلاف
و لكن الفاضل في شرح الروضة قال: إنّ مقتضى ما عنده من
نسخ المقنع أنه مطابق للنهاية
لا للخلاف
و لكن العùمة و غيره نقلوه هكذا .
الرابع: قبول العدلين كيف كان
مع العلّة و عدمها من البلد و خارجه
و هو مختار السيّد و ابن الجنيد و
ابن إدريس و الفاضلين .
الخامس: قبول الواحد في هلال شهر رمضان دون غيره من الأهلّة
احتياطاً للصوم
و هو مذهب سùر .
أقول: الأقوى القول الرابع

و هو مذهب أكثر الأصحاب.
لنا: الأخبار الصحيحة المستفيضة جدّاً و غيرها لاحاجة إلى ذكرها.
و لنكتفِ بذكر صحيحة الحلبي
عن أبي عبد اللّه &
أنّه قال: (صم للرؤية و افطر للرؤية
فإن شهد عندك
شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه) .
وصحيحته الاُخرى
عن أبي عبد اللّه &: (إنّ علياً & كان يقول: لا اُجيز في الهلال إü شهادة رجلين عدلين)
.
و الحصر فيه إضافيّ بالنسبة إلى شهادة النساء و نحوها
ففي صحيحة عبيد الله ابن علي الحلبي قال: قال
أمير المؤمنين &: (لاتقبل شهادة النساء في رؤية الهلال
إü شهادة رجلين عدلين) مضافاً إلى أن الأصل
قبول شهادة العدلين إü ما ثبت خلافه.
و أمّا دليل النهاية و الصدوق على ما نقل الفاضل هو رواية حبيب الجماعي قال
قال أبو عبد اللّه &:
(لايجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة
و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من
أهل خارج المصر و كان بالمصر علّة
فأخبرا أنهما رأياه
و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية) .
وأمّا دليل المبسوط فهو الجمع بين ما دلّ على قبول العدلين مطلقاً
و مثل صحيحة محمّد بن مسلم
و
رواية ابن بكير المتقدّمتين
وما في معناهما
مضافاً إلى رواية أبي أيوب الآتية .
وأمّا دليل الخلاف و ما نسبه العùمة و غيره إلى الصدوق فهو رواية أبي أيوّب الخزاز
عن أبي عبد اللّه
& قال
قلت له: كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال: (إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله
فلا تؤدوا بالتظنّي
و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: قد رأيته و يقول الآخرون: لم نره
إذا رآه واحد رآه مائة
و
إذ رآه مائة رآه ألف
و لايجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين
و إذا
كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر) .
وظنّي أن هذا الخبر ألصق بمذهب المبسوط من مذهب الخلاف
و تطبيقه على مذهب الخلاف في غاية الصعوبة;

إذ لا دلالة فيه على قبول العدلين من الخارج مع الصحو
ولا قبولهما من الداخل مع العلّة صريحاً.
وأجاب المحقّق عن الروايتين: بأنّ اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم
ثمّ لايفيد اليقين
بل قوّة الظن
و هو يحصل بشهادة العدلين .
وبالجملة هو منافٍ لما عليه عمل المسلمين كافة
فكان ساقطاً
هذا.
مع أنّ حبيباً مجهول
و في سند رواية أبي أيّوب أيضاً كلام و إن لم يكن تماماًَ; فلا تعارض بهما
الأخبار الصحيحة المستفيضة جدّاً و غيرها من الخصوصات والعمومات المعمولة عند أكثر الأصحاب.
مع أنّ لهما محملاً سديداً
و هو أنّ اعتبار الخمسين فيما توقّف الشياع المعتبر عليه لأجل التهمة
كما يظهر من الروايات المتقدمة القائلة إذا رآه واحد رآه جماعة
و فيما لم تثبت عدالتهم و لاعدالة
اثنين منهم.
وأمّا دليل مذهب سùر
فوجوه:
الأول: الاحتياط للصوم.
وفيه: أنّ الاحتياط إنّما هو إذا صام ندباً لابنيّة رمضان
فإنّه تشريع
مع أنّه ربما يستلزم إفطار
آخره
و هو خلاف الاحتياط
و إن احتاط في الآخر بزيادة يوم فصام أحداً و ثلاثين فهو تشريع آخر.
والثاني: بأنّه يفيد الرجحان
و تركه إلى المرجوح قبيح.
وفيه: منع الرجحان مع عدم ثبوت مشروعيته
مع معارضته باستصحاب رجحان شعبان
سيّما إذا ساواه المشهود
له في قوّة البصر.
والثالث: ارتفاع التهمة بسبب أنّه أمر ديني يشترك فيه المخبِر و المخبَر
فيجب قبوله كالرواية.
وفيه: منع ارتفاع التهمة مطلقاً أوّلاً
و عدم استلزام ارتفاعها القبول ثانياً
و بطلان القياس
سيّما مع الفارق ثالثاً.
والرابع: الروايات
فمنها: صحيحة محمّد بن قيس
عن أبي جعفر & قال
قال أمير المؤمنين &: (إذا رأيتم

الهلال فافطروا
أو شهد عليه عدل من المسلمين
و إن لم تروا الهلال إü من وسط النهار أو آخره فأتموا
الصيام إلى الليل
و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ افطروا) .
وردّ: بأنّ الرواية بهذا اللفظ إنّما هو في المختلف
و الذي في الاُصول (أو شهد عليه بيّنة عدل) و هذا
لايكفي لسلار.
أقول: و منع ذلك لايناسب وجودها في الاستبصار كذلك
ولكن فيه أيضاً بطريق آخر (بيّنة عدل) و في
التهذيب أيضاً عدول من المسلمين .
هذا مع أنّ لفظ العدل مصدر يطلق على الجمع كما ذكره جماعة و نقلوه عن أهل اللغة
مضافاً إلى أنّ
الرواية إنّما تدلّ على جواز الإفطار لا الصوم
و الظاهر أنّ سùر لايقول به أصالة.
وأمّا القدح في السند باشتراك محمّد بن قيس فليس بذلك; إذ الظاهر أنّه البجلي الثقة صاحب كتاب
القضايا الذي يروي عنه عاصم بن حميد و يوسف بن عقيل بقرينة رواية يوسف عنه هنا .
ومنها: رواية داود بن الحصين
عن الصادق &: (لابأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة) .
و هي مع سلامة سندها مخالفة للإجماع ظاهراً على عدم قبول شهادة النساء منفردات ومنضمّات
كما ادّعاه
المرتضي وابن زهرة و صاحب المدارك
والأخبار النافية لقبول شهادتهن .
ومنها: رواية يونس بن يعقوب
عنه & قال
و قال له غلام و هو معتب:إنّي قد رأيت الهلال
قال: (اذهب
فأعلمهم) .
وفيه: مع سلامة السند منع الدلالة
إذ لعلّه لأجل أن يضمّ إليه آخر لو وجد
أو لأجل تواعي القوم فيروا
معه.
ومنها: ما رواه العامة عن ابن عباس: أنّ أعرابياً جاء إلى النبيّ ْ قال: إنّي رأيت الهلال يعني رمضان
قال: (تشهد أن لاإله إü الله؟) قال: نعم
قال: (تشهد أنّ محمّداً رسول اللّه) قال: نعم
قال: (يابلال أذّن
في الناس فليصوموا غداً) .
ورواية ابن عمر قال: يتراءى الناس الهلال
فأخبرت رسول اللّه ْ إنّي رأيته فصام و أمر الناس بصيامه .
وفيهما: مع ضعفهما أنّه لعلّه رآه غيرهما أيضاً
فالصيام والأمر به إنّما كانا لذلك.
وهذه الأدلّة مع ضعفها كما عرفت لاتعارض بها أدلّة المختار مع كثرتها و اعتبارها و شهرتها

واعتضادها بالأصل و الاستصحاب
و هجر هذه عندهم و شذوذها
بل مخالفتها للإجماع كما ادّعاه في
المسالك
و نقل عن الشيخ في الخلاف .
ثمّ إنّ سùر إنّما يجيز قبول الواحد في هلال رمضان لأجل الصوم خاصة
فلا يثبت لو كان منتهى أجل دين
أو عدّة أو نحو ذلك.
وأما ثبوت هلال شوال بمضيّ ثلاثين يوماً منه
فإنما هو ثبوت بالتبع لا بالأصالة
و ذلك لأنا لو لم
نحكم بالتبعية للزم وجوب صوم أحد و ثلاثين يوماً
لأجل صوم رمضان لو غمّ آخر الشهر.
ويتمّ المقام بذكر اُمور:
الأوّل: قالوا: لايتوقّف جواز الإفطار بالشاهدين على حكم الحاكم
و لانعرف فيه خلافاً
و كذا لو ردّ
الحاكم شهادتهما لجهله بحالهما كما صرّح به في التذكرة
و هو مقتضى الأخبار الصحيحة و غيرها
الناطقة بأنّهما
إذا شهدا عندك فاقضه و نحو ذلك .
الثاني: لابدّ من موافقتهما في الشهادة
فلو اختلفا في وصف الهلال بالانحراف و الاستقامة والعظم
والصغر
و كونه جنوبياً أو شمالياً
فلايسمع
بخلاف ما لو اختلفا في زمانها في الليلة الواحدة
بأن
يراه أحدهما عند الغروب مثلاً و الآخر بعد صلاة المغرب.
وفيما لو شهد أحدهما برؤية هلال شعبان ليلة الجمعة
و الآخر برؤية هلال رمضان ليلة الأحد وجهان
من
اتفاقهما في المعنى
و من مخالفة كلّ للآخر في شهادته.
ولعل الثاني أوجه; للأصل
و عدم انصراف الأدلّة
إلى مثله
و لأنّ في اجتماعهما في مورد الشهادة
مدخليّة تامّة في الظنّ بالصدق يمكن كونه حكمة في القبول.
الثالث: قال في المدارك: لو استند الشاهدان إلى الشياع المفيد للعلم وجب القبول قطعاً .
أقول: و ما ذكره العلماء في كتاب الشهادة في مسألة جواز بناء الشهادة على الاستفاضة و اقتصارهم في
ذلك على مواضع مخصوصة يفيد اكتفاؤهم بالظنّ أيضاً

فإن ظاهر من خصّ بتلك الاُمور هو أنه لايثبت عنده
شيء بالاستفاضة الظنية إü هذه الاُمور
كما هو مقتضى الاستثناء.
ثمّ إنّ كلامهم هذا مع اشتراطهم الحسّ في الشهادة و عدم اكتفائهم بالعلم الحاصل من غير الحسّ إما
مبني على أنّ المراد بالحسّ أعم مما كان مبدأ للعلم الحاصل للشاهد و إن كان بانضمام القرائن
و إü
فالعلم هنا لم يحصل من الحسّ أوّلاً وبالذات
و إمّا مبني على تخصيص قاعدتهم بما ذكر.
و على اعتبار الحسّ في الشهادة; فلا تقبل شهادة من شهد بأنّ اليوم أوّل رمضان أو أوّل شوال; لأنّه
مسألة اجتهادية تختلف باختلاف الآراء و الأسباب
بخلاف الرؤية
اللهم إü إذا علم اتفاق الشاهد و
المشهود له في السبب كما في الجرح والتعديل
فيلزم الاستفصال إذا جهل الحال.
الرابع: قال في المسالك: ولو شهد الشاهدان على مثلهما أو على الشياع قبل أيضاً
و مال إليه في
المدارك .
و لكن العùمة قال في التذكرة: لايثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا; لأصالة البراءة
واختصاص ورود القبول بالأموال و حقوق الآدميين
و للشافعية طريقان
إلى آخر ما ذكره
و ظاهره
الإجماع
و لعلّه الأقوى.
الخامس: هل يكفي قول الحاكم في ثبوت الهلال أم لا؟
قال في المدارك: فيه وجهان
أحدهما: نعم
و هو خيرة الدروس ; لعموم ما دلّ على أنّ الحاكم يحكم بعلمه
و
لأنه لو قامت عنده البيّنة فحكم بذلك
وجب الرجوع إلى حكمه كغيره من الأحكام
و العلم أقوى من البينة
و لأن المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين و ما تتحقّق به العدالة إلى قوله
فيكون مقبولاً في جميع
الموارد.
ويحتمل العدم; لإطلاق قوله &: (لا اُجيز في رؤية الهلال إü شهادة رجلين عدلين) .
أقول: و ما ذكره في التعليل لمختار الدروس إنّما يناسب كلامه الآخر بعد ذلك
قال: و لو قال: اليوم
الصوم أو الفطر ففي وجوب استفساره على السامع ثلاثة أوجه
ثالثها إن كان السامع مجتهداً
انتهى.
وحاصل المقام: أنّ مرجع المسألة الاُولى إلى قبول شهادة الحاكم وحده في ثبوت الهلال

و الأظهر فيها
عدم القبول; لأنّها شهادة و ليست بحكم.
ومرجع المسألة الثانية إلى حكم الحاكم بثبوت أوّل الشهر
و أنّه يوم الفطر أو الصوم
والأوجه فيه
القبول لرعيّته
دون مجتهد آخر أو مقلّد مجتهد آخر
إü مع الاستفسار و الرجوع إلى مقتضاه.
ويمكن أن يوجّه كلامهما في المسألة الاُولى بتضمّنها للحكم
فإن مراد الحاكم من شهادته بالهلال
(أنّي أحكم بأنّ اليوم أوّل الشهر بسبب رؤيتي للهلال) فهو حكم مستند إلى علمه مع بيان سبب العلم
والمراد في المسألة الثانية حكمه بكون اليوم يوم الصوم من دون ذكر سبب العلم
فيجري (تعليل) المدارك
في الأوّل أيضاً.
ويشكل ذلك أيضاً بما عرّفوا الحكم بأنه إلزام خاص أو إطلاق خاص في واقعة خاصّة متعلقة بأمر المعاش
فيما تقع فيه الخصومة بين العباد
مطابقة لحكم الله تعالى في نظر المجتهد في هذه الواقعة و غيرها مما
يندرج تحت كلّي
كما ذكره الشهيد في القواعد
فإنّه من اُمور المعاد لا المعاش
و ليس فيه رفع خصومة
غالباً.
ويمكن توجيهه: بأن يراد بأمر المعاش ما لا اختصاص له بالشارع و إن كان من موضوعات حكمه
فيرجع إلى أنه
هل تحققت الرؤية أم لا
و هل تمّ عدد الشهر أم لا
ولامدخل له في الحكم الشرعي
و إن كان يرجع إليه
باعتبار قطع النزاع و يتضمّن أنّ الشارع حكم بأن يحكم الحاكم أنّ هذا اليوم يوم الفطر.
ومن فروع كونه من الحكم: ثبوت حلول الآجال فيما تنازع فيه الخصمان في مثل البيع المشروط فيه الخيار
إلى أوّل الشهر الفلاني
الذي يترتّب عليه اللزوم بانتفاء الشرط في أوّل الشهر
ثمّ وقع بينهما
النزاع في اليوم الخاص أنه أوّل الشهر أم لا
فيكفي في ذلك الحكم بأنه أوّل الشهر
فيترتب عليه
اللزوم و عدمه
و لايحتاج إلى الحكم باللزوم و عدم اللزوم
فالحكم بأنه أوّل الشهر حكم
و حكمه
باللزوم أو عدمه حكم آخر.
فالمناص في تعميم الحكم لذلك هو ضمّ قصد الحاكم بحكمه رفع ما عسى أن يتصوّر من الخصومة و المخالفة

أيضاً و إن لم يكن بالفعل هناك خصومة.
الخامس: الجدول
و هو حساب مخصوص مأخوذ من سير القمر و اجتماعه مع الشمس
و مرجعه إلى عدّ شهر تاماً و شهر ناقصاً
إلى
تمام السنة
فيجعل محرم تاماً و صفر ناقصاً و هكذا إلى آخر السنة كما يفعله المنجّمون
أو يجعل رمضان
تاماً و شوال ناقصاً و هكذا; لما ورد في الأخبار أنّه أوّل السنة .
وكيف كان فهو يتضمّن كون رمضان تاماً أبداً و شعبان ناقصاً.
قال في المسالك: و هذا الحساب قريب من كلام أهل التقويم
فإنّهم يجعلون الأشهر كذلك في غير السنة
الكبيسية
و فيها يجعلون ذا الحجّة تاماً بعد أن كان تسعة و عشرين في غيرها .
أقول: و توضيحه على ما ذكره بعض الأصحاب أنّهم لمّا اعتبروا في الشهر اجتماع النيّرين في درجة واحدة
من تلك البروج إلى اجتماع آخر
و كان ما بين الاجتماعين تسعة و عشرين يوماً و اثنتي عشرة ساعة و
أربعاً و أربعين دقيقة
و كان الكسر زائداً على نصف اليوم
جعلوا الشهر الأوّل ثلاثين يوماً; لأنّ
الكسر يقوم عندهم مقام الواحد إذا زاد على النصف.
ثمّ جعلوا الشهر الثاني تسعة و عشرين جبراً لنقصان الشهر الأوّل
فصارت الشهور الأوتار كلّها
ثلاثين ثلاثين
و الأشفاع كلّها تسعة و عشرين تسعة و عشرين
حتى إذا كملت السنة
اجتمع من الكسر
الزائد على نصف اليوم الذي أهملوه من كلّ شهر ـ و هو أربع و أربعون دقيقة ـ ثمان ساعات و ثمان و
أربعون دقيقة
و هو خمس يوم و سدسه
فاجتمع في كلّ ثلاثين سنة أحد عشر يوماً
و كبسوها أي أدرجوها في
إحدى عشر سنة من كلّ ثلاثين سنة: هي الثانية
و الخامسة
والسابعة
و العاشرة
و الثالثة عشرة
و
الخامسة عشرة
و السادسة عشرة
و الثامنة عشرة
والحادية و العشرون

و الرابعة و العشرون
والسادسة
والعشرون
والتاسعة والعشرون; فسمّوها لذلك السنين الكبيسة
وجعلوا ذا الحجة في كلّ منها ثلاثين
يوماً
فتوالت فيها ثلاثة أشهر
كلٍّ منها ثلاثون يوماً.
أقول: ولا فرق بين السنين الكبيسة و غيرها في أنّ رمضان تامّ و شعبان ناقص
و يظهر من جماعة من
الأصحاب أنه لا خلاف بينهم في عدم اعتبار الجداول .
نعم نسبه الشيخ في الخلاف إلى شاذٍّ منّا .
و كلام ابن زهرة في الغنية أيضاً مشعر بأنّ فيهم من يعتبره
قال: و علامة دخوله أي الشهر رؤية الهلال
و بها يعلم انقضاؤه
بدليل إجماع الاُمة بأسرها من الشيعة و غيرها على ذلك
و عملهم به في زمن النبي ْ
و ما بعده إلى أن حدث خلاف قوم من أصحابنا فاعتبروا العدد دون الرؤية
و تركوا ظواهر القرآن و
المتواتر من روايات أصحابنا
و عوّلوا على ما لايجوز الاعتماد عليه من أخبار آحاد شاذّة
و من الجدول
الذي وضعه عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ونسبه إلى الصادق &
و الخلاف الحادث لايوثّر في
دلالة الإجماع السابق
و كما لا يؤثر حدوث خلاف الخوارج في رجم الزاني المحصن في دلالة الإجماع على
ذلك
فكذلك حدوث خلاف هؤلاء
و هذا عبداللّه بن معاوية مقدوح في عدالته بما هو مشهور من سوء طريقته
مطعون في جدوله بما تضمنه من قبيح مناقضته
و لو سلم من ذلك كله لكان واحداً لايجوز في الشرع العمل
بروايته
انتهى.
وكيف كان فلا ريب في بطلانه و عدم جواز الاعتماد عليه; لمخالفته للشرع
لقوله تعالى:
يسألونك عن
الأهلّة قل هي مواقيت للناس
.
و قوله &: (من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما نزل على محمّد ْ) و الأخبار المتواترة الدالّة على
توقيت الصيام و الفطر بالرؤية لاحاجة إلى ذكرها .
وكذلك ما يدلّ على عدّ شعبان ثلاثين إذا غمّ الشهر
و الأخبار الناصّة على كون رمضان تسعة و عشرين

و
هي أيضاً كثيرة
إلى غير ذلك من الأخبار.
مع أنّ أهل التقويم لا يثبتون أوّل الشهر بمعنى جواز الرؤية
بل بمعنى تأخّر القمر عن محاذاة الشمس
ليرتّبوا عليه مطالبهم من حركات الكواكب و غيرها
و يعترفون بأنه قد لا تمكن رؤيته
بل يقولون: إنّ
الأغلب عدم إمكان رؤيته تلك الليلة
و قد لايمكن في الثانية أيضاً
و يتّفق نادراً أن لاتمكن في
الثالثة أيضاً
و الشارع علّق الأحكام الشرعيّة على الرؤية
لاعلى التأخير المذكور
هكذا قاله في
المسالك .
السادس: العدد
المشهور في تفسيره: عدّ شعبان ناقصاً أبداً
و شهر رمضان تامّاً أبداً. و قد يطلق على ما ذكرناه في
تفسير الجدول و على ما سيجيء من عدّ خمسة من هلال السنة الماضية و غيره أيضاً.
والمشهور عدم اعتباره
بل ادّعى عليه الإجماع في المسائل الناصرّية
قال: و إليه يذهب جميع أصحابنا
و هو مذهب جميع الفقهاء من أهل السنة و هو الظاهر من كلام ابن زهرة المتقدّم ذكره .
والقول به نقله في المعتبر عن قوم من الحشويّة
والمرتضى عن شذّاذ من أصحابنا لا اعتبار بقولهم .
و هو مذهب الصدوق
فإنّه قال في الفقيه بعد ذكر الأخبار الدالّة على أنّ رمضان تامّ أبداً و شعبان
لايتم أبداً: من خالف هذه الأخبار و ذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة في ضدّها اُتّقي كما تتّقى
العامة
و لايكلّم إü بالتقية كائناً من كان
إü أن يكون مسترشداً فيرشد و يبيّن له
فإنّ البدعة
إنّما تُماث و تبطل بترك ذكرها
و لاقوة إü بالله .
وقال في الخصال: مذهب خواصّ الشيعة و أهل الاستبصار منهم في شهر رمضان أنه لا ينقص عن ثلاثين يوماً
أبداً
و الأخبار في ذلك موافقة للكتاب و مخالفة للعامة
فمن ذهب من ضعفة الشيعة إلى الأخبار التي
وردت للتقية في أنه ينقص و يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان والتمام اتّقي كما تتقى العامة
و لم
يكلّم إü بما يكلّم به العامة

و لاقوة إü باللّه .
لنا: أنّ لفظ شهر رمضان الذي ورد في القرآن و السنة يرجع في معناه إلى العرف
و المعروف في معناه ما
كان محدوداً بالرؤية في أوّله و آخره
و لاعبرة عند أهل (العلم) بما يعتبره المنجّمون من التأخّر عن
محاذاة الشمس و غيره.
ويدلّ عليه أيضاً: أنّ الأهلّة مواقيت للناس والحجّ والطريقة المستمرّة من زمان الشارع إلى الآن
بكمال الاعتناء في الاستهلال
و لو كان يكفي محض العدد لما احتاجوا إلى ذلك
و الاستصحاب في خصوص
شعبان
و الأخبار المتواترة الدالّة على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية
و خصوص ماورد في شهر
رمضان و شعبان و هي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها.
وهي صحيحة حمّاد بن عثمان
عن الصادق &
أنه قال في شهر رمضان: (هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور
من النقصان) .
وصحيحة الحلبي عنه & في حديث قال
قلت: أرأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوماً أقضي ذلك اليوم؟ فقال:
(لا
إü أن يشهد لك بيّنة عدول
فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك اليوم فاقض ذلك اليوم) .
وصحيحة محمّد بن مسلم
عن أبي جعفر & في حديث قال: (وإذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين) إلى غير ذلك من
الأخبار
و قد مرّت صحيحة هشام بن الحكم في مسألة رؤية الهلال في البلدان المتقاربة .
احتجّ الصدوق بما رواه
عن حذيفة بن منصور
عن أبي عبد اللّه &
قال: (شهر رمضان ثلاثون يوماً لاينقص
أبداً)
قال: و في رواية حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثيرـ و يقال له: معاذ بن مسلم الهواء ـ عنه &
قال:
(شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص والله أبداً) .
وفي رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع
عن محمّد بن يعقوب
عن شعيب ـ وفي نسخة عن محمّد بن يعقوب بن شعيب
ـ عن أبيه
عن أبي عبد اللّه & قال
قلت: إنّ الناس يروون أنّ رسول اللّه ْ ما صام من شهر رمضان تسعة و
عشرين يوماً أكثر مما صام ثلاثين

قال: (كذبوا
ما صام رسول اللّه ْ إü تاماً
و لاتكون الفرائض ناقصة
إن اللّه تبارك و تعالى خلق السنة ثلاثمائة و ستين يوماً
و خلق السمِاوا§ت و الأرض في ستة أيام
فحجزها من ثلاثمائة و ستين يوماً
فالسنة ثلاثمائة و أربعة و خمسون يوماً
و شهر رمضان ثلاثون يوماً;
لقول اللّه عزوجل:
ولتكملوا العدّة
و الكامل تام
و شوال تسعة و عشرون يوماً
و ذو القعدة ثلاثون
يوماً; لقول الله عزوجل:
و واعدنا موسى ثلاثين ليلة
والشهر هكذا ثمّ هكذا
أي شهر تام و شهر ناقص
و
شهر رمضان لاينقص أبداً
و شعبان لايتمّ أبداً) .
و سأل أبو بصير أبا عبداللّه & عن قول اللّه عزوجل:
ولتكملوا العدة
قال: (ثلاثين يوماً) .
وعن ياسر الخادم قال
قلت للرضا &: هل يكون شهر رمضان تسعة و عشرين يوماً؟ فقال: (إنّ شهر رمضان لاينقص
عن ثلاثين أبداً) .
هذا ما ذكره في الفقيه من الأخبار
و في معناها روايات اُخر مذكورة في التهذيب و الكافي والخصال و
معاني الأخبار
و كثير منها يرجع إلى حذيفة بن منصور.
قال الشيخ : إنّ هذا الخبر شاذّ لايوجد في شيء من الاُصول
و لافي كتاب حذيفة
و هو مختلف الألفاظ
مضطرب المعاني; لأنه تارة يرويه عن الصادق &
و تارة يفتيه من قبل نفسه
و تارة يرويه عن الإمام
بواسطة
و تارة بلاواسطة
فلا يعارض به المتواتر من الأخبار
و القرآن العزيز
و عمل جميع المسلمين.
و ذكر لها توجيهات:

منها: أنّ من تلك الأخبار ما يدلّ على نفي كون صوم الرسول ْ تسعة و عشرين أكثر من كونه ثلاثين
و تكذيب
الراوي من العامة لذلك
و أنّ منها ما يدلّ على الإخبار عما اتفق في زمان الرسول من عدم النقص
و هو
لايستلزم تمامه أبداً
و أن كلمة (أبداً) في كثير منها يرجع إلى المنفي لا إلى النفي
يعني نقصه ليس
دائماً
لا أنّه دائماً لاينقص.
وقد توجّه أيضاً بأنّ المراد أنّ ثوابه ثواب ثلاثين يوماً
و لاينقص بنقص يوم منه
و بأنّه لايجوز أن
يقال ناقص; لأنّه صفة ذم.
ومنها: أنّ المراد الحثّ على صوم آخر شعبان.
أقول: و قد يختلج بالبال أن يقال: لما كان من المسلّمات أنّ الشهور قد تكمل و قد تنقص
و أنّ الكمال
بتمام الثلاثين و النقص بتسعة و عشرين فلا يوجد شهر يتمّ بثمانية و عشرين حتى يكون كماله بتسعة و
عشرين
و كثيراً ما يُعيّد العامة بعد ثمانية و عشرين كما رأيناه مكرراً في زماننا و إن كان بسبب وضع
الشاهدين على الرؤية في أوّل الشهر
فيكون هذا ردّاً عليهم
يعني أصل رمضان ليس تسعة و عشرين حتى
يكون الناقص منه ثمانية و عشرين
بل لاينقص الأصل من ثلاثين أبداً
فيكون الناقص تسعة و عشرين.
و تؤيده بعض الأخبار
مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان ـ و في طريقه حماد بن عيسى ـ عن رجل نسي حمّاد بن
عيسى اسمه
قال: (صام عليّ & بالكوفة ثمانية و عشرين يوماً شهر رمضان
فرأوا الهلال
فأمر منادياً
ينادي: اقضوا يوماً
فإنّ الشهر تسعة و عشرون يوماً) .
وكيف كان فهذه الأخبار مما لا يمكن التعويل عليها من وجوه شتّى
و تلوح منها رائحة الوضع; لاشتمالها
على الأيمان المغلّظة التي هي شأن من يريد ترويج كلامه.
و منها: مخالفتها للحسّ و الاعتبار.
و منها: اشتمالها على مضامين لاترجع بظاهرها إلى محصّل
و تعليلات غير منطبقة على معلولاتها
فلاحظ
رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع إلى آخرها تقف على ما ذكرنا.

و التوجّه إلى كلّ واحد من الأخبار و ذكر ما فيها و تأويلها تطويل بلاطائل لايفي الوقت بها
مع عدم
الاحتياج إليها; إذ الظاهر أنّ هذا القول مسبوق بالإجماع على خلافه
و ملحوق به كما يظهر من الأصحاب.
ونقل عن ابن طاوس: أنّ جماعة من الذين انتصروا لهذا القول قد رجعوا عنه وألّفوا كتاباً في ردّه .
والإنصاف: أنّ التوجيهات التي ذكروها لهذه الأخبار أكثرها في غاية البعد منها
و لا تتمّ في كثير
منها
و ما ذكر في بعضها لايجامع ما يدلّ عليه بعض آخر منها
فالأولى طرح هذه الأخبار
و وكول أمرها
إلى الصادع بها إن كان هو الإمام; لمخالفتها للحس و العقل و الكتاب و السنة و الإجماعات المنقولة.
وأما ما قد يستدلّ على هذا القول بقوله تعالى:
أياماً معدودات
و
ولتكملوا العدّة
.
فأمّا الآية الأُولى ففيها: أنّ كونها معدودة لاخلاف فيه
و إنّما الاختلاف فيما يعرف به أوّل هذا
العدد و آخره
و ليس في الآية ما يدلّ عليه.
وقيل: إنّ المراد بالمعدودات الإشارة إلى القلّة تسهيلاً للأمر كما في دراهم معدودة
مع أنّ أيّام
الحيض أيضاً معدودة بمعنى أنّ لها حدّين لاتتجاوزها قلّة و كثرة و إن اختلفت بنفسها.
مع أنّه قيل: إنّها أيّام عاشوراء
و قد نسخت بشهر رمضان .
وأما الثانية ففيها: أنّ إكمال كلّ واحد من الأقلّ و الأكثر إكمال له
و أنّ المراد بإكمالها إكمال
عملها
فكما أنّ المعتدّة تكمل عدّتها بثلاثة أشهر
و قد يكون بعضها ناقصاً و لاينافي الإكمال
فكذا
ما نحن فيه
و كذا إتمام حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة
فإنه قد يتحقّق الإكمال مع كون
أحدهما زائداً على الآخر
كما لو كانت السنة كبيسة.
و قد يقال: إنّ المراد بالعدّة هو قضاء مافاته في المرض أو في السفر كما يرشد إليه سياق الآية.
السابع: رؤية الهلال قبل الزوال
و المشهور المعروف أنّه لاعبرة بها
و ادّعى عليه الإجماع ابن زهرة و العلامة في التذكرة
بل لم يذكر

الخلاف فيه إü عن الثوريّ و أبي يوسف من العامّة
و نقل عن الآخرين الموافقة لنا
و عن أحمد القول
بالتفصيل .
و عن المنتهى: أنّه مذهب أكثر علمائنا إü من شذّ منهم لا نعرفه
و هو ظاهر الشيخ في الخلاف أيضاً .
وذهب المرتضى في المسائل الناصريّة إلى أنّه إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية
و قال:
دليلنا إجماع الفرقة المحقّة
و أيضاً ما روي عن أمير المؤمنين & و ابن عمر و ابن عباس و ابن مسعود و
أنس أنهم قالوا بذلك و لا مخالف لهم .
وهو معارض بما ذكره الشيخ في الخلاف: أنّه روي عن أمير المؤمنين & و ابن عمر و أنس أنهم قالوا كلّهم
لليلة القابلة
و لامخالف لهم
فدلّ على أنه إجماع الصحابة .
وربما نسب إلى الصدوق في المقنع حيث روى الرواية الدالّة عليه
وربّما يظهر من المحقّق الأردبيلي ـ
رحمه اللّه ـ الميل إليه .
ونُسب إلى العùمة في المختلف القول بالتفصيل
فيعتبر في الصوم دون الفطر .
و في التذكرة بعد ما نسب إلى الثوري و أبي يوسف القول بالاعتبار مطلقاً
نقل عن أحمد أنّه قال: إن كان
في أوّل شهر رمضان فهو للماضية
و إن كان في هلال شوال فروايتان
إحداهما: أنّه كذلك
و الثانية:
للمستقبلة
ثمّ غلطهما
و الظاهر أنّه في المختلف أيضاً موافق للمشهور كما سنشير إليه.
لنا: الاستصحاب
و عدم جواز نقض اليقين بالشك المدلول عليه بالأخبار المعتبرة
خصوصاً ما ورد في شهر
رمضان أنّه لايعمل فيه بالتظنّي و لابدّ من اليقين
و الإجماعات المنقولة
و الأخبار المتواترة
القائلة (صم للرؤية و افطر للرؤية) فإنّ الظاهر أنّها على نسق واحد في الجميع
و هي ظاهرة في وجوب
الصوم و الفطر غداً
لابعدهما بلا فاصلة.
لايقال: إنّ الغالب المتعارف في الرؤية إنّما هو في أوّل الليلة
فلا تنصرف تلك الأخبار إلى الرؤية
قبل الزوال

فدلالة الأخبار على وجوب الصوم و الفطر غداً إذا رؤي في الليل لاتنافي وجوب الصوم
والفطر إذا رؤي قبل الزوال.
لأنّا نقول: هذا يستلزم منع دخول الرؤية بعد الزوال في مصداق الأخبار أيضاً
سيّما ما قرب من الغروب
و هو بعيد.
سلّمنا عدم الدخول
لكنّا نقول: ظاهر تلك الأخبار تعيين العلامة
يعني أنّ الرؤية في الليل علامة
لوجوب الفطر و الصوم غداً
و عدمها فيها علامة لعدمه
فدلّت تلك الأخبار على عدم الوجوب و إن رؤي قبل
الزوال.
و ذلك أيضاً يكفي في الاستدلال; لصدق عدم الرؤية في الليلة الماضية.
و رؤيته قبل الزوال لاتصير موجباً لصيرورته هلالاً في الليلة الماضية
إذ اتصاف القمر بكونه هلالاً
إنّما هو بإمكان الرؤية
بل فعليّتها
لامجرد الخروج من تحت الشعاع
و قد يخرج ولا تمكن رؤيته في تلك
الليلة
بل و ما بعدها أيضاً.
وصحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة في دليل مذهب سùر .
وجه الدلالة: مفهوم قوله &: (وإن لم تروا الهلال إü من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام) فإنّ وسط
النهار شامل لما قبل الزوال; إذ ليس المراد هو ركود الشمس في دائرة نصف النهار; لاستحالته
و عدم
انصراف فهم العوام إليه الذي هو المعيار في فهم الأخبار
سيّما و الأظهر الأشهر أنّ النهار اسم لما
بين طلوع الفجر إلى الغروب
لا ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.
وعلى هذا فالمنتصف إنّما هو قبل الزوال
مع أنّه هو المحتاج إليه في سؤال الرواة وجوابهم {
فكيف يطوي
عن الاعتناء بحاله بالمرّة
و عدم التعرّض لذكر أوّل النهار لندرته جدّاً.
و ما رواه الشيخ في التهذيب
عن عليّ بن حاتم
عن محمّد بن جعفر
عن محمّد ابن أحمد بن يحيى
عن محمّد
بن عيسى
قال: كتبت إليه &: جعلت فداك ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال
و ربّما رأيناه بعد الزوال

فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمر في ذلك؟ فكتب &:
(تتمّ إلى الليل
فإنّه إذا كان تاماً رؤي قبل الزوال) .
ومحمّد بن جعفر و إن كان مشتركاً بين الثقة و غيره
و لكن استاذنا ـ طاب ثراه ـ قال في بعض تحقيقاته:
ما رواه الشيخ عن كتاب عليّ بن حاتم الثقة الجليل بسنده الصحيح عن محمّد بن عيسى
و مع ذلك فالضعف
منجبر بالشهرة التي كادت أن تكون إجماعاً.
وجه الدلالة: أنّ الظاهر أنّ المراد من هلال شهر رمضان هو هلال شوال كما يتسامح فيه في المتعارف
بقرينة قول السائل: (فترى أن نفطر) إذ هو المناسب للصوم اللازم
دون صوم آخر شعبان
و قوله & في الجواب:
(تتم إلى الليل) دون أن يقول: اعدل بنيتك إلى صوم رمضان
و بالعلّة المنصوصة يتمّ الحكم في أوّل شهر
رمضان أيضاً
بل القول بعدم الفصل لما سنذكر من موافقة المختلف للمشهور.
وفي شرح الروضة للفاضل الإصفهاني (غمّ علينا الهلال) معرّفاً باللام
فلا إشكال.
وعن جرّاح المدائني قال
قال أبو عبد الله &: (من رأى هلال شوال بنهار في رمضان فليتم صيامه) و لاوجه
لحملها على ما بعد الزوال
سيّما و المحتاج إليه هو بيان ما قبل الزوال كما ظهر من مخالفة الثوري في
زمانه & و أبي يوسف
و لم يعهد خلاف من أحدهما في بعد الزوال حتى يكون الحديث رفعاً له.
وموثّقة إسحاق بن عمار أو صحيحته
قال: سألت أبا عبدالله & عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من
شعبان
فقال: (لاتصمه
إü أن تراه
فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه
و إذا رأيته في وسط النهار
فأتم صومه إلى الليل) .
ييعني بقوله &: (أتمّ صومه إلى الليل) على أنّه من شعبان
دون أن ينوي أنّه من رمضان .
فإن اعتبرنا تفسير الراوي فالأمر واضح.
و إن لم نعتبره فيمكن القول: بأنّ المراد من قوله &: (وإذا رأيته في وسط النهار) إلى آخره أنّه حكم هلال
شوال; لأنّ بعد ما نهاه عن الصوم بدون رؤيته في الليل فلا صوم ههنا متحقّق الوقوع حتى يقال: أتمه.
و كذلك أمره بالقضاء لو رآه أهل بلد آخر يشهد بعدم كونه صائماً.
وروى الفاضل الإصفهاني
عن بعض الكتب
عن أمير المؤمنين &
قال: (إذا رأيتم الهلال أو رآه ذوا عدل منكم

نهاراً فلا تفطروا حتّى تغرب الشمس
كان ذلك في أوّل النهار أو في آخره
و قال: لاتفطروا إü لتمام
ثلاثين من رؤية الهلال أو بشهادة شاهدين عدلين أنّهما رأياه) .
حجة القول الآخر: حسنة حمّاد بن عثمان ـ لإبراهيم بن هاشم ـ عن أبي عبدالله &
قال: (إذا رأوا الهلال
قبل الزوال فهو لليلة الماضية
و إذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة) .
وموثقة عبيد بن زرارة و عبداللّه بن بكير قالا
قال أبو عبد الله &: (إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك
اليوم من شوّال
و إذا رؤي بعد الزوال فذلك من شهر رمضان) .
وردّهما الشيخ بالشذوذ
و كونهما غير معلومين
وبمخالفتهما للكتاب والأخبار المتواترة معنيً;
الدالة على وجوب الصوم للرؤية والفطر للرؤية .
وتردّد بعض الأصحاب مثل المحقق في المعتبر والنافع
و كذا يظهر من صاحب المدارك بسبب اعتبار سند
الروايتين.
و ليس في محلّه; إذ كلّما كان السند أصحّ و الدلالة أوضح و العدد أكثر والقائل أقلّ
وكان الطرف
المخالف أضعف سنداً ودلالة و القائل بها أكثر
يقوى الظن باعتبار ما اشتهر العمل به
و يضعف الشاذ.
واحتج العلامة في المختلف ـ مضافاً إلى هاتين الروايتين
و ما نقل في المسائل الناصرية من قول أمير
المؤمنين & والصحابة ـ بأنّه أحوط للعبادة
وبالأخبار الدالّة على وجوب الصوم للرؤية بناءاً على
أنّه إذا رؤي قبل الزوال كان وقت الصوم باقياً فيجب ابتداؤه حينئذٍٍ.
وفيه: مع بُعده بالنسبة إلى الرواية الثانية; أنّه لا معنى للاحتياط إü بنيّة شعبان
لئù يكون مفطراً
يوماً من رمضان لو كان في نفس الأمر منه
و هو ليس معنى صومه من رمضان
مع أنّه لايتم في آخر الشهر;
لتردّده بين الحرام و الواجب.
ثمّ إنّه قال في آخر كلامه: إذا عرفت هذا فنقول: لو رؤي في أوّل الشهر قبل الزوال و لم يُر ليلة إحدى و
ثلاثين هلال شوال وجب صومه إن كان هذا الفرض ممكناً إذا حصلت علّة; لأن الاحتياط للصوم متعيّن
فلايجوز الإقدام على الإفطار بمثل هذه الروايات المفيدة للظن المعارضة بمثلها .
وأنت خبير بأنّ الاحتياط لايصير دليلاً شرعياً
ولادليل على وجوبه
و لاوجه للفرق بين الواجب
والحرام.

