الإمـام الصادق (عليه السلام) قدوة وأسوة
تأليفالسيد محمد تقي المدرسي تمهيـد
توافق هذه الليلة - التي اشرع فيها بسردقضية تاريخية جليلة عن حياة الامام جعفر
بن محمد الصادق (ع) - الخامس والعشرين من
شهر شوال لسنة 1386 هجرية ، حيث يحتفي العالم
الجعفري بتجديد ذكرى وفاة سادس أئمته
ويفتخر بشرف الانتماء إليه مبدءاً
ومذهباً .وإني إذ أقدم أسجى التعازي إلى المسلمين
عامة ، والجعفريين خاصة ، أرجو من اللـه
العلي القدير ان يسددهم في اتخاذ مبادئ
صاحب هذه الذكرى المفجعة ويهديهم للعمل
الجاد بتعاليمه ومناهجه .
وبالتالي فإني أشرِّف قلمي بالكتابة عنه
، مشاطرة مني في تجديد الذكرى مع الأمة
الإسلامية ، ولدعم المجتمع الإسلامي
بالثقافة الحقة التي شرعها لنا ربّ السماء
ورسوله ، ومن ثم تأدية لمسؤوليتي تجاه
مبدئي والحق الذي يمثله ، وليس سداً لثغرة
في التاريخ ، فهناك عدد من الكتب الحديثة
عالجت قضية الإمام الصادق (عليه السلام)
ومذهبه ومذهب تابعيه بشتى الأساليب
والصور.
الفصل الأول: الأصل الكريم
ميــلاده :
كانت الأمة الإسلامية تحتفل بالذكرىالثمانين(1) من مولد الرسول الأعظم (ص) ، في
السابع عشر من شهر ربيع الأول ، وكانت تسير
في بيت الرسالة موجة كريمة من السرور
والإبتهاج ، ترتقب مجدا يهبط عليها
فيزيدها رفعة وشموخاً .
في تلك الليلة ، وفي ذلك الجو الميمون ولد
الإمام الصادق (ع) شعلة نور بازغة سخت بها
إرادة السماء لتضيء لأهل الأرض ، وتنير
سبلها إلى الخير والسلام .
أبــواه :ولد من أبوين كريمين عظيمين مباركين هما :
1 - الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي ؛
الباقر (ع) ، الذي انحدر من سلالة علي أباً
وأماً ، حيث كان حفيد الحسين بن علي ،
وكانت أمه حفيدة الحسن (ع) . وهكذا بُني أول
بيت فاطمي أصيل ، فكان أشم وأروع قمة
إنسانية ارتفعت على بيت الرسالة .2 - فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ،
التي كانت هي الأخرى أول نقيبة من سلالة
أبي بكر أماَ وأباَ . وجدها محمد بن أبي بكر
كان له سابقة الجهاد بين يدي الإمام أمير
المؤمنين (ع) ، وكان ربيباَ له حيث تزوج
الإمام بعد موت أبي بكر زوجته أسماء بنت
عميس ، فربى ولدها محمد في حجره ، وغذاه من
علومه ، حتى أصبح فدائياَ مخلصاً للإسلام
، وولاه مصراً فقتل فيها بأمر من معاوية .
وهكذا يأتي الإمام عصارة جهاد مقدس ، من
أب وأم منحدرين من سلالة مباركة .
نشأتــه :لقد كانت ولادته في عصر جده الإمام زين
العابدين الذي ملأ الآفاق فضله ومجده ،
ولم يزل في كنفه الوديع الذي كان يوحي إليه
كل معاني السمو والعظمة ، ويغذيه بكل معاني
الفضل والكمال ، ولم يزل يرى من جده
العبادة والزهادة والرفادة والإجتهاد في
طاعة اللـه فتنطبع في نفسه آثارها ، حتى
بلغ سن الثانية عشر .
وعندما انتقلت إلى أبيه مقاليد الإمامة
العامة ، وقام (ع) بأداء واجباتها
ومسؤولياتها خير قيام ، كان الإمام الصادق
(ع) يترعرع ليصبح فتاً نموذجيا يرمق إليه
الشيعة بأبصارهم ويرون فيه القدوة
السادسة لهم .
سفرته إلى الشام :
لقد كان الأمويون في الفترة الأخيرة منتسلطهم - حيث اختلفت على الامة الإسلامية
التيارات الفكرية المتناقضة - يمارسون آخر
محاولاتهم لتمويه الحقائق وإثبات
المتناقضات ، ويعالجون الأحداث السياسية
على ضوء سياسة أسلافهم المنحرفين ،
والعجيب من أمرهم أنَّهم في تلك الحقبة
كانوا يبدِّلون أزياء الخلافة كما تتبدل
السنين ، فلا تكاد تقبل سنة جديدة على
الناس إلاَّ بخليفة جديد ، لأن الأمة
تلفظهم وتأبى الخضوع لسيادتهم الباطلة .
في هذا العصر - بالذّات - قاسى الإمام
الباقر (ع) من ظلم الأمويين الشيء الكثير ،
لأنه كان مأوى الحق وأهله ومركز المضطهدين
، الذين عارضوا سياسة الأمويين كما يتبين
ذلك من سيرته المقدسة .
أما الشيعة فقد إبتلوا بلاءً عظيماً من
جراء الظلم الأموي ، كما بين الإمام
الباقر (ع) حين قال : " ثم جاء الحجاج فقتلهم
- يعني الشيعة - شر قتله وأخذهم بكل ظنة
وتهمة " .
حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب
إليه من أن يقال له شيعي ينتمي لعلي (ع) .
ولأن الخليفة الأموي أراد إثبات سلطته
على الإمام الباقر (ع) واستعراض قوته أمامه
- مثلما يصنعه الحاكم السياسي الظالم اليوم
بمن يعارضه في الأمر - قام باستدعائه إلى