• عدد المراجعات :
  • 2047
  • 5/15/2011
  • تاريخ :

إخوان الصدق

الورد

من تؤاخي؟

إن الباحث عن معالم الاخوة في الإسلام بما يتفق مع تعاليمه السامية التي لا يجدر بالإنسان الحياد عنها سوف يجدها جليّة بيّنة تأخذ بيده إلى علياء الكرامة والفضيلة، وتنقله نقلة نوعية يشبع برفدها روحه ويروي من نميرها فؤاده الصادي إلى ذاك التكامل المنشود والمنتهى الخالد خلود الحق طالما لم يعكس الاتجاه، وظلّ يتوق ويتشوق إلى التزود من خيار اخوته في اللَّه تعالى ثم بلغ هذه الغاية فغدت حقيقة وحدثاً بعد أن كانت أمنية وحلماً فتجمعت جداول الخير في بحر واحد.

 

فمن هم هؤلاء يا ترى؟

انهم اخوان الصدق الذين أوصانا أمير المؤمنين عليه السلام بمعاشرتهم مؤكداً ذلك في قوله:

"وعليك باخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم فإنهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء"1.

 

1- العالم الرباني

لقد أكدت الروايات المباركة على الاستفادة من العلماء الربانيين ومصاحبتهم ومجالستهم لأنهم قادة الركب المقدس الذين يأخذون بيد المرء إلى عالم العلياء ويصلون به إلى حيث أراد اللَّه سبحانه من خلال نشر معارفهم والقيام بدورهم في تبليغ رسالة اللَّه وهداية الناس والدفاع عن مبادى‏ء الدين الحنيف وصيانة الشريعة من أن تدخلها البدع والانحرافات وهم صمّام الأمان الذي لا غنى لأحد عنه.

ومما ورد في حقهم ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام:

"عجبت لمن يرغب في التكثر من الأصحاب كيف لا يصحب العلماء الألبّاء الأتقياء الذين يغتنم فضائلهم وتهديه علومهم وتزينه صحبتهم"2.

فهنا ثلاث فوائد:

الأولى: اغتنام فضائلهم ومعناه التحلي بمحاسن الأخلاق التي هم عليها.

الثانية: الاهتداء بعلومهم ومعناه التنوّر بمعرفة أحكام الدين وردّ شبهات الملحدين.

الثالثة: التزيّن بصحبتهم حيث هم زين لمن وفّق للقيام بخدمتهم والتشرّف بمحضرهم.

وعنه عليه السلام:"جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك"3.

وفي وصية لقمان لابنه:"يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن اللَّه عزّ وجلّ يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء"4.

وفي مقابل ذلك إن التخلي عنهم وترك مجالستهم موجب للخذلان من اللَّه تعالى لأن الابتعاد عنهم معناه الابتعاد عن المدرسة الإلهية التي أمر المولى سبحانه بالتربي في كنفها وتحت ظلالها وهذا ما جاء صريحاً في دعاء السجّاد عليه السلام:"أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني".

 

2- الحكيم الإلهي

إن مصاحبة الحكماء ومجالسة الحلماء، فيهما من اثار الخير ما لا يمكن عدّه واحصاؤه لما في هذين الصنفين من مواصفات عالية تترك بصماتها وثمارها في الجنبة العلمية وكذلك العملية بما يساعد الإنسان في طريقه نحو الكمال.

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"صاحب الحكماء وجالس الحلماء واعرض عن الدنيا تسكن جنة المأوى"5.

وفي رواية أخرى:"أكثر الصلاح والصواب في صحبة أولي النهى والصواب"6.

 

3- المحب في اللَّه

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"خير الاخوان من كانت في اللَّه مودّته"7.

وعنه عليه السلام:"خير الإخوان من لم تكن على الدنيا أخوّته"8.

 

4- المواسي لك

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"خير إخوانك من واساك وخير منه من كفاك وإذا احتاج إليك أعفاك"9.

وفي حديث اخر:"خير أخوانك من واساك بخيره وخير منه من أغناك عن غيره"10.