وهذا الكلام منه يشعر بأنّ مراده الصيام في الأوّل من شعبان احتياطاً
وكذا في الآخر لابقصد أنّه من
شوال
فلا مخالفة له مع المشهور.
الثامن: عدّ خمسة أيّام من أوّل شهر رمضان في السنة الماضية
وجعل الخامس أوّل السنة الآتية
فإذا
كان أوّل الأوّل جمعة يكون أول الثاني الثلاثاء.
ولا اعتبار به عند الأصحاب
و إن وردت به روايات
مثل ما رواه عمران الزعفراني
قال
قلت لأبي عبد الله
&: إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليوم و اليومين والثلاثة
فأيّ يوم نصوم؟ قال: (انظر اليوم الذي
صمته من السنة الماضية
و صم يوم الخامس) .
وروايته الاُخرى أيضاً قال
قلت لأبي عبد اللّه &: إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لانرى شمساً
ولا نجماً
فأيّ يوم نصوم؟ قال: (انظر اليوم الذي صمته من السنة الماضية
و عدّ خمسة أيام
و صم اليوم
الخامس) .
و ما رواه الصدوق مرسلاً عنه & قال: (إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم
فعدّ في العام
المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيّام
و صم يوم الخامس) .
ورواية محمّد بن عثمان الخدري
عن بعض مشايخه
عنه &
قال: (صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم صمت
عام أوّل) .
و نزّلها الشيخ على أنّ السماء إذا كانت مغيّمة فعلى الإنسان أن يصوم اليوم الخامس احتياطاً لرمضان
من قبيل يوم الشك
لاعلى أنّه من رمضان .
نعم عمل بتلك الروايات جماعة من الأصحاب إذا غمّت شهور السنة كلّها
و أمّا لو غمّ شعبان فقط أو أزيد
منه فيجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً
ثمّ يصام وجوباً
و ظاهر التذكرة الإجماع على ذلك .
وبالجملة هذه الروايات مع ضعفها و شذوذها و عدم العامل بها على الإطلاق لاتقاوم ما دلّ على اعتبار

الرؤية و إتمام ثلاثين من شعبان .
مع أنّها لا تتم في السنة الكبيسة
كما صرّح به جماعة من الأصحاب
ففيها لابدّ من جعله السادس أوّلاً
للسنة الآتية.
و وردت بذلك أيضاً رواية
وهي ما رواه السيّاري
قال: كتب محمّد بن الفرج إلى العسكري & يسأله عمّا روي
عن الحساب في الصوم عن آبائك في عدّ خمسة أيّام بين أوّل السنة الماضية و السنة الثانية التي تأتي
فكتب: (صحيح
و لكن عدّ في كل أربع سنين خمساً
و في السنة الخامسة ستاً فيما بين الأوّل و الحادث
وما
سوى ذلك
فإنما هو خمسة خمسة).
قال السياري: و هذه من جهة الكبيسية
قال: و قد حسبه أصحابنا فوجدوه صحيحاً.
قال: و كتب إليه محمّد بن الفرج في سنة ثمان و ثلاثين و مائتين: هذا الحساب لايتهيّأ لكلّ إنسان أن
يعمل عليه
إنّما هذا لمن يعرف السنين
ومن يعلم متى كانت السنة الكبيسية ثمّ يصحّ له هلال شهر رمضان
أوّل ليلة
فإذا صحّ الهلال لليلته و عرف السنين
صحّ له ذلك إن شاء اللّه .
ثمّ إنّ المشهور أنّه فيما لو غمّت شهور السنة العمل على عدّها ثلاثين ثلاثين
و ذهب جماعة من
الأصحاب إلى اعتبار عدّ خمسة أيّام; لموافقته للعادة
حتّى أنّه نقل عن صاحب عجائب المخلوقات أنّه
قال: قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحاً
و لكن مع التقييد بغير السنة الكبيسية .
ويظهر من المختلف أنّ اعتماده إنّما هو على العادة دون الروايات; لضعفها .
وتوجيهه: أنّ المتبادر مما دلّ على اعتبار إتمام الثلاثين إنّما هو فيما لم تغمّ جميع الشهور
فإنّ
العرف والعادة إنّما جريا على كون شطر الشهور ناقصة
فلابد من اعتبارها. و أما تعيينه على هذا الوجه
ـ يعني بعنوان عدّ خمسة أيّام ـ فلغلبة وقوعه أيضاً في العادة.
ومرجع هذا الاستدلال العمل بالظنّ و تقديم الظاهر على الأصل
و أنّ التكليف بالصوم باقٍ والعلم
بأوّل الشهر متعذّر; إذ المفروض انعدام جميع العلامات من الرؤية و البيّنة و الاستفاضة
و لم يبقَ إü
استصحاب عدم دخول الشهر
و استصحاب عدم تمام الشهر السابق

وهما لايقاومان هذا الظهور; إذ المناط في
حجية الاستصحاب هو حصول الظن
والمفروض فقده
بل خلافه مظنون.
و ما دلّ على عدم جواز العمل بالتظنّي خصوصاً في شهر رمضان إنّما ينصرف إلى ما كان يقين ثابت حتى
يستصحب حكمه
و هو في كلّ شهر شهر مفقود; لعدم معلوميّة أوّلها.
وأمّا بالنسبة إلى مجموع الستّة أشهر أو تمام السنة مثلاً فلايعارض الظنّ الحاصل من الأخبار
الدالّة على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ
الظنّ الحاصل من هذا الظاهر
فإنّا قد حقّقنا في الاُصول
أنّ الظاهر أيضاً من القواعد المعتبرة كقاعدة اليقين و قاعدة نفي الضرر و الحرج و غير ذلك
و لابدّ
فيما لو تعارضا من الرجوع إلى المرجّحات
والرجحان هنا مع الظاهر
سيّما مع اعتضاده بالروايات
المستفيضة مع عمل جماعة بها فيما لو غمّت الشهور.
ثمّ إنّ ما ذكر يجري فيما لو غمّ أكثر من ثلاثة أشهر أيضاً
وإن لم يغمّ تمام السنة; لأنّ كون أزيد
منها تماماً بعنوان التوالي أيضاً نادر
بخلاف الشهرين والثلاثة
فإنّ الأصل حينئذٍٍٍٍ أقوى من
الظاهر.
لا يقال: إنّك قلت بأنّ العمل بأمثال هذه الظنون لايتمّ إü في نفس الأحكام
وأمّا في إثبات الموضوعات
فلابدّ من الوقوف على ما ثبت من الشرع.
لأنّا نقول: المفروض انتفاء ما ثبت من الشرع هنا
ولا سبيل إليه مع ثبوت التكليف الموقوف على معرفة
أوّل الشهر إü العمل بأحد هذين الأمرين
و لما لم يتمّ الدليل على العمل بالاستصحاب و عدّ ثلاثين
ثلاثين تاماً
فانحصر الرجوع إلى هذا الظن.
التاسع: لاعبرة بغيبوبة الهلال بعد الشفق
و اعتبره الصدوق في المقنع
قال: و اعلم أنّ الهلال إذا غاب
قبل الشفق فهو لليلة
وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين
و إن رؤي فيه ظلّ الرأس فهو لثلاث ليال
و نسب
هذا القول في التذكرة إلى بعض من لا يعتدّ به .
ولعلّ دليله رواية إسماعيل بن الحر ـ و في بعض النسخ إسماعيل بن الحسن ـ عن أبي عبدالله &
قال: (إذا

غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة
و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين) و هي مع ضعفها لاتقاوم ما دلّ على
انحصار معرفة الشهر بالرؤية أو إتمام ثلاثين أو نحو ذلك.
ويعارضها صريح ما رواه الشيخ عن أبي عليّ بن راشد
قال: كتبت إلى أبي الحسن العسكري & كتاباً و أرّخته
يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان
و ذلك في سنة اثنين و ثلاثين و مائتين
وكان يوم الأربعاء يوم
الشكّ
و صام أهل بغداد يوم الخميس و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس و لم يغب إü بعد الشفق
بزمان طويل
قال: فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس
وأنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء
قال: فكتب
إلي: (زادك الله توفيقاً
فقد صمت بصيامنا) قال: ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه فقال لي: (أو
لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس
فلا تصم إü للرؤية) .
أمّا رؤية رأس الظل ـ والمراد به ظلّ الرأس
فإنّ رأس ظلّ الإنسان هو ظلّ رأسه ـ فاعتباره هو الظاهر
من الصدوقين حيث ذكراه في المقنع والرسالة
خلافاً للأكثر.
و تدلّ عليه صحيحة مرازم
عن أبيه
عن أبي عبد اللّه &
قال: (إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين
و إذا رأيت
ظلّ رأسك فيه فهو لثلاث ليال) .
و هي و إن كانت صحيحة لكنها لاتقاوم العمومات و الإطلاقات المعتضدة بالأصل والعمل القريب من
الإجماع.
و يظهر من الصدوق أيضاً اعتبار التطوّق لهذه الرواية و جمهور الأصحاب على خلافه .
و قد حكم في التذكرة بضعف الرواية
و لعلّه أراد الشذوذ.
وحكم المحقّق في المعتبر ـ بعد ذكر الأخبار الواردة في هذه الاُمور المهجورة عند الأصحاب ـ أنّ هذه
الروايات شاذّة
والعامل بها نادر
وكذلك غيره .
العاشر: نقل عن ابن أبي عقيل أنّه قال: قد جاءت الآثار عنهم {: أن صوموا رمضان للرؤية
و أفطروا للرؤية
فإن غمّ عليكم
فأكملوا العدة من رجب تسعة وخمسين يوماً
ثمّ الصيام من الغد .

ويدلّ عليه ما رواه المفيد في المقنعة
عن أبي بصير
عن الصادق &: (إذا أهلّ هلال رجب
فعدّ تسعة و
خمسين يوماً ثم صم) .
وما رواه في الكافي
عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد يرفعه
عن أبي عبد اللّه &
قال: (إذا صحّ هلال شهر
رجب
فعدّ تسعة و خمسين يوماً و صم يوم الستين) .
ومارواه الصدوق أيضاً مرسلاً .
و هذه الرواية أيضاً ضعيفة شاذّة لايعارض بها ما تقدّم من الأخبار
و الأدلّة الحاصرة لعلامة الشهر.
ثمّ إنّ ههنا مسألتين:
الاُولى: المشهور بين الأصحاب استحباب صوم يوم الشكّ
و عن جماعة من الأصحاب الإجماع عليه
مثل
السيد في الانتصار و المسائل الناصرية
و ابن زهرة في الغنية
و الشيخ في الخلاف
و هو ظاهر الروضة .
و يدلّ عليه مضافاً إلى العمومات عموم ماورد في صوم شعبان
وخصوصاً في الثلاثة الأخيرة
وخصوصاً
ماورد في يوم الشك
و هو كثير جداً
مثل صحيحة سعيد الأعرج قال
قلت لأبي عبد الله &: إنّي صمت اليوم
الذي يشكّ فيه
و كان من شهر رمضان
أفأقضيه؟ قال: (لا
هو يوم وفّقت له) .
وما رواه سهل بن سعد
عن الرضا &
و في جملتها قال
قلت له: يابن رسول اللّه ْ
فما ترى في صوم يوم الشك؟
فقال: (حدّثني أبي
عن جدّي
عن آبائي { قال
قال أمير المؤمنين &: لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من

أفطر يوماً من شهر رمضان) .
ورواية بشير النبال
عن أبي عبداللّه &
قال: سألته عن صوم يوم الشك
فقال: (صمه
فإن يك من شعبان كان
تطوّعاً
و إن يك من رمضان فيوم وفّقت له) .
ورواية أبي الصلت عبد السلام بن صالح ـ رواها في المقنعة ـ عن الرضا &
عن آبائه { قال
قال رسول اللّه
ْ: (من صام يوم الشكّ فراراً بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيّام الآخرة غراء زهراء
لا تشاكلن أيّام
الدنيا) .
وعن أبي خالد
عن زيد بن عليّ بن الحسين
عن آبائه
عن عليّ بن أبي طالب & قال
قال رسول اللّه ْ: (صوموا
سرّ الله) قالوا: يا رسول اللّه
و ما سرّ اللّه؟ قال: (يوم الشكّ) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي
لاحاجة إلى ذكرها
و قد مرّ بعضها في مسائل النية.
وعن ابن الجنيد أنّه قال: لا استحب الابتداء بصيام يوم الشكّ إü إذا كان في السماء علّة تمنع من
الرؤية استظهاراً .
وعن المفيد في العزّية أنّه قال: يكره صوم يوم الشك إذا لم يكن هناك عارض و تيقّن أوّل الشهر و كان
الجوّ سليماً عن العوارض و تفقّد الهلال و لم يُر مع اجتهادهم في الطلب
و لايكون هناك شك حينئذٍٍٍٍ
ويكره صومه حينئذٍٍ إü لمن كان صائماً قبله شعبان أو أياماً تقدّمته من شعبان
بذلك جاءت الآثار عن
آل محمّد { .
وتحقيق المقام يقتضي ذكر اُمور:
الأوّل: في موضوع المسألة
أعني يوم الشك
فقال الشهيد الثاني في الروضة: و هو يوم الثلاثين من شعبان
إذا تحدّث الناس برؤية الهلال
أو شهد به من لا يثبت بقوله .
و تقرب منه عبارته في المسالك
قال: و اعلم أنّ موضع الخلاف إنّما هو مع تحقّق كونه شكاً
لا مطلق يوم
الثلاثين
و لايتحقق كونه شكاً إü مع تحدّث الناس برؤيته على وجه لايثبت

أو بشهادة الواحد و نحوه
و
بدون ذلك لايكون شكّاً
فلا يتعلّق به حكمه من كراهة صومه و لا استحبابه على الوجه الوارد .
وأنت خبير بأنّ عبارة المفيد السابقة صريحة في أنّ الكراهة إنّما هي في صورة عدم الشكّ
و المشهور
عدمها
و هوموضع الخلاف.
وأيضاً ظاهر التذكرة و المنتهى و الدروس و الشرائع أنّ محل النزاع مطلق الثلاثين و أنّه يسمّى يوم
الشك مطلقاً .
قال في التذكرة: يستحب صيام يوم الشكّ من شعبان إذا لم ير الهلال
و لايكره صومه
سواء كان هناك مانع
من الرؤية كالغيم و شبهه أو لم يكن
و به قال أبوحنيفة و مالك .
إلى أن قال: و قال شيخنا المفيد رحمه اللّه: إنّما يستحب مع الشكّ في الهلال لامع الصحو و ارتفاع
الموانع
و يكره مع الصحو و ارتفاع الموانع إü لمن كان صائماً قبله
و به قال الشافعيّ و الأوزاعيّ و .
أقول: والتحقيق أن يقال: المراد بيوم الشكّ يوم من شأنه الشك بعنوان القاعدة الكلية كما هو الغالب في
التسميات
و لمّا كان الشهر دائماً مردّداً بين أمرين ثلاثين يوماً وتسعة و عشرين يوماً
فيوم
الثلاثين محلّ الشكّ
و لا ضرورة إلى فعليّة الشكّ في التسمية.
مع أنّه قلّما يوجد ارتفاع الشكّ; إذ عدم الوجدان لايدلّ على عدم الوجود
سيّما بعد ملاحظة هجر
القواعد الرصدية في الشرع
و هذا هو الظاهر من كلمات الأصحاب.
الثاني: الظاهر من الأخبار الواردة في استحباب صوم الشكّ أنّ العلّة فيها إدراك صوم رمضان و التوفيق
له في نفس الأمر
فيستحب الصوم لأجل أن لا يفوت هذا اليوم منه في نفس الأمر
فلاحظ الأخبار
فإنها
منادية بذلك.
فمراد أكثر الأصحاب من استحبابه بعد ما أجمعوا على استحباب صوم شعبان
وذكروا استحباب صوم الثلاثة
الأيام في آخره
ووصل شعبان برمضان
و نقلوا الأخبار الدالة على ذلك
ثم عنونوا الكلام في صوم يوم
الشك

ينبغي أن تكون الحكمة في استحبابه بالخصوص هو استحبابه لأجل إدراك صوم رمضان و التوفيق له
و
لامانع في العقل والشرع أن يكون لشيء واحد فضيلتان من جهتين.
فنظر المشهور إلى أنّ احتمال كونه من رمضان لاينتفي بسبب الصحو وعدم الرؤية و عدم الأمارات
الرصديّة
و نظر المفيد إلى عدم الاعتداد بالاحتمال الضعيف
و لذلك قال: (حينئذٍٍ ليس هناك شك).
فينبغي أن لا يمنع المفيد استحبابه من جهة أنّه آخر شعبان شرعاً
بل إنّما يقول بالكراهة لأجل أنّ
الاعتداد بالاحتمال الضعيف في إدراك التوفيق لصوم رمضان ليس مما يستند إليه في الحكم الشرعي; لأنّه
حينئذٍٍ متشبّه بمن يعتد بغير أمارة شرعية
و لذلك اشترط عدم تقدّم الصيام
فإنّ من كان يصوم قبل ذلك
و يستمرّ فيه إلى الآخر لايتوهّم فيه أنّه صام لأجل الاعتماد على ما لايجوز الاعتماد عليه
و يضمحلّ
هذا الاحتمال في جنب داعية الاستمرار على العمل
و على هذا فيشبه أن يكون النزاع لفظياً.
وكيف كان فالمذهب هو المشهور
فالأحسن على ما ذكرنا الاستدلال بخصوص ماورد في يوم الشكّ
و أنّه لأجل
التوفيق لصوم رمضان
و لأنّه فرار بدينه و نحو ذلك مما ذكر في الأخبار
لا بإطلاق ما دلّ على استحباب
صوم شعبان أو الثلاثة الأيام من آخره ونحو ذلك.
الثالث: في ذكر الآثار التي ذكرها المفيد
و لعلّه أراد بها مثل رواية معمّربن خلاد
عن أبي الحسن &
قال: كنت جالساً عنده آخر يوم من شعبان
فلم أرَه صائماً
فأتوه بمائدة
فقال: (اُدن) و كان ذلك بعد
العصر
قلت له: جعلت فداك صمت اليوم
فقال لي: (و لِمَ؟) قلت: جاء عن أبي عبد اللّه & في اليوم الذي يشكّ
فيه أنّه قال: (يوم وفّق له) قال: (أليس تدرون إنّما ذلك إذا كان لايعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان
فصامه الرجل و كان من شهر رمضان كان يوماً وفّق له
فأما و ليس علة و لاشبهة فلا) فقلت: أفطر الآن؟
فقال: (لا) فقلت: و كذلك في النوافل ليس لي أن أفطر بعد الظهر؟ قال: (نعم) .
ورواية هارون بن خارجة قال
قال أبو عبداللّه &: (عدّ شعبان تسعة و عشرين يوماً
فإن كانت مغيمة فأصبح
صائماً

و إن كان مصحية و تبصّرت فلم ترَ شيئاً فأصبح مفطراً) .
ورواية الربيع بن وüد
عن أبي عبد اللّه &
قال: (إذا رأيت هلال شعبان فعدّ تسعة و عشرين ليلة
فإن صحّت
فلم تره فلاتصم
و إن تغيّمت فصم) .
وأنت خبير بأنّ هذه الأخبار مع سلامتها لاتعارض بها الأخبار المتواترة المعتبرة
فلعلّ المراد بها
المنع عن صيامها لقصد احتياط إدراك رمضان لكمال بُعده
و لكن يلزمه بقاء الاستحباب لأجل أنّه من
شعبان أو آخر شعبان
و لا أقلّ من أجل أنّه صوم; لعدم المنافاة
فلا وجه للإفطار و الأمر بالإفطار كما
يستفاد من تلك الأخبار.
الرابع: لو صامه ندباً و ظهر كونه من رمضان أجزأ عنه اتفاقاً
و هو مدلول الأخبار الكثيرة جداً .
بل قال المفيد في المقنعة: ثبت عن الصادقين } لو أنّ رجلاً تطوّع شهراً و هو لايعلم أنّه شهر رمضان
ثمّ تبيّن له بعد صيامه أنّه كان شهر رمضان لأجزأ ذلك عن فرض الصيام . و قد تقدّم الكلام في ذلك و سائر
ما يتعلّق به في مباحث النية.
الخامس: لو أفطره و أهلّ شوال في ليلة التاسع و العشرين من رمضان قضاه
و كذا لو قامت بيّنة برؤيته
ليلة الثلاثين من شعبان بلا خلاف أعرفه
و تدلّ عليهما الأخبار
و مرّ بعضها مثل صحيحة عبد الله بن
سنان المتقدمة في مسألة العدد
و صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة في مسألة رؤية الهلال .
قال المحقق: و كلّ شهر تشتبه رؤيته يعدّ ما قبله ثلاثين .
و لم يذكر في المدارك و لا في المسالك خلافاً فيه
و إنّما ذكر المحقّق و غيره الخلاف فيما لو غمّت
شهور السنة
فذهب الأكثر إلى أنّه يعدّ الكلّ ثلاثين .
و قيل: ينقص منها; لقضاء العادة بالنقيصة .
و قيل: يعمل بعد الخمسة من السنة الماضية .
أقول: أمّا في خصوص شعبان فلا إشكال فيه; للإجماع و الأخبار
و أمّا في كلّ شهر غير شعبان فإن كان
إجماع فهو
و إü فهو مشكل.
و أمّا في غمّ الجميع; فالأظهر فيه البناء على النقيصة
بل بخصوص عدّ الخمسة.
والتحقيق أن يقال: إنّ ترك العمل على عدّ ثلاثين في الجميع كما اخترناه ليس لأجل ترجيح الظاهر على
الأصل فقط كما يظهر من المسالك

بل لأنّه لايمكن إجراء الاستصحاب أصلاً فيه
بل ولا في صورة غمّ
الكلّ
و لا في البعض
و إنّما قلنا بذلك في خصوص شعبان للدليل.
و وجهه: أنّا نعلم بالعيان أنّه ليس للشهور حدّ لاتتجاوزه
فقد يكون الشهر ثلاثين
و قد يكون تسعة و
عشرين
و تعيين خصوص الثلاثين بسبب الاستصحاب بناءاً على أنّ الاستصحاب قد يثبت حكماً جديداً كما في
حكاية استصحاب الطهارة في مادة عدم ناقضيّة المذي إنّما يتمّ لو صحّ إجراء الاستصحاب.
و لايمكن فيما نحن فيه; إذ معنى الاستصحاب إجراء ما ثبت في الزمان الأوّل في الزمان الثاني على مقتضى
جري عادة الله على بقاء الحكم الأوّل
فمرجعه إلى حصول الظنّ بسبب العادة
فإذا كانت العادة مختلفة
في أفراد كلّي
فلايمكن تسوية جميع أفراد الكلّي
بل إنّما يقتصر على ما هو ثابت في الأقلّ
استمراراً.
و لاريب أنّ تفاوت الشهور في العدد يبنى على تفاوت أوضاع سير القمر
و القمر في كلّ قطعة من الأيّام و
الأزمان يختلف بسبب اختلاف أوضاعه بالنسبة إلى الشمس
فوضعه في هذا الزمان على خلاف وضعه في الزمان
الآخر
و عادة الله إنّما جرت في هذه على خلاف هذه.
فالتمسّك باستصحاب عدم تأخّر القمر عن الشمس
و انسحاب مقتضى حالة اجتماعه معها في كلّ قطعة من تلك
الأزمنة التي هي شهر على حدة
تقتضي بقاءه على حاله إلى هذه الساعة التي خرجت من الظلمة إلى النور
و
هو قد يكون نهاية تسع و عشرين
و قديكون نهاية ثلاثين
فكيف يحكم بأنه هو هذا دون ذاك تمسّكاً بمطلق
استصحاب عدم التأخّر؟!
نعم الاستصحاب يتمّ في حصول مراتب التأخّر في كلّ منها على حدة
فإذا علمنا أنّ لزيد مثلاً مسكناً في
موضع
و لكن لانعلم أنّ بناءه من الآجر أو الحجر أو من القصب والسعف
فلا يمكننا إجراء استصحاب بقائه
بعد مائة سنة لأجل وجوده في الزمان الأوّل
بل الاستصحاب إنّما يجري على أقلّهما مكثاً في الدنيا.
فبقاء القمر بلا نور قد تقصر مدّته و قد تطول

و يختلف بالنسبة إلى الأهلّة
فاستصحاب مطلق المكث
الذي هو معيار الكلام هنا ليثبت الحكم في الجميع أو في كلّ واحد لايتم إü في القدر المتيقّن.
فالاستصحاب لايقتضي إü الحكم بعدم الخروج إلى مقدار زمان التسع و العشرين
و أما انقطاعه حينئذٍٍ أو
استمراره إلى الثلاثين فلا يفيده الاستصحاب
فيبقى المقام مبهماً لانحكم عليه بشيء منهما.
و ليس هنا مجال أن يتوهّم أنّ الاستصحاب إلى أقلّ الأزمان إن سلّم لتيقّنه
لكن الخروج عن الاجتماع
أمر وجودي والأصل عدمه
وهو يقتضي تمام الثلاثين; لأنّا لم نرد باعتبار استصحاب الأقلّ نفي الحكم عن
الزائد و الاستدلال به على الحكم بتسع و عشرين حتّى يعارض بأصالة عدم سرعة السير و عدم خروج القمر عن
الاجتماع
بل المراد أنّ الثابت بالاستصحاب إنّما هو هذا المقدار المشترك بينهما
و هو لايثبت شيئاً
منها
فما ذكره في المسالك من ترجيح العمل برواية الخمسة في صورة غمّ الجميع لترجيح الظاهر بحسب
العادة و الغلبة
و ترجيح العمل بعد ثلاثين في الشهرين و الثلاثة للاستصحاب و الترددّ في أزيد من
ثلاثة لا يرتبط بالدليل.
نعم يظهر من المدارك أنّ الحكم في الشهرين و الثلاثة أيضاً إجماعيّ
قال: و موضع الخلاف ما إذا غمّت
شهور السنة أو أكثرها
و أما الشهران و الثلاثة فينبغي القطع بعدّها ثلاثين لما ذكرناه من امتناع
الحكم بدخول الشهر بمجرّد الاحتمال
و هو مشكل.
و يظهر من الروضة و المسالك وقوع الخلاف فيه حيث جعله أقوي
و قد ظهر مما ذكرنا خلافه.
ثمّ إنّه ـ رحمه اللّه ـ وجه الاستصحاب هنا بطريقين:
الأوّل: أن يقال إنّ الشهر المعيّن مثل شعبان واقع ثابت
و الأصل استمراره
إلى أن يتحقق الزوال
و
ليس إü بمضي ثلاثين
و كذا في غيره.
و الثاني أن يقال: إذا حصلت الخفية للهلال و هو المحاق فالأصل بقاؤها و عدم إمكان الرؤية
إلى أن
يتحقق خلافه بمضي ثلاثين .
أقول: قد عرفت عدم إمكان التمسّك بالاستصحاب على الوجه الثاني.
وأما الوجه الأوّل; فإن كان مراده من قوله (الشهر المعيّن ثابت واقع) ثبوته و وقوعه بما هو شهر فهو
أيضاً يرجع إلى الثاني; إذ لاتتم حقيقة الشهر إü بانقضاء زمان خفاء الهلال في آخره
و قد عرفت عدم

جريان الاستصحاب فيه.
وإن أراد منه استصحاب الأحكام الواردة فيها مثل وجوب الصوم في رمضان و تأكّد استحبابه في شعبان
و
تأكد استحباب التعزية في المحرّم و نحو ذلك
ففيه: أنّه إنّما يتمّ إذا كان الواجب في رمضان مثلاً هو
الصوم
و المستحب الموكّد في شعبان هو الصوم لاصوم رمضان وشعبان
وكذلك المحرّم في السفر هو صوم
رمضان
لا الصوم في رمضان
و هو في محل المنع
و الفرق بينهما واضح.
ويتفرّع على هذا الأصل فروع:
منها: جواز الصوم المندوب في شهر رمضان في السفر على القول بجوازه
و كذا الصوم المنذور تفريعاً على
أنّ الحرام هو صوم رمضان في السفر
لا الصوم في رمضان.
و الأظهر بالنظر إلى تتبّع النظائر هو الثاني
فإنه يفيد أنّ ظرف الزمان من مميزات المهيّة
كما
نشاهد في غسل الجمعة و غسل العيد و غير ذلك
بل وكذلك ظرف المكان و الأفعال
كغسل الإحرام و التوبة و
دخول مكّة و المدينة ونحو ذلك.
وعلى هذا فيدخل في مهيّة تلك الأحكام المستصحبة تعلّقها بالشهر بما هو شهر و يعود المحذور.
ثمّ إنّك قد عرفت دليل الرجوع إلى عدّ الخمسة بأنه روايتا عمران الزعفراني و غيرهما
و هي مع ضعفها
لا دلالة فيها على صورة غمّة الشهور كلّها كما لا يخفى
و لا غمّة أكثر من شهر
و لابدّ من تقييدها
بغير السنة الكبيسية كما عرفت.
وأما القول بالنقيصة مطلقاً فقال في المسالك: فليس فيه بيان الناقص
و لكن إحالته على العادة يقرّبه
من رواية الخمسة .
أقول: و الظاهر أنّ مراد القائل: (إنّ العادة تقتضي البناء على النقيصة و نقصان ستة أيام) من كلّ
السنة
و إذ لا مرجّح في تعيّنها في بعض الشهور دون بعض
فمقتضى الأصل و عدم جواز الترجيح بلا مرجّح و
بقاء التكليف تخيير المكلّف في جعل النقيصة في أيّ شهر أراد
لابمعنى جعل الجميع في شهر مثلاً
بل
جعل كلّ يوم في شهر حتى يكمل العدد.

والأولى أن لايجعل شهرين متواليين ناقصاً ـ وإن كان قد يتّفق ذلك
بل قد رأينا مرة اتفق نقصان ثلاثة
أشهر متواليات ـ بل يجعل شهر تاماً و شهر ناقصاً.
فلعلّ العمل برواية الخمسة في غير الكبيسية أحسن; جمعاً بين العمل بالروايات المعمولة عند جماعة
و
بين مقتضى العمل بالنقيصة
فهو أفضل الأفراد المخيّر فيها إذا لم نقل بتعيّنه.
المسألة الثانية: المحبوس الذي لايعرف الأهلّة
و الأسير الذي لايعرف الشهور وجب عليه الاجتهاد
و
الظاهر عدم الخلاف فيه; لأنّه مكلّف بصوم رمضان إجماعاً كما صرّح به في التذكرة .
و مع اعتقاده إمكان المعرفة به يجب الطلب من باب مقدّمة الواجب.
فإن اجتهد و غلب على ظنّه أنّ هذا الشهر هو شهر رمضان فيبني عليه.
والظاهر أنّ وجوب البناء عليه أيضاً إجماعيّ
و ادّعاه بعض الأصحاب صريحاً
و لأنّه إذا تعذّر عليه
العلم يرجع إلى الظن; لأنّ ترجيح المرجوح قبيح.
و لاينوي الأداء و القضاء كما ذكره الفاضلان في المعتبر و المنتهي .
ثمّ إن استمرّ الاشتباه أجزأ إجماعاً إü عن الحسن بن صالح بن حي كما في التذكرة .
و حكي عن المنتهى أيضاً
و لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء.
و لو ظهرت الموافقة أو تأخّره عن شهر رمضان بأجمعه أو ببعضه فيجزي أيضاً إجماعاً كما في التذكرة
إü
عن الحسن بن صالح .
و إن اتفق كونه قبل رمضان فلا يجزيه بإجماع علمائنا كما في التذكرة
بل إنّما نقل الخلاف عن أحد قولي
الشافعي قياساً على إجزاء وقوف عرفات قبل عرفة بيوم في حال الاشتباه
و القياس مع أصله باطلان.
والظاهر أنّ بطلان البعض في صورة تقدّمه خاصة أيضاً إجماعيّ
و هو ظاهر التذكرة و المحكي عن المنتهي
.
ويدلّ على أكثر ما تقدّم ما رواه الكليني و الشيخ ـ رحمه اللّه ـ عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه
عن
أبي عبدالله & قال
قلت له: رجل أسرته الروم و لم يصم شهر رمضان
و لم يدرِ أيّ شهر هو
قال: (يصوم شهراً
يتوخّاه و يحتسب
فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه
و إن كان بعد شهر رمضان أجزأه) .
ولاوجه للقدح في سنده بسبب عبيس بن هشام كما وقع في المدارك لجهالته
فإنّ الظاهر أنّه هو عباس بن

هشام الثقة
كما يظهر من النجاشي و الخلاصة .
مع أنّ الراوي عنه عبدالله بن المغيرة في سند الشيخ.
مع أنّ الصدوق رواه بسنده عن أبان بن عثمان عن عبدالرحمن بن أبي عبداللّه
و في بعض النسخ عبدالرحمن
بن أبي العلاء
و لعلّه مصحّف.
وكيف كان فالسند معتبر جدّاً
بل صحيح على الأظهر.
وفي الفقيه موضع لم يصم (لم يصح)
و موضع يحسب (يحتبس)
و موضع يتوخّاه (يتوخى) .
و رواه المفيد في المقنعة أيضاً و سننقل عبارته.
ثمّ إنّ الشهيد الثاني و غيره ذكروا أنّه يلحقه حكم الشهر في وجوب المتابعة
و إكمال ثلاثين لو لم ير
الهلال في الطرفين
فلو رآه فيهما فليس عليه إü شهر هلالي.
نعم لو ظهرت المخالفة و كان رمضان تاماً و هذا ناقصاً فعليه قضاء يوم إن لم يكن شوّالاً و لا ذا
الحجة
و إü فيومين أو أكثر
لمكان العيدين و أيّام التشريق
فلو توافقا في النقصان و كان شوالاً قضى
يوماً
و إن كان ذا الحجة قضى يوماً أو أكثر
و إن كان رمضان ناقصاً و شوّال تامّاً فلا قضاء
و يلحقه
أحكام العيد بعده من الصلاة و الفطرة و حرمة الصوم.
وكذا لزوم الكفارة بإفساد يوم منه إن لم يتبيّن تقدّمه على رمضان
و إü ففيه الوجهان المتقدّمان في
مثل الحائض إذا أفطرت أوّل النهار و حاضت في وسطه
و كذا المسافر.
وكذا لو تبيّن التأخّر عن رمضان; ففي لزوم كفّارة رمضان بالإفساد
أو كفّارة قضاء رمضان وجهان.
وناقش صاحب المدارك في الإلحاق في تلك الأحكام; لأصالة البراءة عن جميع ذلك
واختصاص النص بالصوم.
أقول: إشكاله وجيه
إü في اعتبار التتابع و إكمال ثلاثين إن لم يرَ الهلال.
ولو لم يغلب على ظنّه شيء فقالوا: إنّه يتخيّر في كلّ سنة شهر
أياً منها أراد; لأنّه مكلّف بالصوم
و
لاسبيل له إلى العلم بالشهر و لا الظنّ به
فيثبت التخيير.

قال في المدارك: قد قطع به الأصحاب .
و يظهر من التذكرة أنّ المخالف فيه إنّما هو بعض الشافعية ; لأنّه لم يعلم دخول الشهر و لا ظنّه فلا
يلزمه
كما لو شكّ في دخول وقت الصلاة
و احتمله في المدارك .
و هو ضعيف; لشمول الرواية له
بل الظاهر منها ذلك
فإنّ التوخّي مطلق القصد إلى الشيء.
قال في الصحاح: و خيت وخيك; أي قصدت قصدك
ثمّ قال: توخّيت مرضاتك; أي تحرّيت و قصدت .
و لكن قال في التحرّي: إنّه طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن كالتقمّن
قال: و فلان يتحرّى
الأمر; أي يتوخّاه و يقصده
و تحرّى فلان بالمكان أي تمكّث .
وعلى هذا فشمول الرواية لهذه مشكل
إü أن يقال: إنّ المعيار هو قوله &: (يصوم شهراً)و التوخّي أمر آخر
غير الأمر بصوم شهر
و هو دائر مدار الإمكان و حصول الفائدة
فإن انتفى إمكانه أو لم تحصل منه فائدة
فيبقى الأمر بصيام شهر مخيّراً فيه بدليل العقل
و بالجملة فالرواية مع فتواهم تكفي في ذلك.
ثمّ إنّه يظهر من المحقّق الأردبيلي عدم وجوب التفتيش في صورة استمرار الاشتباه
و لكن ظاهر
الرواية لزومه سيّما على ما في الفقيه من لفظ (يحسب) على زنة يضرب.
وقال المفيد في المقنعة في باب الزيادات: و سئل يعني الصادق & عن رجل أسرته الروم فحبس ولم يرَ أحداً
يسأله
فاشتبهت عليه اُمور الشهور
كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال: (يتحرّى شهراً فيصومه ـ يعني:
يصوم ثلاثين يوماً ـ ثم يحفظ ذلك
فمتى خرج أو تمكن من السؤال من أحد; نظر فإن كان الذي صامه كان قبل
شهر رمضان لم يجز عنه
و إن كان هو هو فقد وفّق له
و إن كان بعده أجزأه) .
ولابدّ من مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين
بأن يكون بينهما أحد عشر شهراً
و إü كان أحد
الشهرين غير رمضان على اليقين.
قيل: وتجري فيه الأحكام المتقدّمة في الشهر المظنون
إü أنّه يجوز له ترك ما اختاره أوّلاً و اختيار
شهر آخر في أثنائه
و لا كفارة في الإفطار حينئذٍٍ; لعدم الدليل على التعيّن عليه بسبب اختياره ذلك .
ويظهر من التذكرة عدم وجوب التتابع هنا

بل جعله أولي
و هو مشكل
بل الظاهر الوجوب.
قال في المسالك: و لو اتفق للأسير صيام شهر رمضان تطوعاً فالأقرب الإجزاء عنه . وقد صرّح به في
التذكرة أيضاً
و هو منقول عن المنتهي تمسّكاً بظاهر قوله & في صيام يوم الشك بنية الندب: (هو يوم
وفّقت له) .
أقول: و قد نقلنا عن المفيد في صوم المقنعة في صوم يوم الشك ما يدل صريحاً على ذلك .
وأما وقت وجوب الإمساك
فهو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء و الآية و الأخبار
إü في الجماع
فيجب قبله بقدر الغسل; لحرمة
تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر على الأشهر الأقوى كما مرّ.
وقد مرّ بيان حقيقة الفجر في كتاب الصلاة .
ووقت الإفطار
غروب الشمس
و المشهور تحديده بذهاب الحمرة المشرقيّة
و ذهب جماعة إلى أنّ حدّه استتار القرص
و
لايخلو من قوّة و إن كان الأوّل أحوط
و قد مرّ الكلام في ذلك أيضاً.
قالوا: و يستحبّ تقديم الصلاة على الإفطار إü أن يكون هناك من ينتظره للإفطار فتقديمه أفضل; لما رواه
الصدوق في الصحيح
و الكليني في الحسن
عن الحلبي
عن الصادق &: أنّه سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو
بعدها؟ فقال: (إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم
و إن كان غير ذلك فليصلّ ثمّ
ليفطر) .
وما رواه الكليني
و الشيخ في الموثّق
عن زرارة و فضيل
عن الباقر &: (في رمضان تصلّي ثمّ تفطر
إü أن
تكون مع قوم ينتظرون الإفطار
فإن كنت معهم
فلاتخالف عليهم و أفطر ثمّ صلّ
و إü فابدأ بالصلاة).
قلت: و لم ذاك؟ قال: (لأنّه قد حضرك فرضان: الإفطار و الصلاة
فابدأ بأفضلهما
وأفضلهما الصلاة). ثمّ
قال: (تصلّي و أنت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحبّ إليّ) .

و يدلّ عليه الإجماع والأخبار الدالّة على أنّ الصلاة في أوّل الوقت أفضل
خصوصاً المغرب; لقلة وقت
فضيلته
و لما ورد في استجابة دعاء الصائم
و الصلاة مشتملة عليه.
ويظهر من ذلك استحباب تأخيره عن العشاء
و لكن العùمة في التذكرة قال: و يستحبّ تعجيل الإفطار بعد
صلاة المغرب إن لم يكن من ينتظره للإفطار
و لو كان استحب تقديمه على الصلاة
روى العامة عن رسول
اللّه ْ
قال: (يقول الله تعالى: أحبّ عبادي إليّ أسرعهم فطراً) و .
و عن المنتهى: أنّهم رووه عن أبي هريرة عنه &
و عن نهاية ابن الأثير: و منه الحديث: (إذا حضر العشاء
فابدؤا بالعشاء) العشاء بالفتح الطعام الذي يؤكل عند العَشاء
و أراد بالعشاء صلاة المغرب
انتهى.
وأنت خبير بأنّه لاحجّة فيما ذكر علينا
فالاستباق إلى العبادة و الدعاء أفضل.
و ما تُشعر به رواية زرارة و الفضيل من أنّه أحد الفرضين على فرض تسليمه لايوجب أفضليته; إذ لا ريب
أنّ الإفطار إن سلّم وجوبه فليس بفوريّ
و إü فالمراد بكونه فرضاً النهي عن الوصال و عدم نقض الصيام
في الليل.
ويدلّ على أفضليّة تقديم الصلاة أيضاً: أنّ صفاء الخواطر في حال الجوع أكثر
و توجّه النفس إلى الله
أسهل إن لم يكن بحدّ لايحفظ نفسه و لا يقوى على ضبطها
و أيضاً فيه مخالفة النفس التي جزاؤها كون
الجنة هي المأوى.
ويدلّ على استحباب التأخير لرفع انتظار المنتظر مضافاً إلى الروايات عمومات ما دلّ على فضيلة إجابة
دعوة المؤمن
و إدخال السرور في قلبه
و دفع الأذى عنه
فإنّه قلّما يوازنه شيء من الأعمال في الثواب.
ثمّ إنّ الإفطار قد يطلق على مجرّد ما يبطل الصوم و لو بحبّ من التمر أو الزبيب
و قد يطلق على أكل ما
يعتاد أكله من الغذاء.
و الأدلّة المذكورة منها ما يدلّ على الأوّل مثل استجابة دعاء الصائم
و منها ما يدلّ على الثاني
كالروايات المتقدّمة.
فالأولى تقديم الصلاة عليهما جميعاً.
ثمّ إنّ المحقق و غيره ذكروا استحباب تأخير الصلاة إذا نازعته نفسه في تقديم الصلاة.
قال في المدارك: ولم أقف على رواية تدلّ عليه

و ربّما كان وجهه استلزام تقديم الصلاة على هذا الوجه
فوات الخشوع و الإقبال المطلوب في العبادة .
أقول: قال المفيد في المقنعة بعد ما نقل رواية الفضيل و زرارة: و روي أيضاً في ذلك: (أنك إذا كنت
تتمكّن من الصلاة و تعقلها و تأتي بها على جميع حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلّي قبل الإفطار
و
إن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار فتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار; ليذهب عنك وسواس النفس
اللوّامة
غير أنّ ذلك مشروط بأنّه لا يشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقت الصلاة) .
و روى الشيخ في الموثّق
عن ابن بكير
عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله &
قال: (يستحب للصائم إن قوي على
ذلك أن يصلي قبل أن يفطر) .
وعن كتاب الإقبال أيضاً مثله
هذا.
و لكن ينبغي للإنسان أن لا يجعل هذا مخيلة للشيطان ومضماراً للنفس الأمّارة
فإنهما معتادان لما
عوّدا
فليجاهد نفسه ليذهب عنه هذا الخاطر
و قد أشرنا إلى نظيره في تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة
لأجل الحر و نحوه.
مع أنّه كما يمنع الجوع عن الحضور و التوجّه
فالشبع أيضاً قد يمنعه و إن لم يكن بحدّ الامتلاء
سيّما
في شدّة الحر و البرد
فإنّا نشاهد الكسل و الرغبة عن الصلاة بعد الإفطار كثيراً.
وأمّا الجمع بينهما: بأن يأكل قليلاً ثمّ يصلي ثمّ يتم الشبع
فإنا قد جرّبنا مراراً أنّه يحرّك
الشهوة و لا يسكن الهمة
و يصعد البخار إلى الدماغ
و بسببه يختل الحال و يشوّش النفس
و ربّما يضرّ من
جهة التداخل.
فالأولى اعتياد النفس بتقديم الصلاة; ليصير عادة لها
إü أن يكون بحيث لايتحمل الصبر و يتضرر به
فقد
يجب حينئذٍٍ تقديم الإفطار.
والظاهر أنّ السنة تتأدّى بتقديم المغرب على الإفطار و إن وقع الإفطار أيضاً في وقت فضيلة المغرب.
ولكن الأولى تأخيره عن التعقيب
بل و صلاة العشاء
بل الظاهر من الروايات و بعض الأدلة المتقدّمة

رجحان التقديم
و إن خرج وقت الفضيلة أيضاً.
المبحث الثاني
فـي شـرائـطـه
والكلام فيها إمّا في شرط الوجوب أو القضاء
و أمّا الصحّة فقد تقدّم الكلام فيها.
فهناك مطلبان:
المطلب الأول: في شرائط الوجوب
وهي اُمور:
منها: البلوغ و العقل
فلا يجب على الصبي و المجنون إجماعاً
إü أن يكملا قبل طلوع الفجر
فيكونان مثل
سائر المكلّفين.
ولو كملا بعد الفجر
فعن الأكثر عدم الوجوب مطلقاً
و الظاهر من ابن إدريس بل صريحه دعوى الإجماع .
وعن الشيخ في كتاب صوم الخلاف: أنّ الصبي إذا نوى الصوم أوّل النهار و لم يفطر
فبلغَ
وجب عليه
الإتمام .
وعن المبسوط في كتاب الصوم: إذا بلغ حال الصوم جدّد النية و كان صوماً صحيحاً
و عن ابن إدريس: أنّه
خلاف إجماع أصحابنا
و أنّه من فروع المخالفين لايلتفت إليه; لمخالفته لاُصول مذهبنا .
وعن ابن حمزة: الصبي إن لم يفطر و بلغ صام واجباً
و لم يقيّد بالنية
و قوّاه المحقّق في المعتبر
و
ارتضاه صاحب المدارك .
لنا: أنّ الأصل عدم الصحّة
وأنّ الصوم لايتبعّض إü فيما قام عليه الدليل
و القياس بالمسافر باطل.
احتجّ في المعتبر في باب شرائط القضاء: بأن الصوم ممكن في حقّه
و وقت النية باق.
لايقال: لم يكن الصبي مخاطباً
لأنّا نقول: لكنه الآن صار مخاطباً.
ولو قيل: لايجب صوم بعض اليوم.
قلنا: متى
إذا يتمكّن من نيّة تسري حكمها إلى أوّل النهار أو إذا لم يتمكّن؟ و هو ههنا متمكن من نية
تسري حكمها إلى أوّله
قال: و كذا البحث في المغمى عليه .

وفيه: أوّلاً أنّا نمنع سراية مثل هذه النية إلى أوّل النهار; لعدم الدليل عليها بالخصوص.
وثانياً: أنّا نمنع وجوبه عليه
و القياس باطل. مع أنّه ـ رحمه اللّه ـ قال قبل ذلك بوريقات في مبحث
شرائط الوجوب: فلو بلغ الغلام قبل الفجر وجب عليه الصوم إجماعاً
و إن كان بعد الفجر لم يجب
و استحب
له الإمساك سواء كان مفطراً أو صائماً.
ثم نقل عن أبي حنيفة الوجوب قياساً على من قام عليه بنية الهلال في أثناء النهار
و عن الشافعي
التفصيل فقال: إن أفطر استحب الإمساك
و في القضاء قولان
و إن كان صائماً فوجهان
أحدهما يتمّه
استحباباً و يقضيه وجوباً
و الثاني بالعكس.
ثمّ قال: لنا أنّ الصبي ليس من أهل الخطاب.
ثمّ قال: و إذا لم يصحّ خطابه في بعض النهار
لم يصّح في باقيه; لأن صوم البعض لايصح .
وحجّة الشيخ: أنّه إذا نوى الصوم انعقد صحيحاً شرعياً فوجب إتمامه; لعدم عروض مسقط له بل مؤكد.
وفيه: إنّا وإن صحّحناه كما مرّ
لكنا نمنع وجوب الاتمام.
و شمول قوله تعالى:
ثمّ أتمّوا الصيام إلى اللّيل
له أوّل الكلام; لظهوره في المكلّفين بالصوم في
اللّيل
كما لا يخفى على من لاحظ ما قبله وما بعده .
مع أنّ كون الصوم المبعّض و لو بحسب النية صوماً أو لكل أحد أوّل الكلام.
ومما ذكرنا يظهر الكلام في المجنون
و أنّ الأصحّ عدم الوجوب عليه
كما هو المشهور
و قد مرّ الكلام
في الصحة والبطلان.
و كذا المغمى عليه; لعدم كونه مكلّفاً حال الإغماء. و لو أفاق قبل الفجر فلا إشكال في الوجوب.
وأما بعد الفجر
فظاهر المتأخّرين عدم الوجوب
و الدليل عليه ما مرّ من الأصل
و عدم تعلّق الخطاب
أوّلاً
و عدم تبعّض الصوم.
ويظـهر مـن المحـقّق فـي مبحث شرائـط الوجـوب عـدم الوجـوب بل عدم الصحّة
و من كلامه الذي نقلناه
عنه في باب شرائط القضاء صحّته

و هو ضعيف.
وعن ابن الجنيد: إن أفاق في بعض اليوم و لم يكن فعل ما بمثله يفطر الصائم صام ذلك اليوم و أجزأه .
و قد مرّ الكلام في المغمى عليه مع سبق النية.
ومنها: الصحة من المرض
فلايجب على المريض المتضرّر بالصوم بالإجماع والكتاب و السنة .
و لايصحّ منه كما مرّ.
و أمّا لو برأ قبل الفجر فلا إشكال في صحّته أيضاً
بل هو ليس بمريض حينئذٍٍ.
ولو برأ بعد الفجر; فإن أفطر قبل البرء فلايجب عليه الصوم و لايصحّ منه بإجماعنا
بل يستحب له
الإمساك.
و إن لم يفطر; فيظهر من المعتبر و التذكرة و غيرهما عدم الخلاف في وجوب الصوم و سقوط القضاء به
بل
نسبه في التذكرة إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع.
و ربّما يستدلّ عليه بفحوى ما يدلّ على حكم المسافر
; لأن المريض أعذر.
وفيه تأمّل.
و استدلّ في التذكرة و المعتبر بمثل ما نقلناه سابقاً من المعتبر في الصبي
و قد عرفت ضعفه.
فالعمدة هي فتوى الجماعة و ظهور عدم الخلاف
إü أنّه ربما يظهر من بعض الأصحاب أنّ المسألة خلافية
فقال: إنّ ابن حمزة عدّ من الصوم المندوب صوم المريض إذا برأ و أطلق .
أقول: والذي رأيته في الوسيلة أنّه عدّ صوم المريض من باب صوم الأدب
لامطلق المندوب
و إن جعل صوم
الأدب من أفراد الصوم المندوب توسّعاً
فلعله أراد منه إذا أفطر لا مطلقاً.
و قال أيضاً: و قال ابن زهرة: و يستحبّ للكافر إذا أسلم في يوم من شهر رمضان و للمريض إذا برأ
و
للمسافر إذا قدم
و للغلام إذا بلغ
و للمرأة إذا طهرت من الحيض و النفاس أن يمسكوا بقيّة ذلك اليوم
و
هذا هو صوم التأديب
و أطلق . و إطلاق كلامه يشمل ما لو صح المريض و لم يفطر.
أقول: والتمسّك بهذا الإطلاق أيضاً ضعيف
إذ لعلّ مراد ابن زهرة في هذا المقام عدّ ما يمكن أن يتحقّق
فيه صوم الأدب
لا أنّ كلّ ما ذكر صومهم صوم الأدب كما لا يخفى.
ومنها: كونه حاضراً
أو بحكمه
كالمقيم عشرة أيام في السفر

والكثير السفر
والعاصي بسفره و غير ذلك
مما مرّ في الصلاة; فلايجب على المسافر
بل و لايجوز له
و لايصحّ منه بإجماعنا
و الآية و الأخبار .
و وجه دلالة الآية التفصيل الموجب للتعيّن.
ومن كان فرضه القضاء يسقط عنه الأداء
و لو فعل كان بدعة
و في الأخبار تهديد شديد و وعيد أكيد
ففي
بعضها أنّ الإمام & قال: (لو مات من صام في السفر ما صلّيت عليه)
و في بعضها: (أنّ رسول اللّه ْ سمّى
اُناساً صاموا في السفر عصاة) هذا إذا كان عالماً عامداً.
وأمّا الجاهل فهو معذور عندهم و يصحّ صومه.
و لعلّ استثناؤهم هذا مع ما أطلقوا القول بعدم معذوريّة الجاهل لكونه عالماً بالإجمال أنّ في
الشريعة أحكاماً كثيرة فهو مقصّر
مبنيّ على أنّ هذا التقصير في مثل ذلك معذور; لما ورد في الأخبار
و
هي كثيرة لاحاجة إلى ذكرها
نكتفي بما رواه عبدالرحمن بن أبي عبد اللّه في الصحيح
عن أبي عبد اللّه &
قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر
فقال: (إن كان لم يبلغه أنّ رسول الله ْ نهى عن ذلك فليس
عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم) .
والعيص بن القاسم في الصحيح
عنه &
قال: (من صام في السفر بجهالة لم يقضه) .
و ابن أبي شعبة
يعني عبيد اللّه بن عليّ الحلبي قال
قلت لأبي عبد اللّه &: رجل صام في السفر فقال: (إن
كان بلغه أنّ رسول اللّه ْ نهى عن ذلك فعليه القضاء
و إن لم يكن بلغه فلاشيء عليه) هذا إذا لم يعلم
بالحرمة حتى خرج الوقت.
ولو علم في أثناء النهار فيفطر و يقضي جزماً.
وأما الناسي
فإذا تذكّر في الأثناء فكذلك أيضاً
و أما لو خرج الوقت فيجب عليه القضاء أيضاً على
الأصحّ
فإن الجاهل إنّما خرج بالدليل
و لا دليل هنا.
وقيل بإلحاقه بالجاهل; لاشتراكهما في العذر

و هو ضعيف
و قياسه على الصلاة مع عدم إمكانه باطل.
والظاهر أنّ المراد بمعذوريّة الجاهل إنّما هو في أصل مسألة القصر
و أما في فروعها فلا
فلو علم
أنّه يجب عليه الإفطار في السفر و لم يعلم بأنّ في الأربعة فراسخ التي يرجع فيها ليومه أو قبل العشرة
حكمه كذا و صامه فيشكل فيه اطراد الحكم; اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن
و الأخبار المخصصة
أيضاً ظاهرة في ذلك.
ولايقاس على المسافر المريض و لاغيره
فلو صام جاهلاً بوجوب الإفطار يجب عليه القضاء.
ثمّ إنّ المسافر إذا علم أنّه يصل إلى منزله أو بلد يريد الإقامة فيه قبل الزوال جاز له الإفطار
و
لكن الإمساك أفضل.
أمّا أفضليّة الإمساك; فلاحترام اليوم و المسارعة إلى الخير.
وأمّا ثبوت الخيرة له في السفر; فلوجود مبيح الإفطار و عدم المانع
و لخصوص الروايات الكثيرة
مثل ما
رواه الصدوق في الصحيح
عن رفاعة بن موسى
عن أبي عبداللّه &
قال: سألته عن الرجل يقبل في شهر رمضان من
سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوةً أو ارتفاع النهار
قال: (إذا طلع الفجر و هو خارج لم يدخل فهو
بالخيار
إن شاء صام
و إن شاء أفطر) و رواه الكليني و الشيخ أيضاً بعدّة طرق منها الصحيح و منها
الحسن.
وما روياه في الصحيح
عن محمّد بن مسلم
قال: سألت أبا جعفر & عن الرجل يقدم من السفر في شهر رمضان
فيدخل أهله حين يصبح أوارتفاع النهار
قال: (إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار إن
شاء صام و إن شاء أفطر) .
ذكر هذا الحكم الفاضلان في المعتبر والتذكرة
و كذا غيرهما من دون نقل خلاف
و ظاهرهما أنّه إجماعيّ.
و قال في المدارك: ربّما ظهر من إطلاق الروايتين تخيّر المسافر بعد الدخول أيضاً إذا طلع الفجر عليه
و هو داخل البلد. و أظهر منهما في الدلالة: ما رواه الشيخ في الصحيح
عن محمّد بن مسلم
عن أبي
عبداللّه &

قال: (إذا سافر الرجل في شهر رمضان
فخرج بعد نصف النهار
فعليه صيام ذلك اليوم
و يعتدّ به
من شهر رمضان
فإذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها
فعليه صوم ذلك اليوم
و إن دخل
بعد طلوع الفجر فلاصيام عليه
و إن شاء صام) و .
أقول: وتؤدّي مؤدّاه رواية سماعة
قال: سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر
إلى أن قال: (إن قدم
بعد زوال الشمس
أفطر و لايأكل ظاهراً
و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس
فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء)
.
ثمّ قال: و المسألة محلّ إشكال .
وكيف كان فالمعتمد ما عليه الأصحاب.
أقول: ولاينبغي الإشكال; لأنّ الظاهر أنّ الروايتين مخالفتان لإجماعهم كما يظهر منه أيضاً
و الأولى
حملهما على أنّ له الخيار قبل القدوم إذا عرف أنّه يقدم قبل الزوال.
ثمّ إذا قدم المسافر بلده أو بلداً يعزم الإقامة فيه قبل الزوال
فإن أفطر فيمسك استحباباً كما
سيجيء
و إن لم يفطر فالأكثر على أنّه يصوم ولايجب عليه القضاء
بل ظاهر التذكرة الإجماع حيث نسبه
إلى علمائنا .
و قد مرّت عبارة ابن زهرة الموهمة للاستحباب
و لاعبرة به.
ويدلّ على الوجوب: ما رواه الكليني
عن عدة من أصحابنا
عن سهل بن زياد
عن أحمد بن محمد
قال: سألت أبا
الحسن & عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان و لم يطعم شيئاً قبل الزوال
قال: (يصوم) .
وموثّقة أبي بصير بسماعة بن مهران
قال: سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان
فقال: (إن قدم قبل
زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به) .

و ما رواه الصدوق في الصحيح
عن يونس بن عبدالرحمن
عن موسى بن جعفر &
أنّه قال في المسافر يدخل أهله و
هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل فعليه أن يتم صومه و لاقضاء عليه
قال: (يعني إذا كانت جنابته من
احتلام) .
ورواه الشيخ و الكليني أيضاً .
وربما يستدلّ عليه بمثل ما مرّ من المعتبر
و هو ضعيف
و لاحاجة إليه.
وأمّا لو وصل بعد الزوال فلايجب عليه الصوم و لايجزيه
و يجب عليه القضاء سواء فعل المفسد أم لا;
لزوال وقت النية
و لمفهوم موثّقة سماعة المتقدّمة
و روايته الاُخري .
و قويّة محمّد بن مسلم بعثمان بن عيسى
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في
شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض
أيواقعها؟ قال: (لابأس) .
وربّما يوهم إطلاق كلام الشيخ في النهاية وجوب الصوم عليه و على المريض إذا ارتفع عذرهما بعد الزوال
و لم يفعلا ما يفسد الصوم أيضاً .
و اعترض عليه ابن إدريس بأنّه مخالف للإجماع .
و الظاهر أنّ مراد الشيخ أيضاً ما قبل الزوال كما يظهر من لفظ وسط النهار في قوله: (إذا برأ المريض
وسط النهار )على التقريب الذي مرّ من كون النهار حقيقة فيما أوّله الفجر.
وأمّا استحباب الإمساك في بقيّة النهار و لو حصل المفطر في المسافر و المريض و غيرهما; فهو لاحترام
الشهر و التشبّه بالصائمين
و خصوص رواية سماعة المتقدّمة .
وحسنة يونس قال
قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله
قال: (يكفّ عن الأكل
بقيّة يومه
و عليه القضاء) .
و رواية الزهري
عن عليّ بن الحسين }
في حديث قال: في جملته: (وكذلك المسافر إذا أكل أوّل النهار ثم
قدم أهله أُمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً و ليس بفرض) .
ومنها: الخلوّ عن الحيض و النفاس بالإجماع و الأخبار
و قد تقدّمت طائفة منها.
و ربما نقل عن شاذٍّ من العامة القول بوجوب الصوم عليهما و إن وجب عليهما الإفطار; لوجوب القضاء
عليهما . و هو خطأ فاحش
و وجوب القضاء لايستلزم وجوب الأداء.

الثاني: في شرائط القضاء
وهي اُمور:
منها: البلوغ و العقل
فلا يجب القضاء على الصبيّ و المجنون بعد البلوغ و الإفاقة إجماعاً كما ادّعاه الشهيد الثاني رحمه
اللّه
و صاحب المدارك . و المحقّق في المعتبر
و العلامة في التذكرة .
و استدلّ في المدارك بحديث (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ
و المجنون حتى يفيق
و النائم حتى يستيقض) و
هو غفلة
سيّما مع ملاحظة وجوب قضاء الصلاة على النائم.
وأما المغمى عليه فاختلف الأصحاب في وجوب القضاء عليه بعد الإفاقة
فعن الشيخ في النهاية و المبسوط
و عامة المتأخّرين عدم الوجوب.
و عن فقه القرآن للراوندي: أنّه لاقضاء عليه عندنا
مُشعراً بدعوى الإجماع
و حمل كلام من خالف من
الأصحاب على الاستحباب .
وعن الشيخ في الخلاف و المفيد و السيّد وسلاًر وابن البرّاج : أنّه لا يقضي إن سبقت منه النية
و يقضي
إن لم ينوِ.
واختار في المبسوط أيضاً عدم وجوب القضاء مع سبق النية
و لم يفرّق بين من أُغمي عليه قبل الشهر أو
بعده
فيكتفي بالنية المتقدّمة على الشهر و إن كان بأيام كما نقلنا مذهبه في مباحث النيّة .
ولكن المفيد لم يعتبر النية المتقدّمة
و كذلك هو الظاهر من الخلاف.
وعن ابن الجنيد: أنّ المغمى عليه و المغلوب على عقله من غير سبب أدخله على نفسه لاقضاء عليه إذا لم
يفق في اليوم كلّه
و إن أفاق في بعض اليوم و لم يكن فعل ما بمثله يفطر الصائم
صام ذلك اليوم و أجزأه
و إن كان من محرّم
قضى كلّ ما غمّ عليه فيه.
ويظهر منه أنّه إذا كان الجنون بفعل محرّم يجب عليه القضاء.
وعن ابن أبي عقيل أنّه قال: القضاء أحبّ إليّ و أحوط إذا فات منه الشهر أو بعض يوم منه .
أقول: و تفصيل ابن الجنيد لابأس به; لأنّه الذي فوّت على نفسه
لكن القضاء فرض جديد يحتاج إلى الدليل
و انصراف عمومات القضاء إليه محلّ إشكال.
والأوّل أظهر; للأصل
و خصوص صحيحة أيّوب بن نوح
قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث & أسأله عن المغمى

عليه يوماً أو أكثر
هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب: (لايقضي الصوم
و لايقضي الصلاة) .
و مثلها صحيحة عليّ بن مهزيار قال: سألته عن المغمى عليه الحديث.
وصحيحة عليّ بن مهزيار أيضاً رواها في الفقيه في كتاب الصلاة: سأله ـ يعني أبا الحسن الثالث & ـ عن
هذه المسألة
يعني مسألة المغمى عليه
فقال: (لايقضي الصوم ولا الصلاة
و كلّما غلب اللّه عليه فاللّه
أولى بالعذر) .
وروى الشيخ في الصحيح
عن الصفار
عن عليّ بن محمّد القاساني
قال: كتبت إليه و أنا بالمدينة أسأله عن
المغمى عليه يوماً أو أكثر
هل يقضي مافاته؟ فكتب &: (لايقضي الصوم) إلى غير ذلك من الأخبار .
وأمّا الاستدلال (بأنّه غير مخاطب بالأداء لعدم الفهم فلا يخاطب بالقضاء) فهو فاسد; لمنع الملازمة
كما في النائم في الصلاة.
و مما ذكرنا يظهر أنّ حكم نيّة العدم حكم عدم النية
كما لو كانت نيّته الإفطار ففاجأه الإغماء حين
يطلع الفجر; لشمول الأخبار له
و لأنّه غير مكلّف حين الإغماء
فكان فاقداً للشرط
و الأمر مع العلم
بانتفاء الشرط قبيح.
و يمكن منع انصراف الأخبار إليه.
و كيف كان فالأصل يكفي في نفي القضاء خاصة.
حجّة الآخرين: قوله تعالى:
ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر
.
و هو مدفوع بمنع كونه مريضاً.
سلّمنا
لكنّه مخصص بالمرض المضرّ بالصوم
و ليس كلّ إغماء يضرّ بصاحبه الصوم
و لا قائل بالفرق; مع
أنّ العموم لو سلّم فمخصوص بما سبق من الأدلّة.
وما رواه الشيخ بسنده
عن حفص بن البختري
عن أبي عبد الله &
قال: (يقضي المغمى عليه ما فاته) .
و هو مع القدح في السند لايعارض ما تقدّم
فيحمل على الاستحباب

كالأخبار الواردة في الصلاة
و قد
تقدّم ذكرها في الصلاة.
و بالأخبار الواردة في قضاء الصلاة ; فإنّها تدلّ على كونه مكلّفاً بها
ويلزم منه كونه مكلّفاً
بالصوم
إذ لا قائل بالفرق.
وهو مدفوع بمنع مخاطبته رأساً أوّلاً
وبمنع الوجوب في الصلاة ثانياً كما مرّ
و بمنع استلزام وجوب
الأداء لوجوب القضاء ثالثاً
و بمنع كون وجوب القضاء ناشئاً عن وجوب الأداء رابعاً كالحائض و
النفساء
و بمنع عدم القول بالفرق خامساً.
وأمّا دليل تفصيل ابن الجنيد فقد أشرنا إليه
و لكنّ الإشكال في الفرق بين المحرّم وغيره
فإنه إذا
علم أنّه يفضي إلى الإغماء يوم الصوم فلا ينبغي الفرق بينهما في لزوم القضاء
و كذا في عدم اللزوم
مطلقاً لو لم يعلم ذلك.
و يمكن دفعه أوّلاً: بأنّ مراده لعلّه من المحرّم هو فعل ما يوجب الإغماء بنفسه
لا من قبل اللّه
تعالى
بقرينة المقابلة.
ولو سلّمنا إرادة خصوص الحرام به
فيمكن الفرق أيضاً
و إن لم يعلم بالإفضاء إلى الإغماء يوم الصوم
عقوبة لفعل الحرام
سيّما مع إيجابه ترك الواجبات
و لكنه لايصيّره دليلاً على خصوص القضاء
بل يمكن
حصوله بالعذاب على ترك العبادة الواجبة.
وأما النائم تمام النهار إذا لم تسبق منه النيّة
و الناسي للصوم
فيجب عليهما القضاء
و إن لم يكونا
مكلّفين حال النوم و النسيان; للعمومات
و الظاهر عدم الخلاف فيه.
قال في المعتبر: من غلب على عقله بشيء من قِبَله كشرب المسكر و المرقد يلزمه القضاء; لأنّه سبب
الإخلال
و لا كذا لو كان من قِبَل اللّه تعالى أو من قِبَل غيره
و النائم إذا سبقت منه النية كان

صومه صحيحاً; لأنّه أمر معتاد لا يبطل به الصوم .
ومنها: الإسلام
فيسقط القضاء عن الكافر بعد الإسلام
و هو إجماعيّ
كما نقله جماعة من الأصحاب .
ويدلّ عليه بعد الأصل: قوله &: (الإسلام يجبّ ما قبله) و يظهر من بعض الأصحاب أنّه متواتر رواه الخاصة
و العامة.
و لاوجه للقدح في الدلالة بأنّ المراد منه سقوط العذاب عنه
بل يدلّ على سقوط اعتبار كلّ ما يوجب
عليه كلفة; للعموم.
وصحيحة الحلبي
عن أبي عبد اللّه &: أنّه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان
ما عليه من صيامه؟
قال: (ليس عليه إü ما أسلم فيه) رواها الكليني والشيخ .
و رواها الصدوق مرسلة وزاد في آخرها: (وليس عليه أن يقضي ما مضى منه) و لابدّ من حملها على من أسلم
ليلاً لما سيجيء.
ورواه الكليني في الصحيح
عن عيص بن القاسم
قال: سألت أبا عبد الله & عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد
مضى منه أيّام
هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أويومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: (ليس عليهم قضاء
و لا
يومهم الذي أسلموا فيه
إü أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر) .
ورواه الصدوق بسنده
عن صفوان بن يحيى
عن العيص
و هو حسن لإبراهيم بن هاشم
كما في الخلاصة
و رواه
الشيخ في الصحيح أيضاً .
ورواية مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله &
عن آبائه {: إنّ علياً & كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر
رمضان: (إنّه ليس عليه إü ما يستقبل) .
وعن ابن أبي عقيل أنّه قال: لو قضى يومه الذي أسلم فيه و ما مضى أحبّ إليّ و أحوط .
و لعلّ نظره إلى ما رواه الشيخ عن الحلبي
قال: سألت أبا عبد اللّه & عن رجل أسلم بعد ما دخل من شهر
رمضان أيّام
فقال: (ليقض مافاته) .
وحملها الشيخ على من أسلم وفاته ذلك لعارض من مرض و نحوه
أو من أسلم و لم يعلم أنّه يجب عليه الصوم

فأفطر ثمّ علم وجوبه.
وذهب الأكثرون إلى أنّه لو أسلم قبل الزوال و لم يفطر لايجب عليه الصوم ولاقضاؤه
;لصحيحة العيص
المتقدّمة .
وعن الشيخ في المبسوط: وجوبه عليه
فيجدّد النية
و يكون صومه صحيحاً
و لايجب عليه القضاء . و قوّاه
في المعتبر مستدلاً عليه بما مرّ في الصبيّ من اقتداره على نية تسري إلى ما قبلها
و يزيد هنا أنّه
مكلّف .
وقال في المدارك: و هو جيّد لولا الرواية الصحيحة . و قد عرفت تطرّق المنع إلى هذا الدليل.
وربما يستدلّ له بصحيحة الحلبي المتقدّمة
فإنّ اليوم الأوّل أوّل ما أسلم فيه.
و لاتنافيه صحيحة العيص; لأنّها تنفي قضاء ذلك اليوم
لا وجوب صومه
فلعلّها لرفع توهّم وجوب القضاء
من أجل نقص اليوم.
وفيه: مع أنّه لا يوافق قوله &: (إü أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر)
ييقتضي أن يكون نفي وجوب قضاء ذلك اليوم إذا لم يفطر فيه
و هو يوجب تقييد الرواية بلادليل
فيحمل
قوله &: (ليس عليه إü ما أسلم فيه) على إرادة اليوم الّذي صار مسلماً في تمامه
و هو لايكون إü ما قبل
الفجر
فالمراد وجوب الأيّام المستقبلة للإسلام
لا الماضية.
ويؤيّد ضعف هذا القول قوله &: (الإسلام يجبّ ما قبله) فإن الجزء الماضي من اليوم أيضاً مما جبّ حكمه
الإسلام
فلايجب عليه بسببه شيء
هذا الكلام في الكافر الأصلي.
وأما المرتد فقالوا: يجب عليه القضاء
سواء كان فطريّاً أو مليّاً
وسواء كان اليوم الذي رجع فيه إلى
الإسلام قبل الزوال أو غيره ; لعموم ما دلّ على وجوب القضاء .
و قيل: هذا إن كان إجماعيّاً كما هو ظاهرهم
و إü فيمكن القول بشمول الأخبار السابقة له .
أقول: الأخبار السابقة لاتنصرف إلى المرتد
بل هي ظاهرة في غيره
و لكن ربّما (يمكن القدح) في شمول
أدلّة القضاء للمرتد الذي صام و لم يفطر
فالعمدة في الفرق هو ظاهر إجماعهم.