 

5- الداعي إلى اللَّه تعالى

والمراد منه من كانت دعوته بالعمل إضافة إلى القول كما عبّرت عن ذلك النصوص الشريفة حيث ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:"خير إخوانك من دعاك إلى صدق المقال بصدق مقاله، وندبك إلى أفضل الأعمال بحسن أعماله"11.

و"خير إخوانك من سارع إلى الخير وجذبك إليه وأمرك بالبرّ وأعانك عليه"12.

 

6- المعين على الطاعة

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"المعين على الطاعة خير الأصحاب"13.

وعنه أيضاً: "إذا أراد اللَّه بعبدٍ خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه"14.

وفيما ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لما سئل من أفضل الأصحاب:"من إذا ذكرت أعانك وإذا نسيت ذكّرك"15.

حيث تكون الوظيفة الأولى في حالة الذكر بأن اللَّه تعالى حاضر وناظر هي المعاونة "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"(المائده:2) وتكون الوظيفة الثانية في حالة النسيان والغفلة هي التذكير والتوعية اتجاه المسؤولية الإلهية الملقاة على عاتقه.

 

خير الجلساء:

عن النبي صلى الله عليه وآله حينما سئل أي الجلساء خير؟ فقال:"من ذكّركم باللَّه رؤيته وزادكم في علمكم منطقه. وذكّركم بالاخرة عمله"16.

يعني أن الأمور المذكورة تساهم مساهمة حقيقية في بناء الشخصية الإيمانية ومصدرها الخير الذي هو عليه في الحال والمنطق والعمل حيث تكون الثمرة من هذه المجالسة مكسباً معنوياً سواء في ذكر اللَّه أو زيادة العلم أو تذكر الاخرة، وليس غريباً أن المؤمن إذا فقد أخاه وجليسه الذي يمتاز بهذه المواصفات أن لا يحب البقاء بعده17وهذا دليل أنه من الخيرة والصفوة ويشعر أن الذي فقده هو بعضه كما يقول أحد الشعراء:

 

ومن محن الدنيا بقاؤك بعد مَنْ
 إذا رحلوا أبقوك دون مشابهِ
فوجهٌ إذا ما غاب تبكيه ساعةً
ووجهٌ تملّ العمر عند غيابهِ
وتدفن فيه بالثرى إن دفنتهُ
وجودك إن المرء بعض صِحابهِ

 

 

   

وصية جامعة:

لقد جمع الإمام الحسن عليه السلام أوصاف اخوان الصدق وخلاّن الوفاء في وصيته لجنادة في مرضه الذي توفي فيه حيث قال عليه السلام:اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدّق قولك، وإن صلت شدّ حولك وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك وإن نزلت إحدى الملمات به ساءك"18.

وهذه الخصال بأجمعها سوف يأتي أنها من جملة الحقوق الأخوية التي علينا مراعاتها والانتباه لها. وأن يبقى حاضراً في ذاكرتنا ومنقوشاً في صفحات قلوبنا إن دوام المودة مرهون باخوة الدين لا الدنيا، إن الاخوان الصادقين في اخوتهم أفضل عدة وذخر وعون في الشدائد والمصاعب مدى الحياة كما جاء في الحديث:"خوان الدين أبقى مودة، اخوان الصدق أفضل عدة"19.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- بحار الأنوار، ج71، ص187.

2- ميزان الحكمة، حديث 10248.

3- م.ن. ج1، ص55.

4- م.ن. ج1، ص402.

5- م.ن. حديث 10245.

6- م.ن. حديث 10244.

7- م.ن. حديث 264.

8- م.ن. ح265.

9- ميزان الحكمة، ح2624.

10- م.ن. ح2634.

11- م.ن. ح2685.

12- م.ن. ح2674.

13- م.ن. ح13301.

14- م.ن. ح1033.

15- م.ن. ح10330.

16- بحار الأنوار، ج71، ص186.

17- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير الاخوان من إذا فقدته لم تحب البقاء بعده" الغرر، ج1، ص391، ح69.

18- ميزان الحكمة، حديث 10243.

19- م.ن. حديث 188.


أصناف الأخوان

عظمة حق الأخ

دور التآخي في بناء المجتمع 

أصدقاء السوء

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)