ثمّ إنّ ههنا إشكالاً آخر
و هو أنّ جمهور علمائنا قالوا بعدم قبول توبة المرتد الفطري ظاهراً و
باطناً
ولايجامع هذا قولهم بوجوب القضاء عليه; لأنّه لايصحّ القضاء إü مع الإسلام
فكيف يكون
مكلّفاً بما لايمكنه
و هذا تكليف بما لايطاق
و كذا تكليفه بالإسلام مع عدم قبوله منه
فلابدّ إما من
القول بقبول التوبة باطناً
أوبعدم وجوب القضاء.
وربّما يدفع ذلك: بأنّه تكليف صار هو بنفسه سبباً له
و لاقبح في التكليف بالمحال الذي صار المكلّف
بنفسه سبباً له
كمن دخل دار قوم غصباً عالماً بالحرمة فهو مكلّف بالخروج و عدم الخروج.
ولعلّ المراد بالتكليف حينئذٍٍ ـ مع قبحه عن الحكيم من جهة لغويّته لكونه طلب إيجاد ما لا يوجد
أبداً ـ هو كونه معاقباً في الآخرة في أداء ما لا يتمكّن من إيجاده توسّعاً.
أقول: الأظهر قبول توبته باطناً; لعموم الآيات و الأخبار الواردة في التوبة
خصوصاً قوله تعالى:
يا
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم
الآية
منضمّاً إلى قوله تعالى:
و أنيبوا إلى ربّكم و أسلموا له من
قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون
فإنها تدلّ على قبولها
وأنّهم منصورون إذا أنابوا وأسلموا.
وأما الأخبار الواردة في عدم قبول توبة المرتد الفطريّ
فلا يستفاد منها أكثر من عدم صيرورتها دارءة
للحدّ
دافعة للقتل و نحوه; إذ أظهرها دلالة صحيحة محمّد بن مسلم
عن الباقر &: في المرتد
فقال: (من رغب
عن الإسلام وكفر بما اُنزل على محمّد ْ بعد إسلامه
فلا توبة له
و قد وجب قتله
و بانت منه امرأته
ويقسم ما ترك على ولده) .
وهي صحيحة على ما رواه الشيخ في ميراث المرتد وفي طريقها على ما في أوّل باب حدّ المرتدّ سهل بن زياد
وهو سهل . وفي طرق متعددة في الكافي و التهذيب مرويّة عن أبي عبد اللّه & و في سندها سهل أيضاً .
فإن ظاهر نفي جنس التوبة العموم ظاهراً و باطناً
فيحمل على أنّه لا توبة له توجب سقوط القتل و ما

بعده
كما يشعر به عطف ما بعده عليه.
والمراد أنّه لا يستتاب و إن قبلت توبته لو تاب
كما دلّت عليه موثّقة عمّار عن الصادق &
قال: (كلّ
مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام و جحد محمّداً ْ نبوته و كذّبه
فإنّ دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه
و
امرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه
و يقسّم ماله على ورثته
و تعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها
زوجها
و على الإمام أن يقتله و لايستتيبه) فإن عدم الاستتابة لايستلزم عدم قبول التوبة لو تاب.
والحاصل: أنّ ظاهر هذه الرواية لايقاوم ما دلّت عليه أدلّة التوبة مع قطعيتها و تضافرها في الكتاب و
السنة
سيّما مع ما هو المعهود من كرم اللّه و وسعة رحمته
و سبقها غضبه
و نفي العسر والحرج
و كون
الملّة سمحة سهلة.
وأما القتل وما يتبعه فلاينافي ما ذكر; لكونها من باب الأحكام الوضعية المقوية للدين
السادّة لخلل
شُبه أهل الجحود
وتطرّق الإضلال.
إذا عرفت هذا
فنقول: التحقيق القول بقبول توبته باطناً كما قوّاه جماعة منهم الشهيد الثاني و
المحقّق الشيخ عليّ و صاحب المدارك و غيرهم .
و ما ذكروه من جواز التكليف بما لايطاق إذا كان المكلّف هو الذي صار باعثاً له
فإنما يسلّم إذا لم
يتب.
وأمّا بعد التوبة الصحيحة فنحن نحكم بقبحه كسائر التكاليف التي لاتطاق
و نحن إذا صحّحنا التوبة بما
ذكرنا فلا يرد علينا شيء.
وأمّا ظاهر جمهور الأصحاب فإن كان مرادهم هو ما ظهر منهم من عدم القبول أصلاً مع كونهم مكلّفين
بالإجماع
فلا مناص لهم عن القول بجواز مثل هذا التكليف بمالايطاق
و هو بعيد.
وكيف كان
فالأظهر قبول توبته باطناً
و صحة عباداته و طهارة بدنه
و صحّة معاملاته التي منها حلّ
ذبيحته و منها جواز تملّكه

و تزويجه
و لو كان بامرأته السابقة بعقد جديد.
وأمّا عدم سقوط قتله و عدم رجوع ماله إليه و زوجته بالعقد السابق فلا نمنعه; للاستصحاب
و عدم
منافاته لوسعة رحمة الله و كرمه; لأن فيها فوائد جمّة في حراسة الدين وردع المبطلين
و لعلّه يوجب
حصول الأجر مضافاً إلى رفع العقوبة لنفس المرتد
فلا غائلة أصلاً فيه.
ثمّ إنّه لو صام المسلم فارتد في أثنائه ثمّ رجع ففي صحته قولان
فعن الشيخ و ابن إدريس و جماعة منهم
المحقق في المعتبر الصحة.
وذهب العلامة و الشهيد إلى البطلان
و قوّاه في المدارك ; لأنّ الإسلام شرط الصحّة
و بفوته في جزء من
الصوم يفسد ذلك الجزء
و الصوم لايتبعّض.
ويؤيّده قوله تعالى:
ولقد اُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك
.
وأجاب المحقق بأنّ شرط الإحباط أن يموت على الشرك
و هو تقييد لا دليل عليه.
نعم ما ذكره له وجه بالنسبة إلى الأعمال الآتية إذا تاب.
وبالجملة و إن كان القول بالبطلان قويّاً
لكن الحكم بوجوب القضاء مشكل; لأنّه فرض جديد على الأصحّ
هذا الكلام في الكافر و المرتد.
وأما المخالفون; فقد مرّ أنّهم إذا استبصروا يسقط عنهم قضاء ما فعلوه صحيحاً عندهم عدا الزكاة
تفضّلاً من اللّه تعالى
لا ما لم يفعلوه كذلك
فيجب عليهم القضاء; لعموم الأدلّة.
وأمّا كفّار المسلمين
كالخوارج و الغلاة
فقال في المدارك: يجب عليهم القضاء قطعاً
و هو كما ذكره;
للعمومات
و لعدم انصراف ما مرّ من الأخبار في الكافر إليهم.
ثمّ إنّ ههنا مسائل:
الأُولى: لايجب التتابع في قضاء شهر رمضان على المشهور
بل لم نقف على مخالف صريح
و عن المسائل
الناصرية والخلاف والمختلف دعوى الإجماع عليه .
و ربما يقال: يظهر من إيجاب أبي الصلاح فوريّة القضاء أنّه يقول بوجوب التتابع
فإنّه قال: يلزم من

تعيّن عليه فرض القضاء بشيء من رمضان أن يبادر في أوّل أحوال الإمكان .
وكيف كان فالمذهب عدم الوجوب; للأصل
و إطلاق الآية
و منع كون الأمر للفور
وإطلاق الأخبار
و خصوص
كثير منها لاحاجة إلى ذكرها.
نعم المشهور الاستحباب; للمسارعة إلى الخير و سبب المغفرة
و لخصوص صحيحة عبدالله بن سنان
عن الصادق
&
قال: (من أفطر شيئاً من رمضان في عذر
فإن قضاه متتابعاً فهو أفضل
و إن قضاه متفرقاً فحسن) .
وصحيحة الحلبي عنه &
قال: (إذا كان على الرجل شيء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ الشهور شاء أياماً
متتابعة
فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء
و ليحص الأيام
فإن فرّق فحسن
و إن تابع فحسن) .
وتدلّ عليه رواية غياث بن إبراهيم
عن جعفر
عن أبيه } قال: (قال عليّ & في قضاء شهر رمضان: إن كان
لايقدر على سرده فرّقه
وقال: لايقضى شهر رمضان في عشرة ذي الحجة) .
و حملها الشيخ على من كان حاجّاً فإنّه مسافر.
ويحتمل أن يكون المنع لفقد التتابع لمكان العيد.
وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في عدم الكراهة في عشر ذي الحجة
و نسبه في التذكرة إلى علمائنا مؤذناً
بدعوى الإجماع .
مع أنّ الحلبي روى في الصحيح في جملة حديث قال
قلت: أرأيت إن بقي عليّ شيء من صوم شهر رمضان
أقضيه في
ذي الحجة؟ قال: (نعم) .
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه
عنه &: في قضاء شهر رمضان في شهر ذي الحجّة و قطعه
فقال: (اقضه في ذي
الحجة و اقطعه إن شئت) .
نعم هو مذهب أحمد من العامة .
ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب قولاً بأنّ من فاته عشرة أيام أو ثمانية فليتابع بين ثمانية أو بين
ستة و يفرّق الباقي

و هو قول ابن حمزة في الوسيلة .
وعن المبسوط: أنّ ما لايراعى فيه التتابع أربعة مواضع
إلى أن قال: و صوم قضاء شهر رمضان لمن أفطر
لعذر و إن كان التتابع فيه أفضل
فإن أراد الفضل فليصم ستة أيام متعاقبات ثمّ يفرّق الباقي .
ونحوه عن النهاية
إلا أنّ فيها: فإن لم يتمكّن من سرده .
ونقل ابن إدريس أيضاً قولاً باستحباب التفريق للفرق بين القضاء و الأداء .
و هو ظاهر المفيد في المقنعة قال: و من فاته شيء من شهر رمضان
فإن شاء قضى متتابعاً
و إن شاء قضى
متفرّقاً
على أيّ الوجهين قضى فقد أجزأه
و قد روي عن الصادق & أنّه قال: (إذا كان عليه يومان فصل
بينهما بيوم
و كذلك إذا كان عليه خمسة أيّام و ما زاد
فإن كان عليه عشرة أيّام أو أكثر من ذلك تابع
بين الثمانية الأيّام إن شاء
ثمّ فرّق الباقي) و الوجه في ذلك أنّه إن تابع بين الصيام في القضاء لم
يكن فرق بين الشهر في وضعه وبين القضاء
فأوجبت السنّة الفصل بين الأيّام بالإفطار ليقع الفرق بين
الأمرين كما وصفناه
و الذي قدّمناه من التخيير بين المتابعة و التفصيل على حسب ما يلائم ما ذكرناه
في هذا الشرح الذي بيّناه .
ولعلّ مستند الجميع موثّقة عمّار عن الصادق &
قال: سألته عن الرجل تكون عليه أيام من شهر رمضان
كيف
يقضيها؟ فقال: (إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوماً
وإن كان عليه خمسة فليفطر بينهما أيّاماً
و
ليس له أن يصوم أكثر من ستّة أيّام متوالية
و إن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينها يوماً) .
و في الاستبصار موضع ستة (ثمانية).
فبعضهم أخذ برواية التهذيب
و بعضهم برواية الاستبصار
و بعضهم جمع بينهما بالتخيير.
ولعلّ مراد المفيد ـ رحمه اللّه ـ من الرواية هو أيضاً رواية عمار
و لكن ما ذكره من التعليل بالفرق
بين الأداء و القضاء لايستفاد من الرواية.
و عن المرتضى في الجمل: القاضي مخيّر بين المتابعة و التفريق
و قد روي: أنّه إن كان عليه عشرة أيّام
أو أكثر منها كان مخيراً في الثمانية الاُول بين المتابعة و التفريق

ثمّ يفرّق ما بقي ليقع الفصل
بين الأداء و القضاء .
وبالجملة أكثر الأصحاب تعرّضوا لهذه الرواية بعباراتهم المختلفة
فربّما حمل على أنّه لدفع توهّم
وجوب المتابعة لاوجوب التفريق و لا ندبيته
كما يظهر من الشيخ
و ربّما حمل على ندب المتابعة في
الستة و التفريق في الباقي إن كان عليه فوق الستة.
ويظهر من بعضهم التخيير بين الثمانية و الستة في هذه الفضيلة
و لعلّه ناظر إلى نسختي التهذيب و
الاستبصار
فطرح هذه الرواية رأساً في غاية الإشكال.
ولعلّ الأظهر العمل على مقتضى صحيحة ابن سنان و صحيحة الحلبي و غيرهما ; لصحتها
و كثرتها
و اعتضادها
بالعمل.
و تؤيده صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار الآتية في قضاء الوليّ .
و يمكن حملها على تأكّد الاستحباب في الستة ثمّ الثمانية
و لكن لايلائمه ظاهر الرواية
فإن ظاهرها
رجحان التفريق
و حملها على مطلق الرخصة أو على من يضعف عن المتابعة بعيد.
ثمّ إنّ ههنا وجهاً آخر لم يذكروه
وهو أن يكون المطلوب بالذات التتابع
لكنه لا يمكن الاكتفاء
بتتابع بعضها
ككفارة صوم شهر رمضان بالنسبة إلى شهرين متتابعين
فيكتفي بشهر و يوم
فيكتفي هنا
بتتابع الستة أو الثمانية.
وعن المقنع: روي عن أبي عبد اللّه & في قضاء رمضان أنّه قال: (تصوم ثلاثة أيّام ثمّ تفطر) و لكنّه لا
يلائم أوّل الرواية.
ويمكن أن يكون ذلك في الثلاثة و ما فوقها
و يشعر به ما رواه في قرب الإسناد
عن عليّ بن جعفر
عن أخيه &
قال: سألته عمّن كان عليه يومان من شهر رمضان
كيف يقضيهما؟ قال: (يفصل بينهما بيوم
و إن كان أكثر من
ذلك فليقضها متوالية
فقد يكتفى بالثلاثة
و قد يكتفى بالستة

و قد يكتفى بالثمانية) و هذا أيضاً
بعيد.
الثانية: المشهور عدم وجوب الفور في قضاء رمضان
و في المدارك: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب ; للأصل
و عموم الآية و الأخبار
و خصوص صحيحة عبد اللّه بن سنان
و صحيحة الحلبي المتقدّمتين.
وصحيحة حفص بن البختري
عن أبي عبداللّه &
قال: (كنّ نساء النبيّ ْ إذا كان عليهنّ الصيام أخّرن ذلك
إلى شعبان; كراهة أن يمنعن النّبي ْ
فإذا كان شعبان صمن
وكان رسول اللّه ْ يقول: شعبان شهري) إلى غير
ذلك.
وكلام أبي الصلاح المتقدّم يشعر بلزومه
ولاحجّة عليه.
الثالثة: لايجب الترتيب في قضاء شهر رمضان كما نصّ عليه جماعة من الأصحاب
و لم نقف فيه على ذكر خلاف
فيجوز القضاء بدون قصد الأوّل ثمّ الثاني ثمّ الثالث
بل يجوز قصد الآخر أوّلاً ثمّ ما قبله إلى
الأوّل.
وقال في المسالك: إنّه أفضل
و لعلّ وجهه الاحتياط.
و استشكله في الدروس
و لعلّ وجهه النظر إلى تساوي الأيام في التعلّق بالذمة
و أنّ تقدّم بعضها على
بعض ليس من باب جعل الشارع ـ كالظهر و العصر والمغرب و العشاء ـ بل من باب الاتفاق
كتقدّم صلاة الصبح
على الظهرين
و هما على العشاءين
و قد أشرنا إلى ذلك في كتاب الصلاة
و إلى تقدّم اشتغال الذمة
بالأوّل
فهو أحق.
و هو ضعيف كما ترى في الديون المتعاقبة.
و كيف كان فلا ريب أنّ الترتيب أحوط
ثمّ الاقتصار بمطلقه من دون تقييد.
وأمّا الترتيب بينه و بين سائر الواجبات و بين نفس السائر
كالقضاء والكفّارة و النذر والكفارة من
حيث هي
فالأظهر أنّه ليس بواجب; للأصل.
و عن ابن أبي عقيل: لايجوز صومه عن نذر أو كفارة لمن عليه قضاء شهر رمضان حتى يقضيه.

و في المختلف: الأولى التفصيل
فإن كان نذراً معيّناً فيقدّم
و إلا فإن تضيّق وقت القضاء فيقدّم
و
إلا فيختار; للأصل و عدم المرجّح.
واحتجّ لابن أبي عقيل بأنّه كالأصل
و بأنّه وجب بأصل الشرع فيقدّم
ثمّ منع أنّه كالأصل
و كذا
الملازمة في الثاني
و ما ذكره جيّد.
الرابعة: اختلف في جواز صوم التطوّع لمن عليه فرض
فعن الأكثر المنع.
و لم يذكر في التذكرة الخلاف
إü عن أحد روايتي أحمد من العامة
و تمسّك للمنع بحسنة الحلبي الآتية
و هو مشعر بعدم القول بالفرق
و إü لما تمّ الاستدلال.
و عن السيّد و جماعة الجواز.
وقال في المدارك: ربّما ظهر من الكليني اختصاص المنع بما إذا كان الواجب من قضاء رمضان
قال: و هو
المعتمد
و تمسّك للجواز في غيره بالأصل
و للمنع فيه بحسنة الحلبي
قال: سألت أبا عبدالله & عن الرجل
عليه من شهر رمضان طائفة
أيتطوّع؟ فقال: (لا
حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان) .
و رواية أبي الصباح الكناني التي ليس في سندها إلا محمّد بن الفضيل
قال: سألت أبا عبداللّه & عن رجل
عليه من شهر رمضان أيّام
أيتطوّع؟ قال: (لا حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان) و .
أقول: و يدلّ على قول الأكثر ما رواه الصدوق بسنده عن الحلبي
و ما رواه عن أبي الصباح الكناني
عن
أبي عبداللّه & .
قال في الفقيه: باب الرجل يتطوّّع بالصيام و عليه شيء من الفرض: وردت الأخبار و الآثار عن الأئمة &
أنّه لايجوز أن يتطوّع الرجل و عليه شيء من الفرض
وممن روى ذلك الحلبي و أبو الصباح الكناني عن أبي
عبداللّه & .
و عن كتابه المقنع: اعلم أنّه لايجوز أن يتطوّع الرجل و عليه شيء من الفرض
كذلك وجدته في كلّ

الأحاديث .
و روى الشيخ في الصحيح
عن زرارة
عن أبي جعفر &
قال: سألته عن ركعتي الفجر
قال: (قبل الفجر) إلى أن قال:
(أتريد أن تقايس
لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة) و
هذه الرواية تفيد العموم من جهة العلّة التي أشار إليها الإمام &.
الخامسة: من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض; فإن مات في مرضه لم يجب القضاء عنه
و نقل الإجماع مذكور في
كلامهم
بل عن المنتهى إجماع العلماء .
و الأخبار بذلك متضافرة
مثل صحيحة محمّد بن مسلم
عن أحدهما }
قال: سألته عن رجل أدرك شهر رمضان و هو
مريض فتوفّي قبل أن يبرأ
قال: (ليس عليه شيء
و لكن يقضي عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي) .
وقويّة سماعة ـ لعثمان بن عيسى ـ قال: سألت أبا عبد اللّه & عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض
لايقدر على الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر شوال
قال: (لاصيام عليه و لايقضى عنه) قلت: فامرأة
نفساء دخل عليها شهر رمضان و لم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو شوال؟ فقال: (لايقضى عنها) .
ورواية منصوربن حازم قال: سألت أبا عبداللّه & عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت في شهر رمضان
قال: (لايقضى عنه) و الحائض تموت في شهر رمضان
قال: (لايقضى عنها) .
وذهب جماعة من الأصحاب إلى استحبابه
بل نسبه في المنتهى إلى أصحابنا
و استحسنه; لأنّّه طاعة فعلت
عن الميت
فوصل إليه ثوابها. و لعلّه نظر إلى الأخبار المستفيضة جدّاً القريبة حدّ التواتر (أنّ من
فعل عبادة لميّت يصل ثوابه إليه و يدخل عليه السرور و الفرج و ينتفع به) .
وأنت خبير بأنّها غير ما نحن فيه; إذ المطلوب استحباب فعلها على أنّها قضاء عنه
لافعل المكلّف عبادة
نفسه و إهداء ثوابه إليه
و قد أبطلنا في كتاب الصلاة استدلال بعضهم بها في مسألة الاستئجار
للعبادات بما لامزيد عليه
و حمل كلام الأصحاب على ذلك بعيد.
فلم يبق إü الاعتماد على فتواهم
للمسامحة في أدلّة السنن
و إü فلم نقف على ما يدلّ على ذلك

بل
الأخبار الصحيحة المصرّحة بنفي القضاء ظاهرة في عدم مشروعيّتها كما مرّت.
بل صحيحة أبي بصير
عن الصادق & مصرّحة به
قال: سألته عن امرأة مرضت في رمضان و ماتت في شوال
فأوصتني
أن أقضي عنها
قال: (هل برأت من مرضها؟) قلت: لا
ماتت فيه
قال (لايقضى عنها
فإنّ الله لم يجعله عليها)
قلت: فإني أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك
قال: (فكيف تقضي شيئاً لم يجعله اللّه عليها؟! فإن
اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم) و يحتمل أن يكون المراد منها إهداء ما فعل لنفسه إليها.
وإن استمرّ المرض عليه إلى رمضان آخر فلا قضاء عليه
و يفدي عن يوم بمدّ من الطعام على المشهور بين
الأصحاب.
وعن الصدوق و ابن أبي عقيل و الشيخ في الخلاف و ابن زهرة و ابن إدريس و أبي الصلاح و العùمة في
المنتهى والتحرير وجوب القضاء لاغير.
وعن ابن الجنيد الجمع بينهما احتياطاً .
لنا: الأصل
و الأخبار المستفيضة جدّاً
مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر &: في الرجل يمرض فيدركه شهر
رمضان
و يخرج عنه و هو مريض
فلا يصحّ حتى يدركه شهر رمضان آخر
قال: (يتصدّق عن الأوّل
و يصوم الثاني
فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر
صامهما جميعاً وتصدّق عن الأوّل) .
وحسنة محمّد بن مسلم
عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه }
قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه شهر
رمضان آخر
فقالا: (إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه الشهر الآخر
صام الذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم
بمدّ من طعام على مسكين
و عليه قضاؤه
و إن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه شهر رمضان
صام الذي أدركه و
تصدّق عن الأوّل عن كلّ يوم مد على مسكين
و ليس عليه قضاؤه) .

ورواية أبي بصير
عن أبي عبدالله &
قال: (إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان
ثم صحّ
فإنّما عليه لكلّ
يوم أفطر فدية طعام
و هو مد لكلّ مسكين) قال: (وكذلك أيضاً في كفارة اليمين و كفارة الظهار مدّاً
مدّاً
و إن صحّ فيما بين الرمضانين
فإنّما عليه أن يقضي الصيام
فإن تهاون به و قد صحّ
فعليه الصدقة
و الصيام جميعاً
لكلّ يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان) إلى غير ذلك من الأخبار.
وربّما يستدلّ باستيعاب العدد لوقت الأداء و القضاء معاً
فيسقط التكليف رأساً
كالإغماء المستوعب
لوقت الصلاة; و ذلك لأنّ وقت القضاء إنّما هو ما بين الرمضانين.
وفيه: منع ظاهر; لأنّ وجوب المبادرة بينهما لايستلزم انحصار الوقت فيه
و هو مقتضى إطلاق الآية
و لكن
هذا الاستدلال قد تكرّر في كلامهم
و يبعد أن لايكون له وجه.
ويمكن أن يكون نظرهم إلى ما سننقله عن العلل و العيون
عن الفضل بن شاذان
عن الرضا & .
واحتجّ الآخرون: بعموم الآية
و رواية أبي الصباح الكناني
قال: سألت أباعبداللّه & عن رجل كان عليه
من شهر رمضان طائفة ثمّ أدركه رمضان قابل فقال: (إن كان صحّ فيما بين ذلك ثمّ لم يقضه حتى أدركه شهر
رمضان قابل
فإنّ عليه أن يصوم و يطعم لكلّ يوم مسكيناً
و إن كان مريضاً فيما بين ذلك حتى أدركه شهر
رمضان قابل فليس عليه إü الصيام إن صح
فإن تتابع المرض عليه فعليه أن يطعم كل يوم مسكيناً) .
والجواب عن الآية: بأنّها مخصصة بالأخبار المستفيضة جدّاً
المعتضدة بعمل الأصحاب
قال في المعتبر:
و مع ظهور هذه الأخبار واشتهارها و سلامتها عن المعارض يجب العمل بها .
و العجب من العùمة حيث قال تقويةً لهذا القول: بأنّها أخبار آحاد لاتعارض الآية
مع أنّه خلاف مذهبه
في الاُصول .

وأمّا الرواية ـ فمع القدح في سندها بمحمد بن فضيل المشترك بين الثقة والضعيف
و إن كان العùمة
كثيراً ما يصحّح سنداً هو فيه ـ لا يعارض بها ما تقدّم من الأدلّة
مع أنّ دلالتها ممنوعة
بل هي دليل
المشهور كما يظهر من المحقق حيث لم يجعلها معارضةً للأخبار
بل جعلها من جملة أدلّة المشهور
و كذلك
الشيخ في التهذيب ذكرها في عداد الأخبار الأدلّة.
بيان ذلك: أنّ قوله & (فإن تتابع المرض) إلى آخره هو موافق للمشهور
و هؤلاء إنّما احتجوا بقوله & قبل
ذلك: (وإن كان مريضاً) إلى آخره
فإن قلنا: إنّ المراد به هو صورة الاستمرار أيضاً فتتناقض العبارتان;
إذ الظاهر من الأخيرة إطعام المسكين فقط
فالأولى أن يجعل المراد بها حصول الصحّة و المرض معاً
و
عدم ترك الصوم تهاوناً. وهو أحد الأقوال في المسألة الآتية.
و أشهرها في أصل الرواية ينبغي أن يكون وجوب الصوم و الإطعام معاً إن حصلت الصحّة
و تقرّر وجوب
الصوم فقط إن حصلت الصحّة و لم يقصّر
و وجوب الإطعام فقط إن تتابع المرض.
أو يكون الحصر في الفقرة الثانية إضافيّاً بالنسبة إلى ترك الصوم
لئلا ينافي لزوم الفدية على ما
سنختاره في المسألة الآتية من عدم التفصيل بين التهاون و غيره.
ولو سلّم دلالتها أيضاً فلا تقاوم ما ذكرنا; لضعفها
و موافقتها لمذهب العامة
و مخالفتها للمشهور.
وأمّا حجّة ابن الجنيد: فهي ما رواه الشيخ بسنده
عن الحسين بن سعيد
عن عثمان ابن عيسى
عن سماعة
قال:
سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه فقال: (يتصدّق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان
عليه بمدّ من طعام
و ليصم هذا الذي أدرك
فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه
فإنّي كنت مريضاً
فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصحّ فيهنّ
ثمّ أدركت رمضان آخر
فتصدّقت بدل كلّ يوم مما مضى بمد من
طعام
ثمّ عافاني اللّه و صمتهن) .

واُجيب عنه ـ بعد القدح في السند
و الإضمار
و عدم المقاومة لما مضى من الأخبارـ بحملها على
الاستحباب.
و تؤيّده صحيحة عبد اللّه بن سنان
عن أبي عبداللّه &
قال: (من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثمّ أدرك
رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم
فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت) .
وأجاب الشيخ عنها: بما حاصله أنّه ليس فيها إü أنّه لم يصح في نفس الرمضانات لافيما بينهن
و لايرد
عليه أنّه يلزم أن يكون تركه & تهاوناً ; لعلّه كان من جهة عذر آخر
أو لسعة الوقت فعرض عذر آخر.
و كيف كان فالمذهب هو المشهور.
ثمّ إنّ ههنا اُموراً لابدّ أن يُنبّه عليها:
الأوّل: لاتتكرّر الكفّارة بتكرّر السنين على الأشهر الأظهر المحكي عليه الإجماع من الخلاف ; للأصل
و الإطلاقات
وخصوص رواية سماعة المتقدّمة .
وقال في التذكرة: و لو أخّره سنين تعدّدت الكفّارة بتعدّد السنين
و للشافعي وجهان و
و لم نقف على
مأخذه.
الثاني: لافرق بين رمضان واحد أو أكثر في لزوم الكفارة
فيتعدد بتعدده
فلو استمر المرض إلى ثلاث
فيفدي عن كلّ من الأوّلين
و هكذا قطع به العùمة في التذكرة من غير نقل خلاف
و الشهيدان
و غيرهما .
ونقله في المختلف عن الشيخ وابن الجنيد
ثمّ نقل كلام ابن بابويه في رسالته
و حكى عن المقنع أيضاً
مثله
و يظهر من كلامه أنّه لو مرّ عليه رمضانات ثلاثة فيفدي عن الأوّل و يقضي الثاني كما فهمه ابن
إدريس من كلامه و الشهيد في الدروس
و تردد في المختلف في فهم كلامه بين موافقته للمشهور و مخالفته .
و هذه عبارة الرسالة: إذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كلّه و لم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان
قابل
فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل
و يتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ من طعام
و ليس عليه القضاء
إü

أن يكون صحّ فيما بين الرمضانين
فإن كان كذلك و لم يصم
فعليه أن يتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ من
طعام
و يصوم الثاني
فإذا صام الثاني قضى الأوّل بعده
فإن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرض
فعليه أن يصوم الذي دخل
و يتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ من طعام
و يقضي الثاني .
وكيف كان فالمذهب الأوّل; لإطلاق الدليل
و لم نقف لهما على دليل.
قيل: و لعلّ دليله هو ما رواه الحميري في قرب الإسناد
عن عليّ بن جعفر
عن أخيه موسى &
قال: و سألته عن
رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما
ثمّ صحّ بعد ذلك
كيف يصنع؟ قال: (يصوم الأخير
و يتصدّق عن
الأوّل بصدقة
كلّ يوم مد من طعام لكل مسكين) فإنّه يعمّ ما إذا كانت صحّته بين الثاني و الثالث
أو
بعد الثالث.
أقول: و المتبادر منه حكم ما تتابع عليه رمضانان لا رمضانات
فلا عموم فيه
و لو تمّ ما ذكرتم في
صحيحة زرارة و حسنة محمّد بن مسلم المتقدّمتين و ما في معناهما فلاحاجة إلى التمسك بهذه
و تخصيص
الاستدلال بها
فإنّ المتبادر من صوم الثاني المذكور فيها قضاء صوم الثاني
لاصيام نفس ما أدركه
بقرينة مقابلة التصدّق عن الأوّل
و بقرينة قوله & (صامهما) و غير ذلك.
وكيف كان فالمذهب هو الأوّل; لعموم الأخبار
و خصوص رواية سماعة المتقدّمة في فعل الصادق &
و رواية
أبي بصير الآتية في تفسير الآية.
الثالث: اختلفوا في قدر الفدية
فالمشهور أنّه مدّ.
و عن الشيخ وابن حمزة و ابن البراج : أنّه مدّان
فإن لم يتمكّن فمدّ.

وعن المبسوط و الجمل: أنّه مدّان
و أقلّه مد
و هو ظاهر في استحباب الأوّل.
وقال في التذكرة: و تصدّق عن كلّ يوم بمدين أو بمدّ عند أكثر علمائنا
ولعلّ مراده بيان المستحب عند
الكل
أو ترديده ناظر إلى الخلاف الواقع بينهم في مقابل قول العامة أنّه ليس عليه إلا القضاء كما هو
مذهب الصدوق .
لنا: الأصل
والأخبار المستفيضة جدّاً
المتقدّم كثير منها.
ولم نقف لتعيين المدّين على مأخذ يعتمد عليه
و احتج له في المختلف بأنّ نصف الصاع بدل عن اليوم في
جزاء كفارة الصيد
و هذا أولى منه; لكونه آكد و أفضل . و فيه ما لا يخفى.
وربما يستدلّ له بصحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه & يقول: (الشيخ الكبير و الذي به العطاش
لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان
و يتصدّق كل واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام) .
فإنّ الشيخ جمع بينهما و بين ما نصّ على المدّ عليهما: بأنّ من أطاق إطعام مدّين يلزمه ذلك
و من لم
يطق إü إطعام مدّ فعل ذلك
فلعلّه يقول بعدم الفرق بين العطاش و غيره من الأمراض
بل لا فرق في الفدية
عن صوم رمضان بين الأعذار
فإنّ العبرة في الفداء بالمفدي دون السبب.
واُجيب عن ذلك بحمل خبر المدّين على الاستحباب; لندرته و تظافر الأخبار بخلافه
مع معارضة صحيحة
محمّد بن مسلم بصحيحته الاُخري
و بمنع عدم الافتراق بافتراق الأسباب و إن اتحد المفدي .
الرابع: قال الشهيدان و من بعدهما: إنّ محلّ هذه الفدية هو مستحق الزكاة لحاجته
يعني لا للعمالة
و
التأليف و الرّق و الغرم و غير ذلك
فمرادهم من حاجته لنفسه ليتم إخراج الغرم .
و احتمل الشهيد الثاني في كتاب الكفارات دخول ابن السبيل .
والأجود الاقتصار على المساكين; لأنّه مقتضى الأخبار.
وعلى ما بنى عليه الشهيد الثاني من شمول المسكين للفقير إذا ذكر منفرداً فيدخل الفقير
و قد عرفت
أنّه محلّ نظر
و أنّ المسكين أسوأ حالاً من الفقير
فالخروج عن مقتضى النصوص لا وجه له
سيّما و قد

روى العياشي في تفسير قوله تعالى:
و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
عن أبي بصير قال: سألته عن
رجل مرض من رمضان إلى رمضان قابل
و لم يصح بينهما
و لم يطق الصوم
قال: (تصدّق مكان كلّ يوم أفطر على
مسكين مدّاً من طعام
و إن لم يكن حنطة فمدّ من تمر
و هو قول اللّه تعالى:
فدية طعام مسكين
فإن
استطاع أن يصوم الرمضان الذي يستقبل
و إلا فليتربّص إلى رمضان قابل فيقضيه
فإن لم يصح حتى رمضان
قابل
فليتصدّق كما تصدّق مدّاً مدّاً) .
ويظهر من قولهم: (محلّه مستحق الزكاة) اعتبار الإيمان والعدالة عند من يعتبرها
و لم أقف في الأخبار
على ما يدلّ عليه
و لاريب أنّه أحوط.
الخامس: قال في المسالك بعد ما ذكر أنّ محلّها مستحق الزكاة لحاجته و لايجب تعدّده
و كذا كل فدية في
هذا الباب
فيجوز إعطاء فدية أيّام لمسكين واحد
و هو مقتضى الأصل و الإطلاق .
و لايضرّه لفظ مسكين في الأخبار
حيث إنّه ظاهر في الواحد; بتقريب أنّ تنوينه تنوين التنكير لا
التمكن
فإنّ التصدّق عن كلّ يوم بمد على مسكين لاينافي التصدّق عن جميع الأيام على مسكين واحد
فإنّه مسكين تصدّق عليه بمدّ لكلّ يوم.
نعم الظاهر من الأخبار أنّه لابد أن لايكون حظ كلّ مسكين أقلّ من مدّ.
وعن المفيد في المقنعة: ومن فاته صيام شهري رمضان لمرض دام به فليكفّر عن الأوّل منهما بثلاثين مداً
من طعام على ثلاثين مسكيناً . و ظاهره وجوب التعدّد.
و تشعر به رواية أبي بصير المتقدمة في المسألة حيث قال &: (و هو مدّ لكلّ مسكين) .
و هذه الرواية مع سلامتها ممنوعة الدلالة
إذ لعلّ المقصود أنّه لا يعطى المسكين أقلّ من مدّ.
وبالجملة ليس في مقابل الأصل و الإطلاقات ما يوجب التقييد
سيّما مع موافقتها لنفي العسر و الحرج
سيّما بملاحظة قوله تعالى:
طعام مسكين
نظراً إلى ما فسّر بما نحن فيه

و إن وردت في تفسيره روايات
اُخر أنّه في الشيخ الكبير و ذي العطاش
مع أنّ حكم الكل واحد كما يظهر من تعميم المسالك لكل فدية في
هذا الباب.
السادس: إذا فات الصوم بغير المرض من سفر و نحوه أو مركباً عنهما ثم استمرّ المرض إلى رمضان آخر
فهل
هو في حكم من فاته رمضان بالمرض أم لا؟ فيه قولان
أظهرهما نعم
وفاقاً للشيخ في الخلاف و ظاهر ابن
أبي عقيل كما نسبه إليه في الدروس بل في المختلف أيضاً في الجملة ; لصحيحة عبدالله بن سنان
عن أبي
عبداللّه &
قال: (من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثم أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدق بمد لكلّ يوم) .
وأجاب العلامة في المختلف بعد ما قطع بعدم الإلحاق لعموم الآية واختصاص الروايات بالمريض: أنّ هذه
الرواية لايعارض بها عموم الآية; لأنّ قوله &: (و هو مريض) يشعر بأنّ العذر المذكور في الرواية هو
المرض .
أقول: هذا الإشعار لايرفع إطلاق أوّل الرواية
مع أنّ الصدوق روى في العلل و العيون
عن الفضل بن
شاذان
عن الرضا &
قال: (فإن قال: فَلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم
يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل و سقط القضاء
و إذا أفاقَ بينهما أو
أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل: لأنّ ذلك الصوم
إنّما وجب عليه في تلك السنة في هذا
الشهر
فأما الذي لم يفق فإنّه لما مرت عليه السنة كلها و قد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى
أدائها سقط عنه
و كذلك كلّ ما غلب اللّه عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه في يوم وليلة
فلايجب
عليه قضاء الصلاة
كما قال الصادق &: كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له; لأنّه دخل الشهر و هو مريض
فلم يجب عليه الصوم في شهره و لاسنته للمرض الذي كان فيه وجب عليه الفداء; لأنّّه بمنزلة من وجب عليه
الصوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء
كما قال اللّه عزوجل:
فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع
فإطعام ستين مسكيناً
و كما قال:
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك
فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر
عليه) .

فإن قيل: فإن لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع.
قيل: لأنّه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي; لأنّه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في
كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء
و إذا وجب عليه الفداء سقط الصوم عنه
فالصوم ساقط و الفداء لازم
فإذا أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء; لتضييعه
والصوم; لاستطاعته.
وحاصل تعليله &: أنّه بسبب عدم الاستطاعة ينتقل فرضه من القضاء إلى التصدّق
و عدم الاستطاعة أعمّ من
العقلي و الشرعي
فالمسافر أيضاً غير مستطيع; لأنّه سافر بإذن الشارع
و بعد اختياره ما هو جائز
شرعاً يترتب عليه عدم الاستطاعة
مع أنّه قد يكون السفر واجباً كالحج
و لا قائل بالفرق
و اقتصاره &
على ذكر المرض من باب التمثيل لا التخصيص كما يستفاد من أوّل الكلام.
وهذه الرواية مع الصحيحة المتقدّمة و الإشعار بالعلّة من الروايات الاُخرمع دعوى الشيخ الإجماع في
المسألة كما حكاه عنه الفاضل الإصفهاني لعلّها كافية في ترجيح التعميم.
ومما ذكرنا يظهر الكلام فيما لو كان فوات الصيام بالمرض و استمرار المانع بغيره
و كذلك لو كان
الفوات بغير المرض
و كذا استمرار المانع كان بغيره.
و ظاهر الشيخ في الخلاف التعدّي أيضاً
فإن ما نقل عنه المحقق في المعتبر
و الشهيد في الدروس من
إلحاق سائر الأعراض بالمرض مقتضاه ذلك
فلاحظهما
فينطبق عليه إجماعه الذي نقل عنه
و العلّة
المستفادة من رواية الفضل.
فالأحوط أن لايترك القضاء في غير المرض المستمر
وقوفاً مع عموم الآية
و أن يتصدّق في نظير ما ثبت
فيه التصدّق في المرض
هذا كلّه إذا استمرّ المرض.
وأمّا إذا برأ بين الرمضانين فيجب عليه القضاء
و لايجوز التأخير عن الرمضان الآتي
و الظاهر عدم
الخلاف فيه.
فإن ترك القضاء فالمشهور أنّه إن تهاون يجب عليه القضاء و الفدية معاً
و إü فيقضي خاصة.

وفسّروا التهاون بأن لايعزم على شيء من الفعل و الترك في جميع أزمان البرء
أو عزم على الترك كذلك
سواء عرض له عذر بعد ذلك منعه عن القضاء أم لا
أو يعزم على القضاء أوّلاً
ثمّ تجدّد له العزم على
العدم عند ضيق الوقت
أو في السعة مع عروض ما يمنعه من القضاء.
وفذلكته: عدم العزم على القضاء إلى إدراك الرمضان الثاني
أو حصول عذر مستمرّ إليه.
واعلم أنّ عدم العزم على شيء في جميع الزمان لايجامع التذكّر
بل لابدّ للإنسان إذا ضاق الوقت و لم
يكن ناسياً أو صاحب عذر من عزم إمّا على الفعل أو الترك
و عدم التهاون بأن عزم على القضاء في السعة و
أخّر اعتماداً عليها فعرض له مانع و استمرّ.
وذهب ابن إدريس إلى وجوب القضاء فقط مطلقاً .
وذهب الشهيدان في الدروس و المسالك والروضة و من تأخّر عنهما إلى وجوب الفدية مع القضاء على من قدر
عليه و لم يفعل حتى يدخل الثاني
عزم عليه أم لا
و هو مقتضى إطلاق الصدوقين . قيل: و هو محتمل كلام
المحقّق في المعتبر
و يحيى بن سعيد في الجامع
و كلام المفيد و ابن زهرة
و هو الأقوى.
لنا: صحيحة زرارة المتقدّمة
وحسنة محمد بن مسلم
و رواية أبي الصباح
و وصفهما في المختلف و
المنتهى بالصحة
وكذلك في المسالك .
أمّا صحيحة زرارة
فواضحة الدلالة; لأنّ قوله & (ولم يصم) يشمل جميع صور ترك القضاء في حال الصحّة.
وأمّا حسنة محمّد بن مسلم
فوجه دلالتها اكتفاؤه & ـ من جميع شقوق ترك القضاء حال الصحة ـ بذكر صورة
تركه في حال التواني
فعلم من ذلك أنّ مراده & من التواني هو التكاسل و مطلق ترك القضاء مع القدرة
و
إü فيلزم أنّ الإمام ترك حكم بعض الشقوق في الجواب
وحيث ذكر ذلك في مقابل صورة استمرار المرض ساكتاً
عن غيره مع احتياج السائل إلى الجواب
علم أنّ حكم جميع صور الترك واحد.
لايقال: إنّ وجوب القضاء كان معلوماً بالآية و الأخبار
فإنّما كان المحتاج إليه في المسألة غيره

فلعلّ المعصوم & أحال الراوي على عموم الآية.
لأنّا نقول: إن كان الراوي يعلم ذلك ـ يعني وجوب القضاء على الإطلاق ـ و سؤاله عن أمر زائد
وكان هذا
الاعتقاد صحيحاً
فكيف يردّ الإمام & عن اعتقاد الإطلاق و يحكم بعدمه في صورة استمرار المرض
و إن كان
اعتقاده الإطلاق باطلاً
فتحتاج جميع الأقسام إلى الذكر
فلِمَ ترك في الجواب ذكر صورة عدم التواني
مع الصحة.
وأمّا رواية الكناني فعموم الفقرة الاُولى واضحة
وإنّما الإشكال في الفقرة الثانية
فإنّها يحتمل
أن يكون المراد بها صورة العزم مع عدم التهاون
كما هو مذهب المشهور
و لكن ليس بحيث يمكن الاعتماد به
في الاستدلال; لعدم دلالة اللفظ عليه بواحدة من الدلالات (وكما يحتمل ذلك يحتمل) أن يكون المراد من
الحصر الإضافيّ بالنسبة إلى ترك الصيام لا ترك الصدقة.
فحاصل الفقرات الثلاث أنّه إذا صحّ و قدر على القضاء بينهما يجب عليه القضاء والكفارة
سواء استمرّت
الصحّة أو تلفّق الصحّة و المرض
و إن استمرّ المرض فليس عليه إلا الكفارة
فالفقرة الثانية إنّما هي
في حكم الملفق.
وتدلّ على ما ذكرنا رواية العلل المرويّة عن الفضل بن شاذان
و سندها أيضاً قويّ; إذ ليس في سندها إü
عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري عن أبي الحسن عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري
و قد حكم
العùمة بصحّة خبرهما .
و أيضاً ابن عبدوس من مشايخ الإجازة
و قال في المسالك: إنّه شيخ ابن بابويه
وهو في قوّة التوثيق
فلا
يضر إهماله وجهالته
و الكشي اعتمد على عليّ بن محمّد
و مدحه النجاشي و العلامة .
حجّة المشهور: الأخبار المتقدّمة
و قد عرفت الوجه فيها و ستعرف أيضاً.
واستدلّ لهم الفاضل الإصفهانيّ في شرح الروضة برواية الوشّاء
عن أبي الحسن الرضا &
قال: (و من فاته
شيء من شهر رمضان لمرض و لم يقضه حتى أتى عليه شهر رمضان آخر

فإن كان لم يصحّ فيما بينهما يصوم
الثاني و يتصدّق عن الأوّل
و ليس عليه قضاء
و إن كان قد برأ فيما بينهما ولم يقضِ ما فاته و في نيّته
القضاء
يصوم الحاضر ويقضي الأوّل
و إن تركه متهاوناً لزمه القضاء والكفارة عن الأوّل
و أن يصوم ما
قد حضر وقته)
ثمّ ردّها بضعفها بسهل بن زياد
و أوّلها بتأويل بعيد.
أقول: و هذه الرواية لم نقف عليها في شيء من الاُصول
و لعلّه أخذها من التهذيب
وهذا من كلام الشيخ ـ
رحمه اللّه ـ و ليس من رواية الوشاء في شيء
و قد غفل عن ذلك فحسبها من تتمّة الرواية
و ذلك لأنّ
الشيخ ـ رحمه اللّه ـ نقل الأخبار الدالّة على قضاء الوليّ عن الميت
و ساقها إلى أن قال محمدبن
يعقوب
عن عدّة من أصحابنا
عن سهل بن زياد
عن الوشاء
عن أبي الحسن الرضا &
قال سمعته يقول: (إذا مات
الرجل و عليه صيام شهرين متتابعين من علّة فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل و يقضي الثاني) .
ثمّ قال: و من فاته شيء من شهر رمضان إلى آخر ما ذكرنا.
ثمّ قال: و الذي يدلّ على ذلك ما رواه محمّد بن يعقوب
و ساق الأحاديث المتقدّمة
أعني حسنة محمّد بن
مسلم وصحيحة زرارة و رواية الكناني.
ثمّ قال: و الذي يدلّ على ما ذكرنا من التقسيم ما رواه الحسين بن سعيد إلى آخر رواية أبي بصير
المتقدّمة
ثمّ نقل رواية سماعة المتقدّمة وأجاب عنها
وكذلك سائر كلمات الشيخ إلى آخر الباب ينادي
بذلك
فلاحظها.
والذي ينادي بذلك أيضاً أنّ الكليني روى رواية الوشاء في الكافي مقتصراً بحكاية القضاء عن الوليّ
و
لم يذكر هذا التقسيم
واقتصر في الباب الذي عقد لما نحن فيه على الروايات الثلاث المتقدمة.
وأمّا استدلالهم برواية أبي بصير المتقدّمة

فهو مبنيّ على جعل قوله &: (فإن تهاون) إلى آخره قسيماً
لقوله &: (وإن صحّ) و معطوفاً عليه
فيشمل ما لو صحّ بينهما و لم يتهاون
فيكون حكمه القضاء فقط.
والظاهر أنّه ليس كذلك
كما يشعر به العطف بكلمة الفاء دون الواو.
فقوله &: (فإن تهاون) فرع لقوله: (و إن صحّ فيما بين الرمضانين) يعني: إن صحّ بينهما فيجب عليه الصيام
يعني بين الرمضانين
فإن تهاون حينئذٍ و لم يصم حتى أدرك القابل فعليه الصيام و الكفارة.
وأمّا استدلالهم بحسنة محمّد بن مسلم فمبنيّ على أنّّ مفهوم قوله &: (إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن
يدركه الصوم الآخر صام الذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين وعليه صيامه) أنّه إذا
لم يتوانَ و لم يقصّر فليس حكمه وجوب الأمرين عليه
بل إنّما يجب عليه الصيام فقط.
وفيه: أنّ انتفاء المركّب يحصل بانتفاء المجموع
و بكلّ واحد من جزئيه
فلعلّه لم يكن عليه شيء
أو
كان عليه الفدية فقط.
ولادليل على تعيين الصيام
مع أنّ النفي و الإثبات يرجعان إلى القيد الأخير غالباً
فوجوب الصيام
أولى بالانتفاء
فلعلّ حكمه كان حكم استمرار المرض
و قد مرّ تمام الكلام.
هذا إن سلّمنا أنّ المراد بالتواني هو ما فسّروه في معنى التهاون
و إلا فلنا أن نقول: إنّ تأخير
القضاء مع القدرة تهاون
و إن اعتمد في التأخير على السعة
فإن التهاون في اللغة بمعنى الاستحقار كما
نصّ عليه الجوهري
و كذلك التواني بمعنى التقصير و تأخير الواجب عن أوّل وقته بلا عذر مع القدرة
عليه استحقار له
فإنّ محض الاعتماد على السعة ليس بعذر
بل هي متابعة للهوى
و ترجيح لمقتضى النفس
الأمّارة على المبادرة بالواجب.
واستشهد الشيخ ـ رحمه اللّه ـ أيضاً برواية سعدبن سعد
عن رجل
عن أبي الحسن &
قال: سألته عن رجل يكون
مريضاً في شهر رمضان ثمّ يصحّ بعد ذلك
فيؤخر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر

ما عليه في ذلك؟ قال:
(أُحبّ له تعجيل الصيام
فإن كان أخّره فليس عليه شيء) قال: إنّه محمول على ما ذكرناه فيما تقدّم من
أنّه متى أخّره غير متهاون به و في نيته الصيام فليس عليه شيء من الصدقة
وإنّما يلزمه القضاء حسب ما
تضمّنه القرآن .
وفيه: مع ضعفها و إرسالها أنّ ظاهرها يقتضي سقوط الفدية عن المتهاون أيضاً
و عدم وجوب المبادرة
بالقضاء بين الرمضانين
و لايقولون به
بل ظاهر الرواية عدم وجوب المبادرة في أوّل الزمان الذي بين
الرمضانين
لا في نفس الزمان.
وحجّة ابن إدريس : أصالة البراءة عن الكفارة
و أنّ القرآن لا يدلّ إü على وجوب القضاء
و لا إجماع في
المسألة; إذ لم يذكره إü الشيخين و من تبعهما
فيجب القضاء فقط مطلقاً
يعني و إن استمر المرض بينهما.
و هو على أصله من عدم حجية أخبار الآحاد واضح
و لكن أصله ضعيف
مع أنّ المسألة ذكرها من كان قبل الشيخ
من الفقهاء مثل الصدوقين و ابن أبي عقيل .
بل قال في المعتبر: و لاعبرة بخلاف بعض المتأخّرين في إيجاب الكفارة هنا
فإنّه ارتكب ما لم يذهب
إليه أحد من فقهاء الإمامية فيما علمت
قال: و روى ما ذكرنا مضافاً إلى الروايتين ـ يعني بهما رواية
زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمتين ـ أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه & و أبو بصير
عن أبي عبد
اللّه
و عبد اللّه بن سنان عنه &
و هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية
و ليس لرواياتهم معارض
إü ما
يحتمل ردّه إلى ما ذكرناه
فالرادّ لذلك يتكلّف ما لاضرورة له إليه .
ثمّ إنّا قد ذكرنا سابقاً أنّ أكثر الأصحاب خصّوا المسألة بحكم المريض
و نقلنا عن الشيخ في الخلاف
أنّه عمّم الحكم بين المرض و غيره من الأعذار
وهو ظاهر ابن أبي عقيل أيضاً
و مال إليه في المختلف
ثمّ جعل التفصيل أقرب

وهو التعدّي إلى غير المرض من الأعذار إن كان التأخير توانياً
فإنّ المرض
أعظم الأعذار
فإذا ثبتت معه الكفارة
فتثبت فيما دونه بطريق الأولى.
قال: و ليس هذا من باب القياس
بل من باب التنبيه
و أما إذا كان التأخير من غير جهة التواني
فيجب فيه
القضاء و إن استمر العذر; لعموم الآية
و أنّ إسقاط القضاء من جهة المرض الذي هو أعظم الأعذار إن
استمر لايوجب إسقاطه من جهة ما هو دونه من الأعذار
و ارتضاه في المسالك .
وفي الاستدلال بالأولوية إشكال
مع أنّه لم يظهر من الروايات أنّ العلّة في وجوب الكفارة هي التأخير
الحاصل من جهة المرض
بل الظاهر أنّه لأجل تأخير ما وجب عليه من القضاء
فيشمل الجميع.
فالأولى العمل على قول الشيخ في الخلاف من تسوية الأعذار مطلقاً لما بينا سابقاً.
السابع: في شرائط القضاء عن الميّت و أحكامه.
ولمّا لم نذكر في كتاب الصلاة أحكام الصلاة
كما لم يذكرها طائفة من الأصحاب أيضاً
فلابدّ أن نشير
إلى حكمها أيضاً هنا لتحصيل البصيرة.
ويتوقّف تنقيح المقام على ذكر مقدمة و مباحث:
أمّا المقدمة:
فوجوب قضائهما على الوارث في الجملة هو المشهور بين أصحابنا
بل لم نقف فيه على مخالف إلا ما نقل في
المختلف عن ابن أبي عقيل في وجوب قضاء الصوم
و يظهر من السيدين المرتضي و ابن زهرة ـ رحمهما الله ـ
الإجماع فيه أيضاً في الجملة.
وبالجملة فالمسألة مما لا إشكال فيها
و مخالفة العامة فيها تمسّكاً بقوله تعالى:
ليس للإنسان إلا
ما سعى
و بقوله &: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية
أو علم ينتفع به
أو ولد صالح
يدعو له) ضعيف; لأنّهما مخصّصان بالأدلّة كما خصّصا بالحج و غيره.
مع أنّ ما ذكر من نتائج إيمانه و تحصيله العقائد الحقّة الذي هو من سعيه
وكذلك هو من منافع عمله و
معرفته و ولده الصالح.

و قد يلتزم أنّ النفع و الثواب للولي
و لكنه يسقط القضاء عن الميت
و هو بعيد.
المبحث الأوّل: في بيان ما يجب قضاؤه من الصلاة و الصوم
واختلف الأصحاب في ذلك
فظاهر المشهور
التعميم
كما يظهر من الشهيد الثاني في مسألة الحبوة
قال: إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين
أن يكون الفائت من الصلاة و الصيام بعمد و غيره
وربّما قيل باختصاص الحكم بما فات منهما لعذر
و
لابأس به
و النصوص لاتنافيه .
و يظهر ذلك من الشهيد في الذكرى أيضاً .
و الظاهر أنّه أراد من القائل المحقّق ـ رحمه اللّه ـ في جواب مسائل جمال الدين بن حاتم المشغري
البغدادية
فإنّه قال: على الولد قضاء ما فات الميت من صلاة و صوم لعذر من مرض و سفر و حيض
لا ما تركه
عمداً مع القدرة .
ونقل في الذكرى عن اُستاده عميد الدين ـ رحمه اللّه ـ الانتصار لهذا القول ثمّ قال هو: و لابأس به
و
قال: إنّ الرواية محمولة على الغالب
فإنّ الغالب عدم ترك الصلاة عمداً
و حمل ما فعلها على غير الوجه
الصحيح لأجل المسامحة في تحصيل مسائلها أيضاً على الترك عمداً
و على ذلك فجعله من الأفراد النادرة
بعيد
خصوصاً بملاحظة حال أغلب عوامّ الناس .
نعم يمكن أن يقال: المتبادر من لفظ صلاة أو صيام المنكّر الوارد في الأخبار أنّ سائر عباداته إنّما
وقعت على الوجه الصحيح
و أنّ ما حصل من الفوت إنّما هو لأجل الترك
لا لأجل البطلان.
وحكى في الذكرى عن ابن إدريس و يحيى بن سعيد أنّه يقضي عنه الصوم الذي فرّط فيه
و الصلاة التي فاتت
في مرض الموت لاغير.
وعن ابن الجنيد: أنّ المريض إذا وجبت عليه الصلاة فأخّرها إلى أن مات يقضي عنه وليّه كما يقضي حجّة
الإسلام و الصوم ببدنه
و لو عرض عنه يتصدّق مدّ عن كلّ ركعتين
وإن لم يتمكن فعن كلّ أربع ركعات بمدّ
و إن لم يتمكّن فعن صلاة النهار بمدّ
و عن صلاة الليل بمدّ.

ثمّ قال: و كذا قال السيد المرتضى رحمه اللّه.
ثمّ نقل عن ابن زهرة أنّه لو مات و عليه صلاة فيجب على الولي قضاؤها
ثمّ نقل عنه حكاية التصدّق كما
حكى عنهما
و أنّه قال ذلك بدليل الإجماع و طريقة الاحتياط
هذه الأقوال التي ذكرها في الذكري .
و حاصلها ما قاله في الدروس
قال: و يجب أن يقضي الوليّ جميع ما فات الميّت
و خيّر ابن الجنيد بينه و
بين الصدقة المذكورة آنفاً
و به قال المرتضى و ابن زهرة
و قال ابن إدريس و سبطه: لايقضي إلا ما فاته
في مرض فوته
وقال المحقّق: يقضي ما فاته لعذر كمرض أو سفر أو حيض بالنسبة إلى الصوم
لا ماتركه عمداً
و الظاهر أنّه تغيّر رأيه في الدروس
و هذه الأقوال ذكروها في كتاب الصلاة .
حجّة المشهور: عموم الأخبار
مثل صحيحة حفص بن البختري في الكافي
عن أبي عبداللّه &: في الرجل يموت و
عليه صلاة أو صيام
فقال: (يقضيه عنه أولى الناس بميراثه) قال: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال:
(لا
إü الرجال) .
ومرسلة ابن أبي عمير عنه &: في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام
قال: (يقضيه أولى الناس به) نقله في
الذكرى عن ابن طاوس .
وكذا رواية عبد الله بن سنان عنه &
قال: (الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى
الناس به) و سيجيء بعض الأخبار أيضاً.
وأمّا دليل تقييد الصلاة و الصوم إذا كان فوته لعذر كما نقلناه عن المحقق وتابعيه فهو الأصل و عدم
انصراف الأخبار إلى ما تركه عمداً
و هو ليس ببعيد
سيّما مع حمل أفعال المسلمين على الصحة من عدم
تركهم الصلاة بلا عذر
سيما في زمان الأئمة
فإنّ المعهود من أفعال أصحابهم { كمال الاهتمام في
العبادات و في قضائها
سيّما على القول بالتضيّق
فكيف يتركونها عمداً و يتركون قضاءها
و لذلك ذكر
الشهيد في الذكرى في عذر عدم ورود الأخبار في استئجار الصلاة للميت أنّ أصحابهم { كانوا يهتمّون في

القضاء كثيراً
فلم يحتاجوا إلى السؤال عن حكم الاستئجار ولو كان في ذمّتهم شيء أحياناً لتداركوه
بقضاء الوليّ
و لذلك وردت الأخبار فيه.
و هذا أيضاً يؤيّد أنّ ما كان يجب على الوليّ إنّما كان مما سقط بالعذر
بل مسامحتهم في القضاء أيضاً
كانت من جهة عذر كان له وجه مناسب للتأخير
مثل أنّ القضاء كان ميسّراً لهم بالصلاة قاعداً
أو
بالإيماء فيؤخّرونه ليفعلوه على الوجه الأكمل
و هكذا.
ومما ذكرنا يظهر أنّ ما فات من الميت من جهة بطلان الصلاة و المسامحة في أخذ مسائلها على وجهها ليس
بداخل في هذه الأخبار
سيما بملاحظة تنكير لفظ صيام أو صلاة في الأخبار.
فإذا لم يظهر خروج غير هذا القسم من العبادات من سائر أفراد ما ترك عصياناً من إطلاق هذه الأخبار
فيكفي خروج هذا القسم; لعدم القول بالفصل
مع أنّ الظاهر من قولهم { يموت و عليه صيام أو صلاة
و يموت و
عليه قضاء
و يموت و عليه دين من شهر رمضان و أمثال ذلك في الأخبار أنّ الميت كان معتقداً لكونه
واجباً عليه و ديناً عليه لازماً أداؤه
لامحض لزومه عليه في نفس الأمر
و إن كانت الألفاظ أسامي لما
هو في نفس الأمر.
و كيف كان فالأصل دليل قويّ
و لايمكن إتمام العموم بإطلاق هذه الأخبار
سيّما على المختار من كون
الحبوة مجّاناً لافي عوض الصوم و الصلاة
و سيّما مع لزوم العسر و الحرج إذا كان أبواه كلاهما صاحب
تسعين سنة
و كانت صلاتهما باطلة
و كان الولد ضعيفاً
سيما على القول بوجوب الإتيان ببدنه لا
بالاستئجار.
مع أنّ لنا إشكالاً في كون ذلك هو المشهور بين الفقهاء
و التمسّك بإطلاق فتاويهم إنّما يتم إذا كانت
المسألة معنونة بحكم قضاء الصلاة والصوم مع ملاحظة نفسهما من حيث هي
بل إطلاقاتهم في العنوانات
ليست منسبكة لأجل بيان حكم المطلق من حيث هو مطلق.
فمرادهم في مسألة الحبوة بيان حكم القاضي أنّه مَن هو
لابيان كيفية المقضيّ
و كذلك ههنا تعرّضوا

للمسألة لبيان أنّ الواجب هل هو قضاء العبادة
أو يكتفي بالتصدّق
أو يخيّر بينهما
لا لبيان حال نفس
المقضي و كيفيته و هكذا.
و هذه النكتة مما ينبغي التفطّن لها
فإنّ الحكم يختلف باختلاف عنوانات الموضوع في المسائل.
وأما حجّة ابن الجنيد وابن زهرة في التصدّق فلم نقف عليها
و الاعتماد على الإجماع الذي ادّعاه وترك
الأخبار الكثيرة كما ترى.
وأما مسألة الصوم فقال في الدروس: لو تمكّن من القضاء و مات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الوليّ
سواء كان صوم رمضان أولا
و سواء كان له مال أولا
و مع عدم الولي يتصدّق من أصل ماله عن كلّ يوم بمد
و
قال المرتضى: يتصدّق عنه
فإن لم يكن له مال صام وليه
و قال الحسن: يتصدق عنه لاغير
و قال الحلبي: مع
عدم الوليّ يصام عنه من ماله
كالحج
و الأوّل أصح
انتهى.
ولايخفى أنه لايظهر من هذه العبارة أيضاً أنّ المشهور عدم الفرق بين ما كان الفوات لعذر أم لا
بل
المراد من المشهور في كلامهم هو فتواهم بوجوب القضاء في مقابل القول بالصدقة و غيره
فبقي انفهام
الشهرة في التعميم من إطلاق كلامهم
و قد ذكرنا أنّه لا اعتماد على مثل هذا الإطلاق.
وكيف كان فالأظهر الاكتفاء بما فات من جهة عذر كما نقلناه عن المحقق و أتباعه
و منهم صاحب المدارك
و
قد عرفت دليله
فلابد من بيان الأدلة لهذه الأقوال في المسألة.
ولما كان في الصوم تفصيلات اُخر لابدّ من التعرّض لها فنقول: إنّ فوات الصيام إمّا من أجل المرض أو
غيره
من سفر أو حيض
فلنقدّم الكلام فيما فات للمرض
و نقول:
أمّا ما فات من أجل المرض مع عدم التمكّن من القضاء حتى مات
فقد تقدّم الكلام فيه
و أنّه لايجب

القضاء على الوليّ
بل يستحب على المشهور
مع إشكال فيه.
وأمّا إذا تمكّن و لم يقضِ حتى مات فالمشهور وجوبه على الولي
و عن الخلاف و السرائر دعوى الاتفاق
عليه
و يشعر به كلام المنتهى والتذكرة .
وعن المبسوط والاقتصاد و الجمل التخيير بين القضاء و الصدقة .
وعن الانتصار: التصدّق من ماله عن كلّ يوم بمد من طعام
فإن لم يكن له مال فليقضه الوليّ
و لم يفرق
بين أسباب فوت الصوم
و ادّعى عليه الإجماع .
وعن ابن إدريس: وجوب القضاء على الوليّ و عدم وجوب الصدقة
و ادّعى عليه الإجماع
وأنّ ما قاله السيّد
لم يقل به أحد غيره .
وأنكره المحقّق في المعتبر
وقال: و أنكر بعض المتأخّرين الصدقة عن الميّت
و زعم أنّه لم يذهب إلى
القول بها محقّق
و ليس ما قاله صواباً مع وجود الرواية الصريحة المشتهرة
و فتوى الفضلاء من
الأصحاب
و دعوى علم الهدى الإجماع على ما ذكره
فلا أقلّ من أن يكون قولاً ظاهراً بينهم
فدعوى
المتأخّر أنّ محقّقاً لم يذهب إليه تهجّم .
وعن ابن أبي عقيل: أنّه يتصدّق عنه لاغير .
والأقوى قول المشهور.
لنا: عموم الأخبار السابقة
و مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا
عن أبي عبداللّه &: في الرجل يموت في شهر
رمضان
قال: (ليس على وليّه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر
و إن مرض فلم يصم رمضان فلم يزل مريضاً حتى
مضى رمضان و هو مريض
ثمّ مات في مرضه
ذلك فليس على وليّه أن يقضي عنه الصيام
فإن مرض و لم يصم شهر
رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه
ثمّ مرض فمات

فعلى وليّه أن يقضي عنه; لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب
عليه) .
و مرسلة حماد بن عثمان في الكافي
عمّن ذكره
عنه &
قال: سألته عن الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان
من يقضي عنه؟ قال: (أولى الناس به) قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: (لا
إü الرجال) .
وصحيحة محمّد بن الحسن الصفّار في الفقيه
قال: كتبت إلى أبي محمد الحسن ابن عليّ في رجل مات و عليه
قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام
و له وليّان
هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً: خمسة أيّام أحد
الوليين
و خمسة أيام الآخر؟ فوقّع &: (يقضي عنه أكبر وليّيه) .
قال ابن بابويه رحمه اللّه: هذا التوقيع عندي من توقيعاته إلى محمّد بن الحسن بن الصفار بخطّه & .
وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم
عن أحدهما }
قال: سألته عن رجل أدركه شهر رمضان و هو مريض فتوفي قبل أن
يبرأ
قال: (ليس عليه شيء
و لكن يقضي عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي ما عليه) .
وحجّة السيّد: إجماعه الذي ادّعاه
و ما رواه الصدوق في الصحيح
عن أبان بن عثمان
عن أبي مريم
الأنصاري
عن أبي عبداللّه &
قال: (إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضاً حتى مات فليس
عليه قضاء
و إن صحّ ثمّ مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كل يوم بمدّ
فإن لم يكن له مال صام عنه وليّه)
ورواه الكليني أيضاً بسند غير صحيح .
وحجّة ابن أبي عقيل أيضاً: رواية أبي مريم
نقلها في التهذيب عنه &
قال: (إذا صام الرجل رمضان لم يزل
مريضاً حتى يموت فليس عليه شيء
فإن صحّ ثمّ مرض حتى يموت و كان له مال تصدّق عنه
فإن لم يكن له مال
تصدق عنه وليّه).
ونقل العلامة في المختلف الرواية هكذا
و لكن عبارة ما نقله عن ابن أبي عقيل هذه: و قد روى أنّه من مات

و عليه صوم من رمضان تصدّق عنه عن كلّ يوم بمدّ من طعام
و بهذا تواترت الأخبار عنهم { .
ونقل في المدارك رواية أبي مريم عن التهذيب مع وصفها بالصحّة
و عبارته هذه: و إن صحّ ثمّ مرض حتى
يموت و كان له مال تصدّق عنه وليّه .
حجّة الشيخ في المبسوط لعلّها الجمع بين الأخبار بحملها على التخيير.
وحجّة ابن إدريس هو إجماعه المدّعى
ومراد السيد ـ رحمه اللّه ـ من دعوى الإجماع أيضاً الإجماع على
وجوب الصيام على الولي ردّاً على المخالفين
حيث لا يوجبون شيئاً غير التصدّق
لا الإجماع على تقديم
الصدقة
وكلامه كالصريح في ذلك.
إذا عرفت هذا
فقول ابن أبي عقيل في غاية الضعف; لكونه خلاف المشهور و الأحاديث المعتبرة المستفيضة و
الإجماعين المنقولين
و لايبعد حمل تقديم الصدقة و انفرادها المستفاد من رواية أبي مريم على
التقيّة
و لما كانت الرواية مضطربة فيضعف الاعتماد عليها. و منه يظهر ضعف القول بالتخيير أيضاً.
وأمّا الاستدلال لابن أبي عقيل بقوله تعالى:
ليس للإنسان إü ما سعى
فقد عرفت ضعفه.
وأمّا ما فات من جهة السفر ففيه قولان
و الذي يظهر أنّه قول الأكثر هو التفصيل مثل المريض
فيشترط
وجوب القضاء على الوليّ بتمكّن المسافر من الأداء أو القضاء
و هو أحد قولي الشيخ
اختاره في الخلاف
مدّعياً عليه الإجماع
و هو مختاره في النهاية
و مختار المحقق في النافع
و العلامة في كثير من
كتبه
والشهيدين في اللمعة و شرحها و المسالك
و هو ظاهر ابن إدريس .
والقول الآخر وجوبه ولو مات في السفر على كل حال
و هو مذهب الشيخ في التهذيب
و منقول عن صاحب الجامع
يحيى بن سعيد .
وربما يقال: إنّه ظاهر الصدوق في الفقيه و المقنع
حيث قال: إذا مات رجل و عليه صيام شهر رمضان فعلى
وليّه أن يقضي عنه

و كذلك من فاته في السفر أو المرض
إü أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصحّ بمقدار ما
يقضي به صومه
فلا قضاء عليه إذا كان كذلك .
وفيه تأمّل.
ويظهر من التذكرة الميل إليه
حيث قال: لا بأس به بعد ما نقله عن أحد قولي الشيخ
و لم ينقل فيه قولاً
عن غيره
و هو مختار المحقق الأردبيلي رحمه اللّه و صاحب المدارك .
ويظهر من الشرائع و المعتبر التردد .
ولعلّ الأظهر الأوّل; للأصل
و الإجماع المنقول
و العلّة المستفادة من مرسلة ابن بكير
و صحيحة أبي
بصير المتقدّمتين هنا و في المباحث السابقة
و لأنّه إذا لم يتمكّن هو فيسقط منه
فالوليّ أولى
بالسقوط عنه.
واحتج الآخرون: بما رواه الكليني عن أبي حمزة ـ و الظاهر أنّه الثمالي ـ عن أبي جعفر & فالظاهر أنّه
صحيح
قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان
هل يقضى
عنها؟ قال: (أما الطمث والمرض فلا
و أمّا السفر فنعم) .
وروى الشيخ في الموثّق
عن محمد بن مسلم
عن أبي عبداللّه & مثله .
وروى عن منصوربن حازم عنه &: في الرجل يسافر في رمضان فيموت
قال: (يقضى عنه
و إن امرأة حاضت في رمضان
فماتت لم يقضَ عنها
والمريض في رمضان و لم يصحّ حتى مات لم يقض عنه) .
وفي الموثّق عن فضالة
عن الحسين بن عثمان
عن سماعة
عن أبي بصير
قال: سألت أبا عبداللّه & عن رجل
سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه
قال: (يقضيه أفضل أهل بيته) .
واقتصر في المسالك على رواية منصور
و قدح فيها بضعف السند

و إمكان حملها على الاستحباب
أو على
الوجوب; لكون السفر معصية و إن بَعُدَ
و قد عرفت عدم الانحصار.
والجواب: أنّ الإجماع المنقول بمنزلة خبر صحيح
ورواية أبي بصير أيضاً صحيحة
و وجه الدلالة: أنّ
قوله & فيها: (لايقضى عنها; فإنّ اللّه تعالى لم يجعله عليها) نصّ على العلّة
و هي عامّة في المرض و
السفر.
وبالجملة الروايتان المشتملتان على العلّة المعتضدتان بالأصل و الشهرة و الإجماع المنقول و ما
ذكرناه من الاعتبار تترجّح على معارضها.
و صحيحة أبي حمزة لا تعارضها مع قلّة العامل بها.
وأمّا موثّقة أبي بصير
فإن أغمضنا عن سندها; لأنّ الظاهر أنّ حسين بن عثمان مشترك بين الثقات
بل
الثقتين
و لاضعف في أحد منهم
و رواية فضالة قرينة على أنّه الرواسي الثقة
لكن الظاهر منها السؤال
عن حال القاضي
لاكيفيّة المقضيّ
فلا يبقى اعتماد على الإطلاق
و لاترك الاستفصال عن التمكن و عدمه.
وأجاب في المختلف عن روايتي منصور و محمّد بن مسلم ـ بعد منع السند ـ بحملهما على الاستحباب
أو على
الوجوب لكون السفر معصية
وهو بعيد.
ووجّه كلامه بعضهم: بأنّ مراده أنّ السفر في رمضان بدون ضرورة معصية
وهو أيضاً ليس بتمام.
وربما يقال: إنّ السرّ في وجوب القضاء على المسافر خاصة هو تمكّنه من الأداء بترك السفر أو الإقامة
و هو أبلغ من التمكّن من القضاء
بخلاف المريض و الحائض.
ويرد عليه: أنّ بعد رخصة الشارع في السفر لايبقى فرق
مع أنّه لايتمّ في السفر الواجب.
فالأقوى فيه أيضاً التفصيل بالتمكّن و عدم التمكّن
و لو كان فرض التمكّن بالإقامة. فالأولى حمل
الأخبار المعارضة على الاستحباب
و في بيان المراد من التمكن إشكال
فإطلاق كلام أكثرهم هو اشتراطه
بالتمكّن من القضاء.
واعتبر الشهيد في اللمعة مراعاة تمكّنه من المقام و القضاء

و زاد الشهيد الثاني في شرحه و لو
بالإقامة في أثناء السفر
و زاد الفاضل الإصفهاني في شرحه لفظ الأداء قبل القضاء.
فعبارات الثلاثة هذه: و في القضاء عن المسافر خلاف
أقربه مراعاة تمكنه من المقام و الأداء أو القضاء
و لو بالإقامة في أثناء السفر كالمريض.
أقول: ولاوجه لزيادة لفظ (الأداء) هنا; إذ الكلام إنّما هو بعد ثبوت الفوت بالسفر كالمريض
و ما ذكره
الشهيدان من أنّ السرّ في قول من يوجب القضاء على المسافر مطلقاً دون المريض تمكّن الأوّل من الأداء
دون الأخير; مع سلامته هو شيء آخر لا دخل له فيما نحن فيه.
وأمّا ما اعتبراه من كفاية التمكن من المقام و القضاء المستلزم لانحصار عدم وجوب القضاء فيما لو كان
السفر واجباً أو لم يتمكّن من الإقامة لخوفٍ أو ضررٍ فهو يدلّ على اعتبار التمكن بالقوة
فلا يجعلان
السفر المباح المجوّز فيه من الشارع عذراً
و قد عرفت سابقاً أنّ السفر المستمرّ بين الرمضانين مسقط
للقضاء عن المكلّف عند الشيخ في الخلاف
و لم يقيّده بالسفر الواجب
و القول بسقوطه به عن نفس
المكلّف و لزومه على الوليّ كما ترى.
والحاصل أنّ التشبيه بالمريض يقتضي أنّ الخلوّ من السفر يوجب القضاء لا التمكن من الخلوّ منه
كما
أنّ المعتبر الخلوّ من المرض.
فمعيار الكلام هنا جعل السفر المباح من الأعذار و عدمه
و الظاهر أنّه منها
و إلا لما جاز استمرار
السفر المباح إلى رمضان آخر
و لم أقف على من أفتى به
فمقتضى إطلاق الشيخ في الخلاف باطراد الأعذار
يشمله.
وبالجملة وجوب القضاء على المتمكّن بوجوب موسّع ما بين الرمضانين مخصوص بغير من كان له عذر شرعيّ
فيجوز التأخير مع العذر الشرعي
و مقتضى اطراد الأعذار سقوط القضاء عمّن استمر سفره المباح
فإذا
سقط عن المكلّف فيسقط عن الوليّ.
فالحكم بوجوب قضاء الوليّ عنه مطلقاً حتى في السفر الضروري في غاية الإشكال.
و إن كان ولابدّ فليقتصر على السفر المباح
و لم نقف على مصرّح به عدا الشهيدين في اللمعة و شرحها .
وأمّا اعتبار التمكن من الأداء فلا وجه له
و مع ذلك كلّه فالأحوط قضاء ما فاته في السفر مطلقاً
وقوفاً على ظاهر النصوص.
ومما يؤيد ما ذكرنا من كون السفر من الأعذار مطلقاً جواز إفطار أصل الشهر مع ضيق وقته
بأن يسافر

سفراً مباحاً
فكيف لايجوز استمرار السفر المباح في وقت القضاء و إن تضيّق.
ومما ذكرنا يظهر حكم الحائض
و أنّه التفصيل بالتمكن و عدم التمكن كما دلّت عليه الأخبار و الاعتبار
.
المبحث الثاني: فيمن يجب عليه القضاء
فعن الأكثر أنّه الولد الذكر الأكبر لاغير
فلو كان الولد الأكبر اُنثى أو انحصر فيها فيسقط القضاء.
وعن الصدوقين و المفيد و ابن الجنيد أنّه يجب على مطلق الولي حتّى الزوجين
و المعتق
و ضامن الجريرة
بترتيب الطبقات و في كلّ طبقة يقدّم الأكبر الذكر
و إن لم يكن فالإناث.
وربّما يستشكل في فهم الترتيب من كلام المفيد; لكنّ الظاهر أنّ مراده ذلك كما فهمه العùمة في
المختلف والشهيد في الدروس .
أقول: الوليّ عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لاغير .
و عن المفيد: لو فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور
فإن فقدوا فالنساء
و هو ظاهر القدماء و
الأخبار و المختار.
وعن ابن البراج: أنّه يجب على الولد الذكر الأكبر
فإن لم يكن فالبنت الكبري و من هذا يظهر عدم
التعدّي عن الأولاد.
والأظهر قول الأكثر; لأصالة عدم تحمّل أحد فعل غيره
كما ينبّه عليه قوله تعالى:
ولا تزر وازرة وزر
اُخرى
خرج عنه الولد الذكر الأكبر بالإجماع
ولاريب أنّه أولى بالميراث من النساء
بل من الذكور
أيضاً; لاختصاصه بالحبوة
و لخصوص صحيحة حفص بن البختري
و مرسلة حماد المتقدّمتين.
وصحيحة الصفّار أيضاً تدلّ على اعتبار الأكبرية
و لكن غاية ما يستفاد منها وجوبه على الرجل الأكبر
و أما الاختصاص بالولد فلا يستفاد منها.
ويمكن أن يقال: إنّ القدماء القائلين بتعميم الوليّ للأولاد و غيرهم و الرجال والنساء; اعتمدوا على
عموم الروايات و إطلاقها; لأنّ الوليّ والأولى في كلّ طبقة موجود
و صحيحة حفص بن البختري ومرسلة
حماد تنفيان الوجوب عن النساء
فيتعيّن قول الأكثر بعدم القول بالفصل
لأنا لم نقف على من قال بوجوبه

في كل طبقة على أكبر الرجال دون النساء
فإن علمنا بإطلاق تلك الأخبار يلزم طرح هذين الخبرين
ولاوجه
له
سيما و هما أخص مطلقاً من تلك
و الخاص مقدّم على العامّ
سيّما إذا وافق الأصل و الاعتبار
و نفي
العسر والحرج و الإضرار
و عمل أكثر العلماء الأخيار.
و ربّما حملتا على نفي الوجوب على النساء في حال وجود الرجال
و هو قريب .
وكيف كان فلا ريب أنّ العمل بعموم الروايات أحوط.
ثمّ إنّ ههنا اُموراً لابدّ أن ينبّه لها:
الأوّل: ذكر جماعة من العلماء
منهم العلامة في التذكرة والمنتهي
و الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ
أنّ المراد بالولد الذكر الأكبر من لم يكن هناك أكبر منه و إن انحصر فيه كما في الحبوة
ويدلّ عليه
عموم لفظ الوليّ و الأولى في الأخبار.
وأمّا صحيحة الصفار الدالّة على اعتبار الأكبرية
فهي محمولة على حال التعدد و وجود الأصغر والأكبر.
نعم الإشكال في أن الوجوب هل مشروط بالبلوغ حين الموت ليمكن تعلّق التكليف به أم لا؟ فيه قولان
ناظران إلى عدم تعلّق التكليف بغير البالغ العاقل فيستصحب
و إلى عموم الروايات واستحقاق الحبوة.
ولعلّ الأرجح الثاني; لأنّه ليس في الأخبار ما يدلّ على الوجوب عليه بمجرد موت مورّثه حتّى يستلزم
البلوغ و الكمال
فيكون مراعى إلى حصول الكمال كافياً
كما لو كان الوليّ البالغ غائباً و لم يطّلع
على موت أبيه إü بعد سنين.
واختلفوا فيما لو تعدّد الوليّ و كان أحدهما أكبر سنّاً و لم يبلغ
و الآخر أقلّ سناً و بلغ بإلانبات
أو الاحتلام.
والأظهر اعتبار البلوغ; لأنّه أولى بالميت في أكثر الأحكام
مثل مباشرة التجهيز و الإذن في الصلاة
وسائر ما هو منوط بالمكلّفين.
و وجه القول الآخر: إطلاق لفظ الأكبر في صحيحة الصفار و غيرها
و هو محمول على الغالب
فلا حجّة فيه
هذا إذا كان الأكبر غير بالغ.
و أمّا إذا كانا بالغين فلا إشكال في تقديم الأكبر سناً; و كذا لو لم يكونا بالغين.
وأمّا في الحبوة فالأظهر تقديم الأكبر سنّاً; للأخبار الكثيرة الحاكمة بكونها للأكبر

وهو الظاهر
في السنّ مع احتمال تساويهما مطلقاً; لأنّ لكل منهما مرجّحاً
واحتمال تقديم البالغ مطلقاً
حملاً
للأخبار على الغالب
و لكن الأظهر ما ذكرنا.
الثاني: إذا تعدّد الأولياء و تساووا في السن
فالمشهور التقسيط بينهم. و قال ابن البراج : إن لم يكن
هناك إü توأمان فلهما الخيرة
فأيهما فعل أجزأ
و لو تشاحّاً فالقرعة
و قال ابن إدريس: سقط القضاء .
فلنقدّم الكلام في فرض التساوي
ثمّ نخوض في أدلّة الأقوال.
فنقول: إنّ فرض التساوي إما بأن يتولّد له ولدان في آنٍ واحد من امرأتين
وهو ممكن; لأنّ مدّة الحمل
تختلف
و لايستلزم اتّحاد زمان التولد اتحاد زمان علوق النطفة حتى يقال باستحالة وطء امرأتين في آن
واحد.
ويمكن الفرض بأن يتولّد التوأمان في آن واحد من دون تعاقب و إن بعد الفرض
مع أنّه قد يتسامح في العرف
في إطلاق الوحدة على التفاوت اليسير
سيّما في التوأمين.
وإن لم نقل بالتسامح في صورة التعاقب
ففي كون أوّلهما وروداً أكبر أو آخرهما وجهان
أظهرهما الأوّل;
لفهم العرف
فإنّهم يعتبرون الولادة والخروج عن الرحم.
و لذلك يقال للولد الذي تولّد بعد ستّة أشهر من العلوق قبل من تولّد بعد تسعة أشهر من العلوق بلمحة
أنّ الأوّل أكبر
مع أنّ علوق الثاني مقدّم عليه مما يقرب من ثلاثة أشهر; لأن تولّد الثاني أسبق منه
بهذا المقدار
فلا عبرة بالعلوق.
نعم هنا رواية رواها الكليني و الشيخ عنه في سند فيه عليّّ بن أشيم المجهول عن بعض أصحابه
قال: أصاب
رجل غلامين في بطن وهنّاه أبو عبد اللّه &
قال: (أيّهما أكبر) قال: الذي خرج أوّلاً
فقال أبو عبد
اللّه &: (الذي خرج آخراً هو أكبر
أما تعلم أنّها حملت بذاك أولاً
و أنّ هذا دخل على ذاك
فلم يمكنه أن

يخرج حتّى خرج هذا
فالذي يخرج آخراً هو أكبرهما) .
ويشكل العمل بمثله; لضعفه وإرساله و مخالفته للاعتبار و العرف والعادة
مع أنّ العمل عليه يستلزم
الحكم بأكبريّة الثاني و إن تولّد بعد أيام
و لو فرض صحّة الحديث أيضاً فهولايقاوم ما دلّ على تقديم
الأكبر; إذ لفظ الأكبر في سائر الأخبار يرجع في معناه إلى العرف
فهو أيضاً ترجيح للخبر على الخبر
لا
العرف على الخبر
ليصير مورداً للمنع.
فالعمدة هنا بيان أنّه هل يعتبر الفصل اليسير في تحقّق الأكبرية
أويتسامح فيه فيشتركان فيه؟ وجهان
لايحضرني من كلام الأصحاب الآن تصريح بحكمه
إü ما ذكره الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ في رسالته في
مسألة الحبوة قال: و لو ولد التوأمان على التعاقب ففي اشتراكهما في الأكبر نظر
من زيادة سن السابق
على المسبوق و لو يسيراً
فيصدق التفصيل
و من عدم الاعتداد بمثل ذلك عرفاً
و هذا هو الأقوى بشاهد
العرف
على أنّ مثل هذا التفاوت لايوثّر في التساوي
و مثله ما لو ولدا من امرأتين في وقتين متقاربين
إü أنّ العرف قد يأبى هذا القسم في بعض الموارد
و إن قبله في التوأمين.
ثمّ قال: فالمرجع في ذلك العرف
فمن عدّهما متساويين في السن تشاركا فيها
و إلا فلا
و إن حصل الشك
يستحق السابق; لأنّه المتيقّن
و كذا لو زاد على اثنين
انتهى كلامه.
أقول: وفيما ذكره أخيراً نظر; إذ المتيقّن إنما هو القدر المشترك بين الأكبرية محضاً و بين كونه نظير
الأكبر كما لايخفى
فالمتيقّن استحقاقه للشطر
فيرجع في الباقي إلى التخيير أو القرعة أو التقسيم
ثانياً
و لايبعد الترجيح بمحض الأكبريّة للسابق مطلقاً.
إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل المسألة ونقول: الأقوى قول المشهور; لصدق الوليّ و الأولى عليهما
و
لايجب على كلّ منهما بالتمام إجماعاً

و لايسقط عنهما بعموم النص
و ترجيح أحدهما بلامرحّج قبيح
فلامناص إلا التوزيع; لأنّ المتبادر من الأمر هو الوجوب العيني
و إذا ضمّت إليه أصالة البراءة عن
وجوب التمام على كل واحد عيناً و كفاية
و قلنا بإطلاق الولي و الأولى على كل واحد
بل الأكبر أيضاً
لو فسّرناه بمن لم يكن أكبر منه
فلا يبقى إلا التوزيع على السواء فيما أمكن.
و تمسّك ابن إدريس بأنّ الإجماع إنّما ثبت في الولد الأكبر
ولايصدق عليه
والأصل براءة الذمّة
و
علّة استحقاق الحبوة أيضاً هنا غير موجودة .
وفيه: أنّ عدم الإجماع لايوجب عدم الحكم
و الأصل لايقاوم ظواهر النصوص
و عدم استحقاق الحبوة أيضاً
غير ممنوع كما حقّق في محلّه.
وأمّا دليل ابن البرّاج فلعلّه أنّ القضاء بتمامه لايجب على كلّ منهما عيناً
و يصدق على كلّ منهما
أنّه ولي أو أولى
فلابدّ أن يكون الوجوب عليهما بعنوان الكفائي
و بفعل أحدهما يسقط عن الآخر
و ما
لم يتحقّق فذمتهما معاً مشغولة.
ولو تشاحّاً فلامناص إلا القرعة; لأنّها لكلّ أمر مشكل.
وفيه: مع ما مرّ من أصالة البراءة عن الكفائي أيضاً أنّه على تقدير الوجوب الكفائي لا مجال للتشاح
و
لايلزم من حصول العمل متعدداً إذا شرعا معاً و فرغا معاً أن يكون مطلوب اللّه تعالى متعدّداً حتّى
يلزم خلاف الإجماع كما في صلاة الميّت إذا لم يكن هناك وليّ شرعي و تساوى المؤمنون فيه
و لم يكن إمام
يقيم الجماعة
فصلاتهما معاً صحيحة
و إن كان المطلوب صلاة واحدة
و كذلك في الإمام و المأموم.
وأمّا القرعة فهي على تسليم جريانها في العبادات مطلقاً إنّما تتم إذا حصل الإشكال
وإطلاق الأخبار
دافع للإشكال.
ثمّ إن كان هناك كسر
كما لو كانت الصلاة ثلاثاً والولي اثنان
فالظاهر وجوبه كفاية عليهما
ويسقط

بفعل أحدهما عن الآخر كما في المسالك و غيره
و تحتمل القرعة
و لم أقف على مصرّح بها هنا.
ومن قبيل الكسر إذا كان عليه صوم يوم أو صلاة واحدة.
وبالجملة المراد بالوليّ الجنس
و هو يشمل الواحد و المتعدّد
فقولهم {: (يقضي الوليّ الصوم
والصلاة)يعنى يقضي جنس الوليّ جنس الصوم و الصلاة
ولازمه أنّه إن كان واحداً فالجميع على الواحد
و
إن كان متعدّداً فعلى المتعدد
وتعلّقه بالمتعدّد على سبيل الكلّ المجموعي
مثل قولك: (يجب على القوم
رفع هذه الأحجار) فكلّ ما أمكن اجتماعهم (عليهنّ وانفراد كل بحجر
فيتعيّن الاجتماع) فيما لايمكن إü
بالاجتماع في الرفع
والتوزيع في الممكن
فلو بقي هناك حجر لايمكن الاجتماع و لم يبق سواه من
الأحجار
فيجب عليهم جميعاً بعنوان الوجوب الكفائي
و لايلزم تجوّز في اللفظ; إذ ذلك هو مقتضى تعلّق
الحكم بالمجموع.
والحاصل أنّ قول ابن إدريس في غاية الضعف
بل الظاهر أنّ الإجماع منعقد قبله على عدم السقوط بسبب
التعدّد
مع أنّا نقول: إنّ وجوبه على الوليّ الواحد إجماعيّ في الجملة كما مرّ
و من جملة نقلته هو
ابن إدريس.
فإذا كان مراده تعالى
إبراء الوليّ الواحد ذمّة مورثه
فالمتعدد أولى بذلك كما لايخفى
فلاوجه
لسقوطه بالتعدد.
فإذا لم يسقط فالأصل في الوجوب هو العينيّ
مهما أمكن
فلابد من التوزيع.
و في غير الممكن ـ كصورة الانكسار عليهم ـ فالوجوب الكفائي أيضاً أقرب إلى الحقيقة من القرعة; إذ
القرعة كاشفة عن تعيّن أحدهما
و إجراؤها هنا يستلزم براءة أحدهما.
و هو أيضاً خلاف الأصل في الوجوب; إذ الإطلاق أو الأولويّة اقتضى التعلّق بالجميع
فكما أن كون
الوجوب عيناً هو الأصل

فتعلّقه بالجميع أيضاً هو الأصل
فإذا لم يمكن تعلقه بالجميع أيضاً على
العينيّة
يكتفى به على الكفائية; لأنّه أيضاً متعلّق بالجميع في الجملة
بخلاف صورة القرعة.
ومن فروع المسألة: ما لو قضيا جميعاً صوم رمضان عنه و أفطرا معاً بعد الظهر
فهل تجب الكفارة على كلًّ
منهما
أو يشتركان فيه
أو تجب عليهما بعنوان الوجوب الكفائي؟ ولايحضرني الآن دليل على وجوب
الكفارة.
ومن فروعها: جواز إفطار أحدهما مع بقاء الآخر على الصوم
أو الظن ببقائه
و رجّح في الدروس جوازه في
صورة الظن بالبقاء
بخلاف عدم الظنّ
و أصل ثبوت المعصية في الإفطار لايخلو عن إشكال.
ثمّ على المختار من وجوب التقسيط
فإن فعله أحدهما بالتمام فهل يسقط عن الآخر أم لا؟ فيه إشكال
فعن
ابن إدريس و العùمة في المنتهي عدم الإجزاء.
و ظاهر المحقق في الشرائع الإجزاء
قال في المسالك
في وجهه: إنّه بفعل المتبرّع تبرأ ذمّة الميت
فلا يبقى وجه لوجوبه على الغير .
وردّه في المدارك: بأنّ التكليف متعلّق بالوليّ
و لا دليل على كون فعل غيره مسقطاً عنه
و قوّى المنع
.
وقال الفاضل الإصفهاني: و إن قام بالكلّ بعضهم سقط عن الباقين كما نصّوا عليه
ثمّ فرّع المسألة على
جواز تبرّع غير الوليّ
فإن قلنا به فههنا أولى بالجواز
و إü ففيه إشكال.
أقول: الأقوى السقوط سيّما مع إذن الآخر له; لأنّ الأقوى في المتبرّع غير الوليّ السقوط أيضاً
و
لعموم الأخبار المستفيضة الدالّة بعمومها على أنّ من فعل للميت عملاً كان له
الظاهرة في أنّ عمله
يصير بمنزلة عمله
لامحض أنّ ثوابه له
و هي أكثر من عشرة
نقلها الشهيد في الذكرى عن كتاب غياث سلطان

الورى لسكان الثرى لابن طاوس رحمه اللّه .
و لافرق في هذه المسألة بين الصلاة و الصوم و الحج و غيرها.
الثالث: قد ظهر مما ذكرنا أخيراً التمكّن من تحقيق جواز استئجار الوليّ الغير لهذه العبادات
و
اختلفوا فيه
ذهب الشهيد في صوم الدروس إلى جوازه .
وقال في الذكرى: الأقرب أنّه ليس له الاستئجار; لمخاطبته بها
والصلاة لاتقبل التحمّل عن الحيّ
و
يمكن الجواز; لما يأتي إن شاء الله تعالى في الصوم; لأنّ الغرض فعلها عن الميت
فإن قلنا بجوازه و
تبرع بها متبرّع أجزأت أيضاً
انتهى.
وعلى كلّ حال فدليل المنع: أنّ الوليّ مكلّف
و فعل الغير غير مسقط.
و دليل الجواز: منع تعلّق التكليف ببدنه
بل المطلوب إنّما هو إبراؤه ذمّة الميت على أيّ نحو كان مثل
الدين.
و هذا هو الأقوى عندي; لذلك
و لعموم الأخبار
و لكلّ ما دل على مطلق الاستئجار للعبادات عن الميّت
و
عمدة ما اعتمد عليه في الاستئجار و إن كان هو الإجماعات المنقولة
و لكن المدّعين أطلقوه و لم
يخصّصوه بغير الوليّ
بل الغالب أنّّ الولي هو المحتاج إليه.
و يؤيده نفي العسر و الحرج أيضاً
ويؤيده أيضاً إطلاق الدَين على الصلاة في كثير من الأخبار
و
أنّّها دَين الله
و لم يعتبر أحد في أداء الدين مباشرة شخص خاصّ.
ولابأس أن نذكر هنا بعض الأخبار الدالة على جواز الصلاة للميت و غيرها من البرّ
ففي رواية عبد الله
بن أبي يعفور
عن الصادق &
قال: (يقضي عن الميت الحج و الصوم والعتق و فعاله الحسن) و مثله رواية صفوان
بن يحيى
و رواية محمّد بن مسلم
ورواية العلاء بن رزين
و رواية البزنطي
و كذلك إلى عشرة أخبار نقلها
ابن طاووس رحمه اللّه .

ومن جملتها ما نقله صاحب الفاخر
قال: مما أجمع عليه و صحّ من قول الأئمة {: (ويقضي عن الميت أعماله
الحسنة كلّها).
و الشهيد في الذكرى حكم بصحّة هذه الأخبار كلّها أيضاً .
وعلى كلّ حال فما يدلّ على جواز مطلق الاستئجار عن الميت يدلّ هنا
وهو أمران
أحدهما: الإجماعات
المنقولة
نقلها الشهيد في الذكري
و المحقّق الثاني في كتاب الإجارة من شرح القواعد
والمحقق
الأردبيلي رحمه اللّه .
والثاني: أنّه مبنيّ على مسألتين إجماعيتين
إحداهما: جواز العمل عن الميت بالإجماع و الأخبار
الصحيحة
و الثانية: إذا جاز العمل عنه جاز الاستئجار; لعموم ما دلّ على صحّة الاستئجار في الأعمال
المباحة التي جاز للمؤجر أن يفعلها لنفسه.
ولي في هذا الاستدلال نظر; لاستلزامه الدور كما أشرنا إليه في هذا الكتاب غير مرّة
و أوضحناه سابقاً
في كتاب المكاسب من كتاب مناهج الأحكام
و إطلاق الإجماعات يكفي; لأنه لا وجه لحملها على غير الوليّ
مع غلبة احتياج الولي
و كذلك لا وجه لحملها في الوليّ على الاستئجار من باب الاحتياط
سيّما إذا كان
الوليّ ضعيفاً
أو كان ممن ليس صلاته صحيحة
و لايبالي بتصحيح صلاته
سيّما على قول المشهور من وجوب
قضاء جميع العبادات لا مافات منه لعذر.
فإن قيل: إشكال الشهيد في الذكرى مع دعواه الإجماع سابقاً على صحّة الاستئجار للعبادات كاشف عن أنّ
مراده ثمّة من دعوى الإجماع في غير صورة ما وجب على الوليّ.
قلت: الظاهر أنّه غفل هنا
و لعلّ الداعي على الغفلة هو أنّ للمسألة هنا حيثيتين مندرجتين تحت
قاعدتين
الاُولى: أنّ من وجب عليه عمل من المكلّفين الأحياء فالأصل عدم إسقاط فعل الغير إيّاه
غاية
الأمر أنّ ذلك الغير يجوز أن يفعل فعلاً عن الميت
و فعل الغير هنا إنّما هو عن الوليّ
و لايجوز
العبادة عن الأحياء إü فيما خرج بالدليل كالحج و الزيارة.
والثانية: أنّّ من جاز له أن يعمل عملاً لنفسه
و يجوز أن يفعله لغيره

يجوز أن يؤجر نفسه لفعل ذلك
العمل إجماعاً
منضمّاً إلى ما ثبت أنّ من فعل عملاً للميت ينفعه و يصل إليه و يجوز له أن يفعله
و
يلزمه جواز إيجار نفسه لفعل ذلك إذا وجب ذلك الفعل على الوليّ
و هذا يستلزم بالتبع جواز استئجار
الوليّ إيّاه لذلك العمل.
فلعل نظر الشهيد ـ رحمه اللّه ـ هنا إلى القاعدة الاُولى
و غفل عن مقتضى القاعدة الثانية
و نظره
ثمّة إلى القاعدة الثانية
و مسألتنا هذه مورد القاعدتين
و النسبة بينهما عموم من وجه.
و لما استشكلنا سابقاً في القاعدة الثانية من جهة منع عموم أنّ من فعل فعلاً للميت فهو صحيح و ينفعه
حتّى إذا كان بإزاء الاُجرة أيضاً; لأنّ غاية ما ثبت من الأخبار هو أنّ ما فعله المتبّرع عن الميت
ينفعه لامطلقاً
و لايتمّ الاستدلال إü بذلك.
فلم تثبت إباحة الفعل لنفسه مطلقاً حتّى يتم بضميمة عمومات الإجارة المستلزمة للوجوب عليه
فيشكل
علينا دفع هذا الإشكال بالتزام الإجماع على هذا الوجه; لعدم ثبوته عندنا بهذا الوجه
بل المعتمد
إنّما هو الإجماع على أصل الاستئجار
و إطلاقه على ما نقلوه.
و كلام الذكرى في الإجماع و إن كان معلّلاً بالقاعدة و لكنّه لاينافي صحّة أصل الإجماع
فلعل الغفلة
إنّما هي في بيان وجه الإجماع.
وكيف كان بل نقول: إنّه ـ رحمه اللّه ـ بعد ما نقل الإجماع في طيّ المسألتين اللتين ادّعى إجماع
الإمامية عليهما
إحداهما: جواز الصلاة عن الميت
و الثانية: أن كلّما جاز الصلاة عن الميت جاز
الاستئجار عنه
إدعى الإجماع على أصل جواز الاستئجار عن الميت من دون ملاحظة القاعدتين
بل نقول: إنه
ادّعى الإجماع على العموم بحيث يشمل استئجار الوليّ أيضاً.
ويظهر ذلك في مواضع من كلامه
منها ما ذكره بعد ما نقل الإجماع على جواز الاستئجار عن الميت مع قطع
النظر عن القاعدتين بعد ما ادّعى الإجماع في ضمن القاعدتين.
فقال: فإن قلت: فهلا اشتهرالاستئجار على ذلك و العمل به عن النبي ْ والأئمة { كما اشتهر الاستئجار على
الحج حتّى علم من المذهب ضرورة.
قلت: ليس كلّ واقع يجب اشتهاره
و لاكلّ مشهور يجب الجزم بصحّته
و ربّ متأصّل لم يشتهر إما لعدم

الحاجة إليه
ثمّ ذكر بيان عدم الحاجة في الصلاة لاهتمام أصحاب الأئمة { بالصلاة و قضائها كما نقلنا
عنه سابقاً.
إلى أن قال: فخلف من بعدهم قوم تطرّق إليهم التقصير
إلى أن قال: فاحتاجوا إلى استدراك ذلك بعد الموت
لظنهم عجز الوليّ عن القيام به
فوجب ردّ ذلك إلى الاُصول المقررة و القواعد الممهدة و فيما ذكرناه
كفاية .
أقول: و أراد بالاُصول المقررة القاعدتين اللتين أشار إليهما
فعلم من ذلك أنّ استئجار الوليّ الغير
لما وجب عليه داخل في ضمن القاعدتين
فظهر من ذلك أنّه ـ رحمه اللّه ـ ادّعى الإجماع عليه عموماً و
خصوصاً
بل و يظهر الإجماع من ابن زهرة أيضاً
حيث نقل في الذكرى قبل ذلك عنه ما يؤذن به
قال: و استدل
ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع أنّها تجري مجرى الصوم و الحج
و قد سبقه ابن الجنيد
بهذا الكلام حيث قال: و العليل إذا وجبت عليه الصلاة و أخرها عن وقتها إلى أن فاتت قضاها عنه وليّه
كما يقضي حجّة الإسلام و الصيام
قال: و كذلك روى ابن يحيى بن إبراهيم بن سام عن أبي عبداللّه &
فقد
سويّا بين الصلاة و بين الحج
و لاريب في جواز الاستئجار على الحج
انتهى.
ثمّ ادّعى بعد ذلك الإجماع في طيّ القاعدتين
ثمّ مطلقاً
إلى آخر ما نقلنا عنه
و يمكن أن يكون نقل
قول ابن زهرة و ابن الجنيد من ابن طاوس ـ رحمه اللّه ـ و على أيّ حال
فظاهر دعوى ابن زهرة أنّ الصلاة
كالحج اتحادهما في جميع الأحكام حتّى في استئجار الوليّ.
وكيف كان فالأظهر ترجيح جواز الاستئجار
أما أوّلاً فلظاهر إجماع الذكرى عموماً و خصوصاً
وظاهر
دعوى ابن زهرة الإجماع على التسوية.
وأمّا ثانياً: فلعموم بعض الأخبار المتقدّمة كما قال ابن طاوس ـ رحمه اللّه ـ بعدما نقل رواية عمر بن
محمد بن يزيد الآتية قوله &: (إخوة في الدين) إيضاح لكل ما يدخل تحت عمومه
من الابتداء بالصلاة عن
الميت أو بالإجارات.
وأمّا ثالثاً: فلمنع دخوله تحت ما يجب على المكلّف نفسه; لأنّ المسلّم من الأخبار هو وجوب إبراء
الذمة على الوليّ

و أما بخصوص أن يفعل ببدنه فلا.
و يؤيده جواز وصيّة الميت بعباداته الواجبة كما سيجيء
سواء وصّى بالاستئجار من ماله
أو عيّن أحد
الأولياء أو متبرعاً و قبلا.
فحينئذٍ يرتفع وجوب استئجار الوليّ من ماله أيضاً
فضلاً عن إتيانه ببدنه
فيتّضح اندراج المسألة
تحت عموم استئجار العبادات غاية الوضوح.
والحاصل أنّ مباشرة الوليّ ببدنه و تعيّنه عليه خصوصاً على القول بدخول النساء في الوليّ
و خصوصاً
إذا فاتت العبادة من غير عذر
و خصوصاً إذا كان الفائت ستّين سنة فصاعداً
إذا فعلهما على الوجه
الغير الصحيح تهاوناً
و خصوصاً إذا قلنا بالوجوب عن الاُمّ أيضاً و ماتا جميعاً
و خصوصاً مع ضعف
الوليّ يوجب العسر الشديد
و الحرج الأكيد
و لم أقف على من فرّق بين هذه الصور.
ثمّ إنّ الظاهر أنّه يجوز استئجار أحد الوليين الآخر بقدر حصّته كما يجوز استئجارهما ثالثاً.
وأمّا استئجار أحدهما الآخر في المجموع فلا; لعدم جواز أخذ الاُجرة على العبادة الواجبة على
المكلّف
و كفاية تبرّع أحدهما عن الآخر لايستلزم جواز استئجاره إيّاه كما لا يخفى.
الرابع: قد أشرنا سابقاً إلى الخلاف في كفاية فعل المتبرّع عن الوليّ
و نقول هنا: الإشكال في مسألة
المتبرّع أكثر منه في مسألة الاستئجار
و لذلك منعه العùمة في المنتهي و ابن إدريس و إن كان بإذن
الوليّ
و قوّاه في المدارك; تمسكاً بأنّ الأصل عدم سقوط ما على المكلّف بفعل الغير
و توقّف في
التحرير في صورة الإذن بعد ما منع عنه في صورة عدمه .
والأقوى عندي هنا أيضاً السقوط مطلقاً; للأخبار الكثيرة الدالة على أنّ ما فعله أحد للميت كان له و
بمنزلة عمله
لاعلى محض ثبوت ثوابه له
فإنها ظاهرة في سقوط نفس العمل الواجب عليه عنه
و بعد سقوط
الفعل و براءة ذمة الميت عنه لايبقى معنى ظاهر لوجوبه على الوليّ.
ومن جملة الأخبار: رواية عبداللّه بن أبي يعفور المتقدّمة و ما في معناها
و قد مرّت.
ومنها: الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ فعل الأجنبي عنه أيضاً يقوم مقام فعله
نقلها الشهيد في

الذكرى عن عليّّ بن طاووس الحسيني ـ رحمه اللّه ـ في رسالته
مثل رواية عليّّّ بن جعفر
عن أخيه موسى
&
قال: حدثني أخي موسى بن جعفر & قال: (سألت أبي جعفر بن محمّد & عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن
بعض موتاه؟ فقال: نعم
فيصلّي ما أحبّ
و يجعل تلك للميت
فهو للميت إذا جعل ذلك له).
ورواية عمّار بن موسى عن الصادق &: و عن الرجل يكون عليه صلاة
أو يكون عليه صوم
هل يجوز له أن يقضيه
رجل غير عارف؟ قال: (لايقضيه إü مسلم عارف).
ورواية عمربن يزيد التي نقلها عن الفقيه عن الصادق &: سأله أيصلّى عن الميت؟ فقال: (نعم
حتّى أنّه
ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق
ثمّ يؤتى فيقال له: خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك).
ورواية حمّاد بن عثمان في كتابه قال
قال أبو عبداللّه &: (إنّ الصلاة والصوم و الصدقة و الحج و العمرة
و كل عمل صالح ينفع الميت
حتّى أنّ الميت يكون في ضيق فيوسع عليه
و يقال: هذا بعمل ابنك فلان
و بعمل
أخيك فلان
إخوة في الدين) و بمضمونها رواية عمربن محمد بن يزيد.
و بملاحظة الجمع بين الابن و الأخ في الدين الشامل لعمل الوليّ ولعمل سائر المؤمنين يظهر أنّ المراد
في الحديث أعمّ من الصلاة الواجبة و المندوبة
و أنّ نفع صلاة الابن و صلاة الأخ في الدين من باب
واحد
فكما أنّ عمل الابن مسقط
فكذلك الأخ في الدين. و هناك أخبار كثيرة اُخر لاحاجة إلى ذكرها.
تنبيهات:
الأوّل: إن مات الوليّ قبل الإتيان بما يجب عليه
فهل يتعلّق بذمة وليه أم لا؟ استشكله في المختلف
و
جعل الشهيدان الأقرب العدم ; للأصل
و اقتصاراً فيما خالفه على المتيقّن
و هو نفس الولي
و هو أظهر.
الثاني: لو أوصى بقضاء صلاته و بالاستئجار من ماله
أو أوصى بأن يفعله أحد أوليائه بشخصه أو أجنبيّ و
قبلاه

فالأقرب السقوط عن الوليّ بسبب عموم وجوب العمل بالوصيّة
هكذا ذكره الشهيد ـ رحمه اللّه ـ في
الذكري .
و لاينافي قوله السابق من عدم جواز استئجار الولي من جهة تعلّق التكليف ببدنه; لأنّ غاية الأمر أنّ
ما بقي في ذمة الميت بدون وصية حتّى يموت يكون واجباً على الوليّ
و لا نعلم لزومه في هذه الصورة.
فإن قلت: النسبة بين أدلة الوصيّة و دليل اللزوم على الوليّ
عموم من وجه
و ترجيح الأوّل يقف على
الدليل.
قلنا: دليل الأولّ مقدّم بحسب المقتضي على الثاني
فهو أحقّ بالتقديم.
و قال الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ أيضاً: لو أوصى على وجه يكون نافذاً يسقط عن الولي .
أقول: الأظهر السقوط; لتقديم مقتضى الوصيّة
و لكن الإشكال فيما لو لم يعمل الوصيّ بمقتضى الوصيّة
فهل يجب حينئذٍ على الوليّ أم لا؟ ظاهر كلام الشهيدين حيث حكما بالسقوط عدم عود التكليف إليه
و هو
مقتضى الدليل
و الأحوط أن يأتي به الوليّ حينئذٍ. و الظاهر عدم الفرق في المسألة بين الصلاة و الصوم;
لوحدة الدليل.
الثالث: إن لم يكن للميت وليّ
أو قلنا بعدم وجوب ما فات عن الميّت بلاعذر كما رجّحناه
فإن أوصى بشيء
مما يجب عليه من العبادات فيجب العمل بمقتضى وصيّته على حسبها من الأصل أو الثلث.
و إن لم يوص
فقال في الذكرى: ظاهر المتأخّرين من الأصحاب عدم وجوب الإخراج من ماله; لأنّ الفرض لم
يتعلّق بغير بدنه
خرجنا في صورة الوصيّة عن مقتضاه بالإجماع
و بقي غير صورة الوصيّة تحت الدليل .
ثمّ قال: و بعض الأصحاب أوجب إخراجها كالحجّ
و صبّ الأخبار التي لا وليّ فيها عليه
و احتجّ أيضاً
بخبر زرارة قال
قلت لأبي عبداللّه &: إنّ أباك قال ليّ: (من فرّ بها فعليه أن يؤدّيها). قال: (صدق أبي
إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه
و ما لم يجب عليه فلاشيء عليه) ثمّ قال: (أرأيت لو أنّ رجلاً أُغمي عليه
يوماً ثمّ مات فذهبت صلاته
أكان عليه و قد مات أن يؤدّيها ؟) فقلت: لا
قال: (إü أن يكون قد أفاق من
يومه) فظاهره أنّه يؤدّيها بعد موته
و هو إنما يكون بوليّه أو ماله
فحيث لا وليّ يحمل على المال

و
هو شامل لحالة الإيصاء و عدمه
انتهى كلام الذكرى.
ولعلّ مراده من الأخبار التي استدلّ بها بعض الأصحاب عليه رواية عبداللّه بن أبي يعفور المتقدّمة و
ما في معناها
و في دلالتها خفاء حيث إنّ ظاهرها بيان الرخصة والجواز
لا وجوب القضاء مطلقاً.
وأمّا رواية زرارة فلا وضوح في دلالتها
بل بعض ألفاظها متشابهة مع قطع النظر عن سندها
و لم أفهم
المراد من لفظ (قربها) و مرجع الغير المنصوب فيها
فإن كان المرجع فيها الميت بتأويل الجنازة
و
المراد من القريب الوليّ
فلا دلالة فيها على ما نحن فيه.
وفي بعض النسخ مكان قربها (كان تركها) ثمّ جعل بالحك و الإصلاح قربها
و على نسخة (تركها) لها مناسبة
في الجملة بالمطلوب.
ولعلّه نظر إلى ترك استفصال الإمام عن القريب فيشمل غير الوليّ
و لما لم يجب على غير الوليّ فعلها
بالإجماع
فلابد أن ينزّل على تحصيلها من مال الميت.
ويحتمل أن يكون أصل النسخة (فوّتها) من التفويت
يعني فوت العبادات و الصلاة
فصحّفت
و هو أنسب
بمقصود المستدلّ.
وعلى أيّ حال فالاعتماد على مثل هذه الأدلّة في حكمٍ مخالف للأصل لاوجه له
سيّما مع فتوى الأكثرين
على خلافه
بل ليس في النظر قول إü ما ذكره الشهيد هنا
و ما نسبه في المسالك إلى أبي الصلاح أنّه جعله
كالحج .
نعم في كلام بعض أصحابنا إشارة إليه في كتاب الوصايا
مثل المحقق ـ رحمه اللّه ـ في النافع حيث قال: و
لو أوصى بواجب و غيره أُخرج الواجب من الأصل و الباقي من الثلث
و كذا عبارة الشرائع .
ومقتضاه وجوب إخراج الواجب من الأصل مطلقاً
ماليّاً كان مثل الزكاة
أو مشوباً بالمال كالحج
أو
بدنيّاً محضاً كالصلاة و الصوم

و هذا الإطلاق مشعر بأنّه لو لم يوصِ يُخرج من الأصل كالزكاة و الحج.
إü أن يقال: المراد من قوله (بواجب) الواجب الإخراج لا ما هو واجب على المكلّف.
و لذلك قال في الذكرى في هذا المقام: لو أوصى بفعلها من ماله فإن قلنا بوجوبه لولا الإيصاء كان من
الأصل كسائر الواجبات
و إن قلنا بعدمه فهو تبرّع يخرج من الثلث إü أن يجيزه الوارث .
وعلى كلّ حال فالمشهور أنّ الوصايا الواجبة البدنيّة تخرج من الثلث
و ما حسبه بعضهم أنّه لا خلاف
فيه غفلة كما عرفت.
نعم قول المشهور أقوى
فيجب الإخراج من الثلث اü مع إجازة الوارث.
نعم تقدّم الواجبات على المتبرّع بها و إن كانت مؤخّرة في الذكر كما ذكره جماعة من الأصحاب
و لم أقف
على مصرّح بخلافه إü صاحب الكفاية
حيث أسند الفتوى إلى بعض الأصحاب
و قال: إن حجّته غير واضحة .
ويمكن أن يكون نظر الجماعة إلى العلّة المستفادة من حسنة معاوية بن عمّار لإبراهيم بن هاشم
رواها
في التهذيب قال: أوصت إليّ امرأة من أهلي بثلث مالها
و أمَرَت أن يعتق و يحجّ و يتصدّق
فلم يبلغ ذلك
فسألت أبا حنيفة عنها
فقال: يجعل أثلاثاً
ثلث في العتق
و ثلث في الحج
و ثلث في الصدقة
فدخلت على
أبي عبداللّه &
فقلت: إنّ امرأة من أهلي ماتت وأوصت إليّ بثلث مالها
و أمرت أن يعتق عنها و يتصدّق و
يحج عنها
فنظرت فيه فلم يبلغ
فقال: (ابدأ بالحج
فإنه فريضة من فرائض الله عزّوجل
و يجعل ما بقي
طائفة في العتق و طائفة في التصدّق) فأخبرت أبا حنيفة بقول أبي عبداللّه & فرجع عن قوله و قال بقول
أبي عبداللّه & .
و تؤدّي مؤدّاها حسنته الاُخرى
رواها أيضاً قبيل ذلك .
و أيضاً لايخفى أنّ الواجب أولى بالإتيان به.
ولعلّ تقديم الموصي غيره بالذكر يكون منهياً عنه; إذ لعلّه يصير موجباً لتفويت الواجب
فلا يكون
معتبراً في نظر الشارع

و لاينافي ذلك بقاء لزوم أصل العمل لو وفى الثلث به بحاله
فليتأمل .
الرابع: لو كانت ذمّة الوليّ مشغولة بصلاة القضاء لنفسه أو باستئجار آخر أو غير ذلك لا يصير منشأً
للسقوط عنه
و يجب عليه إتيانهما جميعاً.
وقال في الذكرى: والأقرب الترتيب بينهما
عملاً بظاهر الأخبار و فحاويها
نعم لو فاتته صلاة بعد
التحمّل أمكن القول بوجوب تقديمها; لأنّ زمان قضائها مستثنى كزمان أدائها
و أمكن تقديم المتحمّل
لسبق سببه .
أقول: مراعاة الترتيب كما ذكره و إن كان أحوط
ولكن لم يظهر عندي إلى الآن دليل على وجوبه في أمثال
ذلك.
نعم الذي يظهر من الأخبار و الأدلّة هو وجوب الترتيب (فيما جعله الله مرتّباً
كالترتيب) بين الظهرين
ليوم واحد
و العشاءين لليلة واحدة
لامطلق الظهر و العصر و المغرب والعشاء
فضلاً عن غيرهما.
و أما تقدّم الفجر مثلاً على الظهرين و الظهرين على العشاءين و اليوم الماضي على المستقبل
فإنما هو
من باب الاتفاق بتبعيّة الأوقات
لابجعل الشارع.
المبحث الثالث: فيمن يجب له القضاء.
هل يختصّ ذلك بالرجل
أويجب للمرأة أيضاً؟ فيه خلاف
ظاهر إطلاق الأصحاب كما ذكره بعضهم العموم
و إن
كان يظهر من الذكرى أنّ ظاهر الأصحاب الاختصاص بالرجل
كما يظهر من مسألة الحبوة.
و صريح الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن البراج و العلامة في المختلف و أسنده فيه إلى جماعة
و
الشهيد في الدروس و اللمعة لزوم القضاء عنها.
و مال إليه في الذكرى
قال: و كلام المحقق يؤذن بالقضاء عن المرأة
ولا بأس به .
و لعلّه أراد قوله في المعتبر
حيث قال بعد نقله عن الشيخ: إنّّ كلّ صوم كان واجباً على المريض بأحد
الأسباب الموجبة
فمات و كان متمكّناً من قضائه
فإنه يتصدق عنه أو يصام عنه: و ما ذكره ـ رحمه اللّه ـ

صواب
و عليه دلّ ظاهر الروايات.
و قال أيضاً: و حكم المرأة في ذلك حكم الرجل
و ما يفوتها من أيام حيضها وجب القضاء عليها
فإن لم تقض و
ماتت وجب على وليّها القضاء عنها إذا فرّطت فيه
أو يتصدق عنها على ما بيّناه
انتهى.
وهو مؤذن بموافقته له ـ ولكنه في الشرائع و النافع متردّد ـ كظاهر العùمة في التحرير
و استشكل في
القواعد .
وأما القول بالعدم فهو مختار ابن إدريس و فخر المحققين .
والأوّل أظهر; لأنّ الغالب اشتراك الرجال و النساء في الحكم
و ذكر الرجل في الأخبار من باب المثال
لا التخصيص كما أشار إليه في الذكرى
و يدلّ عليه خصوص الأخبار
مثل صحيحة أبي حمزة وموثّقة محمّد بن
مسلم المتقدّمتين.
فإن قلت: غاية ما ثبت منها المشروعيّة و الجواز لا الوجوب.
قلت: يمكن أن يقال: قرائن المقام و معهوديّة القضاء في الواجب و فهم الأصحاب و استدلالهم يرجّح إرادة
الوجوب.
فإن قلت: إنّ هذا ينافي ما ذكرته سابقاً من حمل تلك الأخبار في المسافر على الاستحباب في صورة عدم
التمكن إلى أن مات.
قلت: صورة الدلالتين مختلفة
فإنّها تدلّ من باب التنبيه على وجوب القضاء على الولي مع التمكّن
خصوصاً في السفر بانضمام القرائن السابقة
و تدلّ على استحباب قضاء صلاة المسافر مع عدم التمكّن
بظاهرها
فلامنافاة.
سلّمنا
لكن عمومات الأخبار كافية في ذلك.
وقال بعض المتأخّرين: إني لم أقف على عموم و إطلاق في الأخبار يشملها
بل بعضها صريح في حكم المرأة
كصحيحة أبي حمزة
لكن دلالتها غير واضحة
و بعضها صريحة في الرجل .
و يظهر الجواب عنه مما مرّ.
وأمّا العمومات التي ذكرناها فهي كثيرة
منها مارواه في المعتبر
عن عروة
عن عائشة عن النبي ْ أنّه
قال: (من مات و عليه صيام صام عنه وليّه) .

ومن طريق الخاصة الأخبار التي قدّمناها سابقاً
و من جملتها رواية عبداللّه بن سنان التي نقلها في
الذكرى عن ابن طاووس ـ رحمه اللّه ـ و حكم بصحتها
عن الصادق &
قال: (الصلاة التي حصل وقتها قبل أن
يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به) .
و رواية زرارة المتقدمة آنفاً.
و كذلك رواية عبداللّه بن أبي يعفور المتقدّمة و ما في معناها
و إن كان يمكن فيها القدح من جهة أنّها
لبيان الجواز لا الوجوب.
وعلى أيّ حال فلما لم يكن في جانب المنع شيء إلا الأصل
و هو لايقاوم إطلاق صحيحة عبداللّه بن سنان
فقط
فضلاً عما إذا ضمّ إليها غيرها
فيترجّح القول بالوجوب.
واستدلّ عليه في المختلف أيضاً بصحيحة أبي بصير المتقدّمة في مسألة من فاته شهر رمضان لمرض من وجوه:
الأوّل: سؤاله &: (هل برأت من مرضها؟) قال: لا
فأجابه بسقوط القضاء
ولولا أنّ البرء يوجب القضاء لما
صحّ هذا السؤ ال.
والثاني: تعليله & عدم القضاء عنها بعدم إيجابه عليها
و عند انتفاء العلّة ينتفي المعلول
فيجب
القضاء عنها عند الإيجاب.
الثالث: تعليل تعجّبه & في قوله: (كيف يقضي شيئاً لم يجعله الله عليها؟!) بانتفاء الإيجاب
فيجب أن
يكون مع الأيجاب يجب القضاء
هذا كلامه ـ رحمه اللّه ـ و فيه نظر يظهر للمتأمل.
ويؤيّد ما اخترناه
بل يدلّ عليه: الأمر الشديد و الاهتمام الوكيد في برّ الوالدين
حتّى الكافر و
المخالف منهما
حتّى أنّه تعالى رخّص في ترك الجهاد لإيناسهما
و في خصوص الاُم
سيّما ماورد في
تقديمها على الأب.
فمنها ما رواه الكليني في الحسن ـ لإبراهيم بن هاشم ـ عن هشام بن سالم
عن أبي عبداللّه &
قال: (جاء
رجل إلى النبيّ ْ و قال: يا رسول اللّه ْ
من أبرّ؟ قال: اُمّك
قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك

قال: ثمّ من؟
قال: اُمّك
قال: ثمّ من؟ قال: أباك) .
فهذا الحديث يدلّ على تقديم الوالدة على الوالد في البرّ
فإذا وجب البرّ للوالد بقضاء ما وجب عليه
فالوالدة أولى.
وروى فيه أيضاً
عن معلّى بن خنيس
عنه
قال: (جاء رجل وسأل النبي ْ عن برّ الوالدين
فقال: أبرر اُمّك
أبرر اُمّك
أبرر اُمّك
أبرر أباك
أبرر أباك
و بدأ بالاُم قبل الأب) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة
على تقديم الاُم
سيّما مع ملاحظة شفقتها عليه
و كثرة عنائها في تربيته حال الحمل والوضع والرضاع و
الفطام مما لايخفى على ذي بصيرة.
وعن محمّد بن مسلم
عن أبي جعفر &
قال: (إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما ثمّ يموتان
فلايقضي عنهما دينهما
و لا يستغفر لهما
فيكتبه الله عزوجل عاقّاً
وإنّه ليكون عاقاً لهما في
حياتهما غير بارٍّ بهما
فإذا ماتا قضى دينهما و استغفر لهما
فيكتبه الله عزوجل بارّاً) و قد مرّ أنّ
في أخبار كثيرة إطلاق الدين على الصلاة
فالدلالة فيها من وجهين
و بالجملة ظنّي أنّ المسألة واضحة و
الحمد للّه.
المبحث الرابع: اختلفوا في وجوب القضاء عن العبد
استشكله في القواعد
و تردّد فيه في البيان
وقرّبه
في الدروس
و جعله أقرب في الذكرى
وصرّح باللزوم في اللمعة
و جعله الشهيد الثاني ـ رحمه اللّه ـ في

شرحها أقوي
وكذا الفاضل الإصفهاني في شرحه
و تشمله عبارة كلّ من أطلق الوجوب عن الميت بإطلاقها.
و ذهب فخر المحقّقين إلى العدم
قال في الإيضاح: و منشأ الإشكال عموم قولهم &: (فعلى وليّه أن يقضي عنه)
و اعترض بقولهم { في تمام الخبر:(فإن لم يكن له وليّ تصدّق عنه من تركته) دلّ بالمفهوم على الحرية
فهذه المسألة ترجع إلى أنّّ الضمير إذا رجع إلى البعض هل يقتضي التخصيص أم لا؟ فقد حقّق ذلك في
الاُصول
و الحقّ عندي عدم القضاء لما تقدّم .
قال الفاضل الإصفهاني بعد نقل كلامه: و نحن لم نظفر بخبر فيه ذلك
و إنما الخبر الذي تعرّض للتصدق خبر
أبي مريم
و ليس فيه ذكر الصوم إü بعد التصدّق في إحدى طريقيه كما عرفت
و لفظه كما سمعت: (و إن صحّ ثمّ
مرض حتّى يموت و كان له مال تصدّق عنه) و لانفهم من هذه العبارة ما ذكره.
أقول: و ظنّي أنّ نظر فخر المحقّقين ـ رحمه اللّه ـ إلى رواية أبي مريم على ما نقلناها عن الصدوق
وتأخّر ذكر الصوم عن التصدّق لايضرّ بمقصده; إذ مراده أنّ لفظ الرجل في أوّل الرواية عام
وضمير
(وكان له مال) الراجع إلى الرجل يفيد أنّ المراد بالرجل الحرّ; لأنّ العبد لا مال له
وضمير (صام عنه
وليّه) بعد ذلك أيضاً راجع إلى الرجل المذكور المخصص بالضمير السابق
فمراده من تمام الخبر جملة
الخبر لا آخره
وتفريعه صحيح.
وحاصل مراده: أنّ عمومات الأخبار
وإن كانت شاملة للعبد و لكن هذه الرواية مخصّصة لها بناءاً على
اختياره في الاُصول أنّ الضمير مخصص للعام
فجعل هذه الرواية مخصصة بالحر من جهة تلك القاعدة
ثمّ
خصص بها العمومات و الإطلاقات
و اختار عدم الوجوب.
والذي يترجّح في نفسي هووجوب القضاء; لإطلاقات الأخبار
مثل رواية عبدالله بن سنان
و مرسلة ابن أبي
عمير اللتين نقلناهما عن الذكرى
ومرسلة ابن بكير و غيرها .
والمناقشة فيها بأنّ المراد بالوليّ الأولى بالميراث ضعيف
غاية الأمر أنّ الأولوية بالميراث أحد
علامات الأولويّة
و لايلزم منه عدم تحقّق الأولويّة إذا لم يكن هناك ميراث.
ومنه يظهر ضعف ما يقال: إنّ الحبوة لا تتحقق في العبد; لأنّه لا دليل على أنّّ القضاء إنما هو في عوض
الحبوة.

وما ذكره فخر المحقّقين ـ رحمه اللّه ـ فجوابه أنّ الضمير ليس بمخصص للمرجع كما حقّقناه في الاُصول.
سلّمنا
لكنه ليس من فروع هذا الأصل; إذ اللام في الرجل إن كانت للعهد الخارجي
فلا معنى للعموم
بالنظر إلى الحرية و الرقية
و إن كانت للعهد الذهني
فيكون من باب الترديد و التفصيل في محتملاته
بأنّه إن كان له مال بأن يكون حراً ذا مال فيتصدّق من ماله
و إن لم يكن له مال بأن كان عبداً أو حراً
بلامال فيقضي عنه وليّه.
نعم لو قال &: (وإن صحّ ثمّ مات تصدّق من ماله
وإن لم يكن له مال صام عنه وليّه) لكان لما ذكره وجه.
سلّمنا
لكن التنافي بين العام و الخاص شرط في التخصيص
و هو منتف هنا.
سلّمنا
لكن التخصيص موقوف على مقاومة الخاص للعام
و هو ممنوع.
واعلم أنّي لم أقف في كلماتهم على تصريح بحكم الأمة
و الظاهر أنّ حكمها حكم الحرة
و وجهه يظهر مما
ذكرنا في العبد.
و الكلام في تعيين الوليّ في العبد و الأمة هو الكلام في الحر من تقديم الولد الذكر الأكبر و غيره.
المبحث الخامس: المشهور كما في المختلف و الدروس و الروضة وجوب القضاء على الولي مع وجوده
والتصدّق
عنه من صلب ماله مع عدمه
و نقل الفاضل الإصفهاني هذا القول عن الشيخ و ابن حمزة و العùمة و جماعة
و
قال: إنّ الشيخ وابن حمزة لم يصرّحا بصلب المال
و في المختلف نقل عن الشيخ أنه من أصل المال .
وذكر في المختلف في مقابل قول المشهور قول السيد المرتضى ـ رحمه الله ـ في وجوب التصدّق من صلب
المال
و إن لم يكن مال فيصوم الوليّ .
و القول بمنع التصدّق رأساً قول ابن إدريس
وقال: لم يذهب إليه محقّق من الأصحاب سوى السيد رحمه
اللّه .
و طعن عليه المحقّق كمانقلنا عنه سابقاً
ويظهر من المحقق التوقّف في المسألة.
والعمدة بيان الدليل
و الظاهر أنّ دليل المشهور هو رواية أبي مريم
و قد عرفت أنّها على ما رواه في
الفقيه و الكافي إنما تناسب مذهب السيد

و لا تناسب المشهور.
وأمّا على ما نقلناها عن الشيخ فليس فيها حكاية الصوم
و هي و إن كانت يمكن تقييدها بصورة فقد الوليّ
لكنه لايلائم قوله & في نفس الرواية: (تصدّق عنه وليّه) إü أن يقال: إنّ المراد من الوليّ هنا من لايجب
عليه القضاء.
نعم ما نقل عن ابن أبي عقيل( أنّه قال: و قد روي أنّه من مات و عليه صوم رمضان تصدّق عنه عن كلّ يوم
بمدّ من طعام
بهذا تواترت الأخبار عنهم {) لايخلو عن المناسبة; لعدم ذكر الوليّ فيه
لكنه مخالف
المشهور من تقديم القضاء على التصدّق.
والاعتماد على الإجماع الذي نقلناه سابقاً عن الانتصار أيضاً مشكل; لما بيّنا سابقاً أنّ مراده من
دعوى الإجماع إنما هو في القضاء ردّاً على المخالفين
لا التصدّق
مع أنّ فتواه تقديم التصدّق على
القضاء
فلاينفع المشهور.
لكن لايبعد أن يقال: ملاحظة مجموع هذه الروايات بضميمة الشهرة بين الأصحاب و ملاحظة الجمع بين
الأخبار يفيد البناء على لزوم الصدقة عند فقد الوليّ; لأنّّه ليس في مقابل دعوى تواتر ابن أبي عقيل
و خصوص روايات أبي مريم و ملاحظة كلام السيّد و كلام المحقق في ردّ قول ابن إدريس في مقابل إثبات
مطلق التصدّق شيء إلا انكار ابن إدريس
فالظاهر أنّ ثبوت التصدّق إجمالاً مما لا إشكال فيه.
ثم وفور الأخبار وعمل المشهور على تقديم القضاء عليه يجعل هذا المجمل في معرض المبيّن
و طريق الجمع
إنما هو بجعل التصدّق عقيب القضاء.
ومن ذلك يظهر و جه آخر للجمع
و هو التخيير بين التقديم والتأخير
و لكن لم نقف على مصرّح به; إذ
التخيير الذي نقلناه سابقاً عن الشيخ إنما هو ما بين أصل الصوم و الصدقة
لا التقديم و التأخير.
و على كلّ حال فالأقوى قول المشهور من وجوب تقديم القضاء على الصدقة.
بقي هنا إشكال آخر: و هو أنّه هل يجب تقديم الاستئجار من ماله مع الإمكان و يتصدّق مع عدمه
أو يجب
التصدّق أوّلاً؟ فعن المشهور عدم الوجوب
و عن أبي الصلاح الوجوب
و قد مرّ الكلام
و أنّ الأقوى
العدم.
و قياسه بالحج باطل
سيّما مع وجود الفارق; لوجوب الصوم على الوليّ دون الحج.
وأمّا كون الصدقة من أصل المال فالظاهر عدم الإشكال فيه كما هو ظاهر رواية أبي مريم.
وأمّا مقدار التصدّق
فهو (مد) على المشهور

كما يظهر من الروضة
و هو أقوى; لرواية أبي مريم
و ما رواه
ابن أبي عقيل
و كلام السيد في الانتصار.
ونقل في المختلف عن الشيخ القول بمدّين عن كلّ يوم
فإن عجز فمد
و هو المنقول عن ابن حمزة
و دليله
غير واضح.
ثمّ إنّ هذا الكلام إذا لم يوصِ بالقضاء من ماله وصيةً نافذة
و إن أوصى فيسقط التصدّق
كما صرّح به
في الروضة .
المبحث السادس: لو كان عليه صوم شهرين متتابعين
يصوم الوليّ عن شهر
و يتصدّق من تركته عن شهر آخر
على المشهور كما في الروضة
و على ظاهر المذهب كما في الدروس .
و خالفهم ابن إدريس و قال بوجوب القضاء
إü أن تكون كفّارة مخيّرة
فيتخيّر بين القضاء و الصدقة
و
قوّاه في المسالك و الروضة
و كذا العùمة في المختلف . وربّما نقل ذلك عن ظاهر المفيد
و نقله صاحب
المدارك عن جماعة وارتضاه أيضاً .
ومستند المشهور: رواية الوشاء
عن الرضا &
قال: سمعته يقول: (إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين
من علّة
فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل
و يقضي الثاني) .
ومستند القول الآخر: عموم ما دلّ على وجوب قضاء الوليّ عن الميت
والعلّة المستفادة من مثل صحيحة أبي
بصير و مرسلة ابن بكير و غيرهما المتقدّمات
فإنّ المستفاد منها أنّ علّة وجوب القضاء هو وجوبها على
الميت.
وقدحوا في رواية الوشاء بسهل
و الأمر فيه سهل ; خصوصاً مع عمل المشهور
و لكن في دلالتها إشكالات:
أحدها: احتمال إرادة رمضانين متعاقبين لم يرتفع المرض بينهما

كما تشعر به كلمة (من علّة) و جعل
الصدقة للشهر الأوّل ولم يذكر الوليّ في الرواية
فلعلّ الضمير المجرور راجع إلى الميت
يعني: يجب
على الميت أن يتصدّق و يقضي
و لما لم يكن ذلك
فيكون المراد التصدّق من ماله عن شهر و الاستئجار من
ماله عن شهر آخر مجازاً.
والثاني: أنّ القائلين بهذا القول منهم من جعله من باب الرخصة
كالعلامة في المنتهى والتحرير
و هو
ظاهر اللمعة
واحتمل في المسالك العزيمة كما هو ظاهر الرواية .
والثالث: أنّ من يحضرني كلامه من القائلين بالرواية أطلقوا الحكم و لم يعيّنوا قضاء الشهر الثاني إü
الشهيد في الدروس
فطابقت فتواه الرواية .
إü أن يقال: إنّ المطلقين سامحوا في التأدية
و مرادهم أيضاً مضمون الرواية و إن بعد.
والرابع: أنّه ليس فيها أنّ التصدّق من مال الميت أو من مال الوليّ
و اختلفت فتاويهم فيه
فالفاضلان
و الشهيدان في الدروس و الروضة صرّحوا بأنّه من مال الميّت.
و المسألة لا تخلو عن إشكال
و لكن في ظاهر رواية أبي مريم المتقدّمة إشعار بأنّه من مال الميت
و هو
قضية أصالة براءة ذمّة الوليّ.
و يؤيّده أنّه دين في ذمّة الميت
وأنّّ هذا عوض صوم وجب عليه.
ويؤيّد القول الآخر: أنّ الصوم إنما يجب على الوليّ
و إذا أرجعنا الضمير المجرور إليه فيتبادر منه
أنّه من مال الوليّ
و لعلّ الأوّل أقوى
و سيجيء إشكال آخر.
وعلى كلّ حال فقول ابن إدريس لايخلو من قوّة
و لايبعد ترجيحه.
واعلم أنّه لا فرق على المشهور بين كون وجوب صوم الشهرين عينيّاً
كالمنذور و كفّارة الظهار إذا
تعيّن عليه في حياته لعجزه عن العتق
أو تخييرياً
ككفارة شهر رمضان على الأقوى; إذ التخيير ينتقل
إلى الوليّ بعد فوته كما في المسالك ; لإطلاق النص و الفتوى
فيجوز إذا اختار الوليّ من بين كفارات

شهر رمضان صيام شهرين أن يتصدّق عوض شهر منهما.
نعم هو مخيّر في أوّل الأمر بين صيام الشهرين و عتق الرقبة من أصل مال الميت و إطعام ستّين مسكيناً
كذلك
كما صرّح به في التحرير و غيره .
و لكن يشكل المقام من جهة ظهور كلمة (عليه) في الواجب العيني
وإرادة المعنيين معاً غير جائز على
التحقيق
و القدر المشترك مجاز لايصار إليه إü بدليل
فهذا هو الإشكال الذي وعدنا به.
واعلم أنّ مقدار الصدقة هو الذي كان على نفس المكلّف من مدّ أو مدّين على الخلاف
كما صرّح به
العلامة في التحرير .
ثمّ لو كان على الميت أزيد من شهرين متتابعين
فهل يجري فيه هذا الحكم؟ فيه إشكال
قال في الروضة: و
لايتعدّى إلى غير الشهرين; وقوفاً مع النصّ لو عمل به
و كذلك في المسالك
و هو جيد.
تنبيه:
قد يتوهّم مما نقلنا عن ابن إدريس و المسالك أنّ المكلّف بالصوم في الكفارة المخيّرة إنما هو الولي
لكن على سبيل الواجب التخييري
فلو اختار الصوم فيأتي بالشهرين معاً على قول ابن إدريس
و يصوم
أحدهما و يتصدّق عن الآخر على المشهور
و لا دليل على ذلك; إذ ما ثبت من الأدلّة تعلّقه بالوليّ هو
الصوم و الصلاة الواجبان عيناً
و أما أداء سائر ما عليه فالكلّ فيه سواء كالدين.
ولا دلالة في الأدلّة على حكم الصيام المخيّر بينه و بين غيره
فينبغي أن يكون المراد من تخيير
الوليّ هنا أنّ له أن يأبى عن الصيام لأجل قيام غيره مقامه
و حينئذٍ فكلّ الورثة سواء في ذلك
و
مقتضاه: إما العتق من ماله
أو الإطعام من ماله
أو الاستئجار.
و مراد ابن إدريس: أنّه لو بنى على الصوم فليس لهم أن يبدلوا أحد الشهرين بالصدقة
لا أنه لو بنى على
الصيام يجب ذلك على الوليّ
أعني الذكَر الأكبر.
وقال في السرائر: إنّ هذين الشهرين إن كانا نذراً و قدر على الإتيان بهما فلم يفعل فالواجب على وليّه
ـ و هو أكبر أولاده الذكور ـ الصيام للشهرين
و يكون تكليفه ذلك لا يجزيه غيره

و إن كان عليه كفارة
مخيّر فيها
فإنه مخيّر في أن يصوم شهرين أو يكفّر من ماله قبل قسمة تركته ـ أعني الوليّ ـ و لايتعين
عليه الصيام
و لايجزيه إلا أن يفعل من الكفارة جنساً واحداً أو صياماً أو إطعاماً
هذا إذا كانت
الكفارة مخيّراً فيها
فليتأمل ما قلنا في فقه المسألة
انتهى.
وليس مراده من فقه المسألة هنا إلا الردّ على الشيخ و أتباعه حيث جوّزوا الصدقة عن شهر.
و حاصل مراده: عدم تشريك الصدقة بالصيام
سواء كان الصيام متعيّناً على الوليّ
أو كان الورّاث
مخيرين في إبراء ذمة متوفيهم بالصيام و العتق و الإطعام
سواء باشر الصيام الولد الذكر أو غيره
و
إنما نسب التخيير إليه خاصة دفعاً لما قد يتوهّم من وجوب ذلك الصوم أيضاً عليه كالمتعيّن
فالمراد
من تخييره أنّ له الإباء عنه.
ويوضّحه ما ذكره بعد ذلك بورقات حيث قال: و من مات و عليه شيء من ضروب الصيام لم يؤدّه مع تعيّن فرضه
عليه و تفريطه فعلى وليّه القضاء عنه
و إن لم يتعيّن ذلك عليه لم يتعيّن الصوم على وليّه
و لايجب
على الولي الصيام
و قدّمنا طرفاً من ذلك فيما تقدّم
و كذلك صيام الشهرين المتتابعين .
فعلى ذلك فلا وجه لما ذكره الجماعة في جريان الحكم المذكور في الواجب المخيّر; لعدم الدليل
و قد
ذكرنا أنّ الرواية ظاهرة في المتعيّن; لمكان كلمة عليه.
فحاصل المختار في المسألة وجوب الشهرين على الوليّ مع التعيّن
و عدم بدلية الصدقة عن أحدهما.
وأمّا في المخيّرة فلا يتعيّن على الوليّ بخصوصه شيء
و لكن يلزم إخراج إحدى الخصال من ماله
و لو
اختير الصيام فلا يبدل عن أحد الشهرين بالصدقة أيضاً
سواء باشره الوليّ
أو استؤجر عنه
أو تبرّع به.
ثمّ مع ذلك كلّه فالمسألة لاتصفو عن شوب الإشكال; لعدم ظهور الواجب التخييري من الأدلّة الدالّة على
وجوب العبادات على الوليّ
و كذا ما دلّ على وجوب أداء ما عليه من الحقوق من ماله أيضاً لاينصرف إü
إلى المالي المحض

لا المخيّر بينه و بين العبادة.
ولكن يظهر منهم الإجماع على أنّ كل واحد من الخصال من مبرءات ذمّة الميت من التكليف
و أنّه لم يسقط
التكليف بجميعها بسبب الموت; لاتفاق كلمة الكلّ على ذلك.
فحينئذٍ نقول: أما الوارث منحصر في الولي
فهو مخيّر بين كلّ واحد منها مع التمكّن من كلّ منها
و في
صورة اختياره الصوم يجيء الخلاف المذكور
فالمشهور يجوّزون تبديل أحد الشهرين بالصدقة
و ابن إدريس
لايجوّز.
وكذا لو كان معه وارث آخر و لم يزاحمه في اختياره و إن كان بسبب صغره
بل لا معنى للمزاحمة; إذ غاية
الأمر كونه متبرّعاً.
نعم يمكن جريان المزاحمة على القول المشهور بفرض أن يكون تبديل أحد الشهرين بالصدقة من مال الميت
أشقّ عليهم من عتق عبد موجود عندهم لايسوى ثمنه الصدقة المذكورة.
فلابدّ من فرض المسألة على المشهور في صورة عدم المزاحمة
و كلامهم لايأبى عن ذلك
و كذلك كلام ابن
إدريس.
هذا كله على فرض وجود الوليّ
سواء كان منفرداً أو معه غيره.
وأمّا لو فرض عدم الولي
وانحصر الوارث في غيره
فيمكن المناقشة في دعوى الإجماع السابق; لأن كلماتهم
متطابقة في ذكـر الوليّ
فلابد من الرجوع إلى القواعد.
فمقتضى استصحاب اشتغال ذمة الميت بإحدى الخصال
و تعلّق الحق المالي بذمّته في الجملة لزوم الإتيان
بأحدها; إذ الأصل عدم انتقال المال إلى الوارث إü فيما ثبت
و ثبوت قضاء العبادة عند فقد الوليّ و عدم
لزوم الاستئجار كما مرّ لم يقم دليل عليه إü في صورة تعيّن العبادة عليه
و هو خلاف المفروض; إذ هنا
الأمر مردد بين العبادة و صرف المال
فالمتولّي لأداء ديون الميّت ـ كالوصيّ أو الحاكم أو من يقوم
مقامه ـ يلزمه الأخذ بإحدى الثلاثة
وفي صورة التزامه الصيام يجيء فيه الخلاف المذكور أيضاً.
على أنّا نقول: يمكن دعوى الإجماع على تعلّق الحق المذكور بماله بعد الموت في الجملة أيضاً.
و ذكرهم الوليّ هنا مبنيّ على الغالب
أو المراد هنا من الوليّ المباشر للأمر
فمحلّ النزاع في هذه
المسألة حكم جواز تبديل أحد الشهرين بالصدقة لو بنى على الصيام على أي وجه يكون

و المختار قول ابن
إدريس.
ثمّ إنّ هذا الكلام إذا بقي الواجب التخييري متمكّناً من أفراده إلى زمان الموت
و إذا تعيّن أحدها
قبل الموت
فإن كان هو العبادة فهو على الوليّ إن كان وليّ
و إü فيسقط إن لم يتبرّع بها متبرّع.
وإن كان مالاً فيؤدى من ماله
و ليس على الوليّ العبادة
و لا على غيره إü أن يتبرّع بها.
وإن بقي المخيّر فيها متمكّناً منها على حاله إلى زمان الموت
وانحصر الأمر بعد الموت
مثل أن يتلف
المال قبل وصوله إلى يد الوارث
فلا تلزم العبادة على الوليّ و لا على غيره.
و لو مات الوليّ قبل التمكّن من العبادة أو فعلها فتتعين إحدى الماليتين
و لم أقف في كلماتهم على
تفصيل هذه المسائل
و الاحتياط في الكلّ طريق النجاة.
الثامن: يجوز لقاضي شهر رمضان الإفطار قبل الزوال بلا عذر
إن لم يتضيّق برمضان الآتي
أو بظنّ الموت
قبل أن يفعله بعد ذلك.
و يحرم بعد الزوال بلا عذر
و تجب عليه الكفارة لو أفطر.
و أما غيره فيجوز الإفطار في غير المعيّن مطلقاً
و كذا في قضاء غير المعيّن مطلقاً.
فههنا مسائل:
الأُولى: جواز الإفطار قبل الزوال لقاضي شهر رمضان هو المشهور بين علمائنا
و حكي عن العùمة في
المدنيّات الأُولى الإجماع عليه.
ويدلّ عليه بعد الأصل والإجماع المنقول الأخبار المستفيضة
كصحيحة عبدالله بن سنان ـ رواها الشيخ
في باب نيّة الصائم ـ عن أبي عبداللّه &
قال: (من أصبح و هو يريد الصيام ثمّ بدا له أن يفطر
فله أن
يفطر ما بينه و بين نصف النهار
ثمّ يقضي ذلك اليوم) الحديث.
ويظهر من ملاحظة سائر أخبار الباب أنّه من قضاء شهر رمضان
مع أنّ الإطلاق يكفي.
وروى في باب قضاء شهر رمضان عنه عن أبي عبداللّه &
قال: (صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل

متى شئت
و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس
فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر) و وصفه
الفاضل الإصفهاني بعد العùمة في المختلف بالصحة
و قال في المدارك: و ليس ببعيد .
ولعلّ وجه التأمّل هو وقوع عبيد بن الحسين في السند
و هو مجهول
و الظاهر أنّه عبيد بن الحسن
و ليس
عندي إü نسخة واحدة من التهذيب
و لعلّ في نسختهم كان الحسن
و هو ثقة كما صرّح به النجاشي و العلامة .
وأمّا التأمّل من جهة البرقي فلا وجه له; لكونه ثقة
و كذلك ابنه أحمد.
وصحيحة جميل بن درّاج ـ على أنّ يكون الراوي عنه النضر بن سويد كما في نسختي من التهذيب
و في بعض
النسخ النضر بن شعيب
و هو مجهول
و صحّحها في المدارك
و لعلّ نسخته أيضاً كانت كنسختي ـ عن أبي
عبداللّه & أنّه قال: (في الذي يقضي شهر رمضان بالخيار إلى زوال الشمس و إن كان تطوّعاً فإنه إلى
الليل بالخيار) إلى غير ذلك من الأخبار
و سيجيء بعضها.
و عن أبي الصلاح و ابن زهرة ـ مدّعياً عليه الإجماع ـ حرمة الإفطار قبل الزوال
و هو المحكي عن ظاهر
ابن أبي عقيل .
و ربّما يستدلّ لهم بما رواه الشيخ في باب نية الصائم في الصحيح
عن عبدالرحمن بن الحجاج
قال: سألته
عن الرجل يقضي رمضان
أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: (إذا كان نوى ذلك من الليل
و كان من قضاء رمضان
فلا يفطر و يتم صومه) .
وبما رواه في الموثّق في باب قضاء شهر رمضان
عن زرارة
قال: سألت أباجعفر & عن رجل صام قضاء من شهر
رمضان فأتى النساء
قال: (عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان
ذلك اليوم عند اللّه من
أيّام رمضان) .
ويرد على الأوّل: مضافاً إلى الإضمار و إن كان الأظهر جواز العمل; أنّها لاتقاوم ما ذكرنا من
الأدلّة

فتحمل على الكراهة.
مع أنّه يمكن منع دلالتها; إذ لعلّ المراد أن تجدّد العزم على الإفطار و حصول البداء لايصير منشأً
للبطلان
فيجوز له أن يتمّ
كما أن تجدّد العزم على الصيام قبل الزوال يكفي في صحّة الصوم إذا لم
يسبقه مفطر.
وتشهد بذلك تتمّة الرواية
قال: و سألته عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار
أيصوم ذلك
اليوم و يقضيه من رمضان و إن لم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال: (نعم يصومه و يعتدّ به إذا لم يحدث شيئاً).
و على الثانية: مضافاً إلى عدم المقاومة لأدلّة المختار; أنّها تحمل على ما بعد الزوال
كما هو مقتضى
رواية العجلي الآتية
قال الشيخ: هذا الخبر ورد نادراً
و حمله على ما بعد الزوال مع الاستخفاف و
التهاون
و يظهر منه جوازه بدون ذلك.
واستدل لهم في المختلف بقوله: تعالى:
لاتبطلوا أعمالكم
و بأنّه بدل عن رمضان
فيجب إتمامه كالمبدل;
إذ لولاه لكان إتمامه مستحبّاً
فلم يجزِ عن الواجب.
ييرد على الأوّل: منع الدلالة
لا لما ذكره في المختلف (من أنّ النهي يتناول إبطال جميع الأعمال; إذ
الجمع المضاف للعموم
و ذلك إنما يكون بالكفر) لأنّ الظاهر منه العموم الإفرادي لا المجموعي
يعني:
لاتبطلوا شيئاً من أعمالكم
بل لأنّ المتبادر منه: لاتبطلوا أعمالكم معتقدين كفايتها; لا ولو بقصد
إتيان بدلها.
أو لا تبطلوها بمثل المنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس.
أو لا تؤتوا عملاً باطلاً من باب ضيّق فم الركيّة
و لاتحيطوها بالمعاصي
كما يظهر مما ورد في تفسير
الآية.
فروى الصدوق في ثواب الأعمال عن الباقر & قال
قال رسول اللّه ْ: (من قال: سبحان الله
غرس الله له بها
شجرة في الجنة
و من قال: الحمدلله
غرس الله له بها شجرة في الجنة

و من قال: لا إله إü الله
غرس الله
له بها شجرة في الجنة
و من قال: الله أكبر
غرس الله له بها شجرة في الجنة
فقال رجل من قريش: يا رسول
الله
إنّ أشجارنا في الجنة لكثيرة! قال: نعم
و لكن إيّاكم أن ترسلوا إليها نيراناً فتحرقوها
و ذلك
أنّ الله عزوجل يقول:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و لا تبطلوا أعمالكم
) .
وعلى الثاني: المنع من لزوم موافقة البدل للمبدل في كلّ شيء
و منع استلزام جواز إبطاله استحبابه.
الثانية: أنّ ذلك إذا لم يتضيّق وقت القضاء بسبب الرمضان الآتي; لما حقّقناه سابقاً من وجوب
المبادرة بالقضاء بين الرمضانين
بل ربّما قيل بانحصار الوقت فيه
و تأخير الموقت عن وقته أو ترك
المبادرة بما يجب البدار حرام
و لكّنه لايستلزم الكفارة; للأصل
و عدم الدليل.
و كذلك الكلام مع ظنّ الموت قبل أن يفعله بعد ذلك; لأنّه في معنى الموقّت أو الفوريّ.
الثالثة: أنّ كل واجب معيّن بالذات لايجوز إفطاره مطلقاً
و هو ظاهر
و تجب الكفارة كالنذر المعيّن و
صيام رمضان.
الرابعة: كلّ واجب متعيّن بالذات كالنذر المطلق و صوم الكفارة يجوز إفطاره مطلقاً
غير قضاء رمضان
بعد الزوال
و إن لم يتضيّق
وفاقاً للعلامة و الشهيدين رحمهما اللّه
بل يظهر من المسالك أنّه
المشهور ; للأصل
و لأنّه كان مخيّراً في اختيار الأيّام
و هو مستصحب.
و عن ظاهر أبي الصلاح و ابن زهرة الحرمة; لعموم قوله تعالى:
ولاتبطلوا أعمالكم
و قد عرفت ضعف
الاستدلال.
وعن عليّ بن بابويه: أنّ حكم قضاء النذر كقضاء رمضان في الحرمة و وجوب الكفارة إن أفطر بعد الزوال
و

ربّما استدل له بصحيحة عبداللّه بن سنان المتقدّمة
فإنّ قضاء الفريضة يعمّه .
وموثّقة سماعة
عن أبي عبد اللّه & في قوله: الصائم بالخيار إلى زوال الشمس
قال: (إنّ ذلك في الفريضة
و أما النافلة فله أن يفطر في أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس) .
قال الشيخ في التهذيب: المراد بالفريضة هو قضاء الفريضة; لأنّ نفس الفريضة ليس فيها خيار على حال.
قيل: و يمكن الجواب بأنّ الفريضة في عرف الحديث إنما تطلق غالباً على الواجب أصالة
فلا تشمل
المنذور
على أنّّ سوق الكلام في خبر سماعة إنّما هو لإخراج النافلة
و إن اختص الحكم ببعض الفرائض.
أقول: و ما ذكره جيّد
و يؤيده كلام الشيخ; إذ ما ذكره من قوله (إن نفس الفريضة ليس فيها خيار على حال)
إن اُريد منه مطلق الواجب لصار موافقاً لمذهب أبي الصلاح
و لم يعهد القول به من الشيخ
فالظاهر أنّ
مراد الشيخ من قضاء الفريضة قضاء رمضان
وعلى هذا فقضاء رمضان أيضاً ليس فريضة بنفسه
بل هو واجب
بالتبع
و هو قضاء فريضة.
وأمّا صحيحة ابن سنان الاُخرى
فقد قلنا إنّ الظاهر منها أيضاً قضاء رمضان.
وبالجملة الأصل دليل قويّ
و لايجوز الخروج منه بمثل هذه الأدلّة
نعم هو أحوط.
وأما الكفّارة; فلم نقف فيها على شيء يعتمد عليه
و قياسه على المبدل منه ـ وهو أصل النذر المعيّن ـ
ضعيف
مع أنّه لا اختصاص فيه بما بعد الزوال.
وعن أبي الصلاح: إن كان القضاء لإفطار تجب له الكفارة
ففرضها متعيّن مع القضاء
و هو شامل لما قبل
الزوال أيضاً
ولكن لا دليل عليه.
الخامسة: يحرم إفطار قضاء شهر رمضان بلا عذر بعد الزوال
و تجب به الكفارة.
أمّا الحرمة; فهي المشهورة بين الأصحاب بلا خلاف كما في المسالك
و قال في المدارك: هو مذهب الأصحاب
لا أعلم فيه مخالفاً
و عن الانتصار و الخلاف و الغنية دعوى الاتفاق عليه

و تدلّ عليه الأخبار
الكثيرة المتقدّم بعضها و الآتي بعضها.
ويظهر من الشيخ في كتابي الأخبار عدم الحرمة
فإنه قال بعد نقل موثّقة زرارة المتقدّمة آنفاً: و يمكن
أن يكون المراد به من أفطر هذا اليوم بعد الزوال على سبيل الاستخفاف و التهاون بما يجب عليه من فرض
الله تعالى
فيجب عليه حينئذ من الكفارة ما على من أفطر يوماً من رمضان; عقوبة له و تغليظاً عليه
و
أما من أفطر و هو معتقد أنّ الأفضل إتمام صومه
فليس عليه إü ما قدّمناه من إطعام عشرة مساكين
أو
صيام ثلاثة أيّام
و سننقل عنه عبارة اُخرى.
ويمكن أن يكون مراده من الأفضل مثل ما يقال: إنّ الطاعة أحسن من المعصية
و الإسلام أحسن من الكفر.
وأمّا وجوب الكفارة; فهو المشهور بين الأصحاب أيضاً
و عن الخلاف و الانتصار و الغنية دعوى الاتفاق
عليه .
وعن ابن أبي عقيل: نفي الكفارة بإطلاقها
و تدلّ عليه موثّقة عمّار عن الصادق &: عن الرجل يكون عليه
أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: (هو بالخيار إلى أن تزول الشمس
فإذا زالت الشمس
فإن كان نوى الصوم فليصم
و إن كان نوى الإفطار فليفطر) سئل: فإن كان نوى الإفطار
يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: (لا).
سئل: فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس
قال: (قد أساء
وليس عليه شيء إلا قضاء ذلك اليوم الذي
أراد أن يقضيه) .
قال الشيخ: إنّه محمول على أنّه ليس عليه شيء من العقاب; لأنّ من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب
فإن أفطر بعد الزوال تلزمه الكفارة حسب ما قدّمناه
و ليس كذلك من أفطر في رمضان; لأنّه يستحق العقاب
و القضاء و الكفارة .
أقول: والأولى أن تحمل الرواية على أن يكون قوله &: (بعد ما زالت الشمس) ظرفاً لمجموع النية و الإفطار
و يكون المراد من قوله &: (قد أساء) أنه أساء في نيته بعد الزوال
فإن اعتقاد صحّة الصوم بالنية بعد
الزوال
و أنّ الأكل بعده إفطار للصوم تشريع
و هذا حمل وجيه للرواية
بل لايبعد ادّعاء ظهوره
بملاحظة تمام الرواية.
وكيف كان فلا تعارض بمثلها الروايات المعتبرة المستفيضة جدّاً

المعتضدة بالشهرة العظيمة و
الإجماعات المنقولة.
ثمّ إني بعد ما اُلهمت هذا التوجيه للرواية
و حسبته من خواصّي
راجعت المعتبر فوجدت ما ذكره هنا
راجعاً إلى ما فهمته
فحمدت الله عليه.
ثمّ رأيت الفاضل الإصفهاني في شرح الروضة أكثر البحث عليه
و زيّف كلامه
حيث لم يستجود تأويل الشيخ
و ذكر ما يؤول إلى ما ذكرنا
و فهم رواية عمار كما فهمنا
و نقلها بالمعنى اختصاراً
و حسب الفاضل أنّه
أُسقط من الرواية شيئاً
فلم يطابق تأويله للرواية
و زاد بذلك البحث عليه بما لاحاجة إلى نقله.
و إنّما نبّهنا على ذلك أداءاً لبعض حقوق هذا الخبر العظيم الشأن
و الفريد المرصوص البنيان
و
وفاءاً لوصيته التي ذكرها في أوّل الكتاب
و تأكيده البليغ في عدم البدار إلى ردّ شيء من مقاصده في
شيء من الأبواب
و إن كان هذا الفاضل الرفيع المكان أيضاً ممن لا يسع لمثلي مكافحته و مناقضته
و الله
يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
السادسة: اختلفوا في قدر الكفارة
فعن المشهورة كما في المسالك هنا و في الكفارات أنّها إطعام عشرة
مساكين
فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام .
وعن أبي الصلاح: التخيير بينهما
و كذا عن ابن زهرة ناقلاً عليه الإجماع .
وعن ابن البراج في موضع من المختلف
و عن الصدوقين: أنّها كفارة شهر رمضان
إü في الفقيه
فجعله
رواية .
و قد عرفت أنّ ظاهر الشيخ في التهذيب أيضاً ذلك إذا كان استخفافاً و تهاوناً
و إلا فالأوّل .
وعن ابن حمزة: موافقة التهذيب في صورة الاستخفاف
و موافقة أبي الصلاح في صورة العجز .
وعن سùر: أنّه كفارة اليمين

و هو المنقول عن الكراجكي
و كذا عن ابن البراج في موضع من المختلف .
وعن ابن إدريس: أنّه كفارة اليمين
و تبع ابن إدريس المشهور في موضع آخر
و لعلّ المراد فيهما واحد
مسامحة
كما وقع إطلاق كفارة اليمين على مذهب المشهور في المختلف في باب الكفارات
و كذا الشيخ في
النهاية في باب الكفارات قال: كفارة يمين و إن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .
و عن ابن أبي عقيل: عدم وجوب الكفارة
و هو ظاهر المسالك في الكفارات
فإنه استجود حمل الكفارة على
الاستحباب; لاختلاف تقديرها في الروايات
و اختلاف تحديد وقت ثبوتها
يعني بالزوال والعصر و
الإطلاق
و قصور سند الأخبار
و قوّاه في الكفاية
و الأقوى قول المشهور.
لنا: ما رواه في الكافي و التهذيب عن بريد العجلي
عن أبي جعفر &: في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر
رمضان
قال: (إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شيء عليه إلا يوم مكان يوم
و إن كان أتى أهله بعد
زوال الشمس فإن عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين
فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم
و صام ثلاثة أيام
كفارة لما صنع) و في الكافي و التهذيب لم يذكر قوله &: (فإن لم يقدر) إلى آخر الحديث.
وربما يقدح في سنده بالحارث بن محمد; لأنّه مجهول.
و فيه: أنّه منجبر بعمل الأصحاب
مع أنّ الراوي عنه الحسن بن محبوب
و قال الكشي: إنه ممن اجتمع
أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه .
مع أنّ الشيخ روى في الصحيح عن هشام بن سالم قال
قلت لأبي عبداللّه &: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر
رمضان؟ فقال: (إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلاشيء عليه
يصوم يوماً بدل يوم
و إن فعل بعد صلاة
العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين
فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك) .
وحملها الشيخ على قبل الزوال بناءاً على أنّه إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين
إلا أنّ الظهر قبل

العصر
و لابأس به
مع أنّ خروج بعض الحديث عن الحجية لايوجب سقوطه رأساً
و إذا ثبت الحكم ما بعد
العصر فلا قائل بالفصل.
حجّة القول بأنّها كفارة شهر رمضان: موثقة زرارة المتقدّمة .
و لاوجه للقدح فيها من حيث السند لمكان عليّّ بن فضال
فإنه موثّق
و الموثّق حجّة.
و لا بأنّه ليس فيها تقييد بما بعد الزوال; لأنّ الأخبار الدالة على جواز الإفطار قبل الزوال بحيث
يفهم منها أنّه ليس عليه شيء بسبب الإفطار قبل الزوال يصير بمنزلة المقيّد
فلا يرد ما استبعده في
المسالك من حمل المطلق على المقيّد من جهة مخالفة الحكم
فإنّ الحكم في المقيّد مثل رواية بريد
مخالف لحكم هذا المطلق; لتفاوت الكفارة فيهما. مع أنّ نفس الكفارة شيء واحد
و الاختلاف في كيفيّتها.
بل ينبغي أن يقال: إنها لاتقاوم رواية المشهور من حيث الاعتقاد بعمل المشهور
و أصالة البراءة عن
زيادة التكليف وضعف الدليل الوارد فيها
سيّما مع ملاحظة ماورد من استبعادهم في الأخبار مساواة
قضاء شهر رمضان لرمضان
فقالوا: (وأنّى له بمثله) يعني مثل اليوم المقضي
و خصوصاً مع ملاحظة الفرق
بجواز الإفطار هنا قبل الزوال دونه.
وأما مرسلة حفص بن سوقة
عن أبي عبداللّه &: في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان
فيسبقه الماء فينزل
فقال: ( عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في رمضان) ففيها مضافاً إلى ما
اُورد على السابق من الإطلاق أنّها ضعيفة و لا جابر لها.
و قد تحمل على أنّ المراد من قضاء شهر رمضان أداؤه
و هو بعيد
كتأويل موثقة زرارة بأنّه كان يقضي في
شهر رمضان و هو لايعلم أنّه شهر رمضان
مؤيداً بالتعليل بأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيام شهر رمضان.
وأمّا حجّة القول بكفّارة اليمين: فلعلّه البناء على أنّ في الرواية مسامحة في ذكر إحدى الخصال
و
إرادة التخيير بينها و بين غيرها
كما اتفق نظيره في سائر الكفارات
كما نقلنا نظيره من المختلف و
غيره في عبارات الفقهاء
و لكن الاعتماد على ذلك مشكل.
وأمّا حجّة التخيير; فلم أقف على ما يدلّ عليه إü الإجماع الذي نقله ابن زهرة

و لا وجه للاعتماد عليه
مع هذا الخلاف الواضح و الأخبار الدالة على خلافه.
و يظهر من ذلك الكلام في مذهب ابن حمزة و أنّه لا دليل عليه.
وأمّا حجّة ابن أبي عقيل
فهو الأصل
و موثّقة عمّار المتقدّمة. والأصل لايعارض الدليل
و قد عرفت
الكلام في الموثّقة.
وقد عرفت وجه حمل أخبار الكفارة على الاستحباب كما اختاره في المسالك في الكفارات
و أيّده برواية
أبي بصير عن أبي عبداللّه &: في المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار
قال: (لاينبغي له أن
يكرهها بعد الزوال) .
والجواب: منع ضعف المستند
و لايضرّ اختلاف الأخبار مع حصول المرجّح.
واعلم أنّ المراد بثلاثة أيّام: المتتابعات كما قطع به الجماعة
و قيل: لعله إجماع
و مقتضى حسنة
عبداللّه بن سنان عن الصادق &
قال: (كلّ صوم يفرق إلا ثلاثة أيّام في كفارة اليمين) عدم اللزوم
و
لايحضرني مصرّح به.
وكذلك رواية سليمان بن جعفر الجعفري
عن أبي الحسن &
قال: (إنّما الصيام الذي لايفرق كفارة الظهار
و
كفارة الدم
و كفارة اليمين) .
تنبيهات:
الأوّل: الظاهر كفاية مدّ في الإطعام
أو إشباع مسكين
و سيجيء تحقيق المقام و ذكر الخلاف في
الكفارات إن شاء الله تعالى.
الثاني: قال في المسالك و الروضة: يجب إمساك تتمّة اليوم مع الإفطار بعد الزوال
و هو مقتضى كلام
الشهيد في الدروس .
و ربّما يستدلّ له بقوله & في صحيحة هشام المتقدّمة: (صام ذلك اليوم).
و يشكل بأنّ الظاهر منه الصوم الشرعي بدل ذلك اليوم
لا مجرد الإمساك
مع أنّه مستلزم لعدم التعرّض
للقضاء.
وبما في موثّقة زرارة (أنّ ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان) بتقريب أنّه يجب الإمساك في رمضان.

ويخدشه ـ مع كونه نادراً كما مرّ ـ منع لزوم المساواة في جميع الأحكام.
وربما يتمسّك باستصحاب وجوب الإمساك.
وفيه: أنّ الإمساك المأمور به إنما هو في ضمن الصوم الشرعيّ
و لامعنى لاستصحابه.
فالأقوى عدم الوجوب
كما نقل ابن فهد في محرره; للأصل و عدم الدليل كما عرفت.
الثالث: الأخبار الواردة في لزوم الكفارة و إن كانت مختصّة بالوقاع لاسائر المفطرات
و لكن الظاهر
عدم القول بالفرق كما صرّح به بعض الأصحاب.
الرابع: قال في المسالك و الروضة تتكرّر الكفارة بتكرّر السبب كشهر رمضان
يعني إما مطلقاً
أو مع
تخلّل التكفير
أو اختلاف الجنس
أو في الجماع خاصة على التفصيل الذي تقدم .
و لعلّه استند إلى موثقة زرارة المتقدّمة
و قد عرفت الجواب عنها
و الأصل عدم التكرر
سيّما في غير
الجماع الذي هو مورد روايات الباب
و ظهور الروايات في المرة الاُولى.
فالأقوى العدم
سيّما مع ما يستفاد من الأخبار من تفاوت رمضان مع غيره
و أنّ احترام اليوم فيه منظور
مع قطع النظر عن الصوم
كما يظهر من حكم المسافر و الحائض و غيرهما
بخلاف غيره.
التاسع: من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان و مضى عليه أيّام
أو كلّ الشهر
فيجب عليه قضاء الصلاة
إجماعاً; للإجماع على اشتراطها بالطهارة عن الجنابة.
و أمّا الصوم; فالأشهر كما في اللمعة و المسالك وجوب قضاؤه أيضاً
و نسبه في غاية المراد إلى الأكثر
و منهم المحقق في المعتبر بظاهره .
و ذهب ابن إدريس إلى عدم وجوبه و تبعه المحقّق في المختصرين .
والأظهر الوجوب; لصحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبداللّه & عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى
خرج شهر رمضان
قال: (عليه أن يقضي الصلاة و الصيام) رواها في الزيادات .
وروى الشيخ في الصحيح
عن عبد اللّه بن مسكان
عن إبراهيم بن ميمون بأدنى تفاوت .
وما رواه الكليني و الصدوق في الفقيه

عن عليّ بن رئاب
عن إبراهيم بن ميمون ـ و هو وإن كان مجهولاً إü
أنه قد يروي عنه ابن مسكان ـ قال: سألت أبا عبداللّه & عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثمّ ينسى أن
يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة
أو يخرج شهر رمضان
قال: (عليه قضاء الصلاة و الصوم) ثمّ قال: و قد روي في خبر
آخر أنّ من جامع في أوّل شهر رمضان ثمّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أنّ عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و
صومه
إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة
فإنه يقضي صلاته و صيامه إلى ذلك اليوم
و لايقضي ما بعد ذلك .
ويؤيّده ما ذكره المحقّق في المعتبر من أنّ فتوى الأصحاب على أنّ المجنب إذا نام مع القدرة على
الغسل
ثمّ انتبه
ثمّ نام
وجب عليه القضاء
سواء ذكر الاحتلام بعد ذكره الأوّل أو نسيه.
وإذا كان التفريط السابق مؤثراً في إيجاب القضاء
فقد حصل ههنا تكرار النوم مع ذكر الجنابة أوّل
مرّة
فيكون القضاء لازماً كما كان هناك لازماً
خصوصاً و قد وردت الرواية الصحيحة الصريحة المشهورة
بذلك.
فإن قيل: إنّما وجب عليه القضاء في تكرار النوم مع نيّة الغسل
فيكون ذاكراً للغسل و مفرّطاً فيه في
كلّ نومة.
قلنا: الذي ذكر نية الغسل بعض المصنّفين
و لاعبرة بقوله مع وجود النصوص مطلقة
روى ذلك جماعة
منهم
ابن أبي يعفور
عن أبي عبداللّه &: في الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتى يصبح
قال:
(يتمّ صومه
و يقضي يوماً آخر) و مثله روى محمّد بن مسلم و سماعة بن مهران و غيرهما.
ولو قيل: إنّما يلزم ذلك إذا تكرّر النوم في الليلة الواحدة.
قلنا: كما عمل بتلك الأخبار في الليلة الواحدة و إن كان لم يتعمّد البقاء على الجنابة
جاز أن يعمل
بهذا الخبر في تكرار النوم في الليالي المتعدّدة
و لا استبعاد في هذا
إü أن يستبعد في ذلك.
و لا يقال: فتلزم الكفارة.

لأنّا نقول: قد بيّنا أنّ إيجاب الكفارة مع تكرّر النوم لم يثبت
و اقتصرنا على القضاء لاغير في
الموضعين
انتهى كلامـه رحمه اللّه.
وإنّما جعلناه مؤيّداً لما يرد عليه المنع; لوجود الفارق بين المقامين كما ستعرف
فلا اعتماد على
العلّة التي فهمها
و العبرة إنّما هي بالنصّ. مع أنه عدل في الاعتراض الأخير و جوابه عن سوق
الاستدلال الأوّل إلى الاعتماد على النصّ
فياليته فعل كذلك في الأوّل أيضاً.
ومع ذلك كلّه يرد عليه أنّه إنّما يتمّ في غير اليوم الأوّل; إذ لم يحصل التكرار فيه بعد
و استثناؤه
قول حادث لم يعلم القول به من أحد
كما أشار إليه في غاية المراد
و لعلّه لذلك تبع المحقّق ابن إدريس
.
وربّما يمكن دفعه بمنع تحقّق الإجماع المركّب; لأن غرضهم هنا مجرّد بيان أنّ السهو في الغسل يوجب
القضاء في الجملة
و ليس مدخلية الجنابة في إفساد الصوم منحصرةً في صورة العمد
لا أنّه موثّر في
جميع الأفراد حتّى في اليوم الأوّل
و لذلك رجع عنه في المعتبر إلى قول المشهور
مع أنّا نقول
الاعتماد على النصّ يرفع عنّا مؤونة هذه الإيرادات.
حجّة ابن إدريس: الأصل
و عموم رفع الخطأ و النسيان الوارد في الرواية المتلقاة بالقبول كما في غاية
المراد
و القضاء مؤاخذة
و ما رفع إنّما هو المؤاخذة لاحقيقتها كما هو واضح
مع أنّها أقرب مجازات
نفي الحقيقة هنا
و منع اشتراط الصوم بالطهارة الكبرى إلا مع العلم.
و من ثمّ لو نام جنباً في المرّة الأُولى فأصبح نائماً
صحّ صومه و إن تركها تمام النهار عمداً
فهنا
أولى.
وفيه: أنّ الأصل لايقاوم الدليل
و الحديث مع سلامته ظاهر في نفي الإثم و العقوبة
فلاينافي وجوب
القضاء كالصلاة
و قد أقمنا الدليل على الاشتراط
فلا مجال للمنع; لما حقّقناه في الاُصول من حجيّة

أخبار الآحاد
سيّما مثل هذه الأخبار المعتبرة المشهورة.
و أمّا قياسه بمسألة النوم فستعرف حاله.
ثمّ إنّ بعض الأصحاب كالشهيد في اللمعة عنون المسألة بقوله: من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة و الصوم
في الأشهر
و كذا أطلق في الدروس
و العلامة في القواعد
و هذا الإطلاق يشمل اليوم الواحد و الأكثر
منه
إلى انقضاء الشهر.
ويشكل أوّلاً: بأن صحيحة الحلبي و ما في معناها ظاهرة في غير صورة الانفراد.
وثانياً: بأنه لا يظهر فرق حينئذٍ بين ما نحن فيه و بين ما لو نام جنباً أوّل مرّة فأصبح و لم يغتسل
و
إنهم حكموا فيه بصحة الصوم و إن ترك الغسل طول النهار عمداً
و حكموا ههنا بوجوب القضاء
فما وجه
اختلاف حكمها حتى أنّ حكمهم في النائم يشمل ما لو نام النومة الأُولى و أصبح ناسياً للجنابة حتى
الليل.
ومقتضى حكمهم هنا وجوب القضاء لدخوله في الناسي
و مقتضى ما ذكروه في النائم عدم الوجوب; لدخوله تحت
مسألة النائم.
فاندفاع الإشكال إما ببيان الفارق بين النوم و النسيان
إن جعلنا الإشكال في عدم الفرق بينهما من
جهة عدم التكليف حالهما
و إما ببيان اندراج ما اجتمع فيه النوم و النسيان في أيّهما.
فأمّا الأوّل; فيمكن الفرق كما يستفاد من غاية المراد بأنّ النسيان مظنة التذكر
بخلاف النوم
فلما
اُبيح له النوم إرفاقاً به
اُبيح له ما يترتّب عليه
فلا تفريط فيه; بخلاف الناسي
فإنه من جهة
تفطّنه في مظنّة التذكّر
و عدم تذكّره مع طول الزمان لايكون إü لتفريطه
و لذلك يقال بوجوب القضاء
في النائم ثانياً
فإنه قد يتخلّل التذكّر بينهما
فنومه ثانياً أيضاً تفريط.
و توضيح ذلك: أنّ مقدّمات النسيان قد تكون اختياريّة
و لذلك مدح الله المؤمنين بقولهم:
ربّنا لا
تؤاخذنا إن نسينا

.
ويوضحه: ماورد من لزوم إعادة الصلاة على من نسي إزالة النجاسة; معلّلا بأن ذلك لأجل أن يهتمّ بأمره
حتّى لاينسى
و يشير إليه قوله &: (رفع عن اُمتي الخطأ والنسيان) .
وأما الثاني
فنقول: أما فيما لو نام أوّلاً ثم انتبه ليلاً و نسي الجنابة و استمرّ إلى الليلة
الآتية فصاعداً فالأظهر اندراجه في مسألة النسيان
و عليه القضاء; لأنّ النوم كان مرخصاً فيه
و ترك
الغسل مستند إلى النسيان
و هو السبب في الترك.
و مثله ما لو نسي قبل النوم و استمر ثمّ نام إلى فوات وقت الغسل.
و أولى منه بالاندراج ما لو تذكّر بعد الانتباه
ثمّ نسي
سيّما إذا طال زمان التذكر.
ولابد أن ينزّل إطلاق كلامهم في مسألة النوم بعدم القضاء على غير ذلك.
وإن لم ينتبه ليلاً حتى انقضى وقت الغسل ثمّ استمر نسيانه إلى الليل
فالظاهر اندراجه في مسألة
النوم; لاستناد ترك الغسل إليه.
نعم مع استمرار النسيان إلى ما بعد اليوم من الأيّام يندرج ما بعد اليوم الأوّل في مسألة النسيان.
ثمّ إنّ المتبادر من مسألة النوم و الغالب الوقوع هو النوم عقيب العلم بالجنابة
و أمّا لو تمادت
مدّة التذكّر بعد العلم بالجنابة
ثمّ نام حتى فات وقت الغسل
فيشكل اندراجه في مسألة النوم
كما
يشكل الحكم بلزوم القضاء; للأصل
و عدم حصول النسيان بالفرض.
وقد ذكر في الروضة هذا الإشكال
أعني المنافاة بين إطلاق لزوم القضاء بحيث يشمل اليوم الواحد هنا
مع
حكمهم بعدم القضاء فيما لو نام الجنب حتى فات وقت الغسل.
وذَكَرَ في دفعه وجهين:
الأوّل: إنّ مرادهم هنا حكم الناسي
و فيما تقدّم حكم النائم عالماً عازماً على الغسل
لا ناسياً
فيضعف حكم الجنابة بالعزم على الغسل.
والثاني: بحمل ما هنا على ما عدا اليوم الأوّل .
وأنت بعد التأمّل فيما ذكرنا تعرف وجه الأوّل و تنزيله على ما ذكرنا
بأن مراده هو بيان الحكمة في
الفرق مع قطع النظر عن وحدة النوم و كثرته
و يصحّ توجيهاً لإطلاقهم الفتوى في المقامين.

وأمّا الثاني; فلا يصح دفعاً لإشكال الإطلاق كما أشار إليه أيضاً
بل إنّما المراد منه أنّا نقول
بالقضاء في النسيان في غير اليوم الأوّل إذا تكثّرت الأيّام
و بعدم القضاء في النوم
و هو نفي
للإطلاق
لا بيان لوجهه و دفع الإشكال.
واُورد عليه: بأنه قول بالتفصيل
و لا قائل به هنا
و قد ذكرنا أنّ ذلك لايضر.
نعم هذا يمكن أن يصير وجهاً لدفع الإشكال في مخالفة مسألة النوم مع مسألة النسيان في اليوم الأوّل
من الأيّام المتعدّدة.
و وجه الدفع: أنّا لا نقول بوجوب القضاء إلا فيما بعد اليوم الأوّل حتى يرد علينا أنه لا فرق بين
المسألتين
فلِمَ تفرقون؟
ثمّ قال في الروضة: و يمكن ـ الجمع يعني بين ما دلّ على حكم النوم و ما دلّ على حكم النسيان ـ بأنّ
روايات الثاني إنما دلّت على حكم الأيّام الكثيرة
و روايات الأوّل على حكم الليلة الواحدة
فيفرّق
بين اليوم الواحد و الأكثر من يوم عملاً بمنطوق روايات الطرفين .
ثمّ استشكله بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض إن لم يكن أولى
فيعود المحذور من منافاة حكم هذا
البعض الذي هو اليوم الأوّل لذلك اليوم الواحد في مسألة النوم.
أقول: إن أراد أنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض في ضمن الجميع فهو مسلّم
و لكن لايضر هذا بما ذكر
في الجمع; إذ لعلّ في الاجتماع تأثيراً
فيمكن مخالفة حكم الشيء مجتمعاً مع آخر لحكمه منفرداً.
وإن أراد أنّ قضاء الجميع مستلزم لوجوب قضاء كلّ واحد و لو فرض منفرداً
فهو أوّل الكلام
بل لو فرضنا
أنّ الشارع لو قال: (إذا نام في ليلة واحدة حتّى الصباح لايجب عليه الغسل
و لو نام كذلك ليالي
متعدّدة يجب عليه الغسل) لايستلزم ذلك محذوراً.
ثمّ إنه ـ رحمه اللّه ـ قال في المسالك و الروضة: و في حكم الجنابة الحيض و النفاس لو نسيت غسلهما بعد
الانقطاع
و في حكم صوم رمضان حكم المنذور المعيّن .
أقول: و ربّما يستدلّ عليه بأنهما حدثان منافيان للصوم
و لايرتفعان إü بالغسل
و برواية أبي بصير عن
الصادق & قال: (إن طهرت بليل عن حيضها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك
اليوم) .
ويرد على الأوّل: منع المنافاة إلا مع سيلانها

و منع اشتراط صحّته بالغسل
بل يكفي الانقطاع.
وعلى الثاني: بأنّها ظاهرة في العمد.
وأمّا القدح
في السند فلا وجه له; لكونها موثّقة.
ويظهر منه الكلام في النفاس; إذ لا دليل عليه ظاهراً إلا ما دلّ على اتّحاد حكمها مع الحائض
و قد
عرفت حكم الحائض.
وأمّا إلحاق النذر المعيّن فلا دليل عليه أيضاً; لما سبق في محلّه من الإشكال في اشتراط غير رمضان و
قضائه بعدم البقاء على الجنابة عمداً
فضلاً عن قضائه
و ما ورد في الحيض أيضاً مختص برمضان و النذر
المعيّن.
وإن ثبت وجوب قضائه بالإجماعات المنقولة و الرواية الصحيحة كما سبق منّا الكلام فيه
و لكنه; إنّما
هو فيما ثبت بطلانه به
و مورد الرواية الوقاع في اليوم
و لم يثبت كون تعمّد البقاء على الجنابة إلى
الصباح مبطلاً له
فضلاً عن صورة النسيان
و فضلاً عن غير الجنابة.
 ï»?
?©???§?¨ ?§U??µU?U?
--------------------
** ?©???§?¨ ?§U??µU?U? / **
U???U? ?©?§U?U? ?¬U??¯ 1
U???U? ?©?§U?U? ?¬U??¯ 2
U???U? ?©?§U?U? ?¬U??¯ 3

/ 